m-mahdi.com
12-05-2007, 01:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد:
الحلقة الثالثة من سلسلة: (دراسة في علامات الظهور).
عودٌ على بدء:
ولكن السر في صعوبة ومرارة هذه الحرب يعود إلى الأمور التالية:
1ـ إن الخوارج كانوا في ظاهر الأمر من القرَّاء المسلمين، الذين يتظاهرون بالتقوى، والصلاح، والنسك، وقد عرف ذلك عنهم وشاع.
إذن.. فقتل هؤلاء بأيدي إخوانهم المسلمين لم يكن بالأمر المستساغ ولا المقبول لدى عامة الناس، الذين لم يعرفوا بواطن الأمور، ولا اطلعوا على خلفياتها.
2ـ إن الخوارج كانوا ـ من جهة ثانية ـ جزءاً من هذا الجيش الذي حارب إلى جانبه (عليه السلام) أعداءه في الجمل وصفين فكانوا ـ إذن ـ رفقاء السلاح والجهاد لهذا الجيش الذي يحاربونه اليوم، ويقتلهم، ويقتلونه، وكانت لهم به علاقات شخصية، وروابط، وذكريات، حلوة ومرة.
3ـ لقد كانت هناك وشائج قربى ونسب، تربط بين هاتين الفئتين المتناحرتين، حيث إن القوم كانوا أبناء القوم، وآبائهم، وإخوانهم، وأبناء عمهم.
ومن الطبيعي أن تترك الحرب فيما بين هؤلاء آثاراً سلبية بليغة على البنية الاجتماعية، وعلى العلاقات العشائرية والقبلية في داخل جسم الأمة.
هذا بالإضافة إلى الصعوبات العاطفية، والصدمات الروحية، والعقد النفسية التي تنشأ ـ عادة ـ عن قتل وقتال المرء لأخيه، وصديقه، وابن عمه. ولا ندري حقيقة المشاعر التي كانت تنتاب عدي بن حاتم حينما دفن ولده بعد انتهاء المعركة. وكذا غيره، حينما دفن رجال من الناس قتلاهم بإذنه عليه السلام( [7]).
4ـ إن الشعارات التي رفعها الخوارج كانت خداعة وبراقة إلى حد كبير، وكانت تستهوي أولئك الذين ينساقون وراء مشاعرهم، وعواطفهم، دونما تأمل أو تعقل، أو تمحيص لحقيقة ما يجري وما يحدث، ودونما دراسة واعية لدوافعه وخلفياته. ولم تكن لديهم معرفة كافية تخولهم تمييز الحق من الباطل والهدى من الضلال.
وهذا الواقع الذي كان يعاني منه مجتمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل من الشعارات البراقة والخداعة وسيلة فعالة في تخفيف هيمنة العقل والتقليل من زنته ورجاحته وجعل الأهواء، والمشاعر هي الطاغية والمسيطرة، وهذا هو السبب في أن فرعون قد استخف قومه ـ أي عقولهم ـ فأطاعوه حتى عبدوه.
وهو السبب في أن يتمكن الشيطان من أن يزين القبيح للإنسان ويظهره بصورة أحسن، حتى يقع فيه. ولو كان ثمة أثارة من علم لعرف الصحيح من الزائف والحسن من القبيح، والحق من الباطل.
5ـ إننا إذا درسنا واقع المجتمع الذي كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتعامل معه، ولاسيما بعد حربي الجمل وصفين، فلسوف نخرج بنتيجة مثيرة، وقد يرى البعض أنها تستند إلى نظرة مفرطة في التشاؤم.
فأما بالنسبة لفريق الخوارج، فإن أمرهم واضح، إذ يعلم كل أحد: أنهم كانوا أعراباً جفاةً، أخفاء الهام، سفهاء الأحلام.
وحتى بعد مرور قرنين من الزمن وفشوا العلم بين الناس، وظهور الفرق والنحل، حتى نحلة الاعتزال المفرطة في الاعتماد على العقل، وكذلك بعد ترجمة الكتب اليونانية، وبعد أن صار كل فريق يحاول تقديم آرائه، بقوالب علمية، وبصيغ حضارية ـ نعم، حتى بعد هذا وذاك وذلك، فإن حالة الخوارج الثقافية قد بقيت في منتهى السوء، حتى لقد قال فيهم بشر بن المعتمر:
ما كان من أسلافهم أبو الحسن ولا ابن عباس ولا أهل السنن
غر مصابيح الدجى مناجب أولئك الأعلام لا الأعارب
كمثل حرقوص، ومن حرقوص فقعة قاع حولها قصيص
ليس من الحنظل يشتار العسل ولا من البحور يصطاد الورل
هيهات ما سافلة كعالية ما معدن الحكمة أهل البادية( [8])
وأما بالنسبة لمن عدا الخوارج من أصحابه وأعوانه (عليه الصلاة والسلام)، فإن حربي الجمل وصفين، والاغتيالات التي قام بها أعداؤه، قد أفقدته الكثير من خلّص أصحابه، ولم يبق معه إلا القليل. وقد قال الأشتر لهؤلاء الناس بعد انتهاء حرب صفين: «قتل أماثلكم، وبقي أراذلكم»( [9]).
وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتلهف على أصحابه المخلصين، الذين فقدهم( [10]).
وقد قال (عليه السلام) حين تكلّموا حول مدى طاعة الأشتر لأوامره (عليه السلام): «ليت فيكم مثله إثنان، وليت فيكم مثله واحد»( [11]).
ويقول (عليه السلام): «ذهب والله أولوا النهى، والفضل والتقى، الذين كانوا يقولون فيصدقون، ويدعون فيجيبون، ويلقون عدوهم فيصبرون وبقيت لي حثالة قوم لا يتعظون بموعظة ولا يفكرون في عاقبة لقد هممت أن أشخص عنكم فلا أطلب نصركم ما اختلف الجديدان»( [12]).
وكل ذلك يوضح: أنه (عليه السلام) لم يعد بإمكانه تحريك الساحة بنفس الفاعلية وبنفس الحماس، إذ إن مراكز الثقل قد تلاشت، والكوادر الفاعلة التي كان لها تأثير كبير في توجيه الفكر، وبلورة الرؤية السياسية لدى الجماهير قد فقدت، فليس لعلي (عليه السلام) بعد اليوم، لا عمار، ولا أبو الهيثم بن التيهان، ولا الأشتر، ولا، ولا..
أما من تبقى معه من المخلصين، فقد كان عليهم أن يمسكوا بالمفاصل الحساسة للدولة التي تتناوشها ذؤبان معاوية، ويعبث فيها الأخطبوط الأموي، وغيره من فلول الحاقدين فساداً وإفساداً.
التوضيح والربط:
على ضوء ما تقدم وبعد أن عرفنا الحالة التي كان يعاني منها المجتمع فإن من الطبيعي أن تهيمن حالة من التردد والشك والريب على مواقف الناس، وعلى مواجهتهم لظاهرة الخوارج، وشعاراتهم، فكان لابد من اللجوء إلى أسلوب الصدمة، لإحداث اليقظة الضميرية والوجدانية لدى عامة الناس، اعتماداً على المنطلقات العامة فيما يرتبط بالإيمان بالغيب.
وقد ظهرت هذه الصدمة والهزة الضميرية عل شكل إخبارات غيبية، يشاهد الناس تحقق مضمونها بأم أعينهم. من أجل إعطاء الشحنة المحركة، وتسجيل الموقف الحاسم، لكي يمكن بعد ذلك ملاحقة ومتابعة العلم التربوي، والتثقيف والتوعية، ليكون ذلك ضمانة لبقاء القناعات، وتجذيرها في عقل وفكر، ووجدان الإنسان بصورة كافية..
وتمثل هذه الهزة أو فقل الصدمة الضميرية الأسلوب الأمثل لإظهار علم الإمامة، الذي استقاه (عليه السلام) من مهبط الوحي، ومعدن الرسالة محمد (صلى الله عليه وآله) ولم يشاركه فيه أحد.
ثم يأتي دور التركيز على عنصر النص، وتأكيده بصورة قاطعة، حتى لا يبقى عذر لمعتذر، ولا حيلة لمتطلب حيلة.
ويكون تعاضد هذين العنصرين، وهما: علم الإمامة، والنص على الإمام، هو الطريقة المثلى لنقل عنصر المبادأة والمبادرة إلى يد الإمام (عليه السلام).
وهكذا.. يتضح: أن هذه الصدمة من شأنها أن تفتح كوة في الجدار المضروب حول عقل وفكر مجتمع يعاني من حالة مزرية من الجهل بالدين وأحكامه، وبالإمامة والإمام، وقد زين جدار الجهل هذا بأصباغ براقة من الشعارات الخادعة، التي تتلبس له باسم الإسلام، ويجد فيها وسيلة تساعده على تحقيق مآربه في الغنائم والأموال. وفي الجاه، والهيمنة على الآخرين، وغير ذلك. من دون أن يكون للإسلام وتعاليمه تأثير يذكر على مواقفه وممارساته العملية..
نعم.. لقد كانت هذه الهزة الوجدانية ضرورية لأناس يتعاملون ـ في الأكثر ـ مع إمامهم المنصوص عليه من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كخليفة له في أعناقهم بيعة، يلزمهم الوفاء بها، لا من منطلق الاعتقاد بإمامته، وتنصيبه من قبل الله على يد رسوله.
ولم يكونوا وقد عرفوا الشيء الكثير عن هذا الإمام الخليفة، ولا عن سوابقه، وأثره في الإسلام وفي الدين.
ولم يكن بوسعه (عليه السلام) أن ينتظر إلى أن تؤدي وسائل الإقناع دورها في بث روح الإيمان وتعميقه، ولا إلى أن تؤدي التربوية التي تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد ثمارها في مجال التزكية والتهذيب للنفوس.
والخلاصة: إنه إذا كان حربه (عليه السلام) مع الخوارج على درجة كبيرة من الحساسية، لما كان يمكن أن يؤدي إليه من سلبيات خطيرة في البنية الداخلية للمجتمع، فيما يرتبط بروحيات الناس، ومشاعرهم وقناعاتهم، وعلاقاتهم الاجتماعية، ومجمل أوضاعهم، فإن التركيز على عنصر الغيب، وإظهار علم الإمامة يصبح ضرورة ملحة، من أجل تلافي كثير من تلك السلبيات، بالإضافة إلى ما سوف يتركه هذا الأمر من آثار إيجابية في مجال الفكر والعقيدة للمجتمع الإسلامي في الأدوار اللاحقة.
يتبع إن شاء الله
ملاحظة:ـ الآراء الواردة في هذه السلسلة (دراسة في علامات الظهور) هي تمثل رآي العلامة السيد العاملي وليس بالظرورة تمثل رآي مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي(عليه السلام) وإنما نشرت من قبل المركز ترسيخا في فهم الوعي المهدوي وتعميقا لأصل التعددية في القراءات التخصصية بأيدٍ تخصصية.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد:
الحلقة الثالثة من سلسلة: (دراسة في علامات الظهور).
عودٌ على بدء:
ولكن السر في صعوبة ومرارة هذه الحرب يعود إلى الأمور التالية:
1ـ إن الخوارج كانوا في ظاهر الأمر من القرَّاء المسلمين، الذين يتظاهرون بالتقوى، والصلاح، والنسك، وقد عرف ذلك عنهم وشاع.
إذن.. فقتل هؤلاء بأيدي إخوانهم المسلمين لم يكن بالأمر المستساغ ولا المقبول لدى عامة الناس، الذين لم يعرفوا بواطن الأمور، ولا اطلعوا على خلفياتها.
2ـ إن الخوارج كانوا ـ من جهة ثانية ـ جزءاً من هذا الجيش الذي حارب إلى جانبه (عليه السلام) أعداءه في الجمل وصفين فكانوا ـ إذن ـ رفقاء السلاح والجهاد لهذا الجيش الذي يحاربونه اليوم، ويقتلهم، ويقتلونه، وكانت لهم به علاقات شخصية، وروابط، وذكريات، حلوة ومرة.
3ـ لقد كانت هناك وشائج قربى ونسب، تربط بين هاتين الفئتين المتناحرتين، حيث إن القوم كانوا أبناء القوم، وآبائهم، وإخوانهم، وأبناء عمهم.
ومن الطبيعي أن تترك الحرب فيما بين هؤلاء آثاراً سلبية بليغة على البنية الاجتماعية، وعلى العلاقات العشائرية والقبلية في داخل جسم الأمة.
هذا بالإضافة إلى الصعوبات العاطفية، والصدمات الروحية، والعقد النفسية التي تنشأ ـ عادة ـ عن قتل وقتال المرء لأخيه، وصديقه، وابن عمه. ولا ندري حقيقة المشاعر التي كانت تنتاب عدي بن حاتم حينما دفن ولده بعد انتهاء المعركة. وكذا غيره، حينما دفن رجال من الناس قتلاهم بإذنه عليه السلام( [7]).
4ـ إن الشعارات التي رفعها الخوارج كانت خداعة وبراقة إلى حد كبير، وكانت تستهوي أولئك الذين ينساقون وراء مشاعرهم، وعواطفهم، دونما تأمل أو تعقل، أو تمحيص لحقيقة ما يجري وما يحدث، ودونما دراسة واعية لدوافعه وخلفياته. ولم تكن لديهم معرفة كافية تخولهم تمييز الحق من الباطل والهدى من الضلال.
وهذا الواقع الذي كان يعاني منه مجتمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل من الشعارات البراقة والخداعة وسيلة فعالة في تخفيف هيمنة العقل والتقليل من زنته ورجاحته وجعل الأهواء، والمشاعر هي الطاغية والمسيطرة، وهذا هو السبب في أن فرعون قد استخف قومه ـ أي عقولهم ـ فأطاعوه حتى عبدوه.
وهو السبب في أن يتمكن الشيطان من أن يزين القبيح للإنسان ويظهره بصورة أحسن، حتى يقع فيه. ولو كان ثمة أثارة من علم لعرف الصحيح من الزائف والحسن من القبيح، والحق من الباطل.
5ـ إننا إذا درسنا واقع المجتمع الذي كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتعامل معه، ولاسيما بعد حربي الجمل وصفين، فلسوف نخرج بنتيجة مثيرة، وقد يرى البعض أنها تستند إلى نظرة مفرطة في التشاؤم.
فأما بالنسبة لفريق الخوارج، فإن أمرهم واضح، إذ يعلم كل أحد: أنهم كانوا أعراباً جفاةً، أخفاء الهام، سفهاء الأحلام.
وحتى بعد مرور قرنين من الزمن وفشوا العلم بين الناس، وظهور الفرق والنحل، حتى نحلة الاعتزال المفرطة في الاعتماد على العقل، وكذلك بعد ترجمة الكتب اليونانية، وبعد أن صار كل فريق يحاول تقديم آرائه، بقوالب علمية، وبصيغ حضارية ـ نعم، حتى بعد هذا وذاك وذلك، فإن حالة الخوارج الثقافية قد بقيت في منتهى السوء، حتى لقد قال فيهم بشر بن المعتمر:
ما كان من أسلافهم أبو الحسن ولا ابن عباس ولا أهل السنن
غر مصابيح الدجى مناجب أولئك الأعلام لا الأعارب
كمثل حرقوص، ومن حرقوص فقعة قاع حولها قصيص
ليس من الحنظل يشتار العسل ولا من البحور يصطاد الورل
هيهات ما سافلة كعالية ما معدن الحكمة أهل البادية( [8])
وأما بالنسبة لمن عدا الخوارج من أصحابه وأعوانه (عليه الصلاة والسلام)، فإن حربي الجمل وصفين، والاغتيالات التي قام بها أعداؤه، قد أفقدته الكثير من خلّص أصحابه، ولم يبق معه إلا القليل. وقد قال الأشتر لهؤلاء الناس بعد انتهاء حرب صفين: «قتل أماثلكم، وبقي أراذلكم»( [9]).
وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتلهف على أصحابه المخلصين، الذين فقدهم( [10]).
وقد قال (عليه السلام) حين تكلّموا حول مدى طاعة الأشتر لأوامره (عليه السلام): «ليت فيكم مثله إثنان، وليت فيكم مثله واحد»( [11]).
ويقول (عليه السلام): «ذهب والله أولوا النهى، والفضل والتقى، الذين كانوا يقولون فيصدقون، ويدعون فيجيبون، ويلقون عدوهم فيصبرون وبقيت لي حثالة قوم لا يتعظون بموعظة ولا يفكرون في عاقبة لقد هممت أن أشخص عنكم فلا أطلب نصركم ما اختلف الجديدان»( [12]).
وكل ذلك يوضح: أنه (عليه السلام) لم يعد بإمكانه تحريك الساحة بنفس الفاعلية وبنفس الحماس، إذ إن مراكز الثقل قد تلاشت، والكوادر الفاعلة التي كان لها تأثير كبير في توجيه الفكر، وبلورة الرؤية السياسية لدى الجماهير قد فقدت، فليس لعلي (عليه السلام) بعد اليوم، لا عمار، ولا أبو الهيثم بن التيهان، ولا الأشتر، ولا، ولا..
أما من تبقى معه من المخلصين، فقد كان عليهم أن يمسكوا بالمفاصل الحساسة للدولة التي تتناوشها ذؤبان معاوية، ويعبث فيها الأخطبوط الأموي، وغيره من فلول الحاقدين فساداً وإفساداً.
التوضيح والربط:
على ضوء ما تقدم وبعد أن عرفنا الحالة التي كان يعاني منها المجتمع فإن من الطبيعي أن تهيمن حالة من التردد والشك والريب على مواقف الناس، وعلى مواجهتهم لظاهرة الخوارج، وشعاراتهم، فكان لابد من اللجوء إلى أسلوب الصدمة، لإحداث اليقظة الضميرية والوجدانية لدى عامة الناس، اعتماداً على المنطلقات العامة فيما يرتبط بالإيمان بالغيب.
وقد ظهرت هذه الصدمة والهزة الضميرية عل شكل إخبارات غيبية، يشاهد الناس تحقق مضمونها بأم أعينهم. من أجل إعطاء الشحنة المحركة، وتسجيل الموقف الحاسم، لكي يمكن بعد ذلك ملاحقة ومتابعة العلم التربوي، والتثقيف والتوعية، ليكون ذلك ضمانة لبقاء القناعات، وتجذيرها في عقل وفكر، ووجدان الإنسان بصورة كافية..
وتمثل هذه الهزة أو فقل الصدمة الضميرية الأسلوب الأمثل لإظهار علم الإمامة، الذي استقاه (عليه السلام) من مهبط الوحي، ومعدن الرسالة محمد (صلى الله عليه وآله) ولم يشاركه فيه أحد.
ثم يأتي دور التركيز على عنصر النص، وتأكيده بصورة قاطعة، حتى لا يبقى عذر لمعتذر، ولا حيلة لمتطلب حيلة.
ويكون تعاضد هذين العنصرين، وهما: علم الإمامة، والنص على الإمام، هو الطريقة المثلى لنقل عنصر المبادأة والمبادرة إلى يد الإمام (عليه السلام).
وهكذا.. يتضح: أن هذه الصدمة من شأنها أن تفتح كوة في الجدار المضروب حول عقل وفكر مجتمع يعاني من حالة مزرية من الجهل بالدين وأحكامه، وبالإمامة والإمام، وقد زين جدار الجهل هذا بأصباغ براقة من الشعارات الخادعة، التي تتلبس له باسم الإسلام، ويجد فيها وسيلة تساعده على تحقيق مآربه في الغنائم والأموال. وفي الجاه، والهيمنة على الآخرين، وغير ذلك. من دون أن يكون للإسلام وتعاليمه تأثير يذكر على مواقفه وممارساته العملية..
نعم.. لقد كانت هذه الهزة الوجدانية ضرورية لأناس يتعاملون ـ في الأكثر ـ مع إمامهم المنصوص عليه من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كخليفة له في أعناقهم بيعة، يلزمهم الوفاء بها، لا من منطلق الاعتقاد بإمامته، وتنصيبه من قبل الله على يد رسوله.
ولم يكونوا وقد عرفوا الشيء الكثير عن هذا الإمام الخليفة، ولا عن سوابقه، وأثره في الإسلام وفي الدين.
ولم يكن بوسعه (عليه السلام) أن ينتظر إلى أن تؤدي وسائل الإقناع دورها في بث روح الإيمان وتعميقه، ولا إلى أن تؤدي التربوية التي تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد ثمارها في مجال التزكية والتهذيب للنفوس.
والخلاصة: إنه إذا كان حربه (عليه السلام) مع الخوارج على درجة كبيرة من الحساسية، لما كان يمكن أن يؤدي إليه من سلبيات خطيرة في البنية الداخلية للمجتمع، فيما يرتبط بروحيات الناس، ومشاعرهم وقناعاتهم، وعلاقاتهم الاجتماعية، ومجمل أوضاعهم، فإن التركيز على عنصر الغيب، وإظهار علم الإمامة يصبح ضرورة ملحة، من أجل تلافي كثير من تلك السلبيات، بالإضافة إلى ما سوف يتركه هذا الأمر من آثار إيجابية في مجال الفكر والعقيدة للمجتمع الإسلامي في الأدوار اللاحقة.
يتبع إن شاء الله
ملاحظة:ـ الآراء الواردة في هذه السلسلة (دراسة في علامات الظهور) هي تمثل رآي العلامة السيد العاملي وليس بالظرورة تمثل رآي مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي(عليه السلام) وإنما نشرت من قبل المركز ترسيخا في فهم الوعي المهدوي وتعميقا لأصل التعددية في القراءات التخصصية بأيدٍ تخصصية.