وفاء النجفي
24-05-2010, 12:18 AM
.
الدكتور : عبد الحسين رزوقي الجبوري كلية التربية ابن رشد / جامعة بغداد
الباحث الأكاديمي : عبد الأمير چاووش
رئيس جمعية الحكمة المشرقية /الكاظمية المقدسة
المقدمة :
لقد كانت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام أول شرارة الصراع العقائدي السياسي في مرحلة التطبيق للشريعة الإسلامية - أي ما بعد مرحلة التنزيل .
وهي التي تزعمت حركة العقلانية الأخلاقية بصورة عامة مطلقة لتبيان الأحكام الشرعية وإحقاق الحق , ورغم دعوتها للسلام التي تؤكد على الجانب الإنساني وتحرض على الانصياع للمثل العليا والتفاني من اجل المبادئ الرسالية , فأن موهبتها الفذة على تفنيد الأيديولوجيات العدوانية والمرتدة تمثل منهجية علمية بارعة .
أن دراسة شخصية الزهراء عليها السلام يمتد إلى مجالات ذات أبعاد كثيرة ومتعددة , لكن المطروح من الدراسات الجادة المتضمنة على الدقة وعدم التحيز قليلة وربما نادرة , وهذه العقدة المكبوتة في تاريخ الإسلام أثرت في حياة ألامه مذ دبت ودرجت , فأضعفت هيكل الإسلام وأوهنت روح الإيمان وأحرجت الدعاة في سوح الصراع الحضاري القائم .
يطمح الباحثان من خلال التحاور بينهما لتقديم محاولة جادة تتناول فترة سياسية حرجة في حياة الزهراء عليها السلام بعد وفاة الرسول الأعظم مع الحرص جهد الممكن على روح التجرد العلمي وتجنب الإرهاصات العاطفية التي يحدوها الجهل إلى متاهات اللا إنسانية .
مشكلة البحث :
ربما من الخطأ الفادح أن نحاكم التاريخ لنحمل العداء لشخصياته , ولكن من جانب تصحيح بعض المفاهيم يكون ضروري لسلامة واستمرار النمو السوي لكيان العقيدة , والمحافظة على تجديد قدرتها الفاعلة في المجتمع , لأن صحة الحضارة ترتبط باطراد التوسع الثقافي الذي يحقق المصالح والأهداف المشتركة للأمة مع وجود المعادلات الاتجاهية التي تحقق التوازن الإيجابي .
أهمية البحث :
تبرز أهمية البحث من خلال الكشف عن جانب من الواقع الفكري عند احد أركان الدعوة الإسلامية وهي بضعة الرسول الأكرم محمد كونها احد الأثقال المهمة والمؤثرة في كيان الحضارة الإنسانية وأيضا أول صناع الفلسفة العملية في الإسلام
وهنا سينهل البحث من خطبة ا لزهراء والمعروفة بالخطبة الفدكية والقصد من ذلك التوسع في فهم تلك الخطبة شرط أن يتخطى ذلك الفهم المذهبيات المغلقة إلى الحرية الجدلية لا إلى ترويج ألاثنية أو الطائفية أو الهرطقة أو التحريف سواء السلفية منها أو المبتدعة من الفلسفات المستوردة فكلها طروحات ساذجة متمركزة حول الذات لا تقوى على فهم أخلاقية التوحيد وإنما تضغط اللاهوت المبتدع بالناسوت المصطنع لتعتصر منها دبق الأنانية .
مدخل البحث :
كان الإسلام عودة للإبراهيمية الحنيفة وتصحيحا لمسارها , وتعميما لمفهوم التوحيد فهو عملية تعلم اجتماعي أشبه بعملية التنشئة الاجتماعية التي تؤدي فيها اللغة دورا جوهريا .
لقد أعاد الإسلام صياغة وانتشار القيم والمقاييس والأحكام الاجتماعية من داخل المدينة المنورة إلى المجتمعات الأخرى مما عرض الثقافات القديمة لعملية التبدل التي تجعلها منسجمة ومنصاعة لظروف وأحوال المجتمع الناشئ . وهو ما سبب الصراع الحضاري بين القيم القديمة والقيم الجديدة وخلق تراتيب طبقية أخرى مع ما لسرعة التغيرات من تأثير نفسي _ بداية الهجرة.
لقد كان السلوك العقلي لجماعة المؤمنين مؤثرا في التفاعل الاجتماعي ولكنهم كانوا أقلية تحملت مهمة تحوير المجتمع والتصدي للمشاكل الناتجة عن هذه العملية - بعد معركة احد.
وفي مثل هذه الظروف سيقع بعض أفراد المسيرة تحت طائلة الاغتراب فيشعر بأنه غير قادر على تغيير الوضع الاجتماعي الذي يتفاعل معه وانه لو أراد تحقيق أهدافه فأنه يجب عليه عدم التصرف بموجب المقاييس المتعارف عليها اجتماعيا وأخلاقيا وهذه الحالة السايكو_اجتماعية يساعد عليها شراسة الصراع حيث المؤثرات العنيفة تدفع إلى الميل نحو تقييم الأشياء بطريقة متميزة تجعل الفرد مستعدا للاستجابة لتلك المؤثرات بطريقة معينة - بعد فتح مكة.
وأحيانا تخلق تلك الظروف كتلا متحزبة تحاول أن تفرض آراؤها في صنع الحلول ولا يمكنها ذلك إلا بوجود الدعم المادي فتنشأ التحالفات الطبقية وتسعى في الصراع على السلطة بامتداد الزعزعة في مؤسسات وقطاعات المجتمع - بعد وفاه الرسول .
من ناحية أخرى فأن عدم الانسجام الكامل بين الجماعات حول المعتقدات والأفكار والأخلاق والأهداف والأدوار الاجتماعية يجعل النظام غير مستقرا لأنه يؤثر سلبا بشرعية القيادة المركزية والأدوار الاجتماعية وطريقة الوصول الى المراكز القيادية الحساسة للنظام المركزي وتنعكس على الواجبات والمكافآت والأحكام العامة والأوامر الخاصة التي تصدرها القيادة - الخلافة الثانية .
هناك يضطر الحاكم للحفاظ على السلطة إلى ممارسة الدكتاتورية المتسمة بالالتزام الشديد بالتقاليد وفرض العقاب الصارم لمن يتحدى السلطة والتصلب في الأفكار وانتشار أفكار الأسطورة والميول الى التقسيمات العرقية والطبقية ونشوء أوهام المؤامرة التي تؤدي إلى إعلان الحرب في الداخل والخارج وذلك ما يلائم النمو السريع للمجتمع مع عدم القدرة على إيجاد الحلول الصحيحة للمشاكل - الخلافة الثالثة.
الصراع السياسي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم
المبحث الأول
لمحات عن حياة الزهراء عليها السلام :
أن بضعة الرسول الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام ، تعد أنموذجاً للمرأة والعالمة والمربية لم ولن نجد ما يقابلها من النساء ولن تتكرر ظاهرة الزهراء، ولكن يبقى الإشعاع الذي انطلق قبسه من بيت النبوة ضياءا وهاجا للبشرية جمعاء وخير دليل على ذلك الأسماء الكثيرة التي كنيت بها رغم الحياة القليلة التي عاشتها علاوة على ذلك الأثر الخالد في خطبها التي ألقتها والتي تحمل في طياتها معاني ودلالات كثيرة تصلح لكل عصر وهذا السر الخالد متأتي من الدور الإنساني الذي أدته والمتمثل بان أئمة الهدى وعصمتهم تلتقي بالنبوة عن طريقها وهذا في حد ذاته يراه من يمتلك بصيرة بان هذا الارتباط عروة قوية فبالزهراء عليها السلام ترتبط الإمامة بالنبوة ، لذا كانت هذه الرابطة لها أسماء متنوعة وكنى متعددة.
أن من أشهر ما تكنى به الصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والرضية والمرضية والمحدثة والزهراء ( المسعودي 2009)
كما تكنى فاطمة عليها السلام أم إلهنا وأم العلوم وأم الفضائل وأم الأسماء وأم أبيها وأم الأئمة وآم النجباء وأم الإخبار وأم الإزهار وأم البررة وأم الريحانتين وأم السبطين وأم الحسن وأم الحسين وأم المحسن (المازندراني 1956م :ص129)
أن مدلولات هذه الأسماء وغيرها التي لم تذكر في البحث الحالي دلالة راسخة لكل ذي بصيرة، أن تنوع الأسماء لأي شخصية مؤشرا على أن الشخصية أخذت حيزا في عالم الإنسانية ، وكيف بنا ونحن إمام شخصية ملئت الدنيا بفكرها الخالد الذي كان ولا يزال كنزا مخفيا لم يكتشف منه إلا القليل القليل لذا نجد لم يمر مدة من الزمن إلا ونطالع إصدار أو مقالة عن الزهراء عليها السلام وهذا بحد ذاته دليل على إننا إمام نبعا صافيا لا ينضب ، أنها من بركاتها فسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية
لقد كانت فاطمة الزهراء عليها السلام نشأتها وترعرعها في بيت النبوة ، يحيطها أركان ترتيل القرآن وتهجد الصلوات، ويزينها الخلق العظيم المتمثل برسول الله صلى الله عليه وسلم ((وانك على خلق عظيم ))سورة القلم الآية 4 علاوة على ذلك كانت من خمسة أهل الكساء الذي خصهم الله بأية التطهير.
هذه العوامل وغيرها جعلت من شخصية الزهراء أكثر قوة وأمضى صلابة زادها على ذلك معايشتها لما يجري للرسول صلى الله عليه واله وسلم من أذى من قريش ،فكانت إلى جانبه صابرة محتسبة تزيل عن ما لحق بأبيها من أذى المشركين
لقد كانت روح الإيثار للزهراء عليها السلام تتجلى في دعائها للمؤمنين والمؤمنات والإكثار منه ولا تدعو لنفسها وحين سألها الإمام الحسن عليها السلام بعد أن أمضت ليلتها ساجدة راكعة مسترسلة بالدعاء حتى اتضح عمود الصبح، عن سبب عدم دعائها لنفسها شيئا فإجابته الزهراء عليها السلام الجار قبل الدار (ألمجلسي ج43ص 81)
أن زواج السيدة الزهراء عليها السلام انتقاله نوعية في حياة الزهراء فبعد أن عاشت صباها في بيت النبوة انتقلت إلى بيت الإمامة الذي وصف رسول الله صلى عليه واله سلم صاحب هذا البيت المتمثل بالإمام علي عليه السلام بقوله (( أنا مدينة العلم وعلي بابها))(( الطبراني ب ت ص66 )) وهذا دلالة رائعة أن الزهراء عاشت في ربوع العلم وبين بطل من إبطال الإسلام تمثل بالحق والحق تمثل به
أن ثمرة هذا الزواج هي العترة الطاهرة التي تنورت بإمامين همامين الحسن والحسين عليهما السلام والمحسن عليه السلام وزينب بطلة كربلاء وأم كلثوم (المسعودي 1964ص288)
لقد حظيت الزهراء عليها السلام بمنزلة ومقام رفيع عند رسول الله صلى عليه واله وسلم إذ يذكر ((أن غضب الزهراء عليها السلام يوجب غضب الله سبحانه وتعالى ورضاها يوجب رضا الله )) وهذا دليل من لا دليل له لا يقبل الشك عن عصمتها ويقول السبحاني بما أن الله عادل وحكيم فانه لا يغضب الأعلى الكافر والعاصي ولا يرضى إلا على المؤمن والمطيع (السبحاني ص17) ولو تناولنا عرض الأحاديث الخاصة برضا الله وغضبه لغضب فاطمة عليها السلام فإننا نحتاج إلى أكثر من بحث
أما دورها في رواية الحديث فقد ذكرت عن أبيها أسماء الأئمة واحد واحد صلوات الله عليهم أجمعين وروت الزهراء عليها السلام عن قائم آل محمد عجل الله فرجه ، وهذا دلالة على الخط الرسالي للزهراء عليها السلام ويؤكد على فلسفة العصمة والإمامة وتؤسس لفلسفة الانتظار مصداقا لقوله تعالى (( واصبروا وصابروا)) الاية200 آل عمران
فمثلما عاشت الزهراء عليها حياة السلام فإنها عاشت حياة الحرب فقد شاركت بمعركة احد وحضرت شهادة الحمزة وكان لها دورا رياديا في المعركة في سقاية الماء وتضميد الجرحى
لقد شهدت حياة الزهراء في حديثها وخطبها بلاغة الأسلوب وقوة العبارة وكانت خطبتها بحقها في فدك وخيبر مثالا للوصف الذي يعجز الفرد أن يصل كماله وان يشخص كيفيته ، فتضمنت ما ذكره المجلسي في بحار الأنوار ج 43ص114بان خطبتها الغراء تحير من العجب منها وإعجاب الفصحاء والبلغاء بها
ويتضح لمن يقرا ويتدبر خطب الزهراء عليها السلام سيجد إنها احتوت قوة البيان ومسائل التوحيد وصفات الخالق وأسمائه الحسنى وأهمية القران الكريم وفلسفة الإحكام وإسرارها
لقد كانت منزلتها العلمية المرموقة وبشهادة ا مسلمة رضوان الله عليها إذ تقول كانت فاطمة عليها السلام اعرف مني بالأشياء كلها وكيف لا تكون كذلك وهي سلالة الأنبياء صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ((الطبري1984 ص 12 ))
لقد عاشت الزهراء عليها السلام حياتها من اجل الإسلام فكان دفاعها عن حق آل البيت في الخلافة وحقها في الإرث ليس من منطلق شخصي وهي تعرف أنها أول من يلحق برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولكن صراعها جرى برمته من اجل الإسلام والطريق القويم والالتزام بما جاء بكتاب الله المجيد فمثلما بدأت حياتها بالإسلام ختمته بالإسلام، تاركتا لنا أثرا يبقى بقاء الأرض ومن يرثها متمثل بأئمة الهدى وسنة أبيها صلى الله عليه وسلم وعطائها المتمثل بخطبها الشريفة المعروفة بالخطبة الفدكية . انظر الملحق
المبحث الثاني
الصراع حول مفهوم التوحيد :
أن كل ما قرره أبو الحسن الأشعري هو عين ما قال به جده أبو موسى الأشعري (راجع الملل والنحل للشهرستاني القاهرة 1967) فقد اعتقد الأشاعرة أن الصفات زائدة على الذات فالله عالم بعلم زائد على ذاته وحي بحياة زائدة على ذاته أي أن الله يتجزأ إلى ذات وصفات أو صفة وموصوف .
واثبت الأشعرية سبعة صفات قديمة (عالم –قادر-حي- مريد – سميع – بصير- متكلم ) ( انظر الأشعري الابانه عن أصول الديانة القاهرة) واعتبروا الصفات حقيقة أزلية ونفوا مماثلاتها بالصفات الإنسانية لأن تأويلها لمفردات (الوجه واليد والنزول والعرش) يحاكي التصور السلفي وينسجم معه إذ اعتبروا مثل هذه المفردات حقيقية كالسمع والبصر والعلم والقدرة (انظر احمد بن حنبل الرد على الزنادقة مصر 1972) بينما في نهج البلاغة يرى الإمام علي عليه السلام ( كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه , لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة .فمن وصف الله فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده) (خطبه رقم 1 نهج البلاغة) .
كانت الفلسفات القديمة قاطبة ترى أن الزمان والمكان والمادة أزليات لا نهائية منفصله على عكس ما اقره أمير المؤمنين علي من أنها محدثات مترابطة متصلة نهائية . وهو ما يوافق مبادئ الفيزياء الحديثة .
1- الزمان :
عند أمير المؤمنين عليه السلام هو تغير حال معدود بالزيادة أو النقصان محدود بالحدوث والفناء لا ينفصل عن الشيء المخلوق . أحال الأشياء لأوقاتها (خطبه رقم1نهج البلاغة).
لم تسبق له حال حالا فيكون أولا قبل أن يكون أخرا ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا (خطبه رقم65نهج البلاغة) .
ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال (خطبه رقم91نهج البلاغة).
أنت الأبد فلا أمد لك (خطبة رقم109نهج البلاغة).
من عده فقد أبطل أزله (خطبه رقم152نهج البلاغة).
قبل كل غاية ومدة وكل إحصاء وعده (خطبه رقم163نهج البلاغة).
لم يخلق الأشياء من أصول أزلية ولا من أوائل أبدية بل خلق ما خلق فأقام حده(خطبه رقم163نهج ألبلاغه) .
لم يتقدمه وقت ولازمان ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان (خطبه رقم182نهج البلاغه).
لا تصحبه الأوقات (خطبة رقم186نهج البلاغة) .
2- المكان :
هو امتداد المكين أو تغير حد الشيء في شيء (المقاومة بمفهوم الفيزياء)
مع كل شيء لا بمقارنه وغير كل شيء لا بمزايله (خطبه رقم1نهج البلاغة).
لم يحلل في الأشياء فيقال هو كائن ولم ينأـ عنها فيقال منها بائن (خطبه رقم65نهج البلاغة).
ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال (خطبه رقم 91نهج البلاغه ).
من قال أين فقد حيزه (خطبه152نهج البلاغة).
خلق ما خلق فأقام حده (خطبه رقم163نهج البلاغة).
3- المادة :
ما له حد وصفة يدرك ثم يتجزأ ويتغير كائن لاعن حدث موجود لا عن عدم (خطبه رقم1نهج البلاغة).
أحال الأشياء لأوقاتها, ولائم بين مختلفاتها , وغرز غرائزها , وألزمها أشباحها , عالما بها قبل ابتدائها, محيطا بحدودها وانتهائها, عارفا بقرائنها وأحنائها (خطبه رقم1نهج البلاغة).
لا تقع الأوهام له على صفة , ولأتعقد القلوب منه على كيفية ,ولا تناله التجزئة والتبعيض , ولا تحيط به الأبصار والقلوب .
إن عقيدة الإسلام برمتها تتمركز حول مفهوم التوحيد وروابطه الجدلية بالأصول العقائدية الأخرى كالنبوة والعدل والمعاد . وان أي مس بمفهوم التوحيد يعتبر تهديدا لجوهر الرسالة وطمسا لمعالمها الأخرى . عليه فأن الصراع السياسي الذي دارت رحاه في الجيل الثاني من الرسالة إنما كان في عمقه يدور حول المفاهيم الأساسية التي يستند إليها القرآن الكريم وتعاليمه إنها المسلمات الأساسية كالزمان والمكان والمادة والوعي و العلاقة وغيرها التي لم تدركها الفلسفات القديمة بشكل علمي صحيح .
المبحث الثاني
الصراع حول التأويل والسنة :
القرآن هو تحفة الأكوان ومعجزة الأزمان ورسالة الإسلام التي تحمل الرسول محمد (ص) تبليغها بكل ما يتعلق بالقراءة والكتابة والشرح والترتيب ، ليس فيه تناقض أو اختلاف وإنما هو نظام علمي مستقل متآلف مصنف لا يمكن الإضافة عليه أو الحذف منه ، نهائي الكلام لا منتهي في المعنى ، ولكنه إمام صامت يحتاج إلى إمام ناطق يشرح مقاصده فهو كالعين الباصرة تنظر إلى غيرها ولكن لا تنظر إلى نفسها . لهذا لم يكن الرسول الأعظم (ص) رجلا أميا غير معصوم وقاصر في علمه لأنه هو من بلّغ التنزيل وعليه بيان التفسير والتأويل وهو القرآن الناطق.
وهنا نضع التساؤلات الكثيرة ومنها :
• لقد رتب النبي آيات السور فلم لم يرتب السور في القرآن ويجمعه لأنه بهذا يؤدي الأمانة كاملة ؟ أما أن يتركه بلا جمع مرتب فقد أضاع فائدة الترتيب لسبب النزول وقيد المطلق وتخصيص العام والمنسوخ والناسخ وكثير من المهمات الأخرى .
• لقد اعتنى المسلمون الأوائل بشدة بحفظ القرآن ، ولكن جمعه وترتيبه انحصر على القليل منهم ! وكانت مشكلة حرق الكتابات الأخرى ومنها الحديث وامتناع البعض عن تسليم ما لديهم .
• لقد كذب البعض على الرسول (ص)في حياته وافترى عليه ، ولكن لم يمنع ذلك عن الرواية وكتابة الحديث ، وإنما وضع النبي (ص) ضوابط لكشف التزوير مثل عرض الحديث على كتاب الله ، فلماذا يمنع الخليفة الرواة من الحديث ؟
• لقد نزل القرآن ليس لقريش وحدها ، فلماذا ترجع ألفاظه إلى لهجة قريش خاصة ؟ كما أمر عثمان بن عفان
• لقد نزل القرآن في شهر رمضان وكانت الهجرة في رمضان ، فلماذا يؤرخ من المحرم ؟
• لقد نزل القرآن فيه تبيان لكل شئ (( ما فرطنا في الكتاب من شئ )) والمعنى عام مطلق ، فلماذا يفترض انه مجموعة من الأحكام التي عدلت على أعراف الجاهلية ، وبهذا يسوغ العمل بالرأي كالاستحسان والاستصلاح ؟
• لقد ألف الله بين قلوب المؤمنين وجعل الفضل للسابقين الأولين ، فلماذا تفضل قريش على العرب ، ويفضل المهاجرون على الأنصار ، والرجل على المرأة ، والحر على العبد؟
إن الدين هو توحيد للإنسانية ، يجمعها في أهداف وغايات تسمو على النزعة الفردية أو القبلية ، فالدين لا وطن له فهو نزعة فطرية واتجاهات عقلية ، ومن هذا المنطق تطرح مشكلة مسؤولية حملة الكتاب ومدى تحملهم للمسؤولية الأخلاقية تجاه الإنسانية جمعاء . وهل أن كتابا مثل القرآن ثريا بمناهله ، يمكن لفرد أو بضعة أفراد أن يلم به ، أم انه سيقتصر على بعض المطالب تجعله محصورا في نطاق معين ، مع عدم تحصيل كافة التفاصيل كاختصاص . مع الحاجة إلى الدينامية في التفكير وروح الإبداع لكي يستلهم التغيرات الحيوية التي أحدثتها الرسالة والتعاليم الإلهية .
لقد تجلت المرحلة الأولى من الدعوة بالتمرد والرفض للصنمية الجاهلية ، وبعد فترة تنامت المشاعر الإنسانية العامة ، ثم انتقل الاهتمام إلى عملية التثاقف بعد فتح مكة ، وفي مرحلة متأخرة-أيام وفاة الرسول (ص)- أثيرت مشكلات بكيفية التطبيق وتحديد الغايات ، وما هي امتيازات قريش والعرب من العالمية الجديدة ، وكيف يمكن السيطرة على مديات الصراع الحضاري مع توسع رقعة الدولة . كل هذه العوامل وغيرها هي التي أدت إلى الخلاف بين الصحابة إلى حد الصراع السياسي وأخيرا الصراع العسكري في واقعة الجمل.
المبحث الثالث
الصراع حول السلطة :
( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) آل عمران 144 .
كان علي بن أبي طالب ورهطه هم الشاكرون ، أما غيرهم فكانوا رجلين : رجل يرى زعامة قريش وسلطانها على العرب ، ورجل يعتقد أن الأنصار هم أحق بهذا الأمر .
وكان الأنصار يخافون أن تليها قريش ، وقد أعلن الحباب بن المنذر موقـفهم بقوله ( لكننا نخاف أن يليها بعدكم من قتلنا أبناءهم وآباءهم وإخوتهم ) ( حياة سيدة النساء ، باقر القريشي ص 303 ).
جلس سعد بن عبادة شيخ الخزرج في سقيفة بني ساعدة يدعو الأنصار أن يملكوا بينهم أمرهم ويوحدوا كلمتهم فلا يخرج الأمر من أيديهم ، ولا يذهب دونهم بالفضل من تخلف عنهم في الفضل . ولم يكن استلاب حق المهاجرين الأولين يدور للأنصار في بال . وهمت الأنصار أن تبايع لسعد لولا أن يجلا من الحاضرين لم ينسوا حق آل الرسول وذويه من قريش ، ورجالا آخرين عادت أحقاد الجاهلية الأولى في صدورهم المغلولة ، ورجالا سوى أولئك وهؤلاء استبد بهم حسدهم للشيخ وتحينوا به الفرص لكي يخذلوه . وانفلت من بين القوم من يمم شطر دار الرسول فوقع على عمر بن الخطاب المسجد يتحدث إلى أبي عبيدة بن الجراح ، فأفضى إليه بما يدور من السقيفة . وهب عمر من مكانه مبغوتا يزأر ، وبانت الغضبة في وجهه إذ كانت الأنصار تذهب دون قريش بالسلطان على العرب .(انظر المجموعة الكاملة ، علي بن أبي طالب ، عبد الفتاح عبد المقصود ص132ـ133.)
لقد قالها عمر ذات يوم لعبد الله بن عباس ( إن الناس قد كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة ، وان قريشا اختارت لنفسها فأصابت ) ومرة قال له ( لعلكم تقولون إن أبا بكر أول من آخركم ..أما انه لم يقصد ذلك ، ولكن حضر أمر من يكن بحضرته أحزم مما فعل ، ولولا رأي أبي بكر فيّ لجعل لكم من الأمر نصيبا ، ولو فعل ماهنأكم قومكم )(انظر علي بن أبي طالب ، نظرة عصرية جديدة ، محمد عمارة وآخرون ، بيروت 1979 .)
كل كتلة من تلك الكتل هي عبارة عن جماعة اجتماعية التي هي مجموعة من الناس كبيرة أو صغيرة الحجم تربط أعضاءها علاقات اجتماعية قوية تساعد على تحقيق أهدافهم الأساسية ، أو هي عدد من الأفراد تربطهم علاقات غير رسمية ومباشرة تشير إلى تفاعلهم الاجتماعي . فالجماعة التي تتميز عن الجماعات الأخرى بصفات عامة ومشتركة مثل الجنس أو الدخل هي الجماعة التي يمكن اعتبارها وحدة مستقلة في المجتمع. (معجم علم الاجتماع ، البروفسور دنكن ميشيل ، دار الحرية ـ بغداد 1980. )
لم تكن هناك شورى بدليل أن مفهوم الشورى غير واضح من حيث التعريف والحدود والشروط وأيضا كانت بيعة أبي بكر فلتة والعمل في حكومته لم يكن مخططا ، فعندما تولى الخلافة اصطدم بكون الرسول (ص) لم يخلف مالا يورث ، بل خلف دينا عليه هو عبارة عن قرض اقترضه لقضاء حاجيات أهله المعاشية ، فاضطر إلى مصادرة رؤوس الأموال مثل فدك ليمول ماسمي بحروب الردة التي دعت إليها جباية الأموال كالزكاة وتدعيم السلطة .
المبحث الرابع
الصراع حول الإمامة
الإنسان حيوان ذكي فهو ناطق اجتماعي وسياسي واقتصادي وأخلاقي ....وغيره فهذه كلها نواتج الذكاء وتتطور معه لذا فأنه من الضروري أن نهتم بالذكاء العام للأفراد وخير من يقوم بهذه المهمة هي الإرادة العامة أو السلطة
وفي كل الأحوال لا يوجد مجتمع بغير سلطه سواءاً كانت شرعيه أو غير شرعيه تحفظ النظام وتجمع الموارد وتوزع الثروات وتحمي المصالح العامة للدولة التي هي الكيان الاجتماعي والسياسي ورعاية الذكاء العام بالعلم والأخلاق هي الولاية العامة إما تطوير الذكاء العام فلا يمكن إلا برعاية عبقرية فذة وهي المقصودة بالإمامة ظاهرا التي تستند إلى مواصفات الوراثة وصحة البدن وسلامة النفس والتمييز العقلي المصحوب بقوة الإرادة والقدرة على إيجاد الحلول للمشكلات والتخطيط السليم وتحدي الأهداف وشدة التحمل والتكيف للظروف وقوة الإدراك بالحس والتجربة والحدس والانصياع للقيم والمقاييس والإحكام العقلية الأخلاقية مع سعة كافية في العلم وكثرة متنوعة بالمعرفة .
مما تقدم لا يفهم إن الأحكم هو الذي يحكم ، فالنظام برمته ناتج عقلي طبيعي ، وإنما الحاكم الذي يتميز بالصفات العقلية الفريد القادرة على فهم وشرح الحوادث الكلية فيصدر الأوامر الفعالة بهذا الاعتبار ثم لا يجد الأذكياء الخاضعين لتلك المشيئة أي حرج من الاعتراف بشرعية القوة التي تنظم جهود وواجبات أفراد المجتمع، وإنما يلمسون الفائدة والمصلحة المتبادلة المشتركة مع قادتها ، أما الضعفاء فان مصالحهم تتجلى في تحقيق الأهداف الجمعية التي يستفيد منها المجتمع الكبير ، حيث تعتمد شرعية السلطة على ارجحية الأسلوب أو الطريقة التي تمارس بها السلطة وليس على الجبرية والقوة المفرطة في ظل المصالح المتضاربة بين الحكام والمحكومين , بل من الضروري إيجاد الحالة التي توجد فيها المقاييس التي تشكل نظاما متكاملا من خلالها يستطيع الإنسان أن يكون علاقات أخلاقية وربط اجتماعية قوية مع الآخرين وهو ما يساعد على تحقيق الأهداف .
المبحث الخامس
على هامش الخطبة الفدكية
الدولة هي كيان واحد موحد باعتبارات متعددة أهمها الدستور والقانون والعرف العام وهذا النظام كسلوك عقلي يجب أن يستند إلى العلمية المتخصصة ، وان يطابق أفضل الطروحات التي تتمتع بالوضوح والدقة والقابلية على التطبيق وعدم التناقض ، فيكون والحال هذه لا بديل عن القرآن المجيد ، فهو العلم المتجدد الذي لا ينضب مناهله .
والأساس الذي يستند إليه القرآن هو مبدأ التوحيد ، وكل المبادئ الأخرى كالنبوة والمعاد إنما تتفرع عنه ، وترتبط معه بروابط جدلية لا تنفصم عراها، ثم تتفرع عنها باقي الأحكام والمقولات ، فأي خطأ أو غلط يقع في المبدأ الأول تسري شواذه إلى كل تفاصيل الكتاب .
وإذا كان القرآن بهذا الثقل فان من يحمله كرسالة يكون عدلا وأهلا له ، فالنبي محمد (ص) هو تام العقل ، عازم الذكاء ، نافذ العلم ، سيد الكائنات ، خيرة خلق الله ، فلا ينسب إليه مالا يليق به من الجهل أو الجهالة ، سواء بأمور الدنيا أو الدين ، لان مبدأ النبوة والدين الأوحد ترتكز على التوحيد ، فمحمد (ص) عالم الدهر ، وحيد العصر ، لا يقاس به احد من الخلق .
ولقد ورث آل محمد (ص) علم الرسول ، كما دلت آيات الكتاب ( وورث سليمان داود ) ، وكما يروي الشيخان ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا ، وإنما نورث الحكمة والعلم والنبوة ..) والرواية وان كانت تنافي ظاهر الآيات ، وان صحت لكانت سنة ، إلا أنها تحكم بميراث الحكمة والعلم للزهراء وأضافت إليها النبوة ! ؟
ولا يستوعب التوحيد إلا بالعلم والحكمة وذا أهم مميزات ولي الأمر ، حيث تنصب سياسة الدولة حول الإدارة العامة للخدمات والدفاع ، وتنطبق بالاعتماد على مبدأ الشمول ومبدأ النوعية العالية فتسبب فاعلية تلك الإدارة ، وعلى هذا الأساس يتم جمع الموارد وتوزيع الثروات وتخصيصها بحسب ما لكل قطاع من الأولوية والأهمية ، للحفاظ على ديمومة وتطور المجتمع وهو الناتج عن الذكاء العام .
مما قال علي بن أبي طالب (ع) في عهده إلى الأشتر حين ولاه مصر ( إتباع ما أمر الله به في كتابه من فرائضه وسنته التي لا يسعد احد إلا بإتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها ) ( وأكثر مدارسة العلماء ومئافته الحكماء ...فان ذلك يحق الحق ويدفع الباطل ويكتفى به دليلا ومثالا ) .
( أن الاختلاف في الحكم إضاعة للعدل وغرة في الدين وســـبب من الفرقة ) ( وليس لقاضيين من أهل الملة أن يقيما على اختلاف في حكم دون مارفع ذلك إلى ولي الأمر فيكم فيكون هو الحاكم بما علمه الله ) . فلا يكون للشورى والمشورة محل في مقابل التنزيل وإنما يكون التشاور حول التطبيق الأعم بالفائدة ( وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل ) وهو واضح لقوله تعالى (( إنما وليكم الله والرسول وأولي الأمر منكم )) فان جازت الشورى في احدهم جازت في الأخر لان الواو في العطف والمعادلة .
المبحث السادس
ضرورة الدين للمجتمع الإسلامي :
يمكن التمييز بين الاتجاه العقلي ـ( النظرية العلمية )ـ من خلال الأفكار التي تساعد على استقرار النظام الاجتماعي وتطوره ، خصوصا إذا كان لها تجربة مثمرة ماضية ، وبين النزعة التي تطمح إلى تكوين دولة خيالية يتفانى الأفراد في خدمتها بغية تحقيق أهدافها الطوباوية المرسومة والمخطط لها سلفا ، قد تتأنق بزي أيدلوجية الثورة وتميل إلى العنف الدموي وتتسم بالمطوحات العقائدية والسياسية المتعلقة بالمستقبل ، ولكنها بعيدة عن الواقع وسطحية لايمكن تطبيقها بدون ضرر ، وإنما تستمد الفشل من التمركز حول الذات.
لقد ارتبط نشوء وتطور المدن في جزيرة العرب بالعامل الديني ، لأنه السبب في التغير السياسي والإداري والاقتصادي.. وغيرها ، حيث كان الإسلام إبداعا حضاريا شمل المعتقدات والأفكار والآراء والقيم والمقاييس والعادات والمعارف والقوانين والأخلاق ..الخ ، وكل ما يمكن أن يتحلى به الفرد . لقد حول تلك القبائل من وحدات اجتماعية تمتاز بصفات مشتركة من تقاليد الجاهلية ، إلى هيئة اجتماعية منظمة لها قانون يحمي المجتمع من الآثار السلبية للسلوك اللا أخلاقي الذي يمارسه الفرد الشاذ.
ولكن لا يمكن أن تؤثر القيم السماوية والأخلاقية ، مالم تنعكس في السيادة الأخلاقية للمجتمع على أعضاءه ، بحيث تعطي التماسك والوحدة . فالمبادئ الدينية عبارة عن روابط جدلية لمجموعة من الأفكار والقيم ، والتفريط ببعضها قد يكون حاسما في تصدع البنى الرئيسية للدين ، وحينئذ سيكون الدين عاملا أساسيا في انقسام وانشطار المجتمع الكبير ، خصوصا عندما يكون الترقيع بالحشو الفلسفي .
أيضا تعتبر الإحكام الشرعية والقانون جزءا من المجتمع ، وهناك علاقة جدلية بينهما ، فأي تغيير يقع في أي منها ، لابد أن ينعكس على القسم الأخر ، وهكذا يمكن أن تتبدد المعرفة المتحررة البسيطة ، وتتحول إلى معقد جزئي يعكس الظواهر الأساسية للحياة الاجتماعية ويستمد مبرراته من التركيب الاجتماعي.
إن ميزة القرآن هو عدم الاختلاف بين تراكيبه ، وهي مميز فردي انفرادي للتعاليم الإسلامية ، وأي حذف مهما كان ثانويا فيها ، يستدعي الإضافة التي تتقمص عقلية فلسفية معقدة لانجاز فرضيات مخترعة ، قد تعمل مستقبلا على تقويض الدين كله .
المبحث السابع
ضرورة النزعة الإنسانية للدين :
كانت قريش عبارة عن مجموعة قبائل جاهلية ، يحكمها جماعة النفوذ المدعم بالقوة والمال، وهم أهل الحل والعقد في دار الندوة . ويعتمد نظام قريش على الطبقية التي تمايز بين الأفراد باختلاف المستوى الاجتماعي المحدد بعوامل شتى منها الثورة والمهنة والنسب بالإضافة للدين واللون والجنس والمولد ، وهو نظام جامد ليس فيه مرونة أو عاطفة اجتماعية ، وإنما تلعب فيه القوة والنفوذ السياسي الدور الأوحد.
وقد استبدل الإسلام نظام الطبقات ، بالتنافس الفردي الذي يدور حول المستوى العلمي والأخلاقي ( إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) ، مع الانتباه للسيطرة على النزعة العدائية التي يمارسها الأدنى تجاه الأعلى ( عداوة ثلاثة لثلاثة حق : فقير لغني ، ووضيع لشريف ، وجاهل لعالم ) وهي كوامن الصراع الذي افرز الحركات الطوباوية في التاريخ .
كان النظام في جزيرة العرب لا يختلف عن الترتيب في قريش ، حيث يقسم المجتمع إلى قبائل مختلفة ، لكل منها منزلتها وسمعتها الاجتماعية ( البطون ) ولا يمكن أن تتعدى تلك الحدود المرسومة بحد السيف . أما دار الندوة ( الحكومة ) فهم زعماء أو وجوه تلك القبائل ، وبأيديهم صنع القرار الذي لا يتضمنه دستور أو قانون ، سوى الأعراف الجاهلية والقبلية .
وما يميز قريش عن سائر جزيرة العرب ، هو جوارها للكعبة ، أي القدسية بالنسبة للدين والانتعاش الاقتصادي ، وهو شرف اجتماعي أعلى مما تتمتع به اكثر القبائل.وهذا النظام بما يمنحه للزعماء من احتلال المراكز الأولى ، وما يضفي عليهم من سلطات دينية وقانونية ، حتى في حال كون أي منهم فاشلا في حياته أو عمله ، هو الذي جعل الكثير منهم ملتزما به ، رغم انتشار الإسلام ، وعملوا على إحياؤه بالتواطؤ السياسي والاتفاقات على إعادة الفوارق الاجتماعية على شكل مراكز متدرجة لجماعات طبقية لها مزايا وظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية و ايديلوجية معينة ، بحيث يختلفون عن الجماعات الأخرى بهذه المعايير .
وهذا الاتجاه يجر نحو العرقية والعنصرية والقبلية ، لاكما اخطأ البعض فظن إنها مبادئ عروبية تنامت إلى أيديولوجية قومية ، إنما القومية كفكرة صدرت عن ألمانيا خصوصا على يد هيغل الذي استبدل الروح الكوني بروح الأمة .
بينما المراكز الاجتماعية التي تتبع النظام القيمي والأخلاقي للمجتمع ، فيجب أن تتناسب مع الكفاءات التي يحتاجها المجتمع ، وعليها تحدد الواجبات والحقوق والسلوك والعلاقات الاجتماعية التي تربط الأفراد ببعضهم . وكفاءة الأفراد تقاس بعدة متغيرات منها الثقافة والعلم والثروة والقدرة البدنية والعقلية ، ومن خلال النشاطات والفعاليات التي قوم بها الفرد داخل المجتمع.
أن الحكومة كجهاز لا تعني طبقة لجماعة أو بضعة أفراد يتربعون على رأس الهرم السلطوي ، ويقومون بتمشية الأمور ، ويشرفون على ضبط السلوك العام ، إنما السلطة تعني الإدارة الذكرية للمجتمع ، يقوم على تنفيذها جهاز حاكم قادر على مجاراة تطور الفكر والعمل الاجتماعي ، باستيعاب اكبر عدد ممكن من أفراد الشعب القادرين على تحمل المسؤولية رأس النظام أو الجهاز الحكومي الأعلى . ومهمته بالإضافة للحفاظ على عملية التطور ، هو كيفية تلافي الظواهر السلبية في المجتمع كفقر والانحراف والكوارث ...الخ برفع كفاءة الإدارة وتنظيم المؤسسات الخاصة بالموضوع ، وتطبيق القانون ورفع الحيف والاضطهاد والتعسف الذي يسبب إحباط وخيبة وتوتر بين العلاقات ، ومن ثم انعزال بؤر اجتماعية تتحول إلى طبقة داخل المجمع فيما بعد
خلاصة وتحليل
1- مفهوم التوحيد لم يتعمق في النفوس لصعوبة المبادئ المتعلقة بالمقولات الكلية خصوصا وان المجتمع جاهل وبدائي .
2- لم تقدر شخصية الرسول الأعظم بما تستحق من صفة العلم والذكاء بما أنها عدل القرآن لأن القرآن نفسه لم يكن مفهوما لدى الأغلبية .
3- لقد صدم الناس بموت النبي وترك فراغا كبيرا في السلطة ولكن موته أثار فكرة انه بشر عادي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويمرض ويموت وتأكله الأرض .
4- لقد هاجت كوامن العنصرية بسلوكها النمطي ومشاعر الحقد والكراهية فوحدت أفرادها بوجود الخطر والهدف المشترك مما دعا لاستخدام القوة وخرق القانون .
5- كانت المعايير الجاهلية تؤثر بشدة في سلوك الأفراد وكان مستوى ذلك السلوك مقبولا بين أفراد الثقافة الواحدة بشكل طبيعي وهم الأغلبية المتسلطة .
6- كان من الصعب تغيير المعايير الجاهلية بقيم الإسلام رغم القوة الضاغطة فمنهم : مؤمن , مسلم , مستسلم ,منافق
7- عند المواقف الصعبة يتحيز متوسطو الذكاء وذو الضعف الفردي ويسلموا لحكم الجماعة .
8- يتغير الاتجاه (المواقف الثابتة ) عند البعض عندما يتعرض لخبرات ومعلومات سلبية وتحت ظروف معينة .
9- حدث الاتفاق على أساس الودية بين عناصر التشابه والتكافؤ والإعجاب والتقارب .
10- يتحيز الأفراد بشكل مميز تحت ظروف استعراض القوة والتهديد والتمني فيجدون فعلا مايتوقعون رؤيته من المواصفات والتبرير السوي لأن فهم وإدراك الآخرين يعتمد على الظروف والدوافع والسمات فهي قابلة للتحيز
11- الأفراد الموجودون في ظروف ضاغطة من التوتر والقلق يهبط عندهم مستوى الدقة في الإدراك والحكم فيلجئون إلى الآخرين أو يترددون كثيرا في اتخاذ القرار
12- إن ألخطبه الفدكية والمواقف اللاحقة التي اتخذها الزهراء عليها السلام كانت صدمة عنيفة مضادة دمرت اتجاه الردة
13- إن موقف الزهراء خلق أزمة ضمير للأمه وصراع تاريخي من اجل المبادئ
المصادر والمراجع
• القرآن الكريم
• علي بن ابي طالب نهج البلاغة جمع الشريف الرضي ضبط النص الدكتور صبحي الصالح2009 ايران قم المقدسة
• عمارة ,محمد واخرون 1979 (علي بن ابي طالب نظرة عصرية جديدة) المؤسسة العربية للدراسات بيروت
• المازندراني( 1956) محمد بن علي بن شهر أشوب مناقب إل أبي طالب ، مطبعة النجف الأشرف
• المجلسي، محمد باقر (1984) بحار الأنوار ج43مؤسسة الوفاء، بيروت
• المسعودي ، ابو الحسن على ابن الحسين بن على (1964) مروج الذهب ومعادن الجوهرج2 مطبعة السعادة، القاهرة
• المسعودي، محمد فضل ( 2009) الإسرار الفاطمية ،كتاب منشور في الانترنيت
• القريشي , باقر(2009) حياة سيدة النساء فاطمة الزهراء دراسة وتحليل ط6 مكتبة الامام الحسن عليه السلام / النجف الاشرف
• الطبراني ،محمد بن جرير( ب ت) تاريخ الرسل والملوك تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر
• الطبري ، محب الدين (1984) ذخائر العقبة في مناقب ذوي القربى دار التربية، بغداد
• عبد المقصود، عبد الفتاح( 2006 ) المجموعة الكاملة –الإمام على ابن أبي طالب – ج1 مراجعة محمد على قطب ،مؤسسة المختار، القاهرة
الدكتور : عبد الحسين رزوقي الجبوري كلية التربية ابن رشد / جامعة بغداد
الباحث الأكاديمي : عبد الأمير چاووش
رئيس جمعية الحكمة المشرقية /الكاظمية المقدسة
المقدمة :
لقد كانت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام أول شرارة الصراع العقائدي السياسي في مرحلة التطبيق للشريعة الإسلامية - أي ما بعد مرحلة التنزيل .
وهي التي تزعمت حركة العقلانية الأخلاقية بصورة عامة مطلقة لتبيان الأحكام الشرعية وإحقاق الحق , ورغم دعوتها للسلام التي تؤكد على الجانب الإنساني وتحرض على الانصياع للمثل العليا والتفاني من اجل المبادئ الرسالية , فأن موهبتها الفذة على تفنيد الأيديولوجيات العدوانية والمرتدة تمثل منهجية علمية بارعة .
أن دراسة شخصية الزهراء عليها السلام يمتد إلى مجالات ذات أبعاد كثيرة ومتعددة , لكن المطروح من الدراسات الجادة المتضمنة على الدقة وعدم التحيز قليلة وربما نادرة , وهذه العقدة المكبوتة في تاريخ الإسلام أثرت في حياة ألامه مذ دبت ودرجت , فأضعفت هيكل الإسلام وأوهنت روح الإيمان وأحرجت الدعاة في سوح الصراع الحضاري القائم .
يطمح الباحثان من خلال التحاور بينهما لتقديم محاولة جادة تتناول فترة سياسية حرجة في حياة الزهراء عليها السلام بعد وفاة الرسول الأعظم مع الحرص جهد الممكن على روح التجرد العلمي وتجنب الإرهاصات العاطفية التي يحدوها الجهل إلى متاهات اللا إنسانية .
مشكلة البحث :
ربما من الخطأ الفادح أن نحاكم التاريخ لنحمل العداء لشخصياته , ولكن من جانب تصحيح بعض المفاهيم يكون ضروري لسلامة واستمرار النمو السوي لكيان العقيدة , والمحافظة على تجديد قدرتها الفاعلة في المجتمع , لأن صحة الحضارة ترتبط باطراد التوسع الثقافي الذي يحقق المصالح والأهداف المشتركة للأمة مع وجود المعادلات الاتجاهية التي تحقق التوازن الإيجابي .
أهمية البحث :
تبرز أهمية البحث من خلال الكشف عن جانب من الواقع الفكري عند احد أركان الدعوة الإسلامية وهي بضعة الرسول الأكرم محمد كونها احد الأثقال المهمة والمؤثرة في كيان الحضارة الإنسانية وأيضا أول صناع الفلسفة العملية في الإسلام
وهنا سينهل البحث من خطبة ا لزهراء والمعروفة بالخطبة الفدكية والقصد من ذلك التوسع في فهم تلك الخطبة شرط أن يتخطى ذلك الفهم المذهبيات المغلقة إلى الحرية الجدلية لا إلى ترويج ألاثنية أو الطائفية أو الهرطقة أو التحريف سواء السلفية منها أو المبتدعة من الفلسفات المستوردة فكلها طروحات ساذجة متمركزة حول الذات لا تقوى على فهم أخلاقية التوحيد وإنما تضغط اللاهوت المبتدع بالناسوت المصطنع لتعتصر منها دبق الأنانية .
مدخل البحث :
كان الإسلام عودة للإبراهيمية الحنيفة وتصحيحا لمسارها , وتعميما لمفهوم التوحيد فهو عملية تعلم اجتماعي أشبه بعملية التنشئة الاجتماعية التي تؤدي فيها اللغة دورا جوهريا .
لقد أعاد الإسلام صياغة وانتشار القيم والمقاييس والأحكام الاجتماعية من داخل المدينة المنورة إلى المجتمعات الأخرى مما عرض الثقافات القديمة لعملية التبدل التي تجعلها منسجمة ومنصاعة لظروف وأحوال المجتمع الناشئ . وهو ما سبب الصراع الحضاري بين القيم القديمة والقيم الجديدة وخلق تراتيب طبقية أخرى مع ما لسرعة التغيرات من تأثير نفسي _ بداية الهجرة.
لقد كان السلوك العقلي لجماعة المؤمنين مؤثرا في التفاعل الاجتماعي ولكنهم كانوا أقلية تحملت مهمة تحوير المجتمع والتصدي للمشاكل الناتجة عن هذه العملية - بعد معركة احد.
وفي مثل هذه الظروف سيقع بعض أفراد المسيرة تحت طائلة الاغتراب فيشعر بأنه غير قادر على تغيير الوضع الاجتماعي الذي يتفاعل معه وانه لو أراد تحقيق أهدافه فأنه يجب عليه عدم التصرف بموجب المقاييس المتعارف عليها اجتماعيا وأخلاقيا وهذه الحالة السايكو_اجتماعية يساعد عليها شراسة الصراع حيث المؤثرات العنيفة تدفع إلى الميل نحو تقييم الأشياء بطريقة متميزة تجعل الفرد مستعدا للاستجابة لتلك المؤثرات بطريقة معينة - بعد فتح مكة.
وأحيانا تخلق تلك الظروف كتلا متحزبة تحاول أن تفرض آراؤها في صنع الحلول ولا يمكنها ذلك إلا بوجود الدعم المادي فتنشأ التحالفات الطبقية وتسعى في الصراع على السلطة بامتداد الزعزعة في مؤسسات وقطاعات المجتمع - بعد وفاه الرسول .
من ناحية أخرى فأن عدم الانسجام الكامل بين الجماعات حول المعتقدات والأفكار والأخلاق والأهداف والأدوار الاجتماعية يجعل النظام غير مستقرا لأنه يؤثر سلبا بشرعية القيادة المركزية والأدوار الاجتماعية وطريقة الوصول الى المراكز القيادية الحساسة للنظام المركزي وتنعكس على الواجبات والمكافآت والأحكام العامة والأوامر الخاصة التي تصدرها القيادة - الخلافة الثانية .
هناك يضطر الحاكم للحفاظ على السلطة إلى ممارسة الدكتاتورية المتسمة بالالتزام الشديد بالتقاليد وفرض العقاب الصارم لمن يتحدى السلطة والتصلب في الأفكار وانتشار أفكار الأسطورة والميول الى التقسيمات العرقية والطبقية ونشوء أوهام المؤامرة التي تؤدي إلى إعلان الحرب في الداخل والخارج وذلك ما يلائم النمو السريع للمجتمع مع عدم القدرة على إيجاد الحلول الصحيحة للمشاكل - الخلافة الثالثة.
الصراع السياسي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم
المبحث الأول
لمحات عن حياة الزهراء عليها السلام :
أن بضعة الرسول الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام ، تعد أنموذجاً للمرأة والعالمة والمربية لم ولن نجد ما يقابلها من النساء ولن تتكرر ظاهرة الزهراء، ولكن يبقى الإشعاع الذي انطلق قبسه من بيت النبوة ضياءا وهاجا للبشرية جمعاء وخير دليل على ذلك الأسماء الكثيرة التي كنيت بها رغم الحياة القليلة التي عاشتها علاوة على ذلك الأثر الخالد في خطبها التي ألقتها والتي تحمل في طياتها معاني ودلالات كثيرة تصلح لكل عصر وهذا السر الخالد متأتي من الدور الإنساني الذي أدته والمتمثل بان أئمة الهدى وعصمتهم تلتقي بالنبوة عن طريقها وهذا في حد ذاته يراه من يمتلك بصيرة بان هذا الارتباط عروة قوية فبالزهراء عليها السلام ترتبط الإمامة بالنبوة ، لذا كانت هذه الرابطة لها أسماء متنوعة وكنى متعددة.
أن من أشهر ما تكنى به الصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والرضية والمرضية والمحدثة والزهراء ( المسعودي 2009)
كما تكنى فاطمة عليها السلام أم إلهنا وأم العلوم وأم الفضائل وأم الأسماء وأم أبيها وأم الأئمة وآم النجباء وأم الإخبار وأم الإزهار وأم البررة وأم الريحانتين وأم السبطين وأم الحسن وأم الحسين وأم المحسن (المازندراني 1956م :ص129)
أن مدلولات هذه الأسماء وغيرها التي لم تذكر في البحث الحالي دلالة راسخة لكل ذي بصيرة، أن تنوع الأسماء لأي شخصية مؤشرا على أن الشخصية أخذت حيزا في عالم الإنسانية ، وكيف بنا ونحن إمام شخصية ملئت الدنيا بفكرها الخالد الذي كان ولا يزال كنزا مخفيا لم يكتشف منه إلا القليل القليل لذا نجد لم يمر مدة من الزمن إلا ونطالع إصدار أو مقالة عن الزهراء عليها السلام وهذا بحد ذاته دليل على إننا إمام نبعا صافيا لا ينضب ، أنها من بركاتها فسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية
لقد كانت فاطمة الزهراء عليها السلام نشأتها وترعرعها في بيت النبوة ، يحيطها أركان ترتيل القرآن وتهجد الصلوات، ويزينها الخلق العظيم المتمثل برسول الله صلى الله عليه وسلم ((وانك على خلق عظيم ))سورة القلم الآية 4 علاوة على ذلك كانت من خمسة أهل الكساء الذي خصهم الله بأية التطهير.
هذه العوامل وغيرها جعلت من شخصية الزهراء أكثر قوة وأمضى صلابة زادها على ذلك معايشتها لما يجري للرسول صلى الله عليه واله وسلم من أذى من قريش ،فكانت إلى جانبه صابرة محتسبة تزيل عن ما لحق بأبيها من أذى المشركين
لقد كانت روح الإيثار للزهراء عليها السلام تتجلى في دعائها للمؤمنين والمؤمنات والإكثار منه ولا تدعو لنفسها وحين سألها الإمام الحسن عليها السلام بعد أن أمضت ليلتها ساجدة راكعة مسترسلة بالدعاء حتى اتضح عمود الصبح، عن سبب عدم دعائها لنفسها شيئا فإجابته الزهراء عليها السلام الجار قبل الدار (ألمجلسي ج43ص 81)
أن زواج السيدة الزهراء عليها السلام انتقاله نوعية في حياة الزهراء فبعد أن عاشت صباها في بيت النبوة انتقلت إلى بيت الإمامة الذي وصف رسول الله صلى عليه واله سلم صاحب هذا البيت المتمثل بالإمام علي عليه السلام بقوله (( أنا مدينة العلم وعلي بابها))(( الطبراني ب ت ص66 )) وهذا دلالة رائعة أن الزهراء عاشت في ربوع العلم وبين بطل من إبطال الإسلام تمثل بالحق والحق تمثل به
أن ثمرة هذا الزواج هي العترة الطاهرة التي تنورت بإمامين همامين الحسن والحسين عليهما السلام والمحسن عليه السلام وزينب بطلة كربلاء وأم كلثوم (المسعودي 1964ص288)
لقد حظيت الزهراء عليها السلام بمنزلة ومقام رفيع عند رسول الله صلى عليه واله وسلم إذ يذكر ((أن غضب الزهراء عليها السلام يوجب غضب الله سبحانه وتعالى ورضاها يوجب رضا الله )) وهذا دليل من لا دليل له لا يقبل الشك عن عصمتها ويقول السبحاني بما أن الله عادل وحكيم فانه لا يغضب الأعلى الكافر والعاصي ولا يرضى إلا على المؤمن والمطيع (السبحاني ص17) ولو تناولنا عرض الأحاديث الخاصة برضا الله وغضبه لغضب فاطمة عليها السلام فإننا نحتاج إلى أكثر من بحث
أما دورها في رواية الحديث فقد ذكرت عن أبيها أسماء الأئمة واحد واحد صلوات الله عليهم أجمعين وروت الزهراء عليها السلام عن قائم آل محمد عجل الله فرجه ، وهذا دلالة على الخط الرسالي للزهراء عليها السلام ويؤكد على فلسفة العصمة والإمامة وتؤسس لفلسفة الانتظار مصداقا لقوله تعالى (( واصبروا وصابروا)) الاية200 آل عمران
فمثلما عاشت الزهراء عليها حياة السلام فإنها عاشت حياة الحرب فقد شاركت بمعركة احد وحضرت شهادة الحمزة وكان لها دورا رياديا في المعركة في سقاية الماء وتضميد الجرحى
لقد شهدت حياة الزهراء في حديثها وخطبها بلاغة الأسلوب وقوة العبارة وكانت خطبتها بحقها في فدك وخيبر مثالا للوصف الذي يعجز الفرد أن يصل كماله وان يشخص كيفيته ، فتضمنت ما ذكره المجلسي في بحار الأنوار ج 43ص114بان خطبتها الغراء تحير من العجب منها وإعجاب الفصحاء والبلغاء بها
ويتضح لمن يقرا ويتدبر خطب الزهراء عليها السلام سيجد إنها احتوت قوة البيان ومسائل التوحيد وصفات الخالق وأسمائه الحسنى وأهمية القران الكريم وفلسفة الإحكام وإسرارها
لقد كانت منزلتها العلمية المرموقة وبشهادة ا مسلمة رضوان الله عليها إذ تقول كانت فاطمة عليها السلام اعرف مني بالأشياء كلها وكيف لا تكون كذلك وهي سلالة الأنبياء صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ((الطبري1984 ص 12 ))
لقد عاشت الزهراء عليها السلام حياتها من اجل الإسلام فكان دفاعها عن حق آل البيت في الخلافة وحقها في الإرث ليس من منطلق شخصي وهي تعرف أنها أول من يلحق برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولكن صراعها جرى برمته من اجل الإسلام والطريق القويم والالتزام بما جاء بكتاب الله المجيد فمثلما بدأت حياتها بالإسلام ختمته بالإسلام، تاركتا لنا أثرا يبقى بقاء الأرض ومن يرثها متمثل بأئمة الهدى وسنة أبيها صلى الله عليه وسلم وعطائها المتمثل بخطبها الشريفة المعروفة بالخطبة الفدكية . انظر الملحق
المبحث الثاني
الصراع حول مفهوم التوحيد :
أن كل ما قرره أبو الحسن الأشعري هو عين ما قال به جده أبو موسى الأشعري (راجع الملل والنحل للشهرستاني القاهرة 1967) فقد اعتقد الأشاعرة أن الصفات زائدة على الذات فالله عالم بعلم زائد على ذاته وحي بحياة زائدة على ذاته أي أن الله يتجزأ إلى ذات وصفات أو صفة وموصوف .
واثبت الأشعرية سبعة صفات قديمة (عالم –قادر-حي- مريد – سميع – بصير- متكلم ) ( انظر الأشعري الابانه عن أصول الديانة القاهرة) واعتبروا الصفات حقيقة أزلية ونفوا مماثلاتها بالصفات الإنسانية لأن تأويلها لمفردات (الوجه واليد والنزول والعرش) يحاكي التصور السلفي وينسجم معه إذ اعتبروا مثل هذه المفردات حقيقية كالسمع والبصر والعلم والقدرة (انظر احمد بن حنبل الرد على الزنادقة مصر 1972) بينما في نهج البلاغة يرى الإمام علي عليه السلام ( كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه , لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة .فمن وصف الله فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده) (خطبه رقم 1 نهج البلاغة) .
كانت الفلسفات القديمة قاطبة ترى أن الزمان والمكان والمادة أزليات لا نهائية منفصله على عكس ما اقره أمير المؤمنين علي من أنها محدثات مترابطة متصلة نهائية . وهو ما يوافق مبادئ الفيزياء الحديثة .
1- الزمان :
عند أمير المؤمنين عليه السلام هو تغير حال معدود بالزيادة أو النقصان محدود بالحدوث والفناء لا ينفصل عن الشيء المخلوق . أحال الأشياء لأوقاتها (خطبه رقم1نهج البلاغة).
لم تسبق له حال حالا فيكون أولا قبل أن يكون أخرا ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا (خطبه رقم65نهج البلاغة) .
ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال (خطبه رقم91نهج البلاغة).
أنت الأبد فلا أمد لك (خطبة رقم109نهج البلاغة).
من عده فقد أبطل أزله (خطبه رقم152نهج البلاغة).
قبل كل غاية ومدة وكل إحصاء وعده (خطبه رقم163نهج البلاغة).
لم يخلق الأشياء من أصول أزلية ولا من أوائل أبدية بل خلق ما خلق فأقام حده(خطبه رقم163نهج ألبلاغه) .
لم يتقدمه وقت ولازمان ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان (خطبه رقم182نهج البلاغه).
لا تصحبه الأوقات (خطبة رقم186نهج البلاغة) .
2- المكان :
هو امتداد المكين أو تغير حد الشيء في شيء (المقاومة بمفهوم الفيزياء)
مع كل شيء لا بمقارنه وغير كل شيء لا بمزايله (خطبه رقم1نهج البلاغة).
لم يحلل في الأشياء فيقال هو كائن ولم ينأـ عنها فيقال منها بائن (خطبه رقم65نهج البلاغة).
ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال (خطبه رقم 91نهج البلاغه ).
من قال أين فقد حيزه (خطبه152نهج البلاغة).
خلق ما خلق فأقام حده (خطبه رقم163نهج البلاغة).
3- المادة :
ما له حد وصفة يدرك ثم يتجزأ ويتغير كائن لاعن حدث موجود لا عن عدم (خطبه رقم1نهج البلاغة).
أحال الأشياء لأوقاتها, ولائم بين مختلفاتها , وغرز غرائزها , وألزمها أشباحها , عالما بها قبل ابتدائها, محيطا بحدودها وانتهائها, عارفا بقرائنها وأحنائها (خطبه رقم1نهج البلاغة).
لا تقع الأوهام له على صفة , ولأتعقد القلوب منه على كيفية ,ولا تناله التجزئة والتبعيض , ولا تحيط به الأبصار والقلوب .
إن عقيدة الإسلام برمتها تتمركز حول مفهوم التوحيد وروابطه الجدلية بالأصول العقائدية الأخرى كالنبوة والعدل والمعاد . وان أي مس بمفهوم التوحيد يعتبر تهديدا لجوهر الرسالة وطمسا لمعالمها الأخرى . عليه فأن الصراع السياسي الذي دارت رحاه في الجيل الثاني من الرسالة إنما كان في عمقه يدور حول المفاهيم الأساسية التي يستند إليها القرآن الكريم وتعاليمه إنها المسلمات الأساسية كالزمان والمكان والمادة والوعي و العلاقة وغيرها التي لم تدركها الفلسفات القديمة بشكل علمي صحيح .
المبحث الثاني
الصراع حول التأويل والسنة :
القرآن هو تحفة الأكوان ومعجزة الأزمان ورسالة الإسلام التي تحمل الرسول محمد (ص) تبليغها بكل ما يتعلق بالقراءة والكتابة والشرح والترتيب ، ليس فيه تناقض أو اختلاف وإنما هو نظام علمي مستقل متآلف مصنف لا يمكن الإضافة عليه أو الحذف منه ، نهائي الكلام لا منتهي في المعنى ، ولكنه إمام صامت يحتاج إلى إمام ناطق يشرح مقاصده فهو كالعين الباصرة تنظر إلى غيرها ولكن لا تنظر إلى نفسها . لهذا لم يكن الرسول الأعظم (ص) رجلا أميا غير معصوم وقاصر في علمه لأنه هو من بلّغ التنزيل وعليه بيان التفسير والتأويل وهو القرآن الناطق.
وهنا نضع التساؤلات الكثيرة ومنها :
• لقد رتب النبي آيات السور فلم لم يرتب السور في القرآن ويجمعه لأنه بهذا يؤدي الأمانة كاملة ؟ أما أن يتركه بلا جمع مرتب فقد أضاع فائدة الترتيب لسبب النزول وقيد المطلق وتخصيص العام والمنسوخ والناسخ وكثير من المهمات الأخرى .
• لقد اعتنى المسلمون الأوائل بشدة بحفظ القرآن ، ولكن جمعه وترتيبه انحصر على القليل منهم ! وكانت مشكلة حرق الكتابات الأخرى ومنها الحديث وامتناع البعض عن تسليم ما لديهم .
• لقد كذب البعض على الرسول (ص)في حياته وافترى عليه ، ولكن لم يمنع ذلك عن الرواية وكتابة الحديث ، وإنما وضع النبي (ص) ضوابط لكشف التزوير مثل عرض الحديث على كتاب الله ، فلماذا يمنع الخليفة الرواة من الحديث ؟
• لقد نزل القرآن ليس لقريش وحدها ، فلماذا ترجع ألفاظه إلى لهجة قريش خاصة ؟ كما أمر عثمان بن عفان
• لقد نزل القرآن في شهر رمضان وكانت الهجرة في رمضان ، فلماذا يؤرخ من المحرم ؟
• لقد نزل القرآن فيه تبيان لكل شئ (( ما فرطنا في الكتاب من شئ )) والمعنى عام مطلق ، فلماذا يفترض انه مجموعة من الأحكام التي عدلت على أعراف الجاهلية ، وبهذا يسوغ العمل بالرأي كالاستحسان والاستصلاح ؟
• لقد ألف الله بين قلوب المؤمنين وجعل الفضل للسابقين الأولين ، فلماذا تفضل قريش على العرب ، ويفضل المهاجرون على الأنصار ، والرجل على المرأة ، والحر على العبد؟
إن الدين هو توحيد للإنسانية ، يجمعها في أهداف وغايات تسمو على النزعة الفردية أو القبلية ، فالدين لا وطن له فهو نزعة فطرية واتجاهات عقلية ، ومن هذا المنطق تطرح مشكلة مسؤولية حملة الكتاب ومدى تحملهم للمسؤولية الأخلاقية تجاه الإنسانية جمعاء . وهل أن كتابا مثل القرآن ثريا بمناهله ، يمكن لفرد أو بضعة أفراد أن يلم به ، أم انه سيقتصر على بعض المطالب تجعله محصورا في نطاق معين ، مع عدم تحصيل كافة التفاصيل كاختصاص . مع الحاجة إلى الدينامية في التفكير وروح الإبداع لكي يستلهم التغيرات الحيوية التي أحدثتها الرسالة والتعاليم الإلهية .
لقد تجلت المرحلة الأولى من الدعوة بالتمرد والرفض للصنمية الجاهلية ، وبعد فترة تنامت المشاعر الإنسانية العامة ، ثم انتقل الاهتمام إلى عملية التثاقف بعد فتح مكة ، وفي مرحلة متأخرة-أيام وفاة الرسول (ص)- أثيرت مشكلات بكيفية التطبيق وتحديد الغايات ، وما هي امتيازات قريش والعرب من العالمية الجديدة ، وكيف يمكن السيطرة على مديات الصراع الحضاري مع توسع رقعة الدولة . كل هذه العوامل وغيرها هي التي أدت إلى الخلاف بين الصحابة إلى حد الصراع السياسي وأخيرا الصراع العسكري في واقعة الجمل.
المبحث الثالث
الصراع حول السلطة :
( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) آل عمران 144 .
كان علي بن أبي طالب ورهطه هم الشاكرون ، أما غيرهم فكانوا رجلين : رجل يرى زعامة قريش وسلطانها على العرب ، ورجل يعتقد أن الأنصار هم أحق بهذا الأمر .
وكان الأنصار يخافون أن تليها قريش ، وقد أعلن الحباب بن المنذر موقـفهم بقوله ( لكننا نخاف أن يليها بعدكم من قتلنا أبناءهم وآباءهم وإخوتهم ) ( حياة سيدة النساء ، باقر القريشي ص 303 ).
جلس سعد بن عبادة شيخ الخزرج في سقيفة بني ساعدة يدعو الأنصار أن يملكوا بينهم أمرهم ويوحدوا كلمتهم فلا يخرج الأمر من أيديهم ، ولا يذهب دونهم بالفضل من تخلف عنهم في الفضل . ولم يكن استلاب حق المهاجرين الأولين يدور للأنصار في بال . وهمت الأنصار أن تبايع لسعد لولا أن يجلا من الحاضرين لم ينسوا حق آل الرسول وذويه من قريش ، ورجالا آخرين عادت أحقاد الجاهلية الأولى في صدورهم المغلولة ، ورجالا سوى أولئك وهؤلاء استبد بهم حسدهم للشيخ وتحينوا به الفرص لكي يخذلوه . وانفلت من بين القوم من يمم شطر دار الرسول فوقع على عمر بن الخطاب المسجد يتحدث إلى أبي عبيدة بن الجراح ، فأفضى إليه بما يدور من السقيفة . وهب عمر من مكانه مبغوتا يزأر ، وبانت الغضبة في وجهه إذ كانت الأنصار تذهب دون قريش بالسلطان على العرب .(انظر المجموعة الكاملة ، علي بن أبي طالب ، عبد الفتاح عبد المقصود ص132ـ133.)
لقد قالها عمر ذات يوم لعبد الله بن عباس ( إن الناس قد كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة ، وان قريشا اختارت لنفسها فأصابت ) ومرة قال له ( لعلكم تقولون إن أبا بكر أول من آخركم ..أما انه لم يقصد ذلك ، ولكن حضر أمر من يكن بحضرته أحزم مما فعل ، ولولا رأي أبي بكر فيّ لجعل لكم من الأمر نصيبا ، ولو فعل ماهنأكم قومكم )(انظر علي بن أبي طالب ، نظرة عصرية جديدة ، محمد عمارة وآخرون ، بيروت 1979 .)
كل كتلة من تلك الكتل هي عبارة عن جماعة اجتماعية التي هي مجموعة من الناس كبيرة أو صغيرة الحجم تربط أعضاءها علاقات اجتماعية قوية تساعد على تحقيق أهدافهم الأساسية ، أو هي عدد من الأفراد تربطهم علاقات غير رسمية ومباشرة تشير إلى تفاعلهم الاجتماعي . فالجماعة التي تتميز عن الجماعات الأخرى بصفات عامة ومشتركة مثل الجنس أو الدخل هي الجماعة التي يمكن اعتبارها وحدة مستقلة في المجتمع. (معجم علم الاجتماع ، البروفسور دنكن ميشيل ، دار الحرية ـ بغداد 1980. )
لم تكن هناك شورى بدليل أن مفهوم الشورى غير واضح من حيث التعريف والحدود والشروط وأيضا كانت بيعة أبي بكر فلتة والعمل في حكومته لم يكن مخططا ، فعندما تولى الخلافة اصطدم بكون الرسول (ص) لم يخلف مالا يورث ، بل خلف دينا عليه هو عبارة عن قرض اقترضه لقضاء حاجيات أهله المعاشية ، فاضطر إلى مصادرة رؤوس الأموال مثل فدك ليمول ماسمي بحروب الردة التي دعت إليها جباية الأموال كالزكاة وتدعيم السلطة .
المبحث الرابع
الصراع حول الإمامة
الإنسان حيوان ذكي فهو ناطق اجتماعي وسياسي واقتصادي وأخلاقي ....وغيره فهذه كلها نواتج الذكاء وتتطور معه لذا فأنه من الضروري أن نهتم بالذكاء العام للأفراد وخير من يقوم بهذه المهمة هي الإرادة العامة أو السلطة
وفي كل الأحوال لا يوجد مجتمع بغير سلطه سواءاً كانت شرعيه أو غير شرعيه تحفظ النظام وتجمع الموارد وتوزع الثروات وتحمي المصالح العامة للدولة التي هي الكيان الاجتماعي والسياسي ورعاية الذكاء العام بالعلم والأخلاق هي الولاية العامة إما تطوير الذكاء العام فلا يمكن إلا برعاية عبقرية فذة وهي المقصودة بالإمامة ظاهرا التي تستند إلى مواصفات الوراثة وصحة البدن وسلامة النفس والتمييز العقلي المصحوب بقوة الإرادة والقدرة على إيجاد الحلول للمشكلات والتخطيط السليم وتحدي الأهداف وشدة التحمل والتكيف للظروف وقوة الإدراك بالحس والتجربة والحدس والانصياع للقيم والمقاييس والإحكام العقلية الأخلاقية مع سعة كافية في العلم وكثرة متنوعة بالمعرفة .
مما تقدم لا يفهم إن الأحكم هو الذي يحكم ، فالنظام برمته ناتج عقلي طبيعي ، وإنما الحاكم الذي يتميز بالصفات العقلية الفريد القادرة على فهم وشرح الحوادث الكلية فيصدر الأوامر الفعالة بهذا الاعتبار ثم لا يجد الأذكياء الخاضعين لتلك المشيئة أي حرج من الاعتراف بشرعية القوة التي تنظم جهود وواجبات أفراد المجتمع، وإنما يلمسون الفائدة والمصلحة المتبادلة المشتركة مع قادتها ، أما الضعفاء فان مصالحهم تتجلى في تحقيق الأهداف الجمعية التي يستفيد منها المجتمع الكبير ، حيث تعتمد شرعية السلطة على ارجحية الأسلوب أو الطريقة التي تمارس بها السلطة وليس على الجبرية والقوة المفرطة في ظل المصالح المتضاربة بين الحكام والمحكومين , بل من الضروري إيجاد الحالة التي توجد فيها المقاييس التي تشكل نظاما متكاملا من خلالها يستطيع الإنسان أن يكون علاقات أخلاقية وربط اجتماعية قوية مع الآخرين وهو ما يساعد على تحقيق الأهداف .
المبحث الخامس
على هامش الخطبة الفدكية
الدولة هي كيان واحد موحد باعتبارات متعددة أهمها الدستور والقانون والعرف العام وهذا النظام كسلوك عقلي يجب أن يستند إلى العلمية المتخصصة ، وان يطابق أفضل الطروحات التي تتمتع بالوضوح والدقة والقابلية على التطبيق وعدم التناقض ، فيكون والحال هذه لا بديل عن القرآن المجيد ، فهو العلم المتجدد الذي لا ينضب مناهله .
والأساس الذي يستند إليه القرآن هو مبدأ التوحيد ، وكل المبادئ الأخرى كالنبوة والمعاد إنما تتفرع عنه ، وترتبط معه بروابط جدلية لا تنفصم عراها، ثم تتفرع عنها باقي الأحكام والمقولات ، فأي خطأ أو غلط يقع في المبدأ الأول تسري شواذه إلى كل تفاصيل الكتاب .
وإذا كان القرآن بهذا الثقل فان من يحمله كرسالة يكون عدلا وأهلا له ، فالنبي محمد (ص) هو تام العقل ، عازم الذكاء ، نافذ العلم ، سيد الكائنات ، خيرة خلق الله ، فلا ينسب إليه مالا يليق به من الجهل أو الجهالة ، سواء بأمور الدنيا أو الدين ، لان مبدأ النبوة والدين الأوحد ترتكز على التوحيد ، فمحمد (ص) عالم الدهر ، وحيد العصر ، لا يقاس به احد من الخلق .
ولقد ورث آل محمد (ص) علم الرسول ، كما دلت آيات الكتاب ( وورث سليمان داود ) ، وكما يروي الشيخان ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا ، وإنما نورث الحكمة والعلم والنبوة ..) والرواية وان كانت تنافي ظاهر الآيات ، وان صحت لكانت سنة ، إلا أنها تحكم بميراث الحكمة والعلم للزهراء وأضافت إليها النبوة ! ؟
ولا يستوعب التوحيد إلا بالعلم والحكمة وذا أهم مميزات ولي الأمر ، حيث تنصب سياسة الدولة حول الإدارة العامة للخدمات والدفاع ، وتنطبق بالاعتماد على مبدأ الشمول ومبدأ النوعية العالية فتسبب فاعلية تلك الإدارة ، وعلى هذا الأساس يتم جمع الموارد وتوزيع الثروات وتخصيصها بحسب ما لكل قطاع من الأولوية والأهمية ، للحفاظ على ديمومة وتطور المجتمع وهو الناتج عن الذكاء العام .
مما قال علي بن أبي طالب (ع) في عهده إلى الأشتر حين ولاه مصر ( إتباع ما أمر الله به في كتابه من فرائضه وسنته التي لا يسعد احد إلا بإتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها ) ( وأكثر مدارسة العلماء ومئافته الحكماء ...فان ذلك يحق الحق ويدفع الباطل ويكتفى به دليلا ومثالا ) .
( أن الاختلاف في الحكم إضاعة للعدل وغرة في الدين وســـبب من الفرقة ) ( وليس لقاضيين من أهل الملة أن يقيما على اختلاف في حكم دون مارفع ذلك إلى ولي الأمر فيكم فيكون هو الحاكم بما علمه الله ) . فلا يكون للشورى والمشورة محل في مقابل التنزيل وإنما يكون التشاور حول التطبيق الأعم بالفائدة ( وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل ) وهو واضح لقوله تعالى (( إنما وليكم الله والرسول وأولي الأمر منكم )) فان جازت الشورى في احدهم جازت في الأخر لان الواو في العطف والمعادلة .
المبحث السادس
ضرورة الدين للمجتمع الإسلامي :
يمكن التمييز بين الاتجاه العقلي ـ( النظرية العلمية )ـ من خلال الأفكار التي تساعد على استقرار النظام الاجتماعي وتطوره ، خصوصا إذا كان لها تجربة مثمرة ماضية ، وبين النزعة التي تطمح إلى تكوين دولة خيالية يتفانى الأفراد في خدمتها بغية تحقيق أهدافها الطوباوية المرسومة والمخطط لها سلفا ، قد تتأنق بزي أيدلوجية الثورة وتميل إلى العنف الدموي وتتسم بالمطوحات العقائدية والسياسية المتعلقة بالمستقبل ، ولكنها بعيدة عن الواقع وسطحية لايمكن تطبيقها بدون ضرر ، وإنما تستمد الفشل من التمركز حول الذات.
لقد ارتبط نشوء وتطور المدن في جزيرة العرب بالعامل الديني ، لأنه السبب في التغير السياسي والإداري والاقتصادي.. وغيرها ، حيث كان الإسلام إبداعا حضاريا شمل المعتقدات والأفكار والآراء والقيم والمقاييس والعادات والمعارف والقوانين والأخلاق ..الخ ، وكل ما يمكن أن يتحلى به الفرد . لقد حول تلك القبائل من وحدات اجتماعية تمتاز بصفات مشتركة من تقاليد الجاهلية ، إلى هيئة اجتماعية منظمة لها قانون يحمي المجتمع من الآثار السلبية للسلوك اللا أخلاقي الذي يمارسه الفرد الشاذ.
ولكن لا يمكن أن تؤثر القيم السماوية والأخلاقية ، مالم تنعكس في السيادة الأخلاقية للمجتمع على أعضاءه ، بحيث تعطي التماسك والوحدة . فالمبادئ الدينية عبارة عن روابط جدلية لمجموعة من الأفكار والقيم ، والتفريط ببعضها قد يكون حاسما في تصدع البنى الرئيسية للدين ، وحينئذ سيكون الدين عاملا أساسيا في انقسام وانشطار المجتمع الكبير ، خصوصا عندما يكون الترقيع بالحشو الفلسفي .
أيضا تعتبر الإحكام الشرعية والقانون جزءا من المجتمع ، وهناك علاقة جدلية بينهما ، فأي تغيير يقع في أي منها ، لابد أن ينعكس على القسم الأخر ، وهكذا يمكن أن تتبدد المعرفة المتحررة البسيطة ، وتتحول إلى معقد جزئي يعكس الظواهر الأساسية للحياة الاجتماعية ويستمد مبرراته من التركيب الاجتماعي.
إن ميزة القرآن هو عدم الاختلاف بين تراكيبه ، وهي مميز فردي انفرادي للتعاليم الإسلامية ، وأي حذف مهما كان ثانويا فيها ، يستدعي الإضافة التي تتقمص عقلية فلسفية معقدة لانجاز فرضيات مخترعة ، قد تعمل مستقبلا على تقويض الدين كله .
المبحث السابع
ضرورة النزعة الإنسانية للدين :
كانت قريش عبارة عن مجموعة قبائل جاهلية ، يحكمها جماعة النفوذ المدعم بالقوة والمال، وهم أهل الحل والعقد في دار الندوة . ويعتمد نظام قريش على الطبقية التي تمايز بين الأفراد باختلاف المستوى الاجتماعي المحدد بعوامل شتى منها الثورة والمهنة والنسب بالإضافة للدين واللون والجنس والمولد ، وهو نظام جامد ليس فيه مرونة أو عاطفة اجتماعية ، وإنما تلعب فيه القوة والنفوذ السياسي الدور الأوحد.
وقد استبدل الإسلام نظام الطبقات ، بالتنافس الفردي الذي يدور حول المستوى العلمي والأخلاقي ( إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) ، مع الانتباه للسيطرة على النزعة العدائية التي يمارسها الأدنى تجاه الأعلى ( عداوة ثلاثة لثلاثة حق : فقير لغني ، ووضيع لشريف ، وجاهل لعالم ) وهي كوامن الصراع الذي افرز الحركات الطوباوية في التاريخ .
كان النظام في جزيرة العرب لا يختلف عن الترتيب في قريش ، حيث يقسم المجتمع إلى قبائل مختلفة ، لكل منها منزلتها وسمعتها الاجتماعية ( البطون ) ولا يمكن أن تتعدى تلك الحدود المرسومة بحد السيف . أما دار الندوة ( الحكومة ) فهم زعماء أو وجوه تلك القبائل ، وبأيديهم صنع القرار الذي لا يتضمنه دستور أو قانون ، سوى الأعراف الجاهلية والقبلية .
وما يميز قريش عن سائر جزيرة العرب ، هو جوارها للكعبة ، أي القدسية بالنسبة للدين والانتعاش الاقتصادي ، وهو شرف اجتماعي أعلى مما تتمتع به اكثر القبائل.وهذا النظام بما يمنحه للزعماء من احتلال المراكز الأولى ، وما يضفي عليهم من سلطات دينية وقانونية ، حتى في حال كون أي منهم فاشلا في حياته أو عمله ، هو الذي جعل الكثير منهم ملتزما به ، رغم انتشار الإسلام ، وعملوا على إحياؤه بالتواطؤ السياسي والاتفاقات على إعادة الفوارق الاجتماعية على شكل مراكز متدرجة لجماعات طبقية لها مزايا وظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية و ايديلوجية معينة ، بحيث يختلفون عن الجماعات الأخرى بهذه المعايير .
وهذا الاتجاه يجر نحو العرقية والعنصرية والقبلية ، لاكما اخطأ البعض فظن إنها مبادئ عروبية تنامت إلى أيديولوجية قومية ، إنما القومية كفكرة صدرت عن ألمانيا خصوصا على يد هيغل الذي استبدل الروح الكوني بروح الأمة .
بينما المراكز الاجتماعية التي تتبع النظام القيمي والأخلاقي للمجتمع ، فيجب أن تتناسب مع الكفاءات التي يحتاجها المجتمع ، وعليها تحدد الواجبات والحقوق والسلوك والعلاقات الاجتماعية التي تربط الأفراد ببعضهم . وكفاءة الأفراد تقاس بعدة متغيرات منها الثقافة والعلم والثروة والقدرة البدنية والعقلية ، ومن خلال النشاطات والفعاليات التي قوم بها الفرد داخل المجتمع.
أن الحكومة كجهاز لا تعني طبقة لجماعة أو بضعة أفراد يتربعون على رأس الهرم السلطوي ، ويقومون بتمشية الأمور ، ويشرفون على ضبط السلوك العام ، إنما السلطة تعني الإدارة الذكرية للمجتمع ، يقوم على تنفيذها جهاز حاكم قادر على مجاراة تطور الفكر والعمل الاجتماعي ، باستيعاب اكبر عدد ممكن من أفراد الشعب القادرين على تحمل المسؤولية رأس النظام أو الجهاز الحكومي الأعلى . ومهمته بالإضافة للحفاظ على عملية التطور ، هو كيفية تلافي الظواهر السلبية في المجتمع كفقر والانحراف والكوارث ...الخ برفع كفاءة الإدارة وتنظيم المؤسسات الخاصة بالموضوع ، وتطبيق القانون ورفع الحيف والاضطهاد والتعسف الذي يسبب إحباط وخيبة وتوتر بين العلاقات ، ومن ثم انعزال بؤر اجتماعية تتحول إلى طبقة داخل المجمع فيما بعد
خلاصة وتحليل
1- مفهوم التوحيد لم يتعمق في النفوس لصعوبة المبادئ المتعلقة بالمقولات الكلية خصوصا وان المجتمع جاهل وبدائي .
2- لم تقدر شخصية الرسول الأعظم بما تستحق من صفة العلم والذكاء بما أنها عدل القرآن لأن القرآن نفسه لم يكن مفهوما لدى الأغلبية .
3- لقد صدم الناس بموت النبي وترك فراغا كبيرا في السلطة ولكن موته أثار فكرة انه بشر عادي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويمرض ويموت وتأكله الأرض .
4- لقد هاجت كوامن العنصرية بسلوكها النمطي ومشاعر الحقد والكراهية فوحدت أفرادها بوجود الخطر والهدف المشترك مما دعا لاستخدام القوة وخرق القانون .
5- كانت المعايير الجاهلية تؤثر بشدة في سلوك الأفراد وكان مستوى ذلك السلوك مقبولا بين أفراد الثقافة الواحدة بشكل طبيعي وهم الأغلبية المتسلطة .
6- كان من الصعب تغيير المعايير الجاهلية بقيم الإسلام رغم القوة الضاغطة فمنهم : مؤمن , مسلم , مستسلم ,منافق
7- عند المواقف الصعبة يتحيز متوسطو الذكاء وذو الضعف الفردي ويسلموا لحكم الجماعة .
8- يتغير الاتجاه (المواقف الثابتة ) عند البعض عندما يتعرض لخبرات ومعلومات سلبية وتحت ظروف معينة .
9- حدث الاتفاق على أساس الودية بين عناصر التشابه والتكافؤ والإعجاب والتقارب .
10- يتحيز الأفراد بشكل مميز تحت ظروف استعراض القوة والتهديد والتمني فيجدون فعلا مايتوقعون رؤيته من المواصفات والتبرير السوي لأن فهم وإدراك الآخرين يعتمد على الظروف والدوافع والسمات فهي قابلة للتحيز
11- الأفراد الموجودون في ظروف ضاغطة من التوتر والقلق يهبط عندهم مستوى الدقة في الإدراك والحكم فيلجئون إلى الآخرين أو يترددون كثيرا في اتخاذ القرار
12- إن ألخطبه الفدكية والمواقف اللاحقة التي اتخذها الزهراء عليها السلام كانت صدمة عنيفة مضادة دمرت اتجاه الردة
13- إن موقف الزهراء خلق أزمة ضمير للأمه وصراع تاريخي من اجل المبادئ
المصادر والمراجع
• القرآن الكريم
• علي بن ابي طالب نهج البلاغة جمع الشريف الرضي ضبط النص الدكتور صبحي الصالح2009 ايران قم المقدسة
• عمارة ,محمد واخرون 1979 (علي بن ابي طالب نظرة عصرية جديدة) المؤسسة العربية للدراسات بيروت
• المازندراني( 1956) محمد بن علي بن شهر أشوب مناقب إل أبي طالب ، مطبعة النجف الأشرف
• المجلسي، محمد باقر (1984) بحار الأنوار ج43مؤسسة الوفاء، بيروت
• المسعودي ، ابو الحسن على ابن الحسين بن على (1964) مروج الذهب ومعادن الجوهرج2 مطبعة السعادة، القاهرة
• المسعودي، محمد فضل ( 2009) الإسرار الفاطمية ،كتاب منشور في الانترنيت
• القريشي , باقر(2009) حياة سيدة النساء فاطمة الزهراء دراسة وتحليل ط6 مكتبة الامام الحسن عليه السلام / النجف الاشرف
• الطبراني ،محمد بن جرير( ب ت) تاريخ الرسل والملوك تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر
• الطبري ، محب الدين (1984) ذخائر العقبة في مناقب ذوي القربى دار التربية، بغداد
• عبد المقصود، عبد الفتاح( 2006 ) المجموعة الكاملة –الإمام على ابن أبي طالب – ج1 مراجعة محمد على قطب ،مؤسسة المختار، القاهرة