المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أضواء على بيعة الرضوان


عاشق داحي الباب
16-03-2010, 06:52 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمدٍ وآله الطاهرين

تمهيد:
قال المولى عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} الفتح 18

ولا يرتاب من له أدنى نصيب من العقل ان هذه الآية تشهد بكل وضوح بما انطوت عليه قلوب المؤمنين من الخير إذ يبايعون النبي صلى الله عليه وآله، والشاهد هنا هو الله سبحانه وتعالى {وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} وقد نالوا بذلك منقبة عظيمة ودرجة كبيرة وهي رضوان الله تعالى، وهذا أقصى ما يتمناه المؤمن...

المؤمنون في هذه الآية هم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام:
فإن جملة كبيرة ممن بايع بيعة الرضوان هم من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، شهدوا معه حروبه، ومنها: صفين ونال عدد كبير منهم الشهادة بين يديه عليه السلام، بسيوف بني أمية لعنهم الله، قال خليفة خياط: حدثنا أبو غسان قال: نا عبدالسلام بن حرب بن يزيد بن عبدالرحمن، عن جعفر أظنه ابن أبي المغيرة، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منا ثلاثة وستون، منهم عمار بن ياسر.
تاريخ خليفة بن خياط ص 148

قلت: نقل ابن حجر الرواية عن ابن السكن وفيها: فقتل منا ثلاثمائة وستون نفسا.
الإصابة ج 4 ص 239

وقال الشيخ المفيد قدس سره: وبلغ من كذبه (أي الشعبي) أنه قال: لم يشهد الجمل من الصحابة إلا أربعة فان جاءوا بخامس فأنا كذاب: علي وعمار وطلحة والزبير. وقد أجمع أهل السير أنه شهد البصرة مع علي عليه السلام ثمانمائة من الأنصار، وتسعمائة من أهل بيعة الرضوان، وسبعون من أهل بدر.
الفصول المختارة ص 216

ولا نريد بهذا أن نثبت أحقية أمير المؤمنين عليه السلام...

كيف، وابن أبي طالب عليه السلام هو الميزان؟؟!!

بل إننا نعرف استقامة الناس باتباعهم له عليه السلام، ونعم ما قاله الشيخ، العالم، الثقة، الجليل، أبان بن تغلب رضي الله عنه، فقد قال النجاشي رحمه الله: أخبرنا أحمد بن عبدالواحد قال: حدثنا علي بن محمد القرشي سنة ثمان وأربعين وثلثمائة (وفيها مات) قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبدالله بن زرارة، عن محمد بن أبى عمير، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاء (ه) شاب فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله؟
قال: فقال له أبان: كأنك تريد أن تعرف فضل علي عليه السلام بمن تبعه من أصحاب رسول الله صلى عليه وآله؟!!
قال: فقال الرجل: هو ذاك.
فقال: والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إياه.
قال: فقال أبو البلاد: عض ببظر أمه رجل من الشيعة في أقصى الأرض وأدناها يموت أبان لا تدخل مصيبته عليه.
قال: فقال أبان له: يا أبا البلاد أتدري من الشيعة؟ الشيعة الذين إذا اختلف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذوا بقول علي عليه السلام، وإذا اختلف الناس عن علي أخذوا بقول جعفر بن محمد عليه السلام.
رجال النجاشي ص 12

ولكننا نريد أن نعرف الحقيقة...
وهذه الآية الكريمة من الآيات التي يستدل بها أهل السنة على عدالة الصحابة، فمن الضروري تسليط بعض الأضواء عليها وعلى ما يتعلق بها، وسأقول بترتيب البحث في عدة أمور، والله من وراء القصد:

الأمر الأول: ترتيب أحداث قصة الحديبية على نحو الإجمال:
الذي يستفاد من قراءة مجموع الروايات الواردة أن الأحداث على نحو الإجمال وقعت حسب الترتيب الزمني التالي:
1 – خروج النبي صلى الله عليه وآله متجها نحو مكة.
2 – وصوله صلى الله عليه وآله إلى الحديبية ومنها أحرم.
3 – إرسال عثمان بن عفان لمكة.
4 – يتأخر عثمان بن عفان، وتنتشر أخبار بأنه قتل.
5 – يبادر رسول الله صلى الله عليه وآله لأخذ البيعة من الصحابة.
6 – يصل مبعوث قريش سهيل بن عمرو للحديبية، فيلتقي بالنبي صلى الله عليه وآله ويُكتب الصلح.
7 – عودة النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة، بعد أن جاء هو ومن معه بوظيفة المصدود عن دخول مكة.
8 – وفي طريق العودة بين مكة والمدينة تنزل سورة الفتح.

الأمر الثاني: نزول سورة الفتح بمناسبة صلح الحديبية:
قال القرطبي: سورة الفتح مدنية بإجماع، وهي تسع وعشرون آية، ونزلت ليلا بين مكة والمدينة في شأن الحديبية، روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها.
تفسير القرطبي ج 16 ص 259

وقال ابن كثير: نزلت هذه السورة الكريمة (أي سورة الفتح) لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام فيقضي عمرته فيه وحالوا بينه وبين ذلك ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل فأجابهم إلى ذلك على كره من جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
تفسير ابن كثير ج 4 ص 196

قال العلامة السيد الطباطبائي رحمه الله: مضامين آيات السورة (أي سورة الفتح) بفصولها المختلفة ظاهرة الإنطباق على قصة صلح الحديبية الواقعة في السنة السادسة من الهجرة وما وقع حولها من الوقائع كقصة تخلف الأعراب وصد المشركين، وبيعة الشجرة، على ما تفصله الآثار وسيجئ شطر منها في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى... فغرض السورة بيان ما امتن الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بما رزقه من الفتح المبين في هذه السفرة، وعلى المؤمنين ممن معه، ومدحهم البالغ، والوعد الجميل للذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات، والسورة مدنية.
تفسير الميزان ج 18 ص 251

روى البخاري بإسناده عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك، نزرت (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري حتى كنت أمام الناس، وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ قال: فقلت: لقد خشيتُ أن يكون نزل في قرآن، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال: لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهى أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.
صحيح البخاري ج 6 ص 104

وروى مسلم بإسناده عن قتادة: أن أنس بن مالك حدثهم قال: لما نزل: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} إلى قوله: {فَوْزًا عَظِيمًا} مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة وقد نحر الهدي بالحديبية فقال: لقد أنزلت عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعا.
صحيح مسلم ج 5 ص 176

الأمر الثالث: عدد الصحابة الذين شهدوا البيعة:
نزلت هذه الآية الكريمة في الصحابة المؤمنين الذين شهدوا الحديبية وبايعوا بيعة الرضوان، وكان عدد من شهد البيعة من الصحابة 1.400 وقيل 1.500 صحابي، فروى مسلم بإسناده عن جابر قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خير أهل الأرض... الحديث
وروى أيضا بإسناده عن سالم بن أبي الجعد قال: سألت جابر بن عبد الله عن أصحاب الشجرة، فقال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا ألفا وخمسمائة...
صحيح مسلم ج 6 ص 25

وقال ابن كثير: وهذه البيعة هي بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية، وكان الصحابة رضي الله عنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: قيل ألفا وثلثمائة، وقيل وأربعمائة، وقيل وخمسمائة، والأوسط أصح. تفسير ابن كثير ج 4 ص 199

وعليه فلا يجوز تعميم الحكم الذي تذكره الآية الكريمة – أياً كان الحكم - لغير المؤمنين المبايعين، وهذا تنبيه أوردته لأنني رأيت بعض علماء أهل السنة يذكر هذه الآية الكريم ليستدل بخا على عدالة كل الصحابة!!!

الأمر الرابع: سبب البيعة:
قال العلامة الطبرسي رحمه الله: قصة فتح الحديبية: قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج يريد مكة، فلما بلغ الحديبية، وقفت ناقته، وزجرها فلم تنزجر، وبركت الناقة، فقال أصحابه: خلأت الناقة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما هذا لها عادة، ولكن حبسها حابس الفيل، ودعا عمر بن الخطاب ليرسله إلى أهل مكة، ليأذنوا له بأن يدخل مكة، ويحل من عمرته، وينحر هديه، فقال: يا رسول الله! مالي بها حميم، وإني أخاف قريشا لشدة عداوتي إياها، ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني، عثمان بن عفان.
فقال: صدقت.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان، فأرسله إلى أبي سفيان، وأشراف قريش، يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحرمته، فاحتبسته قريش عندها.
فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين، أن عثمان قد قتل.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا نبرح حتى نناجز القوم.
ودعا الناس إلى البيعة، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشجرة فاستند إليها، وبايع الناس على أن يقاتلوا المشركين، ولا يفروا.
قال عبدالله بن معقل: كنت قائما على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك اليوم، وبيدي غصن من السمرة، أذب عنه، وهو يبايع الناس، فلم يبايعهم على الموت، وإنما بايعهم على أن لا يفروا.
تفسير مجمع البيان ج 9 ص 194

وذكر القرطبي كلاما شبيه إلى حدٍ كبير بكلام الطبرسي...

وقال الطبري: وكان سبب هذه البيعة ما قيل: إن رسول الله (ص) كان أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه برسالته إلى الملأ من قريش، فأبطأ عثمان عليه بعض الإبطاء، فظن أنه قد قتل، فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت، فبايعوه على ذلك، وهذه البيعة التي تسمى بيعة الرضوان...
تفسير الطبري ج 26 ص 110

الأمر الخامس: على ما كانت البيعة كانت؟
روى مسلم بإسناده عن جابر قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهى سمرة، وقال: بايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت.
صحيح مسلم ج 6 ص 25

وقال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبى عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟
قال: على الموت.
هذا حديث حسن صحيح.

وقال ايضا: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبى الزبير، عن جابر بن عبدالله قال: لم نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، إنما بايعناه على أن لا نفر.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى كلا الحديثين صحيح، قد بايعه قوم من أصحابه على الموت، وإنما قالوا لا نزال بين يديك ما لم نقتل، وبايعه آخرون فقالوا لا نفر.

الأمر السادس: نطاق الرضى المذكور في الآية:
القدر المتيقن من ظاهر الآية، أن الرضى الإلهي لهؤلاء المؤمنين كان حين البيعة، لمكان (إِذْ) التي تدل على الظرفية، ولا مناص عن القول بهذا، وإلا للزم أحد محذورين كلاهما فاسد:

1 - إما أن يقال بعصمتهم طيلة حياتهم، لامتناع إجتماع رضى الله سبحانه وتعالى، مع مرتكب المعصية حال ارتكابه لها، وأهل السنة لا يعترفون بعقيدتهم في العصمة، وإن صرح بعضهم بها!!!

نعم هذا المعنى ينسجم مع من ثبتت عصمته ممن بايع آنذاك، وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام...

2 - أو يقال أن ذنوبهم تقع مغفورة، وهذا مخالف للسنة الإلهية التي تقول: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وقد تجرأ بعض السنة للقول بهذا القول مع ما فيه من مخالفات بغرض تصحيح نظرية عدالة الصحابة، وقد غفلوا أو تغافلوا عما قاله الله سبحانه وتعالى لكافة الأنبياء بما فيهم نبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وآله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}...

قال الشوكاني: أي رضي الله عنهم وقت تلك البيعة وهي بيعة الرضوان.
فتح القدير ج 5 ص 51

عاشق داحي الباب
16-03-2010, 06:53 AM
الأمر السابع: وهناك شرط ذكره القرآن الكريم:
قال تعالى في شأن بيعة الرضوان أيضا: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (10) سورة الفتح

وهذه الآية نزلة ايضا في شأن بيعة الرضوان، قال القرطبي: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} بالحديبية يا محمد {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} بين أن بيعتهم لنبيه إنما هي بيعة الله، كما قال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} وهذه المبايعة هي بيعة الرضوان، على ما يأتي بيانها في هذه السورة إن شاء الله تعالى.
تفسير القرطبي ج 16 ص 267

وقال الطبري: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} بالحديبية من أصحابك على أن لا يفروا عند لقاء العدو، ولا يولوهم الأدبار {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} يقول: إنما يبايعون ببيعتهم إياك الله، لأن الله ضمن لهم الجنة بوفائهم له بذلك.
تفسير الطبري ج 26 ص 99

وبعد أن عرفنا ان هذه الآية نزلت في بيعة الرضوان أيضاً، نقول: يستفاد من التفريع الذي ذكرته الآية أعني قوله تعالى: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} ان الرضى الإلهي مقيد بالوفاء بعهد الله تعالى، أما من نكث فلا شك ان الرضى سيزول عنه، وقد قال القرطبي: {فَمَن نَّكَثَ} بعد البيعة {فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} أي يرجع ضرر النكث عليه، لأنه حرم نفسه الثواب وألزمها العقاب.
تفسير القرطبي ج 16 ص 268

الأمر الثامن: قراءة في سير بعض من شهد البيعة:
سيرة الصحابة الذين شهدوا بيعة الرضوان لا تساعد على القول بأن الله سبحانه وتعالى قد رضى عنهم مطلقا، ولا بأس بذكر بعض الشواهد:

1 – عثمان بن عفان والصحابي الجليل عبدالرحمن بن عديس:
قال الذهبي: عبد الرحمن بن عديس أبو محمد البلوي، له صحبة، وبايع تحت الشجرة، وله رواية، سكن مصر، وكان ممن خرج على عثمان وسار إلى قتاله، نسأل الله العافية، ثم ظفر به معاوية فسجنه بفلسطين في جماعة، ثم هرب من السجن، فأدركوه بجبل لبنان فقتل، ولما أدركوه قال لمن قتله: ويحك اتق الله في دمي، فإني من أصحاب الشجرة، فقال: الشجر بالجبل كثير، وقتله.
قال ابن يونس: كان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان.
وعن محمد بن يحيى الذهلي قال: لا يحل أن يحدث عنه بشيء، هو رأس الفتنة.
تاريخ الإسلام ص 464 (الوراق)

2 - المغيرة بن شعبة بايع في الحديبية ثم ارتكب فاحشة الزنا:
قال الذهبي: المغيرة بن شعبة: (ع) ابن أبي عامر بن مسعود بن معتب، الأمير أبو عيسى، ويقال: أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد، من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة، شهد بيعة الرضوان، كان رجلا طوالا مهيبا، ذهبت عينه يوم اليرموك، وقيل: يوم القادسية.
سير أعلام النبلاء ج 3 ص 21

ونجد أيضا في كتب الحديث والتراجم والتاريخ أن هذا الرجل قد ثبت ارتكباه فاحشة الزنا، وأقيمت الشهادة على ذلك، غاية ما في الباب أن ثلاثة من الشهود رأوا الزنا محصناً، والرابع زعم أنه لم ير الزنا محصنا، ولكنه رأى شيئاً قبيحاً، وفي بعض الروايات يذكر هذا الرابع تفاصيل عجيبة، فليرجع إليها من أراد، ولنقرأ بعض النصوص:

النص الأول: عن أبى عثمان النهدي: قال شهد أبو بكرة، ونافع، وشبل بن معبد، على المغيرة بن شعبة، أنهم نظروا إليه كما نظروا إلى المرود في المكحلة، فجاء زياد فقال عمر جاء رجل لا يشهد إلا بحق، فقال: رأيت مجلسا ضحى ونهارا قال فجلدهم عمر الحد. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

النص الثاني: عبد الرزاق عن محمد بن مسلم قال: أخبرني إبراهيم ابن ميسرة عن ابن المسيب قال: شهد على المغيرة أربعة بالزنا، فنكل زياد، فحد عمر الثلاثة، ثم سألهم أن يتوبوا، فتاب اثنان، فقبلت شهادتهما، وأبى (أبو) بكرة أن يتوب، فكانت لا تجوز شهادته، وكان قد عاد مثل النصل من العبادة حتى مات.
مصنف عبد الرزاق الصنعاني ج 7 ص 384

النص الثالث: عبد الرزاق عن الثوري عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي قال: شهد أبو بكرة، ونافع، وشبل بن معبد، على المغيرة ابن شعبة أنهم نظروا إليه كما ينظرون إلى المرود في المكحلة، قال: فجاء زياد، فقال عمر: جاء رجل لا يشهد إلا بالحق، قال: رأيت مجلسا قبيحا وانبهارا، قال: فجلدهم عمر الحد.
مصنف عبد الرزاق الصنعاني ج 7 ص384

قلتُ: وأبو بكرة الذي شهد على المغيرة، صحابي أيضا، ترجمه الذهبي فقال:
أبو بكرة الثقفي الطائفي: (ع) مولى النبي صلى الله عليه وسلم. اسمه نفيع بن الحارث، وقيل: نفيع بن مسروح...
سكن البصرة، وكان من فقهاء الصحابة، ووفد على معاوية.....
ثم قال الذهبي: وقصة عمر مشهورة في جلده أبا بكرة ونافعا، وشبل بن معبد، لشهادتهم على المغيرة بالزنى، ثم استتابهم، فأبى أبو بكرة أن يتوب، وتاب الآخران، فكان إذا جاءه من يشهده يقول: قد فسقوني، قال البيهقي: إن صح هذا، فالأنه امتنع من التوبة من قذفه، وأقام على ذلك.
قلت: كأنه يقول: لم أقذف المغيرة، وإنما أنا شاهد، فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد، إذ نصاب الشهادة لو تم بالرابع، لتعين الرجم، ولما سموا قاذفين.
سير أعلام النبلاء ج 3 ص 5

3 - فرار عثمان يوم أحد:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (155) سورة آل عمران
وقال عز اسمه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (15) سورة الأنفال

وروى البخاري بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟
قال: الشرك بالله.
والسحر.
وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
وأكل الربا.
وأكل مال اليتيم.
والتولي يوم الزحف.
وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
صحيح البخاري ج 3 ص 195

وروى بإسناده عن عثمان بن موهب قال جاء رجل حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء القعود قال هؤلاء قريش قال من الشيخ قالوا ابن عمر فأتاه فقال إني سائلك عن شيء أتحدثني.
قال: أنشدك بحرمة هذا البيت، أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد؟
قال: نعم.
قال: فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها؟
قال: نعم.
قال: فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟
قال: نعم.
قال: فكبر.
قال: ابن عمر تعال لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ان لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فإنه لو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه فبعث عثمان وكان بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان اذهب بهذا الآن معك. صحيح البخاري ج 5 ص 34

وقال ابن كثير: وقال الأموي في مغازيه: عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد، عن أبيه، عن جده، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وقد كان الناس انهزموا عنه حتى بلغ بعضهم إلى المبقى دون الأعوص، وفر عثمان بن عفان وسعد بن عثمان رجل من الأنصار حتى بلغوا الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص فأقاموا ثلاثا ثم رجعوا، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: لقد ذهبتم فيها عريضة.
البداية والنهاية ج 4 ص 32

قلت: وهذا الموقف يثبت أن عثمان قد استحق حلول الغضب الإلهي، والآية تنص على أن الله سبحانه وتعالى قد عفا عنهم، لكنها لم تقل أن الله قد رضي عنهم...

وقد عفا الله تعالى عن بني إسرائيل بعد ان اتخذوا العجل، فهل رضي عنهم؟؟؟

قال تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (52) سورة البقرة

عاشق داحي الباب
16-03-2010, 06:55 AM
4 - رأي الصحابة الذين شهدوا بيعة الرضوان في أنفسهم:
الصحابة لم يكونوا يعتقدون في أنفسهم ما يعتقده أهل السنة فيهم، فروى البخاري، قال: ‏حدثني أحمد بن إشكاب حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبيه ‏ ‏قال لقيت ‏ ‏البراء بن عازب ‏ ‏رضي الله عنهما ‏فقلت: ‏طوبى لك صحبت النبي ‏صلى الله عليه وسلم، ‏وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده.صحيح البخاري ج 5 ص 66

5 - موقف عمر بن الخطاب يوم الحديبية:
قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء

روى البخاري بإسناده عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في حديث طويل جاء فيه:
فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ألستَ نبي الله حقا؟
قال: بلى.
قلتُ: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟
قال: بلى.
قلتُ: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟
قال: إني رسول الله، ولست أعصيه وهو ناصري.
قلتُ: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟
قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟
قال: قلت: لا.
قال: فإنك آتيه، ومطوف به.
قال: فأتيت أبا بكر، فقلتُ: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقا؟
قال: بلى.
قلتُ: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟
قال: بلى.
قلتُ: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟
قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق.
قلتُ: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟
قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟
قلتُ: لا.
قال: فإنك آتيه ومطوف به.
قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا... الحديث
صحيح البخاري ج 3 ص 182

وروى ايضا بإسناده عن حبيب بن أبى ثابت قال: أتيت أبا وائل اسأله فقال: كنا بصفين فقال رجل: ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله تعالى فقال علي: نعم فقال سهل بن حنيف: اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية يعنى الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟
أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟
قال: بلى.
قال: ففيم أعطى الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا.
فقال: يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا.
فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟
قال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يضيعه الله أبدا فنزلت سورة الفتح.
صحيح البخارى ج 6 ص 45

6 - موقف عامة الصحابة يوم الحديبية:
روى البخاري من حديثه الطويل قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا.
قال: فو الله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس.
فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما.
صحيح البخاري ج 3 ص 182

قال ابن حزم الظاهري: وليعلم كل ذي لب، أن ذلك الفعل من أهل الحديبية رضي الله عنهم خطأ ومعصية، ولكنهم مغفور لهم بيقين النص في أنه لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية، وليس غيرهم كذلك، ولا يحل لمسلم أن يقتدي بهم في ذلك، فلا بد لكل فاضل من زلة، وكل عالم من وهلة، وكل أحد من الخيار فإنه يؤخذ من قوله وفعله، ويترك ويرغب من كثير من قوله وفعله، إلا أن رسول الله (ص) ومن اقتدى بأهل الحديبية في هذا الفعل الذي أنكره رسول الله (ص) فقد هلك، رضي الله عنهم مضمون لهم المغفرة في ذلك وغيره، ولم يضمن ذلك لغيرهم، وقد أقر بعضهم رضي الله عنهم على نفسه الخطأ العظيم في هذا الباب كما حدثنا عبد الله بن يوسف ... ... عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: سمعت سهل بن حنيف بصفين يقول: اتهموا رأيكم على دينكم فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع رد أمر رسول الله (ص) قال الأعمش عن أبي وائل عن سهل: لرددته.
قال علي: ويوم أبي جندل هو يوم الحديبية، فقد أقر سهل رضي الله عنهم أنهم أساؤوا الرأي يوم الحديبية، حتى لو استطاعوا رد أمر رسول الله (ص) لردوه.
الإحكام في أصول الأحكام ج 4 ص 423


تنبيه:
قد ورد في رواية البخاري المتقدمة، أن الصحابة لم يمتثلوا أمر النبي صلى الله عليه وآله، ونص الرواية يقول: فوالله ما قام منهم رجل...

وروى القمي قدس سره بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل جاء فيه ما يلي:
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: انحروا بدنكم، واحلقوا رؤسكم.
فامتنعوا وقالوا: كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة؟
فاغتم رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك وشكا ذلك إلى أم سلمة، فقالت: يا رسول الله انحر أنت واحلق، فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله وحلق، ونحر القوم على حيث يقين وشك وارتياب.
تفسير القمي ج 2 ص 314

فزعم بعض النواصب أن هذا دليل على وقوع المخالفة من أبي الحسن عليه السلام، وهذا يتنافى مع العصمة!!!

وأقول: لا بد من حمل ذلك على معنى التغليب، أي أن التمرد صدر من أكثر الصحابة، وليس منهم كلهم، إذ من الصحابة من لا يمكن أن يتمرد على أوامر النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وقد ورد هذا التعبير في الرواية لمناسبة تمرد الأكثر، وتغليب الأكثر على الأقل شائع في القرآن الكريم وفي كلام العرب، قال تعالى: {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا} سورة الإسراء (100) فالآية تصف الإنسان بالقتور، مع انه ليس كل الناس كذلك، وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} سورة النساء (75) والقرية هنا هي مكة المشرفة، ومعلوم أن بعض أهلها ليسو ظالمين، على الأقل الأطفال منهم...

والذي يدل على أن المقصود هو التغليب وليس الحقيقة، نفس آية الرضوان، فتدبر جيداً...

وعلى كل الأحوال فإن العدالة بمجردها فضلا عن العصمة، تمنع من مقابلة أوامر النبي صلى الله عليه وآله بالرفض والتمرد، ولذلك فإن العدالة لا يمكن ان تجتمع مع تلك الحالة من التمرد كما صرح ابن حزم، فكيف يظن بمن ثبتت عصمته (وليس فقط عدالته) بالأدلة الصحيحة أن يقف موقف المتمرد؟؟؟

ومن هنا نقول أن هناك جملة من الصحابة مضافاً إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وإن لم نعرفهم لعدم ورود النص بأسمائهم، لم يتمردوا على أوامر النبي صلى الله عليه وآله آنذاك...

والقدر المتيقن انهم كانوا أقلية، والله أعلم...

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين...



الخلاصة من الموضوع:
يتلخص من الموضوع ان بيعة الرضوان: عمل صالح قام به جماعة من المؤمنين وقد استحقوا بذلك العمل رضى الله سبحانه وتعالى، وكل من جاء بعمل صالح قاصداً به وجه الله تعالى فقد استحق رضاه جل شأنه، ولكن هذا لا يعني أنهم نالوا العصمة، قال تعالى:{إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}

قال العلامة السيد شرف الدين قدس سره: كانت تحت شجرة من سمر فقيل عنها بيعة الشجرة وأضيفت إلى الرضوان لقوله تعالى في شأن المؤمنين من المبايعين يومئذ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} إلى قوله عز من قائل في آخر السورة عنهم: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}. بخٍ بخٍ، طوبى وحسن مآب للمقيمين من هؤلاء على الإيمان والعمل الصالح حتى لقوا ربهم عز وجل، اختصهم الله تعالى بالرضا عنهم والثناء العظيم في محكمات القرآن عليهم، ووعدهم -دون غيرهم من المبايعين- بالمغفرة والأجر العظيم. فالآية هذه هي على حد قوله عز وجل في آية أخرى تختص بأمهات المؤمنين {وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} وهدفها إنما هو الهدف الذي يرمى إليه قوله عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} وما أغنى أولياء الله عما افتأته لهم المفتئون من أحاديث يضرب بها عرض الجدار بمخالفتها لمحكمات القرآن الحكيم.
النص والإجتهاد هامش ص 169

والظاهر أن السيد رحمه الله يشير في نهاية كلامه إلى الحديث الذي رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال عن أهل بدر: وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم!!!
صحيح البخاري ج 4 ص 19

قال ابن حجر: ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "فقد غفرت لكم" أي ذنوبكم تقع مغفورة!!! لا أن المراد أنه لا يصدر منهم ذنب، وقد شهد مسطح (2) بدرا ووقع في حق عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور، فكأن الله لكرامتهم عليه بشرهم على لسان نبيه أنهم مغفور لهم ولو وقع منهم ما وقع.
فتح الباري ج 8 ص 487




.................................................. ...
هامش:
(1) قال ابن منظور: والنزر: الإلحاح في السؤال، وقولهم: فلان لا يعطي حتى ينزر، أي يلح عليه ويصغر من قدره، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: وما كان لكم أن تنزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة، أي تلحوا عليه فيها. ونزره نزرا: ألح عليه في المسألة، وفي الحديث: أن عمر رضي الله عنه، كان يساير النبي صلى الله عليه وسلم، في سفر فسأله عن شيء فلم يجبه، ثم عاد يسأله فلم يجبه، فقال لنفسه كالمبكت لها: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرارا لا يجيبك، قال الأزهري: معناه أنك ألححت عليه في المسألة إلحاحا أدبك بسكوته عن جوابك.
لسان العرب ج 5 ص 203



(2) قال الذهبي: مسطح بن أثاثة ابن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، المطلبي المهاجري البدري، المذكور في قصة الافك.
كان فقيرا ينفق عليه أبو بكر، ذكره ابن سعد فقال: كان قصيرا، غائر العينين، شثن الاصابع، عاش ستا وخمسين سنة. قال: وتوفي سنة أربع وثلاثين، رضي الله عنه.
قال الذهبي: إياك يا جري أن تنظر إلى هذا البدري شزرا لهفوة بدت منه، فإنها قد غفرت، وهو من أهل الجنة. وإياك يا رافضي أن تلوح بقذف أم المؤمنين بعد نزول النص في براءتها فتجب لك النار!!!!!!!!
سير أعلام النبلاء ج 1 ص 187

قلت: لا أشك أن الذهبي كان يهجر حين كتابته للكلام أعلاه!!!

منقوووووووووول

عاشق داحي الباب
16-03-2010, 07:00 AM
4 - رأي الصحابة الذين شهدوا بيعة الرضوان في أنفسهم:
الصحابة لم يكونوا يعتقدون في أنفسهم ما يعتقده أهل السنة فيهم، فروى البخاري، قال: ‏حدثني أحمد بن إشكاب حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبيه ‏ ‏قال لقيت ‏ ‏البراء بن عازب ‏ ‏رضي الله عنهما ‏فقلت: ‏طوبى لك صحبت النبي ‏صلى الله عليه وسلم، ‏وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده.صحيح البخاري ج 5 ص 66

5 - موقف عمر بن الخطاب يوم الحديبية:
قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء

روى البخاري بإسناده عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في حديث طويل جاء فيه:
فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ألستَ نبي الله حقا؟
قال: بلى.
قلتُ: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟
قال: بلى.
قلتُ: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟
قال: إني رسول الله، ولست أعصيه وهو ناصري.
قلتُ: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟
قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟
قال: قلت: لا.
قال: فإنك آتيه، ومطوف به.
قال: فأتيت أبا بكر، فقلتُ: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقا؟
قال: بلى.
قلتُ: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟
قال: بلى.
قلتُ: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟
قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق.
قلتُ: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟
قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟
قلتُ: لا.
قال: فإنك آتيه ومطوف به.
قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا... الحديث
صحيح البخاري ج 3 ص 182

وروى ايضا بإسناده عن حبيب بن أبى ثابت قال: أتيت أبا وائل اسأله فقال: كنا بصفين فقال رجل: ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله تعالى فقال علي: نعم فقال سهل بن حنيف: اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية يعنى الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟
أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟
قال: بلى.
قال: ففيم أعطى الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا.
فقال: يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا.
فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟
قال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يضيعه الله أبدا فنزلت سورة الفتح.
صحيح البخارى ج 6 ص 45

6 - موقف عامة الصحابة يوم الحديبية:
روى البخاري من حديثه الطويل قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا.
قال: فو الله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس.
فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما.
صحيح البخاري ج 3 ص 182

قال ابن حزم الظاهري: وليعلم كل ذي لب، أن ذلك الفعل من أهل الحديبية رضي الله عنهم خطأ ومعصية، ولكنهم مغفور لهم بيقين النص في أنه لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية، وليس غيرهم كذلك، ولا يحل لمسلم أن يقتدي بهم في ذلك، فلا بد لكل فاضل من زلة، وكل عالم من وهلة، وكل أحد من الخيار فإنه يؤخذ من قوله وفعله، ويترك ويرغب من كثير من قوله وفعله، إلا أن رسول الله (ص) ومن اقتدى بأهل الحديبية في هذا الفعل الذي أنكره رسول الله (ص) فقد هلك، رضي الله عنهم مضمون لهم المغفرة في ذلك وغيره، ولم يضمن ذلك لغيرهم، وقد أقر بعضهم رضي الله عنهم على نفسه الخطأ العظيم في هذا الباب كما حدثنا عبد الله بن يوسف ... ... عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: سمعت سهل بن حنيف بصفين يقول: اتهموا رأيكم على دينكم فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع رد أمر رسول الله (ص) قال الأعمش عن أبي وائل عن سهل: لرددته.
قال علي: ويوم أبي جندل هو يوم الحديبية، فقد أقر سهل رضي الله عنهم أنهم أساؤوا الرأي يوم الحديبية، حتى لو استطاعوا رد أمر رسول الله (ص) لردوه.
الإحكام في أصول الأحكام ج 4 ص 423


تنبيه:
قد ورد في رواية البخاري المتقدمة، أن الصحابة لم يمتثلوا أمر النبي صلى الله عليه وآله، ونص الرواية يقول: فوالله ما قام منهم رجل...

وروى القمي قدس سره بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل جاء فيه ما يلي:
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: انحروا بدنكم، واحلقوا رؤسكم.
فامتنعوا وقالوا: كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة؟
فاغتم رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك وشكا ذلك إلى أم سلمة، فقالت: يا رسول الله انحر أنت واحلق، فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله وحلق، ونحر القوم على حيث يقين وشك وارتياب.
تفسير القمي ج 2 ص 314

فزعم بعض النواصب أن هذا دليل على وقوع المخالفة من أبي الحسن عليه السلام، وهذا يتنافى مع العصمة!!!

وأقول: لا بد من حمل ذلك على معنى التغليب، أي أن التمرد صدر من أكثر الصحابة، وليس منهم كلهم، إذ من الصحابة من لا يمكن أن يتمرد على أوامر النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وقد ورد هذا التعبير في الرواية لمناسبة تمرد الأكثر، وتغليب الأكثر على الأقل شائع في القرآن الكريم وفي كلام العرب، قال تعالى: {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا} سورة الإسراء (100) فالآية تصف الإنسان بالقتور، مع انه ليس كل الناس كذلك، وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} سورة النساء (75) والقرية هنا هي مكة المشرفة، ومعلوم أن بعض أهلها ليسو ظالمين، على الأقل الأطفال منهم...

والذي يدل على أن المقصود هو التغليب وليس الحقيقة، نفس آية الرضوان، فتدبر جيداً...

وعلى كل الأحوال فإن العدالة بمجردها فضلا عن العصمة، تمنع من مقابلة أوامر النبي صلى الله عليه وآله بالرفض والتمرد، ولذلك فإن العدالة لا يمكن ان تجتمع مع تلك الحالة من التمرد كما صرح ابن حزم، فكيف يظن بمن ثبتت عصمته (وليس فقط عدالته) بالأدلة الصحيحة أن يقف موقف المتمرد؟؟؟

ومن هنا نقول أن هناك جملة من الصحابة مضافاً إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وإن لم نعرفهم لعدم ورود النص بأسمائهم، لم يتمردوا على أوامر النبي صلى الله عليه وآله آنذاك...

والقدر المتيقن انهم كانوا أقلية، والله أعلم...

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين...



الخلاصة من الموضوع:
يتلخص من الموضوع ان بيعة الرضوان: عمل صالح قام به جماعة من المؤمنين وقد استحقوا بذلك العمل رضى الله سبحانه وتعالى، وكل من جاء بعمل صالح قاصداً به وجه الله تعالى فقد استحق رضاه جل شأنه، ولكن هذا لا يعني أنهم نالوا العصمة، قال تعالى:{إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}

قال العلامة السيد شرف الدين قدس سره: كانت تحت شجرة من سمر فقيل عنها بيعة الشجرة وأضيفت إلى الرضوان لقوله تعالى في شأن المؤمنين من المبايعين يومئذ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} إلى قوله عز من قائل في آخر السورة عنهم: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}. بخٍ بخٍ، طوبى وحسن مآب للمقيمين من هؤلاء على الإيمان والعمل الصالح حتى لقوا ربهم عز وجل، اختصهم الله تعالى بالرضا عنهم والثناء العظيم في محكمات القرآن عليهم، ووعدهم -دون غيرهم من المبايعين- بالمغفرة والأجر العظيم. فالآية هذه هي على حد قوله عز وجل في آية أخرى تختص بأمهات المؤمنين {وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} وهدفها إنما هو الهدف الذي يرمى إليه قوله عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} وما أغنى أولياء الله عما افتأته لهم المفتئون من أحاديث يضرب بها عرض الجدار بمخالفتها لمحكمات القرآن الحكيم.
النص والإجتهاد هامش ص 169

والظاهر أن السيد رحمه الله يشير في نهاية كلامه إلى الحديث الذي رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال عن أهل بدر: وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم!!!
صحيح البخاري ج 4 ص 19

قال ابن حجر: ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "فقد غفرت لكم" أي ذنوبكم تقع مغفورة!!! لا أن المراد أنه لا يصدر منهم ذنب، وقد شهد مسطح (2) بدرا ووقع في حق عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور، فكأن الله لكرامتهم عليه بشرهم على لسان نبيه أنهم مغفور لهم ولو وقع منهم ما وقع.
فتح الباري ج 8 ص 487




.................................................. ...
هامش:
(1) قال ابن منظور: والنزر: الإلحاح في السؤال، وقولهم: فلان لا يعطي حتى ينزر، أي يلح عليه ويصغر من قدره، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: وما كان لكم أن تنزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة، أي تلحوا عليه فيها. ونزره نزرا: ألح عليه في المسألة، وفي الحديث: أن عمر رضي الله عنه، كان يساير النبي صلى الله عليه وسلم، في سفر فسأله عن شيء فلم يجبه، ثم عاد يسأله فلم يجبه، فقال لنفسه كالمبكت لها: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرارا لا يجيبك، قال الأزهري: معناه أنك ألححت عليه في المسألة إلحاحا أدبك بسكوته عن جوابك.
لسان العرب ج 5 ص 203



(2) قال الذهبي: مسطح بن أثاثة ابن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، المطلبي المهاجري البدري، المذكور في قصة الافك.
كان فقيرا ينفق عليه أبو بكر، ذكره ابن سعد فقال: كان قصيرا، غائر العينين، شثن الاصابع، عاش ستا وخمسين سنة. قال: وتوفي سنة أربع وثلاثين، رضي الله عنه.
قال الذهبي: إياك يا جري أن تنظر إلى هذا البدري شزرا لهفوة بدت منه، فإنها قد غفرت، وهو من أهل الجنة. وإياك يا رافضي أن تلوح بقذف أم المؤمنين بعد نزول النص في براءتها فتجب لك النار!!!!!!!!
سير أعلام النبلاء ج 1 ص 187

قلت: لا أشك أن الذهبي كان يهجر حين كتابته للكلام أعلاه!!!

منقوووووووووول

سلامه999
16-03-2010, 08:32 AM
موفقين يا عاشق داح الباب