شهيدالله
28-03-2010, 06:29 PM
تقديم
سنن الرب في الاخرين هي سننه في الاولين لااختلاف بذلك عند احدمن المسلمين فالارض هي الارض والسماء هي السماء ونحن البشر لم نتغير غرائزنا و ميولنا و تطلعاتنا وحاجاتنا الاساسية وان اختلفت طرق تحصيلها وان اختلفت المناهج ولكن الاهداف لم تتغير لهذ فلدراسة الواعية للتاريخ وتتبع الاحداث التاريخية وفهمها وتحليل العوامل المؤثرة فيها مهم في بناء الحضارة الانسانية ومن هنا فان طريقة دراسة التاريخ هي ان ندرسة زكانة احداث حية تجري امامنا وندرسة بمنظارالحاضر ومختبرة العلمي فاذا عرفنا سنن التاريخ وقوانينة ونظامة فان من السهل علينا تطبيقها بواقعنا عندها يصبح لنا وعي تاريخي يحقق لنا الانتصار والتفوق في كل مجالات الصراع والمواجهة
ولوصول الى التقدم وبناءحضارة متماسكة تختزن تجارب الامم ونتاجهم المعرفي والحضاري وهذة دراسة للشيخ المجاهد محمدمهدي شمس الدين اقتبسنا منها مصادرمعرفة التاريخ عند الامام علي ابن ابي طالب علية السلام
نسالكم الدعاء
لواءمحمدباقر
____________________________
المصادرالتي استقى منها الإمام علي معرفته التاريخيّة.
كان أميرُ المؤمنين عليّ عليه السّلام، كما يخبرنا هو، وكما سنرى خلال هذه الدراسة يوجّه عناية فائقة إلى التاريخ، عناية جعلت من التاريخ عنصراً بارزاً فيما وصل إِلينا من كلامه في مختلف الموضوعات الّتي كانت تثير اهتمامه.
وعناية الإمام بالتاريخ ليست عناية القاصّ والباحث عن القصص. كما أنّها ليست عناية السياسي الباحث عن الحيل السياسيّة وأساليب التمويه الّتي يعالج بها تذمّر الشعب، وإنّما هي عناية رجل الرسالة والعقيدة، والقائد الحضاري والمفكر المستقبلي.
إِنّ القاصّ يبحث ليجد في تاريخ الماضين وآثارهم مادّة للتّسلية والإثارة. والسياسي يبحث ليجد في التاريخ أساليب يستعين بها في عمله السياسي اليومي في مواجهة المآزق، أو يستعين بها في وضع الخطط الآنية المحدودة
والمؤرّخ يقدم لهذا وذاك المادّة التاريخيّة الّتي يجدان فيها حاجتهما.
أمّا الرائد الحضاري، رجل الرسالة والعقيدة ورجل الدولة فهو يبحث ليجد في
التاريخ جذور المشكل الإنساني، ويتقصّى جهود الإنسانيّة الدائبة في سبيل حلّ هذا المشكل بنحو يعزّز قدرة الإنسان على التكامل الروحي - المادّي، كما يعزّز قدرته على تأمين قدر ما من السعادة مع الحفاظ على الطهارة الإنسانية.
وقد كان الإمامُ عليّ يتعامل مع التاريخ بهذه الروح ومن خلال هذه النظرة، ومن ثم فلم يتوقّف عند جزئيّات الوقائع إلا بمقدار ما تكون شواهداً ورموزاً، وإِنّما تناول المسألة التاريخيّة بنظرة كلّيّة شاملة، ومن هنا فقلّما نرى الإمام في خطبه وكتبه يتحدّث عن وقائع وحوادث جزئيّة، وإِنّما يغلب على تناوله للمسألة التاريخيّة طابع الشمول والعموميّة.
والإمام ليس مؤرخاً، ولذا فليس من المتوقع أن نجد عنده نظرة المؤرخ وأسلوب في سرد الوقائع وتحليلها والحكم عليها، وإنّما هو رجل دولة حاكم، ورجل عقيدة ورسالة فيها كل حياته، فهو يتعامل مع التاريخ باعتباره حركة تكوِّن شخصية الإنسان الحاضرة والمستقبلة، ولذا فهي تشغل حيّزاً هاماً وعلى درجة كبيرة من الخطورة في عملية التربية والتحرك السياسي، وهذا ما يجعل رجل رسالة وحاكماً كالإمام علي عليه السلام حريصاً على أن يدخل في وعي أمّته الّتي يحمل مسؤولية قيادتها ومصيرها .... الى التاريخ سليمة تجعله قوة بانية لا مخرّبة ولا محرّفة
ونحن نعرف عناية الإمام عليّ (ع) الفائقة بالتاريخ واهتمامه البالغ بشأنه من نص ورد في وصيته الّتي وجهها إلى ابنه الإمام الحسن عليه السّلام كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفّين، قال فيه:
1 - قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 16 / 52 - أمّا قوله «كتبها إليه بحاضرين» فالّذي كنّا نقرؤه قديماً، «كتبها إليه بالحاضرّينِ،» على صيغة التّثنية، يعني حاضر حلب وحاضر قنسرين، وهي الأرباض والضواحي المحيطة بهذه البلاد، ثم ___ بعد ذلك على جماعة من الشيوخ بغير لام، ولم يفسّروه، ومنهم من يذكره بصيغة الجمع لا بصيغة التّثنية، ومنهم من يقول: خناصرين يظنونه تثنية خناصرة أو جمعها. وقد طلبتُ هذه الكلمة في الكتب المصنفة سيّما في البلاد والأرضين فلم أجدها، لعلي أظفر بها فيما بعد فألحقها في هذا الموضع.
قال الشيخ محمد عبده في شرحه: حاضرين: اسم بلدة بنواحي صفّين.
أيْ بُنَيَّ إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه».
وكان قبل ذلك قد وجّه الإمام الحسن (ع) في هذه الوصية إلى تعرّف التاريخ الماضي للعبرة والموعظة، قال:
«أحْيِ قَلْبَكَ بالْمَوعظَةِ ... وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْماضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا، وَعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلوُّا وَنَزَلُوا. فَإنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ، وَحَلوُّا دِيَارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَليلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ».
وهذا النص يحملنا على الإعتقاد بأنّ الإمام عليه السّلام تحدّث كثيراً عن المسألة التاريخية في توجيهاته السياسيّة وتربيته الفكرية لمجتمعه، ولرجال إدارته، ولخواصّ أصحابه.
ولكنّ النّصوص السياسيّة والفكريّة التي اشتمل عليها نهج البلاغة مِمّا يدخل فيه العنصر التاريخي قليلة جدّاً، وإنْ كانت النصوص الوعظيّة الّتي بنيت على الملاحظة التاريخية كثيرة نسيباً.
ولا نستطيع أن نفسّر نقص النصوص السياسيّة والفكريّة - التاريخيّة إلا بضياع هذه النصوص لنسيان الرّواة أو لإهمال الشّريف الرضي لما وصل إليه منها، لأنّه جعل منهجه في تأليف كتاب نهج البلاغة: «اختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحِكم والأدب». وقد أدّى هذا المنهج بطبيعة الحال إلى إهمال الكثير من النّصوص السياسيّة والفكريّة لأنّه لم يكن في الذّروة من الفصاحة والبلاغة.
ومن المؤكّد أنّ الكثير من كلام أميرِ المؤمنين في هذا الباب وغيرِه لم يصل إلى الشّريف الرضي كما اعترف هو بذلك في قوله:
«... ولا أدّعي - مع ذلك - أنّي أحيط بأقطار جميع كلام عليه السّلام حتّى لا يشذّ عنّي منه شاذّ، ولا يندّ نادّ، بل لا أبعد أن يكون القاصر عنّي فوق الواقع إليّ،
والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي»
وعلى أيّة حال فإنّ سُؤالاً هاماً يواجهنا هنا، وهو:
مِنْ أين استقى الإمام معرفته التاريخيّة ؟
إنّه يقول عن نفسه: «... نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ...».
فما الوسيلة الّتي توصّل بِها إلى معرفة أعمالهم لينظر فيها هو كيف تسنّى له أن اطّلع على أخبارهم ليفكّر فيها ؟
نقدّر أنّ الإمام عليه السّلام قد اعتمد في معرفته التاريخية على عدّة مصادر:
1 - القرآن الكريم:
يأتي القرآن الكريم في مقدّمة هذه المصادر الّتي استقى منها الإمام معرفته التاريخيّة. وقد اشتمل القرآن على نصوص تاريخيّة كثيرة منبثة في تضاعيف السّور تضمنت أخبار الأمم القديمة وارتفاع شأنها، وانحطاطها، واندثار كثير منها، وذلك من خلال عرض القرآن الكريم لحركة النّبوات في تاريخ البشرية، وحكايته لكيفية استجابات الناس في كلّ أمة وجيل لرسالات اللّه تعالى الّتي بشّر بها الأنبياء سلام اللّه عليه أجمعين..
وقد كان أميرُ المؤمنين عليّ عليه السّلام أفضل الناس - بعد رسول اللّه (ص) - معرفة بالقرآن من حيث الظاهر والباطن، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والأهداف والمقاصد، والأبعاد الحاضرة والمستقبلة، وغير ذلك من شؤون القرآن. كانت معرفته بالقرآن شاملة مستوعبة لكلّ ما يتعلق بالقرآن من قريب أو بعيد. والتأثير القرآني شديد الوضوح في تفكير الإمام التاريخي من حيث المنهج ومن حيث المضمون، كما هو شديد الوضوح في كلّ جوانب تفكيره الأخرى.
وقد حدّث الإمام عن نفسه في هذا الشأن كاشفاً عن أنّه كان يلحّ في مسائله
لرسول اللّه (ص) في شأن القرآن من جميع وجوهه.
قال: «وَاللّه مَا نَزَلَتْ آيَة إلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ. أنّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبَاً عَقُولاً وَلِسَاناً سَؤُولاً»
وشهاداتُ معاصريه له في هذا الشأن كثيرة جداً. منها ما رُوِي عن عبد اللّه بن مسعود، قال: «إنّ القرآنَ أُنْزِل على سبعِة أحرُفٍ، مَا منها حرفُ إلا له ظهر وبطن، وإنّ عليَّ بنَ أبي طالبِ عليه السّلام عنده علم الظاهر والباطن».
2 - التعليم الخاص:
التعليم الخاص الّذي آثر به رسول اللّه (ص) عليّاً مصدر آخر من مصادر معرفته التاريخيّة وغيرها.
وفقد استفاضت الروايات الّتي نقلها المحدثون، وكتّاب السيرة، والمؤرخون من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأهوائهم - استفاضت هذه الروايات - بل تواترت إِجمالاً - بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد خص أميرَ المؤمنين عليّاً بجانبٍ من العلم لم يرَ غيره من أهل بيته وأصحابه أهلاً له.
فمن ذلك ما قاله عبد اللّه بن عباس:
«وَاللّهِ لَقدْ أُعطِيَ عَلَيُّ بن أبِي طَالِب (ع) تِسْعَةَ أعْشَارِ العلمِ، وَايمُ اللّهِ لَقدْ شَارَكَكُمْ فِي العُشرِ العَاشِرِ».
وما رُوِي عن رسول اللّه (ص): «عَلِيّ عَيبَةُ عِلْمِي».
وما رواه أنس بن مالك، قَالَ: «قِيلَ يَا رَسُولَ اللّه عَمَّنْ نَكْتُبُ الْعِلْمَ ؟ قالَ: عَنْ عَلِيّ وَسَلمَانَ».
وقال الإمام عليه السّلام:
«عَلَّمَني رَسُولُ اللّهِ (ص) ألْفَ بَابِ مِنَ العِلِم كُلُّ بابِ يَفتَحُ
ألفَ بابٍ».
وقد صرّح فيما وصل إِلينا من نصوصِ كلامه في نهج البلاغة بذلك في عدّة مناسبات، فقال:
1 - «... بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوبُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ لأرشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبِعيدَةِ»
2 - «وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَهذَا الْيَوْم...».
3 - «... لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ7 تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ»
4 - «يَا أَخَا كَلْبٍ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ، وَإِنَّماَ هُوَ تَعَلُّمُ مِنْ ذِي عِلْمٍ».
وإِذا كانت بعضُ هذه النصوص ظاهرة في العلم بالغيبات (علم المستقبل)، فإنَّ غيرها مطلق يشمل الماضي، وإِذا كان الإمام قد اطّلع من رسول اللّه (ص) على بعض المعلومات المتعلقة بالمستقبل فمن المرجّح أنه قد اطلع منه على علم الماضي.
3 - السّنة النّبويّة:
إِشتملت السّنّة النبويّة على الكثير المتنوع من المادة التاريخيّة.
منه ما ورد في تفسير وشرح القرآن الكريم، ومن ما اشتمل إِجمالاً أو تفصيلاً على حكاية أحداث تاريخيّة لم ترد في القرآن إِشارة إِليها
وقد كان أمير المؤمنين علي (ع) أعلم أهل البيت (ع) والصحابة قاطبة بما قاله رسول اللّه (ص) أو فعله وأقرّه، فقد عاش علي (ع) في بيت رسول اللّه (ص) منذ طفولته، وبعث الرسول (ص) وعلي عنده، وكان أوّل من آمن به، ولم يفارقه منذ بعثته (ص) إِلى حين وفاته إِلا في تنفيذ المهمات الّتي كان يكلّفه بها خارج المدينة وهي لم تستغرق الكثير من وقته، ومن هنا، من تفرغه الكامل لتلقي التوجيه النبوي، ووعيه الكامل لِما كان يتلقّاه كان الإمام أعلم الناس بسنّة رسول اللّه وكتاب اللّه.
4 - القراءة:
فقدّر أنّ الإمام عليّاً قد قَرأ مدونات تاريخية باللّغة العربيّة أو بغيرها من اللغات الّتي كانت متداولة في المنطقة الّتي شهدت نشاطه، وخاصة بعد أن انتقل من الحجاز إِلى العراق واضطرّته مشكلات الحكم والفتن إِلى التنقل بين العراق وسوريا، وإِن كنا لا نعلم ما إِذا كانت هذه المدوّنات قد دفعت إِليه صدفة أو أنّه بحث عن كتب كهذه وقرأها أو قرئت له بلغاتها الأصلية مع ترجيحنا أنّه عليه السّلام كان يعرف اللّغة الأدبيّة الّتي كانت سائدة في المنطقة العراقيّة السّوريّة.
5 - الآثار القديمة:
وربما كانت الآثار العمرانية للأمم القديمة من جملة مصادر المعرفة التاريخيّة عند الإمام عليه السّلام، ويعزّز هذا الظن بدرجة كبيرة قوله في النص الآنف الذكر: «وَسِرْتُ في آثَارِهِمْ» ممّا يحمل دلالة واضحة على أنّ مراده الآثار العمرانية.
وقد خبر الإمام في حياته أربعة من أقطار الإسلام، هي: شبه الجزيرة العربية، واليمن، والعراق، وسوريا.
ونقدّر أنه قد زار الآثار الباقية من الحضارات القديمة في هذه البلاد، وإِذا كان هذا قد حدث - ونحن نرجّح حدوثه - فمن المؤكّد أنّ الإمام لم يزر هذه الآثار زيارة سائح ينشد التسلية إِلى جانب الثقافة، أو زيارة عالم آثار يتوقف عند الجزئيات، وإنّما زارها زيارة معتبر مفكر يكمل معرفته النظرية بمصائر الشعوب والجماعات بمشاهدة بقايا وأطلال مدنها ومؤسّساتها الّتي حلّ بها
الخراب بعد أنِ انحطّ بناتها وفقدوا
قدرتهم على الإستمرار فاندثروا.
هذه هي، فيما نقدّر، المصادر المعلومة والمظنونة والمحتملة الّتي استقى منها الإمام علي (ع) معرفته التاريخيّة.
حركة التاريخ عند الامام علي عليه السلام
.... محمد مهدي شمس الدين
سنن الرب في الاخرين هي سننه في الاولين لااختلاف بذلك عند احدمن المسلمين فالارض هي الارض والسماء هي السماء ونحن البشر لم نتغير غرائزنا و ميولنا و تطلعاتنا وحاجاتنا الاساسية وان اختلفت طرق تحصيلها وان اختلفت المناهج ولكن الاهداف لم تتغير لهذ فلدراسة الواعية للتاريخ وتتبع الاحداث التاريخية وفهمها وتحليل العوامل المؤثرة فيها مهم في بناء الحضارة الانسانية ومن هنا فان طريقة دراسة التاريخ هي ان ندرسة زكانة احداث حية تجري امامنا وندرسة بمنظارالحاضر ومختبرة العلمي فاذا عرفنا سنن التاريخ وقوانينة ونظامة فان من السهل علينا تطبيقها بواقعنا عندها يصبح لنا وعي تاريخي يحقق لنا الانتصار والتفوق في كل مجالات الصراع والمواجهة
ولوصول الى التقدم وبناءحضارة متماسكة تختزن تجارب الامم ونتاجهم المعرفي والحضاري وهذة دراسة للشيخ المجاهد محمدمهدي شمس الدين اقتبسنا منها مصادرمعرفة التاريخ عند الامام علي ابن ابي طالب علية السلام
نسالكم الدعاء
لواءمحمدباقر
____________________________
المصادرالتي استقى منها الإمام علي معرفته التاريخيّة.
كان أميرُ المؤمنين عليّ عليه السّلام، كما يخبرنا هو، وكما سنرى خلال هذه الدراسة يوجّه عناية فائقة إلى التاريخ، عناية جعلت من التاريخ عنصراً بارزاً فيما وصل إِلينا من كلامه في مختلف الموضوعات الّتي كانت تثير اهتمامه.
وعناية الإمام بالتاريخ ليست عناية القاصّ والباحث عن القصص. كما أنّها ليست عناية السياسي الباحث عن الحيل السياسيّة وأساليب التمويه الّتي يعالج بها تذمّر الشعب، وإنّما هي عناية رجل الرسالة والعقيدة، والقائد الحضاري والمفكر المستقبلي.
إِنّ القاصّ يبحث ليجد في تاريخ الماضين وآثارهم مادّة للتّسلية والإثارة. والسياسي يبحث ليجد في التاريخ أساليب يستعين بها في عمله السياسي اليومي في مواجهة المآزق، أو يستعين بها في وضع الخطط الآنية المحدودة
والمؤرّخ يقدم لهذا وذاك المادّة التاريخيّة الّتي يجدان فيها حاجتهما.
أمّا الرائد الحضاري، رجل الرسالة والعقيدة ورجل الدولة فهو يبحث ليجد في
التاريخ جذور المشكل الإنساني، ويتقصّى جهود الإنسانيّة الدائبة في سبيل حلّ هذا المشكل بنحو يعزّز قدرة الإنسان على التكامل الروحي - المادّي، كما يعزّز قدرته على تأمين قدر ما من السعادة مع الحفاظ على الطهارة الإنسانية.
وقد كان الإمامُ عليّ يتعامل مع التاريخ بهذه الروح ومن خلال هذه النظرة، ومن ثم فلم يتوقّف عند جزئيّات الوقائع إلا بمقدار ما تكون شواهداً ورموزاً، وإِنّما تناول المسألة التاريخيّة بنظرة كلّيّة شاملة، ومن هنا فقلّما نرى الإمام في خطبه وكتبه يتحدّث عن وقائع وحوادث جزئيّة، وإِنّما يغلب على تناوله للمسألة التاريخيّة طابع الشمول والعموميّة.
والإمام ليس مؤرخاً، ولذا فليس من المتوقع أن نجد عنده نظرة المؤرخ وأسلوب في سرد الوقائع وتحليلها والحكم عليها، وإنّما هو رجل دولة حاكم، ورجل عقيدة ورسالة فيها كل حياته، فهو يتعامل مع التاريخ باعتباره حركة تكوِّن شخصية الإنسان الحاضرة والمستقبلة، ولذا فهي تشغل حيّزاً هاماً وعلى درجة كبيرة من الخطورة في عملية التربية والتحرك السياسي، وهذا ما يجعل رجل رسالة وحاكماً كالإمام علي عليه السلام حريصاً على أن يدخل في وعي أمّته الّتي يحمل مسؤولية قيادتها ومصيرها .... الى التاريخ سليمة تجعله قوة بانية لا مخرّبة ولا محرّفة
ونحن نعرف عناية الإمام عليّ (ع) الفائقة بالتاريخ واهتمامه البالغ بشأنه من نص ورد في وصيته الّتي وجهها إلى ابنه الإمام الحسن عليه السّلام كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفّين، قال فيه:
1 - قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 16 / 52 - أمّا قوله «كتبها إليه بحاضرين» فالّذي كنّا نقرؤه قديماً، «كتبها إليه بالحاضرّينِ،» على صيغة التّثنية، يعني حاضر حلب وحاضر قنسرين، وهي الأرباض والضواحي المحيطة بهذه البلاد، ثم ___ بعد ذلك على جماعة من الشيوخ بغير لام، ولم يفسّروه، ومنهم من يذكره بصيغة الجمع لا بصيغة التّثنية، ومنهم من يقول: خناصرين يظنونه تثنية خناصرة أو جمعها. وقد طلبتُ هذه الكلمة في الكتب المصنفة سيّما في البلاد والأرضين فلم أجدها، لعلي أظفر بها فيما بعد فألحقها في هذا الموضع.
قال الشيخ محمد عبده في شرحه: حاضرين: اسم بلدة بنواحي صفّين.
أيْ بُنَيَّ إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه».
وكان قبل ذلك قد وجّه الإمام الحسن (ع) في هذه الوصية إلى تعرّف التاريخ الماضي للعبرة والموعظة، قال:
«أحْيِ قَلْبَكَ بالْمَوعظَةِ ... وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْماضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا، وَعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلوُّا وَنَزَلُوا. فَإنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ، وَحَلوُّا دِيَارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَليلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ».
وهذا النص يحملنا على الإعتقاد بأنّ الإمام عليه السّلام تحدّث كثيراً عن المسألة التاريخية في توجيهاته السياسيّة وتربيته الفكرية لمجتمعه، ولرجال إدارته، ولخواصّ أصحابه.
ولكنّ النّصوص السياسيّة والفكريّة التي اشتمل عليها نهج البلاغة مِمّا يدخل فيه العنصر التاريخي قليلة جدّاً، وإنْ كانت النصوص الوعظيّة الّتي بنيت على الملاحظة التاريخية كثيرة نسيباً.
ولا نستطيع أن نفسّر نقص النصوص السياسيّة والفكريّة - التاريخيّة إلا بضياع هذه النصوص لنسيان الرّواة أو لإهمال الشّريف الرضي لما وصل إليه منها، لأنّه جعل منهجه في تأليف كتاب نهج البلاغة: «اختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحِكم والأدب». وقد أدّى هذا المنهج بطبيعة الحال إلى إهمال الكثير من النّصوص السياسيّة والفكريّة لأنّه لم يكن في الذّروة من الفصاحة والبلاغة.
ومن المؤكّد أنّ الكثير من كلام أميرِ المؤمنين في هذا الباب وغيرِه لم يصل إلى الشّريف الرضي كما اعترف هو بذلك في قوله:
«... ولا أدّعي - مع ذلك - أنّي أحيط بأقطار جميع كلام عليه السّلام حتّى لا يشذّ عنّي منه شاذّ، ولا يندّ نادّ، بل لا أبعد أن يكون القاصر عنّي فوق الواقع إليّ،
والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي»
وعلى أيّة حال فإنّ سُؤالاً هاماً يواجهنا هنا، وهو:
مِنْ أين استقى الإمام معرفته التاريخيّة ؟
إنّه يقول عن نفسه: «... نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ...».
فما الوسيلة الّتي توصّل بِها إلى معرفة أعمالهم لينظر فيها هو كيف تسنّى له أن اطّلع على أخبارهم ليفكّر فيها ؟
نقدّر أنّ الإمام عليه السّلام قد اعتمد في معرفته التاريخية على عدّة مصادر:
1 - القرآن الكريم:
يأتي القرآن الكريم في مقدّمة هذه المصادر الّتي استقى منها الإمام معرفته التاريخيّة. وقد اشتمل القرآن على نصوص تاريخيّة كثيرة منبثة في تضاعيف السّور تضمنت أخبار الأمم القديمة وارتفاع شأنها، وانحطاطها، واندثار كثير منها، وذلك من خلال عرض القرآن الكريم لحركة النّبوات في تاريخ البشرية، وحكايته لكيفية استجابات الناس في كلّ أمة وجيل لرسالات اللّه تعالى الّتي بشّر بها الأنبياء سلام اللّه عليه أجمعين..
وقد كان أميرُ المؤمنين عليّ عليه السّلام أفضل الناس - بعد رسول اللّه (ص) - معرفة بالقرآن من حيث الظاهر والباطن، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والأهداف والمقاصد، والأبعاد الحاضرة والمستقبلة، وغير ذلك من شؤون القرآن. كانت معرفته بالقرآن شاملة مستوعبة لكلّ ما يتعلق بالقرآن من قريب أو بعيد. والتأثير القرآني شديد الوضوح في تفكير الإمام التاريخي من حيث المنهج ومن حيث المضمون، كما هو شديد الوضوح في كلّ جوانب تفكيره الأخرى.
وقد حدّث الإمام عن نفسه في هذا الشأن كاشفاً عن أنّه كان يلحّ في مسائله
لرسول اللّه (ص) في شأن القرآن من جميع وجوهه.
قال: «وَاللّه مَا نَزَلَتْ آيَة إلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ. أنّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبَاً عَقُولاً وَلِسَاناً سَؤُولاً»
وشهاداتُ معاصريه له في هذا الشأن كثيرة جداً. منها ما رُوِي عن عبد اللّه بن مسعود، قال: «إنّ القرآنَ أُنْزِل على سبعِة أحرُفٍ، مَا منها حرفُ إلا له ظهر وبطن، وإنّ عليَّ بنَ أبي طالبِ عليه السّلام عنده علم الظاهر والباطن».
2 - التعليم الخاص:
التعليم الخاص الّذي آثر به رسول اللّه (ص) عليّاً مصدر آخر من مصادر معرفته التاريخيّة وغيرها.
وفقد استفاضت الروايات الّتي نقلها المحدثون، وكتّاب السيرة، والمؤرخون من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأهوائهم - استفاضت هذه الروايات - بل تواترت إِجمالاً - بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد خص أميرَ المؤمنين عليّاً بجانبٍ من العلم لم يرَ غيره من أهل بيته وأصحابه أهلاً له.
فمن ذلك ما قاله عبد اللّه بن عباس:
«وَاللّهِ لَقدْ أُعطِيَ عَلَيُّ بن أبِي طَالِب (ع) تِسْعَةَ أعْشَارِ العلمِ، وَايمُ اللّهِ لَقدْ شَارَكَكُمْ فِي العُشرِ العَاشِرِ».
وما رُوِي عن رسول اللّه (ص): «عَلِيّ عَيبَةُ عِلْمِي».
وما رواه أنس بن مالك، قَالَ: «قِيلَ يَا رَسُولَ اللّه عَمَّنْ نَكْتُبُ الْعِلْمَ ؟ قالَ: عَنْ عَلِيّ وَسَلمَانَ».
وقال الإمام عليه السّلام:
«عَلَّمَني رَسُولُ اللّهِ (ص) ألْفَ بَابِ مِنَ العِلِم كُلُّ بابِ يَفتَحُ
ألفَ بابٍ».
وقد صرّح فيما وصل إِلينا من نصوصِ كلامه في نهج البلاغة بذلك في عدّة مناسبات، فقال:
1 - «... بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوبُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ لأرشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبِعيدَةِ»
2 - «وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَهذَا الْيَوْم...».
3 - «... لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ7 تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ»
4 - «يَا أَخَا كَلْبٍ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ، وَإِنَّماَ هُوَ تَعَلُّمُ مِنْ ذِي عِلْمٍ».
وإِذا كانت بعضُ هذه النصوص ظاهرة في العلم بالغيبات (علم المستقبل)، فإنَّ غيرها مطلق يشمل الماضي، وإِذا كان الإمام قد اطّلع من رسول اللّه (ص) على بعض المعلومات المتعلقة بالمستقبل فمن المرجّح أنه قد اطلع منه على علم الماضي.
3 - السّنة النّبويّة:
إِشتملت السّنّة النبويّة على الكثير المتنوع من المادة التاريخيّة.
منه ما ورد في تفسير وشرح القرآن الكريم، ومن ما اشتمل إِجمالاً أو تفصيلاً على حكاية أحداث تاريخيّة لم ترد في القرآن إِشارة إِليها
وقد كان أمير المؤمنين علي (ع) أعلم أهل البيت (ع) والصحابة قاطبة بما قاله رسول اللّه (ص) أو فعله وأقرّه، فقد عاش علي (ع) في بيت رسول اللّه (ص) منذ طفولته، وبعث الرسول (ص) وعلي عنده، وكان أوّل من آمن به، ولم يفارقه منذ بعثته (ص) إِلى حين وفاته إِلا في تنفيذ المهمات الّتي كان يكلّفه بها خارج المدينة وهي لم تستغرق الكثير من وقته، ومن هنا، من تفرغه الكامل لتلقي التوجيه النبوي، ووعيه الكامل لِما كان يتلقّاه كان الإمام أعلم الناس بسنّة رسول اللّه وكتاب اللّه.
4 - القراءة:
فقدّر أنّ الإمام عليّاً قد قَرأ مدونات تاريخية باللّغة العربيّة أو بغيرها من اللغات الّتي كانت متداولة في المنطقة الّتي شهدت نشاطه، وخاصة بعد أن انتقل من الحجاز إِلى العراق واضطرّته مشكلات الحكم والفتن إِلى التنقل بين العراق وسوريا، وإِن كنا لا نعلم ما إِذا كانت هذه المدوّنات قد دفعت إِليه صدفة أو أنّه بحث عن كتب كهذه وقرأها أو قرئت له بلغاتها الأصلية مع ترجيحنا أنّه عليه السّلام كان يعرف اللّغة الأدبيّة الّتي كانت سائدة في المنطقة العراقيّة السّوريّة.
5 - الآثار القديمة:
وربما كانت الآثار العمرانية للأمم القديمة من جملة مصادر المعرفة التاريخيّة عند الإمام عليه السّلام، ويعزّز هذا الظن بدرجة كبيرة قوله في النص الآنف الذكر: «وَسِرْتُ في آثَارِهِمْ» ممّا يحمل دلالة واضحة على أنّ مراده الآثار العمرانية.
وقد خبر الإمام في حياته أربعة من أقطار الإسلام، هي: شبه الجزيرة العربية، واليمن، والعراق، وسوريا.
ونقدّر أنه قد زار الآثار الباقية من الحضارات القديمة في هذه البلاد، وإِذا كان هذا قد حدث - ونحن نرجّح حدوثه - فمن المؤكّد أنّ الإمام لم يزر هذه الآثار زيارة سائح ينشد التسلية إِلى جانب الثقافة، أو زيارة عالم آثار يتوقف عند الجزئيات، وإنّما زارها زيارة معتبر مفكر يكمل معرفته النظرية بمصائر الشعوب والجماعات بمشاهدة بقايا وأطلال مدنها ومؤسّساتها الّتي حلّ بها
الخراب بعد أنِ انحطّ بناتها وفقدوا
قدرتهم على الإستمرار فاندثروا.
هذه هي، فيما نقدّر، المصادر المعلومة والمظنونة والمحتملة الّتي استقى منها الإمام علي (ع) معرفته التاريخيّة.
حركة التاريخ عند الامام علي عليه السلام
.... محمد مهدي شمس الدين