مشاهدة النسخة كاملة : مصطلحات اصوليه لطلاب وطالبات الحوزه
الحوزويه الصغيره
11-05-2010, 07:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
1 - الإباحة
وهي حكم من الأحكام التكليفيّة المتّصلة بفعل المكلّف، وثبوتها لفعل من أفعال المكلّفين يُنتج السعة وعدم لزوم الالتزام به.
وتنقسم الإباحة إلى قسمين:
الإباحة بالمعنى الأخص: وهي التي يتساوى فيها الفعل والترك بنظر الشارع، أي انّه ليس للفعل بنظر الشارع أيُّ خصوصيّة تقتضي ترجيح فعله أو ترجيح تركه، وبهذا ناسب أن تكون الإباحة قسيماً للأحكام التكليفية الأربعة، إذ انَّها وان كانت تشترك معها في أنَّها حكم تكليفي إلا انَّها لا تنطبق على أحد من تلك الأقسام فعلاقتها مع سائر الأحكام علاقة التباين، وهذا هو منشأ تسميتها بالإباحة بالمعنى الأخص، إذ انّها لا تتداخل مع واحد من سائر الأحكام التكليفيّة، وذلك في مقابل الإباحة بالمعنى الأعم كماسيتّضح ذلك.
والإباحة بالمعنى الأخص تنقسم إلى قسمين:
الاباحة الإقتضائية: وهي التي يكون لجعلها واعتبارها من قبل الشارع منشأ وملاك يقتضي الإباحة والسعة، كما لو كان المنشأ من جعل الاباحة هو التسهيل على العباد.
ومن هنا ناسب أن يكون هذا النحو من الإباحة إباحة بالمعنى الأخص، وذلك لان ملاك التسهيل أوجب انتفاء خصوصيّة الفعل أو الترك لو كانت، وهذا بخلاف الاباحة بالمعنى الأعم فإن خصوصيّة الفعل - لو كانت - تبقى على حالها موجبة لترجُّحه على الترك، وهكذا خصوصية الترك - لو كانت - تبقى على حالها موجبة لترجحه على الفعل.
الإباحة غير الإقتضائية: وهي الخالية عن أيِّ ملاك يقتضي الفعل أو الترك أو يقتضي جعل الإباحة.
فالقيد الاول يُخرج الاباحة بالمعنى الاعم، إذ انَّ الإباحة بالمعنى الأعم يكون الفعل أو الترك فيها مشتملا على ملاك يقتضي إما ترجُّح الفعل أو ترجُّح الترك، والقيد الثاني يُخرج الاباحة الاقتضائية.
الإباحة بالمعنى الأعم: وهي الترخيص وعدم الإلزام بالفعل أو الترك، فهي تعم الإباحة بالمعنى الأخص كما تشمل الاستحباب والكراهة، إذ انَّ جامع الأحكام الثلاثة هو عدم الإلزام بالفعل أو الترك.
ومن هنا لا تكون الاباحة بالمعنى الأعم قسيماً للأحكام التكليفيّة الخمسة، إذ انَّ القسيم لا يتداخل مع قسيمه، نعم هي قسيم للأحكام التكليفية الإلزاميَّة.
للموضوع بقيه تابعونا..
الحوزويه الصغيره
11-05-2010, 07:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
2 - أصالة الإباحة
اضطربت الكلمات في تحديد ما هو المراد من أصالة الإباحة والتي هي في مقابل أصالة الحظر.
ويمكن تصنيف الأقوال المحدّدة لهوية هذا الأصل إلى ثلاثة أقوال:
الأوّل: هو حكم العقل بإباحة كل فعل وقع الشكّ في حكمه الواقعي، هذا بناء على القول بأصالة الاباحة وأما بناء على القول بأصالة الحظر فالمقصود من أصالة الحظر هو حكم العقل بلزوم الامتناع عن كل فعل وقع الشك في حكمه الواقعي.
وكل ذلك معلَّق على عدم ورود ما يُنافي الأصل من قبل الشارع، فلو كنا نبني على أصالة الإباحة فهذا يعني انَّ الحكم بالإباحة ثابت للأشياء إذا لم يرد من الشارع منع، وبهذا تكون أصالة الاباحة وكذلك اصالة الحظر من الأحكام العقليّة الظاهرية المتقومة بالجهل بالحكم الواقعي، ومن هنا تكون مساوقة لاصالة البراءة العقليَّة وكذلك تكون أصالة الحظر مساوقة لاصالة الاشتغال أو الاحتياط العقلي، نعم قد يفترق الأصلان عن البراءة والإشتغال العقليين فيما لو بنينا على ان موضوع أصالة الإباحة والحظر مختص بالشبهات التحريمية - كما هو ليس ببعيد - وبهذا تكون أصالة البراءة والاشتغال أعم من أصالتي الحظر والإباحة.
وبما بيّناه يتّضح عدم الطولية بين أصالتي الاباحة والحظر وبين أصالتي البراءة والاشتغال العقليين بناء على هذا القول والذي هو منسوب لصاحب الفصول (رحمه الله).
الثاني: هو حكم العقل بإباحة الافعال والاشياء أو المنع عنها بغض النظر عن حكم الشارع، فالقول بأصالة الاباحة معناه حكم العقل بحلية الافعال وعدم استحقاق المكلف للعقاب عند ارتكابها مالم يمنع الشارع عن ارتكابها.
وبناء على هذا القول تكون اصالة البراءة مغايرة تماماً لاصالة الإباحة وكذلك تكون أصالة الاشتغال العقلي مغايرة تماماً لاصالة الحظر، وذلك لان أصالتي البراءة والإشتغال متأخرة عن الحكم الشرعي، إذ انَّ موضوعهما الشك في الحكم الشرعي الواقعي في حين ان اصالتي الإباحة والحظر انما تجريان - بناء على هذا القول - في ظرف عدم الحكم الشرعي حيث قلنا انَّ أصالة الإباحة تعني حكم العقل بإباحة الافعال إلا اذا منع الشارع أي إلا اذا كان هناك منع واقعي عن الفعل معلوم أو مشكوك.
ومن هنا يتضح الفرق بين مجرى الاصلين أصالة البراءة وأصالة الإباحة، فحينما يكون المكلف قاطعاً بعدم المنع الشرعي فالمجرى هو أصالة الاباحة وحينما يكون المكلف شاكاً في الحكم الشرعي فالمجرى هو أصالة البراءة.
ثم انه لا يخفى عليكم انَّ البناء على أصالة الإباحة لا يلازم البناء على أصالة البراءة العقلية فمن الممكن ان نبني على أصالة الإباحة وفي نفس الوقت نبني على أصاله الاشتغال العقلي وذلك لاختلاف موضوعيهما، وكذلك البناء على أصالة الحظر لا يلازم البناء على أصالة الاشتغال كما هو واضح.
الثالث: هو انَّ موضوع أصالة الاباحة وكذلك الحظر هو الافعال والأشياء بما هي، أي انَّ البحث عمَّا هو الحق في حكم الاشياء هل الإباحة أو الحظر بحث عن حكم هذه الاشياء واقعاً، فتكون أصالة الاباحة - لو تمت - من الادلة الاجتهادية الكاشفة عن حكم الاشياء واقعاً، أي انَّ وظيفتها هي الكشف عن الحكم الشرعي الواقعي للاشياء بعناوينها الأوليَّة.
إتصال زمان الشك بزمان اليقين …
وبهذا تفترق عن أصالة البراءة والتي تكون وظيفتها تحديد الحكم الظاهري وهذا يقتضي افتراض الشك في الحكم الواقعي في رتبة متقدمة على جريان البراءة.
ومن هنا قد يقال بعدم وصول النوبة لاصالة البراءة وذلك لكونها دليلا فقاهتياً (أصلا عملي) وهو لا يجري في موارد قيام الدليل الاجتهادي، إلاّ انَّ المحقق النائيني (رحمه الله) ذكر انه تبقى بعض الحالات يمكن جريان أصالة البراءة في موردها وذلك فيما لو اتفق امتناع التمسك بأصالة الإباحة في مورد من الموارد لمانع فإن الجاري حينئذ هو أصالة البراءة.
ثم انَّ المستظهر من عبائر المحقق النائيني هو تبني القول الثالث إلاّ انَّه ذكر انَّ موضوع أصالة الإباحة والحظر مختص بالانتفاع المتعلق بالموضوع الخارجي.
وهذا بخلاف أصالة البراءة والاشتغال فإن موضوعهما هو مطلق الفعل الصادر عن المكلَّف سواء كان له ارتباط بالاعيان الخارجية من حيث انتفاع المكلَّف أو لم يكن.
وبهذا يتضح انّ موضوع أصالة الاباحة وكذلك الحظر - بناء على هذا القول - مشتمل على حيثيتين الاولى: هي الاعيان الخارجية، الثانية ان يكون نحو إرتباط المكلَّف بها هو الانتفاع المناسب لكل واحد من تلك الاعيان.
ومن هنا كان موضوع أصالة البراءة والاشتغال أوسع دائرة من موضوع أصالتي الاباحة والحظر بالإضافة إلى تباين موضوعيهما.
تقبلوا تحيتي
شهيدالله
11-05-2010, 09:07 PM
الله يبارك بكم يا تلاميذ مدرسة اهل البيت عليهم السلام ...........
وفقكم الله لكل خير ومعرفة وسرور
نرجس*
11-05-2010, 09:15 PM
الحوزويه الصغيرة
بحث مهم و رائع جزاك الله الف خير يالغالية
نرجس
موسوي البحراني
11-05-2010, 09:42 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم أختي الفاضلة / الحوزوية الصغيرة على هذا المجهود الكريم الذي يستفيد منه طالب العلم زيادة على دراسته الاصولية كما نتمنى منكم المتابعة والاستمرار في ايراد بعض المصطلاحات الاصولية المهمة .
نسألكم الدعاء
خادمكم أخوكم جنابكم ( موسوي البحراني )
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
وفقك الله
شكرا على الموضوع الممتاز
الحوزويه الصغيره
12-05-2010, 11:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
شهيد الله
نرجس*
استاذي/موسوي البحراني
3li
اهلا بكم,
واشكركم على ردودكم وتواجدكم في صفحتي
موفقين
تقبلوا تحيتي
بلسم الاحزان
13-05-2010, 12:01 PM
وفقكـــــ الله لخدمة أهـــــل البيــــت
الحوزويه الصغيره
15-05-2010, 11:44 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
ذكرت في المشاركه السابقه معنى الإباحه في علم الأصول . والآن نتابع بذكر مصطلح آخر لنبين معناه ألا وهو :
إتصال زمان الشك بزمان اليقين
ذكر الشيخ صاحب الكفاية ( رحمه الله ) في بحث استصحاب الموضوعات المركبة انَّ الاثر الشرعي اذا كان مترتباً على عدم أحد الحادثين في زمان تحقق الحادث الآخر بنحو العدم المحمولي ذكر ان استصحاب عدم الحادث الى زمان حدوث الآخر لا يجري سواء كان الاثر مترتباً على عدم كل منهما في زمان الآخر أو كان الأثر مترتباً على عدم واحد من الحادثين في زمان الآخر ، أي انَّ الاستصحاب في الفرض لا يجري سواء كان معارضاً باستصحاب آخر ـ كما في الصورة الاولى ـ أو لم يكن معارضاً كما في الصورة الثانية .
وذكر انَّ منشأ عدم جريان الاستصحاب هو احتمال عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وهو يُشير بذلك الى اختلال شرط من شرائط جريان الاستصحاب .
وقبل بيان مراده نقول : انَّه لا ريب في اشتراط اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، بمعنى عدم الفصل بينهما بيقين آخر ، فلو كان المكلَّف على يقين من الحدث ثم تيقن بالطهارة ثم شك بعد ذلك في الحدث الاول فإنَّه حينئذ لا يجري استصحاب الحدث ، وذلك لانفصال زمان الشك عن زمان اليقين بالحدث .
وهذا المقدار لا إشكال فيه ، انما الكلام فيما أفاده صاحب الكفاية (رحمه الله)والذي هو اعتبار عدم احتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين ، فقد وقع الخلاف في مراده .
والتعرُّف على مرامه يتوقف على توضيح ثلاث مقدمات :
المقدمة الاولى : هي ما قيل انَّ القضايا لا تنقح موضوعاتها ، بمعنى انَّ القضية تتكفل ببيان ثبوت حكم لموضوع وليس لها تصد لاثبات انَّ هذا الفرد هو موضوع القضية أو انَّه ليست بموضوع لها ، فإنَّ هذا منوط بنفس المتلقي للخطاب ، فهو الذي عليه ان يُحرز موضوعية هذا الفرد أو ذاك لهذه القضية ، مثلا حينما يقال : تصدق على الفقير ، فإنَّ هذه القضية أناطت حكماً بموضوع هو الفقير ، أما ماهو المراد من الفقير وكذلك أي الافراد هي مصداق لعنوان الفقير فهذا مالا تتكفل القضية ببيانه ، وعلى المتلقي ان يُحرز ذلك من خارج القضية ، ثم حينما يتنقح عنده الموضوع مفهوماً ومصداقاً يُرتب عليه ذلك الحكم . ومن هنا لا يصح ترتيب الحكم على فرد لا يحرز مصداقيته لموضوع الحكم . وهذا الفرد الغير المحرز مصداقيته للموضوع هو المعبَّر عنه بالشبهة المصداقية .
المقدمة الثانية : انَّ المتعبد به شرعاً بواسطة الاستصحاب هو بقاء المتيقن أو اليقين في ظرف الشك ، وهذا معناه انَّ المتيقن بنفسه هو المجعول في ظرف الشك ، فلو كان المتيقن حكماً شرعياً فإنَّ المجعول في ظرف الشك هو عين الحكم الثابت في ظرف اليقين وليس المجعول في ظرف الشك حكماً جديداً مماثلا للحكم المتيقن ، وهذا ما يُبرِّر اعتبار عدم انفصال زمان الشك عن زمان اليقين ، إذ مع انفصالهما بيقين آخر يكون التعبد بالحكم الثابت في زمان اليقين الاول تعبداً بحكم جديد ، وذلك للقطع بارتفاع الحكم الثابت في زمان اليقين الاول ، وهذا ينافي ما ذكرناه من انَّ المتعبد به في الاستصحاب هو بقاء الحكم السابق .
مثلا : لو كان المكلَّف يعلم بوجوب صلاة الجمعة ثم علم بارتفاع الوجوب ثم شك في وجوب الجمعة ، فإنَّ التعبُّد حينئذ بوجوب الجمعة لا يكون تعبداً استصحابياً ، وذلك لأنَّ ايجاب صلاة الجمعة لا يكون بقاء للحكم الثابت في زمان اليقين الاول وانما هو حكم جديد .
وبتعبير آخر : انَّ الشك في وجوب الجمعة بعد العلم بارتفاعه ليس شكاً في بقاء الوجوب وانما هو شك في حدوث وجوب جديد ، إذ انَّ اليقين الاول بوجوب الجمعة منتقض يقيناً لعلمنا بارتفاع الوجوب كما هو الفرض .
فالمبرر لشرطية اتصال زمان الشك بزمان اليقين هو انَّ صدق البقاء لا يكون إلاّ بذلك ، كما انَّ صدق نقض اليقين بالشك لا يكون إلاّ باتصال زمان الشك بزمان اليقين وعدم انفصالهما بيقين آخر .
المقدمة الثالثة : إنَّ روايات الاستصحاب نهت عن نقض اليقين بالشك وأفادت بأنَّ اليقين لا يُنقض إلاّ بيقين مثله ، ومعنى ذلك انَّه لا تُرفع اليد عن يقين بمجرَّد الشك في زوال متعلقه ، نعم تيقن المكلَّف بزوال متعلَّق اليقين يصحح الإنتقاض وحينئذ لا سبيل لترتيب الاثر على بقائه ، ولازم ذلك ـ كما اتضح مما ذكرناه في المقدمة الثانية ـ انَّ اليقين المنهي عن نقضه بالشك هو اليقين الذي لم ينتقض بيقين آخر وإلا فلا معنى للنهي عن نقضه بالشك ، إذ انَّ الشك بعد اليقين المناقض لا يكون شكاً في اليقين الاول وانما هو شك في الحدوث فلا يكون اهماله نقضاً لليقين الاول بالشك ، فيكون هذا الفرض خارجاً موضوعاً عن قوله (عليه السلام) « لا تنقض اليقين بالشك » ، فالذي هو مورد الرواية هو الشك في بقاء متعلَّق اليقين ، وهذا لا يكون إلاّ في حالة يُحرز معها عدم انتقاض اليقين بيقين آخر حتى يصدق حين إهمال اليقين السابق انه نقض اليقين بالشك .
ومع اتضاح هذه المقدمات الثلاث نقول :
انَّ اليقين المنهي عن نقضه بالشك هو اليقين المتصل زمانه بالشك لا اليقين الذي انتقض بيقين آخر ثم وقع الشك في وجود متعلَّقه بعد ذلك ، وهنا تتحرر عندنا قضية حاصلها « انَّ نقض اليقين المتصل زمانه بالشك منهي عنه » ، وهذه القضية لا تتكفل بتنقيح مصاديق موضوعها وانَّ ذلك انَّما هو شأن المتلقي للقضية ، فمتى ما أحرز الاتصال كان مسئولا عن عدم نقض اليقين بالشك ، ومتى ما شك في الاتصال فمعناه ان مورد الشك شبهة مصداقية ، وقد قلنا انَّ ترتُّب حكم أي قضية على فرد منوط باحراز مصداقيته لموضوع الحكم في القضية ، وهذا هو المعبَّر عنه بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية . والمقام من هذا القبيل ، وذلك لان الشك في اليقين السابق مردد بين الشك في البقاء ـ لو كان الحادث الآخر وقع أولا ـ وليس شكاً في البقاء لو كان الحادث الذي يُراد استصحاب عدمه حدث أولا ، وعندئذ لا يكون الإتصال بين زمان الشك وزمان اليقين محرزاً ، وعليه لا يمكن التمسُّك بحديث « لا تنقض اليقين بالشك » لإثبات جريان الاستصحاب في هذا المورد ، إذ لا يُحرز مصداقية هذا المورد لنقض اليقين بالشك فلا يُحرز مشموليته لموضوع الإستصحاب .
وحتى يتضح المطلب أكثر نذكر هذا المثال :
لو كان موضوع الاثر الشرعي ـ وهو انفصال العلقة الزوجية ـ هو عدم التحيض في زمان ايقاع الطلاق ، فلو كنا نعلم بعدم تحيض المرأة وعدم ايقاع الطلاق في الساعة الاولى من النهار ثم علمنا بوقوع أحدهما غير المعين في الساعة الثانية وعلمنا بوقوع الآخر غير المعين في الساعة الثالثة ، وفي الساعة الثالثة وقع الشك في تحيض المرأة في زمان إيقاع الطلاق ، فلو استصحبنا عدم التحيُّض الى زمان ايقاع الطلاق فإنَّ هذا الإستصحاب مبتل باحتمال عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وذلك لأنَّ التحيض لو وقع في الساعة الثانية فهذا معناه انَّ الشك في الساعة الثالثة في عدم التحيض ليس متصلا بزمان اليقين بعدم التحيُّض الثابت في الساعة الاولى ، وذلك للفصل بينهما باليقين بوقوع التحيض ، فاليقين بعدم التحيض الثابت في الساعة الاولى قد انتقض باليقين بوقوع التحيض في الساعة الثانية فيكون الشك بعدم التحيض في الساعة الثالثة شكاً في اليقن الاول بعد انتقاضه ، فلا يكون اهماله نقضاً لليقين بالشك ، إذ انَّ اليقين بعدم التحيض قد انتقض باليقين بالتحيُّض .
وان كان الواقع في الساعة الثانية هو الطلاق فإنَّ الشك في وقوع التحيض وعدمه في الساعه الثالثة متصلٌ باليقين بعدم التحيض ، لان عدم التحيض لم ينتقض في الساعة الثانية ، إذ انَّ الواقع في الساعة الثانية هو الطلاق وهو لا ينقض اليقين بعدم التحيُّض .
ولما كان المكلَّف متردداً من جهة ماهو الواقع في الساعة الثانية فهذا معناه انَّه متردد في اتصال زمان الشك بزمان اليقين أو عدم الاتصال ، فيكون المورد شبهة مصداقية ، أي نشك في مصداقية هذا المورد للنهي عن نقض اليقين بالشك أو قل نشك في مصداقيته لموضوع الإستصحاب .
ونُقرِّب المطلب بتقريب آخر :
إنَّ هنا ثلاثة أزمنة ، فالساعة الاولى هي زمان العلم بعدم حدوث التحيُّض وبعدم ايقاع الطلاق ، والساعة الثانية هي زمان العلم الإجمالي بحدوث أحد الحادثين إما التحيُّض وإما إيقاع الطلاق ، والساعة الثالثة هي زمان العلم الاجمالي بحدوث الحادث الآخر إما التحيُّض وإما إيقاع الطلاق ، فتكون الساعة الثالثة هي زمان الشك في تقدم أحد الحادثين على الآخر . وترتب الاثر متوقف على بقاء عدم التحيض الى زمان ايقاع الطلاق ، وهذا يستوجب ان يكون الواقع في الساعة الثانية هو ايقاع الطلاق حتى يكون ايقاعه في زمان عدم التحيض ، إلا ان ذلك لا يمكن إثباته بواسطة الاستصحاب ، وذلك لاننا في الساعة الثالثة نعلم بوقوع كلا الحادثين « التحيض وايقاع الطلاق » إلا انَّ الشك من جهة تقدم أحدهما على الآخر .
فلو كان متعلَّق العلم الإجمالي في الساعة الثانية هو وقوع التحيض فهذا معناه انَّ الشك في عدم التحيض في الساعة الثالثة شك بعد انتقاض اليقين بعدم التحيُّض باليقين الاجمالي بوقوع التحيض ، فيكون الشك في عدم التحيُّض منفصلا عن اليقين بعدم التحيض ، والفاصل هو اليقين بالتحيض ، وعندها لا يجري الإستصحاب لانفصال زمان الشك عن زمان اليقين .
وان كان متعلَّق العلم الإجمالي في الساعة الثانية هو ايقاع الطلاق فهذا معناه انَّ الشك في عدم التحيض في الساعة الثالثة متصل باليقين بعدم التحيض الثابت في الساعة الاولى إذ لم يفصل بينهما بفاصل في الساعة الثانية حيث ان المفترض ان الواقع في الساعة الثانية هو ايقاع الطلاق وهو لا ينقض اليقين بعدم التحيض كما هو واضح .
ومن هنا يمكن استصحاب عدم التحيُّض الى زمان ايقاع الطلاق ، إلاّ انه لمَّا لم يكن هناك سبيل لإحراز ماهو الواقع في الساعة الثانية فإنه لا محالة يقع التردد في انَّ هذا المورد هل هو من موارد اتصال زمان الشك بزمان اليقين أو انه من موارد الانفصال .
ولذلك لا يمكن إجراء استصحاب عدم التحيض الى زمان ايقاع الطلاق للشك في مشمولية المورد للنهي عن نقض اليقين بالشك ، فيكون التمسُّك بهذا الاطلاق لاثبات مصداقية هذا الفرض له من التمسُّك بالعام في الشبهة المصداقية ، هذا ما نفهمه من عبارة صاحب الكفاية (رحمه الله) .
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
19-05-2010, 12:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الأثر الشرعي
المراد من الأثر الشرعي في استعمالات الاصوليين هو الحكم الشرعي الاعم من التكليفي والوضعي والظاهري والواقعي ، فحينما يقال مثلا انَّ من شرائط ثبوت الحجية لخبر الثقة ان يكون مؤداه أثراً شرعياً أو ذا أثر شرعي فإن المقصود من الاثر الشرعي هو الحكم الشرعي .
ومنشأ التعبير عن الحكم الشرعي بالأثر الشرعي هو انَّ الحكم الشرعي إنَّما يُؤثر ويُتلقى عن الشارع ، كما انَّه لا يُنتظر من الشارع بما هو شارع ان تكون آثاره غير الاحكام الشرعية ، ومن هنا تكون الآثار الشرعية مساوقة للاحكام الشرعية ، وهذا هو المصحح لإطلاق عنوان الأثر الشرعي على الحكم الشرعي .
وبما ذكرناه يتضح المراد من دعوى من ذهب الى انَّ ثبوت الحجية لخبر الثقة منوط بكون مؤداه أثراً شرعياً أو ذا أثر شرعي ورتب على ذلك نفي الحجية عن أخبار الآحاد المتصلة بالقضايا التاريخية أو التكوينية ، كما انَّه أحد منشأي الإشكال على حجية الخبر بالواسطة .
كما انَّه يتضح مما ذكرناه المراد من دعوى جمع من الاعلام بأن جريان الإستصحاب منوط بكون المستصحب أثراً شرعياً بنفسه أو انه ذو أثر شرعي ، حيث انَّ المقصود من ذلك هو اشتراط ان يكون مجرى الإستصحاب حكماً شرعياً أو يكون موضوعاً لحكم شرعي .
فمثلا : عندما يكون المتيقن سابقاً والمشكوك لاحقاً حكماً شرعياً كالوجوب والطهارة أو موضوعاً لحكم شرعي كالحدث او البلوغ فإنَّ ذلك يُصحح جريان الإستصحاب ، وعندما يكون المستصحب شيئاً آخر فإنَّ الإستصحاب لا يجري ، نعم لا يبعد ان يكون مرادهم شاملا لحالات الشك في عدم الحكم الشرعي لو كانت له حالة سابقة متيقنة .
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
24-05-2010, 06:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اجتماع الأمر والنهي
وقع النزاع في مسألة اجتماع الأمر والنهي على شيء واحد من حيث الجواز والامتناع ، فقد ذكر صاحب الكفاية (رحمه الله) انَّ المشهور ذهبوا الى امتناع الإجتماع مطلقاً وذهب آخرون الى جواز الإجتماع مطلقاً ، وفصَّل البعض بين ما يقتضيه العقل وما يقتضيه المتفاهم العرفي ، فما يقتضيه العقل هو إمكان الإجتماع وأما ما يقتضيه الفهم العرفي فهو الإمتناع .
إلاّ انَّه نُسب الى المحقق البروجردي إنكار صحة نسبة القول بالإمتناع الى المشهور ، وبرَّر ذلك بأنَّ الذي أوهم بناء المشهور على الإمتناع هو اشتهار الفتوى بينهم بفساد الصلاة في الأرض المغصوبة ، والحال انَّ ذلك لا يلازم القول بالإمتناع ، إذ لعلَّ المدرك الذي اعتمدوه هو عدم صلوح الحرام لأن يُتقرب به للمولى ، وهذا القول يمكن ان يتبناه القائلون بالجواز .
وكيف كان فتحرير محل النزاع يقتضي بيان امور :
الأمر الأول :
انَّه لا نزاع في استحالة تعلُّق الأمر والنهي بعنوان واحد كتعلُّق الأمر والنهي بالصلاة مثلا ، وذلك لما ثبت في محلّه من تضاد الاحكام فيما بينها ، فتعلُّق الأمر بشيء معناه انَّ متعلق الامر محبوب للمولى كما انَّ تعلُّق النهي بشيء معناه مبغوضية متعلَّق النهي للمولى ، فإذا كان متعلَّق الامر ومتعلَّق النهي شيئاً واحداً فهذا يعني انَّ هذا المتعلَّق محبوب ومبغوض في آن واحد ، واستحالة ذلك من الوضوح بحيث تستوجب صرف النزاع عن هذا الفرض ـ وان أوهمت عبائر البعض انَّ ذلك هو محل النزاع ـ وعليه فمورد النزاع في هذه المسألة فرض آخر ، وهو مالو تعلَّق الأمر بعنوان وتعلق النهي بعنوان آخر واتفق انْ تصادق العنوانان على مورد واحد ، كما لو كان متعلَّق الأمر هو الصلاة ومتعلَّق النهي هو الغصب واتفق ان تطابق عنوانا الصلاة والغصب على مورد واحد بأن وقعت الصلاة في الأرض المغصوبة .
وهنا يقع البحث عن انَّ مورد التصادق هل هو واحدٌ حقيقة أو هو متعدِّد وان التركيب بينهما انضمامي ، فلو كنا نبني على انَّ مورد التصادق متَّحد حقيقة وان تعدد العنوان لا يُوجب تعدُّد المعنون وانَّ النهي يسري من متعلَّقه ـ وهو طبيعة المنهي عنه ـ الى منطبق متعلَّق الأمر لو كنا نبني على ذلك لكان ذلك يستلزم البناء على الإمتناع وأما لو كنَّا نبني على انَّ تعدد العنوان يوجب تعدَّد المعنون وان النهي لا يسري من متعلَّقه الى منطبق متعلَّق الأمر وكذلك العكس فلابدَّ من الالتزام بجواز الاجتماع .
وبهذا اتضح انَّ محل النزاع في مسألة اجتماع الأمر والنهي صغروي ، وذلك لانَّ الكبرى وهي استحالة ان يكون شيء واحد متعلقاً للأمر والنهي مسلَّمة حتى عند القائلين بالجواز . فالبحث اذن انَّما هو عن انَّ مورد التصادق هل هو واحد حقيقة فيكون من صغريات الكبرى المسلَّمة أو انَّ الواقع هو انَّ ما تعلَّق به النهي غير ما تعلَّق به
الأمر وان متعلَّق النهي لا يسري لمنطبق المأمور به فلا تكون المسألة من صغريات الكبرى المسلمة ولا يكون ثمة مانع من اجتماع الامر والنهي على مورد التصادق بعد ان لم يكن مورد التصادق واحداً حقيقة وذلك لأنّ تعدد العنوان يوجب تعدُّد المعنون .
الأمر الثاني :
انَّ المراد من الواحد المأخوذ في عنوان المسألة هو الواحد المقابل للمتعدِّد لا الواحد المقابل للكلِّي .
وبيان ذلك : انَّه قد يكون متعلَّق الأمر غير متعلَّق النهي بمعنى انَّ متعلَّقيهما شيئان متغايران ، وقد يكون متعلَّق الأمر متَّحداً مع متعلَّق النهي والثاني هو مورد البحث والاول هو ما أردنا الإحتراز عنه بواسطة التعبير بالواحد .
ومن هنا قلنا ان المراد من الواحد في المقام هو المقابل للمتعدِّد والذي يكون معه متعلَّق الأمر مبايناً لمتعلَّق النهي وان كان عنوان المأمور به وعنوان المنهي عنه متحدين مفهوماً إلاّ انَّ الأمر تعلَّق بحصة منه والنهي تعلَّق بحصة اخرى كما في الأمر بالسجود لله جلَّ وعلا والنهي عن السجود للصنم ، فإنَّ متعلَّق أحدهما لا يتحد مع متعلَّق الآخر دائماً ، فلا يمكن ان يتفق تصادق عنواني السجود لله جلَّ وعلا والسجود للصنم على مورد واحد ، فدائماً يكون مصداق أحدهما مبايناً لمصداق الآخر ، وهذا بخلاف عنوان الصلاة وعنوان الغصب فإنَّه قد يتفق اتحادهما على مورد واحد ، ففي الوقت الذي تكون الافعال الخاصة مصداقاً لعنوان الصلاة تكون مصداقاً لعنوان الغصب ، وذلك فيما لو أوقع المكلَّف الصلاة في الأرض المغصوبة ، فإنَّ الحركات المخصوصة التي يوقعها المكلَّف في الارض المغصوبة تكون متعلقاً للأمر وفي الوقت نفسه تكون متعلقاً للنهي ، فليس ثمة شيئان متغايران أحدهما متعلق للأمر والآخر متعلَّق للنهي ، وهذا هو المقصود من الواحد المأخوذ في عنوان المسألة ، لا انَّ المقصود من الواحد هو المقابل للكلِّي حتى يكون المراد منه الواحد الشخصي الذي لا يقبل الصدق على غيره بل الواحد في المقام قد يكون كلياً وعليه
يكون المراد من الواحد الأعم من الواحد الشخصي أو الواحد النوعي أو الجنسي . فالمقصود هو كل ما كان مورداً لتصادق متعلِّقي الأمر والنهي ، فالصلاة في المغصوب والتي هي مورد لاجتماع الأمر والنهي ليس واحداً شخصياً ، وذلك لقابلية صدق هذا العنوان على أفراد كثيرة .
الأمر الثالث :
في بيان الفرق بين مسألة اجتماع الأمر والنهي وبين مسألة النهي في العبادات هل يقتضي الفساد .
فنقول : انَّ الفرق بينهما ـ كما أفاد السيد الخوئي (رحمه الله) ـ انَّما هو من جهة البحث ، وذلك لأنَّ البحث في المسألة الاولى صغروي ـ كما اتضح مما تقدم ـ حيث قلنا انَّ محل البحث فيها هو انَّ النهي هل يسري من متعلَّقه الى منطبق متعلَّق الأمر أو لاْ ، فلو قلنا بالسريان فالنتيجة هي الإمتناع ولو قلنا بعدمه فالنتيجة هي الجواز .
وأما البحث عن مسألة النهي في العبادات فهو بحث كبروي ، وذلك لأنَّ جهة البحث عنها هي انَّه هل يلزم من النهي عن العبادة فسادها أو لا يلزم ، وهذا يعني اننا قد فرغنا عن تعلُّق النهي بالعبادة أي عن سريان النهي الى منطبق متعلَّق الامر وهي العبادة ، ونبحث عندئذ عن انَّ هذا السريان هل يوجب فساد العبادة أو لاْ . وهو بحث كبروي .
الأمر الرابع :
انّه بناءً على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي يقع التعارض بين دليلي الأمر والنهي ، إذ انَّ مقتضى دليل الأمر هو وجوب مورد التصادق ومقتضى دليل النهي هو حرمة مورد التصادق ، وعندئذ يقع التكاذب بين مدلولي الدليلين فلابدَّ من الرجوع الى أحكام باب التعارض لترجيح أحد الدليلين على الآخر أو الحكم بتساقطهما ولو في مورد التصادق أو التخيير بينهما على اختلاف المباني .
وببيان أوضح : إنَّ البناء على الإمتناع ناشيء عن دعوى اتِّحاد مورد التصادق حقيقة وأنَّ منطبق متعلَّق الأمر هو عينه منطبق متعلَّق النهي وانَّه ليس ثمة شيئان أحدهما منطبق لعنوان المأمور به والآخر منطبق لعنوان المنهي عنه ، فليس في البين سوى شيء واحد ، واذا كان كذلك فهذا الشيء الواحد حقيقة مأمور به لأنَّه مصداق لطبيعة المأمور به ومنهي عنه لانَّه مصداق لطبيعة المنهي عنه وهو من اجتماع الحكمين المتضادين على موضوع واحد ، وهو مستحيل ، وعندئذ يحصل الجزم بعدم مطابقة أحد الحكمين للواقع وهذا ما يعني انَّ واحداً من الدليلين كاذب ، ولمَّا لم نكن نعلم أيَّ الدليلين هو الكاذب وأيَّهما المطابق للواقع فلا محاله يكون المرجع هو أحكام باب التعارض .
وأما بناءً على القول بالجواز فالمرجع هو أحكام باب التزاحم ، وذلك لانَّ البناء على الجواز ناشئ عن دعوى عدم اتحاد مورد التصادق حقيقة وانَّ الواقع ونفس الأمر هو انَّ منطبق المأمور به مغاير لمنطبق المنهي عنه فلا يسري النهي من متعلَّقه الى منطبق المأمور به ، إذ انَّ أحدهما غير الآخر وان الاتحاد بينهما من قبيل التركيب الإنضمامي ، وعندئذ لا مانع من أن يكون مورد الإجتماع مأموراً به ومنهياً عنه ، لأنَّ الواقع انَّ المأمور به غير المنهي عنه فلا يكون من اجتماع الضدين ، واذا كان كذلك فالمكلَّف مسئول عن كلا الحكمين ، غايته انَّ المكلَّف لمَّا كان عاجزاً عن امتثالهما معاً ، إذ انَّ امتثال الأمر يؤدي في الفرض المذكور الى عجزه عن امتثال النهي وهكذا العكس ، فعندئذ يقع التزاحم في مقام الإمتثال ، فلابدَّ من الرجوع لمرجحات باب التزاحم .
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
29-05-2010, 01:25 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإجتهاد :
الإجتهاد و « هو استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي » ، وهذا التعريف نسبه صاحب الكفاية (رحمه الله) الى العلامة والحاجبي .
وعلَّق السيد الخوئي (رحمه الله) على هذا التعريف بقوله انَّه غلط ، وعلَّل ذلك بعدم جواز العمل بالظن إلا ان يقوم دليل خاص على اعتباره ، وهذا الذي قام الدليل على اعتباره يكون حجة مطلقاً أي سواء أوجب الظن الشخصي بمؤداه أو لم يوجب الظن ، بل انَّه يكون حجة حتى في موارد عدم ايجابه الظن النوعي كما هو الحال في الاصول العملية غير المحرزة .
ثم أفاد أن هذا التعريف يُناسب اصول العامة ، وذلك لاعتمادهم على الظنون الناشئة عن القياس والاستحسان والاستقراء .
أقول : الظاهر عدم مناسبة هذا التعريف حتى لاصول العامة لو كان المراد من الظن المأخوذ في التعريف مطلق الظن ، وذلك لانَّهم انما يعتمدون على الظنون الناشئة عن الإستحسان والقياس والاستقراء باعتبار انها ظنون معتبرة قام الدليل الخاص على حجيتها عندهم ، ولذلك فهم لا يعتمدون على الظنون الناشئة عن وسائل غير معتبرة عندهم .
فالإختلاف بين العامة والإمامية فيما هي الظنون المعتبرة من الظنون غير المعتبرة ، نعم ما أفاده السيد الخوئي (رحمه الله)إنما يُناسب بعض العامة ، وهم القائلون بحجية مطلق الظن .
ثم انَّ هذا التعريف كان مدخلا لطعن الإخباريين « رضوان الله عليهم » ، إذْ انَّ ظاهره حجية مطلق الظن ، ولذلك عدل السيد الخوئي (رحمه الله) عن قيد الظن بقيد الحجة ، وقال انَّ المناسب هو تعريف الإجتهاد : « باستفراغ الوسع في تحصيل الحجَّة على الاحكام الشرعية أو تعيين الوظيفة عند عدم الوصول اليها » أي عدم الوصول الى الدليل الاجتهادي المعتبر ، وبالقيد الثاني ينتفي الإشكال الأوّل على التعريف المذكور ، وبالقيد الأوّل لا يبقي مجال لطعن الإخباري على الاصولي ، إذ انَّ الإخباري والاصولي متفقان على ان الظن إذا قام الدليل على حجيته فإنَّ له الصلاحية لإثبات الحكم الشرعي .
إلا انَّ صاحب الكفاية (رحمه الله) لم يتوسل بالوسيلة التي توسل بها السيد الخوئي (رحمه الله) للتفصِّي عن إشكال الإخباري بل انَّه وجَّه التعريف بما يرتفع معه اشكال الإخباري ، وقال ما حاصله انّ التعريف ليس تعريفاً بالحد ولا بالرسم وانَّما هو شرح للاسم كما هو المتعارف عند اللغويين فلا وجه للنقض عليه بأنه غير جامع ولا مانع من دخول الاغيار بعد ان كان الغرض منه شرح الاسم ، نعم الأنسب هو استبدال الظن بالحجة إلاّ انَّ ذلك غير لازم بعد القطع بإرادتها كما يتضح ذلك بأدنى تأمل في مباني الاصوليين من الامامية .
ثم انَّ البحث عما هو المراد من تحصيل الحجة الوارد في التعريف ، وهل المراد منه التحصيل الفعلي الملازم لوجود ملكة التحصيل أو المراد منه كفاية وجود ملكة التحصيل ولو لم يكن تحصيل الحجة فعلياً .
هذا وقد أفاد السيد الخوئي (رحمه الله) انَّه لمَّا لم يكن الاجتهاد بعنوانه موضوعاً للاحكام المبحوث عنها في بحث الاجتهاد فلا معنى لإتعاب النفس في البحث عما هو المراد من تحصيل الحجة .
وبيان ذلك :
انَّ الاحكام المترتبة على الاجتهاد ثلاثة : الاول : هو جواز عمل المجتهد بما يؤدي اليه اجتهاده .
الثاني : جواز تقليد المكلف الجاهل للمجتهد .
الثالث : نفوذ حكم المجتهد على المكلَّف في القضايا الشخصية وغيرها .
وتمام هذه الاحكام لا تتوقف على تحديد المراد من تحصيل الحجة بل لابد من ملاحظة أدلة هذه الاحكام للتعرُّف على حدود موضوعها من حيث السعة والضيق .
ثم انه استظهر بعد استعراض أدلة الاحكام الثلاثة انَّ المراد من تحصيل الحجة هو التحصيل الفعلي وعدم كفاية التوفُّر على ملكة التحصيل ، وبهذا يكون المناسب لتعريف الاجتهاد كما أفاد هو « العلم بالاحكام الشرعية الواقعية أو الظاهرية أو بالوظيفة الفعلية عند عدم احراز الحكم الشرعي من الادلة التفصيلية » .
نعم بناء على ماذكره الشيخ الانصاري (رحمه الله) من أنَّ الذي له ملكة تحصيل الحجة لا يجوز له الرجوع الى الغير بل يلزمه التحصيل الفعلي للحجة ، واستدل لذلك بالإجماع وانصراف أدلة جواز رجوع الجاهل للعالم الى الفاقد لملكة تحصيل الحجة أي ملكة إستنباط الحكم الشرعي ، بناء على ذلك يكون المتعين في تعريف الاجتهاد و « هو ملكة تحصيل الحجَّة على الوظيفة الفعلية من الاحكام الواقعية والظاهرية » ، وبهذا يكون مفهوم الاجتهاد واسعاً يشمل الواجد لملكة تحصيل الحجة وإن لم يبادر في تحصيلها أي انه جاهل فعلا وان كان مجتهداً ملكةً .
وأورد السيد الخوئي على هذا التعريف بأنه غير مناسب للحكمين الآخرين ، وذلك لانَّ جواز تقليد الجاهل للمجتهد ، وكذلك نفوذ حكم المجتهد انما هو مختص بالمجتهد بالفعل كما هو ثابت . ثم أفاد بأنه لو تم الإجماع والانصراف فإن ذلك يقتضي تخصيص أدلة جواز تقليد الجاهل للعالم بمن ليس له ملكة الاجتهاد ، وهذا لا يعني ان من له ملكة الإجتهاد مجتهد .
أقول : الظاهر انَّ النقض الذي أورده السيد الخوئي (رحمه الله) على التعريف المناسب لدعوى الشيخ الانصاري (رحمه الله)غير ناقض ، وذلك لإمكان التفصِّي عنه بالإلتزام بأن المجتهد هو المتوفر على ملكة الاجتهاد وحسب ، غايته انَّ موضوع الحكمين الآخرين ليس هو المجتهد فحسب وانما هو المجتهد باضافة قيد زائد وهو فعلية تحصيل الحجة ، وذلك للدليل الخاص ، فكما ان الدليل الخاص دلَّ على شرطية العدالة في نفوذ حكم الحاكم وجواز الرجوع اليه فكذلك شرط الفعلية ، وكما ان العدالة ليست شرطاً في صدق الاجتهاد وانما هي شرط في نفوذ الحكم وجواز التقليد فكذلك فعلية التحصيل .
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
05-06-2010, 08:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإجزاء
ويقع البحث تحت هذا العنوان عن مسائل ثلاث :
الأولى : عن إجزاء الإتيان بالمأمور به عن أمره ، أي إجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي عن الامر الواقعي ، واجزاء المأمور به بالامر الظاهري عن الامر الظاهري ، واجزاء المأمور به بالامر الاضطراري عن الامر الاضطراري .
الثانية : عن إجزاء المأمور به بالامر الاضطراري عن الامر الواقعي .
الثالثة : عن إجزاء المأمور به بالامر الظاهري عن الامر الواقعي ، وحتى تتضح معالم البحث لابد من بيان امور :
الأمر الأول : انَّ المراد من عنوان الإجزاء هو معناه اللغوي ، وهو الكفاية والإغناء فحينما يقال أجزأ فعل عن آخر فهو يعني انَّه أغنى عنه ، غايته انَّ ما يُجزي عنه الفعل يختلف تبعاً للدليل ، فقد يُجزي الفعل عن الإعادة والقضاء كمن صلَّى جهراً في موضع الاخفاة ، فإنَّ صلاته تُجزي عن الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه ، وقد يُجزي الفعل عن القضاء دون الإعادة ، كمن صلَّى في السفر تماماً ناسياً ، فإن صلاته تُجزي عن القضاء لو تذكر خارج الوقت دون الإعادة لو تذكر في الوقت ، وقد يُطلق الإجزاء ويُراد منه كفاية المأتي عن غير المأتي به ، كإجزاء ذبح الهدي عن العقيقة واجزاء الاطعام عن العتق في بعض الموارد .
والمتحصل ان المراد من الإجزاء في استعمالات الفقهاء هو عينه المراد منه عند اللغويين .
الأمر الثاني : انَّ بحث الإجزاء من المسائل العقلية وليس من مباحث الالفاظ ، وذلك يتضح بملاحظة الجهة المتصدية للإجابة عن ثبوت الإجزاء أو عدم ثبوته ، فإن كانت الجهة المتصدية لذلك هي الدلالة اللفظية فالمسألة من مباحث الالفاظ ، وان كانت الجهة المتصدية لذلك هي مدركات العقل فالبحث يكون معها عقلياً ، وواضح بهذه الضابطة ان مبحث الإجزاء من المباحث العقلية ، إذ انَّ الذي يُحدِّد إجزاء الاتيان بالمأمور به عن أمره أو عدم إجزائه انَّما هو العقل ، وأما صيغة الأمر مثلا أو مادته فليست لها دلالة على أكثر من بعث المكلف نحو المأمور به ، أما انَّه لو انبعث عن الامر وجاء بالمأمور به على وجهه فهل ذلك يقتضي الإجزاء وسقوط الأمر أو فاعليته فهذا مالا يمكن استفادته بواسطة نفس الامر نعم هو مستفاد بواسطة العقل ، وذلك بأحد بيانين ، كما أفاد السيد الشهيد الصدر (رحمه الله) .
البيان الأول : ان العقل يستقلُّ بإدراك الكفاية عندما يأتي المكلف بالمأمور به ، وذلك لأنَّ الاتيان بالمأمور به محقق لغرض المولى ، وهذا موجب لخروج المكلف عن عهدة التكليف المدركة بواسطة حكم العقل بحق الطاعة للمولى جلَّ وعلا ، فحق الطاعة للمولى ينتفي بتحقق غرضه بواسطة الإتيان بالمأمور به .
البيان الثاني : انَّ الإتيان بالمأمور به بعد امتثاله من تحصيل الحاصل ، وهذا ما يُعبِّر عن كفاية الإتيان به في المرة الاولى وبتعبير آخر : انَّ الامر حينما يتعلَّق بالجامع يكون الاتيان بأحد أفراده محقق للجامع ، فلا معنى للإتيان بفرد آخر ، لأنَّه إذا كان الغرض هو تحقق الجامع فقد تحقق بفرده الاول لان الطبيعة تنوجد بأول وجودات أفرادها ، فيكون الاتيان بفرد آخر من تحصيل الحاصل ، وإن كان الغرض هو تحقيق فرد آخر لجامع آخر أو لنفس الجامع فهذا مالا موجب له إلا ان يكون ثمة أمر جديد وهو خُلف الفرض .
وبهذا يتنقح انَّ مبحث الإجزاء من المباحث العقلية .
الأمر الثالث : بعد اتضاح ان جهة البحث في مسألة الإجزاء هي ثبوت الملازمة العقلية بين الاتيان بالمأمور به وبين الإجزاء عن الامر أو عدم ثبوت الملازمة ، بعد اتضاح ذلك يتضح استقلالية هذه المسألة عن مسألة دلالة الامر على المرة والتكرار ومسألة تبعية القضاء للأداء ، إذ انَّ جهة البحث في مسألة المرة والتكرار هو ما تقتضيه دلالة الامر ، وانَّ الامر هل وضع للدلالة على البعث نحو الطبيعة المقيدة بالمرة أو وضع للدلالة على الطبيعة المقيدة بالتكرار ، أو انّه لم يوضع إلاَّ للدلالة على البعث نحو الطبيعة دون ان يكون قيد المرة والتكرار دخيلا فيما هو الموضوع له لفظ الامر .وواضح أجنبية هذا البحث عن مسألة الإجزاء ، إذ اننا نبحث في المقام عن الملازمة العقلية بين الاتيان بالمأمور به وبين الإجزاء بعد الفراغ عن حدود ما تدل عليه صيغة الامر ، واتحاد نتيجة القول بالإجزاء مع القول بدلالة الامر على المرة ، واتحاد القول بعدم الاجزاء مع القول بدلالة الامر على التكرار لا يوجب اتحاد البحثين بعد تباينهما من حيث الجهة المبحوث عنها في المسألتين ، اِذ هي الضابطة في تباين المسائل واتحادها ، وليس للنتيجة دخل في تصنيف المسائل كما هو واضح .
وأما مبحث تبعية القضاء للأداء فجهته انَّ صيغة الأمر هل تدل باطلاقها على تعدد المطلوب والذي يقتضي القضاء ـ أو وحدته والذي يستوجب عدم وجوب القضاء بعد انتهاء الوقت وعدم الإتيان بالمأمور به .واتحاد القول بالإجزاء مع القول بعدم التبعية واتحاد القول بعدم الإجزاء مع القول بالتبعية لا يُصيِّر البحثان بحثاً واحداً ، على انَّ موضوع كل واحد من البحثين مباين لموضوع البحث الآخر . فموضوع بحث تبعية القضاء لللأداء هو عدم الاتيان بالمأمور به في الوقت ، وموضوع بحث الإجزاء هو الإتيان بالمأمور به ، فالبحثان متباينان جهة وموضوعاً .هذا حاصل ما أفاده السيد الخوئي (رحمه الله) .
الأمر الرابع : جرت عادة الاُصوليين على عنونة هذا البحث بقولهم « ان الاتيان بالمأمور به على وجهه هل يقتضي الإجزاء أولا ؟ » .
ومن هنا لابدَّ من ايضاح معنى قولهم « على وجهه » وكذلك ايضاح معنى « الإقتضاء » .
أما قولهم « على وجهه » فقد ذُكر له ثلاثة احتمالات :
الإحتمال الاول : وهو الذي ذكره صاحب الكفاية (رحمه الله) وتبنَّاه ، وحاصله انَّ المراد من الإتيان بالمأمور به على وجهه هو الإتيان به موافقاً لمقتضيات الشرع والعقل .
فالموافقة لمقتضيات الشرع معناه الاتيان بالمأمور به واجداً لتمام الأجزاء والشرائط المستفادة بواسطة الشارع .
والموافقة لمقتضيات العقل تعني الإتيان بالشرائط أو الأجزاء التي لا يمكن استفادتها إلا بواسطة العقل ، وذلك مثل قصد إمتثال الامر ، حيث ثبت بالدليل استحالة استفادته بواسطة الشرع كما هو منقح في بحث التوصلي والتعبدي .
واستدل صاحب الكفاية (رحمه الله) على هذه الدعوى بأنّه لو كان المراد من قولهم « على وجهه » هو خصوص الأجزاء والشرائط المعتبرة شرعاً لكان التقييد بقولهم « على وجهه » توضيحياً ، وهو خلاف الأصل ، إذ انَّ الاصل في القيود الإحترازية ، هذا أولا وثانياً يلزم من عدم القول بإرادة مجموع ما يُعتبر شرعاً وعقلا خروج التعبديات عن محل البحث ، وذلك لانَّ قصد الامر المعتبر في التعبديات لا يستفاد إلا بواسطة العقل ، فالعقل هو المحدد لكيفية الإطاعة في التعبديات ، فإذا لم يكن ما يُعتبر عقلا مراداً من قولهم « على وجهه » فهذا معناه خروج التعبديات عن محل البحث ، وهو ما لا يمكن الالتزام به .
الإحتمال الثاني : انَّ المراد من قولهم « على وجهه » هو الإتيان بالمأمور به مع قصد الوجه ، كقصد الوجوب أو الإستحباب .
وأجاب صاحب الكفاية (رحمه الله) عن هذا الإحتمال انَّ المعروف بين الفقهاء عدم اعتبار قصد الوجه مطلقاً ، وانَّ من ذهب من الفقهاء الى اعتباره حصره في العبادات وهذا يقتضي خروج التوصليات عن محل البحث .
ثم انه لا مبرر للتنصيص عليه لو كنا نبني على اعتباره ، وذلك لدخوله تحت عنوان ما يُعتبر شرعاً ، فيكفي التعبير بالإتيان بالمأمور به ، إذ انَّه يشمل قصد الوجه لو قيل باعتباره شرعاً .
الإحتمال الثالث : انَّ المراد من قولهم « على وجهه » هو الاتيان بالمأمور به موافقاً لما يُعتبر شرعاً ، وعليه يكون التقييد توضيحياً ، ومع ذلك لا يلزم خروج التعبديات عن محل البحث ، إذ انَّ ذلك مبني على استحالة اعتبار قصد الامر شرعاً أما مع القول بعدم الإستحالة كما هو مذهب السيد الخوئي (رحمه الله)والمحقق النائيني (رحمه الله) فلا معنى لإرادة الأعم مما يُعتبر شرعاً وعقلا ، وأما مخالفة ذلك للاصل وانَّه يقتضي الاحترازية فلا بأس به إذا كان ذلك هو مقتضى القرينة ، حيث قام الدليل على إمكان اعتبار قصد الأمر شرعاً .
وأما المراد من الإقتضاء : فهو العلية والتأثير كما أفاد صاحب الكفاية (رحمه الله) . وبيان ذلك :
انَّ الاقتضاء تارة يُضاف الى الصيغة واُخرى الى الفعل ، فإذا ما اُضيف الى الصيغة كان بمعنى الكشف والدلالة ، فحينما يُقال ان صيغة الأمر هل تقتضي الوجوب فهذا معناه البحث عن دلالتها على الوجوب ، أما اذا اُضيف الإقتضاء الى الفعل فإنَّه يكون بمعنى العلية والتأثير ، فإذا قيل ان الصوم هل يقتضي الثواب أولا ؟ فإنَّ البحث عندئذ عن علِّية فعل الصوم لترتُّب الثواب ، وهكذا .
وهكذا البحث في المقام ، فإنَّ الاقتضاء اُضيف الى الإتيان بالمأمور به ، ومن هنا كان بمعنى تأثير الإتيان بالمأمور به للإجزاء .
ثم أورد صاحب الكفاية على نفسه فقال ما حاصله : انَّه وإن سلِّم انَّ اقتضاء الإجزاء عن الأمر عند الإتيان بنفس متعلق الأمر وان سلِّم انه بمعنى التأثير والعلِّية إلا انَّه غير مسلَّم عندما يقال انَّ الإتيان بالمأمور به بالامر الإضطراري أو الظاهري يقتضي الإجزاء عن الامر الواقعي ، فإنَّ الاقتضاء هنا ليس بمعنى التأثير وإنما هو بمعنى الدلالة والكشف ، أي انَّ دليل الامر الاضطراري هل يدل على الإجزاء عن الأمر الواقعي ، فالاقتضاء إذن بمعنى الدلالة لا بمعنى التأثير والسببيَّة .
وقد أجاب صاحب الكفاية عن ذلك بأنَّ البحث في موارد الإتيان بالمأمور به بالأمر الإضطراري أو الظاهري عن الامر الواقعي ينحل الى بحثين ، الاول كبروي والآخر صغروي ، أما الكبروي فهو انَّ محض الاتيان بالمأمور به هل يقتضي الإجزاء أولا ؟ ، وهنا يكون الإقتضاء بمعنى التأثير والعلِّية .
والبحث الصغروي هو عن دلالة الامر الاضطراري والامر الظاهري على الإجزاء ، إلا انَّ هذا البحث متفرع على إقتضاء وتأثير الاتيان بالمأمور به للإجزاء وإلا لو لم يكن الإتيان بالمأمور به مقتضياً ومؤثراً للإجزاء لم يكن ثمة موقع للبحث الصغروي .
وبهذا يتضح انَّ البحث عن إجزاء الإتيان بالمأمور به عن أمره لا يكون إلاّ بحثاً كبروياً ، أما البحث عن إجزاء الاتيان بالمأمور بالامر الاضطراري أو الظاهري عن الامر الواقعي لا ينتهي عند الوصول الى اقتضائهما للإجزاء كبروياً بل لابدَّ من البحث عن انَّ صيغة الأمر الاضطراري أو الظاهري هل تدلُّ على الإجزاء عن الامر الواقعي أولا ؟ .
ولو انتهى بنا البحث الى عدم الإجزاء فإنه لا معنى للبحث الصغروي .
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
07-06-2010, 10:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
نكمل توضيح مصطلح الأجزاء:
وبما ذكرناه تتضح معالم بحث الإجزاء ، ولتتميم الفائدة نشير اجمالا الى المباحث الثلاثة المبحوثة في مسألة الإجزاء .
المبحث الاول : إجزاء الإتيان بالمأمور به عن أمره ، كإجزاء المأمور به بالامر الواقعي عن الامر الواقعي واجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري عن الامر الاضطراري وكذلك إجزاء المأمور به بالامر الظاهري عن الامر الظاهري.
الظاهر انه لم يقع خلاف بين الأعلام في إقتضاء ذلك للإجزاء ، واستدل صاحب الكفاية لذلك بما حاصله :
انَّ الإجزاء في هذه الموارد ضروري بمقتضى ما يستقل به العقل ، إذ لا معنى لبقاء الامر بعد انتفاء موضوعه بالإتيان بمتعلقه .وأيَّد السيد الخوئي (رحمه الله) ذلك بما حاصله :
انَّ عدم الإجزاء في هذه الموارد يلزم منه أحد لوازم ثلاثة على سبيل مانعة الخلو ، وجميعها باطلة ، وهي إما لزوم الخلف أو عدم إمكان الإمتثال الى الابد أو يكون الامر بعد الامتثال مجرداً عن الملاك .وبيان ذلك : انَّ الإتيان بالمأمور به محقق للغرض بلا ريب وإلا لما وقع متعلقاً للأمر ، وحينئذ لو جاء المكلَّف بالمأمور به وقلنا بعدم الإجزاء فهذا خُلف تحقق الغرض به ، إذ انَّ ذلك يقتضي كون الغرض أوسع من الامر فيكون المطلوب والغرض متعددين وهو خُلف الفرض ، أو نقول انَّ الغرض والمطلوب يتحققان بالاتيان بالمأمور به ومع ذلك يبقى الامر على حاله مقتضياً للبعث والتحريك ، وهذا لا معنى له إلا مع افتراض كون الأمر بلا مقتض وبلا ملاك ، إلاَّ ان نقول انَّ الامر مشتمل على الغرض وانه غير متعدد إلا انَّ الامتثال الاول لا يقتضي الإجزاء ، وهذا أيضاً مستحيل ، إذ ما هو الفرق بين الامتثال الاول والإمتثال الثاني بعد توفرهما معاً على تمام الأجزاء والشرائط المعتبرة ، فإذا كان الاول غير مجز فكذلك الثاني وهكذا الثالث وهذا يعني عدم امكان الإمتثال الى الابد .فالمتحصل انَّ إجزاء الإتيان بالمأمور به عن أمره لم يقع محلا للنزاع إلا ممن لا يُعتد بقوله .
المبحث الثاني : وهو إجزاء الإتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري عن الامر الواقعي ، والبحث في هذه المسألة من جهتين :
الجهة الاولى : ما لو اتفق زوال العذر والاضطرار قبل انتهاء الوقت ، وتحرير محل النزاع في هذه الصورة ـ كما أفاد السيد الخوئي (رحمه الله) ـ يتبلور بالالتفات الى أمرين :
الامر الاول : انَّ الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري لا يكون إلاّ في حالة يكون معها موضوع الأمر الاضطراري هو وجود العذر ، لا أن يكون موضوعه هو استيعاب العذر لتمام الوقت ، فإنَّ الاتيان بالمأمور به حينئذ لا يكون امتثالا للأمر الاضطراري ، لأنَّ موضوعه كما هو المفترض هو العذر المستوعب لتمام الوقت والحال انه بادر للإتيان بالمأمور به قبل تنقح الموضوع ، نعم لو كان جازماً بالاستيعاب واتفق مطابقة جزمه للواقع وهو الاستيعاب ، وكذلك لو دلت الامارة المعتبرة على الاستيعاب واتفق مطابقتها للواقع فإنَّ الاتيان بالمأمور به حينئذ يكون امتثالا للأمر الاضطراري ، وعندئذ يقع البحث عن انَّه يُجزى عن الامر الواقعي أولاْ .
الأمر الثاني : انَّ محل البحث هو مالو كان الملاك من الأمر الاضطراري ناشئاً عن المصلحة في متعلق الامر الاضطراري ، أي انَّ المصلحة في المأمور به بالامر الاضطراري هي الملاك في البعث نحو الامر الاضطراري ، أما لو كانت المصلحة من الامر الاضطراري غير متصلة بمتعلقه وانما هي متصلة بملاك خارج عن متعلق الامر الاضطراري فإنَّ هذه الحالة غير مشمولة لمحل البحث ، إذ لا مورد معها للقول بأنَّ المأمور به بالامر الاضطراري يفي بمعظم الملاك أو بجزء كبير أو صغير .
ومن هنا كان الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري الناشئ عن التقية خارجاً عن محل البحث وغير مقتض عقلا للإجزاء إلا مع قيام الدليل الخاص على ذلك كما هو كذلك في بعض الموارد .ثم البحث بعد تبلور محله يقع في مقامين كما ذكر صاحب الكفاية (رحمه الله) .
المقام الاول : والبحث فيه ثبوتي أي في المحتملات التي يمكن ان يكون واقع الامر الاضطراري مشتملا عليها وهي أربعة :
المحتمل الاول : ان يكون متعلَّق الامر الاضطراري واجداً لتمام ملاك متعلق الامر الواقعي .
المحتمل الثاني : ان يكون واجداً لجزء من ملاك الامر الواقعي مع افتراض تعذر استيفاء ما يفوت من الامر الواقعي .
المحتمل الثالث : ان يكون واجداً لجزء الملاك مع القدرة على استيفاء ما يفوت من الامر الواقعي إلا انَّ الفائت ليست بالمستوى الذي يستوجب لزوم استيفائه .
المحتمل الرابع : ان يكون واجداً لجزء الملاك مع افتراض القدرة على استيفاء ما يفوت ، ويكون الفائت بمستوىً يلزم استيفاؤه بواسطة الإعادة في الوقت أو القضاء خارج الوقت .
المقام الثاني : والبحث فيه إثباتي ، أي عما يقتضيه دليل الامر الاضطراري .
وقد ذهب صاحب الكفاية (رحمه الله) الى دلالته على الإجزاء لاطلاق أدلته كقوله تعالى ( فإنْ لم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً )، ومع افتراض عدم تمامية الإطلاق فالمرجع هو الاصل ، وهو في المقام البراءة ، لانَّ الشك فيه شك في أصل التكليف أي شك في التكليف بالأداء أو القضاء وهو مجرى لأصالة البراءة .
الجهة الثانية : مالو اتفق زوال العذر والاضطرار بعد خروج الوقت ، وفي هذه الحالة ذهب المحقق النائيني (رحمه الله)الى الإجزاء ، وذلك لانَّ القيد المتعذر في ظرف الاضطرار واستيعاب العذر للوقت يدور أمره ثبوتاً بين أمرين لا ثالث لهما ، فإما ان يكون ذلك القيد دخيلا في اشتمال المأمور به بالامر الواقعي على الملاك بحيث لو اتفق انتفاؤه لما كان المأمور به واجداً للملاك من غير فرق بين ان يكون القيد مقدوراً أو متعذراً ، وحينئذ لا معنى للامر بالفاقد للقيد لانه غير واجد للمصلحة والملاك ، فالامر بالمأمور به الاضطراري أمر بما لا ملاك ولا مصلحة في متعلقه .واما ان يكون القيد المتعذر في تمام الوقت غير دخيل في الملاك حال الاضطرار وإنَّما هو دخيل في ظرف القدرة ، وحينئذ يتعين الامر بالفاقد أي الامر الاضطراري ، وذلك لتوفره على الملاك التام بعد تعذُّر ذلك القيد ، وعندئذ يكون الامر بالقضاء بعد الإتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري في الوقت بلا معنى ، إذ انَّ القضاء يكون لغرض تدارك الملاك الفائت والمفترض ان المأمور به الاضطراري واجداً لتمام الملاك فلا مقتض للقضاء أصلا .
وبهذا يثبت الإجزاء في موارد الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري إذا كان العذر مستوعباً لتمام الوقت ، وذلك لأنَّ الامر الاضطراري يكشف بواسطة القرينة العقلية المذكورة عن عدم دخالة القيد المتعذر في ترتب الملاك وان المأمور به بالامر الاضطراري واجد لتمام الملاك في المأمور به بالامر الواقعي .
المبحث الثالث : في إجزاء المأمور به بالأمر الظاهري عن الامر الواقعي ،
والبحث عنه في موردين :
المورد الاول : مالو انكشف بنحو الجزم عدم مطابقة الامر الظاهري للواقع .
المورد الثاني : مالو انكشف له انَّ الامارة أو الاصل المعتمد أولا كان معارضاً بأمارة أو أصل يوجب سقوطهما عن الحجية أو انَّ الامارة معارضة بأمارة أقوى أو انَّ تطبيقه للكبرى المسلمة كحجية الظهور لم يكن في محلِّه .
أما المورد الاول فلم يقع خلاف في عدم الإجزاء ، لانَّ سقوط الأمر بناء على الطريقية بل والمصلحة السلوكية لا يكون إلاّ بالإتيان بالمأمور به الواقعي أو قيام دليل على إجزاء غير المأمور به عن المأمور به الواقعي أو قيام دليل على إجزاء غير المأمور به عن المأمور به والمفترض عدم تحقق كلا الامرين .
وكذلك الحال في الشبهات الموضوعية كما لو قامت البينة على طهارة ماء وانكشف له بعد ان توضأ به عدم طهارته فإنَّ هذا الوضوء لا يجزي عن الواقع ، وذلك لان الاحكام ثابتة لموضوعاتها الواقعية .إلاّ انَّ هنا في هذا المورد تفصيل ذهب اليه صاحب الكفاية ، وهو انّ الحكم الظاهري إذا كان مستنداً الى الامارة فالامر كما ذكروا وهو عدم الإجزاء ، وأما اذا كان مستنده الاصل العملي فإنَّ الصحيح هو الإجزاء ، وذلك لحكومة الاصول على الادلة الواقعية بمعنى ان الاصول توسع من دائرة الشرط الواقعي ، فيكون ما جاء به الشاك اعتماداً على الاصل واجداً للشرط الواقعي ، فالماء الذي اغتسل به اعتماداً على أصالة الطهارة أو استصحابها طاهر واقعاً ، غايته ان طهارته خاصة بالشاك ، وعليه تكون صلاته الواقعة بعد هذا الغسل واجدة للطهارة الواقعية . وهذا هو مبرر الإجزاء عندما يكون مستند الحكم الظاهري هو الاصل العملي .
وأما المورد الثاني فقد فصَّل المشهور فيه بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية فذهبوا الى الإجزاء في موارد الشبهات الحكمية ، ومثاله لو كان المجتهد يبني على عدم شرطية الطهارة من الخبث في الطواف اعتماداً على رواية معتبرة ثم انكشف له انَّ لهذه الرواية معارض ، واتفق ان كان الترجيح مع الرواية التي لم يكن مطلعاً عليها والتي تقتضي شرطية الطهارة عن الخبث في الطواف ، فمورد الشبهة في المثال هو شرطية الطهارة ومن هنا تكون الشبهة حكمية ولهذا يكون ما جاء به من طواف مجزياً بنظر المشهور .وأما في موارد الشبهات الموضوعية فذهبوا الى عدم الإجزاء .
تحيتي
الحوزويه الصغيره
14-06-2010, 05:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإجماع
اختلفت الكلمات في تحديد ضابطة الإجماع ، فمنهم من ذهب الى انَّ الإجماع هو اتفاق المسلمين قاطبة ـ في كل الأعصار والأمصار ـ على حكم من الاحكام الشرعية . ومنهم من زعم انَّ الاجماع هو اتفاق العلماء من المسلمين على حكم من الاحكام . ومنهم من ضيق من دائرة موضوع الإجماع فادَّعى انَّ الإجماع هو اتفاق أهل الحلِّ والعقد وهناك من ذهب الى انَّ الإجماع هو اتفاق أهل عصر من الاعصار على رأي ، وهناك من ذهب الى غير ذلك .
والاختلاف في ضابطة تحقق الاجماع نشأ عن الاختلاف فيما هو المدرك المعتمد لحجية الاجماع .
الإجماع البسيط
وهو اتفاق آراء العلماء على رأي بحيث تتم استفادة هذا الاتفاق بواسطة المدلول المطابقي لقول كل واحد منهم ، ولا يختلف الحال في صدق الاجماع البسيط بين إتفاقهم على الإثبات أو النفي .
وقد يصدق الإجماع البسيط كما أفاد السيد الصدر (رحمه الله) في حالة يكون استفادة اتفاق العلماء على رأي بواسطة المدلول الالتزامي ولكن بشرط إحراز انَّ المدلول الإلتزامي لم ينشأ عن تبني المجمعين لآراء مختلفة لازمها ذلك المدلول الإلتزامي ، بمعنى انَّه قد يتفق اختلاف الآراء في مسألة ويكون لازم جميع هذه الآراء واحداً ويقع هذا اللازم موقع التبني ولا يكون منشاؤه تبني الرأي الملزوم وانما يكون اللازم مُتبنى من الجميع بقطع النظر عن ملزومه ، أي حتى لو اتفق التخلِّي عن الملزوم فإنَّ اللازم يبقى على حاله مورداً لاتفاق الآراء .
ويمكن التمثيل للصورة الاولى باجماع العلماء على جواز رجوع العامي للمجتهد ، فإنَّ هذا الإجماع تم تحصيله بواسطة المدلولات المطابقية لكلمات الفقهاء .
كما يمكن التمثيل للصورة الثانية باجماع العلماء على عدم حجية خبر الكذاب فإنَّ تحصيله تم بواسطة لوازم آراء العلماء في حجية خبر الواحد إذ منهم من ذهب الى حجية خبر الثقة فحسب ومنهم من خص الحجية بخبر العدل وذهب آخرون الى الحجية لخبر الامامي الممدوح فإنَّ لازم تمام هذه الآراء هو عدم حجية خبر الكذاب ، هذا اللازم لم ينشأ عن تلازمه للمدلول المطابقي لكل واحد من هذه الأقوال وانَّما هو متبنى الجميع بقطع النظر عما هو الحجة من الأخبار .
الإجماع التشرفي
وهو دعوى الإجماع على حكم بملاك التشرُّف برؤية الامام الحجة عجَّل الله فرجه وسماع الحكم منه .
والتعبير عن مدرك الحكم المتلقى عن الامام الحجّة (عليه السلام) بالاجماع ينشأ عن خوف التصريح بالمدرك الحقيقي للحكم ، إذ قد يُدعى منافاته للكتمان المفروض او استيجابه التكذيب المتعبد به ، كما هو المستفاد من التوقيع الشريف الذي خرج على يد علي بن محمد السمري (رحمه الله) آخر سفراء الغيبة الصغرى .
وهذا النحو من الإجماع لم يدعه أحدٌ من العلماء ، وانما حدسه البعض حينما لم يجدوا لبعض دعاوى الاجماع ما يعضدها . ومن هنا لا يكون هذا النحو من الاجماع من مدارك حجية الاجماع المحصَّل كما انه ليس من الإجماع المنقول ، إذ لا يعدو هذا الإجماع عن كونه تورية اُريد منها التفصِّي عن التصريح بالمدرك الحقيقي للحكم .
تقبلوا تحيتي
أنوار البتول
18-06-2010, 01:28 AM
علم الأصول جميل وممتع لكنه متعب بعض الشيء لكثرة التفرعات فيه ..
اختي هذه الدروس من اصول المظفر ؟؟
على ما يبدو صعب وتشتت افكاري مع مادرسته ..
الآن المقصود بالإباحة ( بالتخيري ) ام بنوع من أنواع الحكم التكليفي ..؟
احسنتم اختي بارك الله فيكم على هذا العلم النافع ..
جزيتم كل خير ..
الحوزويه الصغيره
18-06-2010, 08:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اشكرك اختي انوار البتول على مرورك بصفحتي المتواضعه...
واجابة على سؤالك هذه الدروس ليست من كتاب اصول المظفر بل من كتاب آخر
اما بالنسبة لسؤالك عن الاباحة فأنها تعتبر من الاحكام التكليفية لكن هناك تفصيل فأذا كانت الاباحة من النوع الاخص فانها تندرج تحت الاحكام التكليفية غير الالزامية, اما أذا كانت الاباحة من النوع الاعم فأنها تندرج تحت عنوان الاحكام التكليفية الالزامية (وذلك تمييزه يكون بحسب القضية المطروحة لدينا )
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
29-06-2010, 01:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإجماع الحدسي
واضافة الحدس الى الإجماع يُراد منها الإشارة الى ماهو مدرك الحجية للإجماع المحصَّل . والمدرك المشار اليه هو ما يقال من ثبوت الملازمة العقلية بين اتفاق آراء العلماء على أمر وبين قول المعصوم (عليه السلام) ، ومن هنا كان الكاشف عن قول المعصوم (عليه السلام) بناء على هذا المسلك هو العقل النظري ، إذ انَّ إدراك الملازمة من شئون العقل النظري كما هو واضح .والتعبير عن هذا المسلك بالإجماع الحدسي منشاؤه انَّ التعرُّف على قول المعصوم (عليه السلام) ينتج عن الحدس والنظر في كبرى الملازمة وصغراها ، إذ انَّ الإستفادة من هذه الملازمة لا يتم إلاّ بواسطة البحث عن ان مثل هذه الملازمة هل يُنتج القطع بالملزوم أولا ، وهذا معناه البحث عن انَّ هذه الملازمة عقلية أو اتفاقيّة ، وهذا هو البحث الكبروي ، ثم على فرض تمامية الكبرى لابدَّ من ملاحظة انَّ مورد البحث من صغريات هذه الكبرى أولاْ ، وهذا هو البحث الصغروي .
وكيف كان فقد استدلَّ على حجية الاجماع المحصَّل ببيان حاصله : انَّ اتفاق آراء الفقهاء يستوجب الجزم بتطابق الرأي المُتفَق عليه مع قول المعصوم (عليه السلام) ، وذلك بواسطة الملازمة العقلية والتي لا إشكال كبروياً في إفادتها الجزم أو الاطمئنان بوجود الملزوم عند ثبوت اللازم بنحو البرهان الإنِّي ، وتقريب ذلك :
إنَّ فتوى الفقيه الواحد بمسألة ينشأ عنه الظن أو الإحتمال بمطابقة فتواه للواقع ، فإذا انضمَّ الى فتوى الفقيه الاول فتوى فقيه آخر فإنَّ مستوى الظن بالمطابقة يتصاعد ومعه يتضائل احتمال المنافاة مع الواقع ، إذ انَّ العلاقة بينهما طردية فكلما تصاعد مستوى الظن بالمطابقة كلما تضاءل مستوى احتمال المخالفة ، وهكذا يتضاءل مستوى احتمال المخالفة الى ان يصل لدرجة لا يحتفظ العقلاء بمثله ، أي انهم يتجاوزون هذا المستوى من الإحتمال ولا يعتدون به ، وهذا ما يُنتج الاطمئنان بالموافقة ، على انَّه قد تتكثر الاقوال المتطابقة لحد ينشأ عن هذا التكثر الجزم بتطابق قولهم مع الواقع ، وذلك بنفس المسار الطردي المذكور ، هذا هو أحد التقريبات لمسلك الحدس ، ولا بأس بذكر تقريب آخر :وهذا التقريب يرتكز على ثبوت الملازمة العادية بين اتفاق الاراء وبين قول المعصوم (عليه السلام) ، إذ من البعيد جداً ان تتفق آراء العلماء على أمر ويكون رأي امامهم منافياً لما اتفقوا عليه . وهذا نظير استكشاف رأي الرئيس بواسطة تباني أتباعه قاطبة على ذلك الرأي .
الإجماع الدخولي :
ويراد من وصف الإجماع بالدخولي الإشاره الى ماهو مدرك الحجيَّة للإجماع المحصَّل .وحاصل هذا المدرك هو انَّه لما كانت حجية الإجماع منوطة ـ بنظر الامامية ـ بدخول المعصوم في ضمن المجمعين بنحو من أنحاء الدخول فإنَّ اتفاق الامة أو العلماء أو الطائفة على رأي لا يتحقق إلا حينما يكون المعصوم (عليه السلام) في ضمن المجمعين ، فهو فرد من الامة ومن العلماء ومن الطائفة .فمنشأ الحجية للاجماع المحصَّل هو دخول المعصوم (عليه السلام) في إطار المجمعين وعليه فالاجماع الدخولي هو الاجماع الذي يُحرز معه وجداناً دخول المعصوم (عليه السلام) في إطار المجمعين .
الإجماع المحصَّل :
وهو الإجماع المحرز وجداناً والذي ينشأ عن تتبع الفقيه لآراء العلماء في مسألة من المسائل والوقوف بعد ذلك على اتفاقهم عليها ، وهذا في مقابل الإجماع المنقول والذي لا يكون فيه الإجماع محرزاً بالوجدان وانما هو مُتلقى عن فقيه آخر كان قد حصَّل الإجماع بنفسه .
الإجماع المدركي
وهو اجماع الفقهاء على حكم مسألة مع احراز مدرك اجماعهم على حكم تلك المسألة ، ولا يختلف الحال بين اتّفاقهم على مدرك واحد أو انَّهم مختلفون فيما هو مدرك حكم المسألة مع اتّفاقهم في النتيجة فإنَّ الإجماع في كلا الصورتين يكون مدركيّاً ، كما انَّه لا فرق بين كون المدرك من قبيل الأدلّة الإجتهاديّة أو الاصول العمليَّة ، فالمناط في مدركيّة الإجماع هو احراز ماهو منشأ اتّفاقهم في الفتوى .وثمّة اجماع آخر يُعبَّر عنه بالإجماع المحتمل للمدركيّة ، وهو مالو كان لحكم المسألة المجمع عليه مدرك تام أو غير تام يحتمل اعتماد المجمعين عليه أو اعتماد بعضهم عليه .والإجماع المدركي وكذلك محتمل المدركيّة ليسا من الإجماع الاصطلاحي ، إذ انَّ الإجماع الإصطلاحي يكشف بطريق الإن عن دخول المعصوم (عليه السلام) في ضمن المجمعين أو يكون كاشفاً عن وجود دليل معتبر ، وذلك بواسطة الحدس أو قاعدة اللطف ، والإجماع المدركي لا يصلح لذلك بعد أن كان مدركه محرزاً ، وهكذا لو كان محتملا للمدركيّة فإنَّ إحراز اعتمادهم على دليل معتبر لم يصل لا يكون ميسوراً في هذا الفرض .
الإجماع المركَّب :
وهو اتفاق آراء العلماء على رأي بحيث يكون الاتفاق مستفاداً من المدلول الإلتزامي للآراء المختلفة لهؤلاء العلماء على ان يكون هذا اللازم ناشئاً عن تبني كل واحد لرأيه ، بمعنى انَّه لو لم يكن كل واحد متبنياً للرأي المعين لكان من الممكن ان لا يبني على اللازم .ويمكن التمثيل للإجماع المركب بالاجماع على لازم الإختلاف الواقع في ماهو حكم صلاة الجمعة ، فإن البعض ذهب الى وجوبها وذهب البعض الآخر الى حرمتها في عصر الغيبة ، وذهب آخرون الى استحبابها ومجموع هذه الآراء متفقة على عدم كراهة صلاة الجمعة بالكراهة المصطلحة ، إذ انَّ ذلك هو لازم القول بالوجوب او الحرمة أو الاستحباب ، وذلك لما ثبت في محلِّه من تضاد الاحكام فيما بينها ، وحينئذ فلو كان منشأ الاتفاق على هذا اللازم هو تبني كل واحد من العلماء لما ينافيه فهذا من الإجماع المركب وإلا فلو كان المنشأ من تبنِّي عدم الكراهة هو دليل خاص ثابت بقطع النظر عن تبنِّي الملزوم فإنَّ هذا الاتفاق على اللازم يكون من الإجماع البسيط .
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
30-10-2010, 02:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الاجماع المنقول
وهو الإجماع الذي يتمُّ احرازه بواسطة نقل المحصِّل للإجماع، وهذا النقل قد يكون متواتراً وقد لا يكون كذلك والثاني هو المعبَّر عنه بالإجماع المنقول بخبر الواحد.
ومن هنا تكون حجيته منوطة بثبوت الحجية لخبر الواحد أولا وبأنَّ الحجية الثابتة لخبر الواحد لا تختص بالخبر الحسِّي بل تشمل الخبر الحدسي.
ولا ريب في ثبوت الأمر الاول إلا انَّ الأمر الثاني غير مسلَّم عند المشهور، ومن هنا لا يكون الاجماع المنقول مشمولا لأدلة الحجية لخبر الواحد باعتباره من الإخبارات الحدسية من جهة نقل الإجماع للمسبب والذي هو قول المعصوم (ع)، نعم هو مشمول لأدلة الحجية من جهة نقله للسبب إذ انَّه إخبار عن حس.
وبيان ذلك: إنَّ نقل الاجماع على حكم يعني الإخبار عن أمرين: الاول هو الإخبار عن وجود اجماع بين العلماء على الحكم وهذا هو المدلول المطابقي لنقل الإجماع، وهو المعبَّر عنه بنقل السبب أو نقل الكاشف، وذلك لانَّ إحراز وجود الإجماع يكون سبباً للكشف عن قول المعصوم (ع).
فالإجماع هو الكاشف فيكون نقل الإجماع معناه الإخبار عن وجود الكاشف وعن وجود السبب، وواضح أنَّ الإخبار عن ذلك يكون إخباراً عن حس.
وأما الامر الثاني فهو قول المعصوم (ع) ويُعبر عنه بالمسبب والمنكشف، وذلك لأنَّ إحرازه مُسبب عن وجود الاجماع، للملازمة المدعاة بين الاجماع وبين قول المعصوم (ع)، وحينئذ يكون نقل الإجماع نقلا للمسبب كما هو نقل للسبب، إلا انّ ناقل الاجماع يُخبر عن المسبب بواسطة الحدس لا بواسطة الحس كما هو الحال في نقله للسبب، إذ انَّ إحراز المسبب بالنسبة لناقل الإجماع انما تم بواسطة إيمانه بالملازمة العقلية أو العادية أو قاعدة اللطف، وكلها امور حدسية نظرية.
وباتضاح ذلك يتضح انَّ نقل الإجماع للمسبب لا يكون مشمولا لأدلة الحجية لخبر الواحد، وذلك لأنَّه إخبار عن حدس، وأما نقل الإجماع للسبب فلا مانع من شمول أدلة الحجية له بعد ان كان الإخبار عنه إخباراً عن حس إلا انَّه مع ذلك يواجه مشكلة اخرى، وهي دعوى انَّ الحجية الثابتة لخبر الثقة منوطة بترتب الأثر الشرعي على الخبر، وترتُّب الاثر الشرعي على النقل الكاشف منوط بثبوت مؤداه الثاني والذي هو قول المعصوم المعبَّر عنه بالمسبب، وقد قلنا انَّ هذا المؤدى لم يُخبِر عنه ناقل الإجماع عن حس وانَّما استفاد قول المعصوم (ع) - بعد تحصيل الاجماع - من أحد الوجوه الحدسيَّة كقاعدة اللطف أو الملازمة العقلية أو العادية.
ومن هنا لابدَّ للتقصِّي عن هذا الإشكال من ان تكون الملازمة مثلا ثابتة للمنقول له في مرتبة سابقة حتى يكون نقل الكاشف وهو الاجماع ملازماً لنقل المنكشف، فيكون لإخبار ناقل الإجماع أثر شرعي بواسطة لازمه، أي انَّ المدلول المطابقي للخبر الحسي ليس له أثر شرعي إلا انَّه لمَّا كان لمدلول الخبر الإلتزامي أثر شرعي فإنَّ ذلك يُصحِّح ثبوت الحجية له - اي للخبر الحسِّي وهو نقل الاجماع - لانَّه سيُصبح بواسطة لازمة واجداً للأثر الشرعي، وبذلك نتفصَّى عن الإشكال المذكور.
إلاّ انَّه بذلك لا يكون المؤدى الثاني لنقل الإجماع حجة من جهة إخبار الناقل له وانَّما هو من جهة ثبوته للمنقول له باعتباره مؤمناً بالملازمة، وكلُّ ما استفاده المنقول له من ناقل الاجماع هو ثبوت الإجماع واقعاً والذي هو إخبار من الناقل عن حس، ففي الواقع يكون نقل الإجماع منقِّحاً لموضوع الملازمة الثابتة عند المنقول له.
تقبلوا تحيتي
موسوي البحراني
31-10-2010, 01:55 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم أختي الفاضلة / الحوزوية الصغيرة على هذا الطرح حيث جاد قلمكم في رسم حجية الأجماع المنقول على المباني المذكورة في محلها في علم الاصول ولكن ينبغي أن نثير هنا سؤال وهو كيف حاول الشيخ الانصاري تخريج الاجماع المنقول بخبر واحد حيث ذهب في رسائله الاصولية الى حجيته لأنه داخل تحت أدلة حجية خبر الواحد وعليه فنتظر مداخلتكم أختي العزيزة الفاضلة / الحوزوية الصغيرة فأنتم حري بالجواب على هذا السؤال وذلك لما تملكونه من معلومات قيمة في هده المواضيع المهمة .
تحياتي بالدعاء لكم عند الملك العلام
أخوكم جنابكم ( موسوى البحراني )
الحوزويه الصغيره
01-11-2010, 09:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
هذا النوع من الأجماع لا يمكن الأيمان بحجيته إلا بعد معرفة مبنى الناقل للأجماع في منشأ حجيته وملاحظة موافقة المنقول إليه في المبنى ثم التعرف على ما إذا كان من الممكن تحصيله لمثله أولا ومع فرض إمكانية معرفة ما إذا كان نقله له مستلزما لنقل الحجيه في حق المنقول إليه أي ان المبنى متحد في مدرك حجية الأجماع بينهما أو انه يعطي نفس النتيجه التي يعطيها المبنى الآخر من حيث استلزام الحجيه لو قدر لهما الأختلاف .
والمقياس ان يكون نقل الأجماع نقلا للحجه الشرعية ليدخل في كبرى حجية خبر الآحاد ومع عدم التوفر على هذه الأمور لا يمكن الأيمان بحجية الأجماع المنقول .
إذن الأجماع المنقول متوقفة حجيته على حجية خبر الناقل له فلو كانت حجية خبر الناقل له متوقفة عليه لزم الدور .
موفقين لكل خير ان شاء الله تعالى
تقبلوا تحيتي
موسوي البحراني
02-11-2010, 01:08 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم أختي العزيزة على ما خطه قلمكم الكريم في بيان الأجماع المنقول وحجيته كما أشكركم على التنقيب في بيان مسالكه وسرد ما كتب في شأنه .
أقول :-
ان كلامكم المذكور هولبيان من يدعي أن الاجماع هو الدليل على حجية خبر الواحد ويكون الاجماع في الوقت نفسه هو أحد مصاديق الخبر الواحد فيلزم من ذلك الدور أما أذا كانت حجية خبر الواحد هي السيرة العقلائية فلا يلزم منه الدور وهكذا قس على بقية المباني في حجية خبر الواحد كما هي مقررة في علم الاصول فأنه لا يلزم منها ذلك المحذور وهو لزوم الدور .
تحياتي
أخوكم جنابكم ( موسوي البحراني )
الحوزويه الصغيره
03-11-2010, 02:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اشكرك استاذي لهذا الأطراء والتعليق على إجابتي ويسعدني كذلك متابعتك الدائمه لما اطرح ..
نسألك الدعاء
تقبل تحيتي
الحوزويه الصغيره
04-11-2010, 12:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اشكر الأخ نجف الخير لتثبيت الموضوع ...
موفقين لكل خير
تحيتي
الحوزويه الصغيره
07-11-2010, 12:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإجمال
وهو اشتباه المعنى وعدم وضوحه، وذلك في مقابل البيان والذي وضوح المعنى وجلائه.
ووصف الإجمال قد يعرض المفردات اللفظية وقد يعرض الهيئات التركيبية كما قد يعرض المعنى والمفهوم.
والمقصود من عروضه للمفردات اللفظية هو خفاء معناها وعدم وضوحه، فالإجمال واقعاً وصف للمعنى غايته انَّه نشأ عن اللفظ فمعنى اللفظ هو المجمل وإلا فاللفظ من حين مادته وهيئته ليس فيه إجمال، وهكذا الكلام في إجمال الهيئات التركيبية، وليس مرادنا من إجمال معانيها هو عدم وضوحها في نفسها بل مقصودنا الاجمال من حيث عدم معرفة أيِّ المعاني الذي تكشف عنه هذه الالفاظ أو الهيئات.
راجع إجمال النص.
وأما المقصود من الإجمال الذي يعرض المعنى والمفهوم ابتداء فهو انَّ المعنى قد يكون مجملا في نفسه وبقطع النظر عن الفاظه، إذ قد لا يكون له لفظ كما في بعض الحركات والمواقف التي تصدر عن العاقل ولا ينفهم منها معنىً محصل، وكذلك بعض المطالب الغامضة التي لا يكون منشأ غموضها التعقيد اللفظي بل منشاؤها مثلا ضعف العقل البشري عن إدراكها، كمفهوم الروح.
تقبلوا تحيتي
بحب الله نحيا
07-11-2010, 12:47 AM
اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد الطيبين اطاهرين وعجل فرجهم ياربّ العالمين "
شُكراً جزيلاً
الله يجزيكِ كل خير ويبارك فيكِ
ويوفقكِ لما يحب ويرضى
دمـتِ أُخيتي ربّنا لآ يحرمنا منكِ
^-^
موسوي البحراني
07-11-2010, 11:28 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد كتبت هذين البيتين بعد أن رأيت قلمكم الكريم يخط على صفحة الناظرين ويشتاق الى قرائته كل ذو مسك عليم فالبكم كالتالي :
قم وانظر الى صفحة حوزوية صغيرة
فان الرشاد فيها لطالب الميعاد
وأن العلم في أقلامها لم يجف
حتى غذا بفضله نيل من العباد
دعائي لكم بالدعاء والسداد عند رب العباد
دمتم في حفظ الرحمن ورعايته
أخوكم جنابكم ( موسوي البحراني )
الحوزويه الصغيره
07-11-2010, 05:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
أشكرك جزيل الشكر على كلمات الإطراء والإشادة التي تفضلت بها استاذي
نسألك الدعاء
تقبل تحيتي
الحوزويه الصغيره
18-11-2010, 09:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اجمال المخصِّص اللبِّي
والمراد من المخصِّص اللبِّي هو ما يوجب خروج بعض أفراد العام عن حكم العام ولكن بواسطة غير لفظية، كأن يتم التخصيص بواسطة الإجماع أو السيرة أو الدليل العقلي أو القرنية الحالية.
وهذا النحو من التخصيص تارة يكون بمثابة التخصيص بالمتصل واخرى يكون بمثابة التخصيص بالمنفصل.
أما الاول: فهو مالو كان المخصِّص اللبِّي من الوضوح بحيث يمكن للمتكلم انْ يعتمد عليه في تفهيم مراده الجدِّي من العموم وانَّه غير مريد لإدخال بعض أفراد العام تحت حكم العام.
ومثاله مالو قال السيّد المتديِّن لعبده (اسقني من ايِّ شراب) فإنَّ من المقطوع به عدم إرادة الخمر من العموم، فالخمر خارج عن حكم العام تخصيصاً.
وهذا المخصص لُبِّيٌ لاستفادته من غير لفظ، وهو بمثابة المخصِّص المتصل لوضوحه، ولذلك صحَّ للسيِّد الإتِّكال على هذا الوضوح وعدم تكلُّف التلفُّظ بالمخصِّص.
وأما الثاني: والذي هو بمثابة المخصِّص المنفصل، فهو ما يحتاج إلى التأمُّل والرجوع إلى بعض القرائن، وليس من الوضوح بحيث لا ينعقد معه ظهور في العموم كما هو في الفرض الاول.
ومثاله مالو قال المولى: (انّ كل طواف فهو مشروط بالطهارة)، ثم بعد ملاحظة الأدلة اتَّضح وجود اجماع على عدم اشتراط الطهارة في الطواف المستحب، فإنَّ هذا النحو من الاجماعات يكون بمثابة المخصِّص المنفصِّل، لوضوح انَّه لا يؤثر على انعقاد الظهور في العموم، إمَّا لأنَّه متأخر عن زمن الخطاب بالعموم - طبعاً هذا بخلاف الدليل العقلي القطعي فإنه لا يعقل تاخره عن الخطاب - أو لأنَّ صلاحيته للتخصيص تتم بعد الملاحظة والمتابعة وانَّه ليس من قبيل الإجماعات المدركيَّة، وعندها لا يظلُّ الخطاب معلَّقاً على نتيجة التتبع، إذ انَّ انعقاد الظهور في العموم والإطلاق لا يتأثر باحتمال المخصِّص كما عليه أهل التحقيق.
ومع اتِّضاح المراد من المخصِّص اللبِّي وانَّه ينقسم إلى ما يشبه المخصص المتصل والى ما يُشبه المخصِّص المنفصل نقول انّ الإجمال في مورد المخصِّص اللبّي قد يكون مصداقياً كما هو العادة وقد يكون مفهومياً، وان كلا منهما تارة يكون بنحو التردد بين المتباينين وتارة يكون بنحو التردد بين الاقل والاكثر، على غرار ماذكرناه في اجمال المخصِّص اللفظي، فراجع.
نعم قد يُقال انَّ الإجمال في المخصِّص اللبِّي من جهة المفهوم غير معقول، وذلك لانَّ المخصص اللبِّي من قبيل ما يُدركه العقل، ولا يتعقل الإجمال فيما يُدركه العقل، إذ انَّ موضوع الحكم العقلي دائماً يكون محدَّد المعالم، ، فلا يحكم العقل على ماهو مبهم.
ولعلَّ هذا هو منشأ تركّز البحث عن إجمال المخصِّص اللبِّي من جهة المصداق.
والظاهر انَّ الامر ليس كذلك فإنَّ الاجمال من جهة المفهوم في المخصص اللبي معقول في بعض المخصِّصات اللبيَّة، ومثاله قيام الاجماع على حجية خبر الواحد بنحو يكون معقد الاجماع المنقول هو حجية خبر الواحد، فإنَّ هذا الإجماع مخصص للأدلة النافية لحجية العمل بالظن إلاّ انَّه قد يُدعى إجمال هذا المخصص مفهوماً، إذ انَّ خبر الواحد في عرف أهل الحديث يحتمل معنيين، الاول هو مطلق الخبر غير البالغ حد التواتر، وهذا المعنى يقتضي السعة والشمول للخبر الذي ليس له إلاّ طريق واحد، والاحتمال الثاني انَّ الخبر الواحد هو الخبر المستفيض فحسب، ولو كان هذا المعنى هو المراد من خبر الواحد فهو يقتضي الضيق، وعندها يتردد مفهوم خبر الواحد بين الاقل والاكثر.
هذا هو تصوير الإجمال المفهومي بين الاقل والاكثر في المخصِّص اللبِّي، نعم قد يُدعى انَّ الإجماع لمَّا كان دليلا لبياً فيتمسك بالقدر المتيقن منه.
أقول: انَّ هذا الكلام وان كان تاماً إلا انَّه لا يُلغي امكان تصوير الإجمال المفهومي في المخصص اللبِّي وان كان سيترتب على ذلك سقوط الثمرة من التقسيم.
وأما تصوير الاجمال في المخصِّص اللبِّي من جهة التردد بين متباينين فمثاله مالو ورد عام مفاده حرمة إطعام كل كافر، ونُقل لنا قيام الإجماع على جواز اطعام المولى وإن كان كافراً وكان هذا هو لسان الإجماع المنقول، ولم يتضح لنا المراد من عنوان المولى وهل هو العبد او هو السيِّد، وواضح انَّ هذا الإجمال مفهومي وانَّ التردد فيه بين متباينين، كما انَّ التمسُّك بالقدر المتيقين من المخصِّص في الفرض المذكور غير ممكن بعد ان كان التردُّد بين مفهومين متباينين، وعندئذ يقع البحث عن سريان الاجمال للعام أو عدم سريانه.
وبتعبير آخر يقع البحث عن إمكان التمسّك بالعام في الشبهات المفهويمة إذا كان المخصص لبيَّاً.
تحيتي
الحوزويه الصغيره
28-11-2010, 01:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
إجمال المخصِّص اللفظي
المراد من المخصِّص اللفظي هو القرينة اللفظية الموجبة لخروج بعض أفراد العام عن حكم العام، ولولا تلك القرينة لكانت تلك الافراد مشمولة لحكم العام.
مثلا لو قال المولى: (أكرم كل العلماء إلا الفساق منهم)، فإن قوله (إلا الفساق منهم) هو المخصِّص أي هو القرينة الموجبة لخروج فساق العلماء عن حكم العام وهو وجوب الإكرام، ولولا هذا المخصِّص لكان فساق العلماء مشمولين لوجوب الإكرام والذي هو حكم العام.
والمراد من إجمال المخصِّص هو ان تكون تلك القرينة مشتبهة المعنى.
ثم انَّ المخصِّص تارة يكون متصلا واخرى يكون منفصلا، والاتصال يعني انَّ القرينة الموجبة للتخصيص وردت في نفس الخطاب الدال على العموم والانفصال يعني انَّ القرينة وردت في خطاب منفصل عن الخطاب الدال على العموم.
والإجمال في المخصِّص تارة يكون من جهة المفهوم واخرى يكون من جهة المصداق، وكل منهما ينقسم إلى قسمين، فالاجمال المفهومي تارة يكون بين الأقل والأكثر وتارة يكون بين المتباينين، وكذلك الإجمال المصداقي، فحاصل أقسام الإجمال في المخصِّص اللفظي ثمانية:
ونبدأ بالإجمال المفهومي: والمراد منه هو انَّ المعنى والمفهوم من المخصِّص غير واضح او قل غير منضبط ولا محدَّد المعالم، وهو على قسمين فتارة يكون الغموض والإشتباه مقتضياً للترديد بين معنيين متباينين، وتارة يكون مقتضياً للتردد بين معنيين أحدهما أعم مطلقاً من الآخر أي أحدها أوسع دائرة من الآخر.
أما الاول: وهو التردد بين مفهومين متباينين، فمثاله مالو ورد (لا تطعم أحد الا الموالي) ولم ينفهم المراد من مفهوم الموالي، إذ انَّه يحتمل معنيين، فلعلَّ مراد المتكلم من الموالي العبيد ولعل مراده السادة فالمفهومان متباينان.
واما الثاني: وهو التردُّد بين مفهومين أحدهما أعم مطلقاً من الآخر، فمثاله مالو قال المولى (لا تتزوج من الكافرة إلاّ الكتابية) وكان مفهوم الكتابية مجملا ومردداً بين اختصاصه بمعتنق الديانتين (اليهودية والنصرانية) وبين شموله لديانة ثالثة هي (المجوسية) فالثاني أعم مطلقاً من الاول، فالمرأة اليهودية والنصرانية على كلا الإحتمالين كتابية وانما التردد في المرأة المجوسية من حيث شمول عنوان الكتابية لها فتكون داخلة في عنوان المخصص أو عدم شموله لها فتكون تحت عنوان العام.
وباتِّضاح هذين القسمين يتضح انَّ الإجمال المفهومي في المخصِّص على أربعة أقسام، وذلك لأنَّ المخصِّص المجمل مفهوماً تارة يكون متصلا واخرى يكون منفصلا.
وأمَّا الإجمال المصداقي في المخصِّص: فهو الشك والتردُّد الناشئ عن غير المفهوم، بأن يكون المفهوم من المخصِّص واضحاً وبيناً، وانَّما الشك في موضوعية ومصداقية بعض الافراد لعنوان المخصص نتيجة اشتباه الامور الخارجية، وهذا النحو من الإجمال على نحوين أيضاً، فتارة يكون التردد بين متباينين واخرى يكون بين الأقل والأكثر.
أما الاول: فمثاله مالو قال المولى: (تصدَّق على الفقراء إلا الهاشميين)، وكان مفهوم الهاشمي واضحاً ومحدداً إلا انه وقع الشك في (زيد وخالد) الفقيرين فأحدهما غير المعين هاشميٌ قطعاً.
وأما الثاني: فمثاله عين المثال الاول إلا انَّ الشك وقع في (زيد) وهل هو مصداق لعنوان الهاشمي أولا ؟
فهنا التردد بين الاقل والأكثر حيث نُحرز انَّ ثلاثة من الفقراء هاشميون إلا انَّ الشك في انَّهم أربعة بإضافة (زيد) أو ثلاثة وانَّ زيداً ليس منهم.
ثم انَّ كل واحد من هذين القسمين ينقسم إلى مخصِّص متصل وآخر منفصل، فحاصل أقسام الإجمال المصداقي في المخصص أربعة.
وأما جواز التمسُّك بالعام في موارد إجمال المخصص فسيتضح تحت عنوان التمسُّك بالعام في الشبهات والتمسُّك بالعام في الشبهات المصداقية.
تقبلوا تحيتي
موسوي البحراني
06-12-2010, 02:29 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل كل شيء فان ايام محرم على الأبواب إذ نقول لكم ماجورين بمصاب سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين الشهيد وأهل بيته - عليهم السلام - كما نعزي الأمة الاسلامية بذلك آيضا .
وأما بخصوص كتابتكم الاصولية من ابحاث فانها رائعة على هذا النحو من الأسلوب المفيد اذ تجعل القارئ يتابع بشوق قراءت هذه الابحاث الاصولية بتفهم واستيعاب .
ولذلك نتقدم لكم بالشكر الجزيل على مجهودكم الكريم .
شكرا جزيلا أختي الحوزية الصغيرة
أخوكم موسوي البحراني
الحوزويه الصغيره
06-12-2010, 11:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
مأجورين ومثابين إن شاء الله بمصاب سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام..
تسلم استاذي على مروركم الرائع , لقد أنرتم صفحتي بردودكم الزكيه .
موفقين لكل خير
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
09-12-2010, 12:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
إجمال النص
والمراد من اجمال النص هو الغموض الذي يكتنف النص إما من جهة مدلوله التصوري أو من جهة مدلوله الاستعمالي دون التصوري أو من جهة مدلوله الجدِّي دون الإستعمالي.
أمَّا الإجمال من جهة المدلول التصوري فهو الإجمال الناشئ عن الجهل بالوضع اللغوي للفظ، وعندها لا ينقدح أيُّ معنىً في الذهن من اطلاق اللفظ.
ومن هنا ادعى صاحب الكفاية (رحمه الله) انَّ الإجمال من المفاهيم الإضافية باعتبار انَّ اللفظ قد يكون مجملا عند شخص لجهله بوضعه اللغوي ويكون بيِّناً عند آخر لعلمه بالوضع اللغوي، إلا انَّ السيد الخوئي (رحمه الله) لم يقبل دعوى انَّ الإجمال من المفاهيم الاضافية، ونقض على الشيخ الآخوند (رحمه الله) بانَّه لو كان كذلك لكانت تمام الالفاظ العربية مجملة عند غير العرب باعتبار جهلهم بأوضاعها اللغوية.
فالصحيح انَّ الإجمال من المفاهيم الواقعية والذي لا يختلف الحال فيه من شخص لآخر بل ان للإجمال معنىً منضبطاً ومطرداً في تمام الحالات والموارد، فكلُّ لفظ بحسب المتفاهم العرفي مشتبه المعنى فهو مجمل وإلاّ فهو مبيَّن، وليس ثمة حالة يكون فيها اللفظ مجملا بالاضافة لشخص وبيناً بالاضافة لشخص آخر، ويمكن التنظير لذلك بوصف العالم، فالشخص إمّا أن يكون عالماً أو لا يكون عالماً، وصحة إتصافه بالعالمية لا يرتبط بمعرفة الآخرين حتى يكون وصف العالمية لزيد وصفاً اِضافياً فهو عالم بالاضافة لعمرو باعتبار معرفته بعلمه وغير عالم بالاضافة لخالد باعتبار جهله بعالميته، بل انَّ كلَّ من هو واجد للعلم فهو عالم بقطع النظر عن معرفة الآخرين لواجديته للعلم أو عدم واجديته.
وهكذا الكلام في الاجمال، فكلُّ لفظ مشبه المعنى بحسب الموازين المقررة عند أهل المحاورة فهو مجمل وإلاّ فهو مبيَّن، غايته انه قد يقع الخلاف في بعض الموارد وانَّ هذا المورد من قبيل المجمل أو المبيَّن، وهذا الخلاف في الواقع يرجع إلى مقام الاثبات أي مقام تطبيق ضابطة المجمل على موارده، وهذا بنفسه يكشف عن انَّ للإجمال معنىً متقرراً في مرحلة سابقة، والنزاع انَّما هو في انَّ الضابطة منطبقة على المورد أولا.
وبهذا البيان اتضح انَّ الإجمال لا يُتعقل في المدلول التصوري بحسب ما يُستفاد من نظر السيد الخوئي (رحمه الله).
ومن هنا فالإجمال في النص منقسم إلى قسمين:
القسم الاول: هو الاجمال الواقع في مرحلة المدلول الإستعمالي، والمراد من المدلول الاستعمالي هو ما يظهر من حال المتكلم انَّه أراد من استعمال هذه الالفاظ اخطار معان معينة، فالظهور الاستعمالي ظهور حالي سياقي يكشف عن إرادة المتكلم لإخطار معان معينة من الفاظها إلاّ انَّه لا يكشف عن إرادته الجدية للمعاني المنكشفة، إذ انَّ الظهور الإستعمالي يُجامع الهزل والتقية والإيهام على المخاطب.
وعلى أيِّ حال فالإجمال في مرحلة المدلول الإستعمالي معناه عدم وضوح هذا المقدار من الدلالة، بمعنى انَّ المخاطب يجهل أيَّ المعاني التي أراد المتكلم اخطارها من كلامه، وهذا النحو من الإجمال عبَّر عنه السيد الخوئي (رحمه الله) بالإجمال الحقيقي وقال: انَّه على نحوين:
الاول: الإجمال بالذات: وهو الإجمال الذي ينشأ عن نفس اللفظ أو الهيئة التركيبية اللفظية، ومثاله استعمال اللفظ المشترك دون قرينة.
الثاني: الإجمال بالعرض: وهو الذي ينشأ عن احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية ولولا احتفافه بذلك لكان ظاهراً في مدلوله الإستعمالي.
والمراد من احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية هو عدم الجزم بالقرينة وعدم الجزم بعدم القرينية.
وبتعبير آخر: انَّه قد يكتنف الكلام لفظ يوجب التشويش على المراد الإستعمالي، وقد يُلقى الكلام في جو يستوجب التعمية على المراد، فلا هو قرينة صريحة فتستوجب صرف الظهور الأولي إلى ظهور يتناسب مع القرينة كما لا يمكن اهماله باعتبار صلاحيته لأنْ يُعتنى به بنظر أهل المحاورة، وعندها لا يستقرُّ المخاطب على معنىً ثابت من كلام المتكلم بل يظلُّ محتملا لأكثر من معنى، ويمكن التمثيل لذلك بورود الأمر عقيب الخطر، فإنَّ الأمر لو خلِّي ونفسه لكان ظاهراً في الوجوب إلاّ انَّ وروده بعد الحظر يستوجب اجمال المراد من الأمر.
القسم الثاني: الإجمال في مرحلة المدلول الجدِّي، وهذا النحو من الإجمال يُجامع الظهور في الدلالة الإستعمالية، فقد يظهر من حال المتكلم انَّه مريد لإخطار المعنى من كلامه إلاّ انَّ مراده الجدِّي مجمل.
والمقصود من الإرادة الجديَّة هي انْ يظهر من حال المتكلم انَّه جادٌ في الحكاية عن الواقع من كلامه، كأن يظهر من حال الامام (ع) انَّه متصد لبيان الحكم الواقعي وانَّ كلامه لم يكن عن تقية مثلا.
ومثال الإجمال في مرحلة المدلول الجدِّي انْ يرد عن المتكلم كلام ظاهر في العموم، ثم يرد عنه كلام آخر يستوجب تخصيص العموم به إلاّ انَّ هذا المخصِّص كان مجملا، فإنَّ هذا الإجمال يسري من المخصِّص إلى العموم في بعض الموارد، فالإجمال في العموم ليس حقيقياً، لأنَّه لم ينشأ عن نفس الكلام الاول بل انَّ الكلام الاول كان ظاهراً في العموم، غايته انَّ الإجمال قد طرأ عليه بسبب إجمال المخصِّص المنفصل وإلا فهو ظاهر في انَّ المتكلم أراد اخطار العموم من كلامه، أي انَّ المدلول الإستعمالي لا إجمال فيه، نعم بسبب اجمال المخصِّص وقع التردد من جهة انَّ المتكلم هل أراد من كلامه الاول العموم واقعاً أولاْ.
ومثال ذلك مالو قال المولى (أكرم كلَّ العلماء) ثم قال في خطاب آخر (لا تكرم زيداً العالم)، وزيد العالم مردد بين شخصين ولا ندري أيهما أراده المولى، فعندئذ لا يمكن التمسُّك بالعموم لإثبات وجوب الإكرام لزيد الاول أو لزيد الثاني، إذ انَّ التردد فيمن هو المراد من المخصِّص أوجب التردد فيمن هو المشمول للعموم واقعاً، فواحدٌ منهما قطعاً خارج عن العموم إلا انه غير متشخص بسبب اجمال المخصص.
وهذا ما أوجب عدم التعرُّف على من هو الباقي تحت العموم منهما، وهذا هو معنى سريان الإجمال في المخصص للعموم.
ولاحظتم انَّ الإجمال الذي عرض العموم انما هو في مرحلة المدلول الجدِّي وإلا فالظهور الإستعمالي في العموم لم يتأثر باجمال المخصِّص.
وهذا النحو من الإجمال عبَّر عنه السيد الخوئي (رحمه الله) بالإجمال الحكمي، بمعنى انَّه في حكم المجمل وإلا فهو ظاهر في نفسه، واجمال المخصِّص لم يسلب عنه الظهور الإستعمالي، نعم أوجب التشويش على ماهو المراد الجدِّي من العموم .
تحيتي.
الحوزويه الصغيره
16-12-2010, 08:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
احترازية القيود
المراد من القيود عادة هو كلُّ ما يُوجب التضييق في دائرة موضوع الحكم أو متعلِّقه، ولهذا فهي تشمل النعت والحال والتمييز والإضافة والشرط والغاية وهكذا.
والمراد من الإحترازية هو المانعية عن شمول الحكم للموضوع الفاقد للقيود عند أخذها فيه، بحيث يكون موضوع الحكم روحاً هو المتحيِّث بتلك القيود المأخوذة فيه.
وبتعبير آخر: إنَّ الإحترازية تقتضي دخالة القيود في ترتُّب الحكم على الموضوع بحيث يكون شخص الحكم منتفياً عند انتفائها، وهي في مقابل المثالية أو التوضيح مثلا، إذ ان القيود المذكورة لغرض التمثيل تقتضي عدم اختصاص الحكم بمورد المثال.
مثلا لو قال المولى: (أكرم الفقير العادل) واستظهرنا انَّ العدالة مذكورة لغرض التمثيل أو لغرض بيان الفرد الاكمل من الموضوع، فعندئذ يكون موضوع الحكم هو مطلق الفقير، وليس للعدالة دخل في ترتُّب وجوب الإكرام على الفقير.
أما لو استظهرنا الإحترازية فهذا يقتضي عدم وجوب اكرام الفقير إذ لم يكن متصفاً بالعدالة.
ومع اتضاح المراد من عنوان احترازية القيود يقع البحث عن انَّ القيود المأخوذة في مرحلة المدلول التصوري الوضعي هل هي مرادة في مرحلة المدلول الجدِّي أولا ؟
فإنْ كان الجواب بالإيجاب فهذا يعني انَّ القيود تقتضي الإحترازية وإلا فلا.
والصحيح كما هو مقتضى الظهور العرفي انَّ القيود المذكورة في كلام المتكلم يُراد بها الإحتراز عن كل حالة لا تكون معها القيود متوفرة، أي انَّ الأصل في القيود الإحترازية، وهو أصل عقلائي منشاؤه هو انَّ المستظهر من حال كل متكلم انَّ ما يُخطره من معان بواسطة ألفاظها تكون مرادة بالإرادة الجديَّة، وهذا هو المعبَّر عنه بأصالة التطابق بين المدلول التصوري - المفاد بواسطة الألفاظ - والمدلول الجدِّي.
وبهذا يتضح انَّ قاعدة احترازية القيود نحو من الدلالة الحالية السياقية المطردة يتعاطاها العقلاء لغرض بيان حدود مقاصدهم، وينتج عن هذه القاعدة انتفاء الحكم بانتفاء القيود المأخوذة في موضوعه، كما ينتج عنها عدم سقوط الحكم في حالات عدم توفُّر المتعلَّق المأتي به على القيود المأخوذة فيه، كما لو كان متعلَّق الحكم هو الصلاة عن طهارة وجاء المكلف بصلاة فاقدة للطهارة، فإن الحكم بالوجوب مثلا لا يسقط بتلك الصلاة الفاقدة للطهارة.
وهنا لابدَّ من التنبيه على أمر وهو انَّ الذي تنفيه قاعدة احترازية القيود - عند انتفاء القيود عن موضوع الحكم - انَّما هو شخص الحكم لا طبيعيّة فهي لا تمنع عن ثبوت مثل الحكم للموضوع الفاقد أو المتقيد بقيد آخر.
كما انَّه لابدَّ من الإلتفات إلى انَّ هذه القاعدة أو هذا الأصل انَّما يجري في موارد الشك فيما هو المراد الجدِّي من ذكر القيود، وهل المراد منها تضييق من دائرة الموضوع أو انَّ المراد منها التمثيل والتوضيح او بيان الفرد الاكمل، وعندها يصح التمسُّك بأصالة الإحترازية في القيود، أما لو دلَّت القرينة على إرادة المثالية من القيد فإنّ القاعدة لا تجري بل المتبع حينئذ هو ما تقتضيه القرينة.
ومنشأ ذلك هو انَّ العقلاء عندما يشكون فيما هو المراد الجدِّي للمتكلم فإنّهم يستظهرون جريانه وفق الطريقة المتعارفة والتي تقتضي التطابق بين الدلالة التصورية والإرادة الجديَّة، ولمَّا كان المدلول التصوري من ذكر القيود هو تضييق دائرة الموضوع المتقيِّد بتلك القيود المذكورة فكذلك المدلول الجدِّي، أما مع إحراز انَّ المتكلم لم يرد جدّاً من ذكر القيود تضييق دائرة الموضوع فإنه لا مجال للتمسُّك بالقاعدة.
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
23-12-2010, 03:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإحتمال والمحتمل
المراد مِن الاحتمال في عرف المناطقة هو ما يقابل الظنّ والشكّ، إلاّ أنّه في عرف الأصوليِّين قد يطلَق فيما يقابل اليقين والاطمئنان فيكون الظنّ والشكّ داخلَيْن تحت عنوان الاحتمال.
وفي كلا الاستعمالَيْن يحتفظ عنوان الاحتمال بخصوصيّة مشتركة بينهما وهي القبول بإمكانيّة أنْ لا يكون متعلّق الاحتمال مطابقاً للواقع.
وببيان آخر:
إذا توجّهت النفس إلى نسبة بين شيئين كانتساب الموت لزيد فإمّا أنْ يحصل القطع أو الاطمئنان بثبوت نسبة الموت لزيد أو بانتفاء النسبة، وهذا الفرض خارج عن معنى الاحتمال في استعمال المناطقة والأصوليِّين.
وإمّا أنْ لا يحصل القطع والاطمئنان بثبوت النسبة أو انتفائها، وهنا إمّا أنْ لا يترجّح في النفس كلا الأمرَين النسبة وعدمها، وهذا ما يعبَّر عنه بالشكّ، وإمّا أنْ يترجّح في النفس ثبوت النسبة أو عدم ثبوتها، وهذا ما يعبَّر عنه بالظنّ، فإذا كانت النسبة هي المترجّحة فالظنّ في جانبها، ويكون الاحتمال في جانب عدم ثبوت النسبة، أي يكون الاحتمال في جانب المرجوح في النفس مِن الأمرين.
وإذا كان عدم ثبوت النسبة هو المترجّح في النفس فالظنّ في جانبه ويكون الاحتمال في جانب ثبوت النسبة.
والفرض الثاني - وهو عدم القطع أو الاطمئنان بثبوت النسبة أو عدم ثبوتها - بجميع صوره هو المراد مِن عنوان الاحتمال في عرف الأصوليِّين، غايته أنّ الاحتمال قد يكون قويّاً فيكون بمرتبة الظنّ، وقد يكون ضعيفاً فيكون بمرتبة الاحتمال في استعمال المناطقة، وقد لا يترجّح في النفس أحد الأمرين أي ثبوت النسبة وعدم ثبوتها فيكون الاحتمال بمرتبة الشكّ.
وبذلك يتّضح أنّ كلّ واحد مِن صور الفرض الثاني ينحل إلى احتمالَيْن في استعمال الأصوليِّين، فالظنّ بثبوت النسبة يقتضي أنْ يكون بإزائه احتمال منطقي بعدم ثبوتها، والشكّ بثبوت النسبة يقتضي أن يكون بإزائه شكّ بعدم ثبوت النسبة، واحتمال عدم ثبوت النسبة احتمالاً منطقيّاً يقتضي أنْ يكون بإزائه ظنّ بثبوتها.
وأمّا المراد مِن المحتمَل فهو متعلَّق الاحتمال، فلو كان ثمّة احتمال بموت زيد فمتعلّق الاحتمال هو موت زيد فهو إذن المحتمَل.
وبذلك يتبيّن المراد مِن قولهم أنّ الاحتياط مثلاً قد ينشأ عن أهميّة المحتمَل، إذ قد تكون مرتبة الاحتمال ضعيفة إلاّ أنَّ المحتمَل لمّا كان خطيراً بمعنى أنّه لو اتّفق مطابقته للواقع لما كان الشارع يرضى بتفويته، لمّا كان الأمر كذلك كان مقتضياً لجعل الاحتياط لغرض التحرّز عن فوات الواقع ذي الأهميّة الخطيرة.
فالهدف الذي يصوِّب المكلّف السهم نحوه يحتمل ضعيفاً أنّه إنسان إلاّ أنّه لمّا كان المحتمَل وهو قتل الإنسان خطيراً فهذا قد يقتضي لزوم الأمر بالاحتياط لئلاّ يفوت الملاك المهمّ لو اتّفق مصادفة الاحتمال للواقع.
تحيتي
غسان المظفر
04-01-2011, 12:32 AM
بسمه تعالى
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد قرآت ما ذكره الأخوة الافاضل حول موضوع (( الاجماع)) ولي عليه رد وتعقيب
الاول| ان الاجماع عندنا ليس دليلا مستقلا وانما هو طريق كاشف عن السنة أي قول المعصوم (ع) كما هو واضح وبذلك يختلف عن الاجماع عند مذهب السنيين
الثاني | والاجماع ينقسم الى نوعين الاجماع المحصل وهو حجة وهو لايحصل في زماننا هذا والاجماع المنقول وهو على نوعين الاجماع المتواتر وهو حجة والاجماع المنقول بخبر الواحد وهو حجة وبذلك فاني اخالف اراء كثير من علمائنا
بدليل الاية التي تقول (( ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ....)) فان الشارع المقدس اجاز لنا العمل بخبر الواحد وكذلك بنقل الواحد اذا كان عادلا
غسان المظفر
04-01-2011, 12:37 AM
الاية الصحيحة (( ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ....)) ارجو المعذرة عن الخطأ
غسان المظفر
04-01-2011, 12:43 AM
أما ما ذكره الاخ موسوي البحراني عن الاجماع المنقول بخبر الواحد هو من مصاديق خبر الواحد فهو أشكال ليس في محله فان بينهما مشترك لفظي ليس اكثر فخبر الواحد خبر نقل عن المعصوم (ع) ولك نقله واحد ولم يكن متواتر وقد اتصل سنده بالمعصوم (ع) أما الاجماع المنقول بخبر الواحد فهو ان ينقل الفقيه اجماع عن مساله من الذي حصل الاجماع أي فقيه آخر وهو اجماع فقهائنا ويكون داخلا من ضمنهم المعصوم ( عليه السلام )
الحوزويه الصغيره
05-01-2011, 09:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإحتياط
الإحتياط كما هو المستفاد من كلمات اللغويين يعني التحفُّظ والتحرُّز عن الوقوع في المكروه، وهذا المعنى هو المراد في استعمالات الاصوليين، فهو يعني التحفُّظ والتحرُّز عن الوقوع في مخالفة الواقع بواسطة العمل بتمام المحتملات والذي هو أعلى مراتب الإحتياط.
ثم انه يقع البحث عندهم عن الحالات التي يكون معها المكلف ملزماً بالاحتياط، وماهي المرتبة التي يكون المكلَّف ملزماً بتحصيلها، فتارة يكون المكلَّف مسئولا عن الإلتزام بتمام الأطراف المحتملة كما في موارد العلم الإجمالي في الشبهات المحصورة، وتارة لا يكون ملزماً بأكثر من عدم المخالفة القطعية كما في موارد العلم الإجمالي في التدريجيات على بعض المباني، كما انَّه في بعض الفروض يكون مسئولا عن الإمتثال الإجمالي الظنِّي دون الشكي والوهمي كما في موارد انسداد باب العلم والعلمي بناء على الحكومة على بعض التفسيرات والمعبَّر عنه بالتبعيض في الإحتياط، وهناك حالة يكون معها المكلَّف مُلزَماً بالأخذ بأحوط أقوال الفقهاء الواقعين في شبهة الأعلمية وهي حالة اختلافهم في الفتوى على بعض المباني.
ثم انَّ ثمة حالات لا يكون معها الإحتياط لازماً بتمام مراتبه كما في الشبهات البدويَّة، نعم ذهب الإخباريون (رحمهم الله) إلى لزوم الاحتياط لو كانت الشبهة حكمية تحريمية، وهنا يكون الاحتياط مقتضياً لترك ما يُحتمل حرمته.
والمتحصَّل انَّ الإحتياط في تمام الموارد المذكورة بمعنىً واحد وهو التحفُّظ عن مخالفة الحكم الواقعي.
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
06-01-2011, 09:57 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
اخي الفاضل غسان المظفر ..
اشكر لك تواجدك في صفحتي المتواضعه , ولتعقيبك عما ذكرناه حول الأجماع المنقول بخبر الواحد .
كما نتمنى ان تنير قسم الحوزه بمواضيعك ومشاركاتك عما قريب .
موفقين لكل خير
تقبل تحيتي
الحوزويه الصغيره
13-01-2011, 06:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإحتياط الشرعي
وهو الأصل العملي الذي بنى الإخباريون على انَّه المرجع في الشبهات الحكمية التحريميَّة وذلك في مقابل مشهور الاصوليين حيث يبنون على جريان أصالة البراءة الشرعية والعقلية في هذا المورد، وفي مقابل ما بنى عليه السيد الصدر (رحمه الله) من جريان خصوص البراءة الشرعية في هذا المورد.
فالإخباريون وان كانوا يبنون على جريان البراءة الشرعية - بل وكذلك العقلية كما هو الظاهر - في الشبهات الوجوبية إلا انهم يختلفون عن المشهور في الشبهات التحريمية حيث يدعون انَّ الأدلة من الآيات والروايات تُثبت لزوم مراعاة الإحتياط في خصوص الشبهات الحكمية التحريمية، وهذا هو منشأ التعبير عن هذا الإحتياط بالشرعي، ولذلك ادعى السيد الخوئي (رحمه الله) وهو المستظهر من كلمات الشيخ الانصاري بل وسائر الاصوليين انَّ النزاع بين الاخباريين والاصوليين في المقام صغروي وان كانت كبرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان مسلمة عند الجميع.
فالنزاع انما هو في صلاحية أدلة الإحتياط لرفع موضوع البراءة العقلية وعدم صلاحيتها لذلك، فالإخباريون يقولون: انَّ البراءة العقلية انَّما تجري مع عدم البيان وأدلة الإحتياط في الشبهات التحرمية بيان فلا موضوع لأصالة البراءة العقلية.
وأما الاصوليون فحيث ادعوا انَّ أدلة الإحتياط غير تامة إما من جهة السند أو من جهة الدلالة فلا موجب لانتفاء موضوع أصالة البراءة العقلية، فلا فرق بين الشك في الوجوب (الشبهة الوجوبية) أو الشك في الحرمة (الشبهة التحريمية) من جهة انهما جميعاً مجرى لاصالة البراءة العقلية وكذلك الشرعية.
أقول: يمكن دعوى انَّ الخلاف بين الاصوليين والاخباريين في المقام كبروي ولكن في خصوص البراءة الشرعية، وذلك حينما نفترض انَّ الإخباريين يرون انَّ موضوع أدلة البراءة الشرعيَّة في الشبهات التحريميَّة هو عينه موضوع الإحتياط الشرعي في الشبهات التحريميَّة، فمنشأ الإختلاف هو دعوى التعارض بين الأدلة وترجيح أدلة الإحتياط الشرعي، فالنزاع لو كان كذلك - كما هو ليس ببعيد في بعض الأدلة - فهو كبروي، إذ انَّهم حينئذ يبنون على عدم جريان البراءة الشرعية في الشبهات التحريمية لسقوط دليلية أدلتها بالتعارض وترجيح أدلة الإحتياط الشرعي لا انَّ المنشأ لذلك هو انَّ الإحتياط الشرعي ينفي موضوع البراءة كما أفاد السيد الخوئي (رحمه الله).
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
21-01-2011, 03:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإحتياط العقلي
وهو أحد الاصول العملية العقلية أي المدركة بواسطة العقل العملي، ولم يختلف أحدٌ من العلماء في انَّ أصالة الإحتياط العقلي جارية في كل مورد تتسع له حدود حق الطاعة للمولى جلَّ وعلا، وانَّما وقع الخلاف في حدود حق الطاعة فهو الذي نشأ عنه الإختلاف فيما هو مجرى أصالة الاحتياط العقلي.
فالسيد الصدر (رحمه الله) حيث بنى على انَّ حدود حق الطاعة للمولى تتسع لتشمل التكاليف المظنونة والمحتملة ذهب إلى انَّ أصالة الاحتياط العقلي تجري في موارد الظن بالتكليف بل وفي موارد احتماله.
وأما المشهور فحيث بنوا على تمامية قاعدة قبح العقاب بلا بيان ذهبوا إلى انَّ أصالة الاحتياط العقلي لا تجري في موارد الظن أو احتمال التكليف، وهذا ناشئ - كما هو مقتضى الإستدلال بقاعدة قبح العقاب بلا بيان - عن انَّ حدود حق الطاعة للمولى جلَّ وعلا بنظرهم لا تشمل التكاليف غير المعلومة، ولذلك بنوا على جريان أصالة البراءة العقلية في حالات عدم العلم بالتكليف.
والظاهر انهم لا يختلفون عن السيد الصدر (رحمه الله) في انَّ التكليف المحتمل موجب للإحتياط عقلا، وذلك دفعاً للضرر الاخروي المحتمل، واحتمال الضرر لا يأتي لو كانت حدود حق الطاعة غير شاملة للتكاليف المحتملة، إذ انَّ ذلك موجب للقطع بعدم الضرر.
فالخلاف بين المشهور والسيد الصدر (رحمهم الله) هو انَّ المشهور يقولون انَّ المؤمِّن عن الضرر المحتمل هو العقل والذي هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان والذي يظهر من عبائر السيد الصدر (رحمه الله) هو انَّ مورد أصالة البراءة هو عينه مورد أصالة الإحتياط العقلي، فإما ان يُدرك العقل البراءة أي قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو يُدرك الاحتياط العقلي ولزوم التحفُّظ على التكاليف المحتملة، إذ من المستحيل ان يُدرك العقل حكمين متنافيين لموضوع واحد في رتبة واحدة.
فالخلاف بينهما في رتبة المُدرك العقلي القاضي بالاشتغال والإحتياط، فالمشهور يقولون انَّ ما يُدركه العقل من لزوم التحفظ على التكاليف المحتملة هو المدرك الاولي وهو معلَّق على عدم وجود مؤمِّن عن التكليف المحتمل، فإذا ما جاء المؤمن لم يلزم مراعاة التكليف المحتمل، وهذا المؤمن قد يكون شرعياً - كما يؤمن بذلك السيد الصدر (رحمه الله) - وقد يكون عقلياً كأصالة البراءة العقلية المستندة إلى القاعدة، ومن هنا لو منع مانع عن جريان البراءة العقلية فالمرجع هو أصالة الإشتغال العقلي.
مثلا: في مورد العلم الإجمالي تسقط البراءة العقلية والشرعية عن الطرفين بسبب التعارض وعندها يتنجَّز العلم الإجمالي، فلو اضطر المكلف بعد ذلك إلى أحد الطرفين أي بعد تنجُّز العلم الإجمالي اضطر إلى أحد الطرفين المعين أو غير المعين فإن أصالة البراءة العقلية والشرعية لا تجري فيبقى إرتكاب ذلك الطرف محتملا للمخالفة الواقعية ولا مؤمِّن عن هذا الإحتمال لسقوط المؤمِّن العقلي والشرعي بالتعارض فيجب الإحتياط عقلا، وهذا الاحتياط في الواقع يرجع إلى انّ حق الطاعة للمولى يتسع للتكاليف المحتملة لكن غير المؤمَّن عنها لا شرعاً ولا عقلا.
وكذلك الكلام في الشبهات الحكميَّة البدويَّة قبل الفحص، فحيث لا مؤمِّن عنها لعدم جريان البراءة العقلية والشرعية فالمرجع هو أصالة الاحتياط العقلي.
وحاصل كلام السيد الصدر (رحمه الله) انَّ التأمين العقلي غير ممكن، وذلك لأنَّ موضوعه المفترض هو عينه موضوع أصالة الاحتياط العقلي فلا يمكن ان يُدرك العقل لزوم الطاعة في موارد التكاليف المحتملة وفي نفس الوقت يُدرك انَّ المكلَّف غير مسئول عن التكاليف المحتملة، نعم المؤمن الشرعي وهو أصالة البراءة الشرعية ينفي موضوع لزوم الاحتياط العقلي في التكاليف المحتملة، وذلك لأن ما يُدركه العقل من لزوم الإحتياط معلَّق من أول الامر على عدم الترخيص الشرعي فإذا ما جاء الترخيص الشرعي انتفى موضوع الاحتياط العقلي.
وأما المشهور فيدعون انَّ المؤمِّن الشرعي والمؤمن العقلي كلاهما في رتبة واحدة وان الذي هو في رتبة متقدمة هو الاحتياط العقلي، وهذا هو معنى قولهم انَّ التكاليف المحتملة غير مشمولة لحق الطاعة للمولى جلَّ وعلا.
والمتحصَّل انَّ المشهور يذهبون إلى ان موضوع المدرك العقلي بلزوم طاعة المولى هو التكليف المحتمل غير المؤمن عنه عقلا وشرعاً والسيد الصدر (رحمه الله) يذهب إلى موضوعه هو التكليف المحتمل غير المؤمَّن عنه شرعاً فحسب.
هذا ما نفهمه من الخلاف الواقع بين المشهور والسيد الصدر (رحمه الله) ثم انَّ المقدار المتفق عليه في الجملة هو انَّ أصالة الاحتياط العقلي تجري في موارد الشك في المكلف به إذا كان الاحتياط ممكناً.
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
26-01-2011, 06:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإحتياط حسن على أيِّ حال
والمراد من هذه القاعدة التي أطبق العلماء على تماميتها هو انَّ العقل يستقلُّ بإدراك حسن الإحتياط مهما أمكن ولم يلزم من مراعاته محذور.
ومنشأ إدراك العقل لحسن الإحتياط هو ما يترتب على الإحتياط من التحفُّظ على أغراض المولى جلَّ وعلا لو اتفقت، وهو من أكمل مصاديق الشكر لوليِّ النعمة جلّ وعلا، واذا كان كذلك فالإحتياط محبوب للمولى جلَّ وعلا ولو بنحو المحبوبيَّة الطريقية، ولا ريب انّ تحرّي ماهو محبوب للمولى من أكمل صور العبودية والتي يستقلُّ العقل برجحانها وبهذا يثبت المطلوب.
وبذلك يتضح انَّ الاحتياط حسن سواء امكن الامتثال التفصيلي أو لم يكن ممكناً وسواء استلزم الاحتياط التكرار أو لم يستلزم ذلك، وسواء كان في التوصليّات أو كان في التعبديَّات، وسواء كان الإحتياط منتجاً للتحفُّظ على الأغراض اللزومية للمولى أو الأغراض الغير البالغة حد الإلزام.
نعم لو ترتَّب على مراعاة الإحتياط محذور علم من الشارع عدم قبوله باهماله كما لو استوجب الاحتياط اختلال النظام فإن حسن الإحتياط حينئذ ينتفي، وذلك لانتفاء الحيثية التعليليَّة لحسنه والتي هي التحفُّظ على الملاكات الواقعية الغير المزاحمة بما هو أهم.
وهكذا الكلام لو كان الإحتياط مستوجباً للوقوع في العسر والحرج فإنَّ المعلوم من الشارع اهتمامه بعدم وقوع المكلفين في العسر والحرج، وهذا ما ينفي الحسن عن الإحتياط لانتفاء الحيثيَّة التعليليَّة لحسنه.
ومع ذلك لا يسقط الإحتياط بتمام مراتبه بمجرَّد استلزام الإحتياط التام لاختلال النظام أو العسر والحرج فإنَّ سقوط الإحتياط انَّما هو لمزاحمته لهذين الملاكين فالساقط عندئذ هو المزاحِم لهما لا مطلقاً، ومن هنا يظلُّ العقل مُدركاً لحسن الإحتياط في المرتبة التي لا تكون مزاحِمة لأحد هذين الملاكين، وهذه المرتبة هي المعبَّر عنها بالتبعيض في الإحتياط أو الإمتثال الظني إن لم تكن هذه المرتبة مزاحمة أيضاً للملاكين المذكورين وإلا فمع مزاحمتها لهما فإنَّ ما يُدركه العقل عندئذ من حسن الإحتياط هو مرتبة الإمتثال الإحتمالي.
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
04-02-2011, 12:47 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإحتياط في التعبديات
والغرض من عقدهم هذا البحث هو ما وقع من اشكال في امكان الإحتياط في الاحكام التعبديَّة وإلا فالأحكام التوصليَّة - والتي لا يكون الغرض منها سوى تحقق متعلَّقها في الخارج - فلا مسرح للإشكال في امكان الإحتياط في موردها، فلو وقع الشك في وجوب دفن هذا الميت لإحتمال إسلامه وعدم وجوبه لإحتمال كفره فلا ريب في انَّ مقتضى الإحتياط هو ايقاع الدفن وليس من محذور يترتب على هذا الإحتياط، وذلك لتوفُّره على الحيثية التعليلية القاضية بحسنه والتي هي التحفُّظ على الواقع، إِذ لعلَّ الواقع هو وجوب الدفن.
انَّما الكلام في الاحكام التعبديَّة المتقومة بقصد الوجه وقصد الامر المولوي، وهنا صورتان:
الصورة الاولى: لو دار الأمر بين وجوب الشيء واستحبابه فهل الإحتياط في هذه الصورة ممكن لو كان مورد الشك من سنخ الامور العبادية أو انَّ الاحتياط غير ممكن ؟
قد يُقال بعدم الإمكان، وذلك لتعذُّر قصد الوجه في المقام، إذ لا يتأتى للمكلَّف قصد الإستحباب أو الوجوب لافتراض الشك فيما هو سنخ المطلوب المتوجِّه اليه، وهل هو الوجوب أو الإستحباب، فقصد أحدهما تشريع محرَّم.
والجواب عن هذا الإشكال مبني على عدم اعتبار قصد الوجه - أي قصد سنخ الطلب من وجوب أو استحباب - وعندها ينتفي المحذور من الإحتياط، وهذا هو ما استقرَّ عليه المحققون وانَّ امتثال الاوامر العبادية ليس منوطاً بأكثر من قصد التقرب للمولى جلَّ وعلا، وقصد التقرب للمولى في هذه الصورة ممكن بلا ريب بعد احراز الأمر المولوي الأعم من الوجوبي والإستحبابي.
الصورة الثانية: مالو دار الأمر بين الوجوب والإباحة أو بين الاستحباب والإباحة.
والإشكال على امكان الإحتياط في هذه الصورة ينشأ عن عدم امكان قصد الأمر المولوي، وذلك لعدم إحرازه اِذ من المحتمل ان يكون الواقع هو الاباحة وعندئذ إما ان يأتي بالفعل المردد بقصد الأمر وحينها يكون مشرِّعاً، لأنَّ البناء على الوجوب او الاستحباب مع عدم الجزم به من أنحاء التشريع المحرَّم، وان أتى بالفعل دون قصد الأمر فهذا ليس من الإحتياط بشيء، وذلك لأن الإحتياط يعني التحفُّظ على الواقع بحيث يحصل الجزم بعد الإحتياط بالاتيان بالواقع لو كان، والحال انَّه في الفرض الثاني ليس كذلك، إذ لو كان الواقع هو الوجوب أو الاستحباب فإن المكلَّف لم يأتِ به، لأن امتثال الواجب العبادي وكذلك المستحب العبادي متقوِّم بقصد الأمر.
والجواب عن هذا الإشكال هو انَّه لا دليل على اعتبار قصد الأمر بخصوصه في التعبديات وانما المعتبر في موردها هو الاتيان بالفعل مضافاً للمولى بنحو من أنحاء الإضافة كقصد التقرُّب والتحبُّب للمولى جلَّ وعلا، واذا كان كذلك فالاحتياط في هذه الصورة ممكن بلا ريب، وذلك بأن يأتي المكلَّف بالفعل المردد برجاء ان يكون مطلوباً للمولى وهو نحو من أنحاء الإضافة للمولى جلَّ وعلا بل هو أدعى للتقرُّب من بعض الإضافات.
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
21-02-2011, 08:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
أخواني /أخواتي ..اعتذر منكم منذ فترة أنقطعت عن وضع الدروس بسبب انشغالي . ونتيجة لتأخري أتيتكم اليوم بدرسين اتمنى ان تعم الفائده عليكم بقراءتهم ..
نسألكم الدعاء
اختكم / الحوزوية الصغيرة
الاحتياط قبل الفحص
والمراد من هذا الإحتياط هو الاحتياط العقلي وكذلك الشرعي احتمالا، وذلك بقرينة انَّهم تارة يستدلون عليه بعدم شمول قاعدة قبح العقاب بلا بيان لهذه الصورة، وهذا ما يناسب الاحتياط العقلي، وتارة يستدلون عليه بانصراف الادلة الشرعية اللفظية - الدالة على البراءة الشرعية - عن هذه الصورة وعليه لا مانع من التمسك بأدلة الاحتياط الشرعي لو تمَّت ولم تكن إرشاديَّة وإلا فلزوم الإحتياط قبل الفحص عقلي لقاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل غير المؤمَّن عنه.
وعلى أيِّ حال فالمراد من الاحتياط قبل الفحص هو لزوم الامتثال الاجمالي القطعي - أي المنتج لإحراز المطابقة للواقع - قبل مراجعة الادلة الإجتهادية القطعية والظنيَّة المعتبرة أي التي قام الدليل القطعي على حجيتها.
وموضوع قاعدة الإحتياط قبل الفحص هو خصوص الشبهات الحكمية إذا كانت الشبهة بدويَّة، أما إذا كانت إجمالية فالإحتياط معها لازم سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية على انّ لزوم الاحتياط في موردها لا يختص بما قبل الفحص بل يظلَّ الاحتياط لازماً حتى بعد الفحص لو اتفق عدم العثور على ما يُوجب انحلال العلم الإجمالي.
وأما الشبهات الحكمية البدويَّة فالمرجع بعد الفحص وعدم العثور على الدليل المثبت للتكليف بل والنافي للتكليف المرجع هو أصالة البراءة العقلية والشرعية كما هو مسلك المشهور أو الشرعية فحسب كما هو مسلك السيد الصدر (رحمه الله)، وأما الاخباريون فمبناهم التفصيل بين الشبهات الحكمية التحريمية والشبهات الحكمية الوجوبية، فالثانية مجرى لأصالة البراءة بعد الفحص، وأما الاولى فالجاري في موردها هو الإحتياط الشرعي في حال عدم العثور على ما ينفي الحرمة.
وأما الشبهات الموضوعية فالظاهر انَّه لم يختلف أحد في انها مجرى لأصالة البراءة سواء قبل الفحص أو بعده وعدم إرتفاع الشك.
ثم ان البحث عمَّا هو مقدار الفحص الذي يرتفع معه موضوع أصالة الاحتياط العقلي ويُصحح جريان البراءة، وقد ذكر السيد الخوئي (رحمه الله) انَّ الاحتمالات الثبوتية في المقام ثلاثة:
الإحتمال الاول: ان يكون مقدار الفحص موجباً للعلم بعدم وجود الدليل.
الإحتمال الثاني: ان يكون مقدار الفحص موجباً للظن بعدم الدليل.
الإحتمال الثالث: ان يكون مقدار الفحص موجباً للإطمئنان بعدم الدليل.
أما الإحتمال الاول فساقط جزماً، وذلك لأنَّ الدليل على لزوم الفحص لا يقتضي ذلك، إذ انَّ الأدلة على لزوم الفحص هي إما دعوى انَّ ما يُدركه العقل من قبح العقاب بلا بيان لا يشمل حالات عدم الفحص، فلو كان هذا هو الدليل على لزوم الفحص قبل إجراء البراءة فإنَّه لا يقتضي ان يكون مقدار الفحص هو الموجب للعلم بعدم الدليل، إذ انَّ الفحص المصحح لإدراك العقل لقبح العقاب بلا بيان هو الفحص المتعارف والذي هو البحث عن الأدلة في مظانِّها وهو لا يوجب القطع بعدم الدليل.
وأما لو كان دليل لزوم الفحص هو دعوى الاجماع فهو لا يقتضي أكثر من لزوم الفحص في الجملة امَّا ماهو مقدار الفحص فهو خارج عن معقد الإجماع.
وأما لو كان الدليل هو العلم الاجمالي بوجود تكاليف إلزامية في الشريعة فالعلم الاجمالي يمكن انحلاله ولو حكماً بالفحص المتعارف، فلا يلزم ان يكون الانحلال حقيقياً كي يقال بلزوم ان يكون مقدار الفحص موجباً للعلم بعدم الدليل.
وأما لو كان دليل لزوم الفحص هو انصراف أدلة البراءة الشرعية عن حالات عدم الفحص فهذا الانصراف لا يكون مع الفحص المتعارف.
هذا أولا وثانياً انَّ دعوى لزوم ان يكون مقدار الفحص موجباً للقطع بعدم الدليل لا تعدو عن كونها وهميَّة لتعذُّر حصول القطع بعدم الدليل، وهذا ما يستوجب انسداد باب الإستنباط، لأنَّ الفقيه مهما بذل من جهد فإنَّ القطع بعدم الدليل لا يحصل، إلا ان يقال بأن غاية ما يلزم من شرطية حصول القطع بعدم الدليل هو عدم إمكان إجراء البراءة وهذا لا يلزم منه انسداد باب الإستنباط، لانَّ هذه الدعوى لا تقتضي عدم جواز العمل بالادلة الإجتهادية الغير الموجبة للعلم إذا كانت معتبرة.
وأما الإحتمال الثاني فمنشأ سقوطه هو انَّ الظن بعدم الدليل ليس حجة لعدم حجية الظن في نفسه إلا مع قيام الدليل القطعي على حجيته وهو مفقود في المقام، إذ انَّ وجوب الفحص لا ينتهي بحصول الظن بعدم الدليل كما هو مقتضى أدلته.
وأما الإحتمال الثالث: فهو المتعين، وذلك لانَّ الاطمئنان حجة شرعاً لقيام السيرة العقلائية الممضاة على ذلك.
ومن هنا فحصول الإطمئنان بعدم الدليل - والذي ينشأ عن الفحص عنه في مظانِّه - كاف في انتفاء موضوع أصالة الإحتياط العقلي ومصحح لجريان البراء العقليَّة والشرعية.
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
21-02-2011, 08:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
أخبار من بلغ
تُبحث تحت هذا العنوان قاعدة (التسامح في أدلة السنن) من حيث تماميتها وعدم تماميتها وماهي حدود هذه القاعدة لو تمت.
والمدار في البحث عن ذلك هو ما يُستظهر من مجموعة من الروايات تبلغ حدَّ الإستفاضة وفيها ماهو معتبرٌ سنداً، هذه الروايات معنونة بعنوان (أخبار من بلغ) وهو مقتبس من بعض هذه الروايات، مثل رواية محمد بن مروان قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: (من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل إلْتماس ذلك الثواب اُوتيه وان لم يكن كما بلغه) ([1] (http://www.shiaa.info/vb/#_ftn1)).
وسوف نتعرض بشيء من التفصيل لهذا البحث تحت عنوان (التسامح في أدلة السنن) في الدروس القادمة .
[1] (http://www.shiaa.info/vb/#_ftnref1)- الوسائل: باب 18 من أبواب مقدّمات العبادات.
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
28-02-2011, 09:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإختيار
الإختيار قد يطلق فيكون في مقابل الجبر، وقد يطلق فيكون في مقابل الاضطرار، وقد يطلق في مقابل الإكراه، وقد يكون بمعنى الانتخاب عندما يُواجه العاقل الملتفت مجموعة من الخيارات فينتخب أحدها ويُهمل سائر الخيارات.
وتفصيل ذلك انَّ الاختيار يُستعمل في أربع حالات:
الاولى: ان يكون الفعل ناشئاً عن رغبة ودون انْ يكون هناك قاسر أو قاهر خارجي ألْجئه على القيام بالفعل، والإختيار هنا في مقابل الجبر والذي يكون الفعل معه ناشئاً عن قاسر خارجي، ولا فرق في مثل هذه الحالة بين ان يكون الفعل القسري محبوباً أو مبغوضاً كما لا فرق بين ان يكون الفاعل شاعراً وملتفتاً حين صدوره عنه أو ذاهلا وغافلا عن صدوره عنه، ففي تمام هذه الحالات يكون الفاعل مجبوراً وذلك لصدور الفعل عنه قهراً.
الثانية: ان لا يكون الفعل ناشئاً عن خوف الوقوع في محذور لا يُحتمل أو يكون تحمُّله شاقاً، على ان يكون المحذور من سنخ الامور التكوينية الغير المتصلة بإنسان آخر، والاختيار هنا يقابل الاضطرار، ومثاله مالو شرب الإنسان السائل الخمري حتى لا يقع في الهلكة لعدم وجود ما يسدُ به الرمق.
وهذا الاضطرار وان كان ينافي الاختيار بالمعنى المذكور إلا انه لا يُنافي الإختيار بمعان اخرى.
الثالثة: ان لا يكون الفعل ناشئاً عن ضغط يُمارس ضده من قبل شخص آخر بل يكون ناشئاً عن رغبة نابعة عن إدراكه للمصلحة المترتبة على الفعل، ويقابل هذا النحو من الإختيار الإكراه، بمعنى ان يكون الفعل ناشئاً عن ملاحظة المضاعفات المترتبة على ترك الفعل وكونها أسوء مما سيترتب على صدور الفعل عنه.
وهنا لا يكون الإكراه منافياً لتمام معاني الاختيار.
الرابعة: ان يكون الفعل ناشئاً عن ترجيح لأحد الخيارات، وكان بوسعه ترجيح خيار آخر.
هذه حالات أربع يطلق على الفعل في موردها الفعل الإختياري، وحتى يتبلور معنى الاختيار نذكر ما يتقوّم به مفهوم الإختيار حتى يكون تعريفه بعد ذلك واضحاً.
المقوِّم الاول: الوعي والإلتفات وذلك في مقابل الغفلة والذهول التام كما لو صدر الفعل عن النائم فإنَّه لا يُتعقل في مورده الإختيار، وهذا ما يُعبِّر عن انَّ الإختيار لا يكون إلاّ مع مرتبة من الوعي والإدراك.
المقوم الثاني: العلم والإلتتفات إلى انَّ ما يصدر عنه متطابقاً مع العنوان المقصود على ان يكون الواقع متطابقاً مع المعلوم، فلو قصد المكلَّف شرب السائل المتعنون بعنوان الخمر وصدر عنه شرب ذلك السائل الملتفت إلى انه خمر وكان ذلك السائل خمراً واقعاً، فهذا الفعل الصادر عنه اختياري إذا توفرت معه سائر الشروط.
وبهذا يتضح انَّ العلم المعتبر في تحقق الاختيار ليس هو تلك الصفة النفسانية المعبَّر عنها بالقطع بل المعتبر هو العلم المطابق للواقع، فلو كان قاصداً لشرب الخمر ومعتقداً ان ما يشربه خمر إلا انَّ الواقع انَّ ذلك السائل الذي صدر عنه شربه لم يكن خمراً بل كان عصيراً عنبياً فهنا لا يكون شرب العصير العنبي بعنوانه اختارياً، وكذلك لو شرب المكلَّف خمراً معتقداً انَّه ماء فإن شرب الخمر بعنوانه ليس اختيارياً لانَّه لا يعلم بخمريته وانما كان يقطع بكونه ماء ولم يكن قطعه واقعياً.
وبما ذكرناه يتضح انَّ العلم المعتبر في صدق الإختيار هو العلم بعنوان الفعل الصادر على ان يكون الفعل منطَبق العنوان - المعلوم والمقصود - واقعاً.
ثم انَّ المقصود من العلم المقوِّم للإختيار هو العلم الإجمالي في مقابل الجهل التام بعنوان الفعل، فيكفي في صدق الإختيار علم المكلف اجمالا بعنوان الفعل الصادر عنه ولا يلزم ان يكون عالماً بحقيقة العنوان وبحدِّه التام بل ولا برسمه، فلو كان المكلف يعلم بخمرية هذا السائل - إلا انه يجهل ماهيته وممَّ يتركب وماهي مضاعفاتته - فإنَّ ذلك كاف في صدق الإختيار عند اقدامه على شربه، فلا يلزم العلم بتفاصيل العنوان كما هي دعوى الاشعري، حيث استدل على عدم اختيارية ما يصدر عن المكلَّف بدعوى تقوُّم الاختيار بالعلم بتفاصيل عنوان الفعل الصادر وهذا لا يتفق لأحد، فالنتيجة انَّ صدور الأفعال عن المكلَّفين ليس اختيارياً.
ولا تخفى سماجة هذا الدليل لمنافاته للوجدان القطعي القاضي بكفاية
العلم بالمميِّز لعنوان الفعل الصادر عن سائر العناوين، وهذا لا يستوجب أكثر من العلم اجمالا بعنوان الفعل الصادر، فهذا المقدار هو الذي يقضي العقل باستحقاق فاعله للمدح أو الذم.
المقوِّم الثالث: القدرة على الفعل الصادر عنه، ولا تكون ثمة قدرة على فعل حتى تكون هناك قدرة على تركه، ولهذا قالوا انَّ القدرة تعني انّ له ان يفعل وله ان لا يفعل اما لو كان صدور الفعل عنه حتمياً فإنَّه لا يكون قادراً عليه لعدم قدرته على تركه.
المقوِّم الرابع: وجود مرتبة من الرضا والرغبة في الفعل الصادر عن اختيار فلا يكون الفعل اختيارياً لو تجرَّد عن الرضا بتمام مراتبه، فلو اُلجأ المكلَّف على ايجاد فعل لم يكن له أدنى رغبة في صدوره عنه بحيث أصبح بمثابة الأداة فإنَّ الفعل الصادر عنه لا يكون عندئذ اختيارياً.
وبهذا يتضح انَّ صدور الفعل في ظرف الإكراه وكذلك في ظرف الاضطرار - بالمعنى الذي ذكرناه هنا - يكون من قبيل الافعال الإختيارية، إذ انَّ صدور الفعل في ظرف الاكراه والإضطرار يكون ناشئاً عن رغبة المكلَّف في التخلُّص من المحذور الأشق، فهو وإن كان لو خلِّي وطبعه لما اختار ذلك الفعل إلاّ انَّ ذلك لا يسلب عن فعله صفة الإختيار بعد ان كانت مرتبة من الرغبة منحفظة في مورد فعله، فالمريض الذي يدعو الطبيب لبتر عضو من أعضائه يعدُّ مختاراً وذلك لرغبته في قطع مادة المرض.
المقوِّم الخامس: انَّ الفعل لا يكون اختيارياً إلا مع تصوره وتصور فائدته في الجملة ثم التصديق والإذعان بالفائدة وعندها ينقدح الشوق النفساني والرغبة في تحصيله.
هذا هو حاصل المقومات التي لا يكون الفعل اختيارياً إلا مع التوفُّر عليها.
ولا يخفى تداخل هذه المقومات فيما بينها إلاّ انّ الغرض من بيانها بهذه الصورة هو تيسير فهمها.
تقبلوا تحيتي
موسوي البحراني
03-03-2011, 06:54 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم اختي العزيزة / الحوزوية الصغيرة على جهودكم المتواصلة والرائعة على هذه الدروس التي توضح بعض المطالب الاصولية بشكل وآخر من حيث الاسلوب والبيان كما أعتذر عن هذا الانقطاع المتكرر عن هذا المنتدى لظروف خاصة وعامة فنحتاج الى دعائكم لدفع هذه الظلمة عنا في البحرين .
تحياتي لكم
أخوكم جنابكم ( موسوي البحراني )
الحوزويه الصغيره
03-03-2011, 07:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن واهلك اعدائهم
اسعدني تواجدك استاذي الفاضل , قلوبنا معكم دائما نسأل الله الكريم ان يحفظكم من كل سوء و يبعد عنكم كيد الكائدين و بغي الحاقدين و جور الظالمين بحق محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين
نصر من الله وفتح قريب ان شاء الله
تحيتي لكم
الحوزويه الصغيره
13-03-2011, 01:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
أخذ القطع بحكم في موضوع حكم آخر
والمراد من هذه الفرضية هو ان يكون الحكم الذي أخذ العلم به قيداً في ترتُّب الحكم الآخر مبايناً ومغايراً للحكم الواقع في رتبة المحمول، كما لو قيل: (إذا علمت بنجاسة العصير العنبي حرم عليك شربه)، فالعلم بنجاسة اللعصير العنبي قطع موضوعي لافتراض وقوعه في رتبة الموضوع للحرمة، كما انَّ العلم بالنجاسة قطع طريقي لافتراض طريقيته وكاشفيته عن ثبوت النجاسة للعصير العنبي.
فالقطع الطريقي صار قطعاً موضوعياً في هذه القضية، ومن هنا يكون ثبوت الحرمة متولِّداً عنه، إذ انَّ هذا هو مقتضى علاقة الموضوعات بأحكامها.
أخذ القطع بحكم في موضوع... وكيف كان فلا ريب في امكان هذه الفرضية.
ومن هنا يتضح الحال في أخذ العلم بمرتبة من الحكم في موضوع مرتبة اخرى، كما لو قال المولى: (إذا علمت بإنشاء الحرمة للخمر فإنَّ الحرمة تصبح فعلية في حقك)، فإنَّ الحكم بمرتبة الإنشاء غير الحكم بمرتبة الفعلية، فأخذ العلم بالاول في موضوع الثاني نظير أخذ العلم بحكم في موضوع حكم آخر.
إلا ان يقال انَّ العلم بالجعل ملازم للعلم بالمجعول أي انَّ العلم بالإنشاء ملازم للعلم بالفعلية، وحينئذ يكون أخذ العلم بالجعل في موضوع الحكم بمرتبة المجعول معناه أخذ العلم بالحكم المجعول في موضوع نفس الحكم المجعول وهذا هو الدور المحال.
تقبلوا تحيتي
نسألكم الدعاء
الحوزويه الصغيره
13-03-2011, 01:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
أخذ القطع بحكم في موضوع حكم آخر مثله
والمراد من هذه الفرضية هو اعتبار قيدية العلم بحكم في موضوع حكم آخر إلاّ انَّ هذا الحكم الآخر مسانخ للحكم الذي وقع العلم به قيداً في ترتب الحكم الآخر.
وبتعبير آخر: انَّ الحكم الواقع في رتبة الموضوع غير الحكم الواقع في رتبة المحمول إلاّ انهما متسانخان ومتماثلان، نعم الحكم الواقع في رتبة الموضوع ثابت لموضوعه ابتداء، أما الحكم الواقع في رتبة المحمول فهو مترتِّب على موضوعه بقيد العلم بثبوت الحكم الأول.
والمصحح لهذه الفرضية هو انَّ الحكم الاول الواقع في رتبة الموضوع غير الحكم الثاني، فهما وان كانا متحدين جنساً أو نوعاً إلا انهما مختلفان شخصاً، فشخص الحكم الاول غير شخص الحكم الثاني، مثلا: لو قيل (إذا علمت بوجوب الصلاة وجبت عليك بوجوب ثان)، فالوجوب الثابت للصلاة في رتبة الموضوع غير الوجوب المترتِّب على العلم بوجوب الصلاة، فهما وان كانا متحدين جنساً إلا انهما متغايران شخصاً، وهذا ما يميِّز هذه الفرضية عن فرضية أخذ العلم بحكم في موضوع نفس ذلك الحكم.
وباتضاح ذلك يقع البحث عن استحالة هذه الفرضية أو امكانها، فقد يقال باستحالتها وذلك بملاك آخر غير ملاك الدور، إذ انَّ محذور الدور لا يأتي في المقام بعد افتراض انَّ الحكم الواقع في رتبة الموضوع غير الحكم الواقع في رتبة المحمول، فمنشأ القول باستحالة هذه الفرضية هو دعوى لزوم اجتماع المثلين، إذ انَّ موضوع أو متعلَّق كل من الحكمين المتسانخين واحد واهو الصلاة، ودعوى انَّ موضوع الحكم الثاني هو الصلاة بقيد العلم بوجوبها بخلاف الحكم الاول حيث ان موضوعه هو الصلاة فحسب غير تامة، وذلك لما ذكرناه من انَّه في ظرف العلم يكون كلا الحكمين فعليين أما الثاني فلافتراض تحقق موضوعه وأما الاول فلأنَّ العلم طريق محض لثبوته، فيكون كلا الحكمين المتماثلين ثابت في ظرف القطع بالحكم الاول.
إلا انَّ السيد الخوئي (رحمه الله) نفى هذا المحذور عن هذه الفرضية وادعى امكانها وانَّ الوجوب الثاني يكون مؤكداً للوجوب الاول في ظرف تحقق موضوع الوجوب الثاني.
فالوجوب قد يكون ثابتاً للصلاة دون ان يكون قطع، فهنا لا يوجد إلاّ الحكم الاول وقد يكون الحكم الاول (وجوب الصلاة) مقطوعاً به دون ان يكون مطابقاً للواقع فهنا يكون الوجوب الثاني متحققاً دون الاول، وقد يكون الوجوب الاول مقطوعاً به ومطابقاً للواقع فهنا يترتب الوجوب الثاني لتحقق موضوعه إلاّ انَّ وظيفته هي تأكيد الوجوب الاول فحسب.
وهذا نظير مالو ورد دليلان أحدهما مفاده حرمة أكل الميتة والآخر مفاده حرمة أكل النجس، فلو كانت الميتة غير نجسة فالحرمة الثابتة لها هي الحرمة الاولى، ولو اتفق وجود النجس من غير الميتة فهو حرام بالحرمة الثانية، أما لو اتفق وجود الميتة النجسة - كميته ذي النفس السائلة - فالحرمة الثابتة للميتة بمناط النجاسة مؤكدة للحرمة الثابتة بمناط الميتة.
تقبلوا تحيتي
نسألكم الدعاء
الحوزويه الصغيره
24-03-2011, 01:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
أخذ القطع بحكم في موضوع ضده
والمراد من هذه الفرضية هو ان يكون الحكم الواقع في رتبة المحمول منافياً للحكم الذي أخذ العلم به موضوعاً أو جزء موضوع لذلك الحكم (المحمول).
مثلا: لو قيل (اذا علمت بحرمة الميتة وجب عليك تناولها) فالحكم في هذه القضية هو وجوب أكل الميتة وموضوعها هو العلم بحكم مضاد ومناف للوجوب، ومنشأ التنافي هو افتراض وحدة موضوع الحكمين، إذ لو افترضنا انَّ موضوع الحرمة غير موضوع الوجوب لما لزم من ذلك أيُّ تناف.
هذا وقد ذكر لاستحالة هذه الفرضية وجهان:
الوجه الاول: انَّه يلزم من هذه الفرضية اجتماع الضدين، وذلك لأنَّ افتراض العلم بحرمة الميتة موضوعاً لثبوت الوجوب لأكل الميتة معناه انَّ أكل الميتة في الوقت الذي يكون فيه حراماً يكون واجباً، وهو من اجتماع الضدين.
وبيان ذلك: انَّ العلم بحرمة أكل الميتة طريق محض لثبوت الحرمة لأكل الميتة فهو يكشف عن انَّ أكل الميتة حرام واقعاً بنحو مطلق، فإذا كان أكل الميتة واجباً في ظرف القطع بالحرمة فهذا معناه انَّه في ظرف القطع بالحرمة يكون أكل الميتة واجباً وحراماً، أما انَّه واجب فلأنَّ موضوع الوجوب هو القطع بالحرمة والمفروض انَّ ذلك متحقق، وأمَّا انَّه حرام فلأن المفترض انَّه قاطع بالحرمة والتي هي طريق لثبوت الحرمة.
فالقاطع بحرمة أكل الميتة - بناء على هذه الفرضية - يكون أكل الميتة في حقه واجب لتحقق موضوع الوجوب وحرام الافتراض قطعه بذلك والذي هو طريق لثبوت الحرمة، وهذا هو اجتماع الضدين.
وما يقال من انَّ موضوع الحرمة مغاير لموضوع الوجوب، إذ انَّ موضوع الوجوب هو أكل الميتة المعلوم الحرمة، وموضوع الحرمة هو خصوص أكل الميتة دون قيد العلم، وهذا ما يستوجب إرتفاع التضاد.
إلا انَّه يتضح الجواب عن ذلك بما ذكرناه من ان التنافي إنَّما يقع في ظرف العلم بالحرمة حيث يكون موضوع الوجوب معه متحققاً، فباعتبار انَّ العلم طريق لثبوت الحرمة وموضوع لثبوت الوجوب يكون ظرف القطع هو الحالة التي يتحقق معها التنافي والتضاد، وأما مع عدم العلم بالحرمة كما لو كان تنجُّز الحرمة عليه بوسيلة غير القطع كالأصل العملي مثلا فإنَّه لا تنافي أصلا، وذلك لعدم تحقق موضوع الوجوب بعد افتراض ان موضوعه القطع بالحرمة، هذا حاصل ما أفاده السيد الخوئي (رحمه الله).
الوجه الثاني: انَّه يلزم من هذه الفرضية تعذر الإمتثال، وذلك لأنَّ الحرمة تبعث نحو ترك تناول الميتة والوجوب يبعث نحو تناول الميتة، وواضح استحالة الإنبعاث عن هذين الحكمين.
موفقين
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
24-03-2011, 01:44 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
أخذ القطع بحكم في موضوع نفس الحكم
المراد من هذه الفرضية هو اعتبار العلم بحكم موضوعاً لنفس ذلك الحكم، وهذا معناه إناطة ثبوت الفعلية للحكم بالعلم بثبوت الفعلية له، وذلك لأنَّ افتراض العلم بالحكم موضوعاً يقتضي ترتُّب ثبوت الحكم على تنقُّح وتحقق موضوعه في رتبة سابقة كما هو مقتضى علاقة الموضوعات بأحكامها، فأولا يتحقق الموضوع وعندئذ يترتب عليه الحكم، فحينما يقال (اذا استطعت وجب عليك الحج) فهذا معناه اناطة فعلية الوجوب للحج بتحقق الإستطاعة فما لم تتحقق الإستطاعة لا يكون الحج واجباً.
ومثال الفرضية المذكورة هو اعتبار العلم بحرمة الخمر موضوعاً لحرمة الخمر، وهذا معناه انَّ ثبوت الفعلية لحرمة الخمر منوط بتحقق العلم بثبوت الفعلية لحرمة الخمر، وذلك لافتراض العلم بفعلية الحرمة موضوعاً لثبوت الفعلية لحرمة الخمر.
وباتضاح ذلك يتضح استحالة هذه الفرضية لاستلزامها الدور.
وبيان ذلك يتم بواسطة الإلتفات إلى هذه المقدمات:
المقدمة الاولى: انَّ افتراض شيء موضوعاً أو جزء موضوع لحكم يقتضي تأخر ثبوت الحكم عن وجود الموضوع المفترض، فالحكم عدم مالم يتقرَّر موضوعه المفترض خارجاً، ولهذا قالوا انَّ الموضوع مولِّد للحكم وانَّ نسبته للحكم نسبة العلة لمعلولها، فالموضوع يقع في رتبة العلة والحكم يقع في رتبة المعلول.
المقدمة الثانية: انَّ العلم بالحكم إذا افترضنا أخذه موضوعاً لنفس ذلك الحكم فمعنى ذلك انَّ العلم بالحكم لابدَّ وان يوجد قبل وجود نفس الحكم، إذ انَّ هذا هو مقتضى كون العلم بالحكم واقعاً في رتبة الموضوع للحكم، ومعنى ذلك انَّ العلم بالحكم هو المولِّد والعلة للحكم.
المقدمة الثالثة: انَّ العلم والقطع بشيء معناه ثبوت ذلك الشيء المقطوع في نفس الأمر بغض النظر عن القطع به، وان القطع به ليس له سوى دور الكشف عن المقطوع، فلا هو سابق على المقطوع ولا هو مولِّد له بل هو متأخر عنه تأخُّر الكاشف عن منكشفه.
وباتضاح هذه المقدمات يتضح استلزام الفرضية المذكورة للدور، إذ انها تفترض انَّ الحكم مترتب على العلم به، وهذا يعني انَّ الحكم متأخر عن العلم بالحكم تأخر الحكم عن موضوعه، ولمَّا كان الموضوع هو العلم بنفس الحكم - كما هو المفترض - فهذا معناه وجود الحكم في رتبة سابقة عن وجود الموضوع، وهذا لأنَّ العلم متأخر عن معلومه، وذلك يعني انَّ الحكم يكون متأخراً ومتقدماً، اما انّه متأخر فلأنه واقع في رتبة الحكم واما انَّه متقدم فلافتراض ان موضوع الحكم هو العلم به والعلم بشيء فرع وجود المعلوم في رتبة سابقة عن العلم به.
موفقين
تقبلوا تحيتي
موسوي البحراني
11-04-2011, 12:55 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم اختي الفاضلة الحوزوية الصغيرة على مجهودكم الفريد الذي اجاده قلمكم وخطه على صفحة الناظرين وكان من جملة مجهودكم الابحاث الاصولية التي لا غنى عنها للفقيه في تحريرها في مقام استنباط الاحكام الشرعية .
اخوكم جنابكم ( موسوي البحراني )
الحوزويه الصغيره
12-04-2011, 01:16 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
أسعدني تواجدك استاذي في متصفحي المتواضع .. فأهلا وسهلا بكم
لك مني اجمل التحايا
دمتم بود
الحوزويه الصغيره
12-04-2011, 01:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
اخطارية المعاني الإسميَّة
ذهب المحقق النائيني (رحمه الله) إلى انَّ المفاهيم الإسميَّة مفاهيم اخطارية، أي انّ لها تقرُّر وثبوت في الذهن، فهي نظير الوجودات العينية في الخارج، فكما انَّ الوجودات العينية - وهي الجواهر - وجودات متقررة ومستقلة في عالم الخارج ولا يُناط وجودها بوقوعها في اطار موضوع بل هي موجودة في نفسها لنفسها فكذلك المعاني الاسمية في عالم الذهن، فإنَّها وجودات استقلالية ولا يُناط وجودها في عالم الذهن بموضوع من قبيل المركب اللفظي بل تنقدح في الذهن ابتداء وان تجردت عن كل مركب، فالمفاهيم الإسمية - بقطع النظر عن مداليلها وهل انّ مدلولها من قبيل الجواهر أو الأعراض أو الإعتبارات أو الإنتزاعيات - كلها مفاهيم استقلالية غير مفتقرة لموضوع يؤهلها لأنْ تنخطر في الذهن، ولهذا لو افترض جدلا ان لا مفهوم في عالم الوجود إلاّ مفهوم واحد فإنَّه مؤهل لأنْ ينخطر في الذهن، مما يُعبِّر عن انَّ المفاهيم الإسمية كالوجودات العينية من حيث انَّها موجودة لا في موضوع، غايته انَّ الوجودات العينية متقرِّرة في وعاء الخارج وأما المفاهيم الإسمية فهي متقررة استقلالا في وعاء الذهن.
ولتوضيح ماذكرناه نمثل بهذه المفاهيم، وهي مفهوم الماء والبياض والعلية والبيع، فإنَّها جميعاً مفاهيم اسميَّة، ونلاحظ انَّها معاني متصورة ومدركة ولها تقرُّر وثبوت بنحو مستقل في وعاء الذهن، ونلاحظ انَّ إدراكها ليس منوطاً بوجود ألفاظ موضوعة ومستعملة لغرض الدلالة عليها بل ان تصوّر وإدراك هذه المعاني متحقق بقطع النظر عن ألفاظها.
كما نلاحظ انَّ اختلاف هوية هذه المعاني - من حيث انَّ الاول منها من قبيل الجواهر والثاني من قبيل الأعراض والثالث من قبيل المفاهيم الإنتزاعية والرابع من قبيل المفاهيم الإعتبارية - لا يمنع من كون تعقُّلها وتصورها في الذهن استقلالياً، بمعنى انَّ هذه المعاني وان اختلفت هوياتها إلاّ انَّ لها تقرُّر وثبوت في حدِّ نفسها في وعاء الذهن.
ومع اتضاح ذلك يتضح ان الألفاظ الاسمية ليس لها إلاَّ دور إخطار مداليها في ذهن السامع فهي لا تُوجد المعاني المدلولة لها في الذهن وانَّما توجب حضورها وانخطارها في الذهن بعد ان كانت مخبوءة.
الإرادة
وهي تطلق على معنيين:
المعنى الاول: هو الحبُّ والشوق البالغ مرتبة تستدعي سعي المريد لتحقيق المراد، وهذا المعنى يقتضي البناء على ان الإرادة من الكيفيات النفسانية المتخلقة في النفس بسبب مقدمات مرحلية تنشأ الإرادة عند آخر مرحلة منها، فأولا يتصور الذهن الفعل ثم يتصوَّر فائدته وحين يحصل التصديق والإذعان بالفائدة تنقدح الرغبة والشوق للفعل وهذا الشوق هو المعبَّر عنه بالإرادة.
والإرادة بهذا المعنى لا تستتبع وجود المراد بل يتوسط بينها وبين المراد الاختيار.
ولهذا فالإرادة بهذا المعنى قد تتعلَّق بالمستحيل.
المعنى الثاني: وهو إعمال القدرة والسلطنة المعبَّر عنه بالمشيئة، وهي تعني إحداث الفعل وإيجاده من العاقل الملتفت، وهذا المعنى للإرادة هو أحد معاني الإختيار.
ولا تخفى الطوليَّة بين المعنيين، فإنَّ إعمال القدرة مرحلة متأخرة عن الشوق الأكيد، على انَّ بين المعنيين عموم من وجه، فقد يتحقق الشوق ولا يترتب عليه إعمال القدرة والسلطنة كما انَّه قد يتحقق إعمال القدرة والإحداث والإيجاد ولا يكون منشاؤه الشوق كما هو في المشيئة الإلهية، فإنَّ المشيئة الإلهيَّة تعني الإرادة واعمال القدرة - والتي هي من صفات الأفعال - ولا يناسب ساحته المقدسة إنسباق المشيئة بالشوق أو تكون إرادته بمعنى الشوق والذي قلنا انه من الكيفيات أو الافعال النفسانية.
ومن هنا ذكر بعض الأعلام انَّ الإرادة المناسبة للإنسان تتمحض في المعنى الاول وأما المعنى الثاني فهو الإختيار المسبوق بالإرادة بالمعنى الاول.
اتمنى ان تستفيدوا من هذه الدروس
موفقين
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
22-04-2011, 06:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
الإرادة الإستعماليَّة
لا يخفى إنَّ الإرادة الإستعمالية غير الدلالة الإستعماليَّة فالاولى تتصل بالمتكلم والثانية تتصل بالمخاطب.
والكلام هنا عن الإرادة الإستعماليَّة وقد ذكر لها خمسة معان:
المعنى الاول: هي انْ يقصد المتكلم من استعمال اللفظ تفهيم المعنى بواسطته.
وأورد السيد الصدر (رحمه الله) على هذا التفسير للإرادة الإستعمالية، بأنه يلزم منه عدم شمول الإرادة الإستعماليَّة لحالات استعمال اللفظ في المشتركات مع قصد الإجمال، ولا ريب في شمول الإرادة الإستعمالية لمثل هذه الحالات، إذ انّ المستعمل للفظ المشترك مريد للإستعمال رغم عدم إرادته للتفهيم، فإرادة التفهيم ليست مقومة للإرادة الإستعمالية.
المعنى الثاني: ان يقصد المتكلم من استعمال اللفظ ايجاد المعنى في عالم الإعتبار بنحو التنزيل، فالغرض من استعمال اللفظ هو التوصل لإيجاد المعنى بنحو الإيجاد التنزيلي، فكأنَّه أوجد المعنى باللفظ وأراد من ايجاد اللفظ ايجاد المعنى.
وأورد السيد الصدر على هذا المعنى بأنَّه نشأ عما هو المبنى في تفسير حقيقة الوضع وماهو منشأ العلاقة الدلالية بين اللفظ والمعنى، وهذا المبنى لو تم فإنَّه يُفسِّر العلاقة الواقعة بين اللفظ والمعنى إلا انَّه لا يقتضي ان يكون الإستعمال مرتبطاً بالكيفية التي انخلقت عنه العلاقة بين اللفظ والمعنى، فحيثية الإستعمال لا تتطابق بالضرورة مع حيثية العلاقة الوضعية المختارة من قبل الواضع.
وبتعبير آخر: لا يلزم المستعمل ان يحتفظ بنفس الكيفية التي نشأت عنه العلاقة الوضعية، فقد لا يقصد من الإستعمال ايجاد المعنى تنزيلا.
المعنى الثالث: انَّ المراد من الإرادة الاستعمالية هي إرادة التلفظ باللفظ المعين، وذلك إلتزاماً بتعهده، حيث انه قصد إخطار معنىً معين وقد التزم بأنّه متى ما أراد إخطار هذا المعنى فإنَّه ياتي بهذا اللفظ المخصوص.
وهذا المعنى إنَّما يتناسب مع مسلك التعهد في الوضع، على انّه لا يُفسِّر معنى الإرادة التي هي محل البحث، نعم هو يتحدث عن منشأ الإرادة الإستعمالية، والحديث عن المنشأ غير الحديث عما هو المراد منها كما أفاد ذلك السيد الصدر (رحمه الله).
المعنى الرابع: ان يقصد المتكلِّم إفناء اللفظ في المعنى، فتكون الإرادة الإستعمالية بمعنى إرادة لحاظ اللفظ لحاظاً آلياً فانياً في المعنى.
وهذا مبني على انَّ الإستعمال يعني افناء اللفظ في المعنى فتكون الإرادة الاستعمالية هي إرادة الإفناء أي إرادة جعل اللفظ فانياً في المعنى.
ومن هنا تكون تمامية هذا التفسير للإرادة الاستعمالية مبني على تمامية المسلك المذكور في تفسير الإستعمال والذي هو مسلك المشهور.
المعنى الخامس: وهو الذي تبنَّاه السيد الصدر (رحمه الله) وحاصله: انَّ الإرادة الإستعمالية تعني قصد التلفظ بماله أهلية إخطار المعنى، فالمتكلم يقصد الإتيان باللفظ المعد للكشف عن المعنى، وتبقى في البين عوامل اخرى لابدَّ من تحصيلها أو حصولها حتى تترتب عن مجموعها الدلالة، فالإرادة الإستعمالية لا تساوق الإرادة التفهمية بل انَّ إرادة التفهيم مرحلة متأخرة أو مباينة لإرادة الإستعمال، فهي متأخرة لو كان مريداً للإستعمال ومريداً كذلك للتفهيم، وهي مباينة لو انضم للإرادة الاستعمالية إرادة الإجمال، وفي كلا الصورتين تكون الإرادة الاستعمالية غير إرادة التفهيم والإجمال.
والمتحصَّل انَّ الإرادة الاستعمالية هي إرادة استعمال اللفظ الذي له صلاحية الدلالة على المعنى وهذا يجامع إرادة الإجمال لكنه مع ذلك قصد اللفظ الذي له الصلاحية للدلالة على المعنى.
تقبلوا تحيتي
موفقين
الحوزويه الصغيره
22-04-2011, 07:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
الإرادة الإلهيَّة
إنَّ البحث عن الإرادة الإلهيَّة من المباحث الشائكة جداً، فقد وقع الخلاف في ماهيتها وحقيقتها، وما يهمنا في المقام هو المقدار الذي وقع في كلمات الاُصوليين، فقد اختلفوا فيما هو المراد من الإرادة الإلهية، وهنا ثلاثة معان أساسية:
المعنى الاول: وهو الذي تبناه صاحب الكفاية (رحمه الله) وبعض الاصوليين تبعاً لما هو المشهور بين الفلاسفة وحاصله:
انَّ الإرادة الإلهية تعني العلم بالنظام الكامل والأصلح، بمعنى انَّه يعلم الخير والصلاح والكمال وأيَّ الأفعال التي تكون متناسبة مع الكمال والنظام الأتم.
وقد فسَّر الحكيم السبزواري هذا المعنى بما حاصله: انَّ الإرادة الالهية تعني وجود الداعي لفعل الخير والنظام الأحسن والأكمل، وهذا الداعي هو عين علمه تعالى بالنظام الأتم والأكمل، ولمَّا كان علمه تعالى هو عين ذاته فالإرادة الإلهية بهذا المعنى هي عين ذاته، فالفرق بين الإرادة الإنسانيَّة والإرادة الإلهية هو انَّ الإرادة الإنسانية تعني الشوق المؤكد الناشئ عن الداعي والذي هو إدراك الشيء الملائم، أما الإرادة الإلهيَّة فهي عين الداعي والذي هو إدراك الأصلح والأكمل.
وبتعبير آخر: هي عين علمه والذي هو عين ذاته المقدسة، فيكون الداعي للإيجاد هو عين ذاته، إذ لا يُتعقل في ساحته تعالى كون إرادته بمعنى الشوق والذي هو كيف نفساني حادثٌ وعارض على الذات، فإرادته ليست حالة منتظرة كما انَّها ليست متخلِّقة عن تصوُّر الشيء الملائم كما هو الحال في الإرادة الإنسانية.
وأورد المحقِّق النائيني (رحمه الله) على تفسير الإرادة بهذا المعنى بأنَّه من خلط المفهوم بالمصداق، إذ انَّ البحث في المقام عن مفهوم الإرادة وعن اتِّصاف المولى جلَّ وعلا بها، ومن الواضح انَّ صفات الله جلَّ وعلا متغايرة وليس أحدها عين الآخر، فالقدرة غير العلم كما انَّها غير الحياة كما انَّ العلم غير الإرادة، فلكلِّ واحدة منها معنىً مستقل عن الآخر، غايته انَّ مطابَق هذه الصفات واحد، إذ انَّ صفات الله تعالى عين ذاته، فهو كما قيل (قدرة كلَّه وحياة كلُّه وإرادة كلُّه وعلم كلُّه) فهو بسيط من تمام الجهات فليس كل واحدة من هذه الصفات يمثل جزء ذاته أو انّ صفاته زائدة على ذاته فهو صرف الوجود وصرف القدرة وصرف الإرادة وهكذا، إلاّ انَّ العينية في الخارج لا يعني اتحاد هذه الصفات مفهوماً، ومن هنا لا تصح دعوى انَّ الإرادة هي العلم بالنظام الاصلح.
المعنى الثاني: وهو الذي تبنَّاه المحقِّق النائيني (رحمه الله) وادعى انَّه مبنى أكابر الفلاسفة، وحاصله:
انَّ الإرادة الالهية تعني الابتهاج والعشق والرضا بذاته تعالى، وذلك لأنَّ ذاته أتمُ وأكمل مُدرَك، فذاته حينما تُدرك ذاته فإنَّه تمام الإدراك لأتم مُدرَك، فهي كل الخير والكمال والبهاء والجمال، وهذا ما يقتضي ابتهاج الذات المقدَّسة بذاتها - تقدَّست وجلَّت ـ، ثم انَّ ذلك يستوجب ابتهاجها بما يصدر عنها، إذ انَّ الذات المقدسة لمَّا كانت في أعلى مراتب الكمال فما يصدر عنها يكون مسانخاً لكمالها، وهو تعالى لمَّا كان مبتهجاً بكمال ذاته يكون مبتهجاً بآثارها وهو المعبَّر عنه بالإبتهاج في مرحلة الفعل أو بالمشيئة بحسب تعبير الروايات.
فهناك ابتهاج يكون من صفاته الذاتية وهو الابتهاج بالذات لكونها أتمُّ مُدرَك، وهي الإرادة الذاتية الأزلية، وهناك ابتهاج في مرحلة الفعل وهو الرضا عن آثار الذات، إذ حينما تكون الذات مرضية ومعشوقة تكون آثارها كذلك، والرضا المتعلِّق بآثار الذات هي الإرادة التي من صفات الفعل المعبَّر عنها بالإرادة الفعليَّة.
وأورد السيد الخوئي (رحمه الله) على هذا المعنى بأنَّه لا يتناسب مع مفهوم الإرادة لا لغة ولا عرفاً، ولا يبعد ان يكون منشأ هذا التكلُّف هو دعوى ان إرادة الله جلَّ وعلا ذاتية، وهو ما لا يلزم الإلتزام به، فنحن وان كنَّا نلتزم بأنَّ الإرادة ليست بمعنى الشوق الأكيد إلاَّ انَّ ذلك لا يُعيِّن المعنى المذكور.
ثم ادعى السيد الخوئي (رحمه الله) انَّ الرضا من الصفات الفعليَّة كالسخط، فهو ليس كالعلم والقدرة، والدليل على ذلك صحة سلبه عن الذات، وهو أمارة كونه من صفات الفعل، ولو سلمنا انَّه من صفات الذات فإنَّه لا دليل على انَّ الرضا هو الإرادة.
أقول: لا تخفى غفلة السيد الخوئي (رحمه الله) عن مراد المحقِّق النائيني (رحمه الله) فإنَّ الرضا الذي هو من صفات الفعل ليس هو الرضا المقصود عند المحقِّق النائيني وجمع من الفلاسفة كما أوضحنا ذلك.
المعنى الثالث: وهو الذي تبنَّاه السيد الخوئي (رحمه الله)، وحاصله: انَّ الإرادة لا تكون إلاّ من صفات الفعل، وذلك لأنَّ المراد منها هو إعمال القدرة والسلطنة المعبَّر عنه في الروايات بالمشيئة.
واستدلَّ لذلك بعد اسقاط المعنيين الأولين انَّه لمَّا كان من المستحيل نسبة الإرادة بمعنى الشوق الأكيد إلى الله تعالى وانَّه لا معنى معقول للإرادة غير إعمال القدرة والسلطنة تعيَّن ان يكون المراد من الإرادة هو هذا المعنى خصوصاً وانَّ الروايات لا تُثبت معنىً للإرادة غير هذا المعنى، نعم لمَّا كانت قدرة الله تعالى وسلطنته تامة لا يشوبها نقص فإن المراد الإلهي لا يناط بشيء آخر غير إعمال هذه القدرة والسلطنة.
وهذا هو معنى قوله (ع) في معتبرة صفوان (الإرادة من الخلق الضمير وما يبدوا لهم بعد ذلك من الفعل، وأما من الله تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروى ولا يهم ولا يتفكَّر، وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك، يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكُّر ولا كيف كما انَّه لا كيف له) ([1] (http://www.alijana.com/vb/#_ftn1)).
ثم لا يخفى انَّ إعمال القدرة والتي هي المشيئة والإرادة ليست ناشئة عن إعمال القدرة وإلاّ لزم التسلسل، فالإرادة إذن متخلِّقة عن غير إعمال القدرة، وهذا هو معنى قوله (ع) في معتبرة عمرو بن اذينة (خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة) ([2] (http://www.alijana.com/vb/#_ftn2)).
[1] (http://www.alijana.com/vb/#_ftnref1)- اصول الكافي: 1/109 الحديث 3.
[2] (http://www.alijana.com/vb/#_ftnref2)- اصول الكافي: 1/130 الحديث 4.
موفقين ان شاء الله
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
06-05-2011, 08:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن واهلك عدوهم
الإرادة التفهيميّة
وهي تعني قصد تفهيم المعنى بواسطة اللفظ، فهي تختلف عن الإرادة الإستعماليَّة من جهة انَّ المراد في الإرادة التفهيمية هو ايجاد او قل اخطار صورة المعنى في ذهن المخاطب عن طريق استعمال اللفظ، وأمَّا المراد في الإرادة الإستعمالية فهو - كما أفاد السيد الصدر - ليس أكثر من قصد الإتيان بما يمهِّد للدلالة دون ان يستلزم ذلك قصد التفهيم، إذ قد لا يكون مراد المستعمل تفهيم المعنى كما أوضحنا ذلك في بحث الإرادة الاستعمالية.
الإرادة التكوينيَّة والتشريعيَّة
المراد من الإرادة التكوينية - بحسب نظر صاحب الكفاية (رحمه الله) - هي العلم بالنظام الاصلح، وهذا هو المعنى الاول الذي ذكرناه للإرادة الإلهية، وهذه الإرادة تقتضي إفاضة الوجود على الاشياء بما يتناسب مع علمه تعالى بما هو الأكمل والأتم.
وأما الإرادة التشريعية فهي بمعنى علمه تعالى بمصلحة فعل إذا صدر عن مكلَّف بمحض اختياره، فالفعل في علم الله تعالى انَّما يكون واجداً للمصلحة عندما يصدر بواسطة المكلَّف ويكون عن اختيار.
وهذا المعنى للإرادة التكوينية والتشريعية هو ما تبنَّاه مشهور الفلاسفة.
المعنى الثاني: هو انَّ الإرادة لمَّا كانت بمعنى الحب والرغبة فهي تارة تتعلَّق بالافعال الصادر عن المريد مباشرة، كما لو كان الحب والإرادة متعلِّقة بأن يُحيي ويميت وفي الإنسان بأن يتزوج، فهذه الإرادة هي المعبَّر عنها بالإرادة التكوينية، وتارة تتعلَّق الإرادة والرغبة بأن يصدر الفعل عن آخر، على ان يكون صدوره عنه باختياره، وهذه هي الإرادة التشريعية، كما في تعلَّق إرادة المولى بأن تصدر الواجبات عن المكلَّف عن اختيار منه.
هذا إذا بنينا على انَّ الإرادة تعني الحب والرغبة، وأما لو بنينا على انَّ الإرادة بمعنى العزم على الإنجاز والتي هي مرتبة متأخرة عن الحب فإنَّه لا توجد في هذه الحالة إلاّ إرادة تكوينيَّة وهي العزم على انجاز فعل، غايته انَّ هذا الفعل قد يكون تكوينياً وقد يكون تشريعياً، بمعنى انَّه قد يكون من سنخ الافعال التي لا تتصل بشخص آخر مختار وهذا هو المراد من الفعل التكويني، وقد يكون من سنخ الافعال التي تتصل بشخص آخر مختار، إلاّ انَّ الجامع بينهما ان الإرادة لهما تتعلَّق بفعل المريد مباشرة، إذ انَّ ايجاد الفعل وافاضته أو ايجاد التشريع كلاهما فعل مباشري للمريد.
ومن هنا لا توجد إرادة تشريعية بالمعنى المتقدم، نعم يوجد - بناء على هذا المعنى - (إرادة التشريع) أي إرادة فعل التشريع والتي هي فعل مباشري للمريد.
وهذا المعنى ذكره بعض الفلاسفة، والظاهر من كلمات السيد الخوئي (رحمه الله) اختيار هذا التفصيل حيث أفاد انَّ الإرادة لما كانت بمعنى البناء القلبي فإنَّها دائماً تكون تكوينية، نعم يمكن تقسيمها إلى تكوينية وتشريعية بلحاظ المتعلَّق، أما لو كانت الإرادة بمعنى الشوق فإنَّ تقسيمها إلى إرادة تكوينية وإرادة تشريعية تام.
المعنى الثالث: انَّ الإرادة التكوينية تعني الإحداث والايجاد أو قل افاضة الوجود للأشياء، وأما الإرادة التشريعية فتعني الاوامر والنواهي المولوية.
وهذا التقسيم للإرادة ذكره بعض الأعلام، وهو يتناسب مع القول بأن الإرادة هي إعمال القدرة والسلطنة.
موفقين
تقبلوا تحيتي
الشيخ علاء السراي
11-05-2011, 11:34 PM
الله يبارك بكم يا تلاميذ مدرسة اهل البيت عليهم السلام ...........
وفقكم الله لكل خير ومعرفة وسرور
الشيخ علاء السراي
16-05-2011, 12:22 AM
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى آبائه)في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافضاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً وهب لنا رأفته ورحمته ودعائه وخير برحمتك يا أرحم الراحمين
الحوزويه الصغيره
20-05-2011, 09:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
الإرادة الجدِّيَّة
وهي ان يكون الداعي من استعمال الألفاظ هو قصد الحكاية أو قصد الإنشاء واقعاً وحقيقة، وذلك في مقابل قصد الكذب أو الهزل أو السخرية.
ومن هنا لا تكون الإرادة الجدِّية إلاّ في موارد استعمال الجمل التامة الإنشائية والخبريَّة، إذ هي التي يُتعقل فيها الجد والهزل، وأما استعمال الجمل الناقصة والمفردات اللفظية فلا يكون استعمالها إلاّ لغرض الإستعمال أو إرادة التفهيم، وأما الإرادة الجدِّية فهي غير متصوَّرة في موارد الجمل الناقصة والمفردات اللفظية، إذ ليس لها أهلية الكشف عن واقع النفس بعد ان كانت مجرَّد مفردات أو مركبات ناقصة.
الإستثناء
وهو إخراج بعض أفراد موضوع عن الحكم المجعول على ذلك الموضوع ولولا الإستثناء لكانت الأفراد الخارجة مشمولة للحكم كما هو الحال في سائر أفراد الموضوع، فخروجها بالإستثناء انَّما هو من جهة عدم شمول الحكم المجعول للموضوع لها وإلاّ فهي من أفراد الموضوع حقيقة.
مثلا حينما يقال (أكرم العلماء إلاّ الفساق منهم) يكون خروج الفساق من جهة عدم مشموليتهم للحكم المجعول للمستثنى منه (الموضوع) وإلا فهم من أفراد الموضوع حقيقة، نعم هم خارجون عنه حكماً.
وهذا النحو من الإستثناء يُعبَّر عنه عند النحاة بالإستثناء المتصل، ويعبَّر عن هذا النحو من الإخراج والاقتطاع عند الاصوليين بالتخصيص أو بالخروج التخصيصي.
وفي مقابل هذا النحو من الاستثناء هناك استثناء عند علماء العربية يُعبَّر عنه بالإستثناء المنقطع وهو المعبَّر عنه بالخروج الموضوعي أو التخصُّصي عند الأصوليين وهو لا يتصل روحاً بالإستثناء والذي هو التخصيص.
والمقصود من الإستثناء المنقطع هو إخراج موضوع عن الحكم المجعول لموضوع آخر بأحد أدوات الاستثناء، ومثاله قوله تعالى (فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ) ([1] (http://www.imshiae.info/vb/#_ftn1)) فالخارج عن الحكم المذكور للمستثنى منه هو موضوع آخر لا صلة له بالموضوع المستثنى منه، فالمستثنى منه هم الملائكة والمستثنى هو ابليس وهو من غير جنس الملائكة، ومن هنا كان الاستثناء منقطعاً ظاهراً.
وهذا النحو من الاستثناء يُعبَّر عنه - كما ذكرنا - بالخروج الموضوعي التخصُّصي عن حكم المستثنى منه، فليس هو إخراج وانما هو خروج، فحتى لو لم يتصدَ المتكلِّم لإخراجه عن حكم الموضوع فإنَّه خارج من اول الأمر، إذ انَّ شخص الحكم إذا كان مجعولا لموضوع فإنَّ عدم شموله لموضوع آخر لا يحتاج إلى بيان، نعم قد يتصدى المتكلم لبيان خروجه لغرض يقتضيه الحال أو نكتة بلاغية.
فالإستثناء - إذن - المبحوث عند الاصوليين من حيث افادته للمفهوم وعدم افادته انما هو الاستثناء المتصل.
ثم انَّ الإستثناء تارة يكون راجعاً للموضوع واخرى يكون راجعاً للحكم، بمعنى انَّه تارة يكون من قيود الموضوع واخرى يكون من قيود الحكم.
أما الاستثناء الراجع للموضوع فهو ما يؤتى فيه بأداة الإستثناء قبل الإسناد أي قبل الحكم على الموضوع المستثنى منه، كما لو قيل (العلماء إلاّ الفساق يجب اكرامهم) أو (العلماء غير الفساق يجب اكرامهم)، فالاستثناء هنا ضيق من دائرة الموضوع قبل اسناد الحكم له.
وهذا الإستثناء يُعبَّر عنه بالإستثناء الصفتي، إذ انَّه يؤول روحاً إلى توصيف الموضوع بغير المستثنى أو قل يؤول إلى تضييق دائرة الموضوع وتحصيصه بحصة خاصة، فكأنَّ أداة الاستثناء حصَّصت الموضوع إلى حصتين فكانت احدى الحصتين هي المسند اليها الحكم دون الحصة الاخرى، ولهذا لو كنا نبحث عن المفهوم في مثل هذه الجملة الاستثنائية لكان البحث عنها داخلا تحت البحث عن المفهوم في الجمل الوصفية.
وأما الإستثناء الراجع للحكم فهو ما تكون فيه أداة الإستثناء واقعة بعد الإسناد أي بعد عروض الحكم على موضوعه كما لو قيل (العلماء يجب إكرامهم إلاّ الفساق منهم)، فإنَّ الاستثناء هنا من قيود الحكم باعتباره واقعاً بعد الإسناد.
والمقصود من كونه من قيود الحكم انَّ الإستثناء هو المتصدي لإخراج المستثنى من الحكم الواقع على المستثنى منه أي موجباً لاختصاص الحكم بالمستثنى منه.
وبهذا يتضح انّ الإستثناء الراجع للموضوع ليس استثناء حقيقة وإنما هو صورة استثناء بسبب استعمال أداة الإستثناء لغرض تضييق دائرة الموضوع فهو أشبه بالقيد النعتي الذي يضاف للموضوع لغرض تحديده.
ثم انَّ هنا كلاماً يُنسب إلى نجم الأئمة حاصلة: انَّ الإستثناء دائماً يكون راجعاً للموضوع، فسواءً جيء بأداة الإستثناء قبل الإسناد أو بعده فإنَّه يكون موجباً لتضييق دائرة الموضوع.
واستدل لذلك بدعوى انَّ المصير إلى غير ما ذُكر يستوجب التناقض، إذ انَّ الحكم بعد ما يعرض على الموضوع بتمامه الشامل للمستثنى يكون إخراج المستثنى بعد ذلك عن الحكم من التناقض، فكأنَّه أثبت له الحكم ثم نفاه عنه.
وأجاب المحقِّق النائيني (رحمه الله) عن ذلك بما حاصله: انَّ الظهور التصديقي للكلام انَّما ينعقد بعد تماميته أما قبل ان يُتم المتكلِّم كلامه فلا يصح التعويل على ما يظهر بدواً منه، واذا كان كذلك فلا تناقض فيما لو جاء المتكلم بحكم لموضوع ثم أخرج بعض أفراد الموضوع عن الحكم قبل ان يتم كلامه، إذ لم ينعقد لكلامه قبل الإخراج والإستثناء ظهور تصديقي في انَّ الحكم شامل لتمام أفراد الموضوع، والظهور البدوي ليس له استقرار قبل اتمام الكلام كما هو أوضح من ان يخفى، بل وحتى لو نصب المتكلم قرينة منفصلة على انَّ مراده الجدِّي لم يكن هو استيعاب الحكم لتمام أفراد الموضوع فإن ذلك لا يكون من التناقض بين القرينة وذي القرينة، هذا هو الجواب الحلِّي.
وقد أجاب المحقِّق (رحمه الله) على دعوى نجم الأئمة بجواب آخر نقضي وحاصله: انَّ هذا الإشكال سيَّال ومطرِّد في تمام الحالات التي يكون فيها الكلام مشتملا على قرينة موجبة لإخراج بعض أفراد موضوع الحكم عن ان تكون مشمولة للحكم، كالقرائن الموجبة للتقييد والتخصيص، وكذلك لو تم الإشكال لكانت القرينة على المجاز - والتي تصرف ذي القرينة عن ظهورها الاولي إلى الظهور المناسب للقرينة - تقتضي التناقض بين القرينة وذي القرينة.
[1] (http://www.imshiae.info/vb/#_ftnref1)- سورة الحجر: 30.
موفقين لكل خير
تقبلوا تحيتي
القن البالي
12-06-2011, 02:12 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ارجو تصحيح العنوان
مصطلحات وليس مصطلاحات
الحوزويه الصغيره
12-06-2011, 10:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم ياكريم
الإستحباب
وهو أحد الأحكام التكليفية الخمسة، وقد ذكروا انَّ تعريفه هو عبارة عن (طلب الشيء مع الإذن في تركه)، وهذا ما يقتضي تركُّب الإستحباب من جزئين.
ومن هنا لم يقبل جمع من الأعلام بهذا التعريف، وذلك لأنَّ الاستحباب من المفاهيم البسيطة، وهذا ما أوجب العدول عنه إلى تعريف آخر وهو انَّ الإستحباب (هو الطلب غير الإلزامي).
وكيف كان فإنَّ نظر هذين التعريفين انما هو لمقام الإثبات، وثمة تعريف آخر للإستحباب يتصل بمقام الثبوت حاصله انَّ الإستحباب عبارة عن الحكم التكليفي الناشئ عن ملاك غير بالغ حدَّاً يستوجب تعلُّق الإرادة الملزمة بتحقيق متعلَّقه، فالإرادة الموجبة لجعل الحكم الإستحبابي لم تكن شديدة تبعاً للملاك الذي تولدت عنه الإرادة حيث لم يكن تاماً.
إستحباب الإحتياط
يمكن ان يُراد من الإستحباب في المقام الإستحباب الطريقي، بمعنى انَّ الأمر به نشأ عن تعلُّق إرادة المولى بالتحفُّظ على الأحكام الواقعية، فالإحتياط ليس مطلوباً للمولى بنفسه بل انَّ مطلوبيته باعتباره وسيلة للتحفُّظ على الأحكام الواقعية.
ويمكن ان يُراد من استحباب الإحتياط الإستحباب النفسي، بمعنى انَّ إرادة المولى قد تعلَّقت بنفس الإحتياط وبقطع النظر عما يترتَّب عليه من التحفُّظ على الواقع.
ويمكن ان يكون الإحتياط مستحباً بالإستحباب الطريقي وكذلك النفسي كما مال إلى ذلك السيد الصدر (رحمه الله).
وكيف كان فمشهور الاصوليين ذهبوا إلى استحباب الإحتياط، وذلك للروايات الكثيرة الآمرة بالاحتياط، ولمَّا كان حملها على الوجوب يواجه مجموعة من الإشكالات فإنَّ المتعين حينئذ حملها على الإستحباب، إلاّ انَّه في مقابل هذه الدعوى ادعى البعض استحالة الإستحباب المولوي للإحتياط، ولذلك لابدَّ من حمل الروايات الآمرة بالاحتياط على انَّها أوامر إرشادية بمعنى انَّها متصدية للتنبيه على ما يُدركه العقل من حسن الإحتياط.
واستدلَّ لهذه الدعوى بدليلين:
الأول: انَّه يلزم من جعل الإستحباب المولوي للإحتياط اللغوية، وذلك لانَّه إن كان الغرض من جعل الإستحباب هو بعث المكلَّف نحو الإحتياط فهذا تحصيل للحاصل، إذ انَّ إدراك العقل لحسن الإحتياط وحسن التحفُّظ على الاوامر المولوية الواقعية المحتملة كاف في بعث المكلَّف نحو الاحتياط فلا مبرِّر لجعل الإستحباب، مما يُعبِّر عن انَّ غرض الاوامر الباعثة نحو الإحتياط هو الإرشاد إلى الحكم العقلي.
وقد أجاب الأعلام عن هذا الدليل بما حاصله:
انه قد يفترض انَّ الأمر بالإحتياط مولوياً ومفيداً للإستحباب ومع ذلك لا تلزم اللغويَّة، وذلك فيما لو كان الإستحباب نفسياً أي مطلوب بنفسه للمولى لكونه موجباً لتأكيد التقوى وترويض النفس على الطاعة وهذا الملاك بنفسه مطلوب للمولى وبقطع النظر على متعلَّق الإحتياط، وحينئذ يكون الباعث العقلي مؤكداً بالباعث المولوي فلا يكون الباعث المولوي تحصيلا للحاصل.
ثم انَّه لو فرض انَّ استحباب الاحتياط طريقي فلا يلزم منه اللغوية أيضاً، وذلك لانَّه حينئذ يكشف عن تعلُّق إرادة المولى بالتحفظ على الواقع ولو بنحو الإرادة الغير الملزمة، وهذا ما يمنع من تهاون المكلَّف بالتكاليف الواقعية المحتملة بدعوى انَّها موهومة وانَّ التحفظ عليها من الوسوسة كما ربما ينقدح ذلك في بعض الأذهان، فيكون استحباب الإحتياط نافياً لهذه الدعوى ومؤكداً لما يحكم به العقل من حسن التحفظ على الواقع - وهذا الجواب ملفق من كلام المحقق النائيني (رحمه الله) والسيد الصدر (رحمه الله).
الدليل الثاني: انَّ حكم العقل بحسن الإحتياط واقع في سلسلة معلولات الحكم الشرعي وكلما كان الحكم العقلي واقعاً في سلسلة معلولات الاحكام الشرعية فإنَّ الامر به من قبل الشارع يكون إرشادياً، هذا ما أفاده المحقق النائيني، وبيانه:
ان حكم العقل بحسن الإحتياط معناه إدراك العقل لحسن التحفظ على الاوامر الواقعية المجهولة، فهو إذن مترتب على وجود الأحكام الشرعية فما لم يكن في الواقع أحكام شرعية فإنَّ العقل لا يحكم بحسن الاحتياط، إذ لا أوامر في الواقع حتى يحكم العقل بحسن التحفُّظ عليها، إذن حكم العقل بحسن الإحتياط معلول لوجود الاحكام الواقعية، وكلّما كان كذلك فالامر من الشارع بما يقتضيه الحكم العقلي لا يكون مولوياً.
ولتوضيح المطلب أكثر نمثِّل بهذه الآية الشريفة وهي قوله تعالى (أَطِيعُواْ اللّهَ) ([1] (http://www.imshiaa.com/vb/#_ftn1)) فإنَّ الأمر فيها لابدَّ من حمله على الإرشاد لما يُدركه العقل من لزوم طاعة المولى جلَّ وعلا، ومنشأ ذلك هو انَّ حكم العقل بلزوم طاعة المولى جلَّ وعلا واقع في رتبة المعلول للأحكام الشرعية، فلو لم يكن هناك أحكام شرعية فإنَّ العقل لا يُدرك لزوم طاعة المولى، إذ المفترض انَّ لا أوامر للمولى حتى يُدرك العقل لزوم طاعتها، إذن إدراك العقل للزوم الطاعة معلول لوجود الأوامر الشرعية او قل واقع في سلسلة معلولات الاوامر الشرعية، وحينئذ يكون الأمر بطاعة هذه الاوامر إرشادياً وإلاّ لزم التسلسل، إذ ماهو الملزم لطاعة المولى بأمره بالطاعة، فإن كان الملزم هو أمر آخر للمولى ينسحب الكلام لذلك وهكذا، أما لو كان القاضي بلزوم الطاعة هو العقل فإنَّ التسلسل لا يلزم، إذ انَّ ثمة أوامر شرعية يُدرك العقل لزوم طاعتها.
وبهذا يثبت انَّ الأمر الصادر من الشارع إذا كان متناسباً مع ما يقتضيه الحكم العقلي وكان ذلك الحكم واقعاً في رتبه المعلول للحكم الشرعي فإنَّ المتعين هو حمل الأمر الصادر عن الشارع على الإرشادية، والمقام من هذا القبيل، إذ انَّ الأمر بالإحتياط يتناسب مع الحكم العقلي وهو حسن التحفُّظ على الحكم الشرعي الواقعي المجهول.
وبه تسقط دعوى الاستحباب الشرعي بالاحتياط.
وأجاب عنه السيد الخوئي (رحمه الله) بما حاصله: انَّه وان كنا نسلِّم انَّ حكم العقل بحسن الإحتياط واقع في سلسلة معلومات الحكم الشرعي إلاّ انَّه مع ذلك يمكن ان يكون الأمر به أمراً مولوياً شرعياً، وذلك لأنَّ مقدار ما يُدركه انما هو حسن الإحتياط وهذا لا يمنع من أن يأمر الشارع بوجوب الإحتياط الشرعي تحفُّظاً على أغراضه التي قد تفوت لولا حكمه بوجوب الإحتياط، فالأمر بالاحتياط يكون مولوياً رغم انّ ما يُدركه العقل من حسن الإحتياط واقع في سلسلة معلولات الحكم الشرعي.
ثم انَّ الجواب الذي ذكره السيد الصدر (رحمه الله) على الدليل الأول يصلح للجواب عن هذا الدليل مع شيء من التعديل فتأمل.
[1] (http://www.imshiaa.com/vb/#_ftnref1)- سورة الأنفال: 20.
موفقين لكل خير
تقبلوا تحيتي
كفاية الأصول
16-06-2011, 12:57 AM
هل الأخت الكريمة تنقل من كتاب ( المعجم الأصولي ) لسماحة العلامة الشيخ محمد صنقور ؟
الحوزويه الصغيره
16-06-2011, 06:33 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
نعم أخي الكريم (كفاية الأصول) ...
انه كتاب مفيد جدا اتمنى ان يستفيد الجميع منه.
موفقين
تقبل تحيتي
كفاية الأصول
17-06-2011, 04:14 PM
وفقكِ الله أختي الكريمة ، وأعزّكِ الله ، جهدٌ مبارك .
الحوزويه الصغيره
18-06-2011, 09:23 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
أخي الفاضل شاكرة لك مرورك الرائع ودعاؤك الميمون
دمتم في رعاية المولى
الحوزويه الصغيره
26-06-2011, 05:23 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإستحسان
المتبادر بدْواً من معنى الإستحسان هو اعمال الذوق ومقتضيات الطبع في مقام التعرُّف على الحكم الشرعي، فمتى ما وجد المجتهد انَّ هذا الفعل ملائماً لما يقتضيه الطبع فهذا يكشف عن ان حكم هذا الفعل الواقعي هو الإباحة، وبخلافه مالو كان الفعل مستبشعاً تمجُّه الطباع وتشمئز له النفوس ويتنافى مع الذوق فهذا يعبِّر عن انَّ حكمه الواقعي هو الحرمة لو كانت مرتبة الإشمئزاز والإستقذار شديدة جداً، أما لو كانت مرتبة الاستقذار والإستبشاع بمستوىً أدنى من الحالة السابقة فإنَّ هذا يكشف عن ان حكم هذا الفعل عند الله تعالى هو الكراهة.
وهذا المعنى للإستحسان يمكن ان يُستفاد من كلام الشافعي - والذي لا يرى حجية الإستحسان - حيث قال في مقام الرد على دعوى حجية الإستحسان: (أفرأيت اذا قال المفتي في النازلة ليس فيها نص خبر ولا قياس وقال استحسن، فلابدَّ ان يزعم انّ جائزاً لغيره، ان يستحسن خلافه فيقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن، فيقال في الشيء الواحد بضروب من الحكم والفتيا، فإن كان هذا جائزاً عندهم فقد أهلموا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا وان كان ضيقاً فلا يجوز ان يدخلوا فيه).
فإنَّ هذا النص كما تلاحظون صريح في انَّ الشافعي يفهم من الإستحسان المعنى الذي ذكرناه، وذلك لأنَّ ملاحظته في مرتبة متأخرة عن فقدان النص يُعبِّر عن انَّ الاستحسان ليس بمعنى تقديم أقوى النصين ظهوراً أو سنداً - كما ذكر البعض - وملاحظته مترتباً على القياس يُعبِّر عن ان الإستحسان ليس بمعنى العدول عن قياس إلى قياس أقوى - كما ذكر البعض - كما يُعبِّر عن انَّ الإستحسان لا يدخل تحت أيِّ وجه من وجوه القياس المذكورة، ومن هنا يتمحض معنى الإستحسان - بحسب فهم الشافعي - في مجموعة من المحتملات.
منها انَّ مراد الشافعي من الإستحسان هو المصالح المرسلة، وهذا الاحتمال غير مراد جزماً، وذلك لانَّ المصالح المرسلة تخضع لضوابط عقليَّة أو عقلائية أو شرعية كما سيتضح ذلك في الحديث عن المصالح المرسلة، فلو كان مراده ذلك لكان إشكاله - وهو انَّه يلزم من القول بحجية الإستحسان (ان يقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن) - غير وارد، إذ انَّ الضوابط العقلية والعقلائية وكذلك الشرعية مطردة والإختلاف انما هو في موارد تطبيقها وهذا حاصل حتى في الكتاب والسنة وكذلك القياس، وهذا ما يُعبِّر عن انَّ الشافعي لا يقصد بالإستحسان المصالح المرسلة.
وبما ذكرناه يتضح عدم إرادته للحسن والقبح العقليين أو العقلائيين، وكذلك يتَّضح عدم إرادته من الإستحسان ما يعبَّر عنه بحجية العرف.
وبسقوط تمام المحتملات يتعيَّن كون المراد من معنى الإستحسان هو ما ذكرناه، إذ هو الذي يرد عليه إشكال الشافعي، فالذوق وما يلائم الطبع وكذلك الإشمئزاز والإستقذار والإستبشاع كلها حالات نفسانية تخضع لعوامل تربوية أو اجتماعية أو ثقافية، وهي تختلف من بلد لآخر ومن بيئة لاخرى، بل قد يتفاوت المجتمع الواحد في ذلك فتجد انَّ طبقة معينة أو شريحة خاصة تنفر من بعض الأطعمة وتستقذرها والحال انَّ نفس هذه الأطعمة تستهوي طبقة اخرى من المجتمع أولاْ أقل لا تكون مستقذرة عندهم، كما نلاحظ ان بعض المجتمعات تمارس بعض الأعمال وترى انها ملائمة للذوق والتحضُّر، ونجد مجتمعات اخرى تستبشع هذه الأعمال وترى انها من التخلُّف والتسافل إلى مستوى الحيوان، وما ذلك إلاّ لاختلاف التربية والثقافة.
ثم انَّ المجتمع الواحد قد يمرُّ بأطوار وظروف تتغيَّر معها طبائعه ومذاقاته.
وبهذا اتضح انَّ ما يفهمه الشافعي من معنى الاستحسان هو ماذكرناه.
ويمكن تأكيد هذا الفهم ببعض التعريفات المذكورة للإستحسان فقد نقل صاحب محاضرات في اسباب اختلاف الفقهاء عن المبسوط - كما ذكر ذلك السيد الحكيم - انَّ الاستحسان (هو الأخذ بالسماحة وانتفاء مافيه الراحة).
وكذلك نقل عن ابن قدامة انَّ الاستحسان (دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على التعبير عنه).
والتعريف الاول يُعبِّر عن الحكم بمناط الإستحسان لابدَّ وان يكون متناسباً مع السماحة والسهولة، فلو كان فعل من الأفعال متناسباً مع انس النفس ومتناغماً مع مذاقها وموجباً لراحتها واستجمامها فهذا يقتضي الحكم بإباحته بل وباستحبابه، لأنَّه هو مقتضى الأخذ بالسماحة وانتفاء مافيه الراحة، فلو حكمنا بحرمته لأخذنا بما فيه التعب وأوردنا المكلَّف موارد النصب وهو ما ينافي مآرب النفس في الطرب.
وأما التعريف الثاني فنتساءل ماهو الدليل الذي ينقدح في نفس المجتهد ويتعذَّر عليه التعبير عنه، فحتماً ليس هو من قبيل النصوص الشرعية ولا هو من قبيل البراهين العقلية ولا هو قياس من الأقيسة وإلاّ لأجاد التعبير عنه، ولو كان من قبيل المصالح المرسلة أو سدِّ الذرايع أو ما إلى ذلك فما هو الموجب لانتفاء القدرة على التعبير عنه، نعم لو كان الذوق هو الدليل فإنَّ من الصعب التعبير عنه إلاّ ان يكون المجتهد شاعراً.
المعنى الثاني للإستحسان: هو (ما يستحسنه المجتهد بعقله)، وهذا التعريف منقول عن ابن قدامة، وهو يحتمل معان ثلاثة:
الإحتمال الاول: انَّ مراده من الإستحسان العقلي هو خصوص مدركات العقل القطعية الأعم من مدركات العقل العملي - كإدراك العقل لحسن العدل وقبح الظلم - ومدركات العقل النظري كإدراكه للملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته أو انَّ مراده مختص بالاول.
الإحتمال الثاني: انّ مراده من الإستحسان العقلي هو مطلق ما يستحسنه العقل الأعم من العقل النظري والعملي والقطعي والظني.
والظاهر من التعريف انَّ المتعين هو الإحتمال الثاني، وذلك لعدم وجود ما يُوجب اختصاصه بالاول، ومن هنا يكون الإستحسان شاملا للقياس والاستقراء وسدِّ الذرايع، لانها جميعاً من صغريات ما يستحسنه العقل الاعم من القطعي والظني، وعليه فليس الإستحسان - بناء على هذا المعنى - دليلا مستقلا في مقابل الدليل العقلي، وذلك حتى بناء على الاحتمال الاول، وهذا ما يُعبِّر عن وجود خلل في التعريف.
المعنى الثالث: انَّ الإستحسان هو (العدول بحكم مسألة عن نظائرها لدليل خاص من كتاب أو سنة).
وهذا التعريف نقله ابن قدامة أيضاً.
واحتمالات المراد من هذا التعريف ثلاثة:
الاول: انَّ الإستحسان يعني تقديم الدليل المخصص من الكتاب والسنة على عمومات الكتاب واطلاقاته وكذلك عمومات السنة واطلاقاتها.
مثلا قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ) ([1] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftn1))، فالاية الكريمة تدلُّ باطلاقها على حلِّية أكل طعام البحر، فلو ورد دليل من السنة مفاده (حرمة أكل ما لا فلس له) فإنَّ هذا الدليل يكون مقدماً بالإستحسان أي بقاعدة حمل المطلق على المقيد والعام على الخاص.
الثاني: انَّ المراد من الإستحسان هو تقديم الآيات والروايات - في مقام التعرُّف على الحكم الشرعي - على سائر الأدلة الاُخرى سواء كان من قبيل الإجماع أو العقل أو القياس أو ما إلى ذلك فكل ما سوى الكتاب والسنة يكون في مرحلة متأخرة عنهما في مقام المرجعية، أي لا يُلجأ إلى غير الكتاب والسنة في موارد اشتمالهما أو أحدهما على حكم المسألة المبحوث عنها.
الثالث: انَّ الاستحسان يعني الخروج عمَّا يقتضيه القياس بسبب وجود دليل خاص من الكتاب والسنة، بمعنى انَّه في فرض التعارض بين ما يدلُّ عليه الكتاب والسنة وبين ما يقتضيه القياس فإنَّ الإستحسان يقتضي تقديم ما يدلُّ عليه الكتاب والسنة.
والظاهر إرادة هذا المعنى من التعريف بقرينة قوله (العدول بحكم مسألة عن نظائرها)، فإنَّ هذا التعبير يناسب القياس والذي يعني إسراء حكم من مسألة إلى نظائرها من المسائل، فلو كانت احدى هذه المسائل مما قام الدليل الخاص من الكتاب والسنة على انَّ حكمها مناف لحكم نظائرها من المسائل فإنَّ مقتضى الإستحسان هو تقديم الدليل الخاص من الكتاب والسنة.
[1] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftnref1)- سورة المائدة: 96.
يتبع
الحوزويه الصغيره
26-06-2011, 05:30 AM
والذي يؤكد ماذكرناه انَّ التعبير بالعدول لا يُناسب التخصيص - والذي هو الاحتمال الاول - إذ انَّ العدول يستبطن وجود قاعدة كلية متبناة تقتضي حكماً معيناً إلاّ انَّ ثمة شيئاً أوجب العدول عن هذه القاعدة، والتخصيص ليس من هذا القبيل، وذلك لأنَّ المخصص لو كان متصلا فإنَّ حكم المسألة المستفاد من المخصِّص ثابت بنفس الخطاب المفيد للعموم، فليس من قاعدة تقتضي حكماً مغايراً وتكون المسألة الخارجة بالتخصيص مشمولة له أولا ثم تخرج بواسطة الدليل الخاص حتى يصدق العدول، إذ انَّ العموم من أول الأمر لا يشمل المسألة الخارجة بالمخصص المتصل، وأمَّا لو كان المخصِّص منفصلا فكذلك لا يكون التعبير بالعدول دقيقاً لو كان المراد منه التخصيص، إذ ان التعويل على الاطلاق أو العموم قبل الفحص عن المخصِّص أو المقيِّد غير صحيح، وذلك للعلم الإجمالي بوجودات مخصِّصات ومقيّدات منفصلة في الخطابات الشرعية، فمع الفحص والعثور على المخصِّص المنفصل لا يكون العمل بمقتضى المخصص أو المقيد عدولا عن العموم والاطلاق، وذلك لانّ الاطلاق وكذلك العموم لم يكونا مرادين بالإرادة الجدية من أول الأمر بل المراد الجدِّي منهما هو غير ما يقتضيه المخصِّص المنفصل.
وبهذا يتنقح ان لا قاعدة كلية مبتبناة تم العدول عنها في موارد التخصيص بل انَّ المخصِّص يثبت في عرض العموم والاطلاق وانما قد يتفق العثور على العموم قبل العثور على المخصّص وقد ينعكس الأمر فنعثر على المخصّص قبل العثور على العموم أو الاطلاق وحينئذ فما معنى التعبير بالعدول.
وأما الاحتمال الثالث فيناسبه التعبير بالعدول، وذلك لأنَّ القياس ضابطة عقلية كلية محددة المعالم لا يقال في موردها انَّ بعض مواردها خارج من أول الأمر بل انَّ كل ما يخرج عنها يكون عدولا عن مقتضاها إلى شيء آخر.
هذا ما يناسب سقوط الإحتمال الاول، وأما الإحتمال الثاني فهو أبعد من الإحتمال الأول، وذلك لأنَّ الإستحسان فيه بمعنى تقديم الكتاب والسنة على سائر الادلة، ولا نجد مناسبة للتعبير بالعدول لو كان هذا المعنى هو المراد، إذ انَّ هذا المعنى لا يعني أكثر من بيان الترتيب المرحلي للأدلة في مقام المرجعية والإستنباط للأحكام الشرعية.
والمتحصَّل انَّ حمل التعريف على الدقة يقتضي كون المراد منه ما ذكرناه وهو الخروج عن القاعدة الكليَّة المستلهمة بواسطة القياس في موارد وجود الدليل الخاص من الكتاب والسنة، وهذا ما تؤكده مقتضيات القياس، إذ ان القياس العقلي لا يفرق بين مسألة واخرى بل يُعطي ضابطة كلية لنظائر المسألة المقيس عليها إلاّ انَّ المجتهد يعدل عمَّا يقتضيه القياس بسبب وجود الدليل الخاص من الكتاب والسنة.
والذي يُعزِّز ما استظهرناه من التعريف ما نقل عن البزودي - وهو من الاحناف - قال: ان الإستحسان هو (العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه).
والمناسب لما ذكرناه هو قوله (أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه) حيث اعتبر المعدول عنه هو القياس وليس هو دليل آخر كعمومات الكتاب والسنة.
ثم انَّ هذا التعريف أوسع دائرة من التعريف السابق حيث جعل الموجب للعدول عن القياس مطلق الدليل الأقوى، فلو اعتبرنا انَّ الإجماع وكذلك المصالح المرسلة أقوى دليليَّة من القياس كان ذلك موجباً للعدول عما يقتضيه القياس، وكذلك لو كان هناك قياس أقوى دليليَّة من قياس آخر فلابدَّ من العدول عن القياس المرجوح بمقتضى الإستحسان، إلاّ انَّ هذا التعريف لم يُشر إلى ماهي الضابطة لتشخيص اقوائية أحد القياسين على الآخر، والمحتمل في ضابطة الأقوائية أحد امور:
الأمر الاول: مناسبة القياس الأقوى للمصلحة.
ولو كانت هذه هي الضابطة لما صحَّ عدُّ الإستحسان دليلا برأسه، فهو حينئذ يرجع إلى المصالح المرسلة فهي المائز - بناء على هذا الاحتمال - بين القياس الأقوى من القياس الأضعف، وهذا ما يُوجب استبعاد هذا الإحتمال، إذ انَّ الظاهر منهم هو اعتبار الإستحسان دليلا مستقلا في عرض الأدلة الاخرى.
الأمر الثاني: مناسبته لسدِّ الذرايع أو العرف وهذا الإحتمال أيضاً ساقط لعين ماذكرناه في الأمر الاول.
الأمر الثالث: انَّ الضابطة في أقوائية قياس على آخر هو الذوق وملائمات الطبع، وهذا الإحتمال هو المتعين، إذ لا يرد عليه الإشكال الوارد على الاحتمال الاول والثاني، كما لا يتصوَّر ان تكون ضابطة الاقوائية هو موافقة القياس الأقوى للكتاب والسنة والإجماع، إذ انَّ ظاهر التعريف هو انَّ الدليل على حكم المسألة هو أحد القياسين لا غير، إلاّ انَّه لمَّا كان أحد القياسين منافياً لما يقتضيه الآخر كان ذلك مستوجباً للبحث عن الأقوى منهما.
هذا بالاضافة إلى انَّ الثالث من الامور المحتملة متناسب مع مجموعة من التعريفات المذكورة للإستحسان كما بينا ذلك.
المعنى الرابع: ما نُقل عن الشاطبي من المالكية انَّ الإستحسان هو (العمل بأقوى الدليلين).
ولم نتبين المراد من هذا التعريف، فهل المراد منه هو إعمال الإستحسان لتشخيص ماهو الدليل الأقوى أو انَّ المراد من الإستحسان هو نفس الأخذ بالدليل الأقوى والأقوائية تثبت بواسطة اخرى غير الإستحسان، فنفس الأخذ بما يقتضيه الكتاب الكريم وطرح ما يقتضيه الخبر الواحد المنافي هو الإستحسان، أو انَّ الإستحسان معناه هذه القاعدة الكليَّة وهي كلما تعارض دليلان فالحجيَّة تكون في طرف الأقوى منهما، وهذا المعنى أيضاً لا يشخِّص لنا ضابطة الأقوائية.
فبناءً على الإحتمال الثاني لا يكون الإستحسان من الأدلة على الحكم الشرعي وانما يكون مجرَّد اصطلاح يُطلق على هذه الحالة التي يعمل فيها المجتهد بالدليل الأقوى.
وأما الإحتمال الثالث: فهو خلاف ظاهر التعريف، إذ انَّ هذه القاعدة لا تعدو إما ان تكون قاعدة عقلية منشاؤها إدراك العقل لاستحالة ترجيح المرجوح واستحالة التخيير بين المرجوح والراجح، وإمّا انَّها قاعدة مستفادة من الشرع أو من دليل آخر، وإطلاق عنوان الإستحسان عليها مجرَّد اصطلاح وهو ينافي دعوى دليليته على الحكم الشرعي، ولو سلمنا استفادتها من الإستحسان فهذا لا يقتضي أكثر من كونها من موارد ما يكشف عنه الإستحسان لا أنها هي الإستحسان نفسه، وحينئذ لا يصلح تعريف الإستحسان بها فلابدَّ من الْتماس تعريف للإستحسان لو كان هذا الإحتمال هو المتعيَّن، وهذا ما يؤكد سقوط هذا الإحتمال، على انَّه لا معنى محصَّل من هذا الإحتمال، وذلك لأن الظاهر من التعريف انَّ المجتهد إنَّما يلجأ للإستحسان في حالة تعارض الأدلة مع إحراز دليلية كل واحد منهما على الحكم الشرعي لولا التعارض، وحينئذ لا معنى لأن يُقال خذ بما هو الأقوى منهما، لان ذلك لا يعالج المشكلة، فهو أشبه بما لو سألك سائل عن أي الطرقين أسلك وكان غرضه التعرُّف على الطريق الاقرب فتجيبه بقولك (اسلك أقرب الطريقين) فهنا لا يكون السائل قد تحصَّل على الجواب الناجع، لأنَّه انَّما يسأل عن الطريق الأقرب.
نعم لو كان يعلم بالطريق الأقرب إلاّ انَّه لا يعلم أهو ملْزَم بسلوك الطريق الاقرب أو هو مخير مثلا فإنَّ الجواب بالقول (اسلك الطريق الأقرب) يكون ناجعاً، إلاّ انَّ ذلك خلاف الظاهر من مرجعية الإستحسان في ظرف التعارض، لأن الظاهر انَّه لا يُلجأ للإستحسان للتعرُّف على هذه القاعدة فحسب بل يُلجأ اليه لتشخيص الدليل الأقوى من الدليل الأضعف.
ومن هنا يكون المتعيَّن من الإحتمالات هو الإحتمال الأول، وبهذا يكون تعريف الإستحسان - بناء على هذا الإحتمال - هو المشخِّص للدليل الأقوى الذي يلزم العمل به، فيكون التعريف من قبيل التعريف بالفائدة والنتيجة، فهذا وان كان خلاف الظاهر من التعريفات إلاّ انَّ ذلك مألوف في التعريفات التي يكون الغرض منها إعطاء صورة عن المعرَّف كما يقال في تعريف الخمر انَّه المسكر، فهو تعريف بما ينتج عنه.
والمتحصَّل انَّ هذا الإحتمال وان كان خلاف الظاهر من التعريف إلاّ انَّه لمّا كان الإحتمال الثاني - والذي هو أقرب بحسب الصياغة اللفظية للتعريف - بعيد جداً كما ذكرنا والإحتمال الثالث ساقط لابتلائه بما ذكرناه من إشكال فيدور التعريف بين الإجمال وعدم انفهام معنى محصل له وبين الإحتمال الأول، والظاهر تعيُّنه لمناسبته مع تعريفات اخرى ومناسبته كذلك مع مرجعية الإستحسان في مقام التعارض.
ومع تمامية هذا الإحتمال يبقى السؤال عن الآليَّة المعتمدة للإستحسان لتشخيص الدليل الأقوى والتي هي جوهر الإستحسان، حيث قلنا انَّ هذا التعريف - بناء على الإحتمال الاول - لا يكشف لنا سوى عن النتيجة المترتبة على الإستحسان، وهي تشخيص الدليل الأقوى وأما الآلية المعتمدة لذلك فلابدَّ من استفادتها من مورد آخر.
وهنا مجموعة من الإحتمالات نوردها لغرض البحث عمَّا هو المتعيَّن منها:
الاحتمال الاول: إنَّ الآلية المعتمدة لتشخيص الدليل الأقوى هو الكتاب المجيد أو السنة أو العقل القطعي والظني أو مناسبة أحد الدليلين لما تقتضيه المصلحة العامة أو مناسبة أحدهما للمرتكزات العرفية أو تناسب أحدهما لسدِّ الذرايع المفضية للحرام فهو حينئذ يكون الاقوى أو تناسب أحدهما لفتح الذرايع المفضية للواجب فهو الاقوى من الدليل الفاقد لهذه الخصوصية.
الاحتمال الثاني: ملائمة أحد الدليلين للطبع أو منافاة أحدهما للمذاقات العامة فيكون ما يقابله هو الأقوى.
الاحتمال الثالث: هو مجموع هذه المرجحات.
أمَّا الترجيح بالكتاب أو بالسنة أو بالعقل أو بالمصلحة أو بسدِّ الذرايع أو فتحها أو بالمرتكزات العرفية فمن غير المناسب أن يُطلق عليها الترجيح بالإستحسان بل المناسب ان يقال ترجيح أحد الدليلين بالكتاب أو بالعقل وهكذا.
وما قد يقال انَّه مجرَّد اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح.
نقول انَّ هذا الكلام صحيح إلاّ اننا لا نُحرز انَّ ترجيح أحد الدليلين بالكتاب مثلا يُصطلح عليه بالاستحسان حتى نقول لا مشاحة في الاصطلاح وانما نبحث عن ان مصطلح الاستحسان على أيِّ شيء يطلق، وحينئذ لابدَّ من ملاحظة الإعتبارات والمناسبات بين المصطلح والمصطلح عليه، ومن الواضح عدم التناسب بين ترجيح أحد الدليلين بالكتاب المجيد وبين مصطلح الإستحسان.
وأما الاحتمال الثالث فيضعفه ما نجده في كلمات القوم من عدم انحصار الترجيح وتشخيص الاقوى بالإستحسان، فلو كان الاحتمال الثالث هو المتعين لكان جامعاً لتمام المرجحات وهذا ما لا يمكن قبوله لملاحظة انَّ الاستحسان في كلماتهم يكون في عرض مرجحات اخرى وفي حالات يكون في طولها مما يُعبِّر عن انَّ الإحتمال الثالث ليس هو المقصود.
ومن هنا يتعين الإحتمال الثاني، إذ هو الذي لا يرد على الإشكال الوارد على الإحتمال الاول كما لا يرد عليه الإشكال الوارد على الإحتمال الثالث، فمن المناسب جداً ان يُقال حين ترجيح أحد الدليلين بما يُلائم الطبع والمذاقات العامة من المناسب انَّ يقال انَّ الترجيح تم بالإستحسان، على انَّ هذا الإحتمال هو المناسب لبعض التعريفات المذكورة للإستحسان.
ثم انَّه لو افترضنا جدلا ان الإحتمال الثالث هو المتعيِّن لكان علينا ان نمارس عملية الاستذواق لغرض تشخيص الدليل الاقوى ولو في الحالات التي لا يكون معها مرجح آخر، كما لو تعارض خبران ولم يكن ثمة مرجح من المرجحات الاخرى فإنَّ علينا ان نلاحظ ماهو الدليل المناسب لمقتضيات الذوق وملائمات الطبع، وهذا هو المستفاد مما ذكره السرخسي في مبسوطه، حيث ذكر ان من تعريفات الإستحسان هو (طلب السهولة في الاحكام مما يبتلي به الخاص والعام) وكذلك ما نقله عن بعض من انَّ الإستحسان هو (الأخذ بالسماحة وانتفاء مافيه الراحة) (والأخذ بالسعة وابتغاء الدعة)، فإنَّ هذه التعريفات تعبِّر عن انَّه يحوم في حمى الإحتمال الذي رجَّحناه أو يكون الإستحسان متضمناً للمعنى الذي ذكرناه.
وأما احتمال ان تكون الآلية لتشخيص الدليل الأقوى هو مجموع المرجحات باستثناء ما ذكرناه في الاحتمال الثاني فهو وان كان معقولا إلاّ انَّه يتنافى - كما ذكرنا - مع عدِّ الإستحسان مرجحاً في عرض المرجحات الاخرى وفي حالات يكون في طولها مما يؤكد عدم إرادة هذا الإحتمال.
المعنى الخامس: وهو ما نُقل عن المالكيَّة من انَّ الإستحسان هو (الإلتفات إلى المصلحة والعدل).
وهنا لم يُحدِّد لنا التعريف متى يلجأ المجتهد للإلتفات إلى المصلحة والعدل، وهل انَّ الالتفات لذلك يكون في ظرف التعارض بين الأدلة، فيكون الإستحسان من وسائل علاج التعارض أو ان الإلتفات يكون ابتدائياً، بمعنى انَّه يكون وسيلة للكشف عن الحكم الشرعي فيكون في عرض الأدلة الاخرى، أو انَّ الإلتفات يكون لغرض محاكمة الأدلة الشرعية والعقلية وغيرها فما كان منها مناسباً للمصلحة والعدل فهي صالحة للدليلية، أما مع منافاتها للمصلحة والعدل فهي لا تصلح للدليلية والكاشفية عن الحكم الشرعي فتكون للإستحسان فوقية على سائر الأدلة، إذ هو المشخص - بناء على هذا الإحتمال - للحجَّة منها من غير الحجة حتى في ظرف عدم التعارض.
على انَّ التعريف لم يُشخِّص لنا مرتبة المصلحة الموجبة للترجيح لو كان الإحتمال الاول هو المراد، كما انَّه لم يُبيِّن لنا مقدار المصلحة المؤثرة في الكشف عن الحكم الشرعي لو كان الإحتمال الثاني هو المقصود، كما انَّه لم يُوقفنا على ماهية وحدود المصلحة الموجبة لثبوت الحجية لبعض الأدلة وانتفائها عن أدلة اخرى لو كان الإحتمال الثالث هو المراد.
ومن هنا لا ندري ماهو العلاج في حالة تعارض المصلحتين أو تزاحمهما وبأيِّ وسيلة يتوسَّل المجتهد لترجيح احدى المصلحتين، ثم ماذا لو تعارض أو تزاحم العدل مع المصلحة بأن كان أحد الدليلين مناسباً للمصلحة وكان الآخر مناسباً لمقتضيات العدل أو كان أحد الفعلين مناسباً للمصلحة والآخر للعدل ولم يكن ثمة مرجح من المرجحات الاُخرى.
مثلا لو كان هناك رجل يحرق في كل ليلة بيتاً من بيوتات البلدة وكان قطع مادة الفساد الذي يُحدثه هذا الرجل يتوقف على حبس مجموعة من الرجال وتعذيبهم لغرض التعرُّف على الجاني منهم ولم يكن ثمة وسيلة اخرى لقطع مادة الفساد.
فهنا يكون حبس هؤلاء الرجال وتعذيبهم متناسباً مع المصلحة العامة إلاّ انَّه مناف للعدل، إذ لا إشكال انّ حبس غير الجاني وتعذيبه من الظلم، فهذه الحالة لا يجيب عليها التعريف المذكور أيضاً.
على انَّه يمكن الإيراد على التعريف بأن الإستحسان لا يكون - بناء عليه - دليلا مستقلا بل هو راجع إلى المصالح المرسلة والى ما يُدركه العقل من حسن العدل وقبح الظلم، وحينئذ لا يكون الإستحسان إلاّ تكثيراً للمصطلحات بلا مغزى، وهذا يتنافى مع الصناعة العلمية، هذا بالإضافة إلى انَّ الظاهر من كلمات الاُصوليين وفقهاء القوم انَّ الإستحسان دليل مستقل في عرض الأدلة كالمصالح المرسلة والدليل العقلي وليس هو مصطلح ثان للمصالح المرسلة والدليل العقلي.
ومن هنا يكون التشكيك في دقة هذا التعريف كبيراً جداً.
هذا تمام الكلام في معنى الإستحسان، ولا بأس ببيان الأدلة التي استدلَّ بها على حجية الإستحسان.
ذكر السيد الحكيم في كتابه الاصول العامة انَّه استدلَّ على ذلك بآيتين من الكتاب المجيد وبرواية من السنة الشريفة وبالإجماع، ونحن نعرض لهذه الأدلة تباعاً.
الدليل الاول: قوله تعالى (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) ([1] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftn1)).
وتقريب الإستدلال بهذه الآية الكريمة لصالح القول بحجية الإستحسان، انَّ الله تعالى امتدح عباده اللذين يتبعون أحسن القول، وهذا ما يُعبِّر عن حجية الإستحسان وإلاّ لما امتدح الله تعالى عباده المتصفين بالعمل بالإستحسان.
وقبل الجواب عن الإستدلال بالآية الشريفة نقول: انَّ المراد من عنوان الأحسن يحتمل ثلاثة احتمالات:
الإحتمال الأول: انَّه عنوان اضافي نسبي، وحينئذ يكون معنى الآية هو حجية كل قول أو رأي إذا اُضيف ونُسب إلى رأي آخر كان أحسن منه بقطع النظر عن كون القولين واجدين للحجيَّة في نفسيهما أو لا، فمحض الأحسنية هي المناط في ثبوت الحجية للقول المتصف بها.
وواضح انَّ هذا الإحتمال غير مراد جزماً، إذ من غير المعقول ان يكون القول أو الرأي غير واجد للحجية وبمجرَّد ان يُضاف إلى رأي آخر ويتفوق عليه نسبياً يكون ذلك موجباً لاتصافه بالحجيَّة، فالرأي حينما يكون منافياً لنظر الشارع لا يكون رجحانه على رأي آخر مناف أيضاً للشارع موجباً لثبوت الحجيَّة للرأي الراجح وإلاّ لما صحَّ ان تكون للشارع متبنيات خاصة تثبت بموجبها حجية بعض الأقوال وعدم حجية أقوال اخرى، إذ انَّ الاقوال التي لم تثبت لها الحجيَّة متفاضلة بلا ريب، وحينئذ يكون الافضل منها حجة يلزم التعبُّد به وهذا خلاف بناء الشارع على عدم حجيتها، هذا لو كان المراد من الأحسنية هو الأحسنية الواقعية وإلا لو كان المراد من الأحسنية هو الأحسنية بنظر كل أحدد للزم الهرج والمرج، إذ انَّ الأحسنية بهذا المعنى تخضع لعوامل نفسية وملاحظة المصالح الشخصية وهي متفاوتة من شخص لآخر ومتزاحمة في غالب الأحيان، وعندئذ يجرُّ كل واحد النار إلى قرصه، وتكون لغة الغاب هي المحكمة في المجتمعات وبها يختلُّ النظام، وهذا ما يورث الجزم بعدم إرادة الآية الشريفة لهذا المعنى.
[1] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftnref1)- سورة الزمر: 18.
يتبع
الحوزويه الصغيره
26-06-2011, 05:39 AM
الإحتمال الثاني: انَّ المراد من عنوان الأحسنية هي الأحسنية الواقعية في إطار الأقوال الواجدة للحجية في نفسها وبقطع النظر عن تفاضلها، وحينئذ يكون المراد أحد احتمالات ثلاثة:
الاول: ان يكون كل واحد من القولين واجداً للحجية في حدِّ نفسه مالم يتعارضا أو يتزاحما واذا تعارضا أو تزاحما فإنَّ الحجية تسقط عن القول المفضول وتبقى الحجية للقول الأحسن.
فما يقتضيه القياس مثلا حجة في حدِّ نفسه وكذلك ما يقتضيه النص القرآني إلاّ انَّه حينما يتعارضان أو يتزاحمان فإنَّ الحجيَّة تسقط عن المفضول منهما وهو ما يقتضيه القياس.
الثاني: ان يكون كل واحد من القولين واجداً للحجيَّة ولا يكون التفاضل بينهما موجباً لسقوط المفضول حتى في ظرف التعارض أو التزاحم نعم الارجح هو الأخذ بالقول الفاضل.
الثالث: ان تكون الآية بصدد بيان راجحية اختيار القول الفاضل وليست متصدية لحالات التعارض أو التزاحم.
والإحتمال الراجح من هذه الإحتمالات هو الأول وذلك بقرينة ذيل الآية اللشريفة (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ) ([1] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftn1)) هذا لو كنا نبني على حجية مفهوم الوصف فيكون المتبع للأحسن هو الذي هداه الله عزّ وجلّ، وبمفهوم الوصف يكون غيره من أهل الضلال، إلاّ أنَّ المعروف بين الاعلام هو عدم حجية مفهوم الوصف، وعليه لا يكون الإتصاف بالهداية لمتَّبع الأحسن ملازماً لانتفائها عن غير المتَّبع للأحسن خصوصاً مع ملاحظة المعطوف على وصف الهداية وهي قوله (وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ) أي أولوا العقول الراجحة، فإنَّ هذا الوصف يُشعر بأن الأخذ بالأحسن من صفات الكمال وليس هو الفيصل بين الحق والباطل والهداية والضلال، فالهداية والتعقُّل من المفاهيم المشككة، فمن الناس من يأخذ منهما بحظ وافر فهذا هو الأهدى والأعقل، ومنهم من يكون حظه منهما أقل وهذا لا يقتضي انسلاب صفة الهداية والتعقل عنه.
ومن هنا لا يمكن استظهار المعنى الاول، ولا يبعد ان يكون المعنى الثالث هو المتعين من هذا الإحتمال، وذلك لأنَّه بعد عدم دلالة الجملة الوصفية على المفهوم لا يكون ثمة مبرِّر لاستظهار تصدِّي الآية الشريفة لعلاج حالات التعارض والتزاحم، إذ المبرِّر لاستظهار تصدِّي الآية لذلك هو مفهوم الوصف، إذ به يثبت انَّ متّبع غير الأحسن لا يكون مهديّاً وهذا معناه سقوط الحجية عن القول غير الأحسن وذلك يقتضي انَّ الآية متصدية لعلاج حالات التعارض والتزاحم، إذ لا معنى لسقوط أحد القولين عن الحجية بمجرَّد أنَّ أحدهما أحسن من الآخر إذا لم يكونا متعارضين أو متزاحمين، وعليه وبعد عدم حجية مفهوم الوصف تكون الآية بصدد بيان راجحية اختيار القول الأحسن من القولين الواجدين للحجيَّة وليست متصدِّية لعلاج حالات التعارض والتزاحم أصلا، لا أقل انَّ هذا المعنى محتمل جداً وليس المعنى الاول مترجح عليه فتكون الآية الشريفة مجملة من هذه الجهة.
على انَّه لو كان المعنى الاول من هذا الإحتمال هو المتعيّن لما كانت الآية الشريفة صالحة للإستدلال بها على حجية الإستحسان، وذلك لأن المعنى الاول لا يقتضي أكثر من حجيَّة القول الاحسن وسقوط الحجية عن غير الاحسن اما كيف نشخِّص الأحسن من القولين فهذا مالم تتصدَ الآية الشريفة لبيانه.
فالتعريف الاول والثاني والثالث والخامس كلها متصدية لتشخيص الأحسن من الأقوال والبحث إنما هو عن ثبوت الحجية لهذه المشخصات ولا يمكن إثبات حجية ذلك بالكبرى الكلية المستفادة من الآية الشريفة، إذ من الواضح ان القضايا لا تنقح موضوعاتها، فحينما يقول المولى أكرم العلماء فإنه ليس متصدياً لإثبات انَّ زيداً عالماً وان بكراً عالماً، وهنا أيضاً حينما يقول (الأحسن هو الحجة) لا يكون ذلك موجباً لإثبات انَّ الأحسن هو المستفاد بواسطة الذوق وملائمات الطبع أو العقل أو المصلحة أو ما إلى ذلك، نعم لو ثبت من خارج الآية الشريفة انَّ الأحسن يتشخص بواسطة الذوق أو المصلحة أو العقل فإنَّه يمكن التمسُّك بالآية الشريفة لإثبات الحجية لهذه الصغريات، إذن فلابدَّ من إلتماس دليل آخر على حجية الإستحسان في إثبات ماهو أحسن.
نعم يبقى الكلام في التعريف الرابع وهو انَّ الإستحسان يعني (العمل بأقوى الدليلين)، وقد احتملنا للمراد منه ثلاثة احتمالات ورجحنا الإحتمال الاول وبناء عليه يكون التعريف متصدياً أيضاً لتشخيص القول الأحسن وبذلك يكون مشمولا للإشكال الوارد على التعريفات الاخرى، وأما بناء على الإحتمال الثاني فالإستحسان ليس من أدلة الحكم الشرعي، وأما بناء على الإحتمال الثالث فهو مطابق للآية بناء على المعنى الاول من الاحتمال الثاني لها إلاّ انَّه لا ينفع لإثبات المطلوب بعد ان كان مفاده حجية الدليل الأقوى دون تشخيص ماهو الدليل الاقوى من الدليل الأضعف.
الاحتمال الثالث: لمعنى الآية الشريفة انَّ المراد من عنوان الأحسن هو الأحسن الواقعي إلاّّ انَّه في مقابل القول الباطل، فالآية الشريفة تمتدح اللذين يأخذون بالقول الحق، وذلك بقرينة السياق.
ولكي تتضح الدعوى نذكر الآية الشريفة بتمامها وكذلك التي سبقتها والتي تليها (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إلى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ * أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ...) ([2] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftn2)).
فالآية الشريفة واقعة في هذا السياق وهي تُعبِّر عن انَّ المهديين واولي الألباب واللذين لهم البشرى هم اللذين اجتنبوا الطاغوت وأنابوا لربهم واتَّبعوا أحسن القول، وفي مقابلهم من حقت عليه كلمة العذاب وليس من سبيل لإنقاذهم من النار.
والذي يؤكد ماذكرناه انَّ الآية الشريفة رتبت البشارة على اجتناب عبادة الطاغوت والإنابة لله جلَّ وعلا ثم عطفت ذلك ببيان العلة من البشارة وهي اتباع أحسن القول، فأحسن القول هو اجتناب الطاغوت والإنابة لله جلَّ وعلا، فالتوصيف هنا باتباع أحسن القول سيق لغرض التعليل أو لغرض الإحتراز وكلاهما يصبان في صالح المطلوب كما هو واضح.
ثم لم تكتفِ الآيات بزفِّ البشرى للذين يتبعون أحسن القول أي اللذين اجتنبوا الطاغوت بل أوضحت مصير غيرهم فقالت (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ) فليس هنا حالة برزخية فاما اتباع أحسن القول وهو المستوجب للبشرى وإمَّا اتباع الطرق الاخرى وهو المستوجب للعذاب.
وبهذا اتضح انَّ الأحسنية في الآية الشريفة ليست في مقابل الحسن وانَّما هي في مقابل سَيّء القول وباطله فهي على غرار قوله تعالى (أَفَمَن يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى) ([3] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftn3)) فأحقية الذي يهدي للحق بالإتباع ليست في مقابل استحقاق من لا يهدي للإتباع، فالذي لا يهدي لا يستحق الإتباع بل يحرم اتباعه.
وبتمامية استظهار هذا الإحتمال تكون الآية غير نافعة لاثبات ما يروم القوم إثباته من حجية الإستحسان، وما قد يقال من انَّه يمكن إثبات حجية الإستحسان بواسطة التمسُّك باطلاق اللذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
نقول انه لو تم الإطلاق - بناء على هذا الإحتمال - فإنَّ الإشكال الوارد على المعنى الاول من الاحتمال الثاني لمعنى (الاحسن) وارد هنا أيضاً فراجع.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم) ([4] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftn4)).
وهذه الآية الشريفة تحتمل عدة احتمالات نذكر أهمها:
الإحتمال الاول: انَّ الآية الشريفة في صدد التأكيد على اتباع التكاليف الإلزامية، فإنها أحسن ما اُنزل من الله جلَّ وعلا، وذلك في مقابل الأحكام التكليفية الغير الإلزامية، فهي وان كانت حسنة إلاّ التكاليف الإلزامية أحسن، ولعل منشأ الأحسنية هو ان الملاكات في موردها تامة، فالأحسنية بلحاظ ما يعود على المكلَّف من نفع وما يندفع عنه من ضرر، أو بلحاظ انّ اتباعها هو المنجي من النار، وأما التكاليف غير الإلزامية فهي بالإضافة إلى انَّ ما يعود منها على المكلَّف ليس بمستوى ما يعود عليه من اتباع التكاليف الإلزامية، فهي بالإضافة لذلك فإنَّ اتباعها لا يوجب النجاة من النار والفوز بالجنة لو كان المتبع لها تاركاً للتكاليف الإلزامية.
الإحتمال الثاني: انَّ الآية الشريفة متصدِّية لعلاج حالات التعارض والتزاحم وان المكلَّف ملزم بالأخذ بأحسن ما اُنزل، ولمَّا كان التعارض فيما انزل غير معقول فيتعين القول إما باختصاص تصدِّي الآية الشريفة لحالات التزاحم أو انَّ المراد مما انزل هم الأعم من القرآن الكريم وسائر الأدلة - فإن التعارض حينئذ معقول، وذلك كما لو تعارض خبر ثقة مع ظهور آية - أو يكون المراد من التعارض هو التعارض الصوري بين متشابهات الآيات ومحكماتها فالأحسن حينئذ هو الأخذ بالمحكمات، والأحسنية هنا بلحاظ المكلَّف لجهله بالمراد من المتشابهات.
الإحتمال الثالث: انَّ الآية تخاطب الكفار أو العصاة وتعظهم باتباع أحسن ما اُنزل اليهم، فقد انزل اليهم التهديد والوعيد بالنار والعذاب كما انزلت اليهم البشرى بالمغفرة عندما يُنيبون إلى ربهم ويتوبون اليه من قبل ان يُباغتهم العذاب.
والأحسنية هنا بلحاظهم حيث انَّ الاوفق بحالهم هو التوبة والإنابة لانها تستوجب المغفرة.
ويمكن ان يستظهر هذا المعنى بواسطة سياق الآية الشريفة (وَأَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ...) ([5] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftn5))، وهذا المعنى استظهره الشيخ محمد جواد مغنية (رحمه الله) وأوفق احتمال يناسب دعوى دليلية الآية الشريفة على حجية الإستحسان هو الإحتمال الثاني إلاّ انَّه مع مخالفته لظهور الآية الشريفة لا تثبت به الدعوى.
أما مخالفته لظهور الآية الشريفة فواضح بملاحظة سياق الآية وسابقتها والتي تليها، فهي تأمر بالإنابة والرجوع إلى الله تعالى قبل فوات الأوان ومباغتة العذاب، وهذه اللغة لا تناسب أهل الطاعة واللذين يبحثون عن حكم الله تعالى ويتحرُّون مظانه، فهل من المناسب لو جاءك طالب الحق يبحث عن وظيفته الشرعية أترى من المناسب أن تهدده وتزجره وأي أحد من أهل المحاورة يقبل بهذا النحو من البيان حتى نقبل ذلك على الله جلَّ وعلا، ولو تنزلنا وقلنا انَّ المعنى المتعين من الآية الشريفة هو الإحتمال الثاني فإنَّه لا ينفع لإثبات الدعوى وذلك لامور:
أولا: لانَّه أجنبيٌ عما يُراد اثباته من حجية الإستحسان - بناء على التعريف الاول والثاني والثالث والخامس - فإنها جميعاً بصدد تحديد صغرى الدليل الاقوى، وهذا مالم تتصدَ الآية الشريفة لبيانه حتى بناء على الإحتمال الثاني، إذ انها - بناء عليه - بصدد بيان حجية الدليل الاقوى اما ان تشخيص الدليل الاقوى يتم بواسطة الذوق وملائمات الطبع أو ما يستحسنه العقل أو ما يدلُّ عليه الكتاب والسنة أو ما يناسب المصلحة أو العدل فهذا مالا يمكن استفادته من الآية الشريفة حتى بناء على الاحتمال الثاني.
واما التعريف الرابع فكذلك يرد عليه نفس الإشكال بناء على ما استظهرنا وهو الاحتمال الاول، وأما الاحتمال الثالث للتعريف فهو صياغة ثانية للآية بناء على احتمالها الثاني، وعليه لا يكون الإستحسان أكثر من لزوم العمل بالدليل الأقوى أما ماهو الدليل الاقوى فهذا ما لا يتصدى التعريف الرابع - بناء على احتماله الثالث - لبيانه.
ثانياً: الآية - بناء على احتمالها الثاني - أخص من المدعى في بعض التعريفات كالتعريف الاول حيث لا تختص حجية الإستحسان - بناء عليه - بحالات التعارض أو التزاحم بل هو حجة حتى في غير مورديهما وكذلك الكلام في التعريف الثاني بل وحتى الخامس لو كان الالتفات إلى المصلحة والعدل مطرداً حتى في غير حالات التعارض والتزاحم كما هو مقتضى اطلاق التعريف.
الدليل الثالث: وهو من السنة الشريفة وهو ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن مسعود انَّه قال (انَّ الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد (ص) خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد (ص) فوجد أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيِّه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوه سيئاً فهو عند الله سَيء) ([6] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftn6)).
والإشكال على الإستدلال بهذه الرواية من جهتين:
الجهة الاولى: تتصل بالسند حيث انَّ ابن مسعود (رحمه الله) لم يُسند الرواية إلى الرسول (ص) فهي مقطوعة، وهذا ما يوهن الإستدلال بها على المطلوب إذ لعلها كلاماً لابن مسعود نفسه، نعم بناء على حجية قول الصحابي يمكن الإستدلال بهذا النص إلاّ انَّ الإستدلال حينئذ يكون بقول الصحابي لا بالسنَّة الشريفة، وعندئذ يكون الدليل مبنائياً، فمن لا يرى حجية قول الصحابي لا يصلح هذا الدليل لإلزامه، وذلك لا يمثل طعناً في الصحابي الجليل ابن مسعود إذ فرق بين عدالة الرجل وبين حجية قوله واجتهاده.
الجهة الثانية: إنَّ لفظ المسلمين في قوله (فما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن) ظاهر في العموم المجموعي أي ما رآه مجموع المسلمين، وحينئذ تكون الرواية أجنبية عن محلِّ البحث، إذ انَّها انَّما تُثبت حجية الإجماع لا حجية الإستحسان الذي قد يختص به مجتهد أو مجتهدان، على انَّه لا يبعد ان يكون ذلك مختص بالصحابة حيث رتبت الرواية حجية ما يراه المسلمون حسناً على نظر الله جلَّ وعلا إلى قلوب العباد ووجدانه امتياز قلوب الصحابة على سائر قلوب العباد، إذ لا معنى لثبوت حجية استحسان المسلمين بسبب ان قلوب الصحابة خير قلوب العباد إذ لا إرتباط بين السبب ونتيجته مما يوجب استظهار انَّ الذي ثبت لاستحسانه الحجية هو خصوص الصحابة، فتكون الرواية أخص من المدعى - لو بنينا على انَّها في صدد إثبات حجية الاستحسان وإلاّ فهي - كما هو الظاهر من الرواية - أجنبية عن محل البحث، إذ انَّها متصدية لإثبات حجية إجماع الصحابة.
ثم انَّ الإنصاف انَّ الرواية ليست متصدية للحديث عما يكشف عن الحكم الشرعي وان رؤية أو إستحسان المسلمين يكشف عن حكم الله الواقعي بل هي تعبِّر عن انَّ قلوب المسلمين أو الصحابة لمَّا كانت على الفطرة لم تتغلَّف بحجب الضلال والكفر أو انَّها تخلَّصت منها بالإيمان والهداية فإنَّ لها حينئذ ان تتعرَّف على موارد الفضيلة والرذيلة والخير والشر، إذ ان ضمير الإنسان إذا خلا من الكفر والعصبية فإنَّه يكون دليل الخير والصلاح.
هذا ما يُستظهر من الرواية فهي من الروايات الأخلاقية التي لا صلة لها بالدعوى، والتعبير (بما رآه المسلمون) ناشئ عن انَّ الوقوف على موارد الفضيلة والرذيلة لا يختص بفرد دون آخر بعد افتراض سلامة الفطرة.
والذي يؤكد ماذكرناه انَّ الرواية رتَّبت الفقرة الأخيرة وهي قوله (ما رآه المسلمون حسناً) على نظر الله جلَّ وعلا لقلوب العباد ووجدانه انَّ قلوب الصحابة خير قلوب العباد، وواضح انَّ القلب لا يكشف عن الحكم الشرعي وإلاّ فما معنى اختلاف المسلمين في فتاواهم المعتمدة على الإستحسان إلاّ ان يقال ان قلب المسلِّم مشرِّع وليس كاشفاً وحينئذ يجب الإلتزام بأن ما يوحيه قلب كل مسلم من حكم حجة عليه ولو لم يكن هذا المسلم مجتهداً، وذلك لأنَّ الرواية لم تجعل هذه الصفة لمسلم دون آخر حتى تكون صلاحية ذلك منحصرة بالمجتهد، وهذا ما لا يلتزم به القائلون بالإستحسان.
الدليل الثالث: دعوى الإجماع على حجية الإستحسان.
والظاهر عدم وجود دعوى بهذه السعة وانما هي موارد .. وقليلة أيضاً - ادُّعي انَّ اجماع الأمة عليها نشأ عن الإستحسان، وحينئذ نقول: إن صُرِّح حينئذ في معقد هذه الإجماعات انَّها نشأت عن الإستحسان فإنَّ الاستحسان يثبت في الجملة أي في الموارد التي تجمع الأمة قاطبة على صلاحيته لإثبات حكم أو نفي حكم ولا يصحُّ التعدِّي منها إلى موارد اخرى، كما لابدَّ من ملاحظة أي نحو من الإستحسان الذي أجمعت الأمة على أهليته لإثبات حكم ذلك المورد ومع تشخيصه يكون هو المتعين من أنحاء الإستحسان، إذ انَّ غيره ليس مورداً للإجماع فلا يمكن الإستدلال بالإجماع على حجيته، ومع عدم تشخيصه لا يصح إعمال الحدس لتحديده، وذلك لأنه اجتهاد خاص لا يمكن تحميل اجماع الاُمة عليه وإلاّ فهو خروج عن الإستدلال بالاجماع.
هذا كلُّه لو صُرِّح في معقد الإجماع بأن مدركه هو الإستحسان وأما مع عدم التصريح فلا مبرِّر للإستدلال على حجيّته بالإجماع إلاّ الحدس والإجتهاد وهو خروج عن الإستدلال بالإجماع.
والظاهر انَّ تمام الموارد القليلة التي ادعي قيام الإجماع عليها وانَّه ناشئ عن الإستحسان هي من هذا القبيل، إذ من المتعذِّر عادة إحراز انَّ المنشأ من تبني كل فرد أو عالم من الامة لهذا الحكم هو الإستحسان، وعدم وجود ما يبرِّر الإجماع من نص لا يقتضي تعين المدرك في الإستحسان فلعلَّ المدرك هو السيرة العقلائية أو المتشرعية، ولعلَّ المناشئ مختلفة فكل فريق نشأ تبنيه للحكم عن مدرك غير الذي نشأ عنه تبني الفريق الآخر فيتكون الإجماع ولكن بمناشئ مختلفة.
هذا بالإضافة إلى عدم تمامية دعوى إجماع الأمة على حجية الإستحسان، فإنَّ هذه الدعوى منقوضة بمذهب الامامية حيث يبنون جميعاً على عدم حجيته وكذلك الظاهرية والشافعية.
وبهذا يتضح سقوط تمام الأدلة التي استدلَّ بها على حجية الإستحسان، وهو كاف لسقوطه عن الحجية من غير حاجه لإثبات ذلك، فإن الأدلة الظنية التي لم يقم الدليل القطعي على حجيتها باقية على الأصل وهو عدم الحجية.
لقوله تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ([7] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftn7)).
[1] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftnref1)- سورة الزمر: 18.
[2] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftnref2)- سورة الزمر: 17 - 20.
[3] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftnref3)- سورة يونس: 25.
[4] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftnref4)- سورة الزمر: 55.
[5] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftnref5)- سورة الزمر: 53 - 56.
[6] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftnref6)- مسند أحمد: مسند المكثرين من الصحابة الحديث 3418.
[7] (http://www.walidalkaaba.com/vb/#_ftnref7)- سورة النجم: 28.
تقبلوا تحيتي
الحوزويه الصغيره
19-07-2011, 01:23 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإستصحاب
الظاهر انَّه لم يرد عنوان الإستصحاب في شيء من ألسنة الروايات التي استدل بها على حجية الإستصحاب، وانَّما نشأ هذا العنوان عن التناسب بين ما تعطيه كلمة الإستصحاب بحسب مدلولها اللغوي وبين ما تقتضيه أدلته.
فالإستصحاب بحسب مدلوله اللغوي معناه اتخاذ شيء مصاحباً ومرافقاً وملازماً وهو في مقابل مجانية الشيء ومفارقته، وهذا المعنى يتناسب مع ما يقتضيه الإستصحاب بحسب المصطلح الاصولي، حيث يقتضي الإلتزام بالمتيقن في مرحلة الشك، فالمتيقن مستصحب وملتزم به وغير مجانب - بصيغة المفعول - في مرحلة الشك.
وكيف كان فالتعريفات المذكورة للإستصحاب تحوم في حمىً واحد، ولذلك ذكر صاحب الكفاية (رحمه الله) انَّ تعريفات الإستصحاب تشير إلى معنىً واحد، إلا انَّ السيد الخوئي (رحمه الله) لم يقبل بهذه الدعوى وأفاد انَّ الإستصحاب لا ينبغي ان يكون له تعريف واحد بل لابدَّ وان يختلف باختلاف المبنى فيما هو المجعول في الإستصحاب، فلو كان المجعول في الاستصحاب هو الطريقية المحضة فهذا يقتضي ان يكون نحواً من الأمارات، وحينئذ لابدَّ من تعريفه بما يتناسب مع كونه أمارة، ولو كان المجعول في الإستصحاب هو الوظيفة العملية فهذا يقتضي ان يكون الإستصحاب أصلا عملياً، وعندئذ لابدَّ من تعريفه بما يتناسب مع كونه أصلا عملياً.
ومن هنا نشأ الإختلاف في تعريف الإستصحاب، فهو بناء على كونه أمارة يُناسبه ان يُعرَّف بهذا التعريف الذي نقله الشيخ الانصاري (رحمه الله) عن بعض العلماء من انَّ الإستصحاب هو (كون الحكم متيقناً في الآن السابق مشكوكاً في الآن اللاحق).
ومنشأ تناسبه لأمارية الإستصحاب هو انَّ اليقين السابق بالحكم كاشف ظني عقلائي عن بقاء الحكم في مرحلة الشك، فهو تعريف له بمنشأ كاشفيته وهو اليقين السابق بالحكم، وواضح ان الإستصحاب إذا كان كاشفاً عن بقاء الحكم في مرحلة الشك فهو أمارة.
وأما بناء على كون الإستصحاب أصلا عملياً - كما هو المعروف - فيناسبه التعريف الذي ذكره الشيخ الانصاري (رحمه الله) وقال انه أسدُّ التعريفات وأخصرها وهو (إبقاء ما كان) وشرحه الشيخ صاحب الكفاية (رحمه الله) بأنَّه الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه)، وتناسب هذا التعريف مع كون الإستصحاب أصلا عملياً واضح، وذلك لأنَّ الأصل العملي حكم ظاهري مقرَّر على المكلَّف في ظرف الشك في الحكم الواقعي، فقول الشيخ الأنصاري (رحمه الله) بأن الإستصحاب (إبقاء ما كان) معناه حكم الشارع ببقاء المتيقن على حاله في ظرف الشك، وهو تعبير آخر عن جعل الشارع الحكم الظاهري على المكلَّف، غايته انَّ موضوع هذا الحكم الظاهري هو اليقين السابق والشك اللاحق، فاليقين والشك المتواردان على متعلَّق واحد هو المنقح لموضوع الحكم الظاهري وهو الإستصحاب أو قل لزوم البناء على البقاء.
ثم لا بأس بشرح ما أفاده صاحب الكفاية (رحمه الله) في تعريفه للإستصحاب، فقوله (هو الحكم ببقاء) معناه انَّ الشارع جعل حكماً ظاهرياً على المكلَّف هو لزوم البناء على البقاء ولزوم ترتيب آثار البقاء والتعامل مع المتيقن السابق وكأنَّه لازال متيقناً، فكما انَّه لو كان متيقناً فعلا يقتضي بعض الآثار من تنجيز أو تعذير فكذلك الحال فيما لو كان متيقناً سابقاً ومشكوكاً لاحقاً.
ثم انَّ الإستصحاب لا يختص بلزوم البناء على بقاء الحكم المتيقن سابقاً بل يشمل حالة الشك في الموضوع ذي الحكم إذا كان لذلك الموضوع حالة سابقة متيقنة، وهذا هو معنى قوله (ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم) فإنَّ المقصود من الحكم هو مثل الوجوب أو الحرمة أو الطهارة والمقصود من الموضوع ذي الحكم هو كل موضوع يترتب على تنقُّحه أثر شرعي مثل الكُرّ والخمر وعدم زوال الحمرة المشرقية وهكذا، فإنَّ الحكم ببقاء السائل الخمري على الخمرية يترتب عليه أثر شرعي وهو حرمة شربه.
ثم انَّ السيد الخوئي (رحمه الله) قال: إنَّ الصحيح في تعريف الإستصحاب - بناء على كونه اصلا عملياً هو (حكم الشارع ببقاء اليقين في ظرف الشك من حيث الجري العملي).
والظاهر انَّ الفرق بين هذا التعريف وبين تعريف الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية (رحمهما الله) ليست جوهرياً، نعم هو الأنسب بروايات الاستصحاب كما أفاد السيد الخوئي (رحمه الله)، وذلك لأنَّ صحاح زرارة الثلاث أفادت النهي عن نقض اليقين بالشك، وهذا يقتضي تعريفه بلزوم البناء على بقاء اليقين في حالات الشك، إذ هو المنهي عن نقضه وليس المتيقن والذي هو متعلَّق اليقين، غايته انَّ الحكم ببقاء المتيقن هو لازم الحكم بلزوم البناء على بقاء اليقين، إذ ان الحكم ببقاء اليقين يُنتج الحكم ببقاء المتيقن، إذ من غير المعقول ان يبقى اليقين دون متعلَّقه (المتيقن)، وذلك لأن اليقين من العناوين ذات الإضافة فلا يمكن وجود يقين دون ان يكون له متيقن.
وعلى أيِّ حال فقد ذكر الشيخ الانصاري (رحمه الله) انَّ للإستصحاب أقساماً ناشئة عن لحاظات ثلاثة:
الأول: هو التقسيم بلحاظ المستصحب وهو المتيقن الذي حكم الشارع بلزوم البناء على بقائه في ظرف الشك كالوجوب الذي كان متيقناً ونشك فعلا في بقائه، وكالسائل الخمري الذي كان متيقناً ونشك فعلا في بقائه على صفة الخمرية، فالوجوب في المثال الاول والسائل الخمري في المثال الثاني يُعبَّر عن كلّ واحد منهما بالمستصحب.
ونحن إذا لاحظنا المستصحب نجده على أقسام، فالإستصحاب بلحاظ ما ينقسم عليه المستصحب ينقسم على نفس تلك الأقسام.
فنقول تاره يكون المستصحب أمراً وجودياً مثل الوجوب والحياة، وتارة يكون أمراً عدمياً مثل عدم الحكم وعدم الرطوبة وعدم الحاجب وعدم الحدث.
والأمر الوجودي تارة يكون حكماً شرعياً كالوجوب والطهارة، وتارة يكون من الامور الخارجية مثل الرطوبة والعصير العنبي.
والحكم الشرعي تارة يكون حكماً تكليفياً مثل الحرمة وتارة يكون حكماً وضعياً مثل الطهارة والزوجية والملكية، والحكم الشرعي أيضاً قد يكون كلياً مثل الحرمة الثابتة للخمر وقد يكون جزئياً مثل شخص وجوب النفقة على زوجة زيد الثابت على عهدة زيد نفسه.
الثاني: التقسيم بلحاظ دليل المستصحب أو قل بلحاظ منشأ اليقين، إذ قد يكون اليقين في حينه ناشئاً عن المدرك العقلي كما لو حدث اليقين بوجوب شيء بواسطة ادراك العقل اشتماله على المصلحة التامة الغير المزاحمة، وقد يكون اليقين بالمستصحب ناشئاً عن الإجماع، كما قد يكون ناشئاً عن الدليل اللفظي من الكتاب أو السنة، وقد يكون منشاؤه المشاهدة كما لو شاهد المكلَّف النجاسة وهي تسقط في الإناء، وقد يكون ناشئاً عن مناشئ اخرى.
الثالث: التقسيم بلحاظ السبب الموجب للشك في البقاء، إذ قد يكون الشك في البقاء ناشئاً من اشتباه الامور الخارجية كالشك في الرطوبة الحادثة من حيث كونها منياً أو مذياً أو الشك في انَّ الدم الخارج هل هو من دم العذْرة أو من دم الحيض والشبهة في المقام موضوعية والتي مآلها دائماً إلى الشك في الحكم الجزئي أو قل الشك في بلوغ الحكم مرحلة الفعلية فحينما يقع الشك في حدوث حدث الحيض بسبب الشك في انَّ الدم الخارج هل هو دم حيض أو دم عُذْرة فإنَّ الشك هنا شك في فعلية الطهارة الحدثية فهو شك في الحكم الجزئي، ولاتِّضاح ذلك راجع الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية.
وقد ينشأ الشك في البقاء عن الشك في حدود الحكم الشرعي الكلي كالشك في بقاء الحرمة للعصير العنبي بعد زوال ثلثيه بالشمس وكالشك في حرمة النبيذ بعد ذهاب سَورته بالماء، وهنا تكون الشبهة حكمية باعتبار انَّ متعلق الشك هو الحكم الشرعي الكلِّي أو قل انَّ متعلَّق الشك هو حدود الجعل الشرعي، راجع الشبهة الحكمية.
وقد يكون الشك في البقاء ناشئاً عن الشك في استعداد المستصحب للبقاء إلى مدة معينة، وهذا هو المعبَّر عنه بالشك في المقتضي، وقد يكون الشك في بقاء المستصحب ناشئاً عن احتمال طروء الرافع، وهذا هو المعبَّر عنه بالشك في الرافع.
والاول مثل الشك في بقاء نهار شهر رمضان باعتبار الشك في قابليته للبقاء إلى هذه الساعة، والثاني مثل الشك في بقاء الزوجية لاحتمال زوالها بسبب الطلاق.
كما انَّ الشك في البقاء قد يكون شكاً منطقياً بمعنى ان طرفي الثبوت والإنتفاء متساوية في النفس، وقد يكون بمعنى ترجُّح طرف الثبوت أو طرف الإنتفاء في النفس وقد يكون بمعنى الإحتمال.
هذه هي تمام الاقسام التي ذكرها الشيخ الانصاري (رحمه الله)، وبعضها وقع محلا للنزاع من حيث مشموليتها لأدلة الحجية للاستصحاب وبعضها ادعي الاتفاق على شمول أدلة الاستصحاب لها، كما انَّ بعضها ادعي الإجماع على عدم شمول أدلة الإستصحاب لها وسوف نشير إلى بعض هذه الاقسام في سياق استعراض عناوينها (إن شاء الله تعالى).
موفقين
دمتم في رعاية المولى وحفظه
الحوزويه الصغيره
05-08-2011, 01:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
الإستصحاب الإستقبالي
المراد من الإستصحاب الإستقبالي هو ما يكون فيه المتيقن فعلياً ويكون المشكوك استقبالياً، بمعنى ان يكون المكلَّف على يقين بشيء فعلا إلاّ انَّه يشك في استمراره فيما يُستقبل من الزمان، فهو وان كان يشترك مع الإستصحاب الاعتيادي في تأخر المشكوك على المتيقن إلا انَّ الإختلاف بينهما من جهة انَّ الحالة المألوفة هو فعلية متعلَّق الشك وماضوية متعلَّق اليقين، أما الاستصحاب الإستقبالي فإنَّ الحالة الفعليّة للمكلف هي اليقين بالشيء ويكون المشكوك متأخراً.
ومثاله مالو كان المكلَّف متيقناً بعجزه عن الوضوء الإختياري إلاّ انَّه يشك في استمرار هذا العجز فيما يُستقبل من الزمان، فاليقين والشك وان كانا فعليين - وكذلك متعلَّق اليقين وهو العجز فعلي أيضاً - إلاّ انَّ متعلَّق الشك وهو بقاء العجز استقبالي.
فهنا لو كنَّا نبني على جريان الإستصحاب فإنَّ مقتضاه هو البناء على بقاء العجز فيما يُستقبَل من الزمان.
وباتِّضاح ذلك نقول انَّ السيد الخوئي (رحمه الله) ذكر انَّه لم يجد من تعرَّض لهذا النحو من الإستصحاب إلاّ المحقق النائيني (رحمه الله) فإنَّه أشار إلى هذا النحو من الإستصحاب في المقدمات المفوتة ونقل عن صاحب الجواهر (رحمه الله) انَّه يرى عدم جريانه إلا انه لم ينقل المنشأ الذي حدى بصاحب الجواهر (رحمه الله) إلى القول بعدم جريانه.
ولعلَّ منشأه - كما أفاد السيد الخوئي (رحمه الله) - هو انَّ أكثر الروايات التي استدلَّ بها على حجية الإستصحاب تفترض فعلية المشكوك وتقدم المتيقن، كما في مضمرة زرارة (لانَّك كنت على يقين من طهارتك فشككت) إلا انَّه مع ذلك يمكن القول بحجية هذا الإستصحاب تمسكاً باطلاق الكبرى التي علَّل بها الامام جريان الإستصحاب وهي قوله (ع) (فإنَّ اليقين لا يُرفع بالشك) ([1] (http://www.dogomr.info/vb/#_ftn1)) وقوله (ع) (وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك) ([2] (http://www.dogomr.info/vb/#_ftn2)).
ومن هنا ذهب السيد الخوئي (رحمه الله) الى جريان الاستصحاب الإستقبالي على ان يكون الأثر الشرعي مترتباً عليه حين جريانه أي في حالة اليقين بالحادث وإرادة اسرائه لما يُستقبل من الزمان، لا أن يكون الأثر مترتباً على وجود الحادث في مستقبل الزمان، إذ انَّ المعتبر في جريان الإستصحاب هو كون الأثر الشرعي مترتباً حين إجراء الإستصحاب، وإجراء الإستصحاب في المقام هو زمان المتيقن.
مثلا: لو كان جواز البدار للعاجز في مثالنا السابق مترتباً على إحراز استمرار العجز لآخر الوقت فإنَّ استصحاب استمرار العجز - المتيقن فعلا - إلى آخر الوقت ينقِّح موضوع الأثر الشرعي وهو جواز البدار، أما لو لم يكن الأثر مترتباً حين إجراء الإستصحاب فإنَّ الإستصحاب لا يجري، فلو كنا على يقين فعلا من عدالة زيد ونشك في انَّ عدالته هل ستستمر إلى شهر أولاْ وكان هناك أثر مترتب على اتِّصافه بالعدالة في آخر الشهر وهي صحة الطلاق أمامه في ذلك الوقت مع افتراض عدم وجود أثر شرعي مترتب حين إجراء استصحاب استمرار العدالة المتيقنة فعلا فإنَّ هذا الإستصحاب لا يجري، إذ لا أثر مترتب حين إجرائه كما هو الفرض.
الإستصحاب التعليقي
ومجرى هذا الإستصحاب - لو تمت حجيته - هو الحكم لا الموضوع كما سيتضح ان شاء الله تعالى، ولأجل التعرُّف على موضوع البحث لابدَّ من تقديم مقدمة، وهي انَّ مناشئ الشك في بقاء الحكم ثلاثة:
الاول: ان يكون الشك من جهة بقاء الجعل والتشريع بعد إحرازه في مرحلة سابقة، وهذا النحو من الشك لا يُتصور إلاّ في حالة احتمال النسخ، ولا مبرِّر للشك في انتفاء الجعل إلاّ احتمال ان يكون المولى قد رفع الحكم بعد جعله، وهنا يجري استصحاب عدم النسخ، وتصوير معنى النسخ والبحث عن امكانه وهل يجري الإستصحاب في مورده أو لا ياتي في محلِّه ان شاء الله تعالى.
ومثاله مالو علم المكلَّف بحرمة أكل النجس ثم شك في بقاء هذه الحرمة، فهذا شك في نسخ الحرمة.
الثاني: ان يكون الشك من جهة بقاء الحكم الكلي المجعول أي الشك في بقاء الفعلية للحكم بعد ان كانت محرزة في مرحلة سابقة، وهذا النحو من الشك يُعبَّر عنه بالشبهة الحكمية وينشأ عن الشك سعة موضوع الحكم في مرحلة الجعل وضيقه.
ومثاله وجوب النفقة على الزوجة المطيعة، فقد يقع الشك في الوجوب بعد ان تصبح الزوجة غنية ومنشأ الشك هو الشك في سعة دائرة موضوع الوجوب، وهل ان موضوع الوجوب هو مطلق الزوجة المطيعة أو انَّ موضوعه هو خصوص الزوجة المطيعة الفقيرة.
وهنا يجري استصحاب وجوب النفقة على الزوجة ويُعبَّر عن هذا الإستصحاب باستصحاب الحكم التنجيزي، والمراد من الحكم التنجيزي هو الحكم المجعول أي البالغ مرتبة الفعلية بسبب تحقق تمام الموضوع المأخوذ حين الجعل.
فالزوجة حينما تكون مطيعة وفقيرة يكون وجوب النفقة ثابتاً لها على الزوج بلا ريب، أي انَّ وجوب النفقة يكون فعلياً وتنجيزياً وعندما ينتفي قيد الفقر عنها والذي نحتمل دخالته في موضوع وجوب النفقة يقع الشك في استمرار الوجوب التنجيزي الفعلي، وعندئذ يجري استصحابه أي استصحاب ذلك الحكم المنجَّز والفعلي بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.
الثالث: ان يكون منشأ الشك هو انتفاء خصوصية لو قُدِّر لها البقاء لاصبح الحكم فعلياً، وذلك لتحقق خصوصية كانت مفقودة حين وجود الخصوصية المنتفية فعلا أي في ظرف الشك، والخصوصية التي كانت منتفية وتحققت فعلا يُعلم بدخالتها في موضوع الحكم، وأما الخصوصية المنتفية فعلا والتي كانت موجودة فإنَّه لانقطع بدخالتها في موضوع الحكم إلاّ اننا نحتمل ذلك، وهذا الإحتمال هو الذي نشأ عنه الشك في تحقق الفعلية للحكم، إذ انَّ هذه الخصوصية لو كانت دخيلة في موضوع الحكم فإنَّ الحكم لا يكون فعلياً جزماً بسبب انتفائها.
وأما لو لم تكن دخيلة في موضوع الحكم فإن الحكم يكون فعلياً جزماً لافتراض تحقق الخصوصية التي نعلم بدخالتها.
وبتعبير آخر: لو كان لموضوع الحكم ثلاث خصوصيات، اثنتان منها يُحرز دخالتهما في موضوع الحكم وواحدة يُحتمل دخالتها في موضوع الحكم، فلو اتفق وجود الخصوصيات الثلاث فلا كلام، إذ الحكم يكون فعلياً بلا ريب، أما لو اتفق ان كانت احدى الخصوصيتين اللتين نعلم بدخالتهما في الحكم منتفية والمتحقق هو احدى الخصوصيتين منهما وكذلك الخصوصية الثالثة المحتمل دخالتها في الحكم، فعندئذ نستطيع ان نقول لو كانت الخصوصية المعلوم دخلها متحققة فعلا لاصبح الحكم فعلياً وهذا هو المعبَّر عنه بالحكم المعلَّق، فلو اتفق بعد ذلك ان تحققت الخصوصية المنتفية إلاّ انَّ الخصوصية الثالثة المحتمل دخالتها انتفت عن الموضوع قبل تحقق الخصوصية التي كانت منتفية، فهنا يقع الشك في بقاء الحكم المعلَّق الذي كان معلوماً قبل تحقق الخصوصية الثانية وقبل انتفاء الخصوصية الثالثة.
مثلا: لو كان وجوب النفقة مترتب على موضوع هو الزوجة المطيعة مع احتمال دخالة الفقر في موضوع الوجوب، وهنا نقول: لو اتفق ان كانت المرأة زوجة ومطيعة وفقيرة فهنا لا ريب في تحقق الفعلية للوجوب، أما لو اتفق ان كانت المرأة زوجة وفقيرة إلاّ انَّها لم تكن مطيعة، فهنا نستطيع ان نقول: انَّ هذه الزوجة لو كانت مطيعة لوجبت لها النفقة وهذا الوجوب يُعبَّر عنه بالحكم المعلَّق.
فلو اتفق ان تحققت الخصوصية الثانية المعلوم دخلها في الحكم وهي الطاعة إلاّ انه وقبل تحقق عنوان (المطيعة) انتفت الخصوصية الثالثة المحتمل دخلها وهو عنوان «الفقيرة)، فهنا يقع الشك في بقاء الحكم المعلَّق الذي كان معلوماً وهو (انَّ هذه الزوجة لو كانت مطيعة لوجبت لها النفقة)، ومنشأ الشك هو انتفاء الخصوصية الثالثة المحتمل دخالتها والتي كانت محرزة حين العلم بوجود الحكم المعلَّق، وحينئذ يقع البحث في امكان الإستصحاب، ولو أمكن إجراء الإستصحاب لكان منتجاً لإثبات بقاء الحكم المعلَّق، أي اثبات انَّ هذه الزوجة لو كانت مطيعة لوجبت لها النفقة.
وبهذا البيان اتضح الفرق بين الإستصحاب التنجيزي والاستصحاب التعليقي، وانَّ الاول عبارة عن استصحاب الفعلية التي لو كانت محرزة في مرحلة سابقة ثم طرأ الشك في بقائها بسبب انتفاء خصوصية كانت موجودة ونحتمل انها دخيلة في تحقق الفعلية سابقاً، وهذا يؤول روحاً إلى الشك في سعة دائرة موضوع الحكم.
وأما الإستصحاب التعليقي فهو عبارة عن استصحاب الحكم المعلَّق والذي لم يبلغ مرتبة الفعلية بسبب عدم تحقق أحد قيوده الذي لو قدِّر له ان تحقق سابقاً لأصبح الحكم حينها فعلياً، فالمستصحب في الاستصحاب التنجيزي هو الحكم الفعلي وأما المستصحب في الاستصحاب التعليقي فهو الحكم المعلَّق.
ومنشأ عروض الشك على بقاء الحكم المعلَّق هو انتفاء خصوصية كانت موجودة نحتمل دخالتها في موضوع الحكم وهذا الإنتفاء وقع قبل تحقق الخصوصية المعلوم دخالتها في موضوع الحكم، وهذا الشك يؤول روحاً إلى الشك في سعة دائرة موضوع الحكم إلاّ انَّ الفرق بين الاستصحابين انَّ الأول كان متوفراً على تمام الخصوصيات المعلوم دخالتها والمحتمل دخالتها في موضوع الحكم، وهذا اما أوجب الجزم بتحقق الفعلية في المرحلة السابقة.
أما الثاني فلم تكن تمام الخصوصيات المعلوم دخالتها متوفرة بل انَّ المتحقق منها هو بعض الخصوصيات المعلوم دخالتها في الموضوع والخصوصية المحتمل دخلها في الموضوع وهذا ما أوجب الجزم بالقضية التعليقيَّة وهي انَّ الخصوصية المفقودة لو تحققت لأصبح الحكم فعلياً.
وتصوير جريان الإستصحاب في الحكم المعلَّق هو انَّ الحكم المعلَّق كان معلوماً قبل انتفاء الخصوصية المحتملة الدخل في موضوع الحكم وبعد انتفائها وتحقق الخصوصية المفقودة نشك في بقاء الحكم المعلَّق فحينئذ يجري استصحاب الحكم المعلَّق، وذلك لليقين بالحدوث والشك في البقاء.
وباتِّضاح ذلك نقول: انَّ السيد الصدر (رحمه الله) ذكر انَّ المشهور قبل المحقق النائيني (رحمه الله) هو حجية الإستصحاب التعليقي إلاّ انَّ الشهرة انقلبت بعد المحقق النائيني (رحمه الله) إلى على عدم حجية الاستصحاب التعليقي، وذلك تأثراً بالمحقق النائيني (رحمه الله).
ومقصودنا من الاستصحاب التعلقي الذي كانت الشهرة مع جريانه ثم تحولت إلى البناء على عدم جريانه هو الاستصحاب التعليقي في الأحكام، وأما الإستصحاب التعليقي في الموضوعات أو متعلَّقات الأحكام فهو بحث آخر، وتصويره لا يختلف عن تصوير الإستصحاب التعليقي في الأحكام، إذ كلاهما متقوم بإحراز قضية تعليقية في مرحلة سابقة ثم وقوع الشك ففي بقائها بسبب انتفاء خصوصية محتملة الدخل في موضوع القضية التعليقية، غايته انَّ الجزاء في القضية التعليقية تارة يكون حكماً شرعياً وحينئذ يكون استصحابها استصحاباً للحكم المعلَّق، وتارة يكون موضوعاً لحكم شرعي أو متعلقاً لحكم شرعي وعندئذ يكون الاستصحاب التعليقي موضوعياً.
مثلا: لو كان المكلَّف لابساً ثوباً يُحرز انها ليست من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، فعندئذ يتمكن من تشكيل قضية تعليقية حاصلها (لو وقعت الصلاة منه لكانت في غير ما لا يؤكل لحمه).
ثم لو صلَّى في ثوب مشكوك فهل له ان يستصحب تلك القضية التعليقية وهي (انَّه لو وقعت منه الصلاة لكانت في غير ما لا يؤكل لحمه).
وتلاحظون ان منشأ الشك هو انتفاء خصوصية هو انتفاء خصوصية كانت محرزة وهي انَّ الثوب التي كان متلبساً بها لم تكن من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، واما ماهو متلبس به فعلا فهي ثوب لا يُحرز انَّها مما لا يوكل لحمه.
وحينئذ لو كنا نقول بجريان الإستصحاب التعليقي في الموضوعات فإن النتيجة هي ببقاء القضية التعليقية في ظرف الشك.
[1] (http://www.dogomr.info/vb/#_ftnref1)- مستدرك الوسائل: باب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 4.
[2] (http://www.dogomr.info/vb/#_ftnref2)- الوسائل: باب 44 من أبواب النجاسات الحديث 1.
تقبلوا تحيتي
بسم الله
اختي الكريمة
السلام عليكم ورحمة الله
صحيح ان هذا المنتدى باسم الحوزة ولكن يدخله الجميع
فكان ينبغي عليكم حين الكتابة لا تكتبون بلغة العلماء الجافة
وخصوصا ان موضوعكم بصدد التعريف وينبغي ان يكون المعرف اجلى من المعرف
فلو بسطتم الموضوع وضربتم الامثلة بطريقتكم لا بطريقة العلماء الاختصاصية
علما اني قرءت الشئ اليسير ولم استقضي الموضوع فلم اتابعة من البداية وهو الان طويل
تقبلو نصحي ومروري
الحوزويه الصغيره
15-08-2011, 12:03 AM
بسم الله
اختي الكريمة
السلام عليكم ورحمة الله
صحيح ان هذا المنتدى باسم الحوزة ولكن يدخله الجميع
فكان ينبغي عليكم حين الكتابة لا تكتبون بلغة العلماء الجافة
وخصوصا ان موضوعكم بصدد التعريف وينبغي ان يكون المعرف اجلى من المعرف
فلو بسطتم الموضوع وضربتم الامثلة بطريقتكم لا بطريقة العلماء الاختصاصية
علما اني قرءت الشئ اليسير ولم استقضي الموضوع فلم اتابعة من البداية وهو الان طويل
تقبلو نصحي ومروري
وعليكم السلام والرحمة والبركه
أخي الكريم ( معد ) ..
شكرا لمرورك بمتصفحي المتواضع , وأود ان اوضح لك لقد ذكرت في مشاركه سابقه ان هذا الموضوع ليس من كتاباتي الشخصيه أنما هو مجرد نقل ما ورد في كتاب المعجم الأصولي لشيخ صنقور ..
حيث انه كتاب مهم لطلاب العلوم الأسلامية والباحثين فيها ليستفيدوا منه .
مبارك لكم ميلاد سبط الرسول الإمام المجتبى عليه السلام
نسألكم الدعاء
يسم الله
وفقتم لكل خير والدال على الخير كفاعله
خادم الشيعة
15-11-2011, 10:00 PM
الله يوفق كل السادة والعلماء ويجعلنا الله معاهم دنيا وآخرة تحياتي
أبوهبه
11-03-2012, 11:03 AM
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى آبائه)في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً وهب لنا رأفته ورحمته ودعائه وخير برحمتك يا أرحم الراحمين
بارك الله فيكم وجزاكم الله خير جزاء المحسنين ووفقكم الله لما هوخير وصلاح ولكل من يتفقه في الدين
خادم الزهراء2
03-05-2012, 06:49 PM
وفقكم الله وسدد خطاكم على الموضوع الجيد والمفيد ، لكي تعم الفائدة نشرناه في منتدى مدرسة الامام الحسين (ع)
http://alhussain-sch.org/forum/showthread.php?1313-%E3%D5%D8%E1%CD%C7%CA-%C7%D5%E6%E1%ED%C9-%28%C7%D5%C7%E1%C9-%C7%E1%C7%C8%C7%CD%C9-%29&p=2479#post2479
الحوزويه الصغيره
03-05-2012, 11:07 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم ياكريم
الأخوة الكرام / معد - خادم الشيعة - أبو هبه - خادم الزهراء2
شكرا لمروركم الطيب ولتعقيبكم .
أخي خادم الزهراء لا بأس بنشر الموضوع
موفقين لكل خير ان شاء الله
تحيتي
خادم الزهراء2
04-05-2012, 01:11 AM
شكرا لكم اخي العزيز وفقكم الله
الحوزويه الصغيره
04-05-2012, 06:34 PM
شكرا لكم اخي العزيز وفقكم الله
الشكر لله .. دمتم موفقين ومسددين لكل خير
تحيتي
خادم الزهراء2
16-05-2012, 08:30 PM
الاخ العزيز المشرف على منتدى الحوزة العلمية نشكرك الشكر الجزيل على موضوعاتك الجيدة حقا لقد افدتنا وفقكم الله ، اخي العزيز لقد نسختك موضوعاتك في منتدى مدرسة الامام الحسين
(ع) للفائدة العامة لا غير ارجوا ان تسمحونا
الحوزويه الصغيره
17-05-2012, 01:19 AM
الاخ العزيز المشرف على منتدى الحوزة العلمية نشكرك الشكر الجزيل على موضوعاتك الجيدة حقا لقد افدتنا وفقكم الله ، اخي العزيز لقد نسختك موضوعاتك في منتدى مدرسة الامام الحسين
(ع) للفائدة العامة لا غير ارجوا ان تسمحونا
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
اهلا بكم أخي خادم الزهراء2 , انرتم الموضوع بمروركم الطيب .
و اشكركم لمتابعتكم لما نطرحه , اما بالنسبة لنسخ المواضيع فلك مطلق الحرية ومسامح في ذلك لتعم الفائدة للجميع ولا بأس بذكر المصدر مراعاة للأمانه .
سائلين المولى تعالى التوفيق لكم ولنا
تحيتي
الحوزويه الصغيره
17-05-2012, 01:28 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد
بما ان الموضوع ( معجم الأصول ) لاقى اهتمام رواد قسم الحوزة العلمية فسأحاول في الأيام المقبلة ان اكمل ما بدأته من نقل لما جاء في هذا الكتاب القيم ..
تمنياتنا لكم بطيب الفائدة
تحيتي
خادم الزهراء2
17-05-2012, 07:03 PM
شكرا لكم ، وفقكم الله ، في ميزان حسناتكم
الحوزويه الصغيره
23-05-2012, 02:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
الإستصحاب التنجيزي
يطلق الإستصحاب التنجيزي على الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية إذا كان منشأ الشبهة هو الشك في سعة دائرة الحكم المجعول مع افتراض وجود يقين سابق بفعلية الحكم المجعول ثم طرأ الشك في بقائه بسببه انتفاء بعض الخصوصيات المحتمل دخلها في فعلية الحكم المجعول.
ومثاله: مالو كنا نحرز انَّ الماء المتغير بالنجاسة متنجِّس، واتفق ان أحرزنا تغيُّر هذا الماء بالنجاسة، فإنَّه لا محالة يحصل القطع بتنجُّس الماء، ثم انَّه لو اتفق ان زال التغيُّر عن الماء بنفسه واحتملنا انَّ تنجُّس الماء المتغير بالنجاسة انَّما هو في ظرف التغيُّر الفعلي فإنَّه لا محالة يحصل الشك في بقاء فعلية التنجس للماء، وحينئذ يجري استصحاب بقاء فعلية التنجُّس للماء، وهذا الإستصحاب هو المعبَّر عنه بالإستصحاب التنجيزي.
وتلاحظون انَّ منشأ الشك هو الجهل بسعة دائرة الحكم المجعول وهل انَّ موضوعه هو التغيُّر الفعلي بحيث لو زال التغيُّر عنه لارتفعت النجاسة أو انَّ موضوعه هو حدوث التغيُّر حتى لو زال بعد ذلك، فلو كان الاول لكانت النجاسة مرتفعة حتماً في الفرض المذكور، ولو كان الثاني لكانت النجاسة باقية إلاّ انَّه لمَّا لم نكن نحرز ماهي حدود دائرة موضوع الحكم وقع الشك في بقاء الفعلية بعد زوال التغيُّر، وهنا يجري استصحاب بقاء الفعليَّة المعبَّر عنه بالاستصحاب التنجيزي.
ولمزيد من التوضيح راجع الإستصحاب التعليقي.
ثم انَّ الاستصحاب التنجيزي قد يطلق على الاستصحاب الجاري في الشبهات الموضوعية والتي يكون مآل الشك فيها إلى الشك في بقاء فعلية الحكم بسبب اشتباه الامور الخارجية.
تحيتي
الحوزويه الصغيره
07-07-2012, 08:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم ياكريم
الإستصحاب السببي والمسبَّبي …
المراد من الإستصحاب السببي هو الإستصحاب الواقع في رتبة الموضوع ويترتب على جريانه تنقيح موضوع لحكم من الأحكام.
ومنشأ التعبير عنه بالسببي هو انَّ الإستصحاب الواقع في رتبة الموضوع دائماً يكون سبباً في ترتب الحكم كما هو الحال في سائر موضوعات الأحكام، ولهذا قالوا انَّ الموضوع مولِّد للحكم، فاستصحاب العدالة لزيد مثلا منقِّح لموضوع جواز الإئتمام به، إذ بالاستصحاب ثبت الموضوع وبثبوته يترتب الحكم بجواز الإئتمام، ومن هنا تعنون هذا الإستصحاب بعنوان السببي.
ثم لا يخفى عليك انَّ الإستصحاب السببي لا يختص بالموضوعات بل يشمل الحكم الشرعي كما يشمل عدمه، والضابطة فى كلُّ ذلك هو ان يكون المستصحب واقعاً في رتبة الموضوع لحكم من الأحكام بقطع النظر عن انَّ الواقع في رتبة الموضوع موضوعاً خارجياً أو حكماً شرعياً أو عدم حكم شرعي، فاستصحاب الطهارة الحدثية استصحاب سببي لو كان الأثر المراد ترتيبه عليه حكماً من الأحكام الشرعية مثل جواز الدخول في الصلاة، كما انَّ استصحاب عدم الملكية - والذي هو عدم حكم شرعي - استصحاب سببي باعتباره واقعاً في رتبة الموضوع لحرمة التصرُّف بغير إذن المالك.
وأما الإستصحاب المسببي فهو الواقع في رتبة الحكم ولا ينتج عنه سوى ثبوت الحكم المستصحب فليس له الصلاحية لإثبات موضوعه، إذ انَّ الأحكام لا تنقِّح موضوعاتها بخلاف العكس، ولهذا سُمِّي هذا النحو من الاستصحاب بالمسببي، أي باعتبار ترتبه على ثبوت موضوعه، ولهذا يكون الشك في مورده مسبباً عن الشك في ثبوت موضوعه، فكلُّ مستصحب يكون الشك فيه مسبباً عن الشك في موضوعه فالإستصحاب في ذلك المورد مسبَّبي.
والمراد من السببيَّة هي السببيَّة الشرعية والتي تعني اعتبار الشارع شيئاً موضوعاً لحكم شرعي، وحينئذ متى ما تحقق السبب الشرعي (موضوعات الاحكام) ترتب عليه الحكم من غير فرق بين ان يكون هذا التحقق للموضوع ثابتاً بالوجدان أو بالتعبد أي الأمارة أو الاصل، ولا معنى عندئذ لاستصحاب المسبب، إذ انَّ المسبب وهو الحكم الشرعي مجعول بحسب الفرض على موضوعه المقدَّر الوجود، ونحن انَّما نشك في وجوده بسبب الشك في وجود موضوعه، فمتى ما ثبت لنا تحقق موضوعه - بأي نحو من انحاء الإثبات - ترتَّب عن ذلك ثبوت الحكم الواقع موقع الكبرى الثابتة بواسطة الدليل.
مثلا لو قام الدليل على انَّ الزواج من ذات العدَّة حرام، فإنَّه لا معنى للشك في هذه الكبرى الكلية، نعم قد يقع الشك في جواز الزواج من هذه المرأة، وذلك بسبب احتمال كونها في العدة، فعندما يثبت لنا انَّها في العدة بواسطة الوجدان أو التعبد فإنَّ ذلك يُنقِّح صغرى الدليل الشرعي القاضي بحرمة الزواج من ذات العدَّة، وعندها تترتب الحرمة بلا حاجة إلى توسط شيء آخر، فترتُّب الحكم الشرعي هنا مسبب عن ثبوت موضوعه.
وبهذا اتَّضح المنشأ للتعبير عن الإستصحاب المنقِّح لموضوع الحكم بالاستصحاب السببي، واتضح أيضاً منشأ التعبير عن الاستصحاب للحكم بالاستصحاب المسببي وانَّ وقوعه في رتبة الحكم يقتضي ان يكون ثبوته مسبَّباً عن ثبوت موضوعه والشك فيه مسبب عن الشك في ثبوت موضوعه.
ثم انَّ نتيجة الإستصحاب السببي قد تنافي نتيجة الاستصحاب المسبَّبي وقد لا يكون بينهما تناف.
ومثال الاول: لو علم المكلَّف بطهارة ماء ثم شك في بقائه على الطهارة فإنَّ له ان يستصحب طهارته، ولو كان يعلم بوجوب الاغتسال ثم شك في بقاء الوجوب فإنَّ ذلك يقتضي استصحاب الوجوب، وهنا نقول: انَّه لو كان منشأ الشك في بقاء الوجوب هو طهارة الماء الذي اغتسل به فإنَّ استصحاب الوجوب يكون مسبَّبياً باعتبار انَّه نشأ عن الشك في الموضوع، ويكون استصحاب طهارة الماء سببياً باعتباره واقعاً في
رتبة الموضوع وانَّ الشك في الطهارة هو السبب في الشك في بقاء
الوجوب.
وتلاحظون انَّ مقتضى الاستصحاب السببي هو ثبوت الطهارة، وهذا ينتج عدم وجوب الإغتسال، وان مقتضى الإستصحاب المسبَّبي هو وجوب الاغتسال، فنتيجة الإستصحابين متنافية.
وفي مثل هذا الفرض لم يختلف أحد في تقديم الاستصحاب السببي على الإستصحاب المسبَّبي وان اختلفوا في كيفية تخريج ذلك صناعياً، والذي ذكره السيد الخوئي (رحمه الله) في بعض كلماته انَّ منشأ التقديم هو ان الاستصحاب السببي ينقِّح صغرى الدليل الشرعي، وبضمها مع الكبرى الثابته بواسطة دليلها لا يكون هناك معنىً لجريان الإستصحاب المسبَّبي إذ لا شك في مورده تعبداً.
وبيان ذلك: انَّ الكبرى في مثالنا هي عدم وجوب الإغتسال على من اغتسل بالماء الطاهر وهذه الكبرى لا موقع للشك من جهتها لافتراض ثبوتها بواسطة دليلها، وأمّا الصغرى فهي انَّ هذا المكلَّف قد اغتسل بالماء الطاهر.
وثبوت هذه الصغرى يتم بواسطة أمرين أحدهما وجداني والآخر تعبدي، أما الاول فهو انَّ المكلَّف يُحرز وجداناً انَّه اغتسل، وأما الثاني فهو الذي يتم بواسطة الإستصحاب السببي والذي هو استصحاب طهارة الماء، فبضم الوجدان إلى التعبُّد نستنتج انَّ المكلَّف قد اغتسل بالماء الطاهر، وعندئذ لا يكون ثمة معنىً للشك في وجوب إعادة الغسل، إذ انَّ الشك في وجوب الإغتسال مسبَّب عن الشك في طهارة الماء الذي اغتسل به والاستصحاب السببي يثبت طهارة الماء.
وهناك تقريب آخر ذكره السيد الخوئي تبعاً للمحقِّق النائيني (رحمهما الله) وهو انَّ الأصل السببي حاكم على الأصل المسبَّبي، بمعنى انَّ الإستصحاب السببي يُلغي الشك في مورد الاستصحاب المسبَّبي، وذلك لأنَّ استصحاب طهارة الماء يُلغي الشك في وجوب اعادة الإغتسال.
ومثال الثاني: وهو مالو كانت نتيجة الإستصحابين غير متنافية، هو مالو علم المكلف بأن هذه المرأة في العدَّة ثم شك في انقضاء العدَّة عنها فإنَّ الاستصحاب يقتضي التعبُّد ببقائها في العدَّة، فهنا الاستصحاب قد نقَّح موضوعاً لحكم شرعي هو حرمة الزواج من هذه المرأة، فالإستصحاب ببقاء العدَّة صار سبباً لترتب حكم شرعي هو الحرمة.
ثم انَّه لو جعلنا متعلَّق اليقين والشك هو حرمة الزواج من هذه المراءة فإنَّ نتيجة الإستصحاب هي الحرمة، وتلاحظون انَّ هذا الاستصحاب واقع في رتبة الحكم والشك فيه مُسبَّب عن الشك في الموضوع وهو الشك في بقاءالمرأة على عدَّتها ونتيجته هي ما تقتضيه نتيجة الاستصحاب السببي.
ثم انَّ الكلام يقع في أيِّ الإستصحابين هو المقدَّم، والمعروف بينهم هو تقديم الإستصحاب السببي، بتقريبات منها ما ذكرناه في الفرض الاول.
تحيتي
الحوزويه الصغيره
07-07-2012, 08:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم ياكريم
إستصحاب الصحة عند الشك في المانع
إستصحاب الصحة عند الشك …
المراد من الصحة هو التمامية وهي تتحقق بمجموع الاجزاء والشرائط المأخوذة في المركب المأمور به، والمراد من المانع هو كلّ شيء اُخذ عدمه في المأمور به، فحينما يُقال (لا تصلِّ فيما لا يؤكل لحمه) فإنَّ هذا النهي يُرشد إلى مانعية الكون في جلد غير مأكول اللحم للمركَّب العبادي وهي الصلاة.
ويقع البحث في المقام عن جريان استصحاب الصحة عندما يقع الشك في بقائها بسبب الشك في تحقق المانع، وهذا الشك تارة يكون بنحو الشبهة الحكمية واخرى بنحو الشبهة الموضوعية.
أما الشك بنحو الشبهة الحكمية: فهو مالو كان منشأ الشك في الصحة هو الشك في اعتبار الشارع المانعية لشيء، ومثاله مالو وقع التنحنح من المكلَّف أثناء الصلاة فشك في صحة الصلاة بسبب الشك في اعتبار الشارع التنحنح مانعاً عن صحة الصلاة، وهنا يقع البحث عن جريان استصحاب الصحة الثابتة قبل عروض مشكوك المانعية (التنحنح).
وباتِّضاح ذلك نقول انَّ الشيخ الأنصاري (رحمه الله) ذهب إلى عدم جريان استصحاب الصحة في المقام، وذلك لعدم العلم بحدوثها، إذ من المحتمل اعتبار عدم التنحنح في الصحة، واذا كان كذلك فلا جزم لنا بتحقُّق تمام الأجزاء والشرائط، فلا يقين بحدوث الصحة إذ اليقين بحدوثها يساوق اليقين بتوفر الصلاة على تمام الأجزاء والشرائط والمفروض انَّنا نحتمل اعتبار عدم التنحنح في تحقق التمامية، وعندئذ كيف يُستصحب ما لا يقين بحدوثه.
قد يُقال انَّ الصحة المستصحبة هي الأجزاء الواقعة قبل عروض التنحنح.
إلا انَّه يقال: انَّ صحة الأجزاء المأتي بها قبل التنحنح لا شك فيها إلاّ انَّ هذه الصحة لا تعني أكثر من قابلية الأجزاء الماتي بها لأنْ تنضم اليها بقية الأجزاء فتتحقق بذلك التمامية، فهي إذن غير الصحة التي نبحث عن إمكان استصحابها، فالصحة التي هي محل البحث هي الصحة التي تعني التمامية وذلك لا يتحقق إلاّ بإحراز الواجدية لمجموع الأجزاء والشرائط، وأما الصحة الثابتة للأجزاء المأتي بها فهي الصحة التأهيلية وهي مما لا شك في بقائها.
فالنتيجة انَّ الصحة التي يُراد استصحابها لا يقين بحدوثها والتي لنا يقين بحدوثها لا شك في بقائها كما انها لا تنتج المطلوب، نعم يمكن إجراء الاستصحاب التعليقي لإثبات الصحة بمعنى التمامية، وذلك بأن يقال انَّ هذه الأجزاء المأتي بها قبل وقوع التنحنح لو انضمت اليها بقية الأجزاء لوقعت الصحة والآن بعد وقوع التنحنح كذلك، فالمستصحب هو هذه القضية التعليقية.
هذا هو حاصل ما أفاده الشيخ الانصاري (رحمه الله) إلا انه أفاد بعد ذلك بأنه يمكن إجراء استصحاب الصحة في مثل الفرض لو كان الشك من جهة القاطع.
وعرَّف القاطع: بالشيء الذي اعتبره الشارع قاطعاً وهادماً للهيئة الإتصالية، بحيث يكون وجوده موجباً لنقض الإتصال بين أجزاء المركب من غير فرق بين وقوعه حال الإشتغال بالأجزاء أو في الأكوان المتخللة بين أجزاء المركب، وهو مثل الحدث.
ومع اتِّضاح معنى القاطع - بنظر الشيخ الانصاري (رحمه الله) - نقول انَّه لو وقع الشك في قاطعية شيء فإنه يمكن استصحاب بقاء الصحة المحرزة قبل عروض محتمل القاطعية، وبهذا يكون مذهب الشيخ (رحمه الله) هو التفصيل بين الشك من جهة المانع والشك من جهة القاطع.
وقد استوجه المحقق النائيني والسيد الخوئي (رحمهما الله) ماذكره الشيخ من عدم جريان الاستصحاب في الصحة عند الشك في المانع إلاّ انهما لم يقبلا دعواه في جريان الاستصحاب عندما يكون الشك من جهة القاطع.
وأما الشك من جهة الشبهة الموضوعية: فالمتصوَّر في موردها صورتان:
الصورة الاولى: الشك في تحقق المانع مع العلم بمانعيته كبروياً، كما لو كنا نحرز مانعية التكفير إلاّ انَّ الشك وقع من جهة تحقق التكفير خارجاً أو عدم تحققه.
…
الصورة الثانية: الشك في مانعية الموجود، كما لو كنا نحرز مانعية التكفير كبروياً، ونحرز صدور فعل منا إلاّ انَّه نشك انَّ الذي صدر هل هو تكفير أو لا، فالشك في الصورة الاولى شك بمفاد كان التامة أي الشك في أصل تحقق الوجود للمانع، وأما الشك في الصورة الثانية فهو شك بمفاد كان الناقصة أي الشك في اتصاف الموجود بما هو محرز المانعية كبروياً، كالشك في اتصاف الفعل الصادر عنه بالتكفير.
وفي كلا الصورتين لا مانع من الحكم بالصحة ولكن لا بواسطة استصحابها وانما بواسطة استصحاب عدم صدور المانع، بمعنى انَّ المكلف يشك في تحقق ما اعتبر عدمه في الصلاة وقد كان على يقين بعدم صدور ما اعتبر عدمه فعند الشك يستصحب عدم صدور ما اعتبر عدمه.
تحيتي
طاووس اهل الجنة
29-07-2012, 06:59 AM
في مبزان حسناتك ان شاء الله
الحوزويه الصغيره
04-09-2012, 02:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
استصحاب الفرد المردد
ليس المراد من الفرد المردد هو المردد بحسب الواقع ونفس الأمر، إذ لا نتعقل معنىً لذلك، فالمحتملات المتصورة لمعنى الفرد المردد واقعاً لا تخلو عن أحد معان أربعة وكلها مستحيلة:
المعنى الاول: ان يكون التردُّد من جهة الوجود والعدم بمعنى ان يكون الفرد المردد مردَّداً واقعاً بين الوجود والعدم، وهو مستحيل، إذ لا واسطة بين الوجود والعدم، فإما ان يكون الفرد بحسب الواقع موجوداً واما ان يكون في حيز العدم، وأما افتراض تردده بحسب الواقع بين الوجود والعدم فهذا معناه إرتفاع النقيضين في مورده، واستحالة ذلك من الوضوح بحيث لا يُتعقل ان يحتمله أحد.
المعنى الثاني: ان يكون التردُّد من جهة التشخُّص، بمعنى ان لا يكون للفرد المردد ما يشخصه واقعاً وفي نفس الأمر، وهذا ما أوجب نعته بالمردد، فهو مجرَّد من تمام المشخصات الزمانية والمكانية وغيرها.
وهذا مستحيل أيضاً، لأنَّ افتراض وجود الفرد المردد يساوق تشخصه، لأنَّ الشيء مالم يتشخص لا يُوجد.
المعنى الثالث: ان يكون التردد هو جهة التشخص للفرد المردد، فكما انَّ سائر الأفراد الموجودة لها ما يشخصها ويميزها فإنَّ ما يُشخص الفرد المردد ويميزه هو التردد، وهذا ما لا نفهم له معنىً محصلا، إذ انَّ التردد يباين التشخُّص فكيف يكون ما به التشخُّص مبايناً للتشخص.
المعنى الرابع: ان يكون التردُّد من جهة قابلية الفرد المردد للصدق على كثيرين، وهذا المعنى ان كان المراد منه الكلي فهو معنىً معقول لكنه غير مراد حتماً ولو كان مراداً فهو من سوء التعبير، وان كان المراد منه الجزئي بالحمل الشايع فهو مستحيل لأن الجزئي يمتنع فرض صدقه إلاّ على نفسه.
وبهذا اتضح انَّ الفرد المردد الذي نبحث عن امكان جريان الإستصحاب في مورده ليس المقصود منه الفرد المردد واقعاً، وانَّما هو الفرد المردد عند المكلَّف المتشخِّص في نفس الأمر والواقع.
وقد ذكروا له صورتين:
الصورة الاولى: هو القسم الثاني من استصحاب الكلِّي، وهو مالو علم المكلف بتحقُّق الكلِّي بواسطة فرده إلاّ انَّ هذا الفرد مردد بين فردين لو كان الاول لكان قد انتفى يقيناً، ولو كان الثاني فهو باق يقيناً.
ومثاله مالو علم المكلف بجامع الحدث بواسطة العلم بصدور إما حدث البول أو حدث الجنابة، فلو كان الصادر عنه هو حدث البول فهو مرتفع يقيناً، وذلك لافتراض توضأ المكلَّف بعد العلم بصدور جامع الحدث، ولو كان الصادر عنه هو حدث الجنابة فهو باق يقيناً.
وهنا ذكر الأعلام انَّ الذي يمكن استصحابه هو كلِّي الحدث باعتبار توفُّره على أركان الاستصحاب، إلاّ انَّه في مقابل ذلك ذكر بعض الأعلام امكانية استصحاب الفرد الواقعي المردد بين الفردين ولا حاجة لاستصحاب الكلِّي.
ولا يخلو كلامه من غموض، إذ انَّ مراده - كما أفاد المحقق النائيني - ان كان هو استصحاب الفرد الخارجي دون ملاحظة خصوصية الفردين والتي هي في المثال الجنابة والبول فهذا هو استصحاب الكلي، إذ انَّ تجريد الحدث عن خصوصية الجنابة وخصوصية البول تقتضي ان يكون المستصحب هو جامع الحدث، وان كان مراده استصحاب الفرد على تقدير خصوصيته الاولى واستصحابه على تقدير خصوصيته الثانية فهو ممتنع قطعاً لأنَّه على تقدير خصوصيته الاولى (حدث البول) منتف جزماً - كما هو الفرض - فلا شك في البقاء على تقدير هذه الخصوصية وعلى تقدير الخصوصية الثانية (حدث الجنابة) لا يقين بالحدوث.
الصورة الثانية: هي افتراض علم المكلَّف بجامع التكليف مثلا مع التردد فيما هو متعلَّقه واقعاً وهل هو الفرد الأول أو الفرد الثاني، ثم يحتمل ارتفاع الجامع بسبب احتمال عروض ما يوجب إرتفاع متعلِّقه الواقعي.
والفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة انَّ منشأ الشك في بقاء الجامع في الصورة الاولى هو الجزم بارتفاع أحد الفردين، وحينها لو كان هو المتعلّق واقعاً للجامع لكان الجامع قد ارتفع، ولمَّا لم نكن نحرز انَّه متعلَّق الجامع واقعاً أدى ذلك للشك في بقاء الجامع، وأما منشأ الشك في بقاء الجامع في هذه الصورة فهو احتمال عروض ما يوجب ارتفاع متعلَّق الجامع واقعاً، ومن هنا وقع الشك في بقاء الجامع.
ومثال هذه الصورة مالو علم المكلَّف بوجوب احدى الصلاتين، اما صلاة الطواف أو صلاة الآيات ثم احتمل ارتفاع الوجوب بسبب نسخ أو انتفاء الموضوع.
وهنا لا يمكن استصحاب الفرد المردد لو كان بمعنى استصحاب الفرد على تقدير خصوصيّته الاولى واستصحابه على تقدير خصوصيته الثانية، امَّا استصحابه بقطع النظر عن الخصوصيتين فهو استصحاب لجامع التكليف المعلوم تفصيلا.
والظاهر امكان استصحاب تنجُّز الفرد الاول واستصحاب تنجُّز الفرد الثاني.
الحوزويه الصغيره
04-09-2012, 02:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
الإستصحاب القهقرائي
وهو الذي يكون فيه المتيقن متأخراً عن المشكوك، فهو على خلاف طبع الإستصحاب، حيث يكون فيه متعلَّق اليقين متقدماً على متعلَّق الشك، فأولا يكون المكلَّف متيقناً بوجود الشيء ثم يعرض له الشك في بقائه، أما الإستصحاب القهقرائي فهو على عكس ذلك تماماً، إذ انَّ الحالة المتأخرة عند المكلَّف - في مورده - هي اليقين ويُراد منه اسراء حالة اليقين الثابتة فعلا إلى حالة الشك الثابتة في الزمن السابق.
مثلا: لو كان المكلَّف على يقين فعلي بعدالة زيد إلاّ انَّه يشك في اتِّصافه بالعدالة قبل شهر، اِذ لو كان عدلا قبل شهر لكان الطلاق الذي اُوقع أمامه في ذلك الوقت صحيحاً.
والظاهر انَّه لم يختلف أحد في عدم حجية هذا النحو من الاستصحاب، إلاّ ما نُسب إلى الاُستاذ الشريف أو بعض تلامذته - كما ذكر ذلك المحقق النائيني (رحمه الله) - وذلك لعدم شمول أدلة الحجية للإستصحاب لهذا الفرض، إذ لا يكون نقض اليقين بالشك المنهي عنه في أدلة الإستصحاب متحققاً في هذا الفرض، وعندها لا يجري الإستصحاب لاعتبار ذلك في جريانه.
ثم انَّ هناك حالة ذكر جمع من العلماء جريان الإستصحاب القهقرائي في موردها وهي مالو اتفق اليقين بظهور لفظ في معنى إلاّ انَّه وقع الشك في انَّ هذا الظهور الفعلي هل هو كذلك في زمن صدور النص مثلا أو لا بأن كان اللفظ ظاهراً في معنىً آخر ثم انتقل منه إلى المعنى الظاهر فعلا.
فالإستصحاب القهقهرائي يثبت به ان ظهور اللفظ في زمن النص هو ما عليه الظهور فعلا، مثلا لو كنَّا نحرز انَّ لفظ الصعيد ظاهر في مطلق وجه الارض إلاّ انَّا نشك فيما هو المعنى الظاهر من لفظ الصعيد في زمن النص وهل هو ما عليه الظهور الفعلي أو انَّه كان ظاهراً في معنىً آخر ثم انتقل بتمادي الزمن إلى المعنى الذي عليه الظهور الفعلي، وبالإستصحاب القهقرائي نسرِّي اليقين الثابت فعلا إلى زمن الشك المتقدم.
الاّ انَّ السيد الصدر (رحمه الله) ذكر انَّ ذلك لا يثبت بواسطة الإستصحاب القهقهرائي وانَّما يثبت بواسطة أصالة الثبات، والتي هي من الاصول العقلائية، ولمزيد من التوضيح راجع عنوان أصالة الثبات.
الحوزويه الصغيره
04-09-2012, 02:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
الإستصحاب الكلِّي
الإستصحاب - كما ذكرنا في أقسامه - قد يكون جزئياً وقد يكون كلياً، والتعرُّف على الفرق بينهما يتم بملاحظة المستصحب، فمتى ما كان المستصحب جزئياً فالإستصحاب في مورده جزئي، ومتى ما كان المستصحب كلياً فالإستصحاب عندئذ كلِّي، فالتقسيم في المقام بلحاظ المستصحب.
ثم انَّه قد يكون المستصحب الكلي حكماً شرعياً كما قد يكون موضوعاً لحكم شرعي، فالاول من قبيل طبيعي الوجوب وجامع الحكم التكليفي الأعم من الوجوب والإستحباب أو جامع الحكم الإلزامي الأعم من الحرمة والوجوب، والثاني مثل جامع الحدث الأعم من الحدث الأكبر والأصغر.
ثم انَّه لا فرق في المستصحب الكلِّي بين ان يكون من قبيل العناوين المتأصلة كالجواهر والأعراض أو من قبيل الإعتبارات كالاحكام الشرعيَّة التكليفية والوضية أو من قبيل العناوين الإنتزاعية والتي تنتزع من اضافة شيء لآخر.
ثم انَّ المصحح لجريان الإستصحاب الكلِّي أمران:
الأول: ان يكون المستصحب كلياً، بمعنى انَّ الذي تواردت عليه حالتا اليقين والشك هو الكلِّي.
الثاني: ان يكون لاستصحابه بعنوانه الكلِّي أثر شرعي، فلو لم يكن الأثر الشرعي مترتباً على المستصحب بعنوانه الكلِّي فإنَّ الإستصحاب الكلِّي لا يجري في مورده.
مثلا: لو كان المكلف على يقين بجامع الحدث الأعم من الأكبر والأصغر ثم شك بعد ذلك في بقائه فليس له ان يستصحب جامع الحدث لو كان الأثر الذي يريد ترتيبه مختصاً بالحدث الأكبر كحرمة المكث في المسجد أو عبور أحد المسجدين المعظمين، وذلك لانَّ الحدث الأكبر بخصوصه - والموجب لهذا الأثر الخاص - لم يكن متيقناً وانَّما المتيقن هو الجامع الأعم منه ومن الحدث الأصغر.
وهذا بخلاف مالو كان الأثر مترتباً على الأعم منهما، فإنَّه لا ريب في صحة جريان استصحاب الكلِّي لترتيب ذلك الأثر، مثلا: لو كان الاثر من قبيل مس كتابة القرآن المجيد أو الدخول في الصلاة أو الطواف الواجب فإنَّ استصحاب جامع الحدث يُنتج عدم صحة الدخول في الصلاة وكذلك بقية الآثار المشتركة.
ثم انَّ الشيخ الانصاري (رحمه الله) وتبعه الشيخ صاحب الكفاية (رحمه الله) قسموا الإستصحاب الكلِّي إلى ثلاثة أقسام وأضاف السيد الخوئي (رحمه الله) قسماً رابعاً:
القسم الاول: ان يُفترض تحقق العلم بوجود الكلِّي وذلك بواسطة العلم بوجود فرده ثم يقع الشك في بقاء ذلك الفرد وهذا يقتضي الشك في بقاء الكلِّي، إذ انَّ الشك في انتفاء الفرد ملازم في هذا الفرض للشك في انتفاء الكلِّي، وذلك لأن العلم بالكلِّي نشأ - كما هو الفرض - عن العلم بوجود فرده.
ومثاله: مالو علم المكلَّف بأنه رزق غلاماً ذكراً (هو زيد) ولم يكن قد رزق قبله بمولود فهنا يحصل له العلم بوجود جامع الولد له، ثم لو شك في بقاء ولده زيد فإنَّ ذلك يساوق الشك في بقاء كلِّي الولد.
وعندئذ ان كان الأثر الشرعي مترتباً على بقاء زيد الولد بعنوانه الشخصي فإنَّ الذي يجري هو الإستصحاب الشخصي دون الكلِّي، مثلا لو كان الأب قد نذر ان يعقَّ عن ولده زيد في اليوم السابع فإنَّ الاستصحاب الجاري عند الشك في البقاء انَّما هو الإستصحاب الشخصي، وذلك لانَّ الأثر الشرعي وهو وجوب العقيقة في اليوم السابع انَّما هو مترتب على بقاء زيد الولد لا انَّه مترتب على كلِّي الولد، نعم لو كان الاثر المراد ترتيبه هو وجوب النفقة فإنَّ الإستصحاب الجاري حينئذ هو الإستصحاب الكلِّي، وذلك لأن موضوع هذا الأثر هو وجود كلِّي الولد.
القسم الثاني: ان يُفترض تحقق العلم بوجود الكلِّي في ضمن فرد غير متشخِّص - فيكون الكلِّي وكذلك الفرد محرز الوجود، غايته انَّ الفرد المحرز الوجود مجهول الهويَّة - ثم بعد ذلك أحرزنا إرتفاع فرد معين إلاّ انَّه وقع الشك من جهة انَّ الفرد المنتفي هل هو الواقع في ضمن الكلي حتى ينتفي مع ارتفاعه الكلِّي أو انَّه لم يكن الواقع في ضمن الكلِّي، وهذا ما سبَّب الشك في بقاء الكلِّي.
ومثاله: مالو علم المكلَّف بصدور كلِّي الحدث منه الاّ انَّه لم يكن يعلم انَّ الحدث الصادر عنه هل هو في ضمن حدث البول أو الجنابة، ثم انَّه لو توضأ بعد ذلك فلا محالة يقع الشك منه في بقاء كلِّي الحدث، إذ لو كان الحدث الذي صدر منه هو حدث البول فقد ارتفع يقيناً ولو كان الحدث الصادر منه هو الجنابة فهو باق يقيناً، ولمَّا لم يكن يعلم بهويَّة الفرد الواقع في ضمن كلِّي الحدث أوجب ذلك الشك في بقاء كلِّي الحدث.
وبهذا يتضح انَّ الذي يمكن استصحابه في هذا القسم هو الكلي فحسب ولكن شريطة ان يكون لاستصحابه أثر شرعي كما في المثال حيث انَّ لاستصحاب جامع الحدث أثراً شرعياً وهو حرمة مس كتابة القرآن الكريم والدخول في الصلاة والطواف الواجب، إذ ان ذلك من آثار كلِّي الحدث الأعم من الأكبر والاصغر.
وأمّا استصحاب الجزئي فلا يمكن جريانه في هذا القسم - كما ذكرنا - وذلك لأن مورده مردد بين ماهو معلوم الإرتفاع وهو حدث البول - كما في المثال - وبين ماهو مشكوك الحدوث وهو حدث الجنابة.
ومن هنا لا يمكن ترتيب الآثار المختصة بأحدهما، فلا يمكن الحكم بحرمة المكث في المسجد والذي هو أثر شرعي للحدث الأكبر، كما انَّ الاثر الخاص بالحدث الاصغر لو اتفق لا يمكن ترتيبه لو كان الأكبر هو المعلوم الإرتفاع.
القسم الثالث: ان يُفترض تحقق العلم بالفرد وهذا يقتضي تحقق العلم بوجود الكلِّي الواقع في ضمن الفرد ثم انَّه لو حصل العلم بارتفاع الفرد إلاّ انَّه نحتمل بقاء الكلِّي ضمن فرد آخر كان موجوداً قبل إرتفاع الفرد الاول أو انَّ الفرد الآخر حدث ساعة انتفاء الفرد الاول المعلوم الحدوث.
ومثاله: مالو علم المكلَّف بصدور حدث البول منه، فهو حينئذ يعلم بصدور كلِّي الحدث، ثم لو أحرز ارتفاع حدث البول بواسطة الوضوء إلاّ انَّه احتمل طروء حدث الجنابة له قبل إرتفاع حدث البول أو ساعة ارتفاعه، فهو حينئذ وان كان يقطع بارتفاع حدث البول إلاّ انَّه لا يقطع بارتفاع كلِّي الحدث لاحتمال طرو حدث الجنابة عنه قبل ارتفاع حدث البول أو حين ارتفاعه بحيث لم يتخلل وقت لم يكن محدثاً.
وهنا يقع البحث عن امكان إجراء استصحاب الكلِّي باعتبار انَّ كلِّي الحدث كان متيقناً ثم وقع الشك في بقائه.
هذه هي الأقسام الثلاثة التي ذكرها الشيخ الانصاري (رحمه الله) وأضاف اليها السيد الخوئي قسماً رابعاً وهو:
القسم الرابع: هو مالو اُحرز وجود فرد معين ومشخَّص، وهذا يستوجب إحراز وجود الكلِّي في ضمنه، واتفق ان كان هناك علم بفرد متعنون بعنوان معين إلاّ انَّه لا ندري انَّ هذا الفرد ذو العنوان هل هو عينه الفرد الاول أو انَّه فرد آخر، ثم لو حصل العلم بارتفاع الفرد الاول المعين فإنَّه يقع الشك في بقاء الكلِّي، لأنَّه ان كان الفرد ذو العنوان هو عينه الفرد الاول فهذا يعني ارتفاعه قطعاً وبه يرتفع الكلِّي ايضاً، وان كان الفرد ذو العنوان مغايراً للفرد الاول فهذا يعني بقاء الكلِّي جزماً في ضمن الفرد ذي العنوان، ولمَّا لم نكن نحرز انطباق الفرد ذي العنوان على الفرد الاول يقع الشك في بقاء الكلِّي.
ومثاله: مالو علم المكلَّف بغرق ولده زيد فهو اِذن يعلم بغرق إنسان، ولو اتفق ان علم أيضاً بغرق شاب إلاّ انَّه لم يُحرز انَّ هذا الشاب هو ابنه زيد أو انّه فرد آخر.
ثم انَّ هذا المكلَّف لو انقذ ولده من الغرق فإنَّه يظلُّ محتملا لبقاء كلِّي الإنسان في حالة الغرق، وذلك لاحتمال ان يكون عنوان الشاب المعلوم كونه في حالة الغرق هو فرد آخر غير ولده الذي أنقذه، وحينئذ يقع البحث في جريان استصحاب الكلِّي في هذا الفرض.
الحوزويه الصغيره
04-09-2012, 02:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
استصحاب المفهوم المردد
والمفهوم المردد هو الكلِّي الذي يدور معناه بين معنيين متباينين أو بين معنيين أحدهما أوسع دائرة من الآخر.
ومثال الاول: مالو قال المولى (ذات القرء لا يصح طلاقها) فإنَّ القرء مردد بين معنيين متباينين، فإمَّا ان يكون المراد منه الطهر أو يكون المراد منه الحيض.
ومثال الثاني: عدم جواز الصلاة خلف الفاسق، فإن مفهوم الفاسق مردد بين مرتكب الكبيرة والصغيرة، وهذا يقتضي ضيق دائرة المفهوم، وبين مرتكب الكبيرة فحسب.
أما في حالات دوران المفهوم بين متباينين وعدم وجود قدر مشترك بينهما فلا مجال للإستصحاب، لأن الأثر الشرعي المترتب على المفهوم المردد لا نحرز ترتُّبه على المعنى الاول ولا على المعنى الثاني.
فلو علمنا بتحيض المرأة ثم شككنا في بقائها على حدث الحيض، فهنا لا يمكن استصحابه حدث الحيض لترتيب الأثر الثابت لمفهوم القرء وهو صحة الطلاق، وهكذا لو كانت الحالة السابقة هي الطهر.
نعم لو كان الأثر الشرعي مترتباً على عدم القرء فإنَّه يمكن استصحاب لترتيب أثره الشرعي.
وأما في حالات دوران المفهوم بين الأقل والأكثر، فلو كان القدر المتيقن - وهو الأكثر - محرزاً ثم شك في بقائه فإنه لا مانع من استصحابه لترتيب الأثر الشرعي المترتب على المفهوم المردد، كما لو كنا نحرز عدالة زيد على كلا تقديري المراد من مفهوم العدالة ثم شك في بقاء هذا المقدار من العدالة.
أما لو كان الأقل هو المحرز ثم شك في بقائه فحينئذ لا يمكن استصحابه لترتيب الاثر الشرعي المترتب على المفهوم المردد، لعدم إحراز تحقق المفهوم المردد، إذ لعلَّ الأكثر هو المراد من المفهوم المردد، فالشك في مورد الأقل شك في أصل الحدوث للمفهوم.
أما لو كان الأثر مترتباً على العدم فإنَّه لا مانع من جريانه لو كان العدم محرزاً ثم شك في ارتفاعه، كما لو كنا نحرز عدم عدالة زيد على كلا تقديري المراد من مفهوم العدالة ثم انَّ زيداً ترك ارتكاب الكبائر، فشككنا انَّ عدم العدالة هل ارتفع بذلك أو لا، فعندئذ نستصحب عدم العدالة.
ثم لا يخفى ان المقصود من ترتُّب الأثر على المفهوم المردَّد هو ترتُّبه على المفهوم المتعيِّن في نفس الأمر والواقع، وليس المقصود ترتُّبه على المفهوم المردد بعنوان كونه مردداً، فالتردُّد ليس هو موضوع الأثر الشرعي وانَّما نشأ عن جهل المكلَّف بما هو المراد الواقعي من المفهوم، فلم يؤخذ التردد في مفهوم الأثر الشرعي.
الحوزويه الصغيره
15-10-2012, 09:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
استصحاب حال الشرع
المراد منه استصحاب الحكم الأعم من الكلِّي والجزئي الثابت في الشريعة في ظرف الشك في بقائه، فالمستصحب في المقام هو الحكم الكلِّي والجزئي الأعم من الوضعي والتكليفي، وهذا بخلاف استصحاب حال العقل فإنَّ المستصحب في مورده هو نفي الحكم الشرعي التكليفي الإلزامي.
على انَّ المقصود من الاستصحاب في المقام هو الإستصحاب الإصطلاحي والذي يقتضي لزوم البناء على الحالة المتيقنة في ظرف الشك في بقائها، وهذا بخلاف استصحاب حال العقل فإنَّه بمعنى الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة العقلية من براءة ذمة المكلَّف عن التكليف غير المعلوم فهو تعبير آخر عن التمسُّك بالبراءة الأصلية.
ومنشأ التعبير باستصحاب حال الشرع هو انَّ المستصحب والذي هو الحالة السابقة المتيقنة ثبتت حكمها بواسطة الشرع، ويمكن ان يكون المنشأ لذلك هو انَّ المستصحب عبارة عن الحكم الشرعي، فحال الشرع هو الحكم الشرعي.
وكيف كان فقد ذكر صاحب الحدائق (رحمه الله) انَّ الإستصحاب يطلق - عند قدماء الاصوليين - على معان ثلاثة بالإضافة إلى استصحاب حال العقل والتي هي البراءة الأصلية.
الأول والثاني: هو استصحاب حكم العموم واستصحاب الإطلاق إلى ان يثبت المخصِّص والمقيِّد.
وعلَّق على هذين القسمين بأنهما ليسا من الإستصحاب في شيء وانَّهما يرجعان إلى التمسُّك باطلاق النص أو عمومه، فهما من الأدلة اللفظية الشرعية المحرزة.
ولعل هذا هو منشأ عدم تعرُّض الشيخ الطوسي (رحمه الله) في العدَّة وكذلك صاحب المعالم والفاضل التوني في الوافية لهذين القسمين.
الثالث: هو استصحاب الحكم الشرعي الثابت لمورد في حالة طروء ما يُوجب الشك في انتفاء الحكم عن ذلك المورد.
ومنشأ الشك تارة يكون اشتباه الامور الخارجية وهذا هو مورد استصحاب الحكم الجزئي أو قل الاستصحاب في الشبهات الموضوعية، وتارة يكون منشأ الشك هو احتمال ارتفاع الحكم وزواله بعد اليقين بثبوته، وهذا من استصحاب الحكم الكلي والذي هو من أقسام الشبهات الحكمية، وقد يكون منشأ الشك هو الجهل بحدود موضوع الحكم المجعول من حيث السعة والضيق، وهذا أيضاً من الاستصحاب في الشبهات الحكمية.
وكلُّ هذه الموارد داخلة في محلِّ النزاع عندهم كما هو المستظهر من كلماتهم بالتأمل، نعم المثال الذي عادة ما يقرِّبون به محلِّ النزاع هو ما ينقلونه عن بعض أصحاب الشافعي من انَّ المتيمم الفاقد للماء لو اتفق ان وجد الماء أثناء الصلاة، فهل يجب عليه المضي في الصلاة أو انَّ وجدان الماء يكون بمثابة الحدث المانع من المضي في الصلاة، وهنا يكون الإستصحاب مقتضياً للبناء على الحالة السابقة وهي وجوب المضي في الصلاة، وهذا الفرض انَّما يناسب استصحاب الحكم الكلِّي، وذلك لأن منشأ الشك هو الجهل بسعة دائرة موضوع الحكم المجعول كما أوضحنا ذلك تحت عنوان الإستصحاب في الشبهات الحكمية.
إلاّ انَّه لا يختص محلُّ النزاع بهذا المورد كما يُوضح ذلك تمثيلهم بمن تيقن الطهارة ثم شك في طروء الحدث وكذلك الشك في حياة الزوج بعد غيابه أو الشك في طهارة الثوب بعد العلم بطهارتها، فإنَّ هذه الأمثلة تناسب الإستصحاب في الشبهات الموضوعية.
وأما شمول محلِّ النزاع لموارد الشك في نسخ الحكم فهو مستفاد من بعض كلمات الفاضل التوني (رحمه الله).
وكيف كان فقد كان السائد بين قدماء الاصوليين هو تصنيف استصحاب حال الشرع في الأدلة العقلية، ومنشأ ذلك - بنظرهم - هو انَّ ثبوت الحكم في الحالة السابقة كاشف عن بقائه، وذلك لوجود المقتضي للحكم في ظرف الشك وليس شيء سوى الشك في صلاحية العارض للمنع عن ان يؤثر المقتضي أثره، والشك في صلاحيته لذلك يُساوق عدم صلاحيته للمنع عن ان يؤثر المقتضي المحرز أثره.
ثم انَّ هنا استصحاب يُعبَّر عنه باستصحاب حال الإجماع، وهو في الواقع من أقسام استصحاب حال الشرع، والمقصود منه الإشارة إلى مدرك الحكم الشرعي المستصحب وانَّه الإجماع، فالحكم الشرعي الثابت في حالة أو وقت بواسطة الإجماع إذا وقع الشك فيه في حالة لاحقة أو وقت آخر فإنَّ استصحابه يقتضي لزوم البناء على بقاء الحكم الشرعي الثابت بالإجماع.
الحوزويه الصغيره
15-10-2012, 09:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
استصحاب حال العقل
المراد من استصحاب حال العقل - كما هو المستظهر من عبائر صاحب الحدائق (رحمه الله) - هو البراءة الأصلية النافية للحكم الإلزامي (الوجوب والحرمة)، والتي يُعبَّر عنها بأصالة النفي وبأصالة براءة الذمة عن التكليف مالم يقم على ثبوته دليل، كما سنوضح ذلك في محلِّه.
وأما ماهو المستظهر من عبائر الفاضل التوني (رحمه الله) فهو انَّ استصحاب حال العقل يختلف عن البراءة الأصلية، وذلك بقرينة اعتبار استصحاب حال العقل قسيماً للبراءة الأصلية، نعم المراد من استصحاب حال العقل هو استصحاب البراءة الأصلية.
وما أفاده الفاضل التوني (رحمه الله) هو المناسب لكلمات قدماء الاصوليين - رغم اضطرابها ـ، إذ انَّ كثيراً منهم يصنِّفون الدليل العقلي إلى البراءة والاستصحاب - ويجعلون استصحاب حال العقل في أقسام الإستصحاب - وقد يُضيفون اليها الملازمات العقلية وكذلك غيرها.
وصاحب الحدائق (رحمه الله) وان كان قد ذكر هذا التصنيف وأفرد للإستصحاب عنواناً مستقلا عن البراءة الأصلية في المقدمة الثالثة إلاّ انَّه بعد ان ذكر أقسام الاستصحاب ذكر انَّ القسم الاول منها هو (استصحاب نفي الحكم الشرعي وبراءة الذمة منه إلى ان يظهر دليله) ثم قال: (وهو المعبَّر عنه بالبراءة الأصلية الذي تقدم الكلام عليها بمعنييها).
وكيف كان فالمراد من حال العقل هو الحالة التي عليها العقل من إدراك براءة ذمة المكلَّف عن كلِّ تكليف إلزامي لم يقم دليل على ثبوته، وبهذا يكون المراد من استحاب حال العقل هو استصحاب المدرك العقلي.
والظاهر انَّ الإستصحاب هنا يعني الرجوع إلى الحكم العقلي القاضي ببراءة الذمة عن التكليف الإلزامي غير المعلوم، وليس المراد منه الإستصحاب الإصطلاحي المقتضي للبناء على الحالة المتيقنة في ظرف الشك، نعم فسَّر الفاضل التوني (الحال) بالحالة السابقة، وهذا يُعبِّر بدواً عن انَّ المراد من استصحاب حال العقل هو الإستصحاب الإصطلاحي إلاّ انَّ الظاهر عدم إرادته لذلك بقرينة تفسيره للحالة السابقة بعدم اشتغال الذمة في الزمن السابق، وواضح انَّ عدم اشتغال الذمة انَّما ثبت بواسطة حكم العقل ببراءة الذمة عن كلِّ تكليف لم يقم على ثبوته دليل، وهذا الإفتراض وهو عدم قيام الدليل يظلُّ منقِّحاً لموضوع الحكم العقلي بالبراءة مطلقاً، فليس ثمة حالة يمكن افتراضها مجرى لاستصحاب حال العقل ولا يكون موضوع الحكم العقلي بالبراءة متحرِّراً فأين اليقين السابق والشك اللاحق، فلو افترض انَّ المكلَّف قد عثر على دليل الحكم فلا مجال لاستصحاب حال العقل كما لا مجال لإجراء القاعدة العقلية، ففي كلِّ مورد يجري فيه استصحاب حال العقل تجري فيه القاعدة وكذلك العكس.
وبهذا يتَّضح انَّ المراد من استصحاب حال العقل هو الرجوع إلى القاعدة العقلية القاضية بالبراءة عن كلِّ تكليف غير معلوم، والذي يؤكد ما ذكرناه انَّهم استدلوا على حجية هذا الإستصحاب بمدرك القاعدة القاضية ببراءة الذمة عن كلِّ تكليف لم يقم عليه دليل.
وأما وجه تفسير الفاضل التوني (للحال) بالحالة السابقة فلعلَّه لأجل انَّ الشك في كلِّ مورد بخصوصه يكون متأخراً عن تحرُّر القاعدة العقلية فيكون نفي الحكم الإلزامي عن ذلك المورد بواسطة الرجوع إلى القاعدة العقلية، وهذا هو المبرِّر للتعبير عن الرجوع بالإستصحاب، لأنه عبارة عن إجراء القاعدة المتيقنة على مورد الشك، فهو أشبه بتطبيق الكبرى على احدى صغرياتها فينتفي الشك عن المورد بواسطة التطبيق والإرجاع.
نعم المستظهر من عبائره انَّ ثمة حالة سابقة متيقنة وحالة لاحقة مشكوكة، وهذا معناه انَّ المراد من الإستصحاب هو الإستصحاب الإصطلاحي، إلاّ انَّه مع ذلك يمكن توجيهه بما يناسب ماذكرناه من انَّ استصحاب حال العقل معناه الرجوع إلى البراءة الأصلية.
وهو انَّ المكلَّف قد يتمسك بالبراءة الأصلية المدركة بالعقل ابتداءً لعدم عثوره على دليل أصلا، إلاّ انَّه بعد ذلك يعثر على رواية ضعيفة السند أو مضطربة الدلالة فيحتمل انَّ ذلك موجباً لاشتغال ذمته بمفادها أو بما يترآى منها، وهنا يستصحب البراءة الأصلية المدركة بالعقل والثابتة قبل العثور على هذه الرواية، وواضح انَّ هذا ليس من الإستصحاب الإصطلاحي، لأنَّ العثور على الرواية الضعيفة لا ينفي موضوع القاعدة العقلية - القاضية بالبراءة الأصلية - والذي هو عدم العثور على دليل، فالحالة التي هو عليها قبل العثور هي الحالة التي هو عليها بعد العثور على الرواية، فليس ثمة يقين سابق وشك لاحق.
نعم المناسب في المقام هو التعبير باستصحاب البراءة المدركة بالعقل، وذلك لتجدُّد شيء لم يكن موجوداً والذي هو العثور على الرواية.
وهناك صورة اخرى تناسب عبائر الفاضل التوني (رحمه الله) ولا تنافي ماذكرناه، وهي مالو لم يقم دليل على وجوب النفقة على الأخ، وكان حال المكلَّف عند ذلك هو الفقر، ثم أصبح المكلَّف ملياً فاحتمل انَّ طروء هذه الحالة موجب لاشتغال ذمته بوجوب النفقة على أخيه.
فهنا يستصحب البراءة الأصلية والتي هي استصحاب حال العقل، وواضح انَّ هذا الإستصحاب ليس أكثر من إجراء البراءة الأصلية، غايته انَّ المناسب هنا هو التعبير باستصحاب حال العقل، وذلك لأنه رجوع إلى ما يقتضيه حكم العقل بعد ان لم يكن مبرِّر لهذه المؤنة الزائدة في حالته الاولى.
وكيف كان فلو كان في هذا التوجيه وسابقه شيء من التكلُّف فهو ناشئ عن اضطراب عبائر الفاضل التوني (رحمه الله) وعدم تعقل إرادة ظهورها الاولي.
وبهذا يتضح تمامية ما أفاده صاحب الحدائق (رحمه الله) من انَّ استصحاب حال العقل هو عينه البراءة الأصلية النافية للتكليف الإلزامي بمقتضى حكم العقل بعدم اشتغال ذمة المكلَّف بتكليف لم يقم على ثبوته دليل.
ومن هنا عدَّ قدماء الاصوليين هذا النحو من الإستصحاب من الأدلة العقلية، إذ انَّ مستنده عندهم - كما أفاد ذلك الفاضل التوني وغيره - هو ما يدركه العقل من قبح التكليف بما لا يُطاق، ويمكن تقريب ذلك بأحد وجهين:
الأول: انَّ المفترض هو انَّ المكلَّف بذل الوسع في البحث عن التكليف ولم يتمكن من الوصول اليه، وهذا معناه انَّ الوصول للتكليف خارج عن طاقة المكلَّف، فمطالبته بالتكليف حينئذ تكليف بما لا يطاق.
الثاني: انَّ الجاهل بالتكليف يستحيل منه الإنبعاث عن التكليف، وحينئذ يكون تكليفه بما لا يتمكن من الإنبعاث عنه تكليف بما لا يُطاق.
وبتقريب آخر ذكره الشيخ الأنصاري (رحمه الله) انَّ امتثال التكليف لا يكون إلاّ بقصد امتثاله، ومع جهل المكلَّف به لا يكون قصد الإمتثال منه ممكناً، وحينئذ يكون تكليفه بما لا يتمكن من امتثاله - لعدم القدرة على قصد امتثاله - تكليفاً بما لا يُطاق.
الحوزويه الصغيره
15-10-2012, 09:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
استصحاب عدم النسخ
أما استصحاب عدم النسخ فمورده الشك في بقاء الحكم بمرتبة الجعل، فقد يقع الشك في انَّ الحكم المجعول على موضوعه المقدَّر الوجود هل ارتفع أو انه لا زال ثابتاً، وهذا معناه الشك في انتساخ الحكم وعدمه.
ثم انَّ صحة جريان استصحاب عدم النسخ - بناء على جريانه - انما هو في حالة لا يكون للحكم المشكوك في بقائه اطلاق او عموم أزماني يمكن التمسُّك به في ظرف الشك وإلا فالمرجع هو الاطلاق والعموم الأزماني، وكذلك لو كان هناك دليل مفاده استمرار أحكام الشريعة فإنه حينئذ يكون المرجع عند الشك ولا مسوِّغ معه للتمسُّك باستصحاب عدم النسخ، فقوله (ص) : (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة) يتكفَّل بإثبات استمرارية الأحكام الشرعية، وهذا ما يجعل له الصلاحية للمرجعية في ظرف الشك، نعم لو قام دليل قطعي على انتساخ حكم من الأحكام فإنَّه لا مجال حينئذ للتمسُّك باطلاق هذه الرواية الشريفة باعتبار انَّ الدليل القطعي الذي ثبت به نسخ الحكم يكون مقيداً لإطلاق هذه الرواية الشريفة.
وما ذكرناه مختص بأحكام الشريعة الاسلاميَّة، أما لو وقع الشك في انتساخ أحكام الشرايع السابقة فهل يمكن التمسُّك باستصحاب عدم النسخ أو لا ؟
ذكر الأعلام (رضوان الله عليهم) : انَّ إجراء استصحاب عدم النسخ في الشرايع السابقة - بناء على جريانه - انما هو مع افتراض عدم ثبوت نسخ الشرايع السابقة بكاملها، ومع عدم ثبوت ذلك لا يجري الإستصحاب أيضاً لو قام الدليل الإجتهادي على نسخ بعض الاحكام أو على ثبوت بعض أحكام الشرايع السابقة بعينها فيتمحض جريان استصحاب عدم النسخ بالأحكام التي لم يثبت نسخها كما لم يثبت استمرارها.
ومع تحرُّر محلِّ النزاع نقول: انَّ الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية (رحمهما الله) وجمعاً من الأعلام ذهبوا إلى جريان استصحاب عدم النسخ، وذلك لتوفره على أركان الإستصحاب مع شمول أدلة الحجية له وعدم وجود ما يمنع من جريانه.
وأما السيد الخوئي (رحمه الله) فذهب إلى عدم جريانه لا في شريعتنا ولا في الشرايع السابقة، وذلك لأنَّ النسخ ليس أكثر من بيان انقضاء أمد الحكم، واذا كان كذلك فحينما يقع الشك في استمرار حكم فهذا معناه الشك في سعة المجعول وضيقه.
وبتعبير آخر: إنَّ الشك في استمرار الحكم مآله إلى الشك في سعة موضوع الحكم وضيقه، وهل انَّ موضوع الحكم هو مطلق المكلَّف إلى الأبد أو انَّ موضوعه هو خصوص المكلَّف الموجود في زمن التشريع مثلا، واذا كان كذلك فمرجع الشك في استمرار الحكم إلى الشك في أصل جعل الحكم على المكلف المعدوم زمن التشريع وهو مجرى لأصالة البراءة كما هو واضح.
خادمة المنتظر(عج)
09-03-2013, 01:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد
اختي سلمت يمناكـ على ماحملته لنا
يــ ع ـطيك الــ ع ـافيه
اثابكم الله
المياحي ميسان
04-07-2013, 12:12 PM
بالتوفيق ان شاء الله تعالى
نبض الحيا
02-12-2014, 05:59 PM
الله يبارك بكم يا تلاميذ مدرسة اهل البيت عليهم السلام ...........
وفقكم الله لكل خير ومعرفة وسرور
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
Jannat Alhusain Network © 2025