*سماء العشق*
08-04-2010, 10:07 PM
المقاومـة الشيعيـة ضد الاحتلال والانتداب الفرنسي
واجه الشيعـة في لبنـان الاحتلال الفرنسي بصلابة ورفض منذ البداية ، وكان المضمون الوحدوي في إتجاهه العربي ـ الاسلامي يستقطب أكثرية الشيعـة في لبنـان ، فاندفعوا في تأييد الشعار الوحدوي ، ولهذا عندما اعلنت الحكومة العربية الاولى في دمشق فقد لاقت تأييداً في اكثر المناطق اللبنانية ومن ضمنها جبل عامل.
كان من أبرز مظاهر التأييد الشيعي في المراحل الاولى الرد على استفتاء لجنة كينغ - كراين في سنة 1919م الذي كان المقصود منه تحديد صفة المنتدب وجنسيته ، حينذاك كلف الوفد الاسلامي الذي كان يضم مائة عضو إثنين من أعضائه كي ينقلا موقف سكان جبل عامل من الانتداب ، فكانت مواقف الوفد تتضمن طلباً بإستقلال سوريا الناجز بعهدة الامير فيصل ورفض الانتداب الفرنسي.
أعاد شيعـة جبل عامل تأكيد موقفهم هذا في مؤتمر الحجير الذي عُقِدَ في 24 نيسان / ابريل 1920م والذي تضاربت الآراء حول أسباب انعقاده ، وقد صدرت عنه القرارات التالية : (إنَّ المؤتمرين قرروا بالاجماع انضمامهم للوحدة السورية والمناداة بجلالة الملك فيصل ملكاً على سوريا ورفض الدخول تحت حماية أو انتداب الفرنسيين. وتجدر الاشارة الى أن الذين حضروا المؤتمر من الشيعـة العامليين كانوا نخباً تمثل جميع الاتجاهات السياسية والاجتماعية السائدة آنذاك من الزعماء السياسيين ورجال الدين والادباء والمفكرين وقادة المقاومة.
ولم تقتصر مظاهر الرفض الشيعي للاحتلال والانتداب الفرنسي على ضوء ما مرَّ ، بل تحوَّلت مظاهر الرفض المذكور الى اعمال فعلية ، إذ ذاك وزعت عشرات الاعلانات والمناشير في كل مكان في النبطية وكانت تحض الناس على مقاومة الفرنسيين وطردهم من ربوع جبل عامل والدعوة الى رفع الراية العربية ، لهذا تألفت عناصر المقاومة ضد الاحتلال والتي كانت أيضاً تحث الاهالي على الامتناع عن دفع الضرائب. ونفذت المقاومة العديد من العمليات ضد الاحتلال الفرنسي كما حصل بالقرب من مزرعة المصيلح وجسر الخردلة وجبل رياق قرب المطلّة وكذلك في جديدة مرجعيون. وكانت للمقاومة المذكورة إتصالات مع الزعماء السوريين ومنهم سلطان باشا الاطرش.
وقد لجأت قوات الاحتلال الفرنسي للقضاء على المقاومة الشيعيـة الى أمرين الاول هو تسليحها أهل القرى المسيحية ، والثاني هو قيامها بتجريد حملة عسكرية لملاحقة تنظيمات المقاومة. حيث اخذ الفرنسيون يحرّضون أهل القرى المسيحية في جبل عامل لمناوأة الشيعـة وتحت شعار أن الاجانب وُجِدوا لحماية المسيحيين أخذوا يسلحونهم بالبنادق ويدفعونهم للتحرش بجيرانهم وإذكاء نار التعصب ، مما شكل سبباً للصدام المسلح بين المسيحيين والشيعـة. وقامت القوات الفرنسية أيضاً بتجريد حملة ضد تنظيمات المقاومة في 5 آيار / مايو سنة 1920م ولكن الحملة لم تستطع أن تحقق اهدافها بل احدثت تدميراً وإحراقاً في القرى التي دخلتها ، وفرضت غرامات أرهقت المواطنين. من جرّاء ذلك قصد فريق من أعيان الشيعـة الجنرال غورو في بيروت لتقديم شكوى إليه ضد هذه التجاوزات ، ولكن الجنرال رفض مقابلة الوفد.
وفي 23 آيار / مايو 1926م أصدرت قوات الانتداب الفرنسي نظام أساسي (دستور) للبنـان تضمن الاعتراف لأول مرّة في تاريخ لبنان بالمذهب الشيعي الجعفري وبالطائفة الشيعيـة. ولأول مرة لم يعد الشيعة في لبنـان ملاحقون أو مضطهدون بسبب إنتمائهم المذهبي.
وفي سنة 1936م انتفض ابناء جبل عامل بسبب رفضهم للاحتلال الفرنسي مطالبين بتحرير ارضهم فاعتقل في سرايا البلدة كل من الحاج علي بيضون، علي بزي (نائب ووزير سابق)، موسى الزين شرارة وانيس الايراني. هذا التصرف دفع الناس الى التظاهر امام سجن السرايا محاولين اخراج المعتقلين ففوجئوا بطلقات نارية من العدو ادت الى استشهاد مصطفى العشي (بنت جبيل)، محمد الجمال وعقيل دعبول (عيناتا). وعلى الاثر تم اقتحام دار الحكومة واستطاع حسن بسام تحطيم باب السجن.. ويذكر ان معروف شرارة صعد الى سطح مقر الامن العام في بيت هيدوس وانزل العلم الفرنسي.
وإستناداً لما اعترف به دستور 1926م من حقوق للطوائف ، طالب النواب الشيعـة وساندهم آخرون من طوائف اخرى ، بحقوق الطائفة الشيعيـة. ففي مناقشة البيان الوزاري لحكومة بشارة الخوري في 5 / 1 / 1928م احتج النائب يوسف الزين على عدم تمثيل الطائفة الشيعيـة بوزير وانسحب النائب صبري حمادة من الجلسة احتجاجاً على ذلك ، كما طالب النائب عبد اللطيف الاسعد بتأمين العدالة وإعطاء الشيعـة حقوقهم منعاً لزيادة الصراخ والتظلم.
وفي مناقشة البيان الوزاري لحكومة خير الدين الاحدب في 9 / 11 / 1937م أكّد النائب أحمد الاسعد على الطلب من الحكومة بتطبيق العدالة بين الطوائف والمناطق أساساً لأعمالها.
أما في وزارة 24 / 1 / 1939م فقد ذكَّر النائب رشيد بيضون ببادرة نواب الاشيعـة التي حصلت في كانون الاول / ديسمبر 1937م عندما انسحبوا من الجلسة احتجاجاً على تناسي حقوق الطائفة الشيعيـة على الرغم من تلقيهم وعوداً كثيرة لم تُنَفّذ ، وقد ذكَّر الوزارة بمضمون المادسة السابعة من الدستور اللبناني التي تنص على مساواة اللبنانيين بالحقوق والواجبات.
وتدعيماص لمواقف النواب الشيعـة فقد شدَّ ازرهم عدد من النواب من طوائف أخرى ، كما فعل كل من النواب بترو طراد وجورج زوين وخالد شهاب في أثناء مناقشتهم بيان وزارة 5 / 1 / 1928م فطالبوا الحكومة بالمحافظة على التوازن في تأمين حقوق مختلف الطوائف التي تتألف منها الامة ، كما طالبوا الحكومة بأن تنظر نظراً مشفوعاً بعناية خاصة الى الطائفة الشيعيـة لأنها محرومة من حقوقها ، وهي حقوق لا ينكرها عليها احد ، وأنها أصيبت بحيف كبير ، والاولى بالوزارة أن تُنيلها حقها وترفع الحيف عنها.
ولم يكن مجلس النواب اللبناني المنبر الوحيد الذي كان الشيعـة يرفعون منه أصواتهم للمطالبة بحقوقهم ، وإنما كانت هناك منابر أخرى ، مثل ما حصل في اثناء إجتماع عُقِدَ في كفر رمان في 24 / 2 / 1933م والذي التقى فيه عدد من علماء الشيعـة في منزل النائب يوسف الزين بحضور محافظ صيدا ومستشاري صور ومرجعيون الفرنسيين ، وطلب فيه أولئك العلماء "محافظة على كرامة الشيعـة" من المفوض السامي أن يزور رئيس محكمة التمييز الجعفري أسوة بما فعله تجاه علماء الدروز والسنة.
كانت مطالب النواب الشيعـة بحقوق طائفتهم تستند الى التذكير بنصوص الدستور التي تنص على واجب الدولة في أن تؤمّن العدالة بين الطوائف ، وقد لخّصوا مطالبهم بإسناد حقيبة وزارية لنائب شيعي ، وعلى الاصلاح في المناطق الشيعيـة ، وعلى حفظ الحقوق المعنوية لرجال الدين الشيعـة أسوة بغيرهم من رجال الدين في الطوائف الاخرى.
وكذلك طالب النائب حسين الزين بإعادة النظر في الاصلاح الاداري لمنطقة جبل عامل ، وذلك عبر توسيع الاقضية بإنشاء قضائي النبطية وتبنين توفيراً لنفقات السفر على المواطنين وكسباً لوقتهم. كما ذكَّر النائب فضل الفضل بضرورة تحويل ناحية النبطية الى قائمقامية تلبية للحاجات التجارية.
وطالب النائب حسين الزين بتوسيع المحاكم التي كانت تتبع لمراكز الاقضية ، توقيراً لوقت المواطنين ونفقات سفرهم.
وبسبب الغبن اللاحق بالشيعـة في ملاك الوظائف العامة عدّد النائب حسين الزين في جلسة مناقشة البيان الوزاري بتاريخ 5 / 5 / 1927م واقع الحرمان اللاحق بالشيعـة وقد فصّل هذا الواقع كما يلي :
ـ حرمان الطائفة الشيعيـة من وجود أي مركز وظيفي لهم في مديريات الوزارات.
ـ حرمان الطائفة الشيعيـة من الوظائف الرئيسية الكبرى.
ـ للشيعـة مأمور واحد في وزارة المالية وبعض الجباة ، بينما ليس لهم أي محاسب من بين أحد عشر محاسباً في الوزارة.
ـ ليس للشيعـة أي مركز في البوسطة / البريد والتلغراف والدوائر العقارية والجمارك.
ـ للشيعـة كاتب واحد في وزارة الاشغال العامة.
ـ للشيعـة موظف صغير في ملاك وزارة الزراعة في الملحقات.
ـ ليس للشيعـة أي موظف في وزارتي الصحة والعدل.
ـ للشيعـة موظف محافظ واحد في وزارة الداخلية ! وبضعة انفار في دائرة البوليس وضابطان صغيران في دائرة الجندرمة / الدرك.
ـ للشيعـة حاجبان إثنان بين حجاب الدولة الثلاثمائة ، وكذلك بين الكتبة.
وضمن السياق نفسه فقد طالب النائب أحمد الاسعد في أثناء مناقشته للبيان الوزاري في 9 / 11 / 1937م بتطبيق مضمون المادة السادسة المكرّرة من المعاهدة اللبنانية - الفرنسية التي تضمن حقوق كل طائفة بوظائف الدولة ومنافعها ، وطالب بإعطاء الطائفة الشيعيـة حقها في الوظائف.
أما في موضوع الضرائب فقد طالب كل من النائبين يوسف الزين وفضل الفضل بإلغاء ضريبة الاعشار لتخفيف الاعباء عن كاهل الفلاحين.
وقد أستأثر بإهتمام نواب الشيعـة وخاصة من بينهم النائب أحمد الاسعد غياب الخدمات العامة عن جبل عامل ، وخاصة فيما يتعلق بمياه الشرب والطرقات ومراكز الاصطياف وزراعة التبغ وما يتعلق بهذه الزراعة من ضرورة التوزيع العادل للمساحات المرخّصة.
أما مشكلة التربية والتعليم فقد أستأثرت بإهتمام أكثر من نائب شيعي كما يظهر من خلال المناقشات ، وقد طالب النائب يوسف الزين حكومة 22 / 10 / 1929م أن تهتم بالتعليم الرسمي لأسباب منها :
ـ كثرة عدد الاميين حيث يوجد قرى كثيرة خالية من أي شخص يعرف القراءة والكتابة ، وإذا حضر لهم تحرير يأخذونه لقرية أخرى.
ـ تطلب المدارس الخاصة رسوماً لا يستطيع القروي أن يتحملها.
أما النائب احمد الاسعد فقد طالب في اثناء مناقشة البيان الوزاري لحكومة 9 / 11 / 1937م بإنشاء المدارس لأنها مفقودة بينما الامية متفشية في أنحاء الجنوب.
بالاضافة الى حركة النواب الشيعـة في داخل المجلس النيابي ، قام الاجتماع الذي عُقِدَ في كفر رمان ـ وقد أشرنا إليه سابقاً ـ بالمطالبة بتحسين الخدمات لمناطقهم ، مثل فتح الطرقات وزيادة عدد المدارس وتعديل الضرائب وزيادة عدد الوظائف للطائفة الشيعيـة.
إن ما يعزز القول بإنتشار الامية في الاوساط الشيعيـة ـ إضافة الى أقوال زعمائهم في جلسات المجلس النيابي ـ الاحصائيات المتعلقة بالطلاب التي اجريت في مرحلة متقدمة من عمر الانتداب الفرنسي ، أي في سنة 1939م.
إستناداً الى تلك الاحصائيات يتبيَّن أن نسبة الطلاب الشيعـة الى مجموع الطلاب اللبنانيين في سنة 1939م يبلغ أقل من 10 % بينما نسبة السكان الشيعـة ـ حسب إحصاء سنة 1932م ـ الى سكان لبنان تبلغ 63و19% ، أما نسبة الطلاب المسلمين على شتى مذاهبهم فهي 25و27% الى مجموع طلاب لبنان ، بينما بلغت نسبة الطلاب المسيحيين 27و71% ، وللمقارنة نجد أن نسبة الطلاب المسيحيين الى مجموع سكان لبنان بلغت 18و13% بينما لم يتجاوز نسبة الطلاب المسلمين الـ04و5%.
فالطلاب الشيعـة نسبة الى سكان لبنان لم يتجاوز الـ 02و2% والى عدد السكان الشيعـة بلغت نسبتهم 33و10% والى طلاب لبنان بلغت النسبة 13و11%.
وتاكيداً لصحة ما يُقال عن غنتشار الامية في الاوساط الشيعيـة جاء في تقرير للمفوضية الفرنسية في بيروت مرفوع الى عصبة الامم المتحدة في جنيف أن نسبة الاميين في لبنان من خلال إحصاء اُجرِيَ في سنة 1932م بلغت 45% بين السكان البالغين بينهم 38% عند الذكور و71% عند الاناث ، وقد توزعت النسب عند الطوائف على الشكل التالي :
83% عند الشيعـة
66% عند السنة
48% عند الموارنة
39% عند الكاثوليك
فعند مسيحيي جبل لبنان أقل نسبة من الاميين.
كان وجود المدارس في جبل عامل أسماً من دون مضمون من حيث كفاءة المدرسين وقلتهم بالنسبة لعدد التلاميذ ، إذ كان يشرف مدرس واحد أحياناً وفي غرفة واحدة على أكثر من صف واحد.
إذا حسبنا أن الاحصائيات الطلابية في تلك المرحلة لم تتجاوز مرحلة التعليم الثانوي ، بالاضافة الى قلة المدارس في القرى ، لأستطعنا أن نفترض في ظل إنتشار الامية وندرة الاختصاص أن المجتمع العاملي حتى ذلك التاريخ لم يكن قد تحول حتى في جزء قليل منه الى صف المجتمع المثقف.
لكن النخب المثقفة من رجال الدين ودنيا ، اتجهت ـ في اثناء فترة الانتداب الفرنسي ـ الى تأسيس المنتديات والجمعيات الثقافية بشكل ملفت للنظر قياساً الى إنعدام هذا النشاط في أثناء حكم العثمانيين ، بحيث أن جبل عامل لم يعرف سوى جمعيتين إحداهما سنية ، أما بعد الانتداب فتأسست أكثر من خمس عشرة جمعية منذ سنة 1921م حتى سنة 1942م ، ويلفت النظر أن بعض الزعماء الشيعـة التقليديين قد انخرطوا في أواخر عهد الانتداب في تأسيس جمعيات لها طابع خيري.
واجه الشيعـة في لبنـان الاحتلال الفرنسي بصلابة ورفض منذ البداية ، وكان المضمون الوحدوي في إتجاهه العربي ـ الاسلامي يستقطب أكثرية الشيعـة في لبنـان ، فاندفعوا في تأييد الشعار الوحدوي ، ولهذا عندما اعلنت الحكومة العربية الاولى في دمشق فقد لاقت تأييداً في اكثر المناطق اللبنانية ومن ضمنها جبل عامل.
كان من أبرز مظاهر التأييد الشيعي في المراحل الاولى الرد على استفتاء لجنة كينغ - كراين في سنة 1919م الذي كان المقصود منه تحديد صفة المنتدب وجنسيته ، حينذاك كلف الوفد الاسلامي الذي كان يضم مائة عضو إثنين من أعضائه كي ينقلا موقف سكان جبل عامل من الانتداب ، فكانت مواقف الوفد تتضمن طلباً بإستقلال سوريا الناجز بعهدة الامير فيصل ورفض الانتداب الفرنسي.
أعاد شيعـة جبل عامل تأكيد موقفهم هذا في مؤتمر الحجير الذي عُقِدَ في 24 نيسان / ابريل 1920م والذي تضاربت الآراء حول أسباب انعقاده ، وقد صدرت عنه القرارات التالية : (إنَّ المؤتمرين قرروا بالاجماع انضمامهم للوحدة السورية والمناداة بجلالة الملك فيصل ملكاً على سوريا ورفض الدخول تحت حماية أو انتداب الفرنسيين. وتجدر الاشارة الى أن الذين حضروا المؤتمر من الشيعـة العامليين كانوا نخباً تمثل جميع الاتجاهات السياسية والاجتماعية السائدة آنذاك من الزعماء السياسيين ورجال الدين والادباء والمفكرين وقادة المقاومة.
ولم تقتصر مظاهر الرفض الشيعي للاحتلال والانتداب الفرنسي على ضوء ما مرَّ ، بل تحوَّلت مظاهر الرفض المذكور الى اعمال فعلية ، إذ ذاك وزعت عشرات الاعلانات والمناشير في كل مكان في النبطية وكانت تحض الناس على مقاومة الفرنسيين وطردهم من ربوع جبل عامل والدعوة الى رفع الراية العربية ، لهذا تألفت عناصر المقاومة ضد الاحتلال والتي كانت أيضاً تحث الاهالي على الامتناع عن دفع الضرائب. ونفذت المقاومة العديد من العمليات ضد الاحتلال الفرنسي كما حصل بالقرب من مزرعة المصيلح وجسر الخردلة وجبل رياق قرب المطلّة وكذلك في جديدة مرجعيون. وكانت للمقاومة المذكورة إتصالات مع الزعماء السوريين ومنهم سلطان باشا الاطرش.
وقد لجأت قوات الاحتلال الفرنسي للقضاء على المقاومة الشيعيـة الى أمرين الاول هو تسليحها أهل القرى المسيحية ، والثاني هو قيامها بتجريد حملة عسكرية لملاحقة تنظيمات المقاومة. حيث اخذ الفرنسيون يحرّضون أهل القرى المسيحية في جبل عامل لمناوأة الشيعـة وتحت شعار أن الاجانب وُجِدوا لحماية المسيحيين أخذوا يسلحونهم بالبنادق ويدفعونهم للتحرش بجيرانهم وإذكاء نار التعصب ، مما شكل سبباً للصدام المسلح بين المسيحيين والشيعـة. وقامت القوات الفرنسية أيضاً بتجريد حملة ضد تنظيمات المقاومة في 5 آيار / مايو سنة 1920م ولكن الحملة لم تستطع أن تحقق اهدافها بل احدثت تدميراً وإحراقاً في القرى التي دخلتها ، وفرضت غرامات أرهقت المواطنين. من جرّاء ذلك قصد فريق من أعيان الشيعـة الجنرال غورو في بيروت لتقديم شكوى إليه ضد هذه التجاوزات ، ولكن الجنرال رفض مقابلة الوفد.
وفي 23 آيار / مايو 1926م أصدرت قوات الانتداب الفرنسي نظام أساسي (دستور) للبنـان تضمن الاعتراف لأول مرّة في تاريخ لبنان بالمذهب الشيعي الجعفري وبالطائفة الشيعيـة. ولأول مرة لم يعد الشيعة في لبنـان ملاحقون أو مضطهدون بسبب إنتمائهم المذهبي.
وفي سنة 1936م انتفض ابناء جبل عامل بسبب رفضهم للاحتلال الفرنسي مطالبين بتحرير ارضهم فاعتقل في سرايا البلدة كل من الحاج علي بيضون، علي بزي (نائب ووزير سابق)، موسى الزين شرارة وانيس الايراني. هذا التصرف دفع الناس الى التظاهر امام سجن السرايا محاولين اخراج المعتقلين ففوجئوا بطلقات نارية من العدو ادت الى استشهاد مصطفى العشي (بنت جبيل)، محمد الجمال وعقيل دعبول (عيناتا). وعلى الاثر تم اقتحام دار الحكومة واستطاع حسن بسام تحطيم باب السجن.. ويذكر ان معروف شرارة صعد الى سطح مقر الامن العام في بيت هيدوس وانزل العلم الفرنسي.
وإستناداً لما اعترف به دستور 1926م من حقوق للطوائف ، طالب النواب الشيعـة وساندهم آخرون من طوائف اخرى ، بحقوق الطائفة الشيعيـة. ففي مناقشة البيان الوزاري لحكومة بشارة الخوري في 5 / 1 / 1928م احتج النائب يوسف الزين على عدم تمثيل الطائفة الشيعيـة بوزير وانسحب النائب صبري حمادة من الجلسة احتجاجاً على ذلك ، كما طالب النائب عبد اللطيف الاسعد بتأمين العدالة وإعطاء الشيعـة حقوقهم منعاً لزيادة الصراخ والتظلم.
وفي مناقشة البيان الوزاري لحكومة خير الدين الاحدب في 9 / 11 / 1937م أكّد النائب أحمد الاسعد على الطلب من الحكومة بتطبيق العدالة بين الطوائف والمناطق أساساً لأعمالها.
أما في وزارة 24 / 1 / 1939م فقد ذكَّر النائب رشيد بيضون ببادرة نواب الاشيعـة التي حصلت في كانون الاول / ديسمبر 1937م عندما انسحبوا من الجلسة احتجاجاً على تناسي حقوق الطائفة الشيعيـة على الرغم من تلقيهم وعوداً كثيرة لم تُنَفّذ ، وقد ذكَّر الوزارة بمضمون المادسة السابعة من الدستور اللبناني التي تنص على مساواة اللبنانيين بالحقوق والواجبات.
وتدعيماص لمواقف النواب الشيعـة فقد شدَّ ازرهم عدد من النواب من طوائف أخرى ، كما فعل كل من النواب بترو طراد وجورج زوين وخالد شهاب في أثناء مناقشتهم بيان وزارة 5 / 1 / 1928م فطالبوا الحكومة بالمحافظة على التوازن في تأمين حقوق مختلف الطوائف التي تتألف منها الامة ، كما طالبوا الحكومة بأن تنظر نظراً مشفوعاً بعناية خاصة الى الطائفة الشيعيـة لأنها محرومة من حقوقها ، وهي حقوق لا ينكرها عليها احد ، وأنها أصيبت بحيف كبير ، والاولى بالوزارة أن تُنيلها حقها وترفع الحيف عنها.
ولم يكن مجلس النواب اللبناني المنبر الوحيد الذي كان الشيعـة يرفعون منه أصواتهم للمطالبة بحقوقهم ، وإنما كانت هناك منابر أخرى ، مثل ما حصل في اثناء إجتماع عُقِدَ في كفر رمان في 24 / 2 / 1933م والذي التقى فيه عدد من علماء الشيعـة في منزل النائب يوسف الزين بحضور محافظ صيدا ومستشاري صور ومرجعيون الفرنسيين ، وطلب فيه أولئك العلماء "محافظة على كرامة الشيعـة" من المفوض السامي أن يزور رئيس محكمة التمييز الجعفري أسوة بما فعله تجاه علماء الدروز والسنة.
كانت مطالب النواب الشيعـة بحقوق طائفتهم تستند الى التذكير بنصوص الدستور التي تنص على واجب الدولة في أن تؤمّن العدالة بين الطوائف ، وقد لخّصوا مطالبهم بإسناد حقيبة وزارية لنائب شيعي ، وعلى الاصلاح في المناطق الشيعيـة ، وعلى حفظ الحقوق المعنوية لرجال الدين الشيعـة أسوة بغيرهم من رجال الدين في الطوائف الاخرى.
وكذلك طالب النائب حسين الزين بإعادة النظر في الاصلاح الاداري لمنطقة جبل عامل ، وذلك عبر توسيع الاقضية بإنشاء قضائي النبطية وتبنين توفيراً لنفقات السفر على المواطنين وكسباً لوقتهم. كما ذكَّر النائب فضل الفضل بضرورة تحويل ناحية النبطية الى قائمقامية تلبية للحاجات التجارية.
وطالب النائب حسين الزين بتوسيع المحاكم التي كانت تتبع لمراكز الاقضية ، توقيراً لوقت المواطنين ونفقات سفرهم.
وبسبب الغبن اللاحق بالشيعـة في ملاك الوظائف العامة عدّد النائب حسين الزين في جلسة مناقشة البيان الوزاري بتاريخ 5 / 5 / 1927م واقع الحرمان اللاحق بالشيعـة وقد فصّل هذا الواقع كما يلي :
ـ حرمان الطائفة الشيعيـة من وجود أي مركز وظيفي لهم في مديريات الوزارات.
ـ حرمان الطائفة الشيعيـة من الوظائف الرئيسية الكبرى.
ـ للشيعـة مأمور واحد في وزارة المالية وبعض الجباة ، بينما ليس لهم أي محاسب من بين أحد عشر محاسباً في الوزارة.
ـ ليس للشيعـة أي مركز في البوسطة / البريد والتلغراف والدوائر العقارية والجمارك.
ـ للشيعـة كاتب واحد في وزارة الاشغال العامة.
ـ للشيعـة موظف صغير في ملاك وزارة الزراعة في الملحقات.
ـ ليس للشيعـة أي موظف في وزارتي الصحة والعدل.
ـ للشيعـة موظف محافظ واحد في وزارة الداخلية ! وبضعة انفار في دائرة البوليس وضابطان صغيران في دائرة الجندرمة / الدرك.
ـ للشيعـة حاجبان إثنان بين حجاب الدولة الثلاثمائة ، وكذلك بين الكتبة.
وضمن السياق نفسه فقد طالب النائب أحمد الاسعد في أثناء مناقشته للبيان الوزاري في 9 / 11 / 1937م بتطبيق مضمون المادة السادسة المكرّرة من المعاهدة اللبنانية - الفرنسية التي تضمن حقوق كل طائفة بوظائف الدولة ومنافعها ، وطالب بإعطاء الطائفة الشيعيـة حقها في الوظائف.
أما في موضوع الضرائب فقد طالب كل من النائبين يوسف الزين وفضل الفضل بإلغاء ضريبة الاعشار لتخفيف الاعباء عن كاهل الفلاحين.
وقد أستأثر بإهتمام نواب الشيعـة وخاصة من بينهم النائب أحمد الاسعد غياب الخدمات العامة عن جبل عامل ، وخاصة فيما يتعلق بمياه الشرب والطرقات ومراكز الاصطياف وزراعة التبغ وما يتعلق بهذه الزراعة من ضرورة التوزيع العادل للمساحات المرخّصة.
أما مشكلة التربية والتعليم فقد أستأثرت بإهتمام أكثر من نائب شيعي كما يظهر من خلال المناقشات ، وقد طالب النائب يوسف الزين حكومة 22 / 10 / 1929م أن تهتم بالتعليم الرسمي لأسباب منها :
ـ كثرة عدد الاميين حيث يوجد قرى كثيرة خالية من أي شخص يعرف القراءة والكتابة ، وإذا حضر لهم تحرير يأخذونه لقرية أخرى.
ـ تطلب المدارس الخاصة رسوماً لا يستطيع القروي أن يتحملها.
أما النائب احمد الاسعد فقد طالب في اثناء مناقشة البيان الوزاري لحكومة 9 / 11 / 1937م بإنشاء المدارس لأنها مفقودة بينما الامية متفشية في أنحاء الجنوب.
بالاضافة الى حركة النواب الشيعـة في داخل المجلس النيابي ، قام الاجتماع الذي عُقِدَ في كفر رمان ـ وقد أشرنا إليه سابقاً ـ بالمطالبة بتحسين الخدمات لمناطقهم ، مثل فتح الطرقات وزيادة عدد المدارس وتعديل الضرائب وزيادة عدد الوظائف للطائفة الشيعيـة.
إن ما يعزز القول بإنتشار الامية في الاوساط الشيعيـة ـ إضافة الى أقوال زعمائهم في جلسات المجلس النيابي ـ الاحصائيات المتعلقة بالطلاب التي اجريت في مرحلة متقدمة من عمر الانتداب الفرنسي ، أي في سنة 1939م.
إستناداً الى تلك الاحصائيات يتبيَّن أن نسبة الطلاب الشيعـة الى مجموع الطلاب اللبنانيين في سنة 1939م يبلغ أقل من 10 % بينما نسبة السكان الشيعـة ـ حسب إحصاء سنة 1932م ـ الى سكان لبنان تبلغ 63و19% ، أما نسبة الطلاب المسلمين على شتى مذاهبهم فهي 25و27% الى مجموع طلاب لبنان ، بينما بلغت نسبة الطلاب المسيحيين 27و71% ، وللمقارنة نجد أن نسبة الطلاب المسيحيين الى مجموع سكان لبنان بلغت 18و13% بينما لم يتجاوز نسبة الطلاب المسلمين الـ04و5%.
فالطلاب الشيعـة نسبة الى سكان لبنان لم يتجاوز الـ 02و2% والى عدد السكان الشيعـة بلغت نسبتهم 33و10% والى طلاب لبنان بلغت النسبة 13و11%.
وتاكيداً لصحة ما يُقال عن غنتشار الامية في الاوساط الشيعيـة جاء في تقرير للمفوضية الفرنسية في بيروت مرفوع الى عصبة الامم المتحدة في جنيف أن نسبة الاميين في لبنان من خلال إحصاء اُجرِيَ في سنة 1932م بلغت 45% بين السكان البالغين بينهم 38% عند الذكور و71% عند الاناث ، وقد توزعت النسب عند الطوائف على الشكل التالي :
83% عند الشيعـة
66% عند السنة
48% عند الموارنة
39% عند الكاثوليك
فعند مسيحيي جبل لبنان أقل نسبة من الاميين.
كان وجود المدارس في جبل عامل أسماً من دون مضمون من حيث كفاءة المدرسين وقلتهم بالنسبة لعدد التلاميذ ، إذ كان يشرف مدرس واحد أحياناً وفي غرفة واحدة على أكثر من صف واحد.
إذا حسبنا أن الاحصائيات الطلابية في تلك المرحلة لم تتجاوز مرحلة التعليم الثانوي ، بالاضافة الى قلة المدارس في القرى ، لأستطعنا أن نفترض في ظل إنتشار الامية وندرة الاختصاص أن المجتمع العاملي حتى ذلك التاريخ لم يكن قد تحول حتى في جزء قليل منه الى صف المجتمع المثقف.
لكن النخب المثقفة من رجال الدين ودنيا ، اتجهت ـ في اثناء فترة الانتداب الفرنسي ـ الى تأسيس المنتديات والجمعيات الثقافية بشكل ملفت للنظر قياساً الى إنعدام هذا النشاط في أثناء حكم العثمانيين ، بحيث أن جبل عامل لم يعرف سوى جمعيتين إحداهما سنية ، أما بعد الانتداب فتأسست أكثر من خمس عشرة جمعية منذ سنة 1921م حتى سنة 1942م ، ويلفت النظر أن بعض الزعماء الشيعـة التقليديين قد انخرطوا في أواخر عهد الانتداب في تأسيس جمعيات لها طابع خيري.