المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ممارسة أئمة المرحلة الاولى للصراع السياسي


عاشق القائم
20-01-2010, 08:13 AM
في هذه المرحلة مارس هؤلاء الأئمة (ع) الصراع السياسي، لأجل إعطاء هذه النظرية بكل وضوح، غاية الأمر أننا نرى ان امير المؤمنين (ع) لم يقم بالصراع الحاد الا بعد موت عمر بن الخطاب، نعم بعد السقيفة بأيام، سجل أمير المؤمنين (ع) للتاريخ رأيه في السقيفة وسجل ذلك الحواريون من أصحابه من امثال سلمان والمقداد وعمار. وهناك قالوا حكمهم، قالوا بأن هذا ليس تعدياً على علي (ع)، وانما هو تعد على الامة الاسلامية، وعلى التجربة الاسلامية سلمان اخذ يصف حال المسلمين وماذا يكون عليه فيما لو ولّوا علياً.
وفاطمة الزهراء عليها السلام، في كلام لها مع نساء المهاجرين والأنصار، وصفت ايضاً حالة المسلمين لو انهم ولّوا علياً...
لكن بعد هذا، امير المؤمنين (ع) لم يبد على مسرح الصراع بشكل مكشوف في ايام ابي بكر وعمر بالرغم من ان الانحراف كان قد بدأ منذ خلافة ابي بكر لا الانحراف في تغيير شخص الحاكم بل الانحراف في تغيير مضمون الحكم وسياسة الحكم.
هذا الانحراف بدأ في أيام ابي بكر واشتد في ايام عمر وانجلى في ايام عثمان بصورة غير اسلامية، وكان الانحراف يسير في خط منحن حتى وصل الى الهاوية بعد ذلك.
نعم بدأ أمير المؤمنين (ع) معارضته لأبي بكر وعمر وعثمان وللزعامات المنحرفة جميعاً بشكل مكشوف وصريح، بعد وفاة عمر مباشرة، وقبل ان يتم
الامر لعثمان عندما قال له عبد الرحمن بن عوف وكانوا ستة قد اجتمعوا للشورى قال له: مد يدك أبايعك على كتاب اللّه وسنة نبيه (ص) وسنة الشيخين، وكان يريد عبد الرحمن من ذلك ان يجعل سيرة الشيخين ممثلاً شرعياً للنظرية الاسلامية للحياة الاجتماعية، لو كان علي قبِلَ ذلك لانتهى هذا التمثيل، لأنه لم يكن في مقابل اطروحة هذين الشيخين الا علي (ع) ولو وافق على ذلك، لأصبح هو ذات النظرية السائدة، فقال: بايعني على كتاب اللّه وسنة رسوله (ص) واجتهادي. اما سيرة الشيخين لا يمكن ان تقبل كممثل شرعي للنظرية الاسلامية وللحياة الاجتماعية.
هنا بدأ الامام (ع) يشجب ويعارض هذه الزعامة المنحرفة، امير المؤمنين (ع) رفض الخلافة والزعامة لأجل ان لا يدخل سيرة هذين الرجلين كجزء للنظرية الاسلامية.
قد يقال: ان هذا باب التزاحم وباب العناوين الثانوية ماذا كان يضره لو قال: نعم فيبايعه على كتاب اللّه وسنة رسوله (ص) وسيرة الشيخين، ثم بعد هذا يقول ويعمل حسب رأيه وينقض عهده لعبد الرحمن لأن كل شرط خالف كتاب اللّه ورسوله مردود؟! ألم يكن هذا تكليفاً شرعياً بناءً على ان الوصول الى الخلافة واجب، وتنحصر مقدمة هذا الواجب بأن يمضي هذا الشرط، فعليه يكون هذا واجباً بالعناوين الثانوية لأنه مقدمة للواجب...؟!
وجوابه: إنه لو قال علي بن أبي طالب (ع) ذلك لتم هذا التخطيط، ثم ان النظرية الاسلامية للحياة هي النظرية التي قدمها هؤلاء المنحرفون في المقام، وما أشد ضياع الاسلام لو قال هذا، وقد قلنا وسوف نشرح ان عودة التجربة الى الخط المستقيم على المدى البعيد البعيد، لم تكن بالامكان اصلاً حتى لو تولى أمير المؤمنين (ع) الخلافة بعد عمر، فماذا يكون الا الخسارة الا ان يعطي هذا الامضاء وهذا الصك للزعامات المنحرفة.
من هنا بدأ الامام (ع) يصارع، ثم بعد هذا في ايام عثمان انفتح صراعه السياسي بشكل اوضح.
كان (ع) يعبر عن آلام الامة وعن آمالها، ومظالمها امام عثمان، ويعظه ويوبخه، ويذكره اللّه وايام اللّه والآخرة ورسول اللّه (ص) ولكن عثمان لم يكن يتعظ.
لماذا كان حريصاً كل الحرص على ان يبدو صراعه موضوعياً عقائدياً يستهدف النظرية لا الشخص يستهدف تثبيت دعائم نظرية حقيقية للاسلام، لاتدعيم شخصه، كان الامام (ع) حريصاً على ان تكون التصورات والانعكاسات التي يعيشها الناس عن صراعه على مستوى ان صراعه صراع نظري عقائدي، وليس صراعاً شخصياً لأن هذا كان من اكبر الوسائل لتثبيت حقانية هذه النظرية التي يقدمها أليس هو يريد ان يثبت للذهنية الاسلامية ان النظرية الاسلامية للحياة الاجتماعية هذه لا تلك التي يطبقها الزعماء المنحرفون كيف يستطيع ان يرسخ هذا في الذهنية الاسلامية على انه صراع عقائدي ونضالي في سبيل تثبيت النظرية، ولهذا انتظر أمير المؤمنين (ع) ان يبرز الانحراف واضحاً ثم يبدأ الصراع. لأن هؤلاء الناس الغير الواعين لا يشعرون بمرارة الانحراف الا اذا دخل الانحراف الى بيوتهم، الا اذا مس جلودهم، أما قبل هذا فلا يترقب من الأمة الغير الواعية، ان تشعر بالانحراف.
الانحراف بدأ في ايام ابن أبي قحافة وعمر، وكان انحرافاً مستوراً، وكان عمر موفقاً جداً في ان يلبس هذا الانحراف الثوب الديني المناسب. نحن لا نريد ان نعطي مفهومنا الخاص عن عمر بل نأخذ بمفهوم السنة عن عمر ان عمر حتى بحسب المفهوم الذي يحتمل انه كان حقيقة في الاسلام على مستوى هذا الثوب الديني المصطنع نجد عمر فرط في العطاء بين الناس ووضع تركيباً قبلياً في المجتمع الاسلامي كما صنع عثمان، لكن فرق بينهما، لأن عمر جعل هذا التركيب القبلي الطبقي على اساس خدمة الاسلام، قال ان كل من كان أقرب للنبي (ص) يعطيه أكثر، وهذا ثوب تقبله أمة غير واعية قبولاً إجماعياً، أكثر مما تقبل النظرية الاسلامية الحقيقية. قبل ان يلتفت الى نتائج هذا التركيب القبلي من اللحظة الاولى، قبل ان يلتفت الى ما سوف يتمخض عنه هذا التركيب الطبقي من بلايا وكوارث ومحن في المجتمع الاسلامي،
تستسيغ هذا المطلب تستسيغ ان عم الرسول (ص) أكثر الناس عطاءً ان يكون البدريون اكثر عطاءً من الاحديين. وان يكون المهاجرون أكثر عطاءً من غيرهم وان يكون العرب الموجودون أيام رسول الله (ص) وعاشوا الدعوة في مراحلها الاولى أكثر عطاء من غيرهم، وهكذا فلو كان علي يعارض هذا الانحراف وقتئذ لفسر على مستوى تلك الذهنية بأنه صراع شخصي وليس صراعاً عقائدياً. لم يكن بإمكانه ان يفهم المسلمين ذلك ولهذا سكت لئلا يلبس صراعه الثوب الشخصي، وهذا هو يقول: سأسالم ما سلمت أمور المسلمين مادام التعدي علي انا، فأنا ساكت مادام الناس يعيشون ويشعرون بأن الامور بخير فأنا ساكت حتي يصابوا بنيران الانحراف.
ويعد عمر أعلن رأيه في الشيخين، فإعلانه بمخالفة سيرة الشيخين كان موقفاً عقائدياً ونضالياً، ولم يكن موقفاً شخصياً لأن المصلحة الشخصية تقتضي هنا ان يسكت فإن لم يكن بينه وبين وصوله الى الخلافة الا ان يقر بزعامة هؤلاء المنحرفين وهذا أمر مؤقت لا يمكن ان يفسر على اساس الصراع الشخصي، وانما يفسر على اساس ان هذا الشخص يريد ان يمسك بيده نظرية جديدة للاسلام غير النظرية التي طبقها الشيخان، ثم بعدما تكشف الانحراف في ايام عثمان الى درجة لم يكن بحاجة الى صعوبة لتشعر به الأمة الغير الواعية، شعرت الامة الاسلامية بذلك خصوصاً في السنوات الاخيرة من ايام عثمان، فدخل الامام (ع) في الصراع بشكل مكشوف ليثبت للتجربة الاسلامية دعائم النظرية الاخرى، فكان (ع) هو رمز نظرية اسلامية للحياة الاجتماعية تختلف عن النظرية المطبقة لواقع الحياة الاجتماعية على ما سوف نشرح ان شاء اللّه تعالى.