نجف الخير
19-04-2010, 09:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على نبينا وآله الطاهرين .
1- عائلة الكَوْراني في جبل عامل
تعيش عائلتنا آل الكوراني في قرية ياطر الجميلة من قرى جبل عامل أو جنوب لبنان ، وتقع فوق مدينة صور ببضعة وعشرين كيلومتراً ، على ارتفاع نحو800 متر عن سطح البحر . وقد هنأني يوماً السيد موسى الصدر فرج الله عنه ، وأخبرني بأن بعثة أمريكية إسمها (بعثة إرفد) أعلنت بعد استطلاعها هواء لبنان ومياهه ، أن قرية ياطر نالت المرتبة الأولى في لبنان ، في عذوبة مائها وصحة هوائها . وإسم ياطر سرياني أصله (ياثر) بمعنى الرائحة الطيبة .
والمجمع عليه عند عائلتنا أن إسم (كوْرَاني) بفتح الكاف وسكون الواو ، ويسمونهم آل كَوْرَاني والكَوَارنة ، ويبلغ عددهم بضعة آلاف نسمة . ومنهم في غير ياطر آل يوسف حيدر وهم في قرية الشعيثية ، ومن هؤلاء جدتي الحاجة نرجس بنت يوسف حيدر المتولدة سنة1860 ميلادية رحمها الله .
ومنهم أيضاً آل حيدر في قرية برعشيت ، فقد هاجر جدهم حيدر من قريتنا وتزوج من برعشيت وبقيت ذريته هناك .
ومنهم آل فرحات الذين هم في قرية عرب صاليم كما أخبرني أستاذي آية الشيخ إبراهيم سليمان (قدس سره)نقلاً عن آية الله الشيخ يوسف الفقيه (قدس سره) .
2- الكَوْراني بفتح الكاف غيرها بالضم
المشهور في كلمة (كوراني) أنها بضم الكاف ، لكن إجماع عائلتنا وتوارثهم له إنما هو بفتح الكاف وليس بضمها ، وقد نص المؤرخ السخاوي وهو يترجم لآل الكوْراني في مصر ، على أنها بفتح الكاف ، وهذا يؤكد أنها نسبة تختلف عن كُوراني بالضم .
قال في الضوء اللامع في أهل القرن التاسع:11/224: ( الكَوْراني ، بفتح ثم سكون: الشهاب أحمد بن إسماعيل بن عثمان ) .
وقال في هامش الأعلام:5/236: (انفرد السخاوي بضبط الكوراني بفتح الكاف وسكون الواو) . والصحيح أن السخاوي وهو مؤرخ رجالي وأديب (سير الذهبي:23/123) ويعيش مع آل الكوْراني ، لم يشتبه ، فقد ترجم في كتابه لكثير من أهل هذه النسبة بالضم ، ولكنه فرَّق بين المنسوبين الى كُوران بالضم وهم كثيرون ، ينسبون الى أصول متعددة ، مثل كُوران من قرى إسفرايين في شمال إيران ، أو الى قبيلة كُوران الكردية ، وبين المنسوبين بكَوْرَان بفتح الكاف ، ولهذا قال القيسي الدمشقي في توضيح المشتبه:7/344: ( الكوراني جماعة. قلت: ينسبون إلى كُوران بضم الكاف وسكون الواو وفتح الراء تليها ألف ثم نون من قرى أسفراين ، منهم أبو الفضل العباس بن إبراهيم بن العباس الكُوراني عن محمد بن يحيى الذهلي توفي في حدود الثلاث مئة . والكَوْراني بالفتح: الشيخ الزاهد أبو الحجاج يوسف الكَوْراني المصري ، أخذ عنه أبو عبد الله الكلائي الفرضي المتأخر).
3- الى من ينسب الكَوْرانيون بالفتح
يتصور البعض أن الكَوْرانيين العامليين ينسبون الى مدينة الكورة أو قضاء الكورة في شمال لبنان ، لكن ذلك بعيد ، لأن المجمع عليه بينهم أن نسبتهم بفتح الكاف ، ولا يحتمل فيه الغلط أو التسامح لوجود النسبة بالضم الى جانبهم . لهذا فإن آل كَوْراني في جبل عامل من نفس نسبة المصريين الذين هم بفتح الكاف ، ويحتمل أنهم هاجروا من لبنان الى مصر أو العكس ، وقد ذكر المؤرخون منهم عدة علماء ، وفيهم مراجع في الفقه والتصوف كما يأتي .
ويظهر أنها نسبة عربية لأنه لايوجد في غير العربية وزن (فَوْعَان) بحرفين مفتوحين بينهما واو ساكنة ، بل يصعب على غير العرب نطقها !
ويظهر أن نسبة كَوْراني الى جبل (كَوْرَان وكَوْر وكوير) ببلاد بلحارث في اليمن أو جبل بين الطائف ومكة (تاج العروس:7/461 ، و1141، و3:/152، و:5/283) أو جبل بالجليل (عشائر الشام).
قال في معجم البلدان:4/489: ( وكُوَيْر وكَوْر: جبلان معروفان وقيل: ثنية الكَوْر في أرض اليمن كانت بها وقعة لها ذكر في أيام العرب ) .
وفي نهاية الإرب:1/134: ( بنو كَوْر ، بطن من جرم طي مساكنهم ببلاد غزة ، قال الحمداني: وهم جماعة جابر بن سعيد ). ومعجم قبائل العرب:3/1003.
وأصل الكَوْر والكَوْران: الدور من العمامة ، والعمامة والشئ المكوَّر: المجموع على بعضه ، (كور بفتح الكاف أو كوران، سواء كان لها ذؤابه أو لا).(شرح البهوتي:1/66).
وقال الشريف الرضي في المجازات النبوية/141: ( قوله‘: اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب ، والحَوْر بعد الكَوْر ، وسوء المنظر في الأهل والمال... والحَوْر بعد الكَوْر: أي انتشار الأمور بعد انضمامها ، وانفراجها بعد التئامها ، وذلك مأخوذ من حَوْر العمامة بعد كَوْرها ، وهو نقضها بعد ليها ونشرها بعد طيها . وقد قيل إن معناه القلة بعد الكثرة ، والنقصان بعد الزيادة ، فكأنه تعوذ من الإنتقال عن حال حسنة إلى حال سيئة).
4- الكَوْرانيون المصريون
ذكر المؤرخون منهم عدداً من العلماء والأمراء ، والى الآن يوجد في القاهرة: شارع ابن الكوْراني ، وكانوا شيعة أو شافعية يميلون الى التشيع ، وقد أرخوا لثورة ابن الكوْراني على السلطان المملوكي الظاهر بيبرس ، من أجل إعادة الدولة الشيعية الفاطمية ، وكان أنصاره الفقراء والسودان وشعاره: ( يا آل علي) ، فقتلهم بيبرس وصلبه عند باب زويلة .قال المقريزي في السلوك/234: ( وفي شعبان(سنة658) قبض على رجل يعرف بالكوراني وضرب ضرباً مبرحاً بسبب بدع ظهرت منه ، وجدد إسلامه الشيخ عز الدين بن عبد السلام ، وأطلق من الإعتقال فأقام بالجبل الأحمر) .
وقال في/246: ( وفيها ثار جماعة من السودان والركبدارية والغلمان وشنقوا بالقاهرة وهم ينادون يا آل علي ! وفتحوا دكاكين السيوفيين بين القصرين ، وأخذوا ما فيها من السلاح ، واقتحموا اصطبلات الأجناد وأخذوا منها الخيول ، وكان الحامل لهم على هذا رجل يعرف بالكوْراني ، أظهر الزهد وبيده سبحة وسكن قبة بالجبل ، وتردد إليه الغلمان فحدثهم في القيام على أهل الدولة وأقطعهم الإقطاعات ، وكتب لهم بها رقاعاً . فلما ثاروا في الليل ركب العسكر وأحاطوا بهم وربطوهم فأصبحوا مصلبين خارج باب زويلة ، وسكنت الثائرة ).
5- واصل الظاهر بيبرس سياسة إبادة الشيعة
وهو أول حكام مصر من المماليك البحرية وكان مملوكاً للأمير البندقدار ، ثم لأحد أحفاد صلاح الدين الأيوبي ، وحكم مصر 18 سنة ، من 658 الى 676 هجرية ، وبدأ حكمه بقتل السلطان المظفر قطز الذي هزم المغول في معركة عين جالوت !
قال الزركلي في الأعلام:2/79: ( اتفق مع أمراء الجيش على قتل قطز فقتلوه ، وتولى بيبرس سلطنة مصر والشام... وتلقب بالملك الظاهر.. وكان شجاعاً جباراً... توفي في دمشق ومرقده فيها معروف أقيمت حوله المكتبة الظاهرية ) .
وفي فوات الوفيات:2/224: ( ورجع (قطز) بعد شهر إلى القاهرة فقُتل بين الغرابي والصالحية ، ودفن بالقصير سنة ثمان وخمسين وستمائة ، تولى قتله الظاهر وأعانه جماعة من الأمراء ، وبقي ملقى فدفنه بعض غلمانه ) .
وقال العيني في عقد الجمان/134: ( من الأمور العجيبة الغريبة: أن في أول هذه السنة (658) كانت الشام للملك الناصر يوسف بن الملك العزيز ، بن الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، ثم في النصف من صفر منها صارت لهلاون اللعين ملك التتار ، ثم في آخر رمضان صارت للملك المظفر قطز ، ثم في أواخر ذي القعدة انتقلت إلى مملكة السلطان الملك الظاهر بيبرس... فسبحان الذى يُغير ولا يتعير ). والنهاية:13/259.
وحاول بيبرس أن يعيد الخلافة العباسية الشكلية ، فجاء برجل مغمور من بني العباس إسمه أحمد بن الحسن، وبايعه على أنه خليفة وسماه (المسترشد بالله) فبايعه الخليفة على أنه سلطان مصر وبلاد الشام وغيرها! (الوافي للصفدي:6/196) .
وتشدد بيبرس في تطبيق سياسة صلاح الدين ضد الشيعة ! وفي هذا السياق كانت ثورة ابن الكوراني . قال المقريزي في المواعظ والإعتبار:3/84: ( وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة الشيخ أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري ... حتى أنه صار هذا الإعتقاد بسائر هذه البلاد ، بحيث أن من خالفه ضرب عنقه والأمر على ذلك إلى اليوم ، ولم يكن في الدولة الأيوبية بمصر كثيرذكرلمذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل... فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداري ولَّى بمصر والقاهرة أربعة قضاة ، وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي . فاستمرّ ذلك من سنة خمس وستين وستمائة ، حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة وعقيدة الأشعريّ.. وعودي من تمذهب بغيرها وأنكر عليه ، ولم يول قاض ولا قبلت شهادة أحد ولا قدم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلداً لأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها والعمل على هذا إلى اليوم ).
وفي إرشاد النقاد للصنعاني/19: ( وأفتى فقهاء هذه الأمصار بطول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها ، ولم ينته الأمر بوجوب تقليد المذاهب الأربعة ، بل صار كل مذهب منها كدين مستقل ، ونصوا على بطلان الصلاة خلف مخالف المذهب كما مضى ، وبالتالي كان إنشاء المقامات للمذاهب الأربعة في الحرم المكي أمراً حتمياً ، قام به أشر ملوك الجراكسة فرج بن برقوق ، في أوائل المائة التاسعة ) .
وقال الكاتب المصري صالح الورداني في كتابه الشيعة في مصر/60: ( كان من نتائج السياسة الإرهابية الدموية التي اتبعها صلاح الدين في مواجهة الشيعة أن فر الشيعة إلى الشام وجنوب مصر حيث لا تزال دعوة التشيع لها أعواناً في مأمن من بطش صلاح الدين . وقد أخذت التجمعات الشيعية هناك في تجميع صفوفها من أجل التصدي له.. ويروي ابن الأثير أنه في عام 569 هـوفي شهر رمضان كشفت محاولة للإنقلاب على صلاح الدين وقتله من قبل مجموعة من العلويين ، وقبض عليهم صلاح الدين وصلبهم ، وكان على رأسهم عمارة بن أبي الحسن اليمني الشاعر...
ولقد حاول العاضد أن يتخلص من صلاح الدين وحرض عليه خادمه المؤتمن، إلا أن المحاولة كشفت وقتل المؤتمن على أيدي رجال صلاح الدين.. يروي ابن الأثير حول هذه الحادثة: فغضب السودان لقتل المؤتمن فحشدوا وجمعوا فزادت عدتهم على خمسين ألفاً وقصدوا حرب الأجناد الصلاحية ، فاجتمع العسكر وقاتلوهم بين القصرين وكثر القتل بين الفريقين ، فأرسل صلاح الدين إلى محلتهم بالمنصورة فأحرقها على أموالهم وأولادهم ، فلما أتاهم الخبر بذلك ولوا منهزمين فركبهم السيف وأخذت عليهم أفواه السكك ، فطلبوا الأمان بعد أن كثر فيهم القتل فأجيبوا إلى ذلك فخرجوا من مصر إلى الجيزة فعبر إليهم شمس الدولة أخو صلاح الدين الأكبر في طائفة من العسكر فأبادهم بالسيف ولم يبق منهم إلا القليل الشريد !
وفي عام570 هـ تجمع السودان حول رجل يدعو لإقامة الحكم الفاطمي في أسوان وقد جمع من حوله خلقاً كثيراً . يقول ابن تغري يروي عن أحداث هذا العام: وكان أهل مصر يؤثرون عودهم - أي عودة الفاطميين- فسيَّر صلاح الدين جيشاً كثيفاً وجعل مقدمه أخاه الملك العادل فساروا والتقوا به - أي بزعيم الثورة - وكسروه . ثم بعد ذلك استقرت له قواعد الملك..
وفي عام 572 يقول ابن تغري: وفيها كان مقدم السودان من صعيد مصر ، ساروا من الصعيد إلى مصر في مائة ألف أسود ليعيدوا الدولة الفاطمية ، فخرج إليهم أخو صلاح الدين الملك العادل بكر وبمن معه من عساكر مصر والتقوا مع السودان ، فكانت بينهم وقعة هائلة وقتل كبير السودان ومن معه . وهذه هي الثورة الثالثة التي قام بها الشيعة ضد صلاح الدين ، وكانت في السنة السادسة من حكمه.. وفي نفس العام أيضاً وقعت ثورة أخرى في مدينة قفط بصعيد مصر أخمدها صلاح الدين وأرسل لها أخاه العادل على جيش فقتل من أهلها ثلاثة آلاف ، وصلبهم على شجرها ظاهر قفط بعمائمهم وطيالسينهم..
والمتأمل في هذا الصراع الذي دار بين صلاح الدين والشيعة في مصر يتبين له أن صلاح الدين استخدم وسائل غير مشروعة في قمع معارضيه تتنافى مع الإسلام.. وإن لجوء صلاح الدين إلى مثل هذه الوسائل اللاإنسانية التي مارسها على الفاطميين، مثل عزل الرجال عن النساء ، وإحراق بيوت السودان على أولادهم وأموالهم ! هذه الوسائل إنما تكشف عجزه عن استئصال التشيع وحب آل البيت من قلوب المصريين) . (راجع للتفصيل: الصحيح من السيرة:1/227، والنجوم الزاهرة:6/78 ، وشذرات الذهب:2/241، ومرآة الجنان:2/84 ، والوافي:24/280، والعبر:4/214).
وقد تابع سلاطين المماليك البحرية بعد بيبرس هذه السياسة في إبادة الشيعة في مصر والسودان ، حتى كانت الحملة العامة لإبادتهم في الشام ولبنان سنة705 ، وختم آخر سلاطين المماليك البحرية بيدمر ونائبه حاكم الشام برقوق ، بقتلهم المرجع والزعيم الشيعي محمد بن مكي الجزيني المعروف بالشهيد الأول (قدس سره) سنة787 .
يتبع ...
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على نبينا وآله الطاهرين .
1- عائلة الكَوْراني في جبل عامل
تعيش عائلتنا آل الكوراني في قرية ياطر الجميلة من قرى جبل عامل أو جنوب لبنان ، وتقع فوق مدينة صور ببضعة وعشرين كيلومتراً ، على ارتفاع نحو800 متر عن سطح البحر . وقد هنأني يوماً السيد موسى الصدر فرج الله عنه ، وأخبرني بأن بعثة أمريكية إسمها (بعثة إرفد) أعلنت بعد استطلاعها هواء لبنان ومياهه ، أن قرية ياطر نالت المرتبة الأولى في لبنان ، في عذوبة مائها وصحة هوائها . وإسم ياطر سرياني أصله (ياثر) بمعنى الرائحة الطيبة .
والمجمع عليه عند عائلتنا أن إسم (كوْرَاني) بفتح الكاف وسكون الواو ، ويسمونهم آل كَوْرَاني والكَوَارنة ، ويبلغ عددهم بضعة آلاف نسمة . ومنهم في غير ياطر آل يوسف حيدر وهم في قرية الشعيثية ، ومن هؤلاء جدتي الحاجة نرجس بنت يوسف حيدر المتولدة سنة1860 ميلادية رحمها الله .
ومنهم أيضاً آل حيدر في قرية برعشيت ، فقد هاجر جدهم حيدر من قريتنا وتزوج من برعشيت وبقيت ذريته هناك .
ومنهم آل فرحات الذين هم في قرية عرب صاليم كما أخبرني أستاذي آية الشيخ إبراهيم سليمان (قدس سره)نقلاً عن آية الله الشيخ يوسف الفقيه (قدس سره) .
2- الكَوْراني بفتح الكاف غيرها بالضم
المشهور في كلمة (كوراني) أنها بضم الكاف ، لكن إجماع عائلتنا وتوارثهم له إنما هو بفتح الكاف وليس بضمها ، وقد نص المؤرخ السخاوي وهو يترجم لآل الكوْراني في مصر ، على أنها بفتح الكاف ، وهذا يؤكد أنها نسبة تختلف عن كُوراني بالضم .
قال في الضوء اللامع في أهل القرن التاسع:11/224: ( الكَوْراني ، بفتح ثم سكون: الشهاب أحمد بن إسماعيل بن عثمان ) .
وقال في هامش الأعلام:5/236: (انفرد السخاوي بضبط الكوراني بفتح الكاف وسكون الواو) . والصحيح أن السخاوي وهو مؤرخ رجالي وأديب (سير الذهبي:23/123) ويعيش مع آل الكوْراني ، لم يشتبه ، فقد ترجم في كتابه لكثير من أهل هذه النسبة بالضم ، ولكنه فرَّق بين المنسوبين الى كُوران بالضم وهم كثيرون ، ينسبون الى أصول متعددة ، مثل كُوران من قرى إسفرايين في شمال إيران ، أو الى قبيلة كُوران الكردية ، وبين المنسوبين بكَوْرَان بفتح الكاف ، ولهذا قال القيسي الدمشقي في توضيح المشتبه:7/344: ( الكوراني جماعة. قلت: ينسبون إلى كُوران بضم الكاف وسكون الواو وفتح الراء تليها ألف ثم نون من قرى أسفراين ، منهم أبو الفضل العباس بن إبراهيم بن العباس الكُوراني عن محمد بن يحيى الذهلي توفي في حدود الثلاث مئة . والكَوْراني بالفتح: الشيخ الزاهد أبو الحجاج يوسف الكَوْراني المصري ، أخذ عنه أبو عبد الله الكلائي الفرضي المتأخر).
3- الى من ينسب الكَوْرانيون بالفتح
يتصور البعض أن الكَوْرانيين العامليين ينسبون الى مدينة الكورة أو قضاء الكورة في شمال لبنان ، لكن ذلك بعيد ، لأن المجمع عليه بينهم أن نسبتهم بفتح الكاف ، ولا يحتمل فيه الغلط أو التسامح لوجود النسبة بالضم الى جانبهم . لهذا فإن آل كَوْراني في جبل عامل من نفس نسبة المصريين الذين هم بفتح الكاف ، ويحتمل أنهم هاجروا من لبنان الى مصر أو العكس ، وقد ذكر المؤرخون منهم عدة علماء ، وفيهم مراجع في الفقه والتصوف كما يأتي .
ويظهر أنها نسبة عربية لأنه لايوجد في غير العربية وزن (فَوْعَان) بحرفين مفتوحين بينهما واو ساكنة ، بل يصعب على غير العرب نطقها !
ويظهر أن نسبة كَوْراني الى جبل (كَوْرَان وكَوْر وكوير) ببلاد بلحارث في اليمن أو جبل بين الطائف ومكة (تاج العروس:7/461 ، و1141، و3:/152، و:5/283) أو جبل بالجليل (عشائر الشام).
قال في معجم البلدان:4/489: ( وكُوَيْر وكَوْر: جبلان معروفان وقيل: ثنية الكَوْر في أرض اليمن كانت بها وقعة لها ذكر في أيام العرب ) .
وفي نهاية الإرب:1/134: ( بنو كَوْر ، بطن من جرم طي مساكنهم ببلاد غزة ، قال الحمداني: وهم جماعة جابر بن سعيد ). ومعجم قبائل العرب:3/1003.
وأصل الكَوْر والكَوْران: الدور من العمامة ، والعمامة والشئ المكوَّر: المجموع على بعضه ، (كور بفتح الكاف أو كوران، سواء كان لها ذؤابه أو لا).(شرح البهوتي:1/66).
وقال الشريف الرضي في المجازات النبوية/141: ( قوله‘: اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب ، والحَوْر بعد الكَوْر ، وسوء المنظر في الأهل والمال... والحَوْر بعد الكَوْر: أي انتشار الأمور بعد انضمامها ، وانفراجها بعد التئامها ، وذلك مأخوذ من حَوْر العمامة بعد كَوْرها ، وهو نقضها بعد ليها ونشرها بعد طيها . وقد قيل إن معناه القلة بعد الكثرة ، والنقصان بعد الزيادة ، فكأنه تعوذ من الإنتقال عن حال حسنة إلى حال سيئة).
4- الكَوْرانيون المصريون
ذكر المؤرخون منهم عدداً من العلماء والأمراء ، والى الآن يوجد في القاهرة: شارع ابن الكوْراني ، وكانوا شيعة أو شافعية يميلون الى التشيع ، وقد أرخوا لثورة ابن الكوْراني على السلطان المملوكي الظاهر بيبرس ، من أجل إعادة الدولة الشيعية الفاطمية ، وكان أنصاره الفقراء والسودان وشعاره: ( يا آل علي) ، فقتلهم بيبرس وصلبه عند باب زويلة .قال المقريزي في السلوك/234: ( وفي شعبان(سنة658) قبض على رجل يعرف بالكوراني وضرب ضرباً مبرحاً بسبب بدع ظهرت منه ، وجدد إسلامه الشيخ عز الدين بن عبد السلام ، وأطلق من الإعتقال فأقام بالجبل الأحمر) .
وقال في/246: ( وفيها ثار جماعة من السودان والركبدارية والغلمان وشنقوا بالقاهرة وهم ينادون يا آل علي ! وفتحوا دكاكين السيوفيين بين القصرين ، وأخذوا ما فيها من السلاح ، واقتحموا اصطبلات الأجناد وأخذوا منها الخيول ، وكان الحامل لهم على هذا رجل يعرف بالكوْراني ، أظهر الزهد وبيده سبحة وسكن قبة بالجبل ، وتردد إليه الغلمان فحدثهم في القيام على أهل الدولة وأقطعهم الإقطاعات ، وكتب لهم بها رقاعاً . فلما ثاروا في الليل ركب العسكر وأحاطوا بهم وربطوهم فأصبحوا مصلبين خارج باب زويلة ، وسكنت الثائرة ).
5- واصل الظاهر بيبرس سياسة إبادة الشيعة
وهو أول حكام مصر من المماليك البحرية وكان مملوكاً للأمير البندقدار ، ثم لأحد أحفاد صلاح الدين الأيوبي ، وحكم مصر 18 سنة ، من 658 الى 676 هجرية ، وبدأ حكمه بقتل السلطان المظفر قطز الذي هزم المغول في معركة عين جالوت !
قال الزركلي في الأعلام:2/79: ( اتفق مع أمراء الجيش على قتل قطز فقتلوه ، وتولى بيبرس سلطنة مصر والشام... وتلقب بالملك الظاهر.. وكان شجاعاً جباراً... توفي في دمشق ومرقده فيها معروف أقيمت حوله المكتبة الظاهرية ) .
وفي فوات الوفيات:2/224: ( ورجع (قطز) بعد شهر إلى القاهرة فقُتل بين الغرابي والصالحية ، ودفن بالقصير سنة ثمان وخمسين وستمائة ، تولى قتله الظاهر وأعانه جماعة من الأمراء ، وبقي ملقى فدفنه بعض غلمانه ) .
وقال العيني في عقد الجمان/134: ( من الأمور العجيبة الغريبة: أن في أول هذه السنة (658) كانت الشام للملك الناصر يوسف بن الملك العزيز ، بن الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، ثم في النصف من صفر منها صارت لهلاون اللعين ملك التتار ، ثم في آخر رمضان صارت للملك المظفر قطز ، ثم في أواخر ذي القعدة انتقلت إلى مملكة السلطان الملك الظاهر بيبرس... فسبحان الذى يُغير ولا يتعير ). والنهاية:13/259.
وحاول بيبرس أن يعيد الخلافة العباسية الشكلية ، فجاء برجل مغمور من بني العباس إسمه أحمد بن الحسن، وبايعه على أنه خليفة وسماه (المسترشد بالله) فبايعه الخليفة على أنه سلطان مصر وبلاد الشام وغيرها! (الوافي للصفدي:6/196) .
وتشدد بيبرس في تطبيق سياسة صلاح الدين ضد الشيعة ! وفي هذا السياق كانت ثورة ابن الكوراني . قال المقريزي في المواعظ والإعتبار:3/84: ( وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة الشيخ أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري ... حتى أنه صار هذا الإعتقاد بسائر هذه البلاد ، بحيث أن من خالفه ضرب عنقه والأمر على ذلك إلى اليوم ، ولم يكن في الدولة الأيوبية بمصر كثيرذكرلمذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل... فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداري ولَّى بمصر والقاهرة أربعة قضاة ، وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي . فاستمرّ ذلك من سنة خمس وستين وستمائة ، حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة وعقيدة الأشعريّ.. وعودي من تمذهب بغيرها وأنكر عليه ، ولم يول قاض ولا قبلت شهادة أحد ولا قدم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلداً لأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها والعمل على هذا إلى اليوم ).
وفي إرشاد النقاد للصنعاني/19: ( وأفتى فقهاء هذه الأمصار بطول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها ، ولم ينته الأمر بوجوب تقليد المذاهب الأربعة ، بل صار كل مذهب منها كدين مستقل ، ونصوا على بطلان الصلاة خلف مخالف المذهب كما مضى ، وبالتالي كان إنشاء المقامات للمذاهب الأربعة في الحرم المكي أمراً حتمياً ، قام به أشر ملوك الجراكسة فرج بن برقوق ، في أوائل المائة التاسعة ) .
وقال الكاتب المصري صالح الورداني في كتابه الشيعة في مصر/60: ( كان من نتائج السياسة الإرهابية الدموية التي اتبعها صلاح الدين في مواجهة الشيعة أن فر الشيعة إلى الشام وجنوب مصر حيث لا تزال دعوة التشيع لها أعواناً في مأمن من بطش صلاح الدين . وقد أخذت التجمعات الشيعية هناك في تجميع صفوفها من أجل التصدي له.. ويروي ابن الأثير أنه في عام 569 هـوفي شهر رمضان كشفت محاولة للإنقلاب على صلاح الدين وقتله من قبل مجموعة من العلويين ، وقبض عليهم صلاح الدين وصلبهم ، وكان على رأسهم عمارة بن أبي الحسن اليمني الشاعر...
ولقد حاول العاضد أن يتخلص من صلاح الدين وحرض عليه خادمه المؤتمن، إلا أن المحاولة كشفت وقتل المؤتمن على أيدي رجال صلاح الدين.. يروي ابن الأثير حول هذه الحادثة: فغضب السودان لقتل المؤتمن فحشدوا وجمعوا فزادت عدتهم على خمسين ألفاً وقصدوا حرب الأجناد الصلاحية ، فاجتمع العسكر وقاتلوهم بين القصرين وكثر القتل بين الفريقين ، فأرسل صلاح الدين إلى محلتهم بالمنصورة فأحرقها على أموالهم وأولادهم ، فلما أتاهم الخبر بذلك ولوا منهزمين فركبهم السيف وأخذت عليهم أفواه السكك ، فطلبوا الأمان بعد أن كثر فيهم القتل فأجيبوا إلى ذلك فخرجوا من مصر إلى الجيزة فعبر إليهم شمس الدولة أخو صلاح الدين الأكبر في طائفة من العسكر فأبادهم بالسيف ولم يبق منهم إلا القليل الشريد !
وفي عام570 هـ تجمع السودان حول رجل يدعو لإقامة الحكم الفاطمي في أسوان وقد جمع من حوله خلقاً كثيراً . يقول ابن تغري يروي عن أحداث هذا العام: وكان أهل مصر يؤثرون عودهم - أي عودة الفاطميين- فسيَّر صلاح الدين جيشاً كثيفاً وجعل مقدمه أخاه الملك العادل فساروا والتقوا به - أي بزعيم الثورة - وكسروه . ثم بعد ذلك استقرت له قواعد الملك..
وفي عام 572 يقول ابن تغري: وفيها كان مقدم السودان من صعيد مصر ، ساروا من الصعيد إلى مصر في مائة ألف أسود ليعيدوا الدولة الفاطمية ، فخرج إليهم أخو صلاح الدين الملك العادل بكر وبمن معه من عساكر مصر والتقوا مع السودان ، فكانت بينهم وقعة هائلة وقتل كبير السودان ومن معه . وهذه هي الثورة الثالثة التي قام بها الشيعة ضد صلاح الدين ، وكانت في السنة السادسة من حكمه.. وفي نفس العام أيضاً وقعت ثورة أخرى في مدينة قفط بصعيد مصر أخمدها صلاح الدين وأرسل لها أخاه العادل على جيش فقتل من أهلها ثلاثة آلاف ، وصلبهم على شجرها ظاهر قفط بعمائمهم وطيالسينهم..
والمتأمل في هذا الصراع الذي دار بين صلاح الدين والشيعة في مصر يتبين له أن صلاح الدين استخدم وسائل غير مشروعة في قمع معارضيه تتنافى مع الإسلام.. وإن لجوء صلاح الدين إلى مثل هذه الوسائل اللاإنسانية التي مارسها على الفاطميين، مثل عزل الرجال عن النساء ، وإحراق بيوت السودان على أولادهم وأموالهم ! هذه الوسائل إنما تكشف عجزه عن استئصال التشيع وحب آل البيت من قلوب المصريين) . (راجع للتفصيل: الصحيح من السيرة:1/227، والنجوم الزاهرة:6/78 ، وشذرات الذهب:2/241، ومرآة الجنان:2/84 ، والوافي:24/280، والعبر:4/214).
وقد تابع سلاطين المماليك البحرية بعد بيبرس هذه السياسة في إبادة الشيعة في مصر والسودان ، حتى كانت الحملة العامة لإبادتهم في الشام ولبنان سنة705 ، وختم آخر سلاطين المماليك البحرية بيدمر ونائبه حاكم الشام برقوق ، بقتلهم المرجع والزعيم الشيعي محمد بن مكي الجزيني المعروف بالشهيد الأول (قدس سره) سنة787 .
يتبع ...