خادم الأميرة
29-05-2010, 09:57 AM
نشأته و دراسته
أبو الحسن محمد بن عبد الحميد بن محمد الموسوي الأصفهاني، أحد كبار علماء الإمامية
ولـد في قرية مديس من قرى مدينة فلاورجان التابعة لاصفهان في سنة 1277هـ , وتربى وتـرعـرع في ظل والده السيد محمد الذي كان من العلماء الافاضل, اما جده فهو السيد عبد الحميد كان من طلاب آية اللّه الشيخ محمد حسن النجفي (صاحب الجواهر).
ينتهي نسب العائلة بواسطة اثنين وثلاثين عقبا الى الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام.
تلقى دروسه الأولى في مسقط رأسه، ثم رحل عنها وهو في أوائل العقد الثاني من عمره إلى أصفهان، فدرس على يد أبرز علمائها أمثال الشيخ محمد الكاشاني، حتى أتم مرحلة السطوح، وبدأ بحضور البحث الخارج.
هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1308هـ، فحضر درس الميرزا حبيب الله الرشتي في الفقه، وبقي مواظباً على درسه حتى وفاة الميرزا، ثم لازم الأخوند الخراساني ، فحضر دروسه في الفقه والأصول حتى وفاته سنة 1329هـ. استقل بالتدريس بعد وفاة أستاذه الآخوند، فاشتهر، وأخذت الأنظار تتجه إليه كمجتهد كبير ومرشح بارز للمرجعية الدينية.
مرجعيته و تلامذته
بعد وفاة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي في مدينة قم المقدّسة ، ووفاة الشيخ محمّد حسين الغروي النائيني في مدينة النجف الأشرف ، برزت زعامة السيّد أبي الحسن في أغلب البلاد الإسلامية بلا منازع . وتخرج على يديه جملة من الفقهاء نذكر منهم السيّد محسن الطباطبائي الحكيم . الشيخ عبد النبي الأراكي . الشيخ محمّد تقي الآملي . الشيخ محمّد تقي البروجردي . السيّد محمّد هادي الحسيني الميلاني . الشيخ محمّد تقي بهجت الفومني . الشيخ عبد الحسين الأميني .الشيخ حسين الحلّي . . السيّد محمّد حسين الطباطبائي . السيّد عبد الله الشيرازي .
ثورة العشرين
ولم تمض سنتان على انتفاضة النجف حتى انفجرت ثورة العشرين الكبرى 1339هـ، 1920م. إنّ ثورة العشرين التي انفجرت في وجه الاحتلال الإنكليزي بتوجيه المرجعية الدينية عندما حاولت السلطات البريطانية تعيين حاكم بريطاني على العراق بشكل ثابت ودائم على أن يكون مستشاروه من العراقيين، فأطلق المرجع الديني الاعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي فتواه (( ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب أو يختار غير المسلم للإمارة على المسلمين )) ولما تمادى الإنكليز في غيّهم ونهبهم لثروات العراق أصدر سماحته فتوى ثانية أوجب فيها على كل العراقيين استعادة ثرواتهم، وهذا نص فتواه: ((مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الإنكليز قبول مطالبهم )). وسار السيد الأصفهاني على خطى سلفه في شحذ العزيمة وثبات الموقف على القتال والجهاد في سبيل الاستقلال، فحمل السلاح في ثورة العشرين في العراق، وذهب مع المجاهدين إلى ساحة المعركة، ثم عاد إلى النجف الأشرف بإلحاح من زعماء الثوار . ومع تصاعد الثورة التي أخذت تتخطى مناطق الجنوب العراقي لجأ الاحتلال البريطاني إلى أسلوب المناورة لتقويض الثورة وامتصاصا لغضب الشعب قاموا بتنصيب الملك فيصل ملكا على العراق وواصلت المرجعية المتمثلة بالأصفهاني والنائيني دورها المقاوم للانتداب، فرفضت البيعة للملك فيصل الأول، الذي عينه الإنكليز .
سيرته واخلاقه
ورث السيد ابو الحسن الاصفهاني الصفات الحميدة ومكارم الاخلاق عن اجداده الطاهرين, وفي كل مقطع من مقاطع حياته الشريفة نجده متحليا بالاداب الاسلامية .
نقل انه في يوم من ايام الصراع مع الانجليز كان السيد يؤدي صلاة الجماعة التي كان يحضرها آلاف المؤمنين, وفي اثناء الصلاة صاح احد الحاضرين بصوت عال: لقد قتل السيد حسن ابن السيد الاصفهاني, فتشتتت صفوف المصلين على أثر هذا الخبر, لكن السيد ظل مشغولا بصلاته .
وبـعد ان انتهى من الصلاة ادار براسه الشريف نحو المصلين واذا به يرى ابنه مقتولا شهيدا على يد احد الاشرار, فلم يتكلم بشي سوى انه قال: لا اله الا اللّه ثلاث مرات . و لم تخرج من عينيه ولا دمعة واحدة . والاشـد مـن ذلـك هـوعـفـوه عن القاتل.
ونقل عن لسان احد طلبة العلوم الدينية :
فـي يوم من الايام كنت جالسا قريبا من باب تل الزينبية ـ احد ابواب الحرم المطهر للامام الحسين عليه السلام فـي مدينة كربلاء المقدسة، وكان يقف الى جانبي رجل, فلما خرج آية اللّه الاصفهاني من تلك الـبـاب مـتـجـها نحو منزله، قال هذا الرجل بصوت منخفض: ساذهب واشتم هذا السيد, و ذهب بـاتجاهه واخذ يسبه ويشتمه, وبعد مدة من الزمن عاد ودموعه تجري على خديه, فقلت له: ماذا جرى ؟ لماذا تبكي؟ فقال: ذهبت لأشتم السيد وبقيت على ذلك حتى وصلت باب داره، فقال لي: قف هنا وانتظر, فدخل الى الدار ثم عاد بسرعة, وأعطاني مبلغا من المال وقال لي: اي وقت تكون فيه مـحـتـاجـا إ لى شيء تعال الى هنا وسأعطيك ما يسد حاجتك , ولا داعي لمراجعة جهات اخرى غـيـري, لعلهم لا يستطيعون مساعدتك, وانا على استعداد لسماع السب والشتم منك, ولكن ارجو منك ان لا تشتم عرضي وشرفي . فـقـال هـذا الرجل: لقد تاثرت تاثراً كبيرا بكلام السيد واخذتني الرعشة, وسرعان ما أجهشت بالبكاء من شدة حلم هذا الرجل العظيم .
مواقفه السياسية
كانت حياة السيد ( قده ) منذ ولادته والى وفاته مشحونة بالاحداث السياسية وكان له دور مميز في ذلك ويمكن اجمالها بما يلي :
(1) عندما ثار رشيد عالي الكيلاني رئيس وزراء العراق في العهد الملكي سنة 1941م مع مجموعة من الضباط الاحرار, دخلت القوات البريطانية الى العراق بـحجة حفظ قواعدها العسكرية, وعلى اثر ذلك فشلت تلك الحركة وفرّ رشيد عالي الى ايران, وعـاد عـبـد الاله ونوري السعيد الى العراق بعد لجوئهما الى الاردن, وذلك تحت حماية القوات البريطانية, وفي عام 1341 هـ تم اجراء الانتخابات الدستوريه للملك فيصل الثاني بشكل صوري ومزيّف مما دفع بمجموعة من علماء الدين الشيعة الى تحريم تلك الانتخابات, كان من ضمنهم آية اللّه الـسـيـد ابـو الحسن الاصفهاني وآية اللّه النائيني، فقامت السلطة على اثر ذلك بـابعادهم الى ايران, وقد اصدر الاصفهاني بيانا حول ابعادهما من العراق جاء فيه (من الواجبات الدينية عـلـى جـمـيـع الـمـسلمين هي الدفاع عن الاسلام والبلاد الاسلامية, وبالخصوص العراق بلد الـمـقـدسات, بلد الائمة الاطهار عليهم السلام ضد تسلط قوات الاجانب) وبعد مرور سنة على ابـعـاد تـلك المجموعة من العلماء, وبسبب ضغط الجماهير ومطالبتها, اعادت الحكومة النظر بهذا الموضوع , وتم ارجاع السيد الاصفهاني وباقي العلماء الى العراق .
(2) تأييده لعلماء الدين في ايران الذين رفضوا أجرات نظام رضا خان, ومن ضمنهم آية اللّه حسين القمي الذي أبعده الشاه الى العراق, وعند وصوله الى كربلاء المقدسة أرسل السيد الاصفهاني ممثلا عـنه للقاء آية اللّه القمي, وابلاغه تأييد السيد الاصفهاني لمواقفه الجهادية, ضد رضا خان واجراته القمعية ضد الدين وعلمائه .
(3) بعد الاستنكارات الشديدة التي قام بها المرحوم آية اللّه نور اللّه النجفي مع ثلثمئة من علماء و طلاب حوزة اصفهان ضد النزوات الشخصية لرضا خان .
هـاجر آية اللّه نور اللّه النجفي الى قم المقدسة مع مجموعة من العلماء وذلك في عام 1346 هـ و لـغرض مواصلة الرفض والاستنكار في انحاء ايران كافه, ارسل آية اللّه النجفي رسائل بريدية ـ لعدم قدرته على ارسال البرقيات بسبب الرقابة ـ دعا فيها علماء ايران للهجرة الى قم المقدسة, وتم اخبار السيد ابي الحسن بمجريات الاحداث فقام السيد الاصفهاني بالتنسيق مع علماء الدين في ايران, حـول كـيفية النهوض بوجه نظام رضا خان, وارسل برقية مطولة الى العلماء تحدث فيها عن كيفية التصرف ازاء الاحداث, نقتطف منها: (والخلاصة : لقد تأثرت تأثرا شديدا حتى كأني أحس بان قلبي يـقطر دما على ما جرى, ولو كان لدينا حل لاصلاح بعض الامور, بحيث يؤدي هذا الحل الى رفع جـميع المفاسد, ولا يؤدي الى ايجاد الخراب والدمار والاضطراب في البلاد فنحن في مثل هذه الحالة على اتم الاستعداد للتضحية والفداء).
4) لقاؤه مع السفير البريطاني : فـى ايام العهد الملكي جاء نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي آنذاك برفقة السفير البريطاني الى النجف الاشرف لزيارة السيد ابي الحسن الاصفهاني, وخلال اللقاء قام السفير البريطاني بتقديم صك للسيد بمبلغ مئة الف دينارعراقي, بعنوان نذر من الحكومة البريطانية بمناسبة انتصارهم عسكريا على جيش المانيا في الحرب العالمية الثانية, وادعى السفير بان الحكومة تريد ان يصل هذا المبلغ الى عـلماء الدين, فاستلم السيد المبلغ واضاف له صكا آخر بمبلغ مئة الف دينار, فاصبح المجموع مئتي الـف ديـنار, وقال للسفير: ان اكثر الضحايا في حربكم مع الالمان كانوا من المسلمين الهنود الذين استخدمتموهم في الحرب ضد المانيا, ونتيجة لهذا العمل اصبح لدينا آلاف من العوائل بدون معيل, وشـعـوراً مـنـي بـواجـبـي تجاه قضايا المسلمين فاني اضع هذا المبلغ كله لمساعدة تلك العوائل المفجوعة بفقد معيلها.
فخرج المندوب البريطاني مع نوري السعيد من عند السيد ثم بعد فترة وجيزة عاد نوري السعيد الـى الـسيد وانحنى له اجلالا واحتراما, واخذ يقبله وقال: روحي فداك يا سيدى, لم ار عظيما مثلك .
امـا الـمـنـدوب البريطاني فقد اخذ يتحدث هنا وهناك في المناسبات عن ذكاء وفطنة هذا السيد الجليل وحنكته في ادارة الامور.
أمنيتان يتمنى تحقيقهما
يقول السيد الاصفهاني: لدي امنيتان عزيزتان، وعلى الدوام فكري مشغول بهما واتمنى ان تتحققا، اولـهـما: شراء المساكن و قطع الاراضي المحيطة بحرم الامامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام في سامراء, واسكان الشيعة فيها, وثانيهما: ان اسمع ذكر الشهادة الثالثة فى الاذان من منارة المسجد الحرام .
وبـهـذه الـمناسبة جدير بنا ان نذكر دعوة الملك ابن سعود له لزيارة مكة المكرمة, فقبل دعوته بـشـرط ان يـقوم بتعمير واعادة بناء قبور الائمة عليهم السلام في البقيع, فلم يستجب الملك لهذا الشرط.
وفاته
انـتقل الى رحمة الله تعالى في الكاظمية المقدسة بتاريخ 9 / ذي الحجة / 1365 هـ , ثم نقل جثمانه الـطـاهـر الـى الـنـجـف الاشـرف وشـيـع تشييعا كبيرا, ثم تمّ دفنه في الصحن المطهر للامام امـيـرالـمؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام, وقال في تابينه آية اللّه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: (هنيئا لك يا ابا الحسن عشت سعيدا ومتّ حميدا, قد أنسيت الماضين وأتعبت الباقين, كانك قد ولدت مرتين.. .) .
أبو الحسن محمد بن عبد الحميد بن محمد الموسوي الأصفهاني، أحد كبار علماء الإمامية
ولـد في قرية مديس من قرى مدينة فلاورجان التابعة لاصفهان في سنة 1277هـ , وتربى وتـرعـرع في ظل والده السيد محمد الذي كان من العلماء الافاضل, اما جده فهو السيد عبد الحميد كان من طلاب آية اللّه الشيخ محمد حسن النجفي (صاحب الجواهر).
ينتهي نسب العائلة بواسطة اثنين وثلاثين عقبا الى الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام.
تلقى دروسه الأولى في مسقط رأسه، ثم رحل عنها وهو في أوائل العقد الثاني من عمره إلى أصفهان، فدرس على يد أبرز علمائها أمثال الشيخ محمد الكاشاني، حتى أتم مرحلة السطوح، وبدأ بحضور البحث الخارج.
هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1308هـ، فحضر درس الميرزا حبيب الله الرشتي في الفقه، وبقي مواظباً على درسه حتى وفاة الميرزا، ثم لازم الأخوند الخراساني ، فحضر دروسه في الفقه والأصول حتى وفاته سنة 1329هـ. استقل بالتدريس بعد وفاة أستاذه الآخوند، فاشتهر، وأخذت الأنظار تتجه إليه كمجتهد كبير ومرشح بارز للمرجعية الدينية.
مرجعيته و تلامذته
بعد وفاة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي في مدينة قم المقدّسة ، ووفاة الشيخ محمّد حسين الغروي النائيني في مدينة النجف الأشرف ، برزت زعامة السيّد أبي الحسن في أغلب البلاد الإسلامية بلا منازع . وتخرج على يديه جملة من الفقهاء نذكر منهم السيّد محسن الطباطبائي الحكيم . الشيخ عبد النبي الأراكي . الشيخ محمّد تقي الآملي . الشيخ محمّد تقي البروجردي . السيّد محمّد هادي الحسيني الميلاني . الشيخ محمّد تقي بهجت الفومني . الشيخ عبد الحسين الأميني .الشيخ حسين الحلّي . . السيّد محمّد حسين الطباطبائي . السيّد عبد الله الشيرازي .
ثورة العشرين
ولم تمض سنتان على انتفاضة النجف حتى انفجرت ثورة العشرين الكبرى 1339هـ، 1920م. إنّ ثورة العشرين التي انفجرت في وجه الاحتلال الإنكليزي بتوجيه المرجعية الدينية عندما حاولت السلطات البريطانية تعيين حاكم بريطاني على العراق بشكل ثابت ودائم على أن يكون مستشاروه من العراقيين، فأطلق المرجع الديني الاعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي فتواه (( ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب أو يختار غير المسلم للإمارة على المسلمين )) ولما تمادى الإنكليز في غيّهم ونهبهم لثروات العراق أصدر سماحته فتوى ثانية أوجب فيها على كل العراقيين استعادة ثرواتهم، وهذا نص فتواه: ((مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الإنكليز قبول مطالبهم )). وسار السيد الأصفهاني على خطى سلفه في شحذ العزيمة وثبات الموقف على القتال والجهاد في سبيل الاستقلال، فحمل السلاح في ثورة العشرين في العراق، وذهب مع المجاهدين إلى ساحة المعركة، ثم عاد إلى النجف الأشرف بإلحاح من زعماء الثوار . ومع تصاعد الثورة التي أخذت تتخطى مناطق الجنوب العراقي لجأ الاحتلال البريطاني إلى أسلوب المناورة لتقويض الثورة وامتصاصا لغضب الشعب قاموا بتنصيب الملك فيصل ملكا على العراق وواصلت المرجعية المتمثلة بالأصفهاني والنائيني دورها المقاوم للانتداب، فرفضت البيعة للملك فيصل الأول، الذي عينه الإنكليز .
سيرته واخلاقه
ورث السيد ابو الحسن الاصفهاني الصفات الحميدة ومكارم الاخلاق عن اجداده الطاهرين, وفي كل مقطع من مقاطع حياته الشريفة نجده متحليا بالاداب الاسلامية .
نقل انه في يوم من ايام الصراع مع الانجليز كان السيد يؤدي صلاة الجماعة التي كان يحضرها آلاف المؤمنين, وفي اثناء الصلاة صاح احد الحاضرين بصوت عال: لقد قتل السيد حسن ابن السيد الاصفهاني, فتشتتت صفوف المصلين على أثر هذا الخبر, لكن السيد ظل مشغولا بصلاته .
وبـعد ان انتهى من الصلاة ادار براسه الشريف نحو المصلين واذا به يرى ابنه مقتولا شهيدا على يد احد الاشرار, فلم يتكلم بشي سوى انه قال: لا اله الا اللّه ثلاث مرات . و لم تخرج من عينيه ولا دمعة واحدة . والاشـد مـن ذلـك هـوعـفـوه عن القاتل.
ونقل عن لسان احد طلبة العلوم الدينية :
فـي يوم من الايام كنت جالسا قريبا من باب تل الزينبية ـ احد ابواب الحرم المطهر للامام الحسين عليه السلام فـي مدينة كربلاء المقدسة، وكان يقف الى جانبي رجل, فلما خرج آية اللّه الاصفهاني من تلك الـبـاب مـتـجـها نحو منزله، قال هذا الرجل بصوت منخفض: ساذهب واشتم هذا السيد, و ذهب بـاتجاهه واخذ يسبه ويشتمه, وبعد مدة من الزمن عاد ودموعه تجري على خديه, فقلت له: ماذا جرى ؟ لماذا تبكي؟ فقال: ذهبت لأشتم السيد وبقيت على ذلك حتى وصلت باب داره، فقال لي: قف هنا وانتظر, فدخل الى الدار ثم عاد بسرعة, وأعطاني مبلغا من المال وقال لي: اي وقت تكون فيه مـحـتـاجـا إ لى شيء تعال الى هنا وسأعطيك ما يسد حاجتك , ولا داعي لمراجعة جهات اخرى غـيـري, لعلهم لا يستطيعون مساعدتك, وانا على استعداد لسماع السب والشتم منك, ولكن ارجو منك ان لا تشتم عرضي وشرفي . فـقـال هـذا الرجل: لقد تاثرت تاثراً كبيرا بكلام السيد واخذتني الرعشة, وسرعان ما أجهشت بالبكاء من شدة حلم هذا الرجل العظيم .
مواقفه السياسية
كانت حياة السيد ( قده ) منذ ولادته والى وفاته مشحونة بالاحداث السياسية وكان له دور مميز في ذلك ويمكن اجمالها بما يلي :
(1) عندما ثار رشيد عالي الكيلاني رئيس وزراء العراق في العهد الملكي سنة 1941م مع مجموعة من الضباط الاحرار, دخلت القوات البريطانية الى العراق بـحجة حفظ قواعدها العسكرية, وعلى اثر ذلك فشلت تلك الحركة وفرّ رشيد عالي الى ايران, وعـاد عـبـد الاله ونوري السعيد الى العراق بعد لجوئهما الى الاردن, وذلك تحت حماية القوات البريطانية, وفي عام 1341 هـ تم اجراء الانتخابات الدستوريه للملك فيصل الثاني بشكل صوري ومزيّف مما دفع بمجموعة من علماء الدين الشيعة الى تحريم تلك الانتخابات, كان من ضمنهم آية اللّه الـسـيـد ابـو الحسن الاصفهاني وآية اللّه النائيني، فقامت السلطة على اثر ذلك بـابعادهم الى ايران, وقد اصدر الاصفهاني بيانا حول ابعادهما من العراق جاء فيه (من الواجبات الدينية عـلـى جـمـيـع الـمـسلمين هي الدفاع عن الاسلام والبلاد الاسلامية, وبالخصوص العراق بلد الـمـقـدسات, بلد الائمة الاطهار عليهم السلام ضد تسلط قوات الاجانب) وبعد مرور سنة على ابـعـاد تـلك المجموعة من العلماء, وبسبب ضغط الجماهير ومطالبتها, اعادت الحكومة النظر بهذا الموضوع , وتم ارجاع السيد الاصفهاني وباقي العلماء الى العراق .
(2) تأييده لعلماء الدين في ايران الذين رفضوا أجرات نظام رضا خان, ومن ضمنهم آية اللّه حسين القمي الذي أبعده الشاه الى العراق, وعند وصوله الى كربلاء المقدسة أرسل السيد الاصفهاني ممثلا عـنه للقاء آية اللّه القمي, وابلاغه تأييد السيد الاصفهاني لمواقفه الجهادية, ضد رضا خان واجراته القمعية ضد الدين وعلمائه .
(3) بعد الاستنكارات الشديدة التي قام بها المرحوم آية اللّه نور اللّه النجفي مع ثلثمئة من علماء و طلاب حوزة اصفهان ضد النزوات الشخصية لرضا خان .
هـاجر آية اللّه نور اللّه النجفي الى قم المقدسة مع مجموعة من العلماء وذلك في عام 1346 هـ و لـغرض مواصلة الرفض والاستنكار في انحاء ايران كافه, ارسل آية اللّه النجفي رسائل بريدية ـ لعدم قدرته على ارسال البرقيات بسبب الرقابة ـ دعا فيها علماء ايران للهجرة الى قم المقدسة, وتم اخبار السيد ابي الحسن بمجريات الاحداث فقام السيد الاصفهاني بالتنسيق مع علماء الدين في ايران, حـول كـيفية النهوض بوجه نظام رضا خان, وارسل برقية مطولة الى العلماء تحدث فيها عن كيفية التصرف ازاء الاحداث, نقتطف منها: (والخلاصة : لقد تأثرت تأثرا شديدا حتى كأني أحس بان قلبي يـقطر دما على ما جرى, ولو كان لدينا حل لاصلاح بعض الامور, بحيث يؤدي هذا الحل الى رفع جـميع المفاسد, ولا يؤدي الى ايجاد الخراب والدمار والاضطراب في البلاد فنحن في مثل هذه الحالة على اتم الاستعداد للتضحية والفداء).
4) لقاؤه مع السفير البريطاني : فـى ايام العهد الملكي جاء نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي آنذاك برفقة السفير البريطاني الى النجف الاشرف لزيارة السيد ابي الحسن الاصفهاني, وخلال اللقاء قام السفير البريطاني بتقديم صك للسيد بمبلغ مئة الف دينارعراقي, بعنوان نذر من الحكومة البريطانية بمناسبة انتصارهم عسكريا على جيش المانيا في الحرب العالمية الثانية, وادعى السفير بان الحكومة تريد ان يصل هذا المبلغ الى عـلماء الدين, فاستلم السيد المبلغ واضاف له صكا آخر بمبلغ مئة الف دينار, فاصبح المجموع مئتي الـف ديـنار, وقال للسفير: ان اكثر الضحايا في حربكم مع الالمان كانوا من المسلمين الهنود الذين استخدمتموهم في الحرب ضد المانيا, ونتيجة لهذا العمل اصبح لدينا آلاف من العوائل بدون معيل, وشـعـوراً مـنـي بـواجـبـي تجاه قضايا المسلمين فاني اضع هذا المبلغ كله لمساعدة تلك العوائل المفجوعة بفقد معيلها.
فخرج المندوب البريطاني مع نوري السعيد من عند السيد ثم بعد فترة وجيزة عاد نوري السعيد الـى الـسيد وانحنى له اجلالا واحتراما, واخذ يقبله وقال: روحي فداك يا سيدى, لم ار عظيما مثلك .
امـا الـمـنـدوب البريطاني فقد اخذ يتحدث هنا وهناك في المناسبات عن ذكاء وفطنة هذا السيد الجليل وحنكته في ادارة الامور.
أمنيتان يتمنى تحقيقهما
يقول السيد الاصفهاني: لدي امنيتان عزيزتان، وعلى الدوام فكري مشغول بهما واتمنى ان تتحققا، اولـهـما: شراء المساكن و قطع الاراضي المحيطة بحرم الامامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام في سامراء, واسكان الشيعة فيها, وثانيهما: ان اسمع ذكر الشهادة الثالثة فى الاذان من منارة المسجد الحرام .
وبـهـذه الـمناسبة جدير بنا ان نذكر دعوة الملك ابن سعود له لزيارة مكة المكرمة, فقبل دعوته بـشـرط ان يـقوم بتعمير واعادة بناء قبور الائمة عليهم السلام في البقيع, فلم يستجب الملك لهذا الشرط.
وفاته
انـتقل الى رحمة الله تعالى في الكاظمية المقدسة بتاريخ 9 / ذي الحجة / 1365 هـ , ثم نقل جثمانه الـطـاهـر الـى الـنـجـف الاشـرف وشـيـع تشييعا كبيرا, ثم تمّ دفنه في الصحن المطهر للامام امـيـرالـمؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام, وقال في تابينه آية اللّه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: (هنيئا لك يا ابا الحسن عشت سعيدا ومتّ حميدا, قد أنسيت الماضين وأتعبت الباقين, كانك قد ولدت مرتين.. .) .