شبكة مصر الفاطمية
09-05-2010, 01:01 AM
السؤال :
السلام عليكم ايها الشيخ الرافضي
اعذرني ياشيخ هحكي معكم بصراحة وصدق
فتحملني ورد علي رد من تطلب هدايته وليس رد من تراه معاندا
شوف ياشيخ أنتم تقولون إن الإمام علي لم يقتل عمر عندما انتهك حرمة بيته وزوجته واطفاله لأن رسول الله امره بالصبر
وهذا الكلام غير مقنع حقيقة ابدا لأي واحد حيادي لكون صادق معك
فاي مؤمن واجب عليه واجب الدفاع عن حرمة بيته واهله ولو قتل في ذلك فهو شهيد
فكيف تدعون ان رسول الله يأمره بالصبر على من ينتهك حرمة بيته واهله وابناءه
اي عاقل يقول بهكذا كلام
اي مؤمن شريف مكانه كان قتل عمر فيها خصوصا بعد ان قتل عمر المحسن - كما تقولون - فكيف ينهى رسول الله عليا بالإمتناع عن واجب شرعي اجبني ياشيخ بالله عليك
ثم انكم تقولون إن الإمام علي كان قويا جدا قادر على قتلهم جميعا وحده إذا فلما لم يفعل ؟؟
ألس احقاق الحق واجب طالما انك قادر ولو وحدك طالما قادر
الم يقل الله تعالى {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }النساء84
اذا هو لا يكلف إلا نفسه من حيث الفعل
فلما ينتظر اكتمال نصاب اربعين رجلا كما تدعي طالما انه وحده قادر على إحقاق الحق
ثم اليس حماية اهل بيته والزود عنهم امر يجب الحفاظ على استقلاليته بعيدا عن قضية الخلافة
فلو فرضا قبلنا قضية ان رسول الله امره بالصبر في قضية الخلافة لأنه يجب ان يجتمع عليه الناس - كحد ادنى اربعين رجلا ولا ادري لما اربعين باي دليل تحديد هذا العدد - فإن حماية زوجته وحرمتها وحرمة بيته وولده امر مستقل كان يجب عليه فيه حتى القتال
اي انه لو هناك بعض المنطق في الصبر في قضية الخلافة لأنه لابد ان يجتمع عليه الناس
فاي منطق في عدم رده على انتهاك بيته وحرمة الزهراء وابناءهما ؟ فهل المسلم يجب ان ينتظر نصرة اربعين شخصا للدفاع عن اهل بيته ؟ اي عاقل يقول بهذا
اتمنى تطلعون جواب شافي
وللعلم ياشيخ الرافضة
لولا اني رأيت عدالتكم حتى على الشيعة وانظمتهم الحاكمة في ادانة جرائمهم وانحرافتهم عن الدين كما تفعل مع مخالفيك من اهل السنة والمحسوبين عليهم
ماكنت تعبت حالي بمراسلتكم
والسلام
سني
----------------------------------------
الجواب :
جواب الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لهذا الإشكال جوابان، أحدهما نقضي والآخر حلّي.
أما النقضي؛ فبأن ما جرى أثناء الحملة البكرية العمرية على دار علي والزهراء (صلوات الله عليهما وآلهما) قد جرى مثله أيضاً على دار عثمان وزوجته نائلة حين نشبت ثورة المسلمين عليه، وأنتم تروون أن عثمان لم يحرّك ساكناً ولم يدافع عن نفسه وأهله ولم يتصدّ للذين اقتحموا عليه داره وانتهكوا حرمة نسائه وعياله بدعوى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أوصاه بالصبر. فما بال بائكم تجرّ وباؤنا لا تجر؟!
روى ابن الأثير في أحداث الهجوم على دار عثمان: "فلما رأوا ذلك ثاروا إلى الباب، فلم يمنعهم أحد منه، والباب مغلق لا يقدرون على الدخول منه، فجاؤوا بنـار فأحرقوه والسقيفة التي على الباب، وثار أهل الدار، وعثمان يصلي قد افتتح طه فما شغله ما سمع، ما يخطئ وما يتتعتع، حتى أتى عليها، فلما فرغ جلس إلى المصحف يقرأ فيه، وقرأ : آلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فقال لمن عنده بالدار : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إليّ عهداً فأنا صابر عليه، ولم يحرقوا الباب إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه، فأحرّج على رجل أن يستقتل أو يقاتل". (الكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص17)
وروى ابن خلدون: "ثم دخل عليه السفهاء فضربه أحدهم وأكبّت عليه نائـلة إمرأته تـتقي الضرب بيدها، فنفحها أحدهم بالسيف في أصابعها، ثم قتلوه وسال دمه على المصحف". (تاريخ ابن خلدون ج2 ص150)
وروى ابن كثير: "أن الغافقي بن حرب تقدّم إليه بعد محمد بن أبي بكر فضربه بحديدة في فيه ورفس المصحف الذي بين يديه برجله، فاستدار المصحف ثم استقرّ بين يدي عثمان رضي الله عنه وسالت عليه الدماء، ثم تقدّم سودان بن حمران بالسيف فمانعته نائلة فقطع أصابعها فَولّت فضرب عجيـزتها بـيده وقال: إنها لكبيرة العجيزة! وضرب عثمان فقتله". (البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص210)
وروى الطبري: "وجاء سودان بن حمران ليضربه فانكبت عليه نائلة ابنة الفرافصة واتقت السيف بيدها فتعمدها ونفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت فغمز أوراكها وقال إنها لكبيرة العجيزة وضرب عثمان فقتله". (تاريخ الطبري ج2 ص676)
فها أنت ترى أن عثمان قد ترك الرجال يحرقون باب داره ويقتحمونه وينتهكون حرمة امرأته حتى قطعوا أصابعها، بل وقام أحدهم بتحسّس مؤخّرتها وغمزها قائلاً: "إنها لكبيرة العجيزة"! وعثمان كأن على رأسه الطير لا ينتفض مدافعاً عن نفسه وعرضه! وحجته في ذلك: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إليّ عهداً فأنا صابر عليه".
ولا يُقال: إن الهجوم جرى بغتة فلم يكن عثمان عالماً بالأمر ولو علم لتصدّى للمهاجمين ومنع نفسه ونساءه وعياله منهم. إذ يُقال: بلى إنه كان عالماً، فقد طال حصاره أربعين يوماً على ما ذكره المؤرخون، وقد رآهم يحرقون باب داره وهم يهمّون بالدخول، وعَلم أنهم يطلبون قتله بعد ذلك، ومع هذا لم يتصدَّ لهم ولم يقاتلهم بل حرّج على مَن يناصره أن يفعل ذلك دفاعاً عنه، قائلاً: "لم يحرقوا الباب إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه، فأحرّج على رجل أن يستقتل أو يقاتل".
ولا يُقال: إن هتك حرمة امرأته جرى بعد مقتله ولو كان جرى أمام عينه لنهض وقاتل وما سكت. إذ يُقال: هذا خلاف الروايات أعلاه التي نطقت بأن قتله كان بعد أن حاولت نائلة الدفاع عنه، ولذا قُطعت أصابعها، فقد كان إذن ينظر لما يجري على امرأته، ورأى بأم عينه كيف قد غُمزت عجيزتها، غاية ما هنالك أنه قد جُرح قبل ذلك. ولا أقل من أنه كان عالماً بأن دخول الرجال عليه بيته يلازم بالضرورة انتهاك حرمة نسائه، فلماذا تركهم يدخلون ولم يحمل السيف دفاعاً عن نفسه وعرضه؟!
فجوابكم على هذا نجيب به - من باب الإلزام - على سؤالكم عن علة ما تزعمون - ولا حقيقة له - من قعود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) عن التصدّي لعمر وأوباشه أثناء هجومهم على داره.
هذا مع أن ههنا فروقاً بين الحادثتيْن، منها أن الهجوم على دار علي والزهراء (صلوات الله عليهما) جرى بغتة، أما الهجوم على دار عثمان ونائلة فقد جرى بعد حصار طويل ومقدمات طويلة، كان عثمان أثناءها قابعاً مرتعباً في بيته ينتظر المدد من معاوية.
والفرق الآخر هو الجواب الحلّي؛ ففي حادثة الهجوم على الدار النبوية هبَّ علي (صلوات الله عليه) كالليث من داخل بيته بمجرد أن سمع استغاثة الزهراء (صلوات الله عليها) عند الباب، فأخذ بتلابيب عمر وطرحه أرضا ووجأ أنفه ورقبته وجلس على صدره وهمّ بقتله لولا أنه تذكر عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: "يا ابن صهاك! والذي أكرم محمدا - صلى الله عليه وآله - بالنبوة؛ لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليَّ رسول الله لعلمتَ أنك لا تدخل بيتي". (كتاب سُليم بن قيس الهلالي ص387).
فمن ذا يقول بأن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لم يدافع عن زوجته بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فالأمير (عليه السلام) هبّ لنجدة زوجته وحامى عنها بمجرّد أن سمع استغاثتها، بل وهمّ بقتل عمر لولا أن تذكر الوصية، لا كما يتوهّم هؤلاء الجهلة من أنه كان ساكتاً ينظر والعياذ بالله. أما ما وقع قبل ذلك من أحداث فإنما جرت فلتة وبشكل متسارع بعدما تطوّر الموقف فجأة واقتحم الأوغاد الدار.
أما أنه لماذا لم يقتص علي (صلوات الله عليه) من أبي بكر وعمر عليهما اللعنة؟ فجوابه: أنه (عليه السلام) حاول ذلك، غير أن القوم كانت لهم عصابة، وهو واحد، فينبغي أن يعدّ لهم عدّة من الرجال. وبالفعل فقد تحرّك أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في هذا الاتجاه ودعا الناس إلى مبايعته على جهاد القوم، لكن العدة التي بها يمكن تحقيق الانتصار عليهم لم تكتمل، وهي عدة الأربعين رجلاً، فقد علم أمير المؤمنين من أخيه رسول الله (صلى الله عليهما وآلهما) أنه بغير تحقق هذا العدد من الرجال لا يتحقق الانتصار.
روى سُليم بن قيس في حديث أن الأشعث بن قيس (لعنه الله) قال لأمير المؤمنين عليه السلام: "ما منعك يابن أبي طالب حين بويع أخو تيم بن مرة وأخو بني عدي بن كعب وأخو بني أمية بعدهما؛ أن تقاتل وتضرب بسيفك؟ وأنت لم تخطبنا خطبة - منذ كنتَ قَدِمْتَ العراق - إلا وقد قلتَ فيها قبل أن تنزل عن منبرك: والله إني لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض الله محمدا صلى الله عليه وآله. فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟ فقال له علي عليه السلام: يابن قيس! قلتَ فاسمع الجواب: لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهية للقاء ربي، وأن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لي من الدنيا والبقاء فيها، ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وعهده إلي، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بما الأمة صانعة بي بعده، فلم أكُ بما صنعوا - حين عاينته - بأعلم مني ولا أشد يقيناً مني به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله أشد يقينا مني بما عاينت وشهدت، فقلت: يا رسول الله؛ فما تعهد إليَّ إذا كان ذلك؟ قال: إنْ وجدتَ أعواناً فانبذ إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنتي أعوانا". (كتاب سليم بن قيس ص214)
وروى أيضاً عن سلمان الفارسي المحمدي رضوان الله تعالى عليه: "فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهم السلام فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة (سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير)فإنّا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته". (كتاب سليم ص146)
وروى أيضاً أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر وعمر عليهما اللعنة: "أما والله لو أن أولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوا لي؛ لجاهدتكم في الله". (كتاب سليم ص275)
ومن مصادر أهل الخلاف؛ قال ابن أبي الحديد: "وقد روى كثير من المحدثين أنه عقيب يوم السقيفة تألم و تظلم واستنجد واستصرخ حيث ساموه الحضور والبيعة وأنه قال وهو يشير إلى القبر: يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي! وأنه قال: وا جعفراه! ولا جعفر لي اليوم! وا حمزتاه! ولا حمزة لي اليوم". (شرح النهج لابن أبي الحديد ج11 ص111 وقريب منه رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج1 ص31)
وروى أيضاً: "إنّ علياً عليه السلام لمّا استنجد بالمسلمين عَقيب يوم السقيفة وما جرى فيه، وكان يحمِل فاطمة عليها السلام ليلاً على حمارٍ، وابناها بين يدي الحِمار وهو عليه السلام يسوقه، فيَطْرُق بيوت الأنصار وغيرهم، ويسألهم النُّصرة والمَعُونة، أجابه أربعون رجلاً، فبايعهم على الموت، وأمرهم أن يُصْبِحوا بُكرةً مُحلّقي رُؤوسهم ومعهم سلاحهم، فأصبح لم يُوافِهِ عليه السلام منهم إلا أربعة: الزبير، والمِقداد، وأبو ذرّ، وسلمان. ثمّ أتاهم من الليل فناشدهم، فقالوا: نُصبّحك غُدوة، فما جاءه منهم إلا الأربعة، وكذلك في الليلة الثالثة، و كان الزبير أشدّهم له نُصرة، وأنفذهم في طاعته بصيرةً، حلق رأسه وجاءه مِراراً وفي عنقه سيفه، وكذلك الثلاثة الباقون، إلّا أنّ الزبير هو كان الرأس فيهم". (شرح النهج لابن أبي الحديد ج11 ص14)
ومن مجموع الروايات يُستفاد أن عليا (صلوات الله عليه) قد بدأ حملة التحشيد للاقتصاص والأخذ بالثأر وإرجاع الحق إلى نصابه عبر قتال أبي بكر وعمر وعصابتهما الانقلابية، وبايعه أربعون رجلاً على ذلك، فاكتملت العدة، إلا أنه لم يفِ منهم إلا أربعة، فاضطر للعدول عن القتال. فدعوى أنه (عليه السلام) لم يحاول جهاد المجرمين الغاصبين باطلة، أما قعوده بعد ذلك فهو فيه معذور لأنه لم يجد أعواناً بعدة أربعين رجلاً يكفون للقتال كما أمره الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) بذلك. وهذا نظير قعود رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قتال قريش قبل بدر رغم إجرامها بحق المسلمين، وما ذلك إلا لأن العدة المطلوبة - وهي ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً - لم تكتمل، وحين اكتملت أعلن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الجهاد بأمر الله تعالى.
فلا يُقال: ولماذا الأربعون؟ إذ يُقال: إن الله تعالى هو مَن يحدّد، وكما حدّد عدة الثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً شرطاً لقتال قريش، كذلك حدّد عدة الأربعين رجلاً لقتال أبي بكر وعمر والمنافقين. فإذا لم يتحقق الشرط سقط القتال. ولهذا نظائر كثيرة في سيرة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام. والله هو العالم العارف بالمصالح، ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، فليس لأحد الاعتراض على ما يحكم به.
وأما أنه لماذا لم يستخدم علي (عليه السلام) قوته الإعجازية المودعة فيه من قبل الله تعالى فيكتفي بنفسه في قتال أبي بكر وعمر؟ فجوابه: إنه لم يؤذن له في ذلك، وإلا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لديه أضعاف تلك القوة الإعجازية، ومع ذلك لم يستخدمها في غزواته وحروبه، وقاتل برجاله حتى خسر معركة أحد، وكان (صلى الله عليه وآله) يكفيه أن يدعو الله تعالى أن يزلزل الأرض تحت أقدام أعدائه فيستغني بذلك عن دعوة رجاله إلى القتال وخيانتهم له بفرارهم، لكنه لم يفعل ذلك إجمالاً، وما هذا إلا لأن الله تعالى أبى في مثل هذه الموارد إلا أن تجري الأمور بين أوليائه وأعدائه بحسب السياقات الطبيعية لا الإعجازية، ليعلم الذين جاهدوا ويعلم الصابرين، وليعلم أيضاً من يتخلف وينكث. ولو أنه سبحانه أذن لنبيّه أو وليّه وأجرى الإعجاز على يديه في مناجزة أعدائه على الدوام؛ لبطل الامتحان الإلهي للبشر، إذ كيف يُختبر الناس ليُرى وفاؤهم بالعهد الذي عاهدوا الله عليه إذا لم يُدعوا إلى القتال؟!
فهذا ما صنعه علي (عليه السلام) بأمر الله تعالى، إنه دعا الناس إلى القتال انتصاراً للحق والعدل، وثأراً لرسول الله وبضعته الزكية صلوات الله عليهما وآلهما، غير أن القوم خذلوا ولم يستجب منهم إلا أربعة. فماذا يفعل وليس مأذوناً له أن يقاتل بنفسه وذلك أمر محرّمٌ عليه بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله؟! إذ الأولوية شرعاً عليه هي حفظ نفسه.
ثم إن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقتص ممن حاولوا قتله بنفر ناقته على العقبة مخافة أن يُقال أن محمداً لما ظفر بأصحابه أخذ يقتّلهم، فكذلك فعل أمير المؤمنين عليه السلام، لأن محمداً وعلياً وكذا أهل البيت الطاهرين (صلوات الله عليهم) إنما يفدون بأرواحهم دين الله تعالى، فيضحّون ويصبرون على مَن ظلمهم - إن لم تكتمل العدة -انتظاراً لأمر الله وانتقامه، وتقديماً للأهم على المهم.
ولو أن عليّاً (صلوات الله عليه) ناجز القوم القتال والحال هذه لما كان هو علي الذي نعرفه! إنما يكون رجلاً آخر، فعلي الذي قد عرفته صفحات المجد في الإسلام إنما هو ذلك الرجل الذي يقدّم الدين على نفسه، فلو تزاحم أمر حفظ الدين مع أمر اقتصاصه ممن ظلمه وظلم أهله؛ فلا شكّ أنه يقدّم الأول على الثاني، فداءً لدين الله تعالى وقرباناً إليه. ذلك هو أبو الحسن (عليه السلام) الذي كان قادراً على أن ينتقم لكنه صبر، وتلك هي خصال العظماء، فأن تكون عاجزاً فتصبر فأنت معذور، أما أن تكون قادراً فتصبر مراعاةً لما هو أهم والتزاماً بالشرط ووفاءً بالعهد، فأنت حينذاك تُجلُّ إجلالاً وتُرى بعين الإعظام والإكبار.
وأما استدلالك بالآية الكريمة فليس في محله، لأن الأمر خاص برسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس عاماً، ولم يقل أحد من فقهاء الإسلام قط أنه يعم سائر الناس فيجب على الواحد أن يبرز لقتال جيش بأكمله! وهو بعد مقيد بما يتحقق به التكليف لرسول الله صلى الله عليه وآله، فإنه مثلاً لم يخرج للقتال في كثير في من سراياه، ولم يخرج للقتال في حملة أسامة على الروم. فإن قلتَ: إنه كان مريضاً فهو معذور. قلنا: كذلك علي (عليه السلام) كان معذوراً لعلة فقدان الشرط، وكما سقط التكليف هناك عن النبي سقط ههنا عن الوصي صلوات الله عليهما، هذا إن تنزّلنا وقلنا أن الآية في العموم، لكنك عرفتَ أنها في الخصوص. وقد قال إمامنا الصادق صلوات الله عليه: "إن الله كلّف رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يكلّف أحداً من خلقه، كلّفه أن يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه إنْ لم يجد فئة تقاتل معه، ولم يكلّف هذا أحداً من قبله ولا بعده. وتلا هذه الآية". (الكافي الشريف للكليني ج8 ص275)
هداك الله وإيانا سواء السبيل، والسلام.
29 من ربيع الآخر لسنة 1431 من الهجرة النبوية الشريفة.
http://alqatrah.org/question/index.php?id=1392
تعقيب شخصي
حقيقة لقد اتقن السائل سؤاله
وكانت اجابة الشيخ ياسر رائعة وبارعة حقا
هي دي المناقشات ولا بلاش
السلام عليكم ايها الشيخ الرافضي
اعذرني ياشيخ هحكي معكم بصراحة وصدق
فتحملني ورد علي رد من تطلب هدايته وليس رد من تراه معاندا
شوف ياشيخ أنتم تقولون إن الإمام علي لم يقتل عمر عندما انتهك حرمة بيته وزوجته واطفاله لأن رسول الله امره بالصبر
وهذا الكلام غير مقنع حقيقة ابدا لأي واحد حيادي لكون صادق معك
فاي مؤمن واجب عليه واجب الدفاع عن حرمة بيته واهله ولو قتل في ذلك فهو شهيد
فكيف تدعون ان رسول الله يأمره بالصبر على من ينتهك حرمة بيته واهله وابناءه
اي عاقل يقول بهكذا كلام
اي مؤمن شريف مكانه كان قتل عمر فيها خصوصا بعد ان قتل عمر المحسن - كما تقولون - فكيف ينهى رسول الله عليا بالإمتناع عن واجب شرعي اجبني ياشيخ بالله عليك
ثم انكم تقولون إن الإمام علي كان قويا جدا قادر على قتلهم جميعا وحده إذا فلما لم يفعل ؟؟
ألس احقاق الحق واجب طالما انك قادر ولو وحدك طالما قادر
الم يقل الله تعالى {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }النساء84
اذا هو لا يكلف إلا نفسه من حيث الفعل
فلما ينتظر اكتمال نصاب اربعين رجلا كما تدعي طالما انه وحده قادر على إحقاق الحق
ثم اليس حماية اهل بيته والزود عنهم امر يجب الحفاظ على استقلاليته بعيدا عن قضية الخلافة
فلو فرضا قبلنا قضية ان رسول الله امره بالصبر في قضية الخلافة لأنه يجب ان يجتمع عليه الناس - كحد ادنى اربعين رجلا ولا ادري لما اربعين باي دليل تحديد هذا العدد - فإن حماية زوجته وحرمتها وحرمة بيته وولده امر مستقل كان يجب عليه فيه حتى القتال
اي انه لو هناك بعض المنطق في الصبر في قضية الخلافة لأنه لابد ان يجتمع عليه الناس
فاي منطق في عدم رده على انتهاك بيته وحرمة الزهراء وابناءهما ؟ فهل المسلم يجب ان ينتظر نصرة اربعين شخصا للدفاع عن اهل بيته ؟ اي عاقل يقول بهذا
اتمنى تطلعون جواب شافي
وللعلم ياشيخ الرافضة
لولا اني رأيت عدالتكم حتى على الشيعة وانظمتهم الحاكمة في ادانة جرائمهم وانحرافتهم عن الدين كما تفعل مع مخالفيك من اهل السنة والمحسوبين عليهم
ماكنت تعبت حالي بمراسلتكم
والسلام
سني
----------------------------------------
الجواب :
جواب الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لهذا الإشكال جوابان، أحدهما نقضي والآخر حلّي.
أما النقضي؛ فبأن ما جرى أثناء الحملة البكرية العمرية على دار علي والزهراء (صلوات الله عليهما وآلهما) قد جرى مثله أيضاً على دار عثمان وزوجته نائلة حين نشبت ثورة المسلمين عليه، وأنتم تروون أن عثمان لم يحرّك ساكناً ولم يدافع عن نفسه وأهله ولم يتصدّ للذين اقتحموا عليه داره وانتهكوا حرمة نسائه وعياله بدعوى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أوصاه بالصبر. فما بال بائكم تجرّ وباؤنا لا تجر؟!
روى ابن الأثير في أحداث الهجوم على دار عثمان: "فلما رأوا ذلك ثاروا إلى الباب، فلم يمنعهم أحد منه، والباب مغلق لا يقدرون على الدخول منه، فجاؤوا بنـار فأحرقوه والسقيفة التي على الباب، وثار أهل الدار، وعثمان يصلي قد افتتح طه فما شغله ما سمع، ما يخطئ وما يتتعتع، حتى أتى عليها، فلما فرغ جلس إلى المصحف يقرأ فيه، وقرأ : آلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فقال لمن عنده بالدار : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إليّ عهداً فأنا صابر عليه، ولم يحرقوا الباب إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه، فأحرّج على رجل أن يستقتل أو يقاتل". (الكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص17)
وروى ابن خلدون: "ثم دخل عليه السفهاء فضربه أحدهم وأكبّت عليه نائـلة إمرأته تـتقي الضرب بيدها، فنفحها أحدهم بالسيف في أصابعها، ثم قتلوه وسال دمه على المصحف". (تاريخ ابن خلدون ج2 ص150)
وروى ابن كثير: "أن الغافقي بن حرب تقدّم إليه بعد محمد بن أبي بكر فضربه بحديدة في فيه ورفس المصحف الذي بين يديه برجله، فاستدار المصحف ثم استقرّ بين يدي عثمان رضي الله عنه وسالت عليه الدماء، ثم تقدّم سودان بن حمران بالسيف فمانعته نائلة فقطع أصابعها فَولّت فضرب عجيـزتها بـيده وقال: إنها لكبيرة العجيزة! وضرب عثمان فقتله". (البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص210)
وروى الطبري: "وجاء سودان بن حمران ليضربه فانكبت عليه نائلة ابنة الفرافصة واتقت السيف بيدها فتعمدها ونفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت فغمز أوراكها وقال إنها لكبيرة العجيزة وضرب عثمان فقتله". (تاريخ الطبري ج2 ص676)
فها أنت ترى أن عثمان قد ترك الرجال يحرقون باب داره ويقتحمونه وينتهكون حرمة امرأته حتى قطعوا أصابعها، بل وقام أحدهم بتحسّس مؤخّرتها وغمزها قائلاً: "إنها لكبيرة العجيزة"! وعثمان كأن على رأسه الطير لا ينتفض مدافعاً عن نفسه وعرضه! وحجته في ذلك: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إليّ عهداً فأنا صابر عليه".
ولا يُقال: إن الهجوم جرى بغتة فلم يكن عثمان عالماً بالأمر ولو علم لتصدّى للمهاجمين ومنع نفسه ونساءه وعياله منهم. إذ يُقال: بلى إنه كان عالماً، فقد طال حصاره أربعين يوماً على ما ذكره المؤرخون، وقد رآهم يحرقون باب داره وهم يهمّون بالدخول، وعَلم أنهم يطلبون قتله بعد ذلك، ومع هذا لم يتصدَّ لهم ولم يقاتلهم بل حرّج على مَن يناصره أن يفعل ذلك دفاعاً عنه، قائلاً: "لم يحرقوا الباب إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه، فأحرّج على رجل أن يستقتل أو يقاتل".
ولا يُقال: إن هتك حرمة امرأته جرى بعد مقتله ولو كان جرى أمام عينه لنهض وقاتل وما سكت. إذ يُقال: هذا خلاف الروايات أعلاه التي نطقت بأن قتله كان بعد أن حاولت نائلة الدفاع عنه، ولذا قُطعت أصابعها، فقد كان إذن ينظر لما يجري على امرأته، ورأى بأم عينه كيف قد غُمزت عجيزتها، غاية ما هنالك أنه قد جُرح قبل ذلك. ولا أقل من أنه كان عالماً بأن دخول الرجال عليه بيته يلازم بالضرورة انتهاك حرمة نسائه، فلماذا تركهم يدخلون ولم يحمل السيف دفاعاً عن نفسه وعرضه؟!
فجوابكم على هذا نجيب به - من باب الإلزام - على سؤالكم عن علة ما تزعمون - ولا حقيقة له - من قعود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) عن التصدّي لعمر وأوباشه أثناء هجومهم على داره.
هذا مع أن ههنا فروقاً بين الحادثتيْن، منها أن الهجوم على دار علي والزهراء (صلوات الله عليهما) جرى بغتة، أما الهجوم على دار عثمان ونائلة فقد جرى بعد حصار طويل ومقدمات طويلة، كان عثمان أثناءها قابعاً مرتعباً في بيته ينتظر المدد من معاوية.
والفرق الآخر هو الجواب الحلّي؛ ففي حادثة الهجوم على الدار النبوية هبَّ علي (صلوات الله عليه) كالليث من داخل بيته بمجرد أن سمع استغاثة الزهراء (صلوات الله عليها) عند الباب، فأخذ بتلابيب عمر وطرحه أرضا ووجأ أنفه ورقبته وجلس على صدره وهمّ بقتله لولا أنه تذكر عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: "يا ابن صهاك! والذي أكرم محمدا - صلى الله عليه وآله - بالنبوة؛ لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليَّ رسول الله لعلمتَ أنك لا تدخل بيتي". (كتاب سُليم بن قيس الهلالي ص387).
فمن ذا يقول بأن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لم يدافع عن زوجته بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فالأمير (عليه السلام) هبّ لنجدة زوجته وحامى عنها بمجرّد أن سمع استغاثتها، بل وهمّ بقتل عمر لولا أن تذكر الوصية، لا كما يتوهّم هؤلاء الجهلة من أنه كان ساكتاً ينظر والعياذ بالله. أما ما وقع قبل ذلك من أحداث فإنما جرت فلتة وبشكل متسارع بعدما تطوّر الموقف فجأة واقتحم الأوغاد الدار.
أما أنه لماذا لم يقتص علي (صلوات الله عليه) من أبي بكر وعمر عليهما اللعنة؟ فجوابه: أنه (عليه السلام) حاول ذلك، غير أن القوم كانت لهم عصابة، وهو واحد، فينبغي أن يعدّ لهم عدّة من الرجال. وبالفعل فقد تحرّك أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في هذا الاتجاه ودعا الناس إلى مبايعته على جهاد القوم، لكن العدة التي بها يمكن تحقيق الانتصار عليهم لم تكتمل، وهي عدة الأربعين رجلاً، فقد علم أمير المؤمنين من أخيه رسول الله (صلى الله عليهما وآلهما) أنه بغير تحقق هذا العدد من الرجال لا يتحقق الانتصار.
روى سُليم بن قيس في حديث أن الأشعث بن قيس (لعنه الله) قال لأمير المؤمنين عليه السلام: "ما منعك يابن أبي طالب حين بويع أخو تيم بن مرة وأخو بني عدي بن كعب وأخو بني أمية بعدهما؛ أن تقاتل وتضرب بسيفك؟ وأنت لم تخطبنا خطبة - منذ كنتَ قَدِمْتَ العراق - إلا وقد قلتَ فيها قبل أن تنزل عن منبرك: والله إني لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض الله محمدا صلى الله عليه وآله. فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟ فقال له علي عليه السلام: يابن قيس! قلتَ فاسمع الجواب: لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهية للقاء ربي، وأن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لي من الدنيا والبقاء فيها، ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وعهده إلي، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بما الأمة صانعة بي بعده، فلم أكُ بما صنعوا - حين عاينته - بأعلم مني ولا أشد يقيناً مني به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله أشد يقينا مني بما عاينت وشهدت، فقلت: يا رسول الله؛ فما تعهد إليَّ إذا كان ذلك؟ قال: إنْ وجدتَ أعواناً فانبذ إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنتي أعوانا". (كتاب سليم بن قيس ص214)
وروى أيضاً عن سلمان الفارسي المحمدي رضوان الله تعالى عليه: "فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهم السلام فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة (سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير)فإنّا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته". (كتاب سليم ص146)
وروى أيضاً أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر وعمر عليهما اللعنة: "أما والله لو أن أولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوا لي؛ لجاهدتكم في الله". (كتاب سليم ص275)
ومن مصادر أهل الخلاف؛ قال ابن أبي الحديد: "وقد روى كثير من المحدثين أنه عقيب يوم السقيفة تألم و تظلم واستنجد واستصرخ حيث ساموه الحضور والبيعة وأنه قال وهو يشير إلى القبر: يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي! وأنه قال: وا جعفراه! ولا جعفر لي اليوم! وا حمزتاه! ولا حمزة لي اليوم". (شرح النهج لابن أبي الحديد ج11 ص111 وقريب منه رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج1 ص31)
وروى أيضاً: "إنّ علياً عليه السلام لمّا استنجد بالمسلمين عَقيب يوم السقيفة وما جرى فيه، وكان يحمِل فاطمة عليها السلام ليلاً على حمارٍ، وابناها بين يدي الحِمار وهو عليه السلام يسوقه، فيَطْرُق بيوت الأنصار وغيرهم، ويسألهم النُّصرة والمَعُونة، أجابه أربعون رجلاً، فبايعهم على الموت، وأمرهم أن يُصْبِحوا بُكرةً مُحلّقي رُؤوسهم ومعهم سلاحهم، فأصبح لم يُوافِهِ عليه السلام منهم إلا أربعة: الزبير، والمِقداد، وأبو ذرّ، وسلمان. ثمّ أتاهم من الليل فناشدهم، فقالوا: نُصبّحك غُدوة، فما جاءه منهم إلا الأربعة، وكذلك في الليلة الثالثة، و كان الزبير أشدّهم له نُصرة، وأنفذهم في طاعته بصيرةً، حلق رأسه وجاءه مِراراً وفي عنقه سيفه، وكذلك الثلاثة الباقون، إلّا أنّ الزبير هو كان الرأس فيهم". (شرح النهج لابن أبي الحديد ج11 ص14)
ومن مجموع الروايات يُستفاد أن عليا (صلوات الله عليه) قد بدأ حملة التحشيد للاقتصاص والأخذ بالثأر وإرجاع الحق إلى نصابه عبر قتال أبي بكر وعمر وعصابتهما الانقلابية، وبايعه أربعون رجلاً على ذلك، فاكتملت العدة، إلا أنه لم يفِ منهم إلا أربعة، فاضطر للعدول عن القتال. فدعوى أنه (عليه السلام) لم يحاول جهاد المجرمين الغاصبين باطلة، أما قعوده بعد ذلك فهو فيه معذور لأنه لم يجد أعواناً بعدة أربعين رجلاً يكفون للقتال كما أمره الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) بذلك. وهذا نظير قعود رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قتال قريش قبل بدر رغم إجرامها بحق المسلمين، وما ذلك إلا لأن العدة المطلوبة - وهي ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً - لم تكتمل، وحين اكتملت أعلن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الجهاد بأمر الله تعالى.
فلا يُقال: ولماذا الأربعون؟ إذ يُقال: إن الله تعالى هو مَن يحدّد، وكما حدّد عدة الثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً شرطاً لقتال قريش، كذلك حدّد عدة الأربعين رجلاً لقتال أبي بكر وعمر والمنافقين. فإذا لم يتحقق الشرط سقط القتال. ولهذا نظائر كثيرة في سيرة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام. والله هو العالم العارف بالمصالح، ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، فليس لأحد الاعتراض على ما يحكم به.
وأما أنه لماذا لم يستخدم علي (عليه السلام) قوته الإعجازية المودعة فيه من قبل الله تعالى فيكتفي بنفسه في قتال أبي بكر وعمر؟ فجوابه: إنه لم يؤذن له في ذلك، وإلا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لديه أضعاف تلك القوة الإعجازية، ومع ذلك لم يستخدمها في غزواته وحروبه، وقاتل برجاله حتى خسر معركة أحد، وكان (صلى الله عليه وآله) يكفيه أن يدعو الله تعالى أن يزلزل الأرض تحت أقدام أعدائه فيستغني بذلك عن دعوة رجاله إلى القتال وخيانتهم له بفرارهم، لكنه لم يفعل ذلك إجمالاً، وما هذا إلا لأن الله تعالى أبى في مثل هذه الموارد إلا أن تجري الأمور بين أوليائه وأعدائه بحسب السياقات الطبيعية لا الإعجازية، ليعلم الذين جاهدوا ويعلم الصابرين، وليعلم أيضاً من يتخلف وينكث. ولو أنه سبحانه أذن لنبيّه أو وليّه وأجرى الإعجاز على يديه في مناجزة أعدائه على الدوام؛ لبطل الامتحان الإلهي للبشر، إذ كيف يُختبر الناس ليُرى وفاؤهم بالعهد الذي عاهدوا الله عليه إذا لم يُدعوا إلى القتال؟!
فهذا ما صنعه علي (عليه السلام) بأمر الله تعالى، إنه دعا الناس إلى القتال انتصاراً للحق والعدل، وثأراً لرسول الله وبضعته الزكية صلوات الله عليهما وآلهما، غير أن القوم خذلوا ولم يستجب منهم إلا أربعة. فماذا يفعل وليس مأذوناً له أن يقاتل بنفسه وذلك أمر محرّمٌ عليه بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله؟! إذ الأولوية شرعاً عليه هي حفظ نفسه.
ثم إن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقتص ممن حاولوا قتله بنفر ناقته على العقبة مخافة أن يُقال أن محمداً لما ظفر بأصحابه أخذ يقتّلهم، فكذلك فعل أمير المؤمنين عليه السلام، لأن محمداً وعلياً وكذا أهل البيت الطاهرين (صلوات الله عليهم) إنما يفدون بأرواحهم دين الله تعالى، فيضحّون ويصبرون على مَن ظلمهم - إن لم تكتمل العدة -انتظاراً لأمر الله وانتقامه، وتقديماً للأهم على المهم.
ولو أن عليّاً (صلوات الله عليه) ناجز القوم القتال والحال هذه لما كان هو علي الذي نعرفه! إنما يكون رجلاً آخر، فعلي الذي قد عرفته صفحات المجد في الإسلام إنما هو ذلك الرجل الذي يقدّم الدين على نفسه، فلو تزاحم أمر حفظ الدين مع أمر اقتصاصه ممن ظلمه وظلم أهله؛ فلا شكّ أنه يقدّم الأول على الثاني، فداءً لدين الله تعالى وقرباناً إليه. ذلك هو أبو الحسن (عليه السلام) الذي كان قادراً على أن ينتقم لكنه صبر، وتلك هي خصال العظماء، فأن تكون عاجزاً فتصبر فأنت معذور، أما أن تكون قادراً فتصبر مراعاةً لما هو أهم والتزاماً بالشرط ووفاءً بالعهد، فأنت حينذاك تُجلُّ إجلالاً وتُرى بعين الإعظام والإكبار.
وأما استدلالك بالآية الكريمة فليس في محله، لأن الأمر خاص برسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس عاماً، ولم يقل أحد من فقهاء الإسلام قط أنه يعم سائر الناس فيجب على الواحد أن يبرز لقتال جيش بأكمله! وهو بعد مقيد بما يتحقق به التكليف لرسول الله صلى الله عليه وآله، فإنه مثلاً لم يخرج للقتال في كثير في من سراياه، ولم يخرج للقتال في حملة أسامة على الروم. فإن قلتَ: إنه كان مريضاً فهو معذور. قلنا: كذلك علي (عليه السلام) كان معذوراً لعلة فقدان الشرط، وكما سقط التكليف هناك عن النبي سقط ههنا عن الوصي صلوات الله عليهما، هذا إن تنزّلنا وقلنا أن الآية في العموم، لكنك عرفتَ أنها في الخصوص. وقد قال إمامنا الصادق صلوات الله عليه: "إن الله كلّف رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يكلّف أحداً من خلقه، كلّفه أن يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه إنْ لم يجد فئة تقاتل معه، ولم يكلّف هذا أحداً من قبله ولا بعده. وتلا هذه الآية". (الكافي الشريف للكليني ج8 ص275)
هداك الله وإيانا سواء السبيل، والسلام.
29 من ربيع الآخر لسنة 1431 من الهجرة النبوية الشريفة.
http://alqatrah.org/question/index.php?id=1392
تعقيب شخصي
حقيقة لقد اتقن السائل سؤاله
وكانت اجابة الشيخ ياسر رائعة وبارعة حقا
هي دي المناقشات ولا بلاش