أحمد إبراهيم الربيعي
12-05-2010, 06:42 PM
الحاج أبا حسن ومسبحة المالكي
الحاج أبا حسن واحد من أولئك المؤمنين المجاهدين الذين تغربوا بسبب معارضتهم للنظام البعثي المقبور، وكان يتجول في الدول الإقليمية – المجاورة – لأرض الوطن لأنه لا يستطيع أن يبتعد أكثر من 600 كم عن أرض الوطن كما يعبر عن ذلك، وكان قد حصل على واحدة من الشهادات العليا في العراق، إلا أنه أمتهن مختلف الأعمال التي لا تتناسب وشهادته العلمية العالية، فقد عمل كبائعٍ للخضار، وحارس في حقل دواجن، وعامل في مخبز إلى غيرها من الحرف التي يفتخر بأنه زاولها ولم يمد يده إلى أحد كائناً من كان. حاله حال بقية العراقيين الأصلاء في دول المهجر، وكان الحاج أبا حسن من أشد المعجبين بالسيد جواد المالكي (أبا إسراء) لأنه واحد من أولئك المجاهدين الذين لم يستطيعوا أن يبتعدوا أكثر من 600 كم عن ارض الوطن - كما يقول أبا حسن – وهو كذلك كان قد أمتهن مختلف أنواع الحرف التي لا تتناسب مع شهادته العلمية، وكانت واحدة من الأعمال التي أمتهنها هي مهنة بيع السبح والخواتيم والتربة الحسينية، وهي مهنة محترمة وبالإضافة إلى أنها مهنة شريفة فهي مباركةً أيضاً وتراثية، وتذكر المغتربين بأرض الوطن الغالي.. وكان الحاج أبا حسن قد أراني مسبحةً يحتفظ بها كان قد أبتاعها من قبل أبا إسراء في تلك الحقبة المظلمة، وهو لا يزال يعتز بها ويحافظ عليها بعد كل تلك السنين، وهو كذلك يتبرك بها لأنه زار بها المراقد الطاهرة في البقيع وفي سوريا وإيران.. وعندما تسنم السيد المالكي منصب رئاسة الوزراء قبل أكثر من أربعة أعوام التقيت الحاج أبا حسن، وكان مسروراً للغاية، ومتفائلاًً جداً، لأنه كان يعتقد أن الوضع سوف يتغير ويتحسن وعلى كافة المستويات، وكان يكلمني وهو يحمل المسبحة ذاتها، فقلت له لا تستعجل الأمور يا حاج، فأن صاحبك سوف يتربع على ذلك الكرسي العقيم، فقال لا لا جواد غير ذلك أبداً، قلت له: لم يعد جواداً بل أطلق أسمه الحقيقي (نوري) فبادرته بالسؤوال عن مسبحته وقلت له : منذ متى وأنت تحتفظ بهذه المسبحة؟ قال لا أتذكر سنون طويلة وأنت تعرف قصتها. قلت له: نعم أعرف قصتها وأعرف كم أنت تعتز بها ولا تزال تعطرها وتفتخر بها. فعقب على ذلك قائلاً: مع أنها ليست من عادتي، حيث لم تكن تعمر معي المسبحة الواحدة أكثر من شهرين! ولكن لهذه المسبحة قيمة كبرى في نفسي، لذلك بقيت معي كل تلك السنين. قلت له: أتمنى أن يكون صاحبك مثلك، وأن يحفظ الأمانة لمدة أربعة أعوامٍ فقط لا غير، كما حافظت أنت على مسبحته طيلة هذه الأعوام. فقال: سوف نرى كيف يكون هذا الرجل أهلاً لها وسوف أذكرك بعد أربعة أعوام، فقلت له: أنا كلي ثقة بك وبعدالتك وسوف نلتقي إذا بقيت الحياة.
وبعد مرور الأربعة أعوام وفي خضم الدعاية الانتخابية التقيت الحاج أبا حسن وكان متشائماً جداً من تردي الوضع الأمني والخدمي، وكان يسخر من الملصقات الانتخابية وخصوصاً تلك التي تنادي بالبناء والتغيير، فقلت له: كيف حالك يا حاج؟ فأجاب: حالي حال بقية العراقيين، فقلت له: ألا زلت تحتفظ بتلك المسبحة؟ هنا عرف الحاج أبا حسن قصدي، فهز رأسه هنيئة وقال: نعم ولكنها لم تحتفظ بنفس القيمة التي كانت لها في نفسي... وأسترسل قائلاً: أتعلم أنني كنت أشعر في كل عام من الأعوام الأربعة المنصرمة بإحباط كبير، وكان كلما ينقضي عام تفقد المسبحة ربع قيمتها المعنوية لدي، وبعد انقضاء السنون الأربع أحسست أنها لم يعد لها أي قيمة حيث تلاشت قيمتها المعنوية في نفسي.
حينها قررت في نفسي أن أذهب وأرميها خلف أسوار المنطقة الخضراء المحصنة، وأقول لها: أذهبي بلا رجعة فلقد كنت مخدوعاً فيكِ! وقد هممت بذلك، إلا أنني تراجعت في اللحظات الأخيرة وذلك لسببين:
السبب الأول: - أنها فعلاً فقدت قيمتها المعنوية لكن القيمة الروحية لا تزال موجودةً فيها، ذلك لأنني مسحت فيها بعض الأضرحة الطاهرة للمعصومين (ع) وكذلك فهي تذكرني بسنين الجهاد والغربة.
والسبب الثاني: - أنني خفت أن يراني أحد حراس المنطقة الخضراء وأنا أرمي بالمسبحة من فوق الجدار الكونكريتي، فيعتقد أني إرهابي أروم رمي قنبلة يدوية أو ما شابه ذلك، فيرديني قتيلاً بسلاحه الفتاك، وبعد أيام ترفع صورتي إلى جانب صورة أبو أيوب المصري أو المهاجر والبغدادي وأكون رمزاً من رموز القاعدة ويصرح عطا بأني مسؤول عن تفجيرات سابقة!!.
هنا عرفت جواب أبي حسن، وقلت له: بارك الله فيك يا أبا حسن فأنت مصداق لقول الإمام أمير المؤمنين (ع) : ((أعرفوا الحق بالرجال، ولا تعرفوا الرجال بالحق)) وليت الجميع يحذون حذوك، دون إيجاد تفسير وتحوير وتبرير لصالح مدعي البناء والتغيير.
الحاج أبا حسن واحد من أولئك المؤمنين المجاهدين الذين تغربوا بسبب معارضتهم للنظام البعثي المقبور، وكان يتجول في الدول الإقليمية – المجاورة – لأرض الوطن لأنه لا يستطيع أن يبتعد أكثر من 600 كم عن أرض الوطن كما يعبر عن ذلك، وكان قد حصل على واحدة من الشهادات العليا في العراق، إلا أنه أمتهن مختلف الأعمال التي لا تتناسب وشهادته العلمية العالية، فقد عمل كبائعٍ للخضار، وحارس في حقل دواجن، وعامل في مخبز إلى غيرها من الحرف التي يفتخر بأنه زاولها ولم يمد يده إلى أحد كائناً من كان. حاله حال بقية العراقيين الأصلاء في دول المهجر، وكان الحاج أبا حسن من أشد المعجبين بالسيد جواد المالكي (أبا إسراء) لأنه واحد من أولئك المجاهدين الذين لم يستطيعوا أن يبتعدوا أكثر من 600 كم عن ارض الوطن - كما يقول أبا حسن – وهو كذلك كان قد أمتهن مختلف أنواع الحرف التي لا تتناسب مع شهادته العلمية، وكانت واحدة من الأعمال التي أمتهنها هي مهنة بيع السبح والخواتيم والتربة الحسينية، وهي مهنة محترمة وبالإضافة إلى أنها مهنة شريفة فهي مباركةً أيضاً وتراثية، وتذكر المغتربين بأرض الوطن الغالي.. وكان الحاج أبا حسن قد أراني مسبحةً يحتفظ بها كان قد أبتاعها من قبل أبا إسراء في تلك الحقبة المظلمة، وهو لا يزال يعتز بها ويحافظ عليها بعد كل تلك السنين، وهو كذلك يتبرك بها لأنه زار بها المراقد الطاهرة في البقيع وفي سوريا وإيران.. وعندما تسنم السيد المالكي منصب رئاسة الوزراء قبل أكثر من أربعة أعوام التقيت الحاج أبا حسن، وكان مسروراً للغاية، ومتفائلاًً جداً، لأنه كان يعتقد أن الوضع سوف يتغير ويتحسن وعلى كافة المستويات، وكان يكلمني وهو يحمل المسبحة ذاتها، فقلت له لا تستعجل الأمور يا حاج، فأن صاحبك سوف يتربع على ذلك الكرسي العقيم، فقال لا لا جواد غير ذلك أبداً، قلت له: لم يعد جواداً بل أطلق أسمه الحقيقي (نوري) فبادرته بالسؤوال عن مسبحته وقلت له : منذ متى وأنت تحتفظ بهذه المسبحة؟ قال لا أتذكر سنون طويلة وأنت تعرف قصتها. قلت له: نعم أعرف قصتها وأعرف كم أنت تعتز بها ولا تزال تعطرها وتفتخر بها. فعقب على ذلك قائلاً: مع أنها ليست من عادتي، حيث لم تكن تعمر معي المسبحة الواحدة أكثر من شهرين! ولكن لهذه المسبحة قيمة كبرى في نفسي، لذلك بقيت معي كل تلك السنين. قلت له: أتمنى أن يكون صاحبك مثلك، وأن يحفظ الأمانة لمدة أربعة أعوامٍ فقط لا غير، كما حافظت أنت على مسبحته طيلة هذه الأعوام. فقال: سوف نرى كيف يكون هذا الرجل أهلاً لها وسوف أذكرك بعد أربعة أعوام، فقلت له: أنا كلي ثقة بك وبعدالتك وسوف نلتقي إذا بقيت الحياة.
وبعد مرور الأربعة أعوام وفي خضم الدعاية الانتخابية التقيت الحاج أبا حسن وكان متشائماً جداً من تردي الوضع الأمني والخدمي، وكان يسخر من الملصقات الانتخابية وخصوصاً تلك التي تنادي بالبناء والتغيير، فقلت له: كيف حالك يا حاج؟ فأجاب: حالي حال بقية العراقيين، فقلت له: ألا زلت تحتفظ بتلك المسبحة؟ هنا عرف الحاج أبا حسن قصدي، فهز رأسه هنيئة وقال: نعم ولكنها لم تحتفظ بنفس القيمة التي كانت لها في نفسي... وأسترسل قائلاً: أتعلم أنني كنت أشعر في كل عام من الأعوام الأربعة المنصرمة بإحباط كبير، وكان كلما ينقضي عام تفقد المسبحة ربع قيمتها المعنوية لدي، وبعد انقضاء السنون الأربع أحسست أنها لم يعد لها أي قيمة حيث تلاشت قيمتها المعنوية في نفسي.
حينها قررت في نفسي أن أذهب وأرميها خلف أسوار المنطقة الخضراء المحصنة، وأقول لها: أذهبي بلا رجعة فلقد كنت مخدوعاً فيكِ! وقد هممت بذلك، إلا أنني تراجعت في اللحظات الأخيرة وذلك لسببين:
السبب الأول: - أنها فعلاً فقدت قيمتها المعنوية لكن القيمة الروحية لا تزال موجودةً فيها، ذلك لأنني مسحت فيها بعض الأضرحة الطاهرة للمعصومين (ع) وكذلك فهي تذكرني بسنين الجهاد والغربة.
والسبب الثاني: - أنني خفت أن يراني أحد حراس المنطقة الخضراء وأنا أرمي بالمسبحة من فوق الجدار الكونكريتي، فيعتقد أني إرهابي أروم رمي قنبلة يدوية أو ما شابه ذلك، فيرديني قتيلاً بسلاحه الفتاك، وبعد أيام ترفع صورتي إلى جانب صورة أبو أيوب المصري أو المهاجر والبغدادي وأكون رمزاً من رموز القاعدة ويصرح عطا بأني مسؤول عن تفجيرات سابقة!!.
هنا عرفت جواب أبي حسن، وقلت له: بارك الله فيك يا أبا حسن فأنت مصداق لقول الإمام أمير المؤمنين (ع) : ((أعرفوا الحق بالرجال، ولا تعرفوا الرجال بالحق)) وليت الجميع يحذون حذوك، دون إيجاد تفسير وتحوير وتبرير لصالح مدعي البناء والتغيير.