شيعية موالية
09-08-2006, 06:06 PM
ترى لماذا كتب الله عز وجل عن يمين العرش بأن الحسين "مصباح الهدى وسفينة النجاة"، (بحارالأنوار، ج 91، ص 184, ح 1) وكيف جعل السبط الشهيد بمثابة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، ولماذا هذه الكرامة البالغة لشخص ابي عبد الله الحسين عليه السلام عند الله وانه -كما جاء في الحديث-: "إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض" (بحارالأنوار، ج 91، ص 184, ح 1) أي انّ أهل السماء أعرف بالحسين وكرامته من أهل الارض مع انّنا نجد انّ كرامته عند اهل الارض ليست بالقليلة؟
في كل عام يحلّ علينا موسم محرّم، موسم الحزن الثائر، فنجد الدنيا وكأنها قد انقلبت؛ فالشوارع تتجلّل بالسواد، والناس يفرضون على انفسهم لباس الحزن، والاذاعات ومحطات التلفاز تبث برامج خاصة بهذه المناسبة. فهذا الموسم هو نسمة جديدة تهب على قلوب العالمين ليس في المناطق التي يسكنها أتباع أهل البيت عليهم السلام فحسب وانما في سائر مناطق العالم. فلماذا اعطى الله سبحانه هذه الكرامة لأبي عبد الله الحسين عليه السلام؟
نظرات في عظمة الامام الحسين عليه السلام
البعض من الناس عندما يقفون ازاء عظمة عاشوراء، وملحمة كربلاء، فانهم يعبّرون عن اعجابهم بالحسين عليه السلام وبتلك الثورة الناهضة التي ما تزال حيّة في افئدة الجماهير. فهم يقدّرونه عليه السلام لانه كان حراً لم تستعبده السلطة، ولانه دافع عن حريته، ودعا الناس الى التحرر. كل ذلك صحيح ولكنه ليس كل القضية بل هو جزء بسيط منها. فالاحرار كثيرون، وكثير من الناس عاشوا وماتوا احراراً، في حين اننا لا نقدّسهم ولا نقدّرهم كما نقدّس ونقدّر ابا عبد الله الحسين عليه السلام.
والبعض الآخر يرى انه عليه السلام ناضل وجاهد من اجل اقامة حكم الله في الارض، وثار من اجل اقامة العدل، واحياء الدين ، وبث روح القيم القرآنية في الأمة. وهذا صحيح ايضاً، ولكنه - هو الآخر - لا يمثل كل القضية، فكثيرون هم اولئك الذين ثاروا من اجل اقامة حكم الله تعالى، وقتلوا في هذا الطريق، والبعض منهم استطاع ان يحقق هدفه فأقام حكم الله في قطعة معينة من الأرض.
و البعض الآخر يرى ان سرّ بقاء ملحمة كربلاء في أنها كانت ملحمة مأساوية لم و لن تقع في التاريخ ملمحة أشد فظاعة و ايلاماً و حزناً منها، حتى مضى هذا المثل في التاريخ: "لا يوم كيومك يا ابا عبد الله". فيوم الحسين عليه السلام أعظم من كل يوم، فقد أقرح الجفون، و أسبل الدموع، و لكن ليس هذا هو سرّ عظمة أبي عبد الله عليه السلام، فالمآسي في التاريخ كثيرة، و الذين قتلوا، و دمّروا، و قتلت عوائلهم كثيرون من مثل الحسين شهيد فخ، و زيد بن علي الذين تعرّضوا للابادة هم و عوائلهم بشكل فظيع، و مع ذلك فاننا لا نجد كل الناس يهتمون بهذه الأحداث بل لعلّ أكثرهم لا يعرفون عنها شيئاً.
الخلوص والصفاء
وبناءً على ذلك فان عظمة الحسين عليه السلام لا تكمن فقط في ان شخصيتهُ كانت شخصيّةً ثائرة حرّة، او لانها تعرضت للابادة بشكل فظيع. إذن؛ فما هو سرّ هذه العظمة؟
للإجابة على هذا السؤال نقول: لابد ان نعلم بأن الله سبحانه هـو خالق الكون ومليك السماوات والارض، وبيده الأمر، وانه يرفع من يشاء ويضع من يشاء، وان من تمسك بحبله رفعه، ومن ترك حبله وضعه.
ومن المعلوم ان الحسين عليه السلام تمسك بحبل الله فرفعه، واخلص العمل له فأخلص الله له ودّ المؤمنين، وجعل له في قلب كل مسلم حرارة. وقديماً عندما خلق الله تقدّست اسماؤه آدم واسكنه الجنة، رأى آدم ما رأى حول العرش من الانوار، ثم علّمه جبرائيل تلك الاسماء والكلمات، ونطق بها، واقسم على الله عز وجل بتلك الكلمات والانوار الخمسة، … "فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرئيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا اخي وما هي؟ قال: يُقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصرٌ ولا معين… فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى" (بحارالأنوار، ج 44، ص 245).
وهكذا فانّ قيمة الإمام عليه السلام تكمن في انه كان مخلصاً صفياً ، فهو عليه السلام لو كان يمتلك ألف ابن مثل عليّ الاكبر وكان عليه ان يضحّي بهم في لحظة واحدة لما تردّد في فعل ذلك لانه جرّد نفسه عن اهوائه، رغم انه عليه السلام كان يحب عليّ الاكبر حباً لا حدّ له، حباً لا يمكن ان يضمره أي ابٍ لابنه، لأن علياً الاكبر كان اشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خَلقاً وخُلقاً، ومع ذلك فان حب الحسين عليه السلام لله تعالى كان اشدّ كما يقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبَّاً لِلَّهِ﴾ (البقرة/165).
ونحن إذا رأينا اليوم انّ الناس يقدّرون ابا عبد الله، وإذا رأيناهم يحملون إلينا في كل شهر محرم موسماً جديداً وميموناً من ذكراه عليه السلام فلأن ثورته كانت ثورة ربانية، ولانه كان اباً للأحرار، وثائراً من أجل الدين، وكان يريد اقامة حكم الله في الارض، ومع كل ذلك فان هذه المزايا تعّد أموراً ثانوية. فالامام الحسين عليه السلام عندما وقف في عرفة وقرأ ذلك الدعاء الخالد الذي هو بحق كنز من كنوز الرحمة، وموسوعة توحيدية كبرى، فانه قد جسّد فقرات هذا الدعاء في كربلاء. فهو عندما قال وهو متوجّه الى الله جل جلاله: "إلهي ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك" (مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة، ص 273)؟ فانه كان يرى ان كل شيء في الوجود، وكل القيم متمثلة في حب الله ومعرفته، وقد جسّد عليه السلام كل ذلك في كربلاء كلما كان يفقد عزيزاً، أو ابناً ، أو اخاً من أعزّ الاخوان عليه.
فعلى سبيل المثال فان أبناء واخوان وأصحاب الامام الحسين عليه السلام الذين ضرّجوا بدمائهم في كربلاء كان كل واحد منهم يمثل نجماً في أفق التوحيد، فقد كان بعض اصحاب الامام الحسين عليه السلام أصحاباً للنبي صلى الله عليه وآله من مثل حبيب بن مظاهر الذي اوتي علم المنايا والبلايا، ومن مثل مسلم بن عوسجة الذي كان فقيهاً وعالماً من العلماء العظام، ولقد قتل هؤلاء الواحد تلو الآخر ومع ذلك فان وجه ابي عبد الله عليه السلام كان يزداد اشراقاً رغم انّ قلبه كان يتفطّر الماً عليهم.
وبعد ان اكمل عليه السلام مهمته قبض قبضة من تراب كربلاء، ووضع جبهته الشريفة عليه وقال: "صبراً على قضائك يا رب لا إله سواك يا غياث المستغيثين مالي رب سواك ولا معبود غيرك.." (مقتل المقرّم، 357).
وفي الحقيقة فان ما نعطيه ويعطيه العاملون لتجديد ذكرى ابي عبد الله لو وضع في كفة، ووضعت كلمة الحسين هذه في تلك اللحظة، وفي ذلك الموقف في كفة اخرى لرجحت كلمة الحسين على اعمالنا جميعاً. فلقد اعطى عليه السلام كل ما يملك في سبيل الله حتى الطفل الرضيع، وعائلته التي وضعها في بحر من الاعداء الشرسين المتوحشين، ومع كل ذلك فقد قال: "صبراً على قضائك يا رب لا إله سواك يا غياث المستغيثين مالي رب سواك ولا معبود غيرك..".
وهكذا فان الذي جعل ذكرى الحسين عليه السلام خالدة، هو انّ ما كان لله يبقى، والامام الحسين عمل مخلصاً لوجه الله. ونحن إذا اردنا ان نرضي الخالق تبارك وتعالى، والحسين، وجدّه وامّه واباه واخاه، والائمة من ولده فلابد أن نخلص اعمالنا لوجه الله، وان نفعل كل ما يمكننا من اجل ان نخلّد ونجدّد ذكرى الثورة الحسينية حتى من خلال التظاهر بالعزاء، والبكاء عليه بصوت عال بحيث يسمعنا الآخرون.
مأساة تستدر الدموع
وفي هذا المجال روى لي احد الخطباء قصة طريفة يقول فيها: كنا نقيم مجالس العزاء على الحسين عليه السلام في بلد اجنبي في صالة نستأجرها كلّ عام، فسألني احد الاشخاص المسيحيين قائلاً: انكم تأتون الى هذه الصالة، وتستأجرونها سنوياً لتبكوا، في حين ان الآخرين يستأجرونها لاقامة مجالس الاعراس والافراح، فلماذا تفعلون ذلك؟. فقلت له: لاننا في عزاء، فقال: عزاء من؟ فقلت: عزاء سيّدنا وإمامنا وقائدنا. فقال لي: متى أصيب وكيف؟ فقلت: قبل الف واربعمائة عام. فتعجّب من ذلك، واصابته الدهشة لاننا مازلنا نبكي على رجل مات قبل مئات السنين. فقلت له: إنّ مقتله لم يكن عادياً، فلقد قتل مظلوماً وبشكل مأساوي بعد أن دعاه الناس، ووعدوه بالنصرة، فاذا بهم يخذلونه، ويسلمونه للاعداء، ويحيطون به في صحراء قاحلة حيث لا ماء ولا طعام، وحتى طفله الرضيع لم يسقوه شربة من الماء بل رموه بدلاً من ذلك بسهم قاتل!
يقول الخطيب: وبعد ان شرحت للرجل المسيحي سبب بكائنا على الإمام الحسين عليه السلام إذا به يجهش بالبكاء، وتتقاطر دموعه، ويظهر تعاطفه معنا، ثم طلب منا ان نسمح له بأن يشاركنا في العزاء على ابي عبد الله عليه السلام.
وهكذا فانّ سر خلود الثورة الحسينية يكمن في انها كانت ثورة ربانية خالصة لوجه الله الكريم، وانها كانت من الاحداث التي قدّر الله لها ان تحدث منذ الازل. فقد كانت مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالمشيئة الالهية. واما بالنسبة للعوامل الاخرى التي تذكر في تفسير سر خلود ثورة الامام الحسين عليه السلام فهي اسباب ثانوية تتفرّع من السبب الرئيسي الذي ذكرناه.
المصدر: "الإمام الحسين (ع) قدوة الصديقين" للعلامة آية الله السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)
في كل عام يحلّ علينا موسم محرّم، موسم الحزن الثائر، فنجد الدنيا وكأنها قد انقلبت؛ فالشوارع تتجلّل بالسواد، والناس يفرضون على انفسهم لباس الحزن، والاذاعات ومحطات التلفاز تبث برامج خاصة بهذه المناسبة. فهذا الموسم هو نسمة جديدة تهب على قلوب العالمين ليس في المناطق التي يسكنها أتباع أهل البيت عليهم السلام فحسب وانما في سائر مناطق العالم. فلماذا اعطى الله سبحانه هذه الكرامة لأبي عبد الله الحسين عليه السلام؟
نظرات في عظمة الامام الحسين عليه السلام
البعض من الناس عندما يقفون ازاء عظمة عاشوراء، وملحمة كربلاء، فانهم يعبّرون عن اعجابهم بالحسين عليه السلام وبتلك الثورة الناهضة التي ما تزال حيّة في افئدة الجماهير. فهم يقدّرونه عليه السلام لانه كان حراً لم تستعبده السلطة، ولانه دافع عن حريته، ودعا الناس الى التحرر. كل ذلك صحيح ولكنه ليس كل القضية بل هو جزء بسيط منها. فالاحرار كثيرون، وكثير من الناس عاشوا وماتوا احراراً، في حين اننا لا نقدّسهم ولا نقدّرهم كما نقدّس ونقدّر ابا عبد الله الحسين عليه السلام.
والبعض الآخر يرى انه عليه السلام ناضل وجاهد من اجل اقامة حكم الله في الارض، وثار من اجل اقامة العدل، واحياء الدين ، وبث روح القيم القرآنية في الأمة. وهذا صحيح ايضاً، ولكنه - هو الآخر - لا يمثل كل القضية، فكثيرون هم اولئك الذين ثاروا من اجل اقامة حكم الله تعالى، وقتلوا في هذا الطريق، والبعض منهم استطاع ان يحقق هدفه فأقام حكم الله في قطعة معينة من الأرض.
و البعض الآخر يرى ان سرّ بقاء ملحمة كربلاء في أنها كانت ملحمة مأساوية لم و لن تقع في التاريخ ملمحة أشد فظاعة و ايلاماً و حزناً منها، حتى مضى هذا المثل في التاريخ: "لا يوم كيومك يا ابا عبد الله". فيوم الحسين عليه السلام أعظم من كل يوم، فقد أقرح الجفون، و أسبل الدموع، و لكن ليس هذا هو سرّ عظمة أبي عبد الله عليه السلام، فالمآسي في التاريخ كثيرة، و الذين قتلوا، و دمّروا، و قتلت عوائلهم كثيرون من مثل الحسين شهيد فخ، و زيد بن علي الذين تعرّضوا للابادة هم و عوائلهم بشكل فظيع، و مع ذلك فاننا لا نجد كل الناس يهتمون بهذه الأحداث بل لعلّ أكثرهم لا يعرفون عنها شيئاً.
الخلوص والصفاء
وبناءً على ذلك فان عظمة الحسين عليه السلام لا تكمن فقط في ان شخصيتهُ كانت شخصيّةً ثائرة حرّة، او لانها تعرضت للابادة بشكل فظيع. إذن؛ فما هو سرّ هذه العظمة؟
للإجابة على هذا السؤال نقول: لابد ان نعلم بأن الله سبحانه هـو خالق الكون ومليك السماوات والارض، وبيده الأمر، وانه يرفع من يشاء ويضع من يشاء، وان من تمسك بحبله رفعه، ومن ترك حبله وضعه.
ومن المعلوم ان الحسين عليه السلام تمسك بحبل الله فرفعه، واخلص العمل له فأخلص الله له ودّ المؤمنين، وجعل له في قلب كل مسلم حرارة. وقديماً عندما خلق الله تقدّست اسماؤه آدم واسكنه الجنة، رأى آدم ما رأى حول العرش من الانوار، ثم علّمه جبرائيل تلك الاسماء والكلمات، ونطق بها، واقسم على الله عز وجل بتلك الكلمات والانوار الخمسة، … "فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرئيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا اخي وما هي؟ قال: يُقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصرٌ ولا معين… فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى" (بحارالأنوار، ج 44، ص 245).
وهكذا فانّ قيمة الإمام عليه السلام تكمن في انه كان مخلصاً صفياً ، فهو عليه السلام لو كان يمتلك ألف ابن مثل عليّ الاكبر وكان عليه ان يضحّي بهم في لحظة واحدة لما تردّد في فعل ذلك لانه جرّد نفسه عن اهوائه، رغم انه عليه السلام كان يحب عليّ الاكبر حباً لا حدّ له، حباً لا يمكن ان يضمره أي ابٍ لابنه، لأن علياً الاكبر كان اشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خَلقاً وخُلقاً، ومع ذلك فان حب الحسين عليه السلام لله تعالى كان اشدّ كما يقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبَّاً لِلَّهِ﴾ (البقرة/165).
ونحن إذا رأينا اليوم انّ الناس يقدّرون ابا عبد الله، وإذا رأيناهم يحملون إلينا في كل شهر محرم موسماً جديداً وميموناً من ذكراه عليه السلام فلأن ثورته كانت ثورة ربانية، ولانه كان اباً للأحرار، وثائراً من أجل الدين، وكان يريد اقامة حكم الله في الارض، ومع كل ذلك فان هذه المزايا تعّد أموراً ثانوية. فالامام الحسين عليه السلام عندما وقف في عرفة وقرأ ذلك الدعاء الخالد الذي هو بحق كنز من كنوز الرحمة، وموسوعة توحيدية كبرى، فانه قد جسّد فقرات هذا الدعاء في كربلاء. فهو عندما قال وهو متوجّه الى الله جل جلاله: "إلهي ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك" (مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة، ص 273)؟ فانه كان يرى ان كل شيء في الوجود، وكل القيم متمثلة في حب الله ومعرفته، وقد جسّد عليه السلام كل ذلك في كربلاء كلما كان يفقد عزيزاً، أو ابناً ، أو اخاً من أعزّ الاخوان عليه.
فعلى سبيل المثال فان أبناء واخوان وأصحاب الامام الحسين عليه السلام الذين ضرّجوا بدمائهم في كربلاء كان كل واحد منهم يمثل نجماً في أفق التوحيد، فقد كان بعض اصحاب الامام الحسين عليه السلام أصحاباً للنبي صلى الله عليه وآله من مثل حبيب بن مظاهر الذي اوتي علم المنايا والبلايا، ومن مثل مسلم بن عوسجة الذي كان فقيهاً وعالماً من العلماء العظام، ولقد قتل هؤلاء الواحد تلو الآخر ومع ذلك فان وجه ابي عبد الله عليه السلام كان يزداد اشراقاً رغم انّ قلبه كان يتفطّر الماً عليهم.
وبعد ان اكمل عليه السلام مهمته قبض قبضة من تراب كربلاء، ووضع جبهته الشريفة عليه وقال: "صبراً على قضائك يا رب لا إله سواك يا غياث المستغيثين مالي رب سواك ولا معبود غيرك.." (مقتل المقرّم، 357).
وفي الحقيقة فان ما نعطيه ويعطيه العاملون لتجديد ذكرى ابي عبد الله لو وضع في كفة، ووضعت كلمة الحسين هذه في تلك اللحظة، وفي ذلك الموقف في كفة اخرى لرجحت كلمة الحسين على اعمالنا جميعاً. فلقد اعطى عليه السلام كل ما يملك في سبيل الله حتى الطفل الرضيع، وعائلته التي وضعها في بحر من الاعداء الشرسين المتوحشين، ومع كل ذلك فقد قال: "صبراً على قضائك يا رب لا إله سواك يا غياث المستغيثين مالي رب سواك ولا معبود غيرك..".
وهكذا فان الذي جعل ذكرى الحسين عليه السلام خالدة، هو انّ ما كان لله يبقى، والامام الحسين عمل مخلصاً لوجه الله. ونحن إذا اردنا ان نرضي الخالق تبارك وتعالى، والحسين، وجدّه وامّه واباه واخاه، والائمة من ولده فلابد أن نخلص اعمالنا لوجه الله، وان نفعل كل ما يمكننا من اجل ان نخلّد ونجدّد ذكرى الثورة الحسينية حتى من خلال التظاهر بالعزاء، والبكاء عليه بصوت عال بحيث يسمعنا الآخرون.
مأساة تستدر الدموع
وفي هذا المجال روى لي احد الخطباء قصة طريفة يقول فيها: كنا نقيم مجالس العزاء على الحسين عليه السلام في بلد اجنبي في صالة نستأجرها كلّ عام، فسألني احد الاشخاص المسيحيين قائلاً: انكم تأتون الى هذه الصالة، وتستأجرونها سنوياً لتبكوا، في حين ان الآخرين يستأجرونها لاقامة مجالس الاعراس والافراح، فلماذا تفعلون ذلك؟. فقلت له: لاننا في عزاء، فقال: عزاء من؟ فقلت: عزاء سيّدنا وإمامنا وقائدنا. فقال لي: متى أصيب وكيف؟ فقلت: قبل الف واربعمائة عام. فتعجّب من ذلك، واصابته الدهشة لاننا مازلنا نبكي على رجل مات قبل مئات السنين. فقلت له: إنّ مقتله لم يكن عادياً، فلقد قتل مظلوماً وبشكل مأساوي بعد أن دعاه الناس، ووعدوه بالنصرة، فاذا بهم يخذلونه، ويسلمونه للاعداء، ويحيطون به في صحراء قاحلة حيث لا ماء ولا طعام، وحتى طفله الرضيع لم يسقوه شربة من الماء بل رموه بدلاً من ذلك بسهم قاتل!
يقول الخطيب: وبعد ان شرحت للرجل المسيحي سبب بكائنا على الإمام الحسين عليه السلام إذا به يجهش بالبكاء، وتتقاطر دموعه، ويظهر تعاطفه معنا، ثم طلب منا ان نسمح له بأن يشاركنا في العزاء على ابي عبد الله عليه السلام.
وهكذا فانّ سر خلود الثورة الحسينية يكمن في انها كانت ثورة ربانية خالصة لوجه الله الكريم، وانها كانت من الاحداث التي قدّر الله لها ان تحدث منذ الازل. فقد كانت مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالمشيئة الالهية. واما بالنسبة للعوامل الاخرى التي تذكر في تفسير سر خلود ثورة الامام الحسين عليه السلام فهي اسباب ثانوية تتفرّع من السبب الرئيسي الذي ذكرناه.
المصدر: "الإمام الحسين (ع) قدوة الصديقين" للعلامة آية الله السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)