خادم شيعة الحجة
27-02-2010, 12:16 PM
http://www.ashaq-basimyat.org/uploads/images/ri4s-7130c8ce79.gif
الزواج المقدس
محمد بن عبد الله وخديجة بنت خويلد
عليهما وآلهما أفضل الصلاة والسلام
يوافق يوم العاشر من شهر ربيع الأول ذكرى الزواج المقدس زواج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بخديجة بنت خويلد عليها الصلاة والسلام قبل البعثة بـ 15سنة.
في هذا الوقت، فكّر (صلى الله عليه وآله وسلم) جدياً في أن يتّخذ شريكة لحياته ويكوّن أُسرة، فكيف وقع اختياره على السيدة خديجة (عليها الصلاة والسلام) التي رفضت كلّ مَن تقدّم إليها من كبار الشخصيات القرشية، أمثال: عقبة بن أبي معيط ، وأبي جهل، وأبي سفيان ؟ وكيف أدّى الارتباط بينهما والعلاقة العميقة و الألفة والمحبة، إلى درجة أنّها وهبت كلّ ثروتها للنبي حتى ينفقها في نشر الإسلام؟
كانت السيدة خديجة (عليها الصلاة والسلام) من خيرة نساء قريش شرفاً وأقواهن عقلاً وأكثرهن فهماً، وقد قيل لها: سيدة قريش، وسمّيت الطاهرة لشدة عفافها، وذلك في أيّام الجاهلية.
وحين رفضت الزواج من سادة القوم قَبِلت بسيد البشر لما عرفت عنه من كرم الأخلاق، وشرف النفس، والسجايا الكريمة، والصفات العالية. وهي المرأة الثرية التي وإن عاشت في الترف وأفضل العيش، إلاّ أنّها أصبحت في بيت زوجها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الزوجة المطيعة الخاضعة الوفية المخلصة، و سارعت إلى قبول دعوته واعتناق دينه بوعي وبصيرةٍ، مع علمها بما ينطوي ذلك على مخاطر ومتاعب. ثمّ جعلت كلَّ ثروتها ومالها في خدمة العقيدة والمبدأ، مشاطرة زوجها بذلك آلامَه ومتاعبَه ، وراضية بمرارة الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، وهي في سن الرابعة والستين.
وقد بلغ من خضوعها للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحبها له، أنّها بعد أن تم الزواج بينهما قالت له: إلى بيتك، فبيتي بيتك وأنا جاريتك.
رأت فيما يرى النائم شمساً عظيمة تهبط من سماء مكة لتستقر في دارها وتملأ جوانب الدار بالنور والبهاء.. وقد فاض ذلك النور من دارها ليعمرُ كلَّ ما حولها بالضياء هبت من نومها إلى ابن عمها الضرير الكاهن الموحد ورقة بن نوفل تقصُ عليه رؤياها لعلها تجدُ عِنده مبتغاها ... وما أن انتهت من كلامها حتى تهلل وجهه بالبشر قائلاً: أبشري يا ابنة العم لو صدق الله رؤياك ليدخلن نورُ النبوة دارك ، وليفيضنَّ منها نور خاتم الأنبياء.
إنه كان لنساء قريش عيدٌ يجتمعن فيه عند الحرم وفي أحد الأعياد خرجت خديجة (عليه الصلاة والسلام) من بيتها نحو الكعبة ثم طافت بالبيت العتيق وراحت تبتهل إلى الله وتدعوه في صدقٍ أن يحقق لها حلمها ثم انطلقت نحو نسوة كنُ بالقرب من الكعبة، وجلست معهن يتجاذبن أطراف الحديث وطرائق الأخبار. وفي تلك الساعة قطع أصواتهن صوت صارخ من اليهود وقف بالقرب منهن قائلاً بصوت عالٍ: يا معشر نساء قريش... فالتفتت النسوةُ إليه وأصخن السمع له فقال: يا معشر نساء قريش إنه يوشك فيكن نبي. فأيتكن استطاعت أن تكون فراشاً له فلتفعل ويبدو أن نسوة قريش، حسبنه يهذي فرماه بعضهن بالحصباء. وأخريات بسيل من الشتائم والسباب وطردنه من ذلك المكان أما خديجة فقد خفق قلبها في شدة وأعاد إلى ذاكرتها رؤياها للشمس. وبشارة ابن عمها لها.. وان ما حدث ليس مصادفةً وقد أشار أهل الكتاب من اليهود والنصارى بنبوءتهم عن مولد النبي محمد ومبعثه فكلها مدونة لديهم، فهم يتحدثون عن أخباره وأحواله وأوصافه ونعوته اعتماداً على ما ذكرته كبتهم المقدسة وتناقله أخلافهم عن أسلافهم من التَنويه بذكره والتصريح باسمه ودلائل وجوده مما لا يقدم على إنكاره إلا ممارٍ مكابرٍ أو معاندٍ جاحد.
وقد روي البيهقي وأبو نعيم الأصبهاني عن حسان بن ثابت شاعر الرسول قال: إني لغلام ابن سبع سنين أو ثمان أعقل ما رأيت وسمعت، وإذا بيهودي يصرخ ذات غداة: يا معشر اليهود فاجتمعوا إليه - وأنا أسمع - فقالوا: ويلك ما لك؟
قال: قد طلع نجم أحمد الذي يولد به هذه الليلة.
أقول هذا كله كان يجري على مسمعٍ من خديجةٍ لأنه حدث في بيئتها وواقعها اليومي فلقد عرفت خديجة كل شيء من خلال الأحاديث المتداولة. وهي كانت عالمة على بصيرة من أمرها. بالغة رشيدة فقررت الاقتران به لما بلغها عنه من نبوءة الحبر في الكشف عن ظهره والأخبار بأنه خاتم الأنبياء وقوله: (طوبى لمن يكون له بعلاً وان صفاته في التوراة إنه المبعوث نبياً في آخر الزمان، و(مَيسرة) وشهادته لديها عند مرافقة لرسول الله في تجارتها إلى الشام وبما سمعه من راهب الدير في الطريق وشمائله الكريمة وعظيم أخلاقه إلى أن قالت: (حسبك يا ميسره لقد زدتني شوقاً إلى محمد) اذهب فأنت حرٌ لوجه الله وزوجتك وأولادك، ولك عندي مائتا درهم وراحلتان.
ثم أخبار ورقة بن نوفل لها وهو ابن عمها وكان من كهان قريش قرأ صحف شيتٍ وإبراهيم (عليهما السلام) والتوراة والإنجيل والزبور. وفيها ما يؤكد ظهور نبي من قريش وتنبأ لها قائلاً: (يا خديجة سوف تتصلين برجلٍ يكون أشرف أهل الأرض والسماء.) هذه من أهم الأسباب التي جعلت خديجة تعزف عن الزواج من سادات قريش وتعلقها بمحمد وعرضها لنفسها عليه فهي كانت حنيفية موحدة لله قبل بعثة الرسول مؤمنة بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين فعرضت نفسها عليه قائلة: (يا ابن عم أبي قد رغبتُ فيك لقرابتك وشرفك وأمانتك وحُسن خلقك وصدق حديثك).
ويؤَكد المؤَرّخون أنّها هي التي اقترحت على النبي الزواج، وكما يعتقد أكثر المؤرخين، أنّ «نفيسة بنت عليّة» بلّغت رسالتها إلى النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قائلة: (يا محمد ما يمنعك أن تتزوج. ولو دعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تُجيب؟)
فرد عليها (صلى الله عليه وآله) قائلاً: (فمن هي؟).
قالت: خديجة.
فأعلن لها عن موافقته لمعرفته من تكن خديجة.
الذي تقبّل عرضها، فأخبرت السيدة خديجة (عليها الصلاة والسلام) بذلك، فأرسلت بوكيلها «عمرو بن أسد» لتحديد ساعة مراسم الخطبة في محضر الأقارب.
فشاور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعمامه وعلى رأسهم «أبو طالب»الذي خطب في القوم يمدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويطلب الزواج له من السيدة خديجة (عليه الصلاة والسلام) قائلاً: «وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، والصداق ما سألتم عاجله وآجله من مالي، ومحمّد من قد عرفتم قرابتَه».
ثمّ أجرى عقد النكاح، ومهرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 400 دينار، وقيل أصدقها عشرين بكرة. وكان عمرها (عليها الصلاة والسلام) في هذا الوقت أربعين عاماً، إذ أنّها وُلدت قبل عام الفيل بخمسة عشر عاماً،
قال أبو طالب في خطبة زواجه صلى الله عليه وآله بخديجة (عليها الصلاة والسلام) : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل...الخ وقال شعراً :
منعنا الرسـول رسـول المليـك ببيـض تـلألأ كلمـع البـروق
والله لا أخـــذل الـنـبـي ولا يخـذلـه من بنـيّ ذو حـسب
إذا اجتمعت يوما قريـش لمفخـر فعبد منــاف سرهـا وصميمهـا
وان حصلت أشراف عبد منافهـا ففي هاشــم أشرافهـا وقديمهـا
وإن فخرت يومـا فـان محمـدا هو المصطفــى من سرها وكريمها
أعوذ برب الناس من كل طاعـن علينـا بســوء وملـحٍ ببـاطـل
وبالبيت ركن البيت من بطن مكة وبالله إن الله لـيـس بــغـافـل
كذبتم وأيـم الله نبـزي محمـدا ولمـا نطاعـن دونـه وننــاضـل
ولاشـك أن الله رافـع أمــره ومعليه في الدنيا ويـوم التجـــادل
كما قد أُري في الأمس واليوم جده ووالـده رؤياهمـا غيـر آفـــل
تعلـم أبيـت اللعـن أن محمـدا نبي كموسى والمســيح ابن مريـم
أتى بالهدى مثل الذي قد اتيا بــه وكــل بأمـر الله يهـدي ويعصـم
وقد تميّزت السيدة خديجة (عليه الصلاة والسلام) من نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه لم يتزوّج عليها مدّة حياتها، وبلغت لديه ما لم تبلغه امرأة قطّمن زوجاته. وممّا يدل على سموّ مقامها وعلوّ منزلتها، أنّ أهل البيت «عليهم الصلاة والسلام» طالماً افتخروا بأنّ خديجة (عليها الصلاة والسلام) منهم، وإنّهم من خديجة، فكانوا يعتزون بها ويشيدون بمكانتها. فالسيدة خديجة (عليها الصلاة والسلام) هي مثال الشرف والعقل، والحبّ العميق للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والوفاء والإخلاص، والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الإسلام الحنيف، فهي أوّل من آمنت باللّه ورسوله،وصدقت محمّداً «صلى الله عليه وآله وسلم» وآزرته، فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يسمع من المشركين شيئاً يكرهه، من إيذاء وتكذيب، إلاّ وفرّج اللّه عنه بخديجة (عليها الصلاة والسلام)التي خفّفت عنه، بلطفها وعطفها وعنايتها به في غاية الإخلاص والود.
لقد اكتسبت السيدة خديجة بفضل إيمانها العميق بالرسالة المحمّدية، وتفانيها في سبيل الإسلام، وحرصها العجيب على حياة صاحب الرسالة، مكانةً ساميةً في الإسلام، حتى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذَكَرَها في أحاديثه الكثيرة، وأشاد بفضلها ومكانتها وشرفها، وذلك لالفات نظر المرأة المسلمة إلى القدوة التي ينبغي أن تقتدي بها في حياتها وسلوكها في جميع المجالات والحالات، بالإضافة إلى ما يمكن أن تقدمه المرأة ـ و هي نصف المجتمع ـ من دعم جدّىٍّ للرسالة، مادياً كان أم معنوياً.
ومن أشهر الأحاديث التي نُقلت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال عنها:«أتاني جبرائيل (عليه السلام) فقال يا رسول اللّه، إذا أتتك خديجة فاقرأ عليها السلام من ربها ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب».
وقال عنها (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا واللّه ما أبدلني اللّه خيراً منها، آمنَت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذبني الناس، وواسَتْني في مالها إذ حَرمني الناس، ورزقني اللّه منها أولاداً إذ حرَمَني أولاد النساء».
كما روى أنس بن مالك، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أتى بهدية قال:« اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنّها كانت صديقة لخديجة، إنّها كانت تحبّ خديجة».
كما قال عنها الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) : «كنتُ أوّل من أسلم، فمكثنا بذلك ثلاث حِجَج وما على الأرض خلق يصلّي ويشهد لرسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» بما أتاه، غيري، وغير ابنة خويلد رحمها اللّه، وقد فَعَلَ».
الزواج المقدس
محمد بن عبد الله وخديجة بنت خويلد
عليهما وآلهما أفضل الصلاة والسلام
يوافق يوم العاشر من شهر ربيع الأول ذكرى الزواج المقدس زواج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بخديجة بنت خويلد عليها الصلاة والسلام قبل البعثة بـ 15سنة.
في هذا الوقت، فكّر (صلى الله عليه وآله وسلم) جدياً في أن يتّخذ شريكة لحياته ويكوّن أُسرة، فكيف وقع اختياره على السيدة خديجة (عليها الصلاة والسلام) التي رفضت كلّ مَن تقدّم إليها من كبار الشخصيات القرشية، أمثال: عقبة بن أبي معيط ، وأبي جهل، وأبي سفيان ؟ وكيف أدّى الارتباط بينهما والعلاقة العميقة و الألفة والمحبة، إلى درجة أنّها وهبت كلّ ثروتها للنبي حتى ينفقها في نشر الإسلام؟
كانت السيدة خديجة (عليها الصلاة والسلام) من خيرة نساء قريش شرفاً وأقواهن عقلاً وأكثرهن فهماً، وقد قيل لها: سيدة قريش، وسمّيت الطاهرة لشدة عفافها، وذلك في أيّام الجاهلية.
وحين رفضت الزواج من سادة القوم قَبِلت بسيد البشر لما عرفت عنه من كرم الأخلاق، وشرف النفس، والسجايا الكريمة، والصفات العالية. وهي المرأة الثرية التي وإن عاشت في الترف وأفضل العيش، إلاّ أنّها أصبحت في بيت زوجها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الزوجة المطيعة الخاضعة الوفية المخلصة، و سارعت إلى قبول دعوته واعتناق دينه بوعي وبصيرةٍ، مع علمها بما ينطوي ذلك على مخاطر ومتاعب. ثمّ جعلت كلَّ ثروتها ومالها في خدمة العقيدة والمبدأ، مشاطرة زوجها بذلك آلامَه ومتاعبَه ، وراضية بمرارة الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، وهي في سن الرابعة والستين.
وقد بلغ من خضوعها للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحبها له، أنّها بعد أن تم الزواج بينهما قالت له: إلى بيتك، فبيتي بيتك وأنا جاريتك.
رأت فيما يرى النائم شمساً عظيمة تهبط من سماء مكة لتستقر في دارها وتملأ جوانب الدار بالنور والبهاء.. وقد فاض ذلك النور من دارها ليعمرُ كلَّ ما حولها بالضياء هبت من نومها إلى ابن عمها الضرير الكاهن الموحد ورقة بن نوفل تقصُ عليه رؤياها لعلها تجدُ عِنده مبتغاها ... وما أن انتهت من كلامها حتى تهلل وجهه بالبشر قائلاً: أبشري يا ابنة العم لو صدق الله رؤياك ليدخلن نورُ النبوة دارك ، وليفيضنَّ منها نور خاتم الأنبياء.
إنه كان لنساء قريش عيدٌ يجتمعن فيه عند الحرم وفي أحد الأعياد خرجت خديجة (عليه الصلاة والسلام) من بيتها نحو الكعبة ثم طافت بالبيت العتيق وراحت تبتهل إلى الله وتدعوه في صدقٍ أن يحقق لها حلمها ثم انطلقت نحو نسوة كنُ بالقرب من الكعبة، وجلست معهن يتجاذبن أطراف الحديث وطرائق الأخبار. وفي تلك الساعة قطع أصواتهن صوت صارخ من اليهود وقف بالقرب منهن قائلاً بصوت عالٍ: يا معشر نساء قريش... فالتفتت النسوةُ إليه وأصخن السمع له فقال: يا معشر نساء قريش إنه يوشك فيكن نبي. فأيتكن استطاعت أن تكون فراشاً له فلتفعل ويبدو أن نسوة قريش، حسبنه يهذي فرماه بعضهن بالحصباء. وأخريات بسيل من الشتائم والسباب وطردنه من ذلك المكان أما خديجة فقد خفق قلبها في شدة وأعاد إلى ذاكرتها رؤياها للشمس. وبشارة ابن عمها لها.. وان ما حدث ليس مصادفةً وقد أشار أهل الكتاب من اليهود والنصارى بنبوءتهم عن مولد النبي محمد ومبعثه فكلها مدونة لديهم، فهم يتحدثون عن أخباره وأحواله وأوصافه ونعوته اعتماداً على ما ذكرته كبتهم المقدسة وتناقله أخلافهم عن أسلافهم من التَنويه بذكره والتصريح باسمه ودلائل وجوده مما لا يقدم على إنكاره إلا ممارٍ مكابرٍ أو معاندٍ جاحد.
وقد روي البيهقي وأبو نعيم الأصبهاني عن حسان بن ثابت شاعر الرسول قال: إني لغلام ابن سبع سنين أو ثمان أعقل ما رأيت وسمعت، وإذا بيهودي يصرخ ذات غداة: يا معشر اليهود فاجتمعوا إليه - وأنا أسمع - فقالوا: ويلك ما لك؟
قال: قد طلع نجم أحمد الذي يولد به هذه الليلة.
أقول هذا كله كان يجري على مسمعٍ من خديجةٍ لأنه حدث في بيئتها وواقعها اليومي فلقد عرفت خديجة كل شيء من خلال الأحاديث المتداولة. وهي كانت عالمة على بصيرة من أمرها. بالغة رشيدة فقررت الاقتران به لما بلغها عنه من نبوءة الحبر في الكشف عن ظهره والأخبار بأنه خاتم الأنبياء وقوله: (طوبى لمن يكون له بعلاً وان صفاته في التوراة إنه المبعوث نبياً في آخر الزمان، و(مَيسرة) وشهادته لديها عند مرافقة لرسول الله في تجارتها إلى الشام وبما سمعه من راهب الدير في الطريق وشمائله الكريمة وعظيم أخلاقه إلى أن قالت: (حسبك يا ميسره لقد زدتني شوقاً إلى محمد) اذهب فأنت حرٌ لوجه الله وزوجتك وأولادك، ولك عندي مائتا درهم وراحلتان.
ثم أخبار ورقة بن نوفل لها وهو ابن عمها وكان من كهان قريش قرأ صحف شيتٍ وإبراهيم (عليهما السلام) والتوراة والإنجيل والزبور. وفيها ما يؤكد ظهور نبي من قريش وتنبأ لها قائلاً: (يا خديجة سوف تتصلين برجلٍ يكون أشرف أهل الأرض والسماء.) هذه من أهم الأسباب التي جعلت خديجة تعزف عن الزواج من سادات قريش وتعلقها بمحمد وعرضها لنفسها عليه فهي كانت حنيفية موحدة لله قبل بعثة الرسول مؤمنة بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين فعرضت نفسها عليه قائلة: (يا ابن عم أبي قد رغبتُ فيك لقرابتك وشرفك وأمانتك وحُسن خلقك وصدق حديثك).
ويؤَكد المؤَرّخون أنّها هي التي اقترحت على النبي الزواج، وكما يعتقد أكثر المؤرخين، أنّ «نفيسة بنت عليّة» بلّغت رسالتها إلى النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قائلة: (يا محمد ما يمنعك أن تتزوج. ولو دعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تُجيب؟)
فرد عليها (صلى الله عليه وآله) قائلاً: (فمن هي؟).
قالت: خديجة.
فأعلن لها عن موافقته لمعرفته من تكن خديجة.
الذي تقبّل عرضها، فأخبرت السيدة خديجة (عليها الصلاة والسلام) بذلك، فأرسلت بوكيلها «عمرو بن أسد» لتحديد ساعة مراسم الخطبة في محضر الأقارب.
فشاور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعمامه وعلى رأسهم «أبو طالب»الذي خطب في القوم يمدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويطلب الزواج له من السيدة خديجة (عليه الصلاة والسلام) قائلاً: «وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، والصداق ما سألتم عاجله وآجله من مالي، ومحمّد من قد عرفتم قرابتَه».
ثمّ أجرى عقد النكاح، ومهرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 400 دينار، وقيل أصدقها عشرين بكرة. وكان عمرها (عليها الصلاة والسلام) في هذا الوقت أربعين عاماً، إذ أنّها وُلدت قبل عام الفيل بخمسة عشر عاماً،
قال أبو طالب في خطبة زواجه صلى الله عليه وآله بخديجة (عليها الصلاة والسلام) : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل...الخ وقال شعراً :
منعنا الرسـول رسـول المليـك ببيـض تـلألأ كلمـع البـروق
والله لا أخـــذل الـنـبـي ولا يخـذلـه من بنـيّ ذو حـسب
إذا اجتمعت يوما قريـش لمفخـر فعبد منــاف سرهـا وصميمهـا
وان حصلت أشراف عبد منافهـا ففي هاشــم أشرافهـا وقديمهـا
وإن فخرت يومـا فـان محمـدا هو المصطفــى من سرها وكريمها
أعوذ برب الناس من كل طاعـن علينـا بســوء وملـحٍ ببـاطـل
وبالبيت ركن البيت من بطن مكة وبالله إن الله لـيـس بــغـافـل
كذبتم وأيـم الله نبـزي محمـدا ولمـا نطاعـن دونـه وننــاضـل
ولاشـك أن الله رافـع أمــره ومعليه في الدنيا ويـوم التجـــادل
كما قد أُري في الأمس واليوم جده ووالـده رؤياهمـا غيـر آفـــل
تعلـم أبيـت اللعـن أن محمـدا نبي كموسى والمســيح ابن مريـم
أتى بالهدى مثل الذي قد اتيا بــه وكــل بأمـر الله يهـدي ويعصـم
وقد تميّزت السيدة خديجة (عليه الصلاة والسلام) من نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه لم يتزوّج عليها مدّة حياتها، وبلغت لديه ما لم تبلغه امرأة قطّمن زوجاته. وممّا يدل على سموّ مقامها وعلوّ منزلتها، أنّ أهل البيت «عليهم الصلاة والسلام» طالماً افتخروا بأنّ خديجة (عليها الصلاة والسلام) منهم، وإنّهم من خديجة، فكانوا يعتزون بها ويشيدون بمكانتها. فالسيدة خديجة (عليها الصلاة والسلام) هي مثال الشرف والعقل، والحبّ العميق للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والوفاء والإخلاص، والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الإسلام الحنيف، فهي أوّل من آمنت باللّه ورسوله،وصدقت محمّداً «صلى الله عليه وآله وسلم» وآزرته، فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يسمع من المشركين شيئاً يكرهه، من إيذاء وتكذيب، إلاّ وفرّج اللّه عنه بخديجة (عليها الصلاة والسلام)التي خفّفت عنه، بلطفها وعطفها وعنايتها به في غاية الإخلاص والود.
لقد اكتسبت السيدة خديجة بفضل إيمانها العميق بالرسالة المحمّدية، وتفانيها في سبيل الإسلام، وحرصها العجيب على حياة صاحب الرسالة، مكانةً ساميةً في الإسلام، حتى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذَكَرَها في أحاديثه الكثيرة، وأشاد بفضلها ومكانتها وشرفها، وذلك لالفات نظر المرأة المسلمة إلى القدوة التي ينبغي أن تقتدي بها في حياتها وسلوكها في جميع المجالات والحالات، بالإضافة إلى ما يمكن أن تقدمه المرأة ـ و هي نصف المجتمع ـ من دعم جدّىٍّ للرسالة، مادياً كان أم معنوياً.
ومن أشهر الأحاديث التي نُقلت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال عنها:«أتاني جبرائيل (عليه السلام) فقال يا رسول اللّه، إذا أتتك خديجة فاقرأ عليها السلام من ربها ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب».
وقال عنها (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا واللّه ما أبدلني اللّه خيراً منها، آمنَت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذبني الناس، وواسَتْني في مالها إذ حَرمني الناس، ورزقني اللّه منها أولاداً إذ حرَمَني أولاد النساء».
كما روى أنس بن مالك، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أتى بهدية قال:« اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنّها كانت صديقة لخديجة، إنّها كانت تحبّ خديجة».
كما قال عنها الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) : «كنتُ أوّل من أسلم، فمكثنا بذلك ثلاث حِجَج وما على الأرض خلق يصلّي ويشهد لرسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» بما أتاه، غيري، وغير ابنة خويلد رحمها اللّه، وقد فَعَلَ».