melika
14-05-2007, 10:09 AM
جعل الله تعالى من الدعاء عبادة و قربى ، و أمر عباده بالتوجه إليه لينالوا عنده منزلة رفيعة و زلفى ، أمر بالدعاء و جعله وسيلة الرجاء ، فجميع الخلق يفزعون في حوائجهم إليه ، و يعتمدون عند الحوادث والكوارث عليه .
و حقيقة الدعاء : هو إظهار الافتقار لله تعالى ، والتبرؤ من الحَوْل والقوة ، واستشعار الذلة البشرية ، كما أن فيه معنى الثناء على الله ، واعتراف العبد بجود و كرم مولاه . يقول الله تعالى : ( وَ إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) [البقرة : 186] .
تأمل يا أخي هذه الآية تجد غاية الرقة والشفافية والإيناس ، آية تسكب في قلب المؤمن النداوة والود والأنس والرضا والثقة واليقين .
و لو لم يكن في الدعاء إلا رقة القلب لكفى : ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَ لَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) [الأنعام : 43] . و قال النبي ( ص ) : " الدعاء هو العبادة " .
بل هو من أكرم الأشياء على الله تعالى ، كما قال النبي ( ص ) : " ليس شيء أكرم على الله من الدعاء " .
والمؤمن موعود من الله تعالى بالإجابة إن هو دعا مولاه : ( وَ قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [غافر : 60] .
و عن أبي سعيد الخدري أن النبي ( ص ) قال : " ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ، و لا قطيعة رحم ، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل له دعوته ، أو يدخر له من الخير مثلها ، أو يصرف عنه من الشر مثلها " . قالوا : يا رسول الله ، إذًا نكثر . قال : " الله أكثر " .
و لذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إني لا أحمل همَّ الإجابة ، و لكن أحمل هم الدعاء ، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه .
من آداب الدعاء :
مما لا شك فيه أن الدعاء الذي يرجو صاحبه الإجابة هو ما التزم فيه الآداب الواردة فيه و منها :
تحري أوقات الاستجابة :
فيتخير لدعائه الأوقات الشريفة ؛ كيوم عرفة من السنة ، و رمضان من الأشهر ، و يوم الجمعة من الأسبوع ، و وقت السَّحَر من ساعات الليل .
و أن يغتنم الأوقات والأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء ، كوقت التنزُّل الإلهي في آخر الليل ، و في السجود ، و أن ينام على ذِكْر فإذا استيقظ من الليل ذكر ربه و دعاه ، و عند الأذان ، و بين الأذان والإقامة ، و عند نزول المطر ، و عند التقاء الجيوش في الجهاد ، و عند الإقامة ، و آخر ساعة من نهار الجمعة ، و دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب ، و دعوة المسافر والمظلوم ، و دعوة الصائم والوالد لولده ، و دعاء رمضان .
و من الآداب :
أن يدعو مستقبل القبلة و أن يرفع يديه ، و ألا يتكلف السجْع في الدعاء ، و أن يتضرع ويخشع عند الدعاء ؛ قال تعالى : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [الأعراف : 55] ، [ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَ يَدْعُونَنَا رَغَباً وَ رَهَباً ) [الأنبياء : 90] .
و أن يخفض الصوت ؛ فإنه أعظم في الأدب والتعظيم ، و لأن خفض الصوت أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو رُوح الدعاء و مقصوده ؛ فإن الخاشع الذليل المتضرع إنما يسأل مسألة مسكين ذليل ، قد انكسر قلبُه و ذلَّت جوارحُه ، و هذه الحالة لا يليق معها رفع الصوت بالدعاء أصلاً . و لأنه أبلغ في الإخلاص ، و أبلغ في حضور القلب عند الدعاء .
و لأن خفض الصوت يدل على قرب صاحبه من الله ، فيسأله مسألة القريب للقريب ، لا مسألة نداء البعيد للبعيد ، و هذا من الأسرار البديعة جدًّا ، و لهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله : ( إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ) [مريم : 3] .
و إخفاء الدعاء يكون سببا في حفظ هذه النعمة العظيمة ـ التي ما مثلها نعمة ـ من عيْن الحاسد .
أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه و أن يختمه بالصلاة على رسول الله ( ص ) :
فقد قال رسول الله ( ص ) : " كل دعاء محجوبٌ حتى يُصلَّى على النبي ( ص ) " .
المحافظة على أدب الباطن :
و من أهم الآداب التي ينبغي للداعي أن يحافظ عليها تطهير الباطن ـ و هو الأصل في الإجابة ـ فيحرص على تجديد التوبة و رد المظالم إلى أهلها ، و تطهير القلب من الأحقاد والأمراض التي تحول بين القلب و بين الله ، و تطييب المطْعَم بأكل الحلال .
أن يجزمَ بالدعاء و يُوقن بالاجابه : قال رسول الله ( ص ) : " ادعوا الله و أنتم مُوقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاهٍ " .
و قال ( ص ) : " إذا دعا أحدكم فلا يقل : اللهم اغفر لي إن شئت . وليعزم المسألة ، ولْيعظم الرغبة ؛ فإن الله لا يعظُمُ عليه شيء أعطاه " .
و قال ( ص ) : " لا يقل أحدُكم إذا دعا : اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت . فليعزم المسألة ؛ فإنه لا مُكره له " . و يعزم المسألة معناه أن يطلب ما يريد من غير تعليقه بالمشيئة ، فيقول مثلا : اللهم ارزقني ، اللهم اغفر لي .
قال سفيان بن عُيينة : لا يمنعنَّ أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه ؛ فإن الله عز و جل أجاب دعاء شرِّ الخلق إبليس لعنه الله : ( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ) [الحجر : 36 ، 37] .
أن يُلحَّ في الدعاء ويكرِّره ثلاثًا :
قال ابن مسعود : " كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثًا ، و إذا سأل سأل ثلاثًا " .
وهذا نبي الله يعقوب ( ص ) ، مازال يدعو و يدعو ، فذهب بصره ، و أُلقي ولدُه في الجُبِّ و لا يدري عنه شيئًا ، و أُخرج الولدُ من الجُبِّ ، و دخل قصرَ العزيز ، إلى أن شبَّ و ترعرع ، ثم راودته المرأة عن نفسها فأبى و عصَمَه الله ، ثم دخل السجن فلبث فيه بضع سنين ، ثم أُخرج من السجن ، و كان على خزائن الأرض ، و مع طول هذا الوقت كله و يعقوب يقول لبنيه : ( يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) [يوسف : 87] .
أن يُعظِّمَ المسألة :
قال رسول الله ( ص ) : "إذا تمنى أحدُكم فليُكثر ، فإنما يسأل ربَّه" .
قال المناوي رحمه الله : إذا تمنى أحدكم خيرًا من خير الدارَيْن فليكثر الأماني ، فإنما يسأل ربه الذي ربَّاه و أنعم عليه و أحسن إليه ، فيعظم الرغبة و يوسِّع المسألة ... فينبغي للسائل إكثار المسألة و لا يختصر و لا يقتصر ؛ فإن خزائن الجُود لا يُفنيها عطاءٌ و إن جلَّ و عظُم ، فعطاؤه بين الكاف والنون ، و ليس هذا بمناقضٍ لقوله سبحانه : ( وَ لا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ) [النساء : 32] فإن ذلك نهي عن تمنِّي ما لأخيه بغْيًا و حسدًا ، و هذا تمنى على الله خيرًا في دينه و دنياه ، و طلب من خزائنه فهو كقوله : ( وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ) [النساء : 32] .
و قد ذم الله من دعا ربه الدنيا فقط ، فقال تعالى : ( فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) [البقرة : 200] ، و أثنى سبحانه و تعالى على الداعين بخيري الدنيا والآخرة فقال تعالى : ( وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [البقرة : 201] .
الدعاء باسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب :
فعن بُريدة ، أن رسول الله ( ص ) سمع رجلاً يقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله ، لا إله إلا أنت الأحد الصمد ، الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوًا أحد . فقال ( ص ) : " لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى ، و إذا دُعي به أجاب " .
أن يجتهد في الإتيان بالأدعية الواردة في الكتاب والسنة ؛ فإنها لم تترك شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا و أتت به ، و ألا ييأس إن تأخرت الإجابة فإن هذا من العجلة التي نهى عنها الشرع .
نسأل الله أن يجعلنا و إياكم ممن يستجيب دعاءهم ، والحمد لله رب العالمين .
و حقيقة الدعاء : هو إظهار الافتقار لله تعالى ، والتبرؤ من الحَوْل والقوة ، واستشعار الذلة البشرية ، كما أن فيه معنى الثناء على الله ، واعتراف العبد بجود و كرم مولاه . يقول الله تعالى : ( وَ إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) [البقرة : 186] .
تأمل يا أخي هذه الآية تجد غاية الرقة والشفافية والإيناس ، آية تسكب في قلب المؤمن النداوة والود والأنس والرضا والثقة واليقين .
و لو لم يكن في الدعاء إلا رقة القلب لكفى : ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَ لَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) [الأنعام : 43] . و قال النبي ( ص ) : " الدعاء هو العبادة " .
بل هو من أكرم الأشياء على الله تعالى ، كما قال النبي ( ص ) : " ليس شيء أكرم على الله من الدعاء " .
والمؤمن موعود من الله تعالى بالإجابة إن هو دعا مولاه : ( وَ قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [غافر : 60] .
و عن أبي سعيد الخدري أن النبي ( ص ) قال : " ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ، و لا قطيعة رحم ، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل له دعوته ، أو يدخر له من الخير مثلها ، أو يصرف عنه من الشر مثلها " . قالوا : يا رسول الله ، إذًا نكثر . قال : " الله أكثر " .
و لذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إني لا أحمل همَّ الإجابة ، و لكن أحمل هم الدعاء ، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه .
من آداب الدعاء :
مما لا شك فيه أن الدعاء الذي يرجو صاحبه الإجابة هو ما التزم فيه الآداب الواردة فيه و منها :
تحري أوقات الاستجابة :
فيتخير لدعائه الأوقات الشريفة ؛ كيوم عرفة من السنة ، و رمضان من الأشهر ، و يوم الجمعة من الأسبوع ، و وقت السَّحَر من ساعات الليل .
و أن يغتنم الأوقات والأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء ، كوقت التنزُّل الإلهي في آخر الليل ، و في السجود ، و أن ينام على ذِكْر فإذا استيقظ من الليل ذكر ربه و دعاه ، و عند الأذان ، و بين الأذان والإقامة ، و عند نزول المطر ، و عند التقاء الجيوش في الجهاد ، و عند الإقامة ، و آخر ساعة من نهار الجمعة ، و دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب ، و دعوة المسافر والمظلوم ، و دعوة الصائم والوالد لولده ، و دعاء رمضان .
و من الآداب :
أن يدعو مستقبل القبلة و أن يرفع يديه ، و ألا يتكلف السجْع في الدعاء ، و أن يتضرع ويخشع عند الدعاء ؛ قال تعالى : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [الأعراف : 55] ، [ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَ يَدْعُونَنَا رَغَباً وَ رَهَباً ) [الأنبياء : 90] .
و أن يخفض الصوت ؛ فإنه أعظم في الأدب والتعظيم ، و لأن خفض الصوت أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو رُوح الدعاء و مقصوده ؛ فإن الخاشع الذليل المتضرع إنما يسأل مسألة مسكين ذليل ، قد انكسر قلبُه و ذلَّت جوارحُه ، و هذه الحالة لا يليق معها رفع الصوت بالدعاء أصلاً . و لأنه أبلغ في الإخلاص ، و أبلغ في حضور القلب عند الدعاء .
و لأن خفض الصوت يدل على قرب صاحبه من الله ، فيسأله مسألة القريب للقريب ، لا مسألة نداء البعيد للبعيد ، و هذا من الأسرار البديعة جدًّا ، و لهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله : ( إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ) [مريم : 3] .
و إخفاء الدعاء يكون سببا في حفظ هذه النعمة العظيمة ـ التي ما مثلها نعمة ـ من عيْن الحاسد .
أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه و أن يختمه بالصلاة على رسول الله ( ص ) :
فقد قال رسول الله ( ص ) : " كل دعاء محجوبٌ حتى يُصلَّى على النبي ( ص ) " .
المحافظة على أدب الباطن :
و من أهم الآداب التي ينبغي للداعي أن يحافظ عليها تطهير الباطن ـ و هو الأصل في الإجابة ـ فيحرص على تجديد التوبة و رد المظالم إلى أهلها ، و تطهير القلب من الأحقاد والأمراض التي تحول بين القلب و بين الله ، و تطييب المطْعَم بأكل الحلال .
أن يجزمَ بالدعاء و يُوقن بالاجابه : قال رسول الله ( ص ) : " ادعوا الله و أنتم مُوقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاهٍ " .
و قال ( ص ) : " إذا دعا أحدكم فلا يقل : اللهم اغفر لي إن شئت . وليعزم المسألة ، ولْيعظم الرغبة ؛ فإن الله لا يعظُمُ عليه شيء أعطاه " .
و قال ( ص ) : " لا يقل أحدُكم إذا دعا : اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت . فليعزم المسألة ؛ فإنه لا مُكره له " . و يعزم المسألة معناه أن يطلب ما يريد من غير تعليقه بالمشيئة ، فيقول مثلا : اللهم ارزقني ، اللهم اغفر لي .
قال سفيان بن عُيينة : لا يمنعنَّ أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه ؛ فإن الله عز و جل أجاب دعاء شرِّ الخلق إبليس لعنه الله : ( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ) [الحجر : 36 ، 37] .
أن يُلحَّ في الدعاء ويكرِّره ثلاثًا :
قال ابن مسعود : " كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثًا ، و إذا سأل سأل ثلاثًا " .
وهذا نبي الله يعقوب ( ص ) ، مازال يدعو و يدعو ، فذهب بصره ، و أُلقي ولدُه في الجُبِّ و لا يدري عنه شيئًا ، و أُخرج الولدُ من الجُبِّ ، و دخل قصرَ العزيز ، إلى أن شبَّ و ترعرع ، ثم راودته المرأة عن نفسها فأبى و عصَمَه الله ، ثم دخل السجن فلبث فيه بضع سنين ، ثم أُخرج من السجن ، و كان على خزائن الأرض ، و مع طول هذا الوقت كله و يعقوب يقول لبنيه : ( يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) [يوسف : 87] .
أن يُعظِّمَ المسألة :
قال رسول الله ( ص ) : "إذا تمنى أحدُكم فليُكثر ، فإنما يسأل ربَّه" .
قال المناوي رحمه الله : إذا تمنى أحدكم خيرًا من خير الدارَيْن فليكثر الأماني ، فإنما يسأل ربه الذي ربَّاه و أنعم عليه و أحسن إليه ، فيعظم الرغبة و يوسِّع المسألة ... فينبغي للسائل إكثار المسألة و لا يختصر و لا يقتصر ؛ فإن خزائن الجُود لا يُفنيها عطاءٌ و إن جلَّ و عظُم ، فعطاؤه بين الكاف والنون ، و ليس هذا بمناقضٍ لقوله سبحانه : ( وَ لا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ) [النساء : 32] فإن ذلك نهي عن تمنِّي ما لأخيه بغْيًا و حسدًا ، و هذا تمنى على الله خيرًا في دينه و دنياه ، و طلب من خزائنه فهو كقوله : ( وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ) [النساء : 32] .
و قد ذم الله من دعا ربه الدنيا فقط ، فقال تعالى : ( فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) [البقرة : 200] ، و أثنى سبحانه و تعالى على الداعين بخيري الدنيا والآخرة فقال تعالى : ( وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [البقرة : 201] .
الدعاء باسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب :
فعن بُريدة ، أن رسول الله ( ص ) سمع رجلاً يقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله ، لا إله إلا أنت الأحد الصمد ، الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوًا أحد . فقال ( ص ) : " لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى ، و إذا دُعي به أجاب " .
أن يجتهد في الإتيان بالأدعية الواردة في الكتاب والسنة ؛ فإنها لم تترك شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا و أتت به ، و ألا ييأس إن تأخرت الإجابة فإن هذا من العجلة التي نهى عنها الشرع .
نسأل الله أن يجعلنا و إياكم ممن يستجيب دعاءهم ، والحمد لله رب العالمين .