شرف العراقي
28-04-2010, 08:17 PM
السيد كدر "قدر" السيد سلمان الياسري
الثائر الوطني الذي ظلمته الذاكرة
أعده قسم الوثائق في
مؤسسة الياسري الخيرية
· شارك ببسالة في ثورة العشرين ومقاومة المحتل البريطاني عام 1914 و1915 و1918 في لواء المنتفك .
· أحد قادة ثورة سوق الشيوخ عام 1935 .
· حكم عليه بالإعدام بعد ثورة 35 وخفف الى الأشغال الشاقة بكرامة شهيرة
عام 1876م ولد السيد كدر السيد سلمان الياسري في ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر وقد أسماه والده (كدر) وهي اللفظة العامية ل(قدر) تيمنا بهذه الليلة المباركة .
وذلك أبان حكم الوالي العثماني مدحت باشا .. ولد في لواء المنتفك ومركزه سوق الشيوخ غابة النخيل وسليلة المجد التي ورثت حضارة سومر بالصميم .. مرتع الأدب والأشعار حارسة الصحراء والقوافل والحداء .. حاضرة المضايف والدواوين .. قامت على أيشان سومرية .. مر بها العثمانيون الأتراك ولم تبتسم لهم ودخلها الإنجليز وإنحسروا بعد أن حاربتهم .
شهدت تسميتها بسوق الشيوخ عام 1761 بعد أن إتخذها الشيوخ مركزا لمشيختهم .. ثم في عام 1870م إعتبرت قضاءا وعين حسين باشا قائمقاما فيها .
هناك وفي إحدى القرى الجميلة التي يقطنها السادة آل ياسر الكبير وتشتهر نخوتهم "أخوة سمية" .. ولد السيد كدر السيد سلمان السيد موسى السيد مذخور بن ناصر بن شلال بن محمود بن محمد بن شوكة بن علي بن خفان بن ياسر الأول الكبير الجد الأكبر للسادة آل ياسر في عموم العراق .. وجائت نخوتهم بأخوة سمية من حادثة طريفة تعبر عن القيم العربية الهاشمية السامية والغيرة الأصيلة التي يتحلى بها السادة حيث إنتصروا لإمرأة مظلومة مضطهدة فأصبحت معززة مكرمة في فومها وهذه النخوة يختص بها أول السيد ناصر بن شلال السبعة والسيد ناصر هو أخ السيد ياسر الثاني جد السادة آل علي ومن السيد نور والسيد علوان في المشخاب .
نشأ السيد كدر السيد سلمان الياسري في ناحية العكيكة الدرة العالقة في جيد ذي قار وهي أكبر نواخي سوق الشيوخ وقد وصفها أحد أبائها الأدباء بقوله " جزيرة ساحرة غافية على ضفة الفرات تستظل ببساتين النخيل الكثيفة المحيطة بها من كل الجهات وتمثل أشهر أنواع التمور وأطيبها مذاقا .. حيث نخيل شطئ نهر السفحة المتفرع من الفرات جنوب العكيكة ويمثل مركز الناحية نقطة تفرع لنهر الفرات الى فرعين ينتهيان بعد مسافة قصيرة في هور الحمار بعد أن يمر أحدهما بسوق الشيوخ ليجعل ثلثيه على الجانب الأيمن منه .. ومع نهر غليوين الذي يسبق هذا التفرع لينشق عن نهر الفرات قريب دخوله الى الناحية تلتقي هذه الفروع لتقول أن الفرات واحد بكل مافيه من تجزئة جغرافية وهذه الأفرع الثلاثة تلتقي جميعها جنوب شرقي سوق الشيوخ مشكلة نهرا واحدا يعتبر المصب الرئيسي لهور الحمار والذي بدوره يمتد الى أن يصل الى القرنة ليلتأم شمل الفرات مع دجلة في شط العرب .
وإسم العكيكة جاء كونها مركزا تجاريا نهريا بين الأرياف التابعة لها وفيها سوق تباع فيه البضائع الغذائية المحلية وغيرها وأشهرها " العكة " وهي وعاء يوضع فيه الزيت الحيواني " الدهن الحر " وهناك روايات أخرى في سبب التسمية .
في هذه الطبيعة الجذابة التي تعكس نعم الخالق التي لا تعد ولا تحصى نشأ الثائر الوطني الراحل في أرض طيبة ومجتمع متآخي يضج بالكرم والشجاعة والمضائف العربية المشرعة أبوابها للرائح والغادي .. الحافلة برجالاتها وفحولها وهي مضائف لا تخلو من العلم والأدب والمناظرات والمباريات الشعرية وإحياء الشعائر الدينية وحل النزاعات العشائرية وقد أنجبت العديد من علماء وأدباء ورجال العراق .
وهو من البيت الهاشمي العلوي الذي يتمتع بمكانه خاصة بين العشائر هناك ويكون مسؤولا بدرجة كبيرة عن حل النزاعات العشائرية فتتعقد الأمور وتذكى النزاعات فيأتي السيد ليكون مصلحا بين الأطراف والأكثر من ذلك يدخل السيد في وسط المعارك الضارية التي تدور بين عشيرة وأخرى ليفرض عليهم الهدنة (العطوة) فتتوقف المعركة التي عجزت عن إيقاف بعضها الحكومات المتعاقبة .
وكان الآباء آنذاك يهتمون بتعليم أبنائهم ركوب الخيل والسباحة والرماية والصيد للدفاع عن أرضه وعرضه وكرامته ويربوهم على الكرم وإقراءالضيف وإعزازه والإنتصار للمظلوم .. فتتشكل شخصية كريمة شجاعة متدينة مسؤولة .
وكان السيد كدر السيد سلمان الياسري بحق مضربا للمثل في الشجاعة والكرم فهو وجه قومه وكبيرهم بعد والده .. وكان بارعا في السلاح والقتال مقداما في النزال لا يخشى الرجال وإن كثروا .
وقد برز كمقاتل باسل مقاوم في المعارك الضارية التي شهدتها العكيكة في سوق الشيوخ بين العشائر وقوات الإحتلال البريطاني عام 1915 فكانت العكيكة القلعة التي دمرت عندها أكبر المراكب العسكرية البريطانية والتي غرق الكثير منها قبالة الثكنة في معركة السفحة حيث توجد سدة يبلغ سمكها 30 قدما كانت قد بنتها العشائر وقامت هندسة القوات البريطانية بنسفها .. وكان السيد كدر وعشيرتة كبقية العشائر قد بدأؤوا منذ عام 1914 بتزييت بنادقم كما يشير عبد الرزاق الحسني في تاريخ الوزارات العراقية وحفر الخنادق تحت الأشجار..
وينقل أن إحدى الأشجار قد آذت القوات البريطانية كثيرا حيث كان بعض الثوار يتستر بها فأمر أحد الضباط بنسفها قائلا (إقطعوا تلك الشجرة الخبيثة ) و يعتبر البعض أن ماكنة الدعاية البعثية الصدامية قد أشاعت هذه العبارة ضد أبناء ذي قار لأنها من المدن المعارضة للنظام الجائر .
ويؤكد الدكتور عبد الله الجوراني في كتابه " دراسة وثائقية في تاريخ المنتفك الوطني " ( وبالفعل تحركت القوات البريطانية في السابع والعشرين من حزيران 1915 يحدوها الأمل بإحتلال مدينة الناصرية وعند وصول هذه القوات الى ضفة نهر الفرات اليسرى دارت معركة عنيفة .. وبعد مقاومة أبداها المدافعون تمكنت من عبور هور السفحة الى نهر الفرات في الخامس من تموز 1915 بعد أن فقد " 25" قتيلا و " 84" جريحا ).
من هنا فقد واجه البريطانيون مقاومة عنيفة في المنتفك تكبدوا خلالها خسائر كبيرة .. كما انتشرت في صفوف جنودهم الأمراض مما إضطرهم الى طلب تعزيزات عسكرية لتحشيدها بإتجاه إحتلال الناصرية .
وقد إستجاب السيد كدر الياسري لنداء الجهاد الذي أطلقه علماء الدين في النجف الأشرف .. فقد توجه من النجف الأشرف الى ساحة الحرب عن طريق الفرات عدد من المجتهدين مع أتباعهم مستنهضين همم العشائر .. وكانت أول مجموعة من المجاهدين برئاسة آية الله السيد محمد سعيد الحبوبي وكان أشد المجاهدين حماسا للجهاد وقد أطلق على ذي قار " مدينة الجهاد " وفي منتصف كانون الثاني 1915 كان الثوار بإنتظاره .
وقد إلتحق السيد كدر بركب الجهاد المقدس الذي يقوده المجاهد الحبوبي الذي إلتحق به الالاف من عشائر سوق الشيوخ فتوجه بهم الى الشعيبة .. تحملهم مئات السفن الشراعية وهي تمخر مياه الفرات وهور الحمار .. كما يروي المرحوم الشبيبي في مذكراته .. ويقدر عددهم بثلاثين ألف راجل وعشرة آلالاف فارس وقد إلتحق معهم عدة آلالآف من الجنود .
ونتيجة المقاومة الشديدة التي واجهها البريطانيون من أبناء المنتفك فرضوا عليهم فيما بعد حصارا ومنعوهم من التبضع من المدينة .. فقابلتهم العشائر بالمثل ورفضوا إرسال منتوجاتهم المحلية الى المدينة مما إضطر البريطانيين الإتفاق مع بعض المتعهدين المحلين للحصول عن طريقهم على المواد الغذائية اللازمة لقواتهم وقد أضحى المتعهدون مثار إزدراء الناس .
في هذه الفترة بدأ أبناء العشائر يعدوا العدة لمعركة كبيرة مقبلة وقد أعد السيد كدر السيد سلمان نفسه مع قومه لمعركة طويلة لطرد المحتل البريطاني .
فقد أسهمت السياسة التعسفية للإدارة البريطانية في تأجيج مشاعر العداء ضدهم والإستعداد لثورة العشرين المجيدة وبدأت الإجتماعات في المنتفك ومدن الفرات الأوسط تتوالى وقد ذهب ممثلون عن عشائر سوق الشيوخ للاجتماع في دار السيد علوان الياسري في المشخاب في السادس عشر من نيسان عام 1920م .. وقد إتفق زعماء المنتقك على قطع خطوط سكك الحديد ومهاجمة القوات البريطانية كما تشير التقارير البريطانية السرية الى ذلك .
وفي التاسع من آب 1920 بدأت العشائر بالهجوم على القوات البريطانية وقطعت أجزاءا من سكة الحديد أثناء الليل لمنع وصول الإمدادات العسكرية كما قطع الثوار خطوط التلغراف وفي الحادي والثلاثين من آب 1920 أعلن الثوار بعد معارك كبيرة عن طردهم المحتلين وتسلم إدارة المدينة وقد أنزلوا العلم البريطاني من على سراي السلطة ورفعوا بدله العلم العراقي .
وهكذا شارك السيد كدر الياسري ببسالة في ثورة العشرين وماسبقا من مقاومة ضد المحتل البريطاني .. وهو نضال شعبي عظيم شاركت فيه جميع شرائح المجتمع وعدت المساهمة فيه واجبا مقدسا والفرار عنه عار يلاح الفارون الى يوم الناس .
الدور الوطني الثوري للسيد كدر السيد سلمان الياسري
في إنتفاظة سوق الشيوخ عام 1935
كان السركال والنكاش والفلاح في ظل الإدارة البريطانية أكثر شعورا بظلم الملاكين الذين حصلوا على حصص كبيرة من الأرض بفضل نظام الطابو في زمن العثمانيين الذين تعاملوا فيه بنزعة طائفية إنتفع منها آل السعدون .. فقد أعطيت سندات الطابو رغم أنف الزراع الأصليين .. ومن المشاكل التي حدثت في تشرين الثاني 1931 في عشائر العكيكة رفض السراكيل تخفيض أسعار التمور التي كانت باهظة .. والتي لا تسد ثمن محصولات الفلاحيين الأمر الذي رفضه الفلاحون وذلك بإمتناعهم عن دفع المقطوع لهذه المحاصيل الى الملاك وحكومة الإنتداب البريطاني .
وبدأ الفلاحون والنكاشة يضغطون على الإقطاعيين الذين تساندهم الحكومة .. ونتيجة لهذه المشاكل بدأت تنشأ النزاعات العشائرية وبدأت حوادث القتل تبلغ من 20 الى 30 جريمة قتل شهريا بسبب هذه الصراعات .
وكانت العشائر آنذاك قوية التسلح الأمر الذي شجعها على الرفض وعدم الإنصياع والإمتناع عن دفع الضرائب المجحفة التي تشكل عبئا كبيرا على كاهل الجميع .
وقد وصل إستياء الفلاحين والنكاشة والشيوخ غير المتملكين الى نقطة اللارجعة . وبدأت الشكاوى تصل الى النجف الأشرف حيث المرجعيات الدينية خصوصا المرجع الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء الذي وقعت القبائل أمامه ميثاقا وطنيا .. وبدأ الإتصال بالمعارضة ورؤساء العشائر في الحلة والديوانية وكربلاء والنجف وبغداد .. فيما وقف بعض رؤساء العشائر الإقطاعيين وبعضهم كان له دور في ثورة العشرين ضد الثورة لنها تضرب مصالحهم الخاصة وتلك إنتكاسة في تأريخم الوطني .
ويشير الحسني في تاريخ الوزارات العراقية كما يذكره الجوراني في مصدر سابق الى أن أول شراره لثورة 1935 كانت من ناحية العكيكة .
إذ تقدم السيد كدر السيد سلمان الياسري وإبن عمه السيد إعذافه السيد علي الياسري ولفيف من بني خيكان الى ناحية العكيكة في يوم التاسع من مايس 1935 فحاصروها ودارت معركة ضارية بينهم وقد تم إختراق تحصين مبنى الناحية ودارت معركة داخل المبنى حيث كان أحد الضباط يقف على مرتفع فصعد إليه إعذافة السيد علي خالي اليدين بعد نفاذ ذخيرة سلاحه فأمطره بالرصاص لكنه واصل طريقه حتى وصل إله فأخذ سلاحه وقتله به وسقط الإثنان قتيلان .
الأمر الذي حدا بالسيد كدر السيد سلمان بتأجيج الثوار بإتجاه سوق الشيوخ بعد السيطرة على الناحية تماما .. وبدأت العشائر تهاجم مركز سوق الشيوخ حتى سيطرت عليه ولجأ موظفوا القضاء الى دار العالم محمد حسن حيدر فأحسن إليهم وحماهم وألبس الحاكم عبد الرحمن الدوري ألبسة النساء ودخل القائمقام وفيق حبيب على مضيف الشيخ بدر الرميض .
إستبسل الثوار في الهجوم حتى تسلموا حامية السوق بعد أن فقدوا أربعين من قواتهم بينهم إمرأة وطفل .. يوم الرابع عشر من مايس 1935 العاشر من صفر وأصدرت السلطة بيانا رسميا جاء فيه " قامت العشائر المحيطة بسوق الشيوخ ضد السلطة " .
بعدها إستعدت عشائر سوق الشيوخ للوقوق بوجه السلطة فإلتحقت بالثورة عشائر حجام بزعامة ريسان الكاصد وآل حسن وآل شميس وآل إزيرج وغيرها .. فتمت محاصرة مركز المدينة ووصلت أعداد المسلحين أكثر م 2000 مقاتل في الثالث عشر من الشهر المذكور وبأت المحاصرة لساعات طويلة قطعت خلالها أسلاك ووسائل الإتصال بين الناصرية والسماوة وسوق الشيوخ وتمت سيطرة الثوار على طرق المواصلات .
تمكنت العشائر الثائرة من السيطرة الكلية على المدينة في الرابع عشر من مايس والإستيلاء على مخافر الشرطة ومراكز النواحي .. إعترفت سلطة الإنتداب صراحة بعجزها عن التصدي والمقاومة فسلم قائمقام القضاء علي كمال نفسه للأهالي وتم أسر عدد من قوات سلطة الإنتداب بحدود " 300" شخص .
وقد وصل عدد المقاتلين الذين إشتركوا في الإنتفاظة أو الثورة بحدود " 11000" أحد عشر ألف مقاتل .
بدأت السلطة بتعزيز قواتها للهجوم على سوق الشيوخ فقد وصلت قوات الفوج الرابع ووصل وزير الدفاع والمفتش البريطاني في وزارة الداخلية وكان ممثل الثوار في المفاوضات هو الشيخ محمد حسيت آل كاشف الغطاء في النجف .
ومن الشخصيات التي إلتحقت بالثورة ريسان الكاصد .. وفرهود الفندي الذي تراجع وإستائت العشائر من بعض تصرفاته .. وحاتم العجيل وحمودة المزيعل وعنيد ياسر وخيون عيسى المحسن وعطشان دخيل البشارة وعبد الحسين العفريت وحسين علي مختار الكرمة وعجيل الشويلي وغيرهم .
بدأت السلطة بالهجوم الجوي فإزداد قصف الطائرات على الأهالي وأدى القصف الى قتل المزيد من الأرواح وتدمير المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية .. الأمر الذي حدا برؤساء العشائر كل من عجيل الشويلي شيخ الحسينلت وكاطع البطي شيخ آل إزيرج ومنشد الحبيب شيخ الغزي بالحضور الى الناصرية وتقديم الولاء للحكومة يوم 20 مايس 1935 .
الأمر الذي إستاء منه السيد كدر والثوار معه وعشائر سوق الشيوخ من قيام رؤساء العشائر المذكورين وغيرهم بتقديم الولاء والطاعة للسلطة وإعتبروا ذلك بمثابة خيانة وخروج على الميثاق .. وبدأ الثوار يرددون الأهازيج " الهوسات " المنددة بذلك سنورد لا حقا بعضا من هذه الأهازيج .
كما كان تقديم الولاء من عشائر أخرى قد أدى الى تضييق الخناق على الثوار .. وكان آخر حصن قد قاوم حتى النهاية هو ناحيتي العكيكة والكرمة حيث تمت السيطره عليه في الثاني من حزيران .
وأعلنت هناك الأحكام العرفية وإتخذت إجراءات قاسية ضد الزعماء والثوار وتم زج العديد منهم في السجون والمعتقلات وصدرت أحكاما بالإعدام بحق أربعة من قادة الثورة بضمنهم السيد كدر وسجن 54شخصا ونفي آخرون .
ويروي البعض القيام بلف جثث بعض الثوار القتلى في بواري من القصب وحرقها ودعوة النساء للتفرج عليها وقد قام السيد كدر متنكرا مع بعض أبناء عمومته بإنتشال جثث بعض الثوار بضمنهم إعذافة السيد علي ودفنهم بعيدا عن أعين السلطة .
كانت إنتفاظة سوق الشيوخ من أخطر الإنتفاظات العشائرية المسلحة وقد قدمت خدمة لاتقدر بثمن للحركة الإستقلالية فيما بعد . وكما يقول الجورلني في المصدر السابق " كانت إنتفاظة 1935 الشعبية تجسيدا للتحدي والصمود وعكست الشجاعة الفائقة لدى الأهالي في القرى والأرياف وصدق الروح الوطنية ونبهت المحتلين وأفقدتهم صوابهم في معظم صفحات المقاومة ووقفت مع غيرها من مدن العراق كواحدة من صفحات البطولة والتضحية التي جاهد من خلالها الشعب العراقي ضد المحتلين " .
وفرضت السلطة غرامات باهضة على العشائر من السلاح والمال الذي يذكره الجوراني في كتابه بتفصيل .. وقد إختلفت الأحكام من الإعدام الى الأشغال الشاقة وقد أطلق سراح البعض كالشيخ منشد الحبيب .
هاجمت السلطة دار السيد كدر الياسري فإعتقلته وكما تشير الوثائق البريطانية التي يوردها الجوراني في كتابه فقد حكم المجلس العرفي على أربعة أشخاص بالإعدام وهم كل من :
1ـ بنيان بن بطي .
2ـ جابر إبن حسن .
3ـ سيد كدر سيد سلمان .
4ـ سيد عبد سيد حسن .
وقد نفذ في صبيحة السادس من حزيران بحق كل من بنيان بن بطي وجابر بن حسن وكان تسلسل السيد كدر الياسري هو الثالث وهنا بدأت العشائر بالضغط لإطلاق سراحه أو تخفيف حكم الإعدام وكما يروي السيد كدر أنه رأى في منامه ليلة تنفيذ حكم الإعدام أن جده الإمام علي بن أبي طالب ع قد جاءه وسقاه ماءا عذبا فإستيقظ مطمئنا ممازحا سجانه الذي كان يقتاده الى مقصلة الشنق بأن جدي سينقذي ولن أشنق فرد عله السجان ساخرا لو جاء جدل بطائره من النجف لا يستطيع اللحاق لإنقاذك فرد السيد لو أنقذني فلي الحق ضربك أمام الناس ..
فأصعده الجلاد الى منصة الإعدام وأسدل الكيس على رأسه وقرب الحبل .. فيقول رأيت فارسا على جواده يحوم حولي فهتف ( من ماي الكوثر يسكيني ) هذا جدي قد جاء .. فجاء الضابط بتليغراف مستعجل بقرار تخفيف الحكم من الإعدام الى الأشغال الشاقة وعندها تجمع حوله الناس وجاء السجان مربتا على كتفه ( والنعم من جدك والنعم من جدك ) فإلتفت إليه السيد ليضربه أمام الناس .
بعد ذلك خرج من السجن بعفو عام وواصل دوره الإجتماعي والإصلاحي .. وقد عاصر العديد من الحكومات وكانت له مواقف منها عاصر الحكم الملكي ثم الحكم الجمهوري بقيادة عبد الكريم قاسم والحركة الشيوعية ثم الإنقلاب البعثي الأسود عام 1963 ثم الحكم العارفي وحكم أحمد حسن البكر وآخرها النظام الصدامي الجائر .
أعقب السيد كدر سبعة من الأولاد شارك بعضهم في معارك التحرير العربية في فلسطين ضد الكيان الصهوني كالسيد عبد المتولد 1925 .. قتل أحد أباءه السيد محمد ودفن في شمال العراق لم يعقب إلا من ولدين وهما السيد عبد ويقطن مع ذريته في مركز مدينة ذي قار .
وإبنه العلامة المجاهد الشهيد السيد شاكر الياسري المتولد 1935 أو قبل ذلك . الذي إغتالته الطغمة البعثية الصدامية في النجف الأشرف عام 1988م وتقطن ذريته في مركز مدينة النجف الأشرف .
كان السيد كدر قد هاجر مع ولده الشهيد السيد شاكر الى النجف الأشرف عام 1970 حيث جاء الأخير لطلب العلم في جامعتها العلمية الدينية العتيدة .. عاش السيد كدر عابدا في النجف الأشرف حتى عام 1980 وقد زاد على المئة عام 100عام . وتوفي ودفن في مقبرة وادي السلام بالقرب من مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " عليه السلام " .
الثائر الوطني الذي ظلمته الذاكرة
أعده قسم الوثائق في
مؤسسة الياسري الخيرية
· شارك ببسالة في ثورة العشرين ومقاومة المحتل البريطاني عام 1914 و1915 و1918 في لواء المنتفك .
· أحد قادة ثورة سوق الشيوخ عام 1935 .
· حكم عليه بالإعدام بعد ثورة 35 وخفف الى الأشغال الشاقة بكرامة شهيرة
عام 1876م ولد السيد كدر السيد سلمان الياسري في ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر وقد أسماه والده (كدر) وهي اللفظة العامية ل(قدر) تيمنا بهذه الليلة المباركة .
وذلك أبان حكم الوالي العثماني مدحت باشا .. ولد في لواء المنتفك ومركزه سوق الشيوخ غابة النخيل وسليلة المجد التي ورثت حضارة سومر بالصميم .. مرتع الأدب والأشعار حارسة الصحراء والقوافل والحداء .. حاضرة المضايف والدواوين .. قامت على أيشان سومرية .. مر بها العثمانيون الأتراك ولم تبتسم لهم ودخلها الإنجليز وإنحسروا بعد أن حاربتهم .
شهدت تسميتها بسوق الشيوخ عام 1761 بعد أن إتخذها الشيوخ مركزا لمشيختهم .. ثم في عام 1870م إعتبرت قضاءا وعين حسين باشا قائمقاما فيها .
هناك وفي إحدى القرى الجميلة التي يقطنها السادة آل ياسر الكبير وتشتهر نخوتهم "أخوة سمية" .. ولد السيد كدر السيد سلمان السيد موسى السيد مذخور بن ناصر بن شلال بن محمود بن محمد بن شوكة بن علي بن خفان بن ياسر الأول الكبير الجد الأكبر للسادة آل ياسر في عموم العراق .. وجائت نخوتهم بأخوة سمية من حادثة طريفة تعبر عن القيم العربية الهاشمية السامية والغيرة الأصيلة التي يتحلى بها السادة حيث إنتصروا لإمرأة مظلومة مضطهدة فأصبحت معززة مكرمة في فومها وهذه النخوة يختص بها أول السيد ناصر بن شلال السبعة والسيد ناصر هو أخ السيد ياسر الثاني جد السادة آل علي ومن السيد نور والسيد علوان في المشخاب .
نشأ السيد كدر السيد سلمان الياسري في ناحية العكيكة الدرة العالقة في جيد ذي قار وهي أكبر نواخي سوق الشيوخ وقد وصفها أحد أبائها الأدباء بقوله " جزيرة ساحرة غافية على ضفة الفرات تستظل ببساتين النخيل الكثيفة المحيطة بها من كل الجهات وتمثل أشهر أنواع التمور وأطيبها مذاقا .. حيث نخيل شطئ نهر السفحة المتفرع من الفرات جنوب العكيكة ويمثل مركز الناحية نقطة تفرع لنهر الفرات الى فرعين ينتهيان بعد مسافة قصيرة في هور الحمار بعد أن يمر أحدهما بسوق الشيوخ ليجعل ثلثيه على الجانب الأيمن منه .. ومع نهر غليوين الذي يسبق هذا التفرع لينشق عن نهر الفرات قريب دخوله الى الناحية تلتقي هذه الفروع لتقول أن الفرات واحد بكل مافيه من تجزئة جغرافية وهذه الأفرع الثلاثة تلتقي جميعها جنوب شرقي سوق الشيوخ مشكلة نهرا واحدا يعتبر المصب الرئيسي لهور الحمار والذي بدوره يمتد الى أن يصل الى القرنة ليلتأم شمل الفرات مع دجلة في شط العرب .
وإسم العكيكة جاء كونها مركزا تجاريا نهريا بين الأرياف التابعة لها وفيها سوق تباع فيه البضائع الغذائية المحلية وغيرها وأشهرها " العكة " وهي وعاء يوضع فيه الزيت الحيواني " الدهن الحر " وهناك روايات أخرى في سبب التسمية .
في هذه الطبيعة الجذابة التي تعكس نعم الخالق التي لا تعد ولا تحصى نشأ الثائر الوطني الراحل في أرض طيبة ومجتمع متآخي يضج بالكرم والشجاعة والمضائف العربية المشرعة أبوابها للرائح والغادي .. الحافلة برجالاتها وفحولها وهي مضائف لا تخلو من العلم والأدب والمناظرات والمباريات الشعرية وإحياء الشعائر الدينية وحل النزاعات العشائرية وقد أنجبت العديد من علماء وأدباء ورجال العراق .
وهو من البيت الهاشمي العلوي الذي يتمتع بمكانه خاصة بين العشائر هناك ويكون مسؤولا بدرجة كبيرة عن حل النزاعات العشائرية فتتعقد الأمور وتذكى النزاعات فيأتي السيد ليكون مصلحا بين الأطراف والأكثر من ذلك يدخل السيد في وسط المعارك الضارية التي تدور بين عشيرة وأخرى ليفرض عليهم الهدنة (العطوة) فتتوقف المعركة التي عجزت عن إيقاف بعضها الحكومات المتعاقبة .
وكان الآباء آنذاك يهتمون بتعليم أبنائهم ركوب الخيل والسباحة والرماية والصيد للدفاع عن أرضه وعرضه وكرامته ويربوهم على الكرم وإقراءالضيف وإعزازه والإنتصار للمظلوم .. فتتشكل شخصية كريمة شجاعة متدينة مسؤولة .
وكان السيد كدر السيد سلمان الياسري بحق مضربا للمثل في الشجاعة والكرم فهو وجه قومه وكبيرهم بعد والده .. وكان بارعا في السلاح والقتال مقداما في النزال لا يخشى الرجال وإن كثروا .
وقد برز كمقاتل باسل مقاوم في المعارك الضارية التي شهدتها العكيكة في سوق الشيوخ بين العشائر وقوات الإحتلال البريطاني عام 1915 فكانت العكيكة القلعة التي دمرت عندها أكبر المراكب العسكرية البريطانية والتي غرق الكثير منها قبالة الثكنة في معركة السفحة حيث توجد سدة يبلغ سمكها 30 قدما كانت قد بنتها العشائر وقامت هندسة القوات البريطانية بنسفها .. وكان السيد كدر وعشيرتة كبقية العشائر قد بدأؤوا منذ عام 1914 بتزييت بنادقم كما يشير عبد الرزاق الحسني في تاريخ الوزارات العراقية وحفر الخنادق تحت الأشجار..
وينقل أن إحدى الأشجار قد آذت القوات البريطانية كثيرا حيث كان بعض الثوار يتستر بها فأمر أحد الضباط بنسفها قائلا (إقطعوا تلك الشجرة الخبيثة ) و يعتبر البعض أن ماكنة الدعاية البعثية الصدامية قد أشاعت هذه العبارة ضد أبناء ذي قار لأنها من المدن المعارضة للنظام الجائر .
ويؤكد الدكتور عبد الله الجوراني في كتابه " دراسة وثائقية في تاريخ المنتفك الوطني " ( وبالفعل تحركت القوات البريطانية في السابع والعشرين من حزيران 1915 يحدوها الأمل بإحتلال مدينة الناصرية وعند وصول هذه القوات الى ضفة نهر الفرات اليسرى دارت معركة عنيفة .. وبعد مقاومة أبداها المدافعون تمكنت من عبور هور السفحة الى نهر الفرات في الخامس من تموز 1915 بعد أن فقد " 25" قتيلا و " 84" جريحا ).
من هنا فقد واجه البريطانيون مقاومة عنيفة في المنتفك تكبدوا خلالها خسائر كبيرة .. كما انتشرت في صفوف جنودهم الأمراض مما إضطرهم الى طلب تعزيزات عسكرية لتحشيدها بإتجاه إحتلال الناصرية .
وقد إستجاب السيد كدر الياسري لنداء الجهاد الذي أطلقه علماء الدين في النجف الأشرف .. فقد توجه من النجف الأشرف الى ساحة الحرب عن طريق الفرات عدد من المجتهدين مع أتباعهم مستنهضين همم العشائر .. وكانت أول مجموعة من المجاهدين برئاسة آية الله السيد محمد سعيد الحبوبي وكان أشد المجاهدين حماسا للجهاد وقد أطلق على ذي قار " مدينة الجهاد " وفي منتصف كانون الثاني 1915 كان الثوار بإنتظاره .
وقد إلتحق السيد كدر بركب الجهاد المقدس الذي يقوده المجاهد الحبوبي الذي إلتحق به الالاف من عشائر سوق الشيوخ فتوجه بهم الى الشعيبة .. تحملهم مئات السفن الشراعية وهي تمخر مياه الفرات وهور الحمار .. كما يروي المرحوم الشبيبي في مذكراته .. ويقدر عددهم بثلاثين ألف راجل وعشرة آلالاف فارس وقد إلتحق معهم عدة آلالآف من الجنود .
ونتيجة المقاومة الشديدة التي واجهها البريطانيون من أبناء المنتفك فرضوا عليهم فيما بعد حصارا ومنعوهم من التبضع من المدينة .. فقابلتهم العشائر بالمثل ورفضوا إرسال منتوجاتهم المحلية الى المدينة مما إضطر البريطانيين الإتفاق مع بعض المتعهدين المحلين للحصول عن طريقهم على المواد الغذائية اللازمة لقواتهم وقد أضحى المتعهدون مثار إزدراء الناس .
في هذه الفترة بدأ أبناء العشائر يعدوا العدة لمعركة كبيرة مقبلة وقد أعد السيد كدر السيد سلمان نفسه مع قومه لمعركة طويلة لطرد المحتل البريطاني .
فقد أسهمت السياسة التعسفية للإدارة البريطانية في تأجيج مشاعر العداء ضدهم والإستعداد لثورة العشرين المجيدة وبدأت الإجتماعات في المنتفك ومدن الفرات الأوسط تتوالى وقد ذهب ممثلون عن عشائر سوق الشيوخ للاجتماع في دار السيد علوان الياسري في المشخاب في السادس عشر من نيسان عام 1920م .. وقد إتفق زعماء المنتقك على قطع خطوط سكك الحديد ومهاجمة القوات البريطانية كما تشير التقارير البريطانية السرية الى ذلك .
وفي التاسع من آب 1920 بدأت العشائر بالهجوم على القوات البريطانية وقطعت أجزاءا من سكة الحديد أثناء الليل لمنع وصول الإمدادات العسكرية كما قطع الثوار خطوط التلغراف وفي الحادي والثلاثين من آب 1920 أعلن الثوار بعد معارك كبيرة عن طردهم المحتلين وتسلم إدارة المدينة وقد أنزلوا العلم البريطاني من على سراي السلطة ورفعوا بدله العلم العراقي .
وهكذا شارك السيد كدر الياسري ببسالة في ثورة العشرين وماسبقا من مقاومة ضد المحتل البريطاني .. وهو نضال شعبي عظيم شاركت فيه جميع شرائح المجتمع وعدت المساهمة فيه واجبا مقدسا والفرار عنه عار يلاح الفارون الى يوم الناس .
الدور الوطني الثوري للسيد كدر السيد سلمان الياسري
في إنتفاظة سوق الشيوخ عام 1935
كان السركال والنكاش والفلاح في ظل الإدارة البريطانية أكثر شعورا بظلم الملاكين الذين حصلوا على حصص كبيرة من الأرض بفضل نظام الطابو في زمن العثمانيين الذين تعاملوا فيه بنزعة طائفية إنتفع منها آل السعدون .. فقد أعطيت سندات الطابو رغم أنف الزراع الأصليين .. ومن المشاكل التي حدثت في تشرين الثاني 1931 في عشائر العكيكة رفض السراكيل تخفيض أسعار التمور التي كانت باهظة .. والتي لا تسد ثمن محصولات الفلاحيين الأمر الذي رفضه الفلاحون وذلك بإمتناعهم عن دفع المقطوع لهذه المحاصيل الى الملاك وحكومة الإنتداب البريطاني .
وبدأ الفلاحون والنكاشة يضغطون على الإقطاعيين الذين تساندهم الحكومة .. ونتيجة لهذه المشاكل بدأت تنشأ النزاعات العشائرية وبدأت حوادث القتل تبلغ من 20 الى 30 جريمة قتل شهريا بسبب هذه الصراعات .
وكانت العشائر آنذاك قوية التسلح الأمر الذي شجعها على الرفض وعدم الإنصياع والإمتناع عن دفع الضرائب المجحفة التي تشكل عبئا كبيرا على كاهل الجميع .
وقد وصل إستياء الفلاحين والنكاشة والشيوخ غير المتملكين الى نقطة اللارجعة . وبدأت الشكاوى تصل الى النجف الأشرف حيث المرجعيات الدينية خصوصا المرجع الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء الذي وقعت القبائل أمامه ميثاقا وطنيا .. وبدأ الإتصال بالمعارضة ورؤساء العشائر في الحلة والديوانية وكربلاء والنجف وبغداد .. فيما وقف بعض رؤساء العشائر الإقطاعيين وبعضهم كان له دور في ثورة العشرين ضد الثورة لنها تضرب مصالحهم الخاصة وتلك إنتكاسة في تأريخم الوطني .
ويشير الحسني في تاريخ الوزارات العراقية كما يذكره الجوراني في مصدر سابق الى أن أول شراره لثورة 1935 كانت من ناحية العكيكة .
إذ تقدم السيد كدر السيد سلمان الياسري وإبن عمه السيد إعذافه السيد علي الياسري ولفيف من بني خيكان الى ناحية العكيكة في يوم التاسع من مايس 1935 فحاصروها ودارت معركة ضارية بينهم وقد تم إختراق تحصين مبنى الناحية ودارت معركة داخل المبنى حيث كان أحد الضباط يقف على مرتفع فصعد إليه إعذافة السيد علي خالي اليدين بعد نفاذ ذخيرة سلاحه فأمطره بالرصاص لكنه واصل طريقه حتى وصل إله فأخذ سلاحه وقتله به وسقط الإثنان قتيلان .
الأمر الذي حدا بالسيد كدر السيد سلمان بتأجيج الثوار بإتجاه سوق الشيوخ بعد السيطرة على الناحية تماما .. وبدأت العشائر تهاجم مركز سوق الشيوخ حتى سيطرت عليه ولجأ موظفوا القضاء الى دار العالم محمد حسن حيدر فأحسن إليهم وحماهم وألبس الحاكم عبد الرحمن الدوري ألبسة النساء ودخل القائمقام وفيق حبيب على مضيف الشيخ بدر الرميض .
إستبسل الثوار في الهجوم حتى تسلموا حامية السوق بعد أن فقدوا أربعين من قواتهم بينهم إمرأة وطفل .. يوم الرابع عشر من مايس 1935 العاشر من صفر وأصدرت السلطة بيانا رسميا جاء فيه " قامت العشائر المحيطة بسوق الشيوخ ضد السلطة " .
بعدها إستعدت عشائر سوق الشيوخ للوقوق بوجه السلطة فإلتحقت بالثورة عشائر حجام بزعامة ريسان الكاصد وآل حسن وآل شميس وآل إزيرج وغيرها .. فتمت محاصرة مركز المدينة ووصلت أعداد المسلحين أكثر م 2000 مقاتل في الثالث عشر من الشهر المذكور وبأت المحاصرة لساعات طويلة قطعت خلالها أسلاك ووسائل الإتصال بين الناصرية والسماوة وسوق الشيوخ وتمت سيطرة الثوار على طرق المواصلات .
تمكنت العشائر الثائرة من السيطرة الكلية على المدينة في الرابع عشر من مايس والإستيلاء على مخافر الشرطة ومراكز النواحي .. إعترفت سلطة الإنتداب صراحة بعجزها عن التصدي والمقاومة فسلم قائمقام القضاء علي كمال نفسه للأهالي وتم أسر عدد من قوات سلطة الإنتداب بحدود " 300" شخص .
وقد وصل عدد المقاتلين الذين إشتركوا في الإنتفاظة أو الثورة بحدود " 11000" أحد عشر ألف مقاتل .
بدأت السلطة بتعزيز قواتها للهجوم على سوق الشيوخ فقد وصلت قوات الفوج الرابع ووصل وزير الدفاع والمفتش البريطاني في وزارة الداخلية وكان ممثل الثوار في المفاوضات هو الشيخ محمد حسيت آل كاشف الغطاء في النجف .
ومن الشخصيات التي إلتحقت بالثورة ريسان الكاصد .. وفرهود الفندي الذي تراجع وإستائت العشائر من بعض تصرفاته .. وحاتم العجيل وحمودة المزيعل وعنيد ياسر وخيون عيسى المحسن وعطشان دخيل البشارة وعبد الحسين العفريت وحسين علي مختار الكرمة وعجيل الشويلي وغيرهم .
بدأت السلطة بالهجوم الجوي فإزداد قصف الطائرات على الأهالي وأدى القصف الى قتل المزيد من الأرواح وتدمير المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية .. الأمر الذي حدا برؤساء العشائر كل من عجيل الشويلي شيخ الحسينلت وكاطع البطي شيخ آل إزيرج ومنشد الحبيب شيخ الغزي بالحضور الى الناصرية وتقديم الولاء للحكومة يوم 20 مايس 1935 .
الأمر الذي إستاء منه السيد كدر والثوار معه وعشائر سوق الشيوخ من قيام رؤساء العشائر المذكورين وغيرهم بتقديم الولاء والطاعة للسلطة وإعتبروا ذلك بمثابة خيانة وخروج على الميثاق .. وبدأ الثوار يرددون الأهازيج " الهوسات " المنددة بذلك سنورد لا حقا بعضا من هذه الأهازيج .
كما كان تقديم الولاء من عشائر أخرى قد أدى الى تضييق الخناق على الثوار .. وكان آخر حصن قد قاوم حتى النهاية هو ناحيتي العكيكة والكرمة حيث تمت السيطره عليه في الثاني من حزيران .
وأعلنت هناك الأحكام العرفية وإتخذت إجراءات قاسية ضد الزعماء والثوار وتم زج العديد منهم في السجون والمعتقلات وصدرت أحكاما بالإعدام بحق أربعة من قادة الثورة بضمنهم السيد كدر وسجن 54شخصا ونفي آخرون .
ويروي البعض القيام بلف جثث بعض الثوار القتلى في بواري من القصب وحرقها ودعوة النساء للتفرج عليها وقد قام السيد كدر متنكرا مع بعض أبناء عمومته بإنتشال جثث بعض الثوار بضمنهم إعذافة السيد علي ودفنهم بعيدا عن أعين السلطة .
كانت إنتفاظة سوق الشيوخ من أخطر الإنتفاظات العشائرية المسلحة وقد قدمت خدمة لاتقدر بثمن للحركة الإستقلالية فيما بعد . وكما يقول الجورلني في المصدر السابق " كانت إنتفاظة 1935 الشعبية تجسيدا للتحدي والصمود وعكست الشجاعة الفائقة لدى الأهالي في القرى والأرياف وصدق الروح الوطنية ونبهت المحتلين وأفقدتهم صوابهم في معظم صفحات المقاومة ووقفت مع غيرها من مدن العراق كواحدة من صفحات البطولة والتضحية التي جاهد من خلالها الشعب العراقي ضد المحتلين " .
وفرضت السلطة غرامات باهضة على العشائر من السلاح والمال الذي يذكره الجوراني في كتابه بتفصيل .. وقد إختلفت الأحكام من الإعدام الى الأشغال الشاقة وقد أطلق سراح البعض كالشيخ منشد الحبيب .
هاجمت السلطة دار السيد كدر الياسري فإعتقلته وكما تشير الوثائق البريطانية التي يوردها الجوراني في كتابه فقد حكم المجلس العرفي على أربعة أشخاص بالإعدام وهم كل من :
1ـ بنيان بن بطي .
2ـ جابر إبن حسن .
3ـ سيد كدر سيد سلمان .
4ـ سيد عبد سيد حسن .
وقد نفذ في صبيحة السادس من حزيران بحق كل من بنيان بن بطي وجابر بن حسن وكان تسلسل السيد كدر الياسري هو الثالث وهنا بدأت العشائر بالضغط لإطلاق سراحه أو تخفيف حكم الإعدام وكما يروي السيد كدر أنه رأى في منامه ليلة تنفيذ حكم الإعدام أن جده الإمام علي بن أبي طالب ع قد جاءه وسقاه ماءا عذبا فإستيقظ مطمئنا ممازحا سجانه الذي كان يقتاده الى مقصلة الشنق بأن جدي سينقذي ولن أشنق فرد عله السجان ساخرا لو جاء جدل بطائره من النجف لا يستطيع اللحاق لإنقاذك فرد السيد لو أنقذني فلي الحق ضربك أمام الناس ..
فأصعده الجلاد الى منصة الإعدام وأسدل الكيس على رأسه وقرب الحبل .. فيقول رأيت فارسا على جواده يحوم حولي فهتف ( من ماي الكوثر يسكيني ) هذا جدي قد جاء .. فجاء الضابط بتليغراف مستعجل بقرار تخفيف الحكم من الإعدام الى الأشغال الشاقة وعندها تجمع حوله الناس وجاء السجان مربتا على كتفه ( والنعم من جدك والنعم من جدك ) فإلتفت إليه السيد ليضربه أمام الناس .
بعد ذلك خرج من السجن بعفو عام وواصل دوره الإجتماعي والإصلاحي .. وقد عاصر العديد من الحكومات وكانت له مواقف منها عاصر الحكم الملكي ثم الحكم الجمهوري بقيادة عبد الكريم قاسم والحركة الشيوعية ثم الإنقلاب البعثي الأسود عام 1963 ثم الحكم العارفي وحكم أحمد حسن البكر وآخرها النظام الصدامي الجائر .
أعقب السيد كدر سبعة من الأولاد شارك بعضهم في معارك التحرير العربية في فلسطين ضد الكيان الصهوني كالسيد عبد المتولد 1925 .. قتل أحد أباءه السيد محمد ودفن في شمال العراق لم يعقب إلا من ولدين وهما السيد عبد ويقطن مع ذريته في مركز مدينة ذي قار .
وإبنه العلامة المجاهد الشهيد السيد شاكر الياسري المتولد 1935 أو قبل ذلك . الذي إغتالته الطغمة البعثية الصدامية في النجف الأشرف عام 1988م وتقطن ذريته في مركز مدينة النجف الأشرف .
كان السيد كدر قد هاجر مع ولده الشهيد السيد شاكر الى النجف الأشرف عام 1970 حيث جاء الأخير لطلب العلم في جامعتها العلمية الدينية العتيدة .. عاش السيد كدر عابدا في النجف الأشرف حتى عام 1980 وقد زاد على المئة عام 100عام . وتوفي ودفن في مقبرة وادي السلام بالقرب من مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " عليه السلام " .