عاشق داحي الباب
16-03-2010, 06:52 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمدٍ وآله الطاهرين
تمهيد:
قال المولى عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} الفتح 18
ولا يرتاب من له أدنى نصيب من العقل ان هذه الآية تشهد بكل وضوح بما انطوت عليه قلوب المؤمنين من الخير إذ يبايعون النبي صلى الله عليه وآله، والشاهد هنا هو الله سبحانه وتعالى {وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} وقد نالوا بذلك منقبة عظيمة ودرجة كبيرة وهي رضوان الله تعالى، وهذا أقصى ما يتمناه المؤمن...
المؤمنون في هذه الآية هم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام:
فإن جملة كبيرة ممن بايع بيعة الرضوان هم من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، شهدوا معه حروبه، ومنها: صفين ونال عدد كبير منهم الشهادة بين يديه عليه السلام، بسيوف بني أمية لعنهم الله، قال خليفة خياط: حدثنا أبو غسان قال: نا عبدالسلام بن حرب بن يزيد بن عبدالرحمن، عن جعفر أظنه ابن أبي المغيرة، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منا ثلاثة وستون، منهم عمار بن ياسر.
تاريخ خليفة بن خياط ص 148
قلت: نقل ابن حجر الرواية عن ابن السكن وفيها: فقتل منا ثلاثمائة وستون نفسا.
الإصابة ج 4 ص 239
وقال الشيخ المفيد قدس سره: وبلغ من كذبه (أي الشعبي) أنه قال: لم يشهد الجمل من الصحابة إلا أربعة فان جاءوا بخامس فأنا كذاب: علي وعمار وطلحة والزبير. وقد أجمع أهل السير أنه شهد البصرة مع علي عليه السلام ثمانمائة من الأنصار، وتسعمائة من أهل بيعة الرضوان، وسبعون من أهل بدر.
الفصول المختارة ص 216
ولا نريد بهذا أن نثبت أحقية أمير المؤمنين عليه السلام...
كيف، وابن أبي طالب عليه السلام هو الميزان؟؟!!
بل إننا نعرف استقامة الناس باتباعهم له عليه السلام، ونعم ما قاله الشيخ، العالم، الثقة، الجليل، أبان بن تغلب رضي الله عنه، فقد قال النجاشي رحمه الله: أخبرنا أحمد بن عبدالواحد قال: حدثنا علي بن محمد القرشي سنة ثمان وأربعين وثلثمائة (وفيها مات) قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبدالله بن زرارة، عن محمد بن أبى عمير، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاء (ه) شاب فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله؟
قال: فقال له أبان: كأنك تريد أن تعرف فضل علي عليه السلام بمن تبعه من أصحاب رسول الله صلى عليه وآله؟!!
قال: فقال الرجل: هو ذاك.
فقال: والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إياه.
قال: فقال أبو البلاد: عض ببظر أمه رجل من الشيعة في أقصى الأرض وأدناها يموت أبان لا تدخل مصيبته عليه.
قال: فقال أبان له: يا أبا البلاد أتدري من الشيعة؟ الشيعة الذين إذا اختلف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذوا بقول علي عليه السلام، وإذا اختلف الناس عن علي أخذوا بقول جعفر بن محمد عليه السلام.
رجال النجاشي ص 12
ولكننا نريد أن نعرف الحقيقة...
وهذه الآية الكريمة من الآيات التي يستدل بها أهل السنة على عدالة الصحابة، فمن الضروري تسليط بعض الأضواء عليها وعلى ما يتعلق بها، وسأقول بترتيب البحث في عدة أمور، والله من وراء القصد:
الأمر الأول: ترتيب أحداث قصة الحديبية على نحو الإجمال:
الذي يستفاد من قراءة مجموع الروايات الواردة أن الأحداث على نحو الإجمال وقعت حسب الترتيب الزمني التالي:
1 – خروج النبي صلى الله عليه وآله متجها نحو مكة.
2 – وصوله صلى الله عليه وآله إلى الحديبية ومنها أحرم.
3 – إرسال عثمان بن عفان لمكة.
4 – يتأخر عثمان بن عفان، وتنتشر أخبار بأنه قتل.
5 – يبادر رسول الله صلى الله عليه وآله لأخذ البيعة من الصحابة.
6 – يصل مبعوث قريش سهيل بن عمرو للحديبية، فيلتقي بالنبي صلى الله عليه وآله ويُكتب الصلح.
7 – عودة النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة، بعد أن جاء هو ومن معه بوظيفة المصدود عن دخول مكة.
8 – وفي طريق العودة بين مكة والمدينة تنزل سورة الفتح.
الأمر الثاني: نزول سورة الفتح بمناسبة صلح الحديبية:
قال القرطبي: سورة الفتح مدنية بإجماع، وهي تسع وعشرون آية، ونزلت ليلا بين مكة والمدينة في شأن الحديبية، روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها.
تفسير القرطبي ج 16 ص 259
وقال ابن كثير: نزلت هذه السورة الكريمة (أي سورة الفتح) لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام فيقضي عمرته فيه وحالوا بينه وبين ذلك ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل فأجابهم إلى ذلك على كره من جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
تفسير ابن كثير ج 4 ص 196
قال العلامة السيد الطباطبائي رحمه الله: مضامين آيات السورة (أي سورة الفتح) بفصولها المختلفة ظاهرة الإنطباق على قصة صلح الحديبية الواقعة في السنة السادسة من الهجرة وما وقع حولها من الوقائع كقصة تخلف الأعراب وصد المشركين، وبيعة الشجرة، على ما تفصله الآثار وسيجئ شطر منها في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى... فغرض السورة بيان ما امتن الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بما رزقه من الفتح المبين في هذه السفرة، وعلى المؤمنين ممن معه، ومدحهم البالغ، والوعد الجميل للذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات، والسورة مدنية.
تفسير الميزان ج 18 ص 251
روى البخاري بإسناده عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك، نزرت (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري حتى كنت أمام الناس، وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ قال: فقلت: لقد خشيتُ أن يكون نزل في قرآن، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال: لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهى أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.
صحيح البخاري ج 6 ص 104
وروى مسلم بإسناده عن قتادة: أن أنس بن مالك حدثهم قال: لما نزل: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} إلى قوله: {فَوْزًا عَظِيمًا} مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة وقد نحر الهدي بالحديبية فقال: لقد أنزلت عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعا.
صحيح مسلم ج 5 ص 176
الأمر الثالث: عدد الصحابة الذين شهدوا البيعة:
نزلت هذه الآية الكريمة في الصحابة المؤمنين الذين شهدوا الحديبية وبايعوا بيعة الرضوان، وكان عدد من شهد البيعة من الصحابة 1.400 وقيل 1.500 صحابي، فروى مسلم بإسناده عن جابر قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خير أهل الأرض... الحديث
وروى أيضا بإسناده عن سالم بن أبي الجعد قال: سألت جابر بن عبد الله عن أصحاب الشجرة، فقال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا ألفا وخمسمائة...
صحيح مسلم ج 6 ص 25
وقال ابن كثير: وهذه البيعة هي بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية، وكان الصحابة رضي الله عنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: قيل ألفا وثلثمائة، وقيل وأربعمائة، وقيل وخمسمائة، والأوسط أصح. تفسير ابن كثير ج 4 ص 199
وعليه فلا يجوز تعميم الحكم الذي تذكره الآية الكريمة – أياً كان الحكم - لغير المؤمنين المبايعين، وهذا تنبيه أوردته لأنني رأيت بعض علماء أهل السنة يذكر هذه الآية الكريم ليستدل بخا على عدالة كل الصحابة!!!
الأمر الرابع: سبب البيعة:
قال العلامة الطبرسي رحمه الله: قصة فتح الحديبية: قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج يريد مكة، فلما بلغ الحديبية، وقفت ناقته، وزجرها فلم تنزجر، وبركت الناقة، فقال أصحابه: خلأت الناقة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما هذا لها عادة، ولكن حبسها حابس الفيل، ودعا عمر بن الخطاب ليرسله إلى أهل مكة، ليأذنوا له بأن يدخل مكة، ويحل من عمرته، وينحر هديه، فقال: يا رسول الله! مالي بها حميم، وإني أخاف قريشا لشدة عداوتي إياها، ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني، عثمان بن عفان.
فقال: صدقت.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان، فأرسله إلى أبي سفيان، وأشراف قريش، يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحرمته، فاحتبسته قريش عندها.
فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين، أن عثمان قد قتل.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا نبرح حتى نناجز القوم.
ودعا الناس إلى البيعة، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشجرة فاستند إليها، وبايع الناس على أن يقاتلوا المشركين، ولا يفروا.
قال عبدالله بن معقل: كنت قائما على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك اليوم، وبيدي غصن من السمرة، أذب عنه، وهو يبايع الناس، فلم يبايعهم على الموت، وإنما بايعهم على أن لا يفروا.
تفسير مجمع البيان ج 9 ص 194
وذكر القرطبي كلاما شبيه إلى حدٍ كبير بكلام الطبرسي...
وقال الطبري: وكان سبب هذه البيعة ما قيل: إن رسول الله (ص) كان أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه برسالته إلى الملأ من قريش، فأبطأ عثمان عليه بعض الإبطاء، فظن أنه قد قتل، فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت، فبايعوه على ذلك، وهذه البيعة التي تسمى بيعة الرضوان...
تفسير الطبري ج 26 ص 110
الأمر الخامس: على ما كانت البيعة كانت؟
روى مسلم بإسناده عن جابر قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهى سمرة، وقال: بايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت.
صحيح مسلم ج 6 ص 25
وقال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبى عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟
قال: على الموت.
هذا حديث حسن صحيح.
وقال ايضا: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبى الزبير، عن جابر بن عبدالله قال: لم نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، إنما بايعناه على أن لا نفر.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى كلا الحديثين صحيح، قد بايعه قوم من أصحابه على الموت، وإنما قالوا لا نزال بين يديك ما لم نقتل، وبايعه آخرون فقالوا لا نفر.
الأمر السادس: نطاق الرضى المذكور في الآية:
القدر المتيقن من ظاهر الآية، أن الرضى الإلهي لهؤلاء المؤمنين كان حين البيعة، لمكان (إِذْ) التي تدل على الظرفية، ولا مناص عن القول بهذا، وإلا للزم أحد محذورين كلاهما فاسد:
1 - إما أن يقال بعصمتهم طيلة حياتهم، لامتناع إجتماع رضى الله سبحانه وتعالى، مع مرتكب المعصية حال ارتكابه لها، وأهل السنة لا يعترفون بعقيدتهم في العصمة، وإن صرح بعضهم بها!!!
نعم هذا المعنى ينسجم مع من ثبتت عصمته ممن بايع آنذاك، وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام...
2 - أو يقال أن ذنوبهم تقع مغفورة، وهذا مخالف للسنة الإلهية التي تقول: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وقد تجرأ بعض السنة للقول بهذا القول مع ما فيه من مخالفات بغرض تصحيح نظرية عدالة الصحابة، وقد غفلوا أو تغافلوا عما قاله الله سبحانه وتعالى لكافة الأنبياء بما فيهم نبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وآله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}...
قال الشوكاني: أي رضي الله عنهم وقت تلك البيعة وهي بيعة الرضوان.
فتح القدير ج 5 ص 51
اللهم صل على محمدٍ وآله الطاهرين
تمهيد:
قال المولى عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} الفتح 18
ولا يرتاب من له أدنى نصيب من العقل ان هذه الآية تشهد بكل وضوح بما انطوت عليه قلوب المؤمنين من الخير إذ يبايعون النبي صلى الله عليه وآله، والشاهد هنا هو الله سبحانه وتعالى {وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} وقد نالوا بذلك منقبة عظيمة ودرجة كبيرة وهي رضوان الله تعالى، وهذا أقصى ما يتمناه المؤمن...
المؤمنون في هذه الآية هم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام:
فإن جملة كبيرة ممن بايع بيعة الرضوان هم من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، شهدوا معه حروبه، ومنها: صفين ونال عدد كبير منهم الشهادة بين يديه عليه السلام، بسيوف بني أمية لعنهم الله، قال خليفة خياط: حدثنا أبو غسان قال: نا عبدالسلام بن حرب بن يزيد بن عبدالرحمن، عن جعفر أظنه ابن أبي المغيرة، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منا ثلاثة وستون، منهم عمار بن ياسر.
تاريخ خليفة بن خياط ص 148
قلت: نقل ابن حجر الرواية عن ابن السكن وفيها: فقتل منا ثلاثمائة وستون نفسا.
الإصابة ج 4 ص 239
وقال الشيخ المفيد قدس سره: وبلغ من كذبه (أي الشعبي) أنه قال: لم يشهد الجمل من الصحابة إلا أربعة فان جاءوا بخامس فأنا كذاب: علي وعمار وطلحة والزبير. وقد أجمع أهل السير أنه شهد البصرة مع علي عليه السلام ثمانمائة من الأنصار، وتسعمائة من أهل بيعة الرضوان، وسبعون من أهل بدر.
الفصول المختارة ص 216
ولا نريد بهذا أن نثبت أحقية أمير المؤمنين عليه السلام...
كيف، وابن أبي طالب عليه السلام هو الميزان؟؟!!
بل إننا نعرف استقامة الناس باتباعهم له عليه السلام، ونعم ما قاله الشيخ، العالم، الثقة، الجليل، أبان بن تغلب رضي الله عنه، فقد قال النجاشي رحمه الله: أخبرنا أحمد بن عبدالواحد قال: حدثنا علي بن محمد القرشي سنة ثمان وأربعين وثلثمائة (وفيها مات) قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبدالله بن زرارة، عن محمد بن أبى عمير، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاء (ه) شاب فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله؟
قال: فقال له أبان: كأنك تريد أن تعرف فضل علي عليه السلام بمن تبعه من أصحاب رسول الله صلى عليه وآله؟!!
قال: فقال الرجل: هو ذاك.
فقال: والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إياه.
قال: فقال أبو البلاد: عض ببظر أمه رجل من الشيعة في أقصى الأرض وأدناها يموت أبان لا تدخل مصيبته عليه.
قال: فقال أبان له: يا أبا البلاد أتدري من الشيعة؟ الشيعة الذين إذا اختلف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذوا بقول علي عليه السلام، وإذا اختلف الناس عن علي أخذوا بقول جعفر بن محمد عليه السلام.
رجال النجاشي ص 12
ولكننا نريد أن نعرف الحقيقة...
وهذه الآية الكريمة من الآيات التي يستدل بها أهل السنة على عدالة الصحابة، فمن الضروري تسليط بعض الأضواء عليها وعلى ما يتعلق بها، وسأقول بترتيب البحث في عدة أمور، والله من وراء القصد:
الأمر الأول: ترتيب أحداث قصة الحديبية على نحو الإجمال:
الذي يستفاد من قراءة مجموع الروايات الواردة أن الأحداث على نحو الإجمال وقعت حسب الترتيب الزمني التالي:
1 – خروج النبي صلى الله عليه وآله متجها نحو مكة.
2 – وصوله صلى الله عليه وآله إلى الحديبية ومنها أحرم.
3 – إرسال عثمان بن عفان لمكة.
4 – يتأخر عثمان بن عفان، وتنتشر أخبار بأنه قتل.
5 – يبادر رسول الله صلى الله عليه وآله لأخذ البيعة من الصحابة.
6 – يصل مبعوث قريش سهيل بن عمرو للحديبية، فيلتقي بالنبي صلى الله عليه وآله ويُكتب الصلح.
7 – عودة النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة، بعد أن جاء هو ومن معه بوظيفة المصدود عن دخول مكة.
8 – وفي طريق العودة بين مكة والمدينة تنزل سورة الفتح.
الأمر الثاني: نزول سورة الفتح بمناسبة صلح الحديبية:
قال القرطبي: سورة الفتح مدنية بإجماع، وهي تسع وعشرون آية، ونزلت ليلا بين مكة والمدينة في شأن الحديبية، روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها.
تفسير القرطبي ج 16 ص 259
وقال ابن كثير: نزلت هذه السورة الكريمة (أي سورة الفتح) لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام فيقضي عمرته فيه وحالوا بينه وبين ذلك ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل فأجابهم إلى ذلك على كره من جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
تفسير ابن كثير ج 4 ص 196
قال العلامة السيد الطباطبائي رحمه الله: مضامين آيات السورة (أي سورة الفتح) بفصولها المختلفة ظاهرة الإنطباق على قصة صلح الحديبية الواقعة في السنة السادسة من الهجرة وما وقع حولها من الوقائع كقصة تخلف الأعراب وصد المشركين، وبيعة الشجرة، على ما تفصله الآثار وسيجئ شطر منها في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى... فغرض السورة بيان ما امتن الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بما رزقه من الفتح المبين في هذه السفرة، وعلى المؤمنين ممن معه، ومدحهم البالغ، والوعد الجميل للذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات، والسورة مدنية.
تفسير الميزان ج 18 ص 251
روى البخاري بإسناده عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك، نزرت (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري حتى كنت أمام الناس، وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ قال: فقلت: لقد خشيتُ أن يكون نزل في قرآن، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال: لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهى أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.
صحيح البخاري ج 6 ص 104
وروى مسلم بإسناده عن قتادة: أن أنس بن مالك حدثهم قال: لما نزل: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} إلى قوله: {فَوْزًا عَظِيمًا} مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة وقد نحر الهدي بالحديبية فقال: لقد أنزلت عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعا.
صحيح مسلم ج 5 ص 176
الأمر الثالث: عدد الصحابة الذين شهدوا البيعة:
نزلت هذه الآية الكريمة في الصحابة المؤمنين الذين شهدوا الحديبية وبايعوا بيعة الرضوان، وكان عدد من شهد البيعة من الصحابة 1.400 وقيل 1.500 صحابي، فروى مسلم بإسناده عن جابر قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خير أهل الأرض... الحديث
وروى أيضا بإسناده عن سالم بن أبي الجعد قال: سألت جابر بن عبد الله عن أصحاب الشجرة، فقال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا ألفا وخمسمائة...
صحيح مسلم ج 6 ص 25
وقال ابن كثير: وهذه البيعة هي بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية، وكان الصحابة رضي الله عنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: قيل ألفا وثلثمائة، وقيل وأربعمائة، وقيل وخمسمائة، والأوسط أصح. تفسير ابن كثير ج 4 ص 199
وعليه فلا يجوز تعميم الحكم الذي تذكره الآية الكريمة – أياً كان الحكم - لغير المؤمنين المبايعين، وهذا تنبيه أوردته لأنني رأيت بعض علماء أهل السنة يذكر هذه الآية الكريم ليستدل بخا على عدالة كل الصحابة!!!
الأمر الرابع: سبب البيعة:
قال العلامة الطبرسي رحمه الله: قصة فتح الحديبية: قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج يريد مكة، فلما بلغ الحديبية، وقفت ناقته، وزجرها فلم تنزجر، وبركت الناقة، فقال أصحابه: خلأت الناقة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما هذا لها عادة، ولكن حبسها حابس الفيل، ودعا عمر بن الخطاب ليرسله إلى أهل مكة، ليأذنوا له بأن يدخل مكة، ويحل من عمرته، وينحر هديه، فقال: يا رسول الله! مالي بها حميم، وإني أخاف قريشا لشدة عداوتي إياها، ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني، عثمان بن عفان.
فقال: صدقت.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان، فأرسله إلى أبي سفيان، وأشراف قريش، يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحرمته، فاحتبسته قريش عندها.
فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين، أن عثمان قد قتل.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا نبرح حتى نناجز القوم.
ودعا الناس إلى البيعة، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشجرة فاستند إليها، وبايع الناس على أن يقاتلوا المشركين، ولا يفروا.
قال عبدالله بن معقل: كنت قائما على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك اليوم، وبيدي غصن من السمرة، أذب عنه، وهو يبايع الناس، فلم يبايعهم على الموت، وإنما بايعهم على أن لا يفروا.
تفسير مجمع البيان ج 9 ص 194
وذكر القرطبي كلاما شبيه إلى حدٍ كبير بكلام الطبرسي...
وقال الطبري: وكان سبب هذه البيعة ما قيل: إن رسول الله (ص) كان أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه برسالته إلى الملأ من قريش، فأبطأ عثمان عليه بعض الإبطاء، فظن أنه قد قتل، فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت، فبايعوه على ذلك، وهذه البيعة التي تسمى بيعة الرضوان...
تفسير الطبري ج 26 ص 110
الأمر الخامس: على ما كانت البيعة كانت؟
روى مسلم بإسناده عن جابر قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهى سمرة، وقال: بايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت.
صحيح مسلم ج 6 ص 25
وقال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبى عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟
قال: على الموت.
هذا حديث حسن صحيح.
وقال ايضا: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبى الزبير، عن جابر بن عبدالله قال: لم نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، إنما بايعناه على أن لا نفر.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى كلا الحديثين صحيح، قد بايعه قوم من أصحابه على الموت، وإنما قالوا لا نزال بين يديك ما لم نقتل، وبايعه آخرون فقالوا لا نفر.
الأمر السادس: نطاق الرضى المذكور في الآية:
القدر المتيقن من ظاهر الآية، أن الرضى الإلهي لهؤلاء المؤمنين كان حين البيعة، لمكان (إِذْ) التي تدل على الظرفية، ولا مناص عن القول بهذا، وإلا للزم أحد محذورين كلاهما فاسد:
1 - إما أن يقال بعصمتهم طيلة حياتهم، لامتناع إجتماع رضى الله سبحانه وتعالى، مع مرتكب المعصية حال ارتكابه لها، وأهل السنة لا يعترفون بعقيدتهم في العصمة، وإن صرح بعضهم بها!!!
نعم هذا المعنى ينسجم مع من ثبتت عصمته ممن بايع آنذاك، وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام...
2 - أو يقال أن ذنوبهم تقع مغفورة، وهذا مخالف للسنة الإلهية التي تقول: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وقد تجرأ بعض السنة للقول بهذا القول مع ما فيه من مخالفات بغرض تصحيح نظرية عدالة الصحابة، وقد غفلوا أو تغافلوا عما قاله الله سبحانه وتعالى لكافة الأنبياء بما فيهم نبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وآله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}...
قال الشوكاني: أي رضي الله عنهم وقت تلك البيعة وهي بيعة الرضوان.
فتح القدير ج 5 ص 51