قطرة من فيض الغدير
27-04-2010, 08:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محممد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
هذا جزء من خطبة الزهراء ع التي طالبت فيها بفدك.
قالت: أيها الناس! اعلموا أني فاطمة، وأبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أقول عوداً وبدءاً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً.
)) لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزعليهما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين روءف رحيم )) (11).
فإن تعزوه وتعرفه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزّي إليه (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة(12) المشركين، ضارباً ثبجهم(13)، آخذاً بأكظامهم (14)، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسّر الأصنام، وينكت(15) الهام، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر، حتى تفرّى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيظ(16) النفاق، وانحلّت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص(17)، وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة(18) الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام(19)، تشربون الطرق(20 )، وتقتاتون الورق(21)، أذلّة خاسئين, (تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم) فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد اللتيا والتي، وبعد أن مُني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب ((كلما أوقددوا نارا للحرب أطفأها الله ))(22)، أو نجم قرن للشيطان، (أ) وفغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه(23) في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها(24) بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، ومجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله سيّد (اً في) أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، وتتوكّفون(25) الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال.
فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة(26) النفاق، وهدر فَنيق(27) المبطلين، فخطر(28) في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرّة فيه ملاحظين(29)، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم(30) فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم(31) غير شربكم هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل، والرسول لمّا يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ((ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين)) (32).
فهيهات منكم! وكيف بكم؟ وأنّى تؤفكون؟ وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلّفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون؟! أم بغيره تحكمون؟!((بئس للظالمين بدلا )) (33), (( ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين )) (34).
ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها، ويسلس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيّجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإهماد(35) سنن النبي الصفيّ، تسرون حسواً في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء(36)، ونصبر منكم على مثل حزّ المدى، ووخز السنان في الحشا، وأنتم تزعمون ألا إرث لنا(( أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )) (37)، أفلا تعلمون؟!
بلى، (قد) تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته.
أيها المسلمون! أأغلب على إرثيه(38)؟!.
يا بن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟!
(لقد جئت شيئاً فريّاً)(39) أي امراً عظيماً بديعاً، وقيل : أي منكراً قبيحاً، وهو مأخوذ من الافتراء بمعنى الكذب أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول:((وورث سليمان داود)) (40).
وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا ( عليهم السلام) إذ قال: ((فهب لي من لدنك وليا (5) يرثني ويرث من آل يعقوب )) (41).
وقال: وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ))(42).
وقال :(( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ))(43).
وقال : ((إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين )) (44).
وزعمتم ألا حظوة لي، ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟!.
أم هل تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان؟!.
أولستُ أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟!.
أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟!.
فدونكها مخطومة مرحولة(45) تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة ما تخسرون (46) ، ولا ينفعكم إذ تندمون ، و(( ولكل نبإ مستقر )) (47) و (( فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم )) (48 ).
ثم رمت بطرفها نحو الأنصار، فقالت:
يا معاشر الفتية(49) وأعضاد الملّة وأنصار(50) الإسلام! ما هذه الغميزة في حقّي، والسّنَةُ(51) عن ظلامتي، أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أبي يقول: (المرء يحفظ في ولده)؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة(52)، ولكم طاقة بما أحاول ، وقوّة على ما أطلب وأزاول ، أتقولون مات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟.
فخطب جليل استوسع وهنه(53) ، واستنهر(54) فتقه، وانفتق رتقه، واظلمّت الأرض لغيبته، وكسفت (الشمس والقمر، وانتثرت) النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك - والله - النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة(55) عاجلة، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه في أفنيتكم، في ممساكم ومصبحكم، هتافاً(56) وصراخاً، وتلاوة وألحاناً، ولقبله ما حلّ بأنبياء الله ورسله، حكم فصل وقضاء حتم: ((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ))(57).
إيهاً بني قَيلَة(58)! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومنتدىً ومجمع؟ تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة وأنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجنة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنجبة(59) التي انتجبت، والخيرة التي اختيرت، قاتلتم العرب، وتحمّلتم الكدّ والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودرّ حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنّى حرتم(60) بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان.
(( ألا تقتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدءكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ))(61)، ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة، ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم(62) ((وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد))(63).
ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القنا(64)، وبثّة الصدر، وتقدمة الحجة.
فدونكما فاحتقبوها(65) دبرة(66) الظهر، نقبة(67) الخفّ، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد، موصولة نار الله الموقدة (6) التي تطلع على الأفئدة)) (68) فبعين الله ما تفعلون ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون ))(69).
وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد: ((اعلموا على مكانتكم إنا عاملون (121) وانتضرواإنا منتظرون ))(70)".
فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان، فقال:
يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ! لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وعقاباً عظيماً، فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخاً لبعلك دون الأخلاّء، آثره على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبكم إلا كل سعيد، ولا يبغضكم إلا كل شقي، فأنتم عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) الطيبون، والخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا.
وأنت يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، ووالله ما عدوت رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا عملت إلا بإذنه، وإن الرائد لا يكذّب أهله، وإني أشهد الله وكفى به شهيداً ني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول:
(نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة، ولا داراً ولا عقاراً، وإنما نورث الكتب، والحكمة والعلم والنبوّة، وما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه).
وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل به المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة، ثم الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم أتفرّد به وحدي ولم أستبدّ بما كان الرأي فيه عندي، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا نزوي عنك، ولا ندّخر دونك، وأنت سيّدة أمّة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لا يدفع مالك من فضلك، ولا يوضع من فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك (صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟!.
فقالت (عليها السلام ) : "سبحان الله! ما كان (أبي) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) عن كتاب الله صارفاً(71)، ولا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتّبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً، يقول: ((يرثني ويرث من آل يعقوب )) (72) ((وورث سليمان داود)) (73). فبين عز وجل فيما وزع عليه من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين، كلاّ! ((بل سولت لكم انفسكم أمرا فصبرا جميل والله المستعان على ما تصفون ))(74)".
فقال أبو بكر: صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته، أنت معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلّدوني ما تقلّدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر ولا مستبدّ ولا مستأثر، وهم بذلك شهود.
فالتفتت فاطمة (عليها السلام ) إلى الناس وقالت:
((معاشر الناس(75) المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )) (76)، كلا بل ران على قلوبكم، ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشرّ ما منه اعتضتم(77)، لتجدنّ والله محمله ثقيلاً، وغبّه(78) وبيلاً، إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه الضراء، (وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون)(79)((وخسر هنالك المبطلون )) (80).
ثم عطفت على قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) وقالت:
قـــــــد كــان بـعـدك أنباء iiوهنبثةٌ
لـو كـنـت شـاهـدهـا لم تكثر(81)الخطب
إنـا فـقـدنـاك فــقـد الأرض iiوابـلـهـا
واخـتـلّ قـومك فاشهدهم وقد iiنــــكبوا
وكــــــلّ أهـــل لــه قـربى ومنزلة
عــنـــد الإلـــــه على الأدنين مقترب
أبــدت رجـال لـنـا نـجـوى صـدورهـم
لـمـا مضـيـت وحـــــالت دونك الترب
تجـهّمــتـــنا رجــــال واستخفّ iiبنا
لـمـا فقدت وكل الأرض مــغــتــصـب
وكـنــــت بـــدراً ونـوراً يـستضاء iiبه
عــلــيـك تـنـزل من ذي العـزّة iiالكتب
وكـــأن جــبـريـل بــالآيـات يؤنسنا
فـقـــد فـقــدت فـكـل الخير محتـجب
فــلـيـت قـبـلـك كـان الـموت صادفنا
لـمـا مـضـــــيـت وحلت دونك الكثب
(إنــــا رزيـنـا بـمـا لـم يـرز ذو شجن
مـــن الـبــريـة لا عجـــم ولا iiعرب)
ثم انكفأت (عليها السلام ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام) يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرّ بها الدار، قالت لأمير المؤمنين ( عليه السلام) :
يا بن أبي طالب ( عليه السلام) ! اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحيلة أبي وبلغة ابنيّ، لقد أجهر(82) في خصامي، وألفيته ألدّ في كلامي، حتى حبستني قيلة نصرها، والمهاجرة وصلها، وغضّت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع خرجت كاظمة، وعدتُ راغمة، أضرعت خدّك يوم أضعت حدّك، افترست الذئاب وافترشت التراب، ماكففت قائلاً، ولا أغنيت طائلاً(83)، ولا خيار لي.
ليتني متُّ قبل هنيئتي، ودون ذلّتي، عذيري الله منه(84) عادياً، ومنك حامياً، ويلاي! في كلّ شارق، (ويلاي في كلّ غارب) مات العمد، ووهت العضد، شكواي إلى أبي، وعدواي إلى ربي، اللهم أنت أشد(85) قوة وحولاً، وأحدُّ(86) بأساً وتنكيلاً.
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام) : لا ويل عليك(87)، الويل لشانئك، نهنهي عن وجدك يا بنة الصفوة، وبقيّة النبوة، فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري، فأن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما اُعدّ لك أفضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله.
فقالت: حسبي الله، وأمسكت(88).
- ولأهمية وحيوية هذا الموضوع - أعني ظلامة الزهراء (عليها السلام ) في فدك - فقد تناوله العلماء الأعلام والفضلاء الكرام - قديماً وحديثاً - بالدرس والتحليل، وأفردوا له كتباً عديدة ورسائل جمّة، نذكر منهم:
1- كتاب فدك لأبي إسحاق إبراهيم الثقفي المتوفى 283هـ.
2- فدك أو رسالة في قصة فدك لجعفر بن بكير بن جعفر الخياط.
3- كتاب فدك والكلام فيه للشيخ المتكلّم (طاهر) غلام أبي الجيش، الذي عدّه ابن النديم من متكلمي الشيعة.
4- كتاب فدك لعبد الرحمن بن كثير الهاشمي.
5- كتاب فدك لأبي طالب عبيد الله بن أبي زيد أحمد بن يعقوب ابن نصر الأنباري المتوفى سنة 356هـ.
6- رسالة فدك للسيد علي بن دلدار علي الرضوي النصير آبادي المتوفى سنة 1259هـ.
7- كتاب فدك لأبي الجيش مظفر بن محمد بن أحمد البلخي الخراساني المتكلّم المشهور المتوفى سنة 367هـ.
8- كتاب فدك لأبي الحسين يحيى بن زكريا النرماشيري.
9- فدك في التاريخ للسيد الشهيد محمد باقر الصدر.
10-كتاب فدك والخمس للسيد الشريف أبي محمد الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن عمر بن علي السجاد (عليها السلام ) .
11- كتاب كلام فاطمة (عليها السلام ) في فدك لأبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني.
12- هدي الملّة إلى أن فدك من النحلة، للسيد حسن بن الحاج آقا مير الموسوي الحائري ألّفه سنة 1352(89).
- الرد اللاذع لأبي بكر:
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد - في سياق أخبار فدك عن أحمد ابن عبد العزيز الجوهري :
قال أبو بكر: وحدّثني محمد بن زكريا، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول، قال:
فلما سمع أبو بكر خطبتها، شقّ عليه مقالتها، فصعد المنبر وقال:
أيها الناس ما هذه الروعة إلى كلّ قالة! أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ ألا من سمع فليقل، ومن شهد فليتكلّم، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه، مُربّ لكلّ فتنة، هو الذي يقول: كرّوها جذعة بعدما هرمت، يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء، كأمّ طحال أحبّ أهلها إليها البغي!! ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلتُ، ولو قلتُ لبحت، إني ساكت ما تركت.
ثم التفت إلى الأنصار، فقال: قد بلغني يا معشر النصار مقالة سفهائكم، وأحقّ من لزم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا إني لست باسطاً يداً ولا لساناً على من لم يستحقّ ذلك منا.
ثم نزل، فانصرفت فاطمة (عليها السلام ) إلى منزلها.
قلت - يعني ابن أبي الحديد -: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى بن أبي زيد البصري، وقلت له: بمن يُعرّض؟.
فقال: بل يصرّح. قلت: لو صرّح لم أسألك.
فضحك، وقال: بعلي ابن أبي طالب.
قلت: هذا الكلام كله لعلي يقوله؟!.
قال: نعم، إنه الملك يا بنيّ! قلت: فما مقالة الأنصار؟.
قال: هتفوا بذكر عليّ فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم.
فسألته عن غريبه، فقال:
أما الرعة - بالتخفيف - أي الاستماع والإصغاء.
والقالة: القول.
وثعالة: اسم ثعلب، علم غير مصروف، ومثل ذؤالة للذئب.
وشهيده ذنبه: أي لا شاهد له على ما يدّعي إلا بعضه وجزء منه وأصله مثله، وقالوا: إن الثعلب أراد أن يغري الأسد بالذئب، فقال: إنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها لنفسك، وكنت حاضراً.
قال: فمن يشهد لك بذلك؟ فرفع ذنبه وعليه دم، وكان الأسد قد افتقد الشاة، فقبل شهادته، وقتل الذئب.
ومُربّ: ملازم، أربّ (لازم) بالمكان.
وكرّوها جذعة: أعيدوها إلى الحال الأولى، يعني الفتنة والهرج.
وأم طحال: امرأة بغي في الجاهلية، ويضرب بها المثل، فيقال: أزنى من أمّ طحال(90).
- رد أم سلمة (رضي الله عنها) على خطبة أبي بكر:
1- الدر النظيم للشيخ جمال الدين الشامي، قال بعد خطبة فاطمة (عليها السلام ) في المسجد وكلام أبي بكر:
فقالت أم سلمة (رضي الله عنها) حين سمعت ما جرى لفاطمة (عليها السلام ) :
ألمِثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا القول؟!.
هي - والله - الحوراء بين الإنس، والنفس للنفس، ربّيت في حجور الأتقياء، وتناولتها أيدي الملائكة، ونمت في حجور الطاهرات، ونشأت خير نشأة، وربّيت خير مربّى.
أتزعمون أن رسول الله حرّم عليها ميراثها ولم يُعلمها، وقد قال الله تعالى)) وأنذر عشيرتك الأقربين)) (91)؟!.
أفنذرها وخالفت متطلبه، وهي خيرة النسوان، وأم سادة أشبال، وعديلة مريم، تمت بأبيها رسالات ربه.
فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر، ويوسّدها يمينه، ويلحفها بشماله، رويداً ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بمرأى منكم، وعلى الله تردون، وآهاً لكم فسوف تعلمون.
قال: فحُرمت عطاؤها تلك السنة (92)
الهامش
ـــــــــ
(1) هو عبد الله المحض بن الحسن المثنّى بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، كان شيخ بني هاشم في زمانه.
قال أبو الفجر الأصفهاني في مقاتل الطالبين: قتله - أبو جعفر المنصور -في محبسه بالهاشمية وهو ابن 75 سنة، سنة 145هـ.
(2) أي لم تنقص مشيتها من مشية رسول الله شيئاً.
(3) أي ضربوا بينها وبين القوم ستراً وحجاباً.
(4) أي تابعها.
(5) (الفكرة / الفكر) خ.
(6) (اجتباه) الاحتجاج. والجبلّ: الخلق.
(7) (حق لكم فيكم) الاحتجاج.
(8) (إسماعه) خ. على بناء الإفعال أي تلاوته.
(9) اقتباس من قوله تعالى في سورة آل عمران: 102.
(10) اقتباس من قوله تعالى في سورة فاطر: 28.
(11) اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة: 128.
(12) المدرجة: المذهب والمسلك.
(13) الثبج - بالتحريك -: وسط الشيء ومعظمه.
(14) الكظم - بالتحريك -: مخرج النفس من الحلق.
(15) نكت فلاناً: ألقاه على رأسه.
(16) الوشيظ: الرذّل والسفلة من الناس. وطاح: هلك.
(17) المراد بهم ظاهراً أهل البيت ( عليهم السلام) ويؤيّده ما في كشف الغمة في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
(18) النهزة: الفرصة.
(19) مثل مشهور في المغلوبيّة والمذلّة.
(20) الطرق - بالفتح -: مناقع الماء. وماء مطروق: خوّضت فيه الإبل وبالت وبعرت.
(21) (القد) الاحتجاج.
(22) اقتباس من قوله تعالى في سورة المائدة: 64.
(23) أي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام) ، والمراد أنه كلما عرضت داهية دهماء بعث علياً ( عليه السلام) لدفعها وإخمادها.
(24) الصماخ: ثقب الأذن، والأخمص: ما لا يصيب الأرض من باطن القدم. والعبارة كناية عن الغلبة والقهر على أبلغ وجه.
(25) التوكّف: التوقّع. والمراد أخبار المصائب والفتن.
(26) (حسيكة) خ. والحسكة والحسيكة: العداوة والحقد.
(27) الفنيق: الفحل المكرّم من الإبل الذي لا يركب و يهان لكرامته على أهله.
(28) خطر البعير بذنبه: إذا رفعه مرّة بعد مرّة وضرب به فخذه.
(29) اللحظ: النظر بمؤخّر العين، وهو إنما يكون عند تعلق القلب بشيء. وفي الاحتجاج (العزة) بدل (الغرّة).
(30) أحمشه: أغضبه وهيجه.
(31) (ووردتم) خ.
(32) إشارة إلى قوله تعالى في سورة التوبة: 49.
(33) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الكهف: 50.
(34) إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: 85.
(35) (إهمال) خ. وإهماد النار: إطفاؤها بالكلّية.
(36) الخمر - بالتحريك -: ما واراك من شجر وغيره. والضراء: الشجر الملتف في الوادي.
(37) إشارة إلى قوله تعالى في سورة المائدة: 50.
(38) (إرثي) الاحتجاج.
(39) إشارة إلى قوله تعالى في سورة مريم: 27.
(40) سورة النمل: 16.
(41) سورة مريم: 5-6.
(42) سورة الأنفال: 75.
(43) سورة النساء: 11.
(44) سورة البقرة: 180.
(45) الخطام - بالكسر -: كل ما يدخل في أنف البعير ليقاد به.
(46) (وعند الساعة يخسر المبطلون) الاحتجاج.
(47) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: 67.
(48) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الزمر: 40.
(49) (النقيبة) الاحتجاج، بمعناها.
(50) (حضنة) الاحتجاج.
(51) السنة - بالتخفيف - أوّل النوم، النوم الخفيف.
(52) مثل يضرب بكينونة الشيء قبل وقته.
(53) (وهيه) خ. وكلاهما بمعنى.
(54) أي اتّسع.
(55) البائقة: الداهية.
(56) (يهتف في أفنيتكم هتافاً) الاحتجاج.
(57) سورة آل عمران:144.
(58) وهم قبيلتا الأنصار: الأوس والخزرج.
(59) (النخبة) الاحتجاج، وكذا بعدها.
(60) (حزتم) الاحتجاج. (جرتم) خ.
(61) إشارة إلى قوله تعالى في سورة التوبة: 13.
(62) تسوّغ الشراب: شربه بسهولة، والدسع: القيء.
(63) إشارة إلى قوله تعالى في سورة إبراهيم: 8.
(64) الخور: الضعف، والقنا: الرمح. والمراد هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة.
(65) أي احملوها على ظهوركم.
(66) الدبر - بالتحريك -: الجرح في ظهر البعير.
(67) نقب خف البعير: رقّ وتثقّب.
(68) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الهمزة: 6 و7.
(69) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الشعراء: 227.
(70) إشارة إلى قوله تعالى في سورة هود:121 و122.
(71) أي معرضاً.
(72) سورة مريم: 6.
(73) سورة النمل: 16.
(74) إشارة إلى قوله تعالى في سورة يوسف: 18.
(75) (المسلمين) الاحتجاج.
(76) إشارة إلى قوله تعالى في سورة محمد : 24.
(77) أي ساء ما أخذتم منه عوضاً عما تركتم.
(78) أي عاقبته.
(79) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الزمر: 47.
(80) إشارة إلى قوله تعالى في سورة غافر: 78.
(81) (تكبر) خ.
(82) (أجهد) الاحتجاج.
(83) (باطلاً) خ.
(84) (منك) البحار.
(85) (اللهم إنك أشد منهم) الاحتجاج.
(86) (وأشدّ) الاحتجاج.
(87) (لك) الاحتجاج.
(88) الاحتجاج: 1/131 - 145 (ط. النجف)، عنه البحار: 29/220 ح8. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطبة الغراء مروية بألفاظ مختلفة وأسانيد عدة - كما تقدم - وقد اقتصرنا على رواية الطبرسي لشموليتها روماً للاختصار، ودفعاً للتكرار. وقد ذكرنا شيخنا الأميني في موسوعة الغدير: 7/192 جملة من مصادر الخطبة، فراجع.
(89) راجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج16/129، وج18/109، وج25/203.
(90) شرح النهج: 16/214-215.
(91) سورة الشعراء: 214.
(92) فاطمة من المهد إلى اللحد: ص504-506.
هكذا يفعل الاستبداد إلى أن يمثّل أمير المؤمنين (ع) - الذي قال فيه رسول الله (ص)(( للهم أدر الحق معه حيث دار)) (عن شرح ابن أبي الحديد: 10/207)، وغيره من النصوص المتواترة القطعية - بما ذكره من تعابير تكشف عن حقيقته، وكذلك تمثيله بضعة المصطفى(ص) وروحه التي يبن جنبيه، وثمرة فؤاده، وفلذة كبده بما صوّره من ذنب الثعلب!! فإلى الله المشتكى.
وبعد ذلك كله فهل يمنعه مانع أو يردعهم شيء عن ارتكاب الجرائم البشعة بحق فاطمة الزهراء (ع) من إحراق باب دارها، وكسر ضلعها، وإسقاط جنينها وما إلى ذلك؟.
اللهم صل على محممد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
هذا جزء من خطبة الزهراء ع التي طالبت فيها بفدك.
قالت: أيها الناس! اعلموا أني فاطمة، وأبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أقول عوداً وبدءاً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً.
)) لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزعليهما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين روءف رحيم )) (11).
فإن تعزوه وتعرفه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزّي إليه (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة(12) المشركين، ضارباً ثبجهم(13)، آخذاً بأكظامهم (14)، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسّر الأصنام، وينكت(15) الهام، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر، حتى تفرّى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيظ(16) النفاق، وانحلّت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص(17)، وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة(18) الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام(19)، تشربون الطرق(20 )، وتقتاتون الورق(21)، أذلّة خاسئين, (تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم) فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد اللتيا والتي، وبعد أن مُني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب ((كلما أوقددوا نارا للحرب أطفأها الله ))(22)، أو نجم قرن للشيطان، (أ) وفغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه(23) في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها(24) بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، ومجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله سيّد (اً في) أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، وتتوكّفون(25) الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال.
فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة(26) النفاق، وهدر فَنيق(27) المبطلين، فخطر(28) في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرّة فيه ملاحظين(29)، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم(30) فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم(31) غير شربكم هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل، والرسول لمّا يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ((ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين)) (32).
فهيهات منكم! وكيف بكم؟ وأنّى تؤفكون؟ وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلّفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون؟! أم بغيره تحكمون؟!((بئس للظالمين بدلا )) (33), (( ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين )) (34).
ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها، ويسلس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيّجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإهماد(35) سنن النبي الصفيّ، تسرون حسواً في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء(36)، ونصبر منكم على مثل حزّ المدى، ووخز السنان في الحشا، وأنتم تزعمون ألا إرث لنا(( أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )) (37)، أفلا تعلمون؟!
بلى، (قد) تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته.
أيها المسلمون! أأغلب على إرثيه(38)؟!.
يا بن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟!
(لقد جئت شيئاً فريّاً)(39) أي امراً عظيماً بديعاً، وقيل : أي منكراً قبيحاً، وهو مأخوذ من الافتراء بمعنى الكذب أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول:((وورث سليمان داود)) (40).
وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا ( عليهم السلام) إذ قال: ((فهب لي من لدنك وليا (5) يرثني ويرث من آل يعقوب )) (41).
وقال: وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ))(42).
وقال :(( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ))(43).
وقال : ((إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين )) (44).
وزعمتم ألا حظوة لي، ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟!.
أم هل تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان؟!.
أولستُ أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟!.
أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟!.
فدونكها مخطومة مرحولة(45) تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة ما تخسرون (46) ، ولا ينفعكم إذ تندمون ، و(( ولكل نبإ مستقر )) (47) و (( فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم )) (48 ).
ثم رمت بطرفها نحو الأنصار، فقالت:
يا معاشر الفتية(49) وأعضاد الملّة وأنصار(50) الإسلام! ما هذه الغميزة في حقّي، والسّنَةُ(51) عن ظلامتي، أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أبي يقول: (المرء يحفظ في ولده)؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة(52)، ولكم طاقة بما أحاول ، وقوّة على ما أطلب وأزاول ، أتقولون مات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟.
فخطب جليل استوسع وهنه(53) ، واستنهر(54) فتقه، وانفتق رتقه، واظلمّت الأرض لغيبته، وكسفت (الشمس والقمر، وانتثرت) النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك - والله - النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة(55) عاجلة، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه في أفنيتكم، في ممساكم ومصبحكم، هتافاً(56) وصراخاً، وتلاوة وألحاناً، ولقبله ما حلّ بأنبياء الله ورسله، حكم فصل وقضاء حتم: ((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ))(57).
إيهاً بني قَيلَة(58)! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومنتدىً ومجمع؟ تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة وأنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجنة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنجبة(59) التي انتجبت، والخيرة التي اختيرت، قاتلتم العرب، وتحمّلتم الكدّ والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودرّ حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنّى حرتم(60) بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان.
(( ألا تقتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدءكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ))(61)، ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة، ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم(62) ((وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد))(63).
ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القنا(64)، وبثّة الصدر، وتقدمة الحجة.
فدونكما فاحتقبوها(65) دبرة(66) الظهر، نقبة(67) الخفّ، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد، موصولة نار الله الموقدة (6) التي تطلع على الأفئدة)) (68) فبعين الله ما تفعلون ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون ))(69).
وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد: ((اعلموا على مكانتكم إنا عاملون (121) وانتضرواإنا منتظرون ))(70)".
فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان، فقال:
يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ! لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وعقاباً عظيماً، فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخاً لبعلك دون الأخلاّء، آثره على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبكم إلا كل سعيد، ولا يبغضكم إلا كل شقي، فأنتم عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) الطيبون، والخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا.
وأنت يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، ووالله ما عدوت رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا عملت إلا بإذنه، وإن الرائد لا يكذّب أهله، وإني أشهد الله وكفى به شهيداً ني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول:
(نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة، ولا داراً ولا عقاراً، وإنما نورث الكتب، والحكمة والعلم والنبوّة، وما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه).
وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل به المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة، ثم الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم أتفرّد به وحدي ولم أستبدّ بما كان الرأي فيه عندي، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا نزوي عنك، ولا ندّخر دونك، وأنت سيّدة أمّة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لا يدفع مالك من فضلك، ولا يوضع من فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك (صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟!.
فقالت (عليها السلام ) : "سبحان الله! ما كان (أبي) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) عن كتاب الله صارفاً(71)، ولا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتّبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً، يقول: ((يرثني ويرث من آل يعقوب )) (72) ((وورث سليمان داود)) (73). فبين عز وجل فيما وزع عليه من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين، كلاّ! ((بل سولت لكم انفسكم أمرا فصبرا جميل والله المستعان على ما تصفون ))(74)".
فقال أبو بكر: صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته، أنت معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلّدوني ما تقلّدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر ولا مستبدّ ولا مستأثر، وهم بذلك شهود.
فالتفتت فاطمة (عليها السلام ) إلى الناس وقالت:
((معاشر الناس(75) المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )) (76)، كلا بل ران على قلوبكم، ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشرّ ما منه اعتضتم(77)، لتجدنّ والله محمله ثقيلاً، وغبّه(78) وبيلاً، إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه الضراء، (وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون)(79)((وخسر هنالك المبطلون )) (80).
ثم عطفت على قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) وقالت:
قـــــــد كــان بـعـدك أنباء iiوهنبثةٌ
لـو كـنـت شـاهـدهـا لم تكثر(81)الخطب
إنـا فـقـدنـاك فــقـد الأرض iiوابـلـهـا
واخـتـلّ قـومك فاشهدهم وقد iiنــــكبوا
وكــــــلّ أهـــل لــه قـربى ومنزلة
عــنـــد الإلـــــه على الأدنين مقترب
أبــدت رجـال لـنـا نـجـوى صـدورهـم
لـمـا مضـيـت وحـــــالت دونك الترب
تجـهّمــتـــنا رجــــال واستخفّ iiبنا
لـمـا فقدت وكل الأرض مــغــتــصـب
وكـنــــت بـــدراً ونـوراً يـستضاء iiبه
عــلــيـك تـنـزل من ذي العـزّة iiالكتب
وكـــأن جــبـريـل بــالآيـات يؤنسنا
فـقـــد فـقــدت فـكـل الخير محتـجب
فــلـيـت قـبـلـك كـان الـموت صادفنا
لـمـا مـضـــــيـت وحلت دونك الكثب
(إنــــا رزيـنـا بـمـا لـم يـرز ذو شجن
مـــن الـبــريـة لا عجـــم ولا iiعرب)
ثم انكفأت (عليها السلام ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام) يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرّ بها الدار، قالت لأمير المؤمنين ( عليه السلام) :
يا بن أبي طالب ( عليه السلام) ! اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحيلة أبي وبلغة ابنيّ، لقد أجهر(82) في خصامي، وألفيته ألدّ في كلامي، حتى حبستني قيلة نصرها، والمهاجرة وصلها، وغضّت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع خرجت كاظمة، وعدتُ راغمة، أضرعت خدّك يوم أضعت حدّك، افترست الذئاب وافترشت التراب، ماكففت قائلاً، ولا أغنيت طائلاً(83)، ولا خيار لي.
ليتني متُّ قبل هنيئتي، ودون ذلّتي، عذيري الله منه(84) عادياً، ومنك حامياً، ويلاي! في كلّ شارق، (ويلاي في كلّ غارب) مات العمد، ووهت العضد، شكواي إلى أبي، وعدواي إلى ربي، اللهم أنت أشد(85) قوة وحولاً، وأحدُّ(86) بأساً وتنكيلاً.
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام) : لا ويل عليك(87)، الويل لشانئك، نهنهي عن وجدك يا بنة الصفوة، وبقيّة النبوة، فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري، فأن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما اُعدّ لك أفضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله.
فقالت: حسبي الله، وأمسكت(88).
- ولأهمية وحيوية هذا الموضوع - أعني ظلامة الزهراء (عليها السلام ) في فدك - فقد تناوله العلماء الأعلام والفضلاء الكرام - قديماً وحديثاً - بالدرس والتحليل، وأفردوا له كتباً عديدة ورسائل جمّة، نذكر منهم:
1- كتاب فدك لأبي إسحاق إبراهيم الثقفي المتوفى 283هـ.
2- فدك أو رسالة في قصة فدك لجعفر بن بكير بن جعفر الخياط.
3- كتاب فدك والكلام فيه للشيخ المتكلّم (طاهر) غلام أبي الجيش، الذي عدّه ابن النديم من متكلمي الشيعة.
4- كتاب فدك لعبد الرحمن بن كثير الهاشمي.
5- كتاب فدك لأبي طالب عبيد الله بن أبي زيد أحمد بن يعقوب ابن نصر الأنباري المتوفى سنة 356هـ.
6- رسالة فدك للسيد علي بن دلدار علي الرضوي النصير آبادي المتوفى سنة 1259هـ.
7- كتاب فدك لأبي الجيش مظفر بن محمد بن أحمد البلخي الخراساني المتكلّم المشهور المتوفى سنة 367هـ.
8- كتاب فدك لأبي الحسين يحيى بن زكريا النرماشيري.
9- فدك في التاريخ للسيد الشهيد محمد باقر الصدر.
10-كتاب فدك والخمس للسيد الشريف أبي محمد الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن عمر بن علي السجاد (عليها السلام ) .
11- كتاب كلام فاطمة (عليها السلام ) في فدك لأبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني.
12- هدي الملّة إلى أن فدك من النحلة، للسيد حسن بن الحاج آقا مير الموسوي الحائري ألّفه سنة 1352(89).
- الرد اللاذع لأبي بكر:
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد - في سياق أخبار فدك عن أحمد ابن عبد العزيز الجوهري :
قال أبو بكر: وحدّثني محمد بن زكريا، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول، قال:
فلما سمع أبو بكر خطبتها، شقّ عليه مقالتها، فصعد المنبر وقال:
أيها الناس ما هذه الروعة إلى كلّ قالة! أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ ألا من سمع فليقل، ومن شهد فليتكلّم، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه، مُربّ لكلّ فتنة، هو الذي يقول: كرّوها جذعة بعدما هرمت، يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء، كأمّ طحال أحبّ أهلها إليها البغي!! ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلتُ، ولو قلتُ لبحت، إني ساكت ما تركت.
ثم التفت إلى الأنصار، فقال: قد بلغني يا معشر النصار مقالة سفهائكم، وأحقّ من لزم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا إني لست باسطاً يداً ولا لساناً على من لم يستحقّ ذلك منا.
ثم نزل، فانصرفت فاطمة (عليها السلام ) إلى منزلها.
قلت - يعني ابن أبي الحديد -: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى بن أبي زيد البصري، وقلت له: بمن يُعرّض؟.
فقال: بل يصرّح. قلت: لو صرّح لم أسألك.
فضحك، وقال: بعلي ابن أبي طالب.
قلت: هذا الكلام كله لعلي يقوله؟!.
قال: نعم، إنه الملك يا بنيّ! قلت: فما مقالة الأنصار؟.
قال: هتفوا بذكر عليّ فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم.
فسألته عن غريبه، فقال:
أما الرعة - بالتخفيف - أي الاستماع والإصغاء.
والقالة: القول.
وثعالة: اسم ثعلب، علم غير مصروف، ومثل ذؤالة للذئب.
وشهيده ذنبه: أي لا شاهد له على ما يدّعي إلا بعضه وجزء منه وأصله مثله، وقالوا: إن الثعلب أراد أن يغري الأسد بالذئب، فقال: إنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها لنفسك، وكنت حاضراً.
قال: فمن يشهد لك بذلك؟ فرفع ذنبه وعليه دم، وكان الأسد قد افتقد الشاة، فقبل شهادته، وقتل الذئب.
ومُربّ: ملازم، أربّ (لازم) بالمكان.
وكرّوها جذعة: أعيدوها إلى الحال الأولى، يعني الفتنة والهرج.
وأم طحال: امرأة بغي في الجاهلية، ويضرب بها المثل، فيقال: أزنى من أمّ طحال(90).
- رد أم سلمة (رضي الله عنها) على خطبة أبي بكر:
1- الدر النظيم للشيخ جمال الدين الشامي، قال بعد خطبة فاطمة (عليها السلام ) في المسجد وكلام أبي بكر:
فقالت أم سلمة (رضي الله عنها) حين سمعت ما جرى لفاطمة (عليها السلام ) :
ألمِثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا القول؟!.
هي - والله - الحوراء بين الإنس، والنفس للنفس، ربّيت في حجور الأتقياء، وتناولتها أيدي الملائكة، ونمت في حجور الطاهرات، ونشأت خير نشأة، وربّيت خير مربّى.
أتزعمون أن رسول الله حرّم عليها ميراثها ولم يُعلمها، وقد قال الله تعالى)) وأنذر عشيرتك الأقربين)) (91)؟!.
أفنذرها وخالفت متطلبه، وهي خيرة النسوان، وأم سادة أشبال، وعديلة مريم، تمت بأبيها رسالات ربه.
فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر، ويوسّدها يمينه، ويلحفها بشماله، رويداً ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بمرأى منكم، وعلى الله تردون، وآهاً لكم فسوف تعلمون.
قال: فحُرمت عطاؤها تلك السنة (92)
الهامش
ـــــــــ
(1) هو عبد الله المحض بن الحسن المثنّى بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، كان شيخ بني هاشم في زمانه.
قال أبو الفجر الأصفهاني في مقاتل الطالبين: قتله - أبو جعفر المنصور -في محبسه بالهاشمية وهو ابن 75 سنة، سنة 145هـ.
(2) أي لم تنقص مشيتها من مشية رسول الله شيئاً.
(3) أي ضربوا بينها وبين القوم ستراً وحجاباً.
(4) أي تابعها.
(5) (الفكرة / الفكر) خ.
(6) (اجتباه) الاحتجاج. والجبلّ: الخلق.
(7) (حق لكم فيكم) الاحتجاج.
(8) (إسماعه) خ. على بناء الإفعال أي تلاوته.
(9) اقتباس من قوله تعالى في سورة آل عمران: 102.
(10) اقتباس من قوله تعالى في سورة فاطر: 28.
(11) اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة: 128.
(12) المدرجة: المذهب والمسلك.
(13) الثبج - بالتحريك -: وسط الشيء ومعظمه.
(14) الكظم - بالتحريك -: مخرج النفس من الحلق.
(15) نكت فلاناً: ألقاه على رأسه.
(16) الوشيظ: الرذّل والسفلة من الناس. وطاح: هلك.
(17) المراد بهم ظاهراً أهل البيت ( عليهم السلام) ويؤيّده ما في كشف الغمة في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
(18) النهزة: الفرصة.
(19) مثل مشهور في المغلوبيّة والمذلّة.
(20) الطرق - بالفتح -: مناقع الماء. وماء مطروق: خوّضت فيه الإبل وبالت وبعرت.
(21) (القد) الاحتجاج.
(22) اقتباس من قوله تعالى في سورة المائدة: 64.
(23) أي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام) ، والمراد أنه كلما عرضت داهية دهماء بعث علياً ( عليه السلام) لدفعها وإخمادها.
(24) الصماخ: ثقب الأذن، والأخمص: ما لا يصيب الأرض من باطن القدم. والعبارة كناية عن الغلبة والقهر على أبلغ وجه.
(25) التوكّف: التوقّع. والمراد أخبار المصائب والفتن.
(26) (حسيكة) خ. والحسكة والحسيكة: العداوة والحقد.
(27) الفنيق: الفحل المكرّم من الإبل الذي لا يركب و يهان لكرامته على أهله.
(28) خطر البعير بذنبه: إذا رفعه مرّة بعد مرّة وضرب به فخذه.
(29) اللحظ: النظر بمؤخّر العين، وهو إنما يكون عند تعلق القلب بشيء. وفي الاحتجاج (العزة) بدل (الغرّة).
(30) أحمشه: أغضبه وهيجه.
(31) (ووردتم) خ.
(32) إشارة إلى قوله تعالى في سورة التوبة: 49.
(33) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الكهف: 50.
(34) إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: 85.
(35) (إهمال) خ. وإهماد النار: إطفاؤها بالكلّية.
(36) الخمر - بالتحريك -: ما واراك من شجر وغيره. والضراء: الشجر الملتف في الوادي.
(37) إشارة إلى قوله تعالى في سورة المائدة: 50.
(38) (إرثي) الاحتجاج.
(39) إشارة إلى قوله تعالى في سورة مريم: 27.
(40) سورة النمل: 16.
(41) سورة مريم: 5-6.
(42) سورة الأنفال: 75.
(43) سورة النساء: 11.
(44) سورة البقرة: 180.
(45) الخطام - بالكسر -: كل ما يدخل في أنف البعير ليقاد به.
(46) (وعند الساعة يخسر المبطلون) الاحتجاج.
(47) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: 67.
(48) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الزمر: 40.
(49) (النقيبة) الاحتجاج، بمعناها.
(50) (حضنة) الاحتجاج.
(51) السنة - بالتخفيف - أوّل النوم، النوم الخفيف.
(52) مثل يضرب بكينونة الشيء قبل وقته.
(53) (وهيه) خ. وكلاهما بمعنى.
(54) أي اتّسع.
(55) البائقة: الداهية.
(56) (يهتف في أفنيتكم هتافاً) الاحتجاج.
(57) سورة آل عمران:144.
(58) وهم قبيلتا الأنصار: الأوس والخزرج.
(59) (النخبة) الاحتجاج، وكذا بعدها.
(60) (حزتم) الاحتجاج. (جرتم) خ.
(61) إشارة إلى قوله تعالى في سورة التوبة: 13.
(62) تسوّغ الشراب: شربه بسهولة، والدسع: القيء.
(63) إشارة إلى قوله تعالى في سورة إبراهيم: 8.
(64) الخور: الضعف، والقنا: الرمح. والمراد هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة.
(65) أي احملوها على ظهوركم.
(66) الدبر - بالتحريك -: الجرح في ظهر البعير.
(67) نقب خف البعير: رقّ وتثقّب.
(68) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الهمزة: 6 و7.
(69) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الشعراء: 227.
(70) إشارة إلى قوله تعالى في سورة هود:121 و122.
(71) أي معرضاً.
(72) سورة مريم: 6.
(73) سورة النمل: 16.
(74) إشارة إلى قوله تعالى في سورة يوسف: 18.
(75) (المسلمين) الاحتجاج.
(76) إشارة إلى قوله تعالى في سورة محمد : 24.
(77) أي ساء ما أخذتم منه عوضاً عما تركتم.
(78) أي عاقبته.
(79) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الزمر: 47.
(80) إشارة إلى قوله تعالى في سورة غافر: 78.
(81) (تكبر) خ.
(82) (أجهد) الاحتجاج.
(83) (باطلاً) خ.
(84) (منك) البحار.
(85) (اللهم إنك أشد منهم) الاحتجاج.
(86) (وأشدّ) الاحتجاج.
(87) (لك) الاحتجاج.
(88) الاحتجاج: 1/131 - 145 (ط. النجف)، عنه البحار: 29/220 ح8. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطبة الغراء مروية بألفاظ مختلفة وأسانيد عدة - كما تقدم - وقد اقتصرنا على رواية الطبرسي لشموليتها روماً للاختصار، ودفعاً للتكرار. وقد ذكرنا شيخنا الأميني في موسوعة الغدير: 7/192 جملة من مصادر الخطبة، فراجع.
(89) راجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج16/129، وج18/109، وج25/203.
(90) شرح النهج: 16/214-215.
(91) سورة الشعراء: 214.
(92) فاطمة من المهد إلى اللحد: ص504-506.
هكذا يفعل الاستبداد إلى أن يمثّل أمير المؤمنين (ع) - الذي قال فيه رسول الله (ص)(( للهم أدر الحق معه حيث دار)) (عن شرح ابن أبي الحديد: 10/207)، وغيره من النصوص المتواترة القطعية - بما ذكره من تعابير تكشف عن حقيقته، وكذلك تمثيله بضعة المصطفى(ص) وروحه التي يبن جنبيه، وثمرة فؤاده، وفلذة كبده بما صوّره من ذنب الثعلب!! فإلى الله المشتكى.
وبعد ذلك كله فهل يمنعه مانع أو يردعهم شيء عن ارتكاب الجرائم البشعة بحق فاطمة الزهراء (ع) من إحراق باب دارها، وكسر ضلعها، وإسقاط جنينها وما إلى ذلك؟.