عبد محمد
20-05-2010, 03:43 PM
http://www.altwafoq.net/system/imagemanager/files/shaksyat/cache/ayatullah-mohamed-mofti-322x240.jpg (http://www.altwafoq.net/system/imagemanager/files/shaksyat/cache/ayatullah-mohamed-mofti-322x240.jpg)
انتقل إلى رحمة الله آية الله العظمى السيد محمد مفتي الشيعة الموسوي قبل ساعات قليلة في إيران.
سيرته
محمَّد بن محمّد تقي بن مرتضَى بن نقد علي بن مير علي رضا بن حسين...؛ الموسوي.
وُلِدَ فـي أرْدَبيل؛ المعروفة بدار الارشاد، فـي العاشر من شهر رَجَب المُرجّب عام 1347هـ .ق، الموافق لعام 1307 هـ . ش.
والدُهُ:
آيةُ الله العظمي السِّيد محمّد تقي مفتـي الشيعة الأردبيلي المُتَوفّى سن 1361 هـ .
كان والدُهُ (رحمه الله)؛ من المراجع العظام؛ وكانت لَهُ زعامة البلد، كما كان مرجع التقليد.
له رسالة علميَّة باسم: شجرة التقوى، طُبِعَتْ فـي 18 ذي الحِجَّة عام 1336 هـ . كما أنّ له رسالة أخرى تَحمِلُ إسمَ: ذخيرةِ العُقْبَى, طُبِعَت عام 1344 هـ . ق.
وكان (رحمه الله)؛ من تلامِذة: الآخوند الخراسانـي، والسيّد كاظم اليزدي، والسيّد محمّد الاصفهانـي الفشاركي.
وأما جَدُّهُ:
فهو: آيةُ الله العظمي السِّيد مرتضى الخلخالـي الأردبيلى (قدس سره).
كان (رحمه الله) من المراجع, كما كانت لَهُ حوزة علميَّة كبيرة فـي أرْدبيل بعد مراجعته من النجف الأشرف، درس فيها وتخرّج منها جماعة من عُظَمَاء البِلاد؛ مُستفيدين من بحوثه وتحقيقاته.
فـي زمانه؛ كان هناك الكثير ممَّن توجهوا إلي حوزته المباركة؛ أعني من: بلاد القفقاز, بادكوبه، وشيروان، وسَلْيان، وايروان، ونخچوان، ولنكران. بل، ومن سائر البلدان الواقعة فـي آذربيجان.
تلك البلاد الَّتـي استولت عليها الحكومة الماركسيّة؛ فَهَدَمَتْ المساجد والحسينيَّات والمكتبات؛ كما قَتَلَت العلماء بعضاً، وشرّدت البعض الآخر.
واستمرّ الحال هكذا؛ إلى أن نزلَ بها عذابُ الله جَلَّ وعَلاَ فَمُزِّقَتْ شَرَّ ممزّق، وانحَسَر النظام الشيوعي عن المسرح السِّيَاسي؛ وأُخذ أبناءُ البلاد فـي العودة إلي الدين، والعمل على إحياء تراث سيّد المرسلين.
هذا، وقد كان الجدّ العظيم من تلامذة الشيخ الأنصاري (قدس سره) وكان صاحب الكرامات الباهرة.
توفـي (رحمه الله) سنة 1317 هـ . ق، ودُفِنَ فـي مقبرته الخاصة بالأُسرة الواقعة فـي التل التاريخي من الأبنية القديمة فـي أرْدبيل.
وأمّا أعمامُهُ أسكنهم الله فسيح جَنّاتِه؛ فمنهم:
الفقيه الكامل، السِّيد أحمد المجتهد؛ وهو من تلامذة: الشيخ حسن المامقانـي, والفاضل الشربيانـي. كان (رحمه الله) من الفقهاء المدبّرين الذين حفظوا البلاد من شرور الأعداء، واضطراب النظام، فـي تلك الأيام العسيرة والقاسية التـي مرّ بها المؤمنون آنذاك.
والسيد موسى فقيه مرتضوى؛ الرّجل العابد الزاهد؛ والذي حظي بإجازات الاجتهاد، من أساتيذه الكبار والمراجع العظام؛ أمثال السِّيد أبو الحسن الأصفهاني، والمحقق النائيني، والمحقق العراقي.
وأما والدته:
فهي العلوية الجليلة بنت سيد العلماء العظام؛ أعنـى: السِّيد باقر الأردبيلـي النجفي، الحائز على إجازة محترمة من أُستاذه المرجع الديني الشيخ محمد تقي الشيرازي (قدس سره) عام1335 هـ .
وهو (رحمه الله) نجل آية الله السِّيد حبيب الله الأطهاري الأردبيلـي؛ من أحفاد السِّيد حسين المجتهد الأكبر، ابن أخت المحقق الكركي العاملي، نزيل أردبيل؛ وكان شيخ الاسلام فـي أردبيل، فـي دار العلم والعرفان، فـي عصر السلطان طهماسب الصفوي.
وأما أولاده:
وقد وهبه الله تعالى من لدنه ذرية طيبة سبعة أولاد ذكور وثلاثة منهم من الفضلاء، حجة الاسلام السِّيد محمد تقي، وحجة الاسلام الحاج السِّيد محمد زكي، ثقة الاسلام السِّيد أبو الفضل.
وأما نسبه:
فهو ينتهي إلى السِّيد ابراهيم الأصغر، الملقب بالمرتضى، ابن الامام الهمام بالحق موسى بن جعفر (عليه السلام)؛ كما هو مذكور فـي المشجرات.
وأما أُسرَتُهُ:
فهي تُمَثِّل أحد الاُسَرِ العلميَّة القديمة؛ المستوطنة فـي كثيرٍ من البقاع الاسلاميَّة الشَّهيرة؛ كالنجف الأشرف، وأردبيل، وخلخال، وقزوين، ورشت، وطهران...
أُسْرَةٌ عريقةٌ فـي المجد، وسَبّاقة إلى نيل الفضائل، وطلب العلم ومُزاوَلَة الأدب.
الأمر الذي نجد معه، وعلى تعاقب الأيَّام والسِّنين؛ أن برز من أحضانها مجموعة محترمة من الفقهاء والأدباء والشعراء، الساسة الأجلاَّء، الذين تقلدوا الزعامة الدينية والدُّنيويَّة، كما أنَّ لكثيرٍ منهم مُشَاركة فـي مختلف العلوم، ومنها الروحية.
وعليه، فلا غرابة إذا وجدنا المعاجم وكتب السير تعنى بتراجم رجالها وأُدَبَائها، فتكتب عنهم الصفحات تلو الصفحات، العامرة بالتقدير والإكبار لفضائلهم وعلومهم ومآثرهم الفكرية.
سُلوكُهُ:
بعدَ رِحْلَةِ والده إلى الرفيق الأعلى، فـى 29 ـ يوم شهادة الإمام محمد التقي (عليه السلام)، سنة 1361 هـ .ق؛ فـي اردبيل.
وبعد أن أُقِيْمَت لَهُ مجالس الفاتحة, وَلِمُدَّةِ أربعين يوماً، وفي اليوم الأخير من تلكم المجالس، تَعَمَّمَ؛ وكان ذلك بِيَد المرجع الدينـي السِّيد يُونس الأردبيلى (قدس سره)، وذلك قبل انتقاله إلى مشهد الرضا (عليه السلام)، حيثُ كان مُقيماً فـي أرْدبيل.
وهكذا تمضي الأيّام، حتّى جاءت سنة 1363 هـ . ق، حيث تَصَدَّى للإمامةِ فـي مسجد والده المعروف بمسجد السُّوق، ومسجد السِّيد أحمد (رحمه الله)؛ وبإذن من عَمِّهِ الفقيه السِّيد موسى. فكان مسجداً عامراً بالمصلِّين، وكان يحضر الناس صلاة جماعته؛ نظراً لكونهِ شاباً وما كان يتمتَّعُ بِهِ من خُلُق؛ وإكراما لما ينتمي إليه من أسرة علميَّة عريقة.
بل، أنَّ البعضَ منهم؛ كان يتبرك بماء وضوئه. ويتوسلون بدعائه، مثله فـي ذلك مثل آبائه وأجداده.
نعم، كان معروفاً فـى البلد وفي أسرته، بالورع والعفة والتقوى؛ كما كان مشهوراً بين العلماء والمحصلين بالفضيلة والعدالة.
فهم يرجعون إليه فـي حلِّ مشاكلهم؛ بل، والناس يرجعون إليه فـي قضاء حوائجهم وإصلاح ذات البين، والتي من بينها الخلافات العائليَّة...
وسماحته قليل الكلام إلاَّ فـي مسألة علمية أو ذكر الله تعالى، طويل الصمت، دائب التفكير، وهو علي جانب عظيم من الحكم والورع وصدق اللهجة مستقيماً حراً فـي آرائه وسلوكه، فهو بلغ الغاية القصوي فـي رياضة النفس ومعارضته الهوى والوقوف عند الشبهات، وهو من أهل الورع والنسك يعرفه مختلف الطبقات خاصة فـي بلاده وعند رفقائه المعاشرين له فـي الحوزات العلميَّة.
دراساته:
تحصيله العلمي، نشأ نشأة صالحة ومال إلى طلب العلم، وكان يمتاز بذكاء مفرط، واستعداد كثير، كانت تلوح عليه إمارات النبوغ، تعلم سماحته المقدِّمَات والسُّطوح بما فيها العاليَّة، عند نُخْبَة من العلماء الكبار، فـي ارْدبيل؛ والذين هم من تلامذة والده المرحوم السِّيد محمد تقي مفتـي الشيعة (قدس سره).
كذلك؛ فإنه قرأ الرسائل، عند آية الله الشيخ غلام حسين الغروى.
وقرأ أيضاً المكاسب عند عَمّهِ آية الله السِّيد موسى فقيه مُرتضوى.
هجرته إلى قم المقدسة:
هاجَر إلى قم المقدسة لينخرط فـي حوزتها العلميَّة وذلك فـي عام 1367 هـ .
حيث حضرَ البحث الخارج لآيةِ الله العُظمى السِّيد البروجردي (قدس سره) فـي الفقه فـي الصلاة.
وعند آية الله العظمى السِّيد محمد الحجة (قدس سره) فـي البيع.
وعند آية الله العظمى السِّيد الخميني (قدس سره) فـي الأُصول.
وعند آية الله العظمى السِّيد محمد محقق الداماد فـي الطهارة.
وكذلك حضر أبحاث العلامة السِّيد الطَّباطبائي (قدس سره) فـي التفسير والهيئة والفلسفة.
ليس هذا فقط؛ وإنَّما كان فـي الوقت نفسه، مشغولاً بالتدريس على مستوى السطوح العالية، من الرسائل والكفاية والمكاسب والمنظومة.
ثم إنَّه بعد ذلك، وفي أيَّام العُطلة الصيفيَّة بالخصوص، يُسافر إلى وَطَنِهِ مُنْتَقلاً فـي مساجد آبائهِ، معنياً بإقامة صلاة الجماعة، وتعليم المسائل الدينية، ورعاية الخدمات الاجتماعيَة.
هجرتُهُ إلى النّجف الأشرف:
هاجر إلى النَّجف عام 1374 هـ .ق الموافق لسنة 1333 هـ ش؛ فقد وصلها فـي 16 ربيع المولد...
حلّ فيها بُغيَة إكْمَال دراساته العلميَّة الاستنباطية حيث حَضَرَ أبْحَاث مَرَاجع الدّين العظام آنذاك؛ والذّين منهم:
المرجع الدّينـي الأعلى السِّيد محسن الحكيم الطَّباطبائيّ (قدس سره)، والمرجع الدينـي الأعلى السِّيد محمود الشاهرودى (قدس سره)، والمرجع الدينـي الأعلى السِّيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره).
وأخيراً، كان ملازماً لأبحاث آية الله الشيخ حسين الحلي (قدس سره) فـي الفقه والأصول مدة طويلة وكانت أكثر استفادة منه.
بل، كان مدة اشتغاله عليه، ولفترة تزيد على عشر سنوات؛ كان معنياً بكتابة دروسه وأصبح أحد أركان حوزة الحلي.
حتى أنه كتب أبحاثه الأصولية دورة كاملة، وكذلك <العروة>.
بيد: أنه وبعد رجوعه من أداء فريضة الحج عام 1388هـ؛ ودع درس الشيخ الحلي، وتفرغ للتدريس فقهاً وأصولاً؛ وكذلك أخذ على نفسه ممارسة التأليف.
عودة إلى مسقط الرأس:
في عام 1379 هـ، حضر وفد من أهالـي أردبيل الوجهاء إلى النجف الأشرف وقابلوا المرجع الأعلى السِّيد الحكيم (قدس سره) وبعد أداء مراسيم المقابلة والزيارة, فقد طلبوا من سماحته، أن يوفد سماحة السِّيد مفتـي الشيعة إلى مدينتهم اردبيل ممثلاً ووكيلاً عنه، فـي أداء المهمَّات الشرعية.
ثم أنَّ السِّيد الحكيم رغم رغبته فـي بقائه فـي النجف، إلا أنه اقتنع أخيراً بضرورة وجوده فـي أردبيل ملبياً رغبة وجهائها...
عندها شدَّ سماحة السِّيد حقائب العودة، فسافر من النجف فـي 16 ذي القعدة عام 1379 قاصداً أردبيل، حيث وصلها فـي 24 ذي الحجة من نفس العام.
نعم، وما أن سمع أهالـي البلد، وخاصة العلماء والوجهاء والخطباء، بنبأ وصوله؛ حتى هرعوا لاستقباله وعلى مسافة تقرب من 12 فرسخاً.
هذا ورافق وصوله حدوث أمر مهم، كان له أثره فـي عواطف الناس وتعظيم شعائرهم، أعنـي به إقدام الحكومة آنذاك على تخريب المسجد العظيم الواقع فـي وسط الشارع العام، خفية وفـي الليل عناداً منها للعلماء المحترمين ومريديهم من الأناس المتدينين.
الأمر الذي كان الجميع يستبشر بقدوم السِّيد وحل مثل هذا الحدث الخطير على يديه.
وهم فـي كلّ ذلك، فـي استقبالهم الحار له، و...؛ إنما يعتبرونه من مصاديق: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
وهكذا تمضي الأيام، وجاءت سنة 1380 هـ.
وفيها توفـي العلم الشامخ، آية الله العظمى المرجع الأعلى للطائفة الإمامية السِّيد البروجردي (قدس سره).
وعلى أثر ذلك؛ فقد رجعت بلاد آذربيجان بعده, فـي تقليدها إلى آية الله السِّيد الحكيم (قدس سره)؛ مستعينين فـي ذلك بواسطة وكيله سماحة السِّيد مفتـي الشيعة؛ راجعين إليه فـي أخذ وفهم وحل مشاكلهم الشرعية، بما فـي ذلك المسائل الدينية العلميَّة.
بيد أن لسماحته بعد قرابة السنة والنصف من مكوثه فـي أردبيل؛ عاد ثانية راجعاً إلى النجف الاشرف، ليواصل ما انقطع من حبل اهتماماته ونشاطاته التـي كانت له قبل سفره.
تأليفاته:
فهو يحتفظ بمجموعة متكاملة من تقريرات، ولسائر أساتذته فـي الفقه والأصول، ممن حضر لديهم، فـي قم والنجف الاشرف.
تلك التقريرات؛ التـي كانت موضع تقدير عند الأساتذة الكرام وذوي الفن من شيوخ الحوزة العلميَّة.
في حوزة قم:
1. كتاب البيع، بحث أستاذه آية الله العظمى السِّيد محمد الحجة (رحمه الله).
2. كتاب الصلاة، بحث أستاذه آية الله العظمى السِّيد آغا حسين البروجردي (رحمه الله).
3. كتاب الطهارة، بحث أستاذه آية الله العظمى السِّيد محمد محقق الداماد (رحمه الله).
4. دورة الأُصول؛ فـي مباحث الألفاظ، بحث أستاذه آية الله العظمى السِّيد الخمينـي (رحمه الله) (زعيم الثورة الإسلامية)؛ وبحث مسألة لاجبر ولا تفويض بل أمرٌ بين الأمرين بالاستدلال العقلي والشرعي..
5. نظريات أستاذه العلامة الطَّباطبائي حول بعض المبانـي فـي الفلسفة الموجودة فـي المنظومة والأسفار بعنوان تعليقات الأستاذ العلامة.
في حوزة النجف: فـي صلاة المسافر والجماعة وجملة من المسائل المهمة فـي الحج.
6. تقرير بحث أستاذه آية الله العظمى السِّيد محمود الشاهرودي(رحمه الله).
7. دورة أُصولية كاملة لأستاذه آية الله العظمى السِّيد الخوئي(رحمه الله).
8. دورة أُصولية كاملة والبيع والخيارات وخارج العروة الوثقى فـي الطهارة بحث لأستاذه آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي(رحمه الله).
9. رسالة فـي قاعدة لا ضرر ولا ضِرار.
10. شرح الكفاية.
11. رسالة فـي اللباس المشكوك.
12. رسالة فـي فروع العلم الإجمالـي.
13. رسالة فـي قاعدة الإقرار والرضاع؛ وغيرها من المباحث المهمَّة؛ تلك الَّتـي أُدرجت خلاصتها فـي كتاب (الفقه المبسوط)؛ الكتاب الذي يمتاز بمنهجه الخاص، فـي طرح ومناقشة المسائل الفقهية، وبما تعنى به من قواعد أصولية؛ مع أخذ امتثال الأَوْلَويَّات فـي المصير إلى الطرق الاستدلالية، بدءاً بالقرآن الكريم، والسنَّة المطهرة؛ ومن ثم يُصَار إلى الأصول العمليَّة.
هذا وللسِّيد الفقيه تآليف أخرى، فـي علم الأخلاق وعلم النَّفس، وتعاليق على كتاب الأسفار، وبعض العلوم الأخرى.
سائلين من المولى تعالى أن يوفق سماحته لطبعها إن شاء الله تعالى.
وله رسالة علميَّة (توضيح المسائل والمسائل المستحدثة). ومنهاج الصالحين؛ فـي مجلدين (العبادات ـ المعاملات). وحاشية على العروة الوثقى. ومناسك الحج.
مكانته العلميَّة:
فهو مجاز بإجازات هامة من فطاحل العلماء والآيات العظام فـي عصره؛ وقد شهدت بذلك إجازات مشايخه العظام فـي النظر والإجتهاد ومشايخه الأعلام فـي الإسناد والاستناد.
وجملة كثيرة من مكاتيب علماء عصره وأساتذته بكلمات مختلفة تشير إلى مقامه الشامخ فـي العلم والعمل وأن له المحل الأرفع فـي النفوس والشأن الأعظم فـي القلوب تقديراً واحتراماً لدى الحوزة العلميَّة فـي النجف الأشرف وأنَّه صاحب المقامات المعنوية والظاهرية المفيضة على الناس من بركات أنفاسه، وقد وصفوه بالعدل والعفة وعدّوه من أهل النظر والتحقيق والتدقيق وجعلهُ بعضٌ من الآيات العظام مورد المشاورة فـي بعض الأمور المهمة لا يناسب ذكر عبائرهم فـي هذا المختصر ويكفيه إشارة آية الله العظمى السِّيد محمود الشاهرودى فـي رسالته المؤرخة 26 ذي القعدة الحرام 1390هـ لما يرجع إلى سفره إلى إيران بقوله (قدس سره): (بأنه أرى من اللازم بقائه فـي النجف الأشرف حتى الإمكان لحاجة الحوزة العلميَّة إلى خدماته وخدمات أمثاله).
خدماته الإجتماعية:
فهو (قدس سره)؛ سعى كثيراً فـي خدمة المُستضعفين، كما شارك فـي إنشاء مجموعة من المدارس والبنايات ذات الأغراض الخيرية.
وساهم مساهمة فعّالة فـي بناء بعض المساجد والمستوصفات.
ليسَ هذا فقط؛ وإنَّمَا أعطى إجازات لمجموعة من الأخوة المؤمنين، فـي صرف الوجوهات فـي مجموعة من المشاريع الَّتـي تعود بفائدتها على الفقراء والمعوزين.
حتى لأولئك المجاهدين الَّذين وظفوا حياتهم للدِّفاع عن مُقَدَّسَاتهم وبُلدانهم الإسلاميَّة.
أخلاقه:
فهو قدس سره، دمث الأخلاق جم الفضيلة، راوية لسير العلماء الأوائل، مجلسه الخاص لا يخلو من المذاكرة فـي المسائل الفقهية الأُصولية والروايات والأحاديث (لأهل البيت)، يرأف بالفقراء ويحسن إليهم ويكرمهم بما يقدر عليه، وهو على جانب عظيم من الحلم والورع والتقى وصدق اللهجة، مستقيماً، حراً فـي أدائه وسلوكه، وسماحته قليل الكلام إلا فـي مسألة علمية أو ذكر الله تعالى.
إخراجُهُ من النَّجف الأشرف:
في عام 1396 اتخذ النظام الحاكم فـي العراق قراراً سياسياً جائراً للقضاء على الحوزة العلميَّة فـي النجف الأشرف، معدن علوم آل محمَّد (صلى الله عليه وآله) وحاضرة العالم الشيعي، ومهبط رجال الفكر، وفلاسفة العصر، وأقطاب الدين الإسلامي، وعلماء الإمامية ودعاة المذهب الجعفرى، وفيها يوم ذاك مئات العلماء والمجتدين، وقد صدرت الأوامر بإبعاد علماء الدين والأساتذة والطلاب الإيرانيين والهنود والأتراك والباكستانيين والأفغانيين عن العراق بحجَّة أنهم أجانب، وما هذا الإجراء الظالم إلا لكون هؤلاء ممن تقوم بهم الحوزة العلميَّة فـي النجف الأشرف.
لقد اصطدم النظام بجمع من الأعلام منهم سيدنا مفتـي الشيعة وألقاهم فـي السجن عدّة أيام، وهذه الشخصية النزيهة الخيّرة التـي كان كل همّها نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) وتعليم الناس أحكام دينهم، والاشتغال بالتأليف والتصنيف والتحقيق وحب الخير للجميع ومساعدة الضعفاء والمحتاجين لم يكن مورد قبولهم كما لم يكن سماحة آية الله العظمى السِّيد الحكيم (قدس سره)
مع عظمته وجلالة قدره عنه مرغوباً عندهم، فكادوا له كيداً حتى انتقل إلى جوار ربه.
نقل سماحة سيدنا الجليل إلى مركز (خان النصف) الذي ينتصف طريق كربلا ـ النجف، مع مجموعة كبيرة من المهجرين، ثم نقل سماحته من السجن العام إلى السجن الانفرادى ليقضى فيه أربعة أيام ومنه أعيد إلى سجن النجف، ثم أخذ إلى بيته بمعية مأمورى الدولة ليُمْهَل ساعتين فقط وأخذ ما يحتاجه وعليه مغادرة العراق فوراً.
فسار بأهله وعياله وأبنائه إلى إيران فاستقرَّ المقام فـي قم المقدسة مجاوراً السيدة المعصومة _ عليها السلام _، حتى أخذ _ دام ظله _ النهوض بوظائف الشرع الحنيف من تدريس وتأليف وقضاء حوائج الناس وحل مشاكلهم الاجتماعية.
وبعد رحيل زعيم الطائفة السِّيد الخوئي أوكل زعيم الحوزة العلميَّة السِّيد عبد الأعلى السبزوارى _ قدس سره _ لسماحة سيدنا المفتـي الأمور المتعلقة بمنح الإجازات وتعيين الوكلاء فـي الداخل والخارج، وكذلك الإجابة عن الاستفسارات الموجهة إليه، وما ذلك إلا لاعتماده التام _ قدس سره _ على وجهات.
نظره وتوجيهاته القيمة لمعرفته بأنه من الشخصيات العلميَّة حيث كان يشاوره فـي المسائل المهمة التـي تهم الطائفة.
وها هي نفس عبارات سماحة المرجع الدينـي الكبير السِّيد السبزوارى: (... السِّيد المفتـي المبجل وقد كان عهدنا بكم إنكم الكفؤ الكريم, وإنكم أهل لكلّ فضل وفضيلة...).
وناهيك بما كتبه هذا الحبر الجليل بشأن سماحته فلا تحتاج بعدها إلى بيان.
رحم الله من قرأ سورة الفاتحة واهدى ثوابها الى آية الله العظمى السيد محمد مفتي الشيعة الموسوي
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ
مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ
انتقل إلى رحمة الله آية الله العظمى السيد محمد مفتي الشيعة الموسوي قبل ساعات قليلة في إيران.
سيرته
محمَّد بن محمّد تقي بن مرتضَى بن نقد علي بن مير علي رضا بن حسين...؛ الموسوي.
وُلِدَ فـي أرْدَبيل؛ المعروفة بدار الارشاد، فـي العاشر من شهر رَجَب المُرجّب عام 1347هـ .ق، الموافق لعام 1307 هـ . ش.
والدُهُ:
آيةُ الله العظمي السِّيد محمّد تقي مفتـي الشيعة الأردبيلي المُتَوفّى سن 1361 هـ .
كان والدُهُ (رحمه الله)؛ من المراجع العظام؛ وكانت لَهُ زعامة البلد، كما كان مرجع التقليد.
له رسالة علميَّة باسم: شجرة التقوى، طُبِعَتْ فـي 18 ذي الحِجَّة عام 1336 هـ . كما أنّ له رسالة أخرى تَحمِلُ إسمَ: ذخيرةِ العُقْبَى, طُبِعَت عام 1344 هـ . ق.
وكان (رحمه الله)؛ من تلامِذة: الآخوند الخراسانـي، والسيّد كاظم اليزدي، والسيّد محمّد الاصفهانـي الفشاركي.
وأما جَدُّهُ:
فهو: آيةُ الله العظمي السِّيد مرتضى الخلخالـي الأردبيلى (قدس سره).
كان (رحمه الله) من المراجع, كما كانت لَهُ حوزة علميَّة كبيرة فـي أرْدبيل بعد مراجعته من النجف الأشرف، درس فيها وتخرّج منها جماعة من عُظَمَاء البِلاد؛ مُستفيدين من بحوثه وتحقيقاته.
فـي زمانه؛ كان هناك الكثير ممَّن توجهوا إلي حوزته المباركة؛ أعني من: بلاد القفقاز, بادكوبه، وشيروان، وسَلْيان، وايروان، ونخچوان، ولنكران. بل، ومن سائر البلدان الواقعة فـي آذربيجان.
تلك البلاد الَّتـي استولت عليها الحكومة الماركسيّة؛ فَهَدَمَتْ المساجد والحسينيَّات والمكتبات؛ كما قَتَلَت العلماء بعضاً، وشرّدت البعض الآخر.
واستمرّ الحال هكذا؛ إلى أن نزلَ بها عذابُ الله جَلَّ وعَلاَ فَمُزِّقَتْ شَرَّ ممزّق، وانحَسَر النظام الشيوعي عن المسرح السِّيَاسي؛ وأُخذ أبناءُ البلاد فـي العودة إلي الدين، والعمل على إحياء تراث سيّد المرسلين.
هذا، وقد كان الجدّ العظيم من تلامذة الشيخ الأنصاري (قدس سره) وكان صاحب الكرامات الباهرة.
توفـي (رحمه الله) سنة 1317 هـ . ق، ودُفِنَ فـي مقبرته الخاصة بالأُسرة الواقعة فـي التل التاريخي من الأبنية القديمة فـي أرْدبيل.
وأمّا أعمامُهُ أسكنهم الله فسيح جَنّاتِه؛ فمنهم:
الفقيه الكامل، السِّيد أحمد المجتهد؛ وهو من تلامذة: الشيخ حسن المامقانـي, والفاضل الشربيانـي. كان (رحمه الله) من الفقهاء المدبّرين الذين حفظوا البلاد من شرور الأعداء، واضطراب النظام، فـي تلك الأيام العسيرة والقاسية التـي مرّ بها المؤمنون آنذاك.
والسيد موسى فقيه مرتضوى؛ الرّجل العابد الزاهد؛ والذي حظي بإجازات الاجتهاد، من أساتيذه الكبار والمراجع العظام؛ أمثال السِّيد أبو الحسن الأصفهاني، والمحقق النائيني، والمحقق العراقي.
وأما والدته:
فهي العلوية الجليلة بنت سيد العلماء العظام؛ أعنـى: السِّيد باقر الأردبيلـي النجفي، الحائز على إجازة محترمة من أُستاذه المرجع الديني الشيخ محمد تقي الشيرازي (قدس سره) عام1335 هـ .
وهو (رحمه الله) نجل آية الله السِّيد حبيب الله الأطهاري الأردبيلـي؛ من أحفاد السِّيد حسين المجتهد الأكبر، ابن أخت المحقق الكركي العاملي، نزيل أردبيل؛ وكان شيخ الاسلام فـي أردبيل، فـي دار العلم والعرفان، فـي عصر السلطان طهماسب الصفوي.
وأما أولاده:
وقد وهبه الله تعالى من لدنه ذرية طيبة سبعة أولاد ذكور وثلاثة منهم من الفضلاء، حجة الاسلام السِّيد محمد تقي، وحجة الاسلام الحاج السِّيد محمد زكي، ثقة الاسلام السِّيد أبو الفضل.
وأما نسبه:
فهو ينتهي إلى السِّيد ابراهيم الأصغر، الملقب بالمرتضى، ابن الامام الهمام بالحق موسى بن جعفر (عليه السلام)؛ كما هو مذكور فـي المشجرات.
وأما أُسرَتُهُ:
فهي تُمَثِّل أحد الاُسَرِ العلميَّة القديمة؛ المستوطنة فـي كثيرٍ من البقاع الاسلاميَّة الشَّهيرة؛ كالنجف الأشرف، وأردبيل، وخلخال، وقزوين، ورشت، وطهران...
أُسْرَةٌ عريقةٌ فـي المجد، وسَبّاقة إلى نيل الفضائل، وطلب العلم ومُزاوَلَة الأدب.
الأمر الذي نجد معه، وعلى تعاقب الأيَّام والسِّنين؛ أن برز من أحضانها مجموعة محترمة من الفقهاء والأدباء والشعراء، الساسة الأجلاَّء، الذين تقلدوا الزعامة الدينية والدُّنيويَّة، كما أنَّ لكثيرٍ منهم مُشَاركة فـي مختلف العلوم، ومنها الروحية.
وعليه، فلا غرابة إذا وجدنا المعاجم وكتب السير تعنى بتراجم رجالها وأُدَبَائها، فتكتب عنهم الصفحات تلو الصفحات، العامرة بالتقدير والإكبار لفضائلهم وعلومهم ومآثرهم الفكرية.
سُلوكُهُ:
بعدَ رِحْلَةِ والده إلى الرفيق الأعلى، فـى 29 ـ يوم شهادة الإمام محمد التقي (عليه السلام)، سنة 1361 هـ .ق؛ فـي اردبيل.
وبعد أن أُقِيْمَت لَهُ مجالس الفاتحة, وَلِمُدَّةِ أربعين يوماً، وفي اليوم الأخير من تلكم المجالس، تَعَمَّمَ؛ وكان ذلك بِيَد المرجع الدينـي السِّيد يُونس الأردبيلى (قدس سره)، وذلك قبل انتقاله إلى مشهد الرضا (عليه السلام)، حيثُ كان مُقيماً فـي أرْدبيل.
وهكذا تمضي الأيّام، حتّى جاءت سنة 1363 هـ . ق، حيث تَصَدَّى للإمامةِ فـي مسجد والده المعروف بمسجد السُّوق، ومسجد السِّيد أحمد (رحمه الله)؛ وبإذن من عَمِّهِ الفقيه السِّيد موسى. فكان مسجداً عامراً بالمصلِّين، وكان يحضر الناس صلاة جماعته؛ نظراً لكونهِ شاباً وما كان يتمتَّعُ بِهِ من خُلُق؛ وإكراما لما ينتمي إليه من أسرة علميَّة عريقة.
بل، أنَّ البعضَ منهم؛ كان يتبرك بماء وضوئه. ويتوسلون بدعائه، مثله فـي ذلك مثل آبائه وأجداده.
نعم، كان معروفاً فـى البلد وفي أسرته، بالورع والعفة والتقوى؛ كما كان مشهوراً بين العلماء والمحصلين بالفضيلة والعدالة.
فهم يرجعون إليه فـي حلِّ مشاكلهم؛ بل، والناس يرجعون إليه فـي قضاء حوائجهم وإصلاح ذات البين، والتي من بينها الخلافات العائليَّة...
وسماحته قليل الكلام إلاَّ فـي مسألة علمية أو ذكر الله تعالى، طويل الصمت، دائب التفكير، وهو علي جانب عظيم من الحكم والورع وصدق اللهجة مستقيماً حراً فـي آرائه وسلوكه، فهو بلغ الغاية القصوي فـي رياضة النفس ومعارضته الهوى والوقوف عند الشبهات، وهو من أهل الورع والنسك يعرفه مختلف الطبقات خاصة فـي بلاده وعند رفقائه المعاشرين له فـي الحوزات العلميَّة.
دراساته:
تحصيله العلمي، نشأ نشأة صالحة ومال إلى طلب العلم، وكان يمتاز بذكاء مفرط، واستعداد كثير، كانت تلوح عليه إمارات النبوغ، تعلم سماحته المقدِّمَات والسُّطوح بما فيها العاليَّة، عند نُخْبَة من العلماء الكبار، فـي ارْدبيل؛ والذين هم من تلامذة والده المرحوم السِّيد محمد تقي مفتـي الشيعة (قدس سره).
كذلك؛ فإنه قرأ الرسائل، عند آية الله الشيخ غلام حسين الغروى.
وقرأ أيضاً المكاسب عند عَمّهِ آية الله السِّيد موسى فقيه مُرتضوى.
هجرته إلى قم المقدسة:
هاجَر إلى قم المقدسة لينخرط فـي حوزتها العلميَّة وذلك فـي عام 1367 هـ .
حيث حضرَ البحث الخارج لآيةِ الله العُظمى السِّيد البروجردي (قدس سره) فـي الفقه فـي الصلاة.
وعند آية الله العظمى السِّيد محمد الحجة (قدس سره) فـي البيع.
وعند آية الله العظمى السِّيد الخميني (قدس سره) فـي الأُصول.
وعند آية الله العظمى السِّيد محمد محقق الداماد فـي الطهارة.
وكذلك حضر أبحاث العلامة السِّيد الطَّباطبائي (قدس سره) فـي التفسير والهيئة والفلسفة.
ليس هذا فقط؛ وإنَّما كان فـي الوقت نفسه، مشغولاً بالتدريس على مستوى السطوح العالية، من الرسائل والكفاية والمكاسب والمنظومة.
ثم إنَّه بعد ذلك، وفي أيَّام العُطلة الصيفيَّة بالخصوص، يُسافر إلى وَطَنِهِ مُنْتَقلاً فـي مساجد آبائهِ، معنياً بإقامة صلاة الجماعة، وتعليم المسائل الدينية، ورعاية الخدمات الاجتماعيَة.
هجرتُهُ إلى النّجف الأشرف:
هاجر إلى النَّجف عام 1374 هـ .ق الموافق لسنة 1333 هـ ش؛ فقد وصلها فـي 16 ربيع المولد...
حلّ فيها بُغيَة إكْمَال دراساته العلميَّة الاستنباطية حيث حَضَرَ أبْحَاث مَرَاجع الدّين العظام آنذاك؛ والذّين منهم:
المرجع الدّينـي الأعلى السِّيد محسن الحكيم الطَّباطبائيّ (قدس سره)، والمرجع الدينـي الأعلى السِّيد محمود الشاهرودى (قدس سره)، والمرجع الدينـي الأعلى السِّيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره).
وأخيراً، كان ملازماً لأبحاث آية الله الشيخ حسين الحلي (قدس سره) فـي الفقه والأصول مدة طويلة وكانت أكثر استفادة منه.
بل، كان مدة اشتغاله عليه، ولفترة تزيد على عشر سنوات؛ كان معنياً بكتابة دروسه وأصبح أحد أركان حوزة الحلي.
حتى أنه كتب أبحاثه الأصولية دورة كاملة، وكذلك <العروة>.
بيد: أنه وبعد رجوعه من أداء فريضة الحج عام 1388هـ؛ ودع درس الشيخ الحلي، وتفرغ للتدريس فقهاً وأصولاً؛ وكذلك أخذ على نفسه ممارسة التأليف.
عودة إلى مسقط الرأس:
في عام 1379 هـ، حضر وفد من أهالـي أردبيل الوجهاء إلى النجف الأشرف وقابلوا المرجع الأعلى السِّيد الحكيم (قدس سره) وبعد أداء مراسيم المقابلة والزيارة, فقد طلبوا من سماحته، أن يوفد سماحة السِّيد مفتـي الشيعة إلى مدينتهم اردبيل ممثلاً ووكيلاً عنه، فـي أداء المهمَّات الشرعية.
ثم أنَّ السِّيد الحكيم رغم رغبته فـي بقائه فـي النجف، إلا أنه اقتنع أخيراً بضرورة وجوده فـي أردبيل ملبياً رغبة وجهائها...
عندها شدَّ سماحة السِّيد حقائب العودة، فسافر من النجف فـي 16 ذي القعدة عام 1379 قاصداً أردبيل، حيث وصلها فـي 24 ذي الحجة من نفس العام.
نعم، وما أن سمع أهالـي البلد، وخاصة العلماء والوجهاء والخطباء، بنبأ وصوله؛ حتى هرعوا لاستقباله وعلى مسافة تقرب من 12 فرسخاً.
هذا ورافق وصوله حدوث أمر مهم، كان له أثره فـي عواطف الناس وتعظيم شعائرهم، أعنـي به إقدام الحكومة آنذاك على تخريب المسجد العظيم الواقع فـي وسط الشارع العام، خفية وفـي الليل عناداً منها للعلماء المحترمين ومريديهم من الأناس المتدينين.
الأمر الذي كان الجميع يستبشر بقدوم السِّيد وحل مثل هذا الحدث الخطير على يديه.
وهم فـي كلّ ذلك، فـي استقبالهم الحار له، و...؛ إنما يعتبرونه من مصاديق: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
وهكذا تمضي الأيام، وجاءت سنة 1380 هـ.
وفيها توفـي العلم الشامخ، آية الله العظمى المرجع الأعلى للطائفة الإمامية السِّيد البروجردي (قدس سره).
وعلى أثر ذلك؛ فقد رجعت بلاد آذربيجان بعده, فـي تقليدها إلى آية الله السِّيد الحكيم (قدس سره)؛ مستعينين فـي ذلك بواسطة وكيله سماحة السِّيد مفتـي الشيعة؛ راجعين إليه فـي أخذ وفهم وحل مشاكلهم الشرعية، بما فـي ذلك المسائل الدينية العلميَّة.
بيد أن لسماحته بعد قرابة السنة والنصف من مكوثه فـي أردبيل؛ عاد ثانية راجعاً إلى النجف الاشرف، ليواصل ما انقطع من حبل اهتماماته ونشاطاته التـي كانت له قبل سفره.
تأليفاته:
فهو يحتفظ بمجموعة متكاملة من تقريرات، ولسائر أساتذته فـي الفقه والأصول، ممن حضر لديهم، فـي قم والنجف الاشرف.
تلك التقريرات؛ التـي كانت موضع تقدير عند الأساتذة الكرام وذوي الفن من شيوخ الحوزة العلميَّة.
في حوزة قم:
1. كتاب البيع، بحث أستاذه آية الله العظمى السِّيد محمد الحجة (رحمه الله).
2. كتاب الصلاة، بحث أستاذه آية الله العظمى السِّيد آغا حسين البروجردي (رحمه الله).
3. كتاب الطهارة، بحث أستاذه آية الله العظمى السِّيد محمد محقق الداماد (رحمه الله).
4. دورة الأُصول؛ فـي مباحث الألفاظ، بحث أستاذه آية الله العظمى السِّيد الخمينـي (رحمه الله) (زعيم الثورة الإسلامية)؛ وبحث مسألة لاجبر ولا تفويض بل أمرٌ بين الأمرين بالاستدلال العقلي والشرعي..
5. نظريات أستاذه العلامة الطَّباطبائي حول بعض المبانـي فـي الفلسفة الموجودة فـي المنظومة والأسفار بعنوان تعليقات الأستاذ العلامة.
في حوزة النجف: فـي صلاة المسافر والجماعة وجملة من المسائل المهمة فـي الحج.
6. تقرير بحث أستاذه آية الله العظمى السِّيد محمود الشاهرودي(رحمه الله).
7. دورة أُصولية كاملة لأستاذه آية الله العظمى السِّيد الخوئي(رحمه الله).
8. دورة أُصولية كاملة والبيع والخيارات وخارج العروة الوثقى فـي الطهارة بحث لأستاذه آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي(رحمه الله).
9. رسالة فـي قاعدة لا ضرر ولا ضِرار.
10. شرح الكفاية.
11. رسالة فـي اللباس المشكوك.
12. رسالة فـي فروع العلم الإجمالـي.
13. رسالة فـي قاعدة الإقرار والرضاع؛ وغيرها من المباحث المهمَّة؛ تلك الَّتـي أُدرجت خلاصتها فـي كتاب (الفقه المبسوط)؛ الكتاب الذي يمتاز بمنهجه الخاص، فـي طرح ومناقشة المسائل الفقهية، وبما تعنى به من قواعد أصولية؛ مع أخذ امتثال الأَوْلَويَّات فـي المصير إلى الطرق الاستدلالية، بدءاً بالقرآن الكريم، والسنَّة المطهرة؛ ومن ثم يُصَار إلى الأصول العمليَّة.
هذا وللسِّيد الفقيه تآليف أخرى، فـي علم الأخلاق وعلم النَّفس، وتعاليق على كتاب الأسفار، وبعض العلوم الأخرى.
سائلين من المولى تعالى أن يوفق سماحته لطبعها إن شاء الله تعالى.
وله رسالة علميَّة (توضيح المسائل والمسائل المستحدثة). ومنهاج الصالحين؛ فـي مجلدين (العبادات ـ المعاملات). وحاشية على العروة الوثقى. ومناسك الحج.
مكانته العلميَّة:
فهو مجاز بإجازات هامة من فطاحل العلماء والآيات العظام فـي عصره؛ وقد شهدت بذلك إجازات مشايخه العظام فـي النظر والإجتهاد ومشايخه الأعلام فـي الإسناد والاستناد.
وجملة كثيرة من مكاتيب علماء عصره وأساتذته بكلمات مختلفة تشير إلى مقامه الشامخ فـي العلم والعمل وأن له المحل الأرفع فـي النفوس والشأن الأعظم فـي القلوب تقديراً واحتراماً لدى الحوزة العلميَّة فـي النجف الأشرف وأنَّه صاحب المقامات المعنوية والظاهرية المفيضة على الناس من بركات أنفاسه، وقد وصفوه بالعدل والعفة وعدّوه من أهل النظر والتحقيق والتدقيق وجعلهُ بعضٌ من الآيات العظام مورد المشاورة فـي بعض الأمور المهمة لا يناسب ذكر عبائرهم فـي هذا المختصر ويكفيه إشارة آية الله العظمى السِّيد محمود الشاهرودى فـي رسالته المؤرخة 26 ذي القعدة الحرام 1390هـ لما يرجع إلى سفره إلى إيران بقوله (قدس سره): (بأنه أرى من اللازم بقائه فـي النجف الأشرف حتى الإمكان لحاجة الحوزة العلميَّة إلى خدماته وخدمات أمثاله).
خدماته الإجتماعية:
فهو (قدس سره)؛ سعى كثيراً فـي خدمة المُستضعفين، كما شارك فـي إنشاء مجموعة من المدارس والبنايات ذات الأغراض الخيرية.
وساهم مساهمة فعّالة فـي بناء بعض المساجد والمستوصفات.
ليسَ هذا فقط؛ وإنَّمَا أعطى إجازات لمجموعة من الأخوة المؤمنين، فـي صرف الوجوهات فـي مجموعة من المشاريع الَّتـي تعود بفائدتها على الفقراء والمعوزين.
حتى لأولئك المجاهدين الَّذين وظفوا حياتهم للدِّفاع عن مُقَدَّسَاتهم وبُلدانهم الإسلاميَّة.
أخلاقه:
فهو قدس سره، دمث الأخلاق جم الفضيلة، راوية لسير العلماء الأوائل، مجلسه الخاص لا يخلو من المذاكرة فـي المسائل الفقهية الأُصولية والروايات والأحاديث (لأهل البيت)، يرأف بالفقراء ويحسن إليهم ويكرمهم بما يقدر عليه، وهو على جانب عظيم من الحلم والورع والتقى وصدق اللهجة، مستقيماً، حراً فـي أدائه وسلوكه، وسماحته قليل الكلام إلا فـي مسألة علمية أو ذكر الله تعالى.
إخراجُهُ من النَّجف الأشرف:
في عام 1396 اتخذ النظام الحاكم فـي العراق قراراً سياسياً جائراً للقضاء على الحوزة العلميَّة فـي النجف الأشرف، معدن علوم آل محمَّد (صلى الله عليه وآله) وحاضرة العالم الشيعي، ومهبط رجال الفكر، وفلاسفة العصر، وأقطاب الدين الإسلامي، وعلماء الإمامية ودعاة المذهب الجعفرى، وفيها يوم ذاك مئات العلماء والمجتدين، وقد صدرت الأوامر بإبعاد علماء الدين والأساتذة والطلاب الإيرانيين والهنود والأتراك والباكستانيين والأفغانيين عن العراق بحجَّة أنهم أجانب، وما هذا الإجراء الظالم إلا لكون هؤلاء ممن تقوم بهم الحوزة العلميَّة فـي النجف الأشرف.
لقد اصطدم النظام بجمع من الأعلام منهم سيدنا مفتـي الشيعة وألقاهم فـي السجن عدّة أيام، وهذه الشخصية النزيهة الخيّرة التـي كان كل همّها نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) وتعليم الناس أحكام دينهم، والاشتغال بالتأليف والتصنيف والتحقيق وحب الخير للجميع ومساعدة الضعفاء والمحتاجين لم يكن مورد قبولهم كما لم يكن سماحة آية الله العظمى السِّيد الحكيم (قدس سره)
مع عظمته وجلالة قدره عنه مرغوباً عندهم، فكادوا له كيداً حتى انتقل إلى جوار ربه.
نقل سماحة سيدنا الجليل إلى مركز (خان النصف) الذي ينتصف طريق كربلا ـ النجف، مع مجموعة كبيرة من المهجرين، ثم نقل سماحته من السجن العام إلى السجن الانفرادى ليقضى فيه أربعة أيام ومنه أعيد إلى سجن النجف، ثم أخذ إلى بيته بمعية مأمورى الدولة ليُمْهَل ساعتين فقط وأخذ ما يحتاجه وعليه مغادرة العراق فوراً.
فسار بأهله وعياله وأبنائه إلى إيران فاستقرَّ المقام فـي قم المقدسة مجاوراً السيدة المعصومة _ عليها السلام _، حتى أخذ _ دام ظله _ النهوض بوظائف الشرع الحنيف من تدريس وتأليف وقضاء حوائج الناس وحل مشاكلهم الاجتماعية.
وبعد رحيل زعيم الطائفة السِّيد الخوئي أوكل زعيم الحوزة العلميَّة السِّيد عبد الأعلى السبزوارى _ قدس سره _ لسماحة سيدنا المفتـي الأمور المتعلقة بمنح الإجازات وتعيين الوكلاء فـي الداخل والخارج، وكذلك الإجابة عن الاستفسارات الموجهة إليه، وما ذلك إلا لاعتماده التام _ قدس سره _ على وجهات.
نظره وتوجيهاته القيمة لمعرفته بأنه من الشخصيات العلميَّة حيث كان يشاوره فـي المسائل المهمة التـي تهم الطائفة.
وها هي نفس عبارات سماحة المرجع الدينـي الكبير السِّيد السبزوارى: (... السِّيد المفتـي المبجل وقد كان عهدنا بكم إنكم الكفؤ الكريم, وإنكم أهل لكلّ فضل وفضيلة...).
وناهيك بما كتبه هذا الحبر الجليل بشأن سماحته فلا تحتاج بعدها إلى بيان.
رحم الله من قرأ سورة الفاتحة واهدى ثوابها الى آية الله العظمى السيد محمد مفتي الشيعة الموسوي
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ
مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ