حسين عبد الامير
23-04-2010, 02:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين
لقاء مع (مفتي حلب )/ الشيخ بدر الدين حسون
الشيخ الحسون (باكيا): أنا في ظلال نعلك يا زهراء(صلوات الله وسلامه عليها)!
http://www.14masom.com/leqaa/04/images/pic0.jpg
في زمن ما، حالك السواد، كانت بقعة من الأرض معقلاً للنصب والنواصب، تضج منابرها بلعن أهل البيت! ويهتف مشايخها بحياة بني أمية! تلك هي الشام، مركز حكم معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله، الذي أمر الناس بالتبرؤ من أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، وجرفهم إلى الضلال، وأسس مذهباً يقوم على بغض الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!
لم يكن أحد يومها - أي منذ تولى معاوية ثم يزيد ومن تعاقب بعدهما من السلاطين - يجرؤ على أن يذكر آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخير، كان علي (عليه السلام) في مفهوم أهل تلك الديار (أول ظالم في الأرض)! وكان الحسين (عليه السلام) (خارجاً على طاعة إمام زمانه)! أما معاوية فهو (خال المؤمنين)! وأما يزيد فهو (أمير المؤمنين)!
هكذا كانت المعادلة آنذاك، لكنها اليوم، بعد قرون ودهور، انقلبت عندما شع نور آل محمد صلى الله عليهم أجمعين، وتبينت روعة الحق والحقيقة!
هاهو - كمثال - أحد كبار علماء الشام، مفتي حلب وشيخ مشايخها، يرتقي منبره في يوم عاشوراء؛ في هذه السنة؛ في الشام نفسها التي كانت موطن الناصبة الأموية؛ ليصدع بالحق بأعلى أعلى صوته وينادي: (أيها الناس.. قُتِل والله الحسين مظلوما)!!
بهذه الكلمة المدوية؛ نطق الشيخ أحمد بدر الدين الحسون، ليكشف لبني جلدته من أهل السنة حقائق أخفاها الحكام ووعّاظهم، الذين وجدوا في ذكر آل بيت النبوة تهديداً لهم، ولعروشهم، ولنفوذهم، ولمذهبهم!
في تلك الخطبة البليغة؛ أراح هذا الشيخ الشجاع ضميره، عندما أبان أن الحق مع آل الرسول، وعرّى أعداءهم، وفضح مخالفيهم. إنه لم يتشيّع، لكنه أراد أن ينفض الغبار عن الحقيقة، ويصحح مفاهيم ترسبت في عقول السنة بمؤامرة دبّرها أعداء الدين وطلاب الدنيا، عندما صوّروا مثل يزيد أميراً للمؤمنينّ وعندما أنزلوا أهل بيت الوحي عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها!
كانت كلمة شجاعة، من عالم شجاع لا يهاب إلا الله، ولا يوالي إلا أولياء الله. غير أن هذه الكلمة كلّفته الكثير، لأنها كانت صعبة؛ شديدة الوقع على آذان وأسماع من وقعوا ضحية مؤامرة التجهيل.
http://www.14masom.com/leqaa/04/images/pic1.jpgخطبة جمعة؛ ألقى فيها الشيخ الحسون ما في جعبته من حقائق توصّل إليها، وأظهر فيها ما يجيش في صدره منذ زمن، حول ما نزل بأهل البيت عليهم الصلاة والسلام من كرب وبلاء، وما قاسوه من عناء، وما تحملوه من رزايا، من أجل استقامة دين الله. إنه فرز بين معسكرين، معسكر الرحمن، ومعسكر الشيطان، وكان صعباً عليه أن يضع النقاط على الحروف، لكنه أبى إلا أن ينهض بمسؤوليته.
بيد أن هذه الكلمة الصادقة، الخارجة من القلب النابض بحب المصطفى وآله عليهم الصلاة والسلام؛ لم تَرُق لآخرين، فاشتعلت نار المجابهة، وثارت ثائرة مشايخ وخطباء، وتصدت منابر لتكفير هذا الشيخ الشجاع والطعن فيه بدعوى أنه سب الصحابة وشتم أمهات المؤمنين!! كل ذلك لا لأنه فعل ما اتهموه به، بل لأنه حكى بلغة غير معهودة عندهمّ فهي جريمة أن ينطق في خطبته باسم آل البيت! وهي مثلبه أن ينتصر لسيد الشهداء سبط الرسول ضد من قتله واستباح دمه وحرمه!!
http://www.14masom.com/leqaa/04/images/pic2.jpgحينما وجد مفتي حلب الأكبر؛ وعضو مجلس الشعب السوري؛ الشيخ أحمد بدر الدين الحسون؛ أن من تلبّسوا برداء العلماء أبعدوا أهل مذهبه السني عن أهل البيت عليهم السلام خوفاً من انتشار التشيع، وجد أن عليه أن يتصدى ويتحرك لإعادة الحق إلى نصابه، كي لا يندرس ذكر الميامين الأطهار، وكي لا يقع الناس في لبس تجاه أعدائهم، فيترضّون على أمثال يزيد!
لقد أعاد جزءاً يسيراً من حق الحسين عليه الصلاة والسلام، فقامت الدنيا وشتمته عشرات المنابر على الملأ. لكن كل هذا يهون عنده في سبيل الحق، وفي سبيل ساداته الذين يدين بحبهم وموالاتهم. إنه بكى لأكثر من مرة في خطبته، وكان يتأوّه من شدة الألم، لأنه كتم وكتم، وهاهو اليوم يعتذر للمئات الذين جلسوا يستمعون له قائلا: (سامحوني.. لأنني سأتحدث بما لم تعتادوا سماعه)!
ليس له هم إلا جمع الكلمة، والتحليق بالأمة عالياً بجناحيها؛ السنة والشيعة، غير أنه لا يرى وحدة تتحقق بالتنكر للحقائق وإخفائها، أو بترك سيرة أهل البيت ونبذها.
في خضم هذه العاصفة التي حركها المفسدون ضد الشيخ الجليل؛ والعالم الفاضل؛ اتصلنا به وحاورناه، فوجدناه لساناً عذباً يفيض بعشق محمد وآله الأبرار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،ووجدناه رجلاً صلباً لا يتزحزح عن كلمة الحق.
في ذلك الحوار الذي دار لحوالي ساعتين من الوقت، استفسرنا من سماحة الشيخ عن أسباب كلمته ودواعيها ومبرراتها، واستعلمنا منه عن مفاهيم ورؤى، فبكى وأبكى، وأظهر عقيدة أهل السنة الحقيقية في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، الذين هم عندهم أشرف الخلق وأولو الأمر والأئمة الواجب طاعتهم واتباعهم ومودتهم، متبرئاً من عقيدة أهل الغلظة والجفاء ممن اندسوا تحت راية أهل السنة، الذين وصلت فيهم جرأتهم إلى التطاول على أهل بيت الوحي والرسالة، عندما قالوا: (إن الحسين قتل نفسه بخروجه على الخليفة)!!
هذه كلمات لم تخرج من فيه رجل عادي، إنما خرجت على لسان عالم كبير تتبعه الملايين، فهو سليل أسرة علمية، وعضو مجلس الإفتاء الأعلى، فضلاً عن كونه مفتي حلب وأستاذ علمائها. فلنستمع ولنع ولنعرف كيف أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه:
• لماذا جاءت تلك الخطبة وفي ذلك الوقت بالذات، وما هي دواعيها؟ هل وجدتم أنه من الواجب إزاحة الستار عن كثير مما أخفاه أهل الأهواء والعصبيات؟
- من خلال قراءتي السريعة للواقع الذي تعيشه أمتنا المسلمة، حاولت أن أعود لتاريخنا لأستنبط منه ما يعيد الصحوة لها، وحينما قرأت مسيرة الحسين (عليه السلام) والذي لم يكن يمثل نفسه أو يمثل آل البيت عليهم السلام فحسب، إنما كان يمثل خط الإسلام العام، وجدت أنه منذ يوم استشهاده وحتى يومنا هذا لم تُقرأ قضيته قراءة صحيحة، إنما قُرأت قراءة عاطفية، وهذه القراءة منعتنا من أن نستنتج ما يمكن استنتاجه بغيرها، فحالت دون استفادتنا لما نحتاج اليوم، في موقفنا المعاصر، وفي مشاكلنا الحالية، فقررت حينما قرأت هذه المسيرة أن أعيد قراءتها قراءة عامة نطبقها في حياتنا. وقد قررت أن أعيد قراءة مأساة الحسين (عليه السلام) بإعادة قراءة التاريخ الإسلامي ككل بدءاً من رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحتى آخر لحظة من حياة الخلفاء وكيف انفصلت الخلافة الروحية بعد سيدنا علي (عليه السلام) عن الخلافة السياسية.
لقد استطاع سيدنا علي (عليه السلام) ومن قبله من الخلفاء أن يجمعوا الخلافة التشريعية الروحية مع الخلافة السياسية، ولكن بعد استشهاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) صار الملك - أي ملك الخلافة - ملكاً عقيماً، واتجه اتجاهاً آخر، فكان الناس يطلقون على البعض ممن استحوذ على الخلافة (أمراء المؤمنين) وما كانوا أمراء مؤمنين، فأنا لا أراهم سوى ملوكاً. وهذا قد يفاجئ كثيراً من المعاصرين ولكنها الحقيقة التي يجب أن يعرفها أبناؤنا حتى لا نظلم الإسلام بأناس حُسبوا عليه وسُموا بأمراء مؤمنين وهم في الحقيقة أشخاص ليس لهم علاقة بالإيمان.
• ما هو الجديد في خطبتكم بالنسبة إلى الوسط السني؟ هل إن هذا الوسط لم يعتد على هذه اللغة؟! وهل تجدون أن هذه اللغة ضرورية؟ وما ردكم على من يقول إن هذه اللغة إنما تسهم في زعزعة وبلبلة وانقسامات؟
- بعد الصحوة الإسلامية في الجمهورية الإيرانية، وبعد الحرب الإيرانية العراقية وحرب الخليج، صار هنالك نوع من التخوف في الساحة السنية من أن يكون هنالك مدّ شيعي يجتاح العالم العربي، أو الإسلامي ككل، وبدأ اتخاذ مواقف الدفاع والهجوم وقد ظهرت عدة كتب طائفية ومذهبية تربط التشيع بالفارسية وأحياناً بالمجوسية. وكان هذا نوع من المواجهة الخطرة خوفاً من أن يأتي سيل لا يستطيعون إيقافه، وكان يقود هذه الحملة عدد من السياسيين المرتبطين بالدول الأجنبية وأنا لا أشك في ذلك! واستطاعوا أن يجيّروا بعض العلماء في سبيل ذلك، وقد قام هؤلاء العلماء بتأليف عدة كتب وُزّعت بشكل كامل في الدول العربية والإسلامية بغرض تشويه صورة الإنسان الجعفري في خيال الإنسان السني.
وقادت تلك الحملة التشويهية جماعة مرتبطة بالاستخبارات الأجنبية في عدد من البلدان العربية التخويفية، وهي الجماعة التي تسمي نفسها بالسلفية، وأفرادها في الحقيقة يغطون أنفسهم بهذا العنوان، لأن السلفي الحقيقي والسني الحقيقي والشيعي الحقيقي جميعهم يلتقون في محور واحد ألا وهو الإسلام، وليس الكذب على بعضهم بعضاً وتشويه صورة بعضهم بعضاً.
من خلال هذه الحملات التي بدأت تظهر في المجتمعات العربية والإسلامية رأيت أن هنالك خوفاً دائماً من الطرف الآخر وتأهباً للهجوم عليه دائماً، ولعل الذي يحدث في باكستان حالياً، في عدد من المساجد والحسينيات خير مثال على ذلك، إذ يقتحم واحد من هذا الطرف مكان اجتماع الطرف الآخر ليبيده! وفي اعتقادي أن نار الفتنة هذه ليست من الطرفين إنما من طرف ثالث يؤجج الفتنة في هذه الساحة، ومن هنا بدأت أقرأ كتبنا الإسلامية قراءة جديدة، شيعية كانت أم سنية لأفاجأ أن هناك 98% من نقاط الالتقاء و3 أو 4% من نقاط الاختلاف، كما رأيت أن هناك بين الأحناف والشافعية أكثر من 10% من نقاط الاختلاف، وأن بين المذهب الزيدي والشافعي 3% من نقاط الاختلاف، وهذا سببه كتاب الأم الذي ألفه الإمام الشافعي والذي قال فيه:
إن كان رفضاً حب آل محمد فلـيشهد الثقلان أني رافضي
هذا الذي دعاني لأن أدخل إلى الساحة بهدوء ودون أن أمس أي طرف من الأطراف، لأقول: لماذا هذا التقصير في ساحتنا في معرفة آل البيت؟ لماذا لا يعرف أبناؤنا من هم أهل البيت؟ أهناك خوف من أن يتشيع أبناؤنا إذا ما عرفوا آل البيت؟ هذا الذي يعاني لأن أدخل الساحة. إنني أرى أنه يحق للشيعي أن يلوم أخاه السني على تقصيره في معرفة أهل البيت عليهم السلام، ذلك لأنه إذا سأله عن ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن السني لن يعدّد له إلا الحسن والحسين عليهما السلام، ولن يعرف الباقي مع أن من واجبه معرفتهم شرعاً، لأن الله تعالى يقول على لسان نبيه صلى الله عليه وآله: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى). فكيف يودّ السني من يجهلهم؟!
لقد اكتشفت أن هناك من قصد تجهيل الناس وإبعادهم عن معرفة آل البيت عليهم السلام خوفاً من سريان التشيع، بل رأيت أن هناك من قصد تشويه صورتهم سلام الله عليهم في أذهان الناس! فقبل بضع سنوات وقعت عيناي على كتاب صدر في المدينة المنورة لعالم من علمائنا في سورية، وقد جاء فيه: (إن الحسين قتل نفسه بخروجه على الإمام)!! وقد جرى توزيع هذا الكتاب السيئ في السعودية، فاجتمعت مع مؤلفه وبادرته قائلاً: (لحساب من تسيء إلى آل البيت؟! لحساب من تسيء إلى سيدنا الحسين وهو من أُعطي حقاً عظيماً يتمثل في أن من أحبه أسكنه الله الجنة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم! يا هذا.. ما الذي تعني من قولك أنه قتل نفسه؟ هل تعني أنه انتحر مثلاً؟ وفي مقابل من؟! من هو الخليفة الذي خرج عليه؟!) فأجاب الرجل: (في مقابل يزيد)! فقلت له: (ومن قال أن يزيد خليفة)؟!
ثم بدأ النقاش مع مجموعة من الأخوة هناك، وقد وجدت جهلاً في القضية تاماً، فلذلك آليت على نفسي أن أدخل على هذا الخط بهدوء ودون تعصب لأي طرف من الأطراف، وغرضي إظهار الحقيقة حتى إذا جاء العدو ليعبث بها نكون قد هيأنا ما نتكاتف به وما نقوي به بعضنا بعضاً.
• ما الذي اكتشفتموه وأردتم قوله للناس أداء لمسؤوليتكم الشرعية أمام الله تعالى؟
- بعد عشر سنوات من البحث على مقعد الدراسة، وجدت أن هنالك خوفاً شديداً من الاعتراف بالحقيقة، وهذا الخوف سببه أن من يريد أن يتحدث عن آل البيت يخشى أن يقع في شتم الصحابة، وكان الجميع يظنون أنه لو بدأنا بالحديث عن موالاة أهل البيت ولاء ووفاء والبراءة من أعدائهم، فإن ذلك سيكون نوعاً من إعادة التفرقة بين المسلمين من خلال شتم الصحابة أو الطعن فيهم.
ومن هنا وجدت هجوماً شديداً صاعقاً عليّ بعد هذه الخطبة واعتُبرت خطيب فتنة وخطيب سوء لأني أنبش التاريخ بمعاول التفرقة بين الناس، وكأنهم سيجمعون الناس بإخفاء الحقائق التاريخية!
لذلك كان هناك إصرار على المبدأ، وإصرار على البقاء مستمراً في تسجيل الحقائق مهما كانت التضحيات، لا من أجل إيران ولا من أجل الشيعة ولا من أجل السنة، ولكن من أجل الله جل وعلا، وحتى نقف أمامه وقد أدينا الرسالة. ونحن في هذا الوقت بالذات أحوج ما نكون للموقف الحسيني، وأحوج ما نكون لمواقف أهل البيت في صد الطغيان، طغيان السياسة والاستيلاء الذي دمّر حقوق آل البيت، نحن أحوج ما نكون إلى صحوة إسلامية، تُبنى على أسس واضحة.
وفي الحقيقة فقد استطاع الأخوة في حزب الله في لبنان أن يبدأوا هذه الصحوة، وأسأل الله أن نكون جميعاً عوناً لهم في هذه الصحوة.
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين
لقاء مع (مفتي حلب )/ الشيخ بدر الدين حسون
الشيخ الحسون (باكيا): أنا في ظلال نعلك يا زهراء(صلوات الله وسلامه عليها)!
http://www.14masom.com/leqaa/04/images/pic0.jpg
في زمن ما، حالك السواد، كانت بقعة من الأرض معقلاً للنصب والنواصب، تضج منابرها بلعن أهل البيت! ويهتف مشايخها بحياة بني أمية! تلك هي الشام، مركز حكم معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله، الذي أمر الناس بالتبرؤ من أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، وجرفهم إلى الضلال، وأسس مذهباً يقوم على بغض الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!
لم يكن أحد يومها - أي منذ تولى معاوية ثم يزيد ومن تعاقب بعدهما من السلاطين - يجرؤ على أن يذكر آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخير، كان علي (عليه السلام) في مفهوم أهل تلك الديار (أول ظالم في الأرض)! وكان الحسين (عليه السلام) (خارجاً على طاعة إمام زمانه)! أما معاوية فهو (خال المؤمنين)! وأما يزيد فهو (أمير المؤمنين)!
هكذا كانت المعادلة آنذاك، لكنها اليوم، بعد قرون ودهور، انقلبت عندما شع نور آل محمد صلى الله عليهم أجمعين، وتبينت روعة الحق والحقيقة!
هاهو - كمثال - أحد كبار علماء الشام، مفتي حلب وشيخ مشايخها، يرتقي منبره في يوم عاشوراء؛ في هذه السنة؛ في الشام نفسها التي كانت موطن الناصبة الأموية؛ ليصدع بالحق بأعلى أعلى صوته وينادي: (أيها الناس.. قُتِل والله الحسين مظلوما)!!
بهذه الكلمة المدوية؛ نطق الشيخ أحمد بدر الدين الحسون، ليكشف لبني جلدته من أهل السنة حقائق أخفاها الحكام ووعّاظهم، الذين وجدوا في ذكر آل بيت النبوة تهديداً لهم، ولعروشهم، ولنفوذهم، ولمذهبهم!
في تلك الخطبة البليغة؛ أراح هذا الشيخ الشجاع ضميره، عندما أبان أن الحق مع آل الرسول، وعرّى أعداءهم، وفضح مخالفيهم. إنه لم يتشيّع، لكنه أراد أن ينفض الغبار عن الحقيقة، ويصحح مفاهيم ترسبت في عقول السنة بمؤامرة دبّرها أعداء الدين وطلاب الدنيا، عندما صوّروا مثل يزيد أميراً للمؤمنينّ وعندما أنزلوا أهل بيت الوحي عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها!
كانت كلمة شجاعة، من عالم شجاع لا يهاب إلا الله، ولا يوالي إلا أولياء الله. غير أن هذه الكلمة كلّفته الكثير، لأنها كانت صعبة؛ شديدة الوقع على آذان وأسماع من وقعوا ضحية مؤامرة التجهيل.
http://www.14masom.com/leqaa/04/images/pic1.jpgخطبة جمعة؛ ألقى فيها الشيخ الحسون ما في جعبته من حقائق توصّل إليها، وأظهر فيها ما يجيش في صدره منذ زمن، حول ما نزل بأهل البيت عليهم الصلاة والسلام من كرب وبلاء، وما قاسوه من عناء، وما تحملوه من رزايا، من أجل استقامة دين الله. إنه فرز بين معسكرين، معسكر الرحمن، ومعسكر الشيطان، وكان صعباً عليه أن يضع النقاط على الحروف، لكنه أبى إلا أن ينهض بمسؤوليته.
بيد أن هذه الكلمة الصادقة، الخارجة من القلب النابض بحب المصطفى وآله عليهم الصلاة والسلام؛ لم تَرُق لآخرين، فاشتعلت نار المجابهة، وثارت ثائرة مشايخ وخطباء، وتصدت منابر لتكفير هذا الشيخ الشجاع والطعن فيه بدعوى أنه سب الصحابة وشتم أمهات المؤمنين!! كل ذلك لا لأنه فعل ما اتهموه به، بل لأنه حكى بلغة غير معهودة عندهمّ فهي جريمة أن ينطق في خطبته باسم آل البيت! وهي مثلبه أن ينتصر لسيد الشهداء سبط الرسول ضد من قتله واستباح دمه وحرمه!!
http://www.14masom.com/leqaa/04/images/pic2.jpgحينما وجد مفتي حلب الأكبر؛ وعضو مجلس الشعب السوري؛ الشيخ أحمد بدر الدين الحسون؛ أن من تلبّسوا برداء العلماء أبعدوا أهل مذهبه السني عن أهل البيت عليهم السلام خوفاً من انتشار التشيع، وجد أن عليه أن يتصدى ويتحرك لإعادة الحق إلى نصابه، كي لا يندرس ذكر الميامين الأطهار، وكي لا يقع الناس في لبس تجاه أعدائهم، فيترضّون على أمثال يزيد!
لقد أعاد جزءاً يسيراً من حق الحسين عليه الصلاة والسلام، فقامت الدنيا وشتمته عشرات المنابر على الملأ. لكن كل هذا يهون عنده في سبيل الحق، وفي سبيل ساداته الذين يدين بحبهم وموالاتهم. إنه بكى لأكثر من مرة في خطبته، وكان يتأوّه من شدة الألم، لأنه كتم وكتم، وهاهو اليوم يعتذر للمئات الذين جلسوا يستمعون له قائلا: (سامحوني.. لأنني سأتحدث بما لم تعتادوا سماعه)!
ليس له هم إلا جمع الكلمة، والتحليق بالأمة عالياً بجناحيها؛ السنة والشيعة، غير أنه لا يرى وحدة تتحقق بالتنكر للحقائق وإخفائها، أو بترك سيرة أهل البيت ونبذها.
في خضم هذه العاصفة التي حركها المفسدون ضد الشيخ الجليل؛ والعالم الفاضل؛ اتصلنا به وحاورناه، فوجدناه لساناً عذباً يفيض بعشق محمد وآله الأبرار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،ووجدناه رجلاً صلباً لا يتزحزح عن كلمة الحق.
في ذلك الحوار الذي دار لحوالي ساعتين من الوقت، استفسرنا من سماحة الشيخ عن أسباب كلمته ودواعيها ومبرراتها، واستعلمنا منه عن مفاهيم ورؤى، فبكى وأبكى، وأظهر عقيدة أهل السنة الحقيقية في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، الذين هم عندهم أشرف الخلق وأولو الأمر والأئمة الواجب طاعتهم واتباعهم ومودتهم، متبرئاً من عقيدة أهل الغلظة والجفاء ممن اندسوا تحت راية أهل السنة، الذين وصلت فيهم جرأتهم إلى التطاول على أهل بيت الوحي والرسالة، عندما قالوا: (إن الحسين قتل نفسه بخروجه على الخليفة)!!
هذه كلمات لم تخرج من فيه رجل عادي، إنما خرجت على لسان عالم كبير تتبعه الملايين، فهو سليل أسرة علمية، وعضو مجلس الإفتاء الأعلى، فضلاً عن كونه مفتي حلب وأستاذ علمائها. فلنستمع ولنع ولنعرف كيف أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه:
• لماذا جاءت تلك الخطبة وفي ذلك الوقت بالذات، وما هي دواعيها؟ هل وجدتم أنه من الواجب إزاحة الستار عن كثير مما أخفاه أهل الأهواء والعصبيات؟
- من خلال قراءتي السريعة للواقع الذي تعيشه أمتنا المسلمة، حاولت أن أعود لتاريخنا لأستنبط منه ما يعيد الصحوة لها، وحينما قرأت مسيرة الحسين (عليه السلام) والذي لم يكن يمثل نفسه أو يمثل آل البيت عليهم السلام فحسب، إنما كان يمثل خط الإسلام العام، وجدت أنه منذ يوم استشهاده وحتى يومنا هذا لم تُقرأ قضيته قراءة صحيحة، إنما قُرأت قراءة عاطفية، وهذه القراءة منعتنا من أن نستنتج ما يمكن استنتاجه بغيرها، فحالت دون استفادتنا لما نحتاج اليوم، في موقفنا المعاصر، وفي مشاكلنا الحالية، فقررت حينما قرأت هذه المسيرة أن أعيد قراءتها قراءة عامة نطبقها في حياتنا. وقد قررت أن أعيد قراءة مأساة الحسين (عليه السلام) بإعادة قراءة التاريخ الإسلامي ككل بدءاً من رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحتى آخر لحظة من حياة الخلفاء وكيف انفصلت الخلافة الروحية بعد سيدنا علي (عليه السلام) عن الخلافة السياسية.
لقد استطاع سيدنا علي (عليه السلام) ومن قبله من الخلفاء أن يجمعوا الخلافة التشريعية الروحية مع الخلافة السياسية، ولكن بعد استشهاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) صار الملك - أي ملك الخلافة - ملكاً عقيماً، واتجه اتجاهاً آخر، فكان الناس يطلقون على البعض ممن استحوذ على الخلافة (أمراء المؤمنين) وما كانوا أمراء مؤمنين، فأنا لا أراهم سوى ملوكاً. وهذا قد يفاجئ كثيراً من المعاصرين ولكنها الحقيقة التي يجب أن يعرفها أبناؤنا حتى لا نظلم الإسلام بأناس حُسبوا عليه وسُموا بأمراء مؤمنين وهم في الحقيقة أشخاص ليس لهم علاقة بالإيمان.
• ما هو الجديد في خطبتكم بالنسبة إلى الوسط السني؟ هل إن هذا الوسط لم يعتد على هذه اللغة؟! وهل تجدون أن هذه اللغة ضرورية؟ وما ردكم على من يقول إن هذه اللغة إنما تسهم في زعزعة وبلبلة وانقسامات؟
- بعد الصحوة الإسلامية في الجمهورية الإيرانية، وبعد الحرب الإيرانية العراقية وحرب الخليج، صار هنالك نوع من التخوف في الساحة السنية من أن يكون هنالك مدّ شيعي يجتاح العالم العربي، أو الإسلامي ككل، وبدأ اتخاذ مواقف الدفاع والهجوم وقد ظهرت عدة كتب طائفية ومذهبية تربط التشيع بالفارسية وأحياناً بالمجوسية. وكان هذا نوع من المواجهة الخطرة خوفاً من أن يأتي سيل لا يستطيعون إيقافه، وكان يقود هذه الحملة عدد من السياسيين المرتبطين بالدول الأجنبية وأنا لا أشك في ذلك! واستطاعوا أن يجيّروا بعض العلماء في سبيل ذلك، وقد قام هؤلاء العلماء بتأليف عدة كتب وُزّعت بشكل كامل في الدول العربية والإسلامية بغرض تشويه صورة الإنسان الجعفري في خيال الإنسان السني.
وقادت تلك الحملة التشويهية جماعة مرتبطة بالاستخبارات الأجنبية في عدد من البلدان العربية التخويفية، وهي الجماعة التي تسمي نفسها بالسلفية، وأفرادها في الحقيقة يغطون أنفسهم بهذا العنوان، لأن السلفي الحقيقي والسني الحقيقي والشيعي الحقيقي جميعهم يلتقون في محور واحد ألا وهو الإسلام، وليس الكذب على بعضهم بعضاً وتشويه صورة بعضهم بعضاً.
من خلال هذه الحملات التي بدأت تظهر في المجتمعات العربية والإسلامية رأيت أن هنالك خوفاً دائماً من الطرف الآخر وتأهباً للهجوم عليه دائماً، ولعل الذي يحدث في باكستان حالياً، في عدد من المساجد والحسينيات خير مثال على ذلك، إذ يقتحم واحد من هذا الطرف مكان اجتماع الطرف الآخر ليبيده! وفي اعتقادي أن نار الفتنة هذه ليست من الطرفين إنما من طرف ثالث يؤجج الفتنة في هذه الساحة، ومن هنا بدأت أقرأ كتبنا الإسلامية قراءة جديدة، شيعية كانت أم سنية لأفاجأ أن هناك 98% من نقاط الالتقاء و3 أو 4% من نقاط الاختلاف، كما رأيت أن هناك بين الأحناف والشافعية أكثر من 10% من نقاط الاختلاف، وأن بين المذهب الزيدي والشافعي 3% من نقاط الاختلاف، وهذا سببه كتاب الأم الذي ألفه الإمام الشافعي والذي قال فيه:
إن كان رفضاً حب آل محمد فلـيشهد الثقلان أني رافضي
هذا الذي دعاني لأن أدخل إلى الساحة بهدوء ودون أن أمس أي طرف من الأطراف، لأقول: لماذا هذا التقصير في ساحتنا في معرفة آل البيت؟ لماذا لا يعرف أبناؤنا من هم أهل البيت؟ أهناك خوف من أن يتشيع أبناؤنا إذا ما عرفوا آل البيت؟ هذا الذي يعاني لأن أدخل الساحة. إنني أرى أنه يحق للشيعي أن يلوم أخاه السني على تقصيره في معرفة أهل البيت عليهم السلام، ذلك لأنه إذا سأله عن ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن السني لن يعدّد له إلا الحسن والحسين عليهما السلام، ولن يعرف الباقي مع أن من واجبه معرفتهم شرعاً، لأن الله تعالى يقول على لسان نبيه صلى الله عليه وآله: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى). فكيف يودّ السني من يجهلهم؟!
لقد اكتشفت أن هناك من قصد تجهيل الناس وإبعادهم عن معرفة آل البيت عليهم السلام خوفاً من سريان التشيع، بل رأيت أن هناك من قصد تشويه صورتهم سلام الله عليهم في أذهان الناس! فقبل بضع سنوات وقعت عيناي على كتاب صدر في المدينة المنورة لعالم من علمائنا في سورية، وقد جاء فيه: (إن الحسين قتل نفسه بخروجه على الإمام)!! وقد جرى توزيع هذا الكتاب السيئ في السعودية، فاجتمعت مع مؤلفه وبادرته قائلاً: (لحساب من تسيء إلى آل البيت؟! لحساب من تسيء إلى سيدنا الحسين وهو من أُعطي حقاً عظيماً يتمثل في أن من أحبه أسكنه الله الجنة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم! يا هذا.. ما الذي تعني من قولك أنه قتل نفسه؟ هل تعني أنه انتحر مثلاً؟ وفي مقابل من؟! من هو الخليفة الذي خرج عليه؟!) فأجاب الرجل: (في مقابل يزيد)! فقلت له: (ومن قال أن يزيد خليفة)؟!
ثم بدأ النقاش مع مجموعة من الأخوة هناك، وقد وجدت جهلاً في القضية تاماً، فلذلك آليت على نفسي أن أدخل على هذا الخط بهدوء ودون تعصب لأي طرف من الأطراف، وغرضي إظهار الحقيقة حتى إذا جاء العدو ليعبث بها نكون قد هيأنا ما نتكاتف به وما نقوي به بعضنا بعضاً.
• ما الذي اكتشفتموه وأردتم قوله للناس أداء لمسؤوليتكم الشرعية أمام الله تعالى؟
- بعد عشر سنوات من البحث على مقعد الدراسة، وجدت أن هنالك خوفاً شديداً من الاعتراف بالحقيقة، وهذا الخوف سببه أن من يريد أن يتحدث عن آل البيت يخشى أن يقع في شتم الصحابة، وكان الجميع يظنون أنه لو بدأنا بالحديث عن موالاة أهل البيت ولاء ووفاء والبراءة من أعدائهم، فإن ذلك سيكون نوعاً من إعادة التفرقة بين المسلمين من خلال شتم الصحابة أو الطعن فيهم.
ومن هنا وجدت هجوماً شديداً صاعقاً عليّ بعد هذه الخطبة واعتُبرت خطيب فتنة وخطيب سوء لأني أنبش التاريخ بمعاول التفرقة بين الناس، وكأنهم سيجمعون الناس بإخفاء الحقائق التاريخية!
لذلك كان هناك إصرار على المبدأ، وإصرار على البقاء مستمراً في تسجيل الحقائق مهما كانت التضحيات، لا من أجل إيران ولا من أجل الشيعة ولا من أجل السنة، ولكن من أجل الله جل وعلا، وحتى نقف أمامه وقد أدينا الرسالة. ونحن في هذا الوقت بالذات أحوج ما نكون للموقف الحسيني، وأحوج ما نكون لمواقف أهل البيت في صد الطغيان، طغيان السياسة والاستيلاء الذي دمّر حقوق آل البيت، نحن أحوج ما نكون إلى صحوة إسلامية، تُبنى على أسس واضحة.
وفي الحقيقة فقد استطاع الأخوة في حزب الله في لبنان أن يبدأوا هذه الصحوة، وأسأل الله أن نكون جميعاً عوناً لهم في هذه الصحوة.