بو هاشم الموسوي
30-05-2010, 12:02 AM
خطبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الكاشفة عن فضائله والفاضحة لأعدائه عليهم اللعنة والعذاب الأليم
في كتاب الارشاد لكيفية الطلب أئمة العباد تصنيف محمد بن الحسن الصفار قال:
وقد كفانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه المؤونة في خطبة خطبها، أودعها من البيان والبرهان ما يجلي الغشاوة عن أبصار متأمليه، والعمى عن عيون متدبريه، وحلينا الكتاب بها ليزداد المسترشدون في هذا الأمر بصيرة وهي منة الله جل ثناؤه علينا وعليهم يجب شكرها، خطب صلوات الله عليه فقال:
" ما لنا ولقريش وما تنكر منا قريش، غير إنا أهل بيت شيد الله فوق بنيانهم بنياننا، وأعلى فوق رؤوسهم رؤوسنا، واختارنا الله عليهم، فنقموا على الله أن اختارنا عليهم، وسخطوا ما رضا الله، وأحبوا ما كره الله. فلما اختارنا الله عليهم، شركناهم في حريمنا، وعرفناهم الكتاب والنبوة، وعلمناهم الفرض والدين، وحفظناهم الصحف والزبر، وديناهم الدين والإسلام فوثبوا علينا، وجحدوا فضلنا ومنعونا حقنا وألتونا أسباب أعمالنا وأعلامنا.
اللهم فإني استعديك على قريش، فخذ لي بحقي منها، ولا تدع مظلمتي لديها وطالبهم يا رب بحقي، فإنك الحكم العدل، فإن قريشا صغرت عظيم أمري واستحلت المحارم مني، واستخفت بعرضي وعشيرتي، وقهرتني على ميراثي من ابن عمي واعزوا بي أعدائي، ووتروا بيني وبين العرب والعجم، وسلبوني ما مهدت لنفسي من لدن صباي بجهدي وكدي، ومنعوني ما خلفه أخي وجسمي وشقيقي، وقالوا إنك لحريص متهم.
أليس بنا اهتدوا من متاه الكفر، ومن عمى الضلالة، وعلى الظلماء. أليس أنقذتهم من الفتنة الصماء والمحنة العمياء. وبلهم ألم أخلصهم من نيران الطغاة، وكرة العتاة، وسيوف البغاة، ووطأة الأسد، ومقارعة الطماطمة، ومماحكة القمامة الذين كانوا عجم العرب وغنم الحروب، وقطب الأقدام، وجبال القتال، وسهام الخطاب، وسل السيوف.
أليس بي تسموا الشرف، وبي نالوا الحق والنصف، ألست آية نبوة محمد، ودليل رسالته، وعلامة رضاه وسخطه.
أليس بي كان يقطع الدروع الدلاص، وتصطلم الرجال الحراص. وبي كان يفري جماجم البهم، وهام الأبطال، إذا فزعت يتم إلى الفرار وعدي إلى الانتكاص.
أما وأني لو أسلمت قريشا للمنايا والحتوف وتركتها فحصدتها سيوف الغوانم، ووطأتهم الأعاجم، وكرات الأعادي، وحملات الأعالي، وطحنتهم سنابك الصافنات، وحوافر الصاهلات، في مواقف الأزل والهزل في ظلال الأعنة ، وبريق الأسنة ما بقوا لهضمي، ولا عاشوا لظلمي، ولما قالوا إنك لحريص متهم اليوم، نتواقف على حدود الحق والباطل.
اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق، فإني مهدت مهاد نبوة محمد صلى الله عليه وآله، ورفعت أعلام دينك، وأعلنت منار رسولك، فوثبوا علي وغالبوني ونالوني ووتروني.
فقام إليه أبو حازم الأنصاري: فقال: يا أمير المؤمنين أبو بكر وعمر ظلماك أحقك أخذا، وعلى الباطل مضيا، أعلى حق كانا؟ أعلى صواب أقاما؟ أم ميراثك غصبا؟ أفهمنا لنعلم باطلهم من حقك، أو نعلم حقهما من حقك، أبزاك أمرك؟ أم غصباك إمامتك، أم غالباك فيها عزا، أم سبقاك إليها عجلا؟ فجرت الفتنة، ولم تستطع منها استقلالا، فإن المهاجرين والأنصار يظنان أنهما كانا على حق، وعلى الحجة الواضحة مضيا.
فقال صلوات الله عليه: يا أخا اليمن لا بحق أخذا، ولا على إصابة أقاما، ولا على دين مضيا، ولا على فتنة خشيا، يرحمك الله، اليوم نتواقف على حدود الحق والباطل، أتعلمون يا إخواني أن بني يعقوب على حق ومحجة كانوا حين باعوا أخاهم، وعقوا أباهم، وخانوا خالقهم، وظلموا أنفسهم، فقالوا: لا.
فقال : يرحمكم الله أيعلم إخوانك هؤلاء أن ابن آدم قاتل الأخ كان على حق ومحجة وإصابة وأمره من رضا الله؟ فقالوا: فقال: لا.
فقال: أوليس كل فعل بصاحبه ما فعل، لحسده إياه وعدوانه وبغضانه له؟ فقالوا: نعم.
قال: وكذلك فعلا بي ما فعلا حسدا، ثم إنه لم يتب على ولد يعقوب إلا بعد استغفار وتوبة وإقلاع وإنابة وإقرار، ولو أن قريشا تابت إلي واعتذرت من فعلها لاستغفرت الله لها.
ثم قال: إنما أنطق لكم العجماء ذات البيان وأفصح الخرساء ذات البرهان، لأني فتحت الإسلام، ونصرت الدين، وعززت الرسول، وثبت أركان الإسلام، وبينت أعلامه، وأعليت مناره، وأعلنت أسراره، وأظهرت آثاره وحاله، وصفيت الدولة ووطئت للماشي والراكب، ثم قدتها صافية، على أني بها مستأثر.
ثم قال بعد كلام: ثم سبقني إليه التيمي والعدوي، كسباق الفرس احتيالا واغتيالا وخدعة وغلبة. ثم قال بعد كلام : اليوم أنطق الخرساء ذات البرهان، وأفصح العجماء ذات البيان، فإنه شارطني رسول الله صلى الله عليه وآله في كل موطن من مواطن الحروب، وصافقني على أن أحارب الله وأحامي لله، وأنصر رسول الله صلى الله عليه وآله جهدي وطاقتي وكدحي وكدي، وأحامي عن حريم الإسلام، وأرفع عن أطناب الدين، وأعز الإسلام وأهله، على أن ما فتحت وبنيت عليه دعوة الرسول صلى الله عليه وآله، وقرأت فيه المصاحف، وعبد فيه الرحمن، وفهم به القرآن فلي إمامته وحله وعقده وإصداره وإيراده ولفاطمة فدك، ومما خلفه رسول الله صلى الله عليه وآله النصف، فسبقاني إلى جميع نهاية الميدان يوم الرهان. وما شككت في الحق منذ رأيته، هلك قوم أرجفوا عني أنه لم يوجس موسى في نفسه خيفة، ارتيابا ولا شكا فيما آتاه من عند الله، ولم أشك فيما آتاني من حق الله، ولا ارتبت في إمامتي وخلافة ابن عمي ووصية الرسول وإنما أشفق أخي موسى من غلبة الجهال، ودول الضلال، وغلبه الباطل على الحق. ولما أنزل الله جل وعز ( وآت ذا القربى حقه ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة فنحلها فدك، وأقامني للناس علما وإماما وعقد لي وعهد إلي، فأنزل الله عز وجل ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ). فقاتلت حق القتال، وصبرت حق الصبر، على أنه أعربتما وعربا على دين أتت به تيم وعدي، أم على دين أتى به ابن عمي وصنوي وجسمي، على أن أنصر تيما وعديا أم أنصر ابن عمي وحقي وديني وإمامتي. وإنما قمت تلك المقامات، واحتملت تلك الشدائد، وتعرضت للحتوف، على أن نصيبي من الآخرة موفرا، وأني صاحب محمد وخليفته، وإمام أمته بعده وصاحب رايته في الدنيا والآخرة. اليوم أكشف السريرة عن حقي. وأجلى القذى عن ظلامتي، حتى يظهر لأهل اللب والمعرفة أني مذلل، مضطهد مظلوم، مغصوب، مقهور، محقور، وأنهم ابتزوا حقي، واستأثروا بميراثي. اليوم نتوافق على حدود الحق والباطل، من وثق بما لم يضم، من استودع خائنا فقد غش نفسه، من استرعا ذئبا فقد ظلم من ولي غشوما فقد اضطهد هذا، هذا موقف صدق ومقام أنطق فيه بحقي، وأكشف الستر والغمة عن ظلامتي.
يا معشر المجاهدين المهاجرين والأنصار أين سبقت تيم وعدي إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة، ألا كانت يوم الإيواء، إذ تكانفت الصفوف، وتكاثرت الحتوف، وتقارعت السيوف. أم هلا خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ود، وقد نفح بسيفه، وشمخ بأنفه وطمح بطرفه، ولم لم يشفقا على الدين وأهله يوم بواط، إذ اسود لون الأفق، وأعوج عظم العنق، وانحل سيل العرق، ولم يشفقا يوم رضوي، إذ السهام تطير والمنايا تسير، والأسد تزأر. وهلا بادرا يوم العشيرة، إذ الأسنان تصطك، والأذان تستك، والدروع تهتك وهلا كانت مبادرتهما يوم بدر، إذ الأرواح في الصعداء ترتقي والجياد بالصناديد ترتدي والأرض من دماء الأبطال ترتوي. ولم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية ؟ والرعابيب ترعب، والأوداج تشخب، والصدور تخصب، أم هلا بادرا يوم ذات الليوث، وقد أبيح التولب واصطلم الشوقب ، وأدلهم الكوكب. ولم لا كانت شفقتهما على الإسلام يوم الكد ؟ والعيون تدمع، والمنية تلمع، والصفايح تنزع.
ثم عدد وقائع النبي صلى الله عليه وآله كلها على هذا النسق، وقرعهما بأنهما في هذه المواقف كلها كانا مع النظارة والخوالف والقاعدين، فكيف بادرا الفتنة بزعمهما يوم السقيفة ؟ وقد توطأ الإسلام بسيفه، واستقر قراره وزال حذاره.
ثم قال بعد ذلك كلمة: ما هذه الدهماء والدهياء وردت علينا من قريش، أنا صاحب هذه المشاهد، وأبو هذه المواقف، وهذه الأفعال. يا معشر المهاجرين والأنصار إني على بصيرة من أمري، وعلى ثقة من ديني اليوم أنطقت الخرساء البيان، وفهمت العجماء الفصاحة، وأتيت العمياء بالبرهان هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، قد توافقنا على حدود الحق والباطل، وأخرجتكم من الشبهة إلى الحق، ومن الشك إلى اليقين. فتبرؤا رحمكم الله ممن نكثوا البيعتين، وغلب الهوى به فضل، وأبعدوا رحمكم الله ممن أخفى العذر، وطلب الحق من غير أهله فتاه، والعنوا رحمكم الله من انهزم الهزيمتين، إذ يقول الله (إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله) وقال (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين). أغضبوا رحمكم الله على من غضب الله عليهم وتبرؤا رحمكم الله ممن يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ترتفع يوم القيامة ريح سوداء تخطف من دوني قوما من أصحابي من عظماء المهاجرين، فأقول: أصيحابي فيقال: محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وتبرؤا رحمكم الله من النفس الضال من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال فيقولوا: ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين، ومن قبل أن يقولوا: يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو يقولوا: وما أضلنا إلا المجرمين، أو يقولوا ربنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا. إن قريشا طلبت السعادة فسقيت، وطلبت النجاة فهلكت، وطلبت الهداية فضلّت.
إن قريشا قد أضلت أهل دهرها ومن يأتي من بعدها من القرون، إن الله تبارك اسمه وضع إمامتي في قرآنه فقال: ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) وقال ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ). وهذه خطبة طويلة.
واعلم أن كل ما احتججنا به وسائر الشيعة إنما أصله من كلامه صلوات الله عليه، هو الذي أعطاه الله من الفضل والقوة ما صلح به أن يصير أخا لرسول الله صلى الله عليه وآله.
تلك المكارم لاقعيان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وقد قال صلوات الله عليه في بعض مقاماته كلاما لو لم يقل غيره لكفى قوله صلوات الله عليه: أنا ولي هذا الأمر دون قريش.
لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الولاء لمن أعتق، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله بعتق الرقاب من النار، وبعتقها من السيف، وهذان لما اجتمعا كانا أفضل من عتق الرقاب من الرق. فما كان لقريش على العرب برسول الله صلى الله عليه وآله كان لبني هاشم على قريش، وما كان لبني هاشم على قريش برسول الله صلى الله عليه وآله كان لي على بني هاشم، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه.
مصادر الخطبة الشريفة
- محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (588هـ)، مناقب آل أبي طالب، تحقيق لجنة من أساتذة النجف الأشرف، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1376/ 1956، ج2، ص46 – 48.
- رضي الد ين علي بن يوسف الحلّي (القرن الثامن هجري)، العدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة، تحقيق مهدي الرجائي، الطبعة الأولى، إيران، مطبعة سيد الشهداء عليه السلام، ص189 – 199.
- محمّد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (1111هـ)، تحقيق عبد الزهراء العلوي، بيروت، دار الرضا، 1403/ 1983، ج29، ص558 – 567.
- محمّد حسن المير جهاني الطباطبائي (1388هـ)، مصباح البلاغة في مشكاة الصياغة، نسخة مخطوطة، 1388هـ، ج1، ص156 – 165.
صلوات الله وسلامه على الأمير ذي المناقب، مفرّق الكتائب
الليث الهصور الغالب، أبي الحسنين
الإمام علي بن أبي طالب
أرواحنا وأرواح العالمين لتراب نعليه الفدى ،،،
في كتاب الارشاد لكيفية الطلب أئمة العباد تصنيف محمد بن الحسن الصفار قال:
وقد كفانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه المؤونة في خطبة خطبها، أودعها من البيان والبرهان ما يجلي الغشاوة عن أبصار متأمليه، والعمى عن عيون متدبريه، وحلينا الكتاب بها ليزداد المسترشدون في هذا الأمر بصيرة وهي منة الله جل ثناؤه علينا وعليهم يجب شكرها، خطب صلوات الله عليه فقال:
" ما لنا ولقريش وما تنكر منا قريش، غير إنا أهل بيت شيد الله فوق بنيانهم بنياننا، وأعلى فوق رؤوسهم رؤوسنا، واختارنا الله عليهم، فنقموا على الله أن اختارنا عليهم، وسخطوا ما رضا الله، وأحبوا ما كره الله. فلما اختارنا الله عليهم، شركناهم في حريمنا، وعرفناهم الكتاب والنبوة، وعلمناهم الفرض والدين، وحفظناهم الصحف والزبر، وديناهم الدين والإسلام فوثبوا علينا، وجحدوا فضلنا ومنعونا حقنا وألتونا أسباب أعمالنا وأعلامنا.
اللهم فإني استعديك على قريش، فخذ لي بحقي منها، ولا تدع مظلمتي لديها وطالبهم يا رب بحقي، فإنك الحكم العدل، فإن قريشا صغرت عظيم أمري واستحلت المحارم مني، واستخفت بعرضي وعشيرتي، وقهرتني على ميراثي من ابن عمي واعزوا بي أعدائي، ووتروا بيني وبين العرب والعجم، وسلبوني ما مهدت لنفسي من لدن صباي بجهدي وكدي، ومنعوني ما خلفه أخي وجسمي وشقيقي، وقالوا إنك لحريص متهم.
أليس بنا اهتدوا من متاه الكفر، ومن عمى الضلالة، وعلى الظلماء. أليس أنقذتهم من الفتنة الصماء والمحنة العمياء. وبلهم ألم أخلصهم من نيران الطغاة، وكرة العتاة، وسيوف البغاة، ووطأة الأسد، ومقارعة الطماطمة، ومماحكة القمامة الذين كانوا عجم العرب وغنم الحروب، وقطب الأقدام، وجبال القتال، وسهام الخطاب، وسل السيوف.
أليس بي تسموا الشرف، وبي نالوا الحق والنصف، ألست آية نبوة محمد، ودليل رسالته، وعلامة رضاه وسخطه.
أليس بي كان يقطع الدروع الدلاص، وتصطلم الرجال الحراص. وبي كان يفري جماجم البهم، وهام الأبطال، إذا فزعت يتم إلى الفرار وعدي إلى الانتكاص.
أما وأني لو أسلمت قريشا للمنايا والحتوف وتركتها فحصدتها سيوف الغوانم، ووطأتهم الأعاجم، وكرات الأعادي، وحملات الأعالي، وطحنتهم سنابك الصافنات، وحوافر الصاهلات، في مواقف الأزل والهزل في ظلال الأعنة ، وبريق الأسنة ما بقوا لهضمي، ولا عاشوا لظلمي، ولما قالوا إنك لحريص متهم اليوم، نتواقف على حدود الحق والباطل.
اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق، فإني مهدت مهاد نبوة محمد صلى الله عليه وآله، ورفعت أعلام دينك، وأعلنت منار رسولك، فوثبوا علي وغالبوني ونالوني ووتروني.
فقام إليه أبو حازم الأنصاري: فقال: يا أمير المؤمنين أبو بكر وعمر ظلماك أحقك أخذا، وعلى الباطل مضيا، أعلى حق كانا؟ أعلى صواب أقاما؟ أم ميراثك غصبا؟ أفهمنا لنعلم باطلهم من حقك، أو نعلم حقهما من حقك، أبزاك أمرك؟ أم غصباك إمامتك، أم غالباك فيها عزا، أم سبقاك إليها عجلا؟ فجرت الفتنة، ولم تستطع منها استقلالا، فإن المهاجرين والأنصار يظنان أنهما كانا على حق، وعلى الحجة الواضحة مضيا.
فقال صلوات الله عليه: يا أخا اليمن لا بحق أخذا، ولا على إصابة أقاما، ولا على دين مضيا، ولا على فتنة خشيا، يرحمك الله، اليوم نتواقف على حدود الحق والباطل، أتعلمون يا إخواني أن بني يعقوب على حق ومحجة كانوا حين باعوا أخاهم، وعقوا أباهم، وخانوا خالقهم، وظلموا أنفسهم، فقالوا: لا.
فقال : يرحمكم الله أيعلم إخوانك هؤلاء أن ابن آدم قاتل الأخ كان على حق ومحجة وإصابة وأمره من رضا الله؟ فقالوا: فقال: لا.
فقال: أوليس كل فعل بصاحبه ما فعل، لحسده إياه وعدوانه وبغضانه له؟ فقالوا: نعم.
قال: وكذلك فعلا بي ما فعلا حسدا، ثم إنه لم يتب على ولد يعقوب إلا بعد استغفار وتوبة وإقلاع وإنابة وإقرار، ولو أن قريشا تابت إلي واعتذرت من فعلها لاستغفرت الله لها.
ثم قال: إنما أنطق لكم العجماء ذات البيان وأفصح الخرساء ذات البرهان، لأني فتحت الإسلام، ونصرت الدين، وعززت الرسول، وثبت أركان الإسلام، وبينت أعلامه، وأعليت مناره، وأعلنت أسراره، وأظهرت آثاره وحاله، وصفيت الدولة ووطئت للماشي والراكب، ثم قدتها صافية، على أني بها مستأثر.
ثم قال بعد كلام: ثم سبقني إليه التيمي والعدوي، كسباق الفرس احتيالا واغتيالا وخدعة وغلبة. ثم قال بعد كلام : اليوم أنطق الخرساء ذات البرهان، وأفصح العجماء ذات البيان، فإنه شارطني رسول الله صلى الله عليه وآله في كل موطن من مواطن الحروب، وصافقني على أن أحارب الله وأحامي لله، وأنصر رسول الله صلى الله عليه وآله جهدي وطاقتي وكدحي وكدي، وأحامي عن حريم الإسلام، وأرفع عن أطناب الدين، وأعز الإسلام وأهله، على أن ما فتحت وبنيت عليه دعوة الرسول صلى الله عليه وآله، وقرأت فيه المصاحف، وعبد فيه الرحمن، وفهم به القرآن فلي إمامته وحله وعقده وإصداره وإيراده ولفاطمة فدك، ومما خلفه رسول الله صلى الله عليه وآله النصف، فسبقاني إلى جميع نهاية الميدان يوم الرهان. وما شككت في الحق منذ رأيته، هلك قوم أرجفوا عني أنه لم يوجس موسى في نفسه خيفة، ارتيابا ولا شكا فيما آتاه من عند الله، ولم أشك فيما آتاني من حق الله، ولا ارتبت في إمامتي وخلافة ابن عمي ووصية الرسول وإنما أشفق أخي موسى من غلبة الجهال، ودول الضلال، وغلبه الباطل على الحق. ولما أنزل الله جل وعز ( وآت ذا القربى حقه ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة فنحلها فدك، وأقامني للناس علما وإماما وعقد لي وعهد إلي، فأنزل الله عز وجل ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ). فقاتلت حق القتال، وصبرت حق الصبر، على أنه أعربتما وعربا على دين أتت به تيم وعدي، أم على دين أتى به ابن عمي وصنوي وجسمي، على أن أنصر تيما وعديا أم أنصر ابن عمي وحقي وديني وإمامتي. وإنما قمت تلك المقامات، واحتملت تلك الشدائد، وتعرضت للحتوف، على أن نصيبي من الآخرة موفرا، وأني صاحب محمد وخليفته، وإمام أمته بعده وصاحب رايته في الدنيا والآخرة. اليوم أكشف السريرة عن حقي. وأجلى القذى عن ظلامتي، حتى يظهر لأهل اللب والمعرفة أني مذلل، مضطهد مظلوم، مغصوب، مقهور، محقور، وأنهم ابتزوا حقي، واستأثروا بميراثي. اليوم نتوافق على حدود الحق والباطل، من وثق بما لم يضم، من استودع خائنا فقد غش نفسه، من استرعا ذئبا فقد ظلم من ولي غشوما فقد اضطهد هذا، هذا موقف صدق ومقام أنطق فيه بحقي، وأكشف الستر والغمة عن ظلامتي.
يا معشر المجاهدين المهاجرين والأنصار أين سبقت تيم وعدي إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة، ألا كانت يوم الإيواء، إذ تكانفت الصفوف، وتكاثرت الحتوف، وتقارعت السيوف. أم هلا خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ود، وقد نفح بسيفه، وشمخ بأنفه وطمح بطرفه، ولم لم يشفقا على الدين وأهله يوم بواط، إذ اسود لون الأفق، وأعوج عظم العنق، وانحل سيل العرق، ولم يشفقا يوم رضوي، إذ السهام تطير والمنايا تسير، والأسد تزأر. وهلا بادرا يوم العشيرة، إذ الأسنان تصطك، والأذان تستك، والدروع تهتك وهلا كانت مبادرتهما يوم بدر، إذ الأرواح في الصعداء ترتقي والجياد بالصناديد ترتدي والأرض من دماء الأبطال ترتوي. ولم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية ؟ والرعابيب ترعب، والأوداج تشخب، والصدور تخصب، أم هلا بادرا يوم ذات الليوث، وقد أبيح التولب واصطلم الشوقب ، وأدلهم الكوكب. ولم لا كانت شفقتهما على الإسلام يوم الكد ؟ والعيون تدمع، والمنية تلمع، والصفايح تنزع.
ثم عدد وقائع النبي صلى الله عليه وآله كلها على هذا النسق، وقرعهما بأنهما في هذه المواقف كلها كانا مع النظارة والخوالف والقاعدين، فكيف بادرا الفتنة بزعمهما يوم السقيفة ؟ وقد توطأ الإسلام بسيفه، واستقر قراره وزال حذاره.
ثم قال بعد ذلك كلمة: ما هذه الدهماء والدهياء وردت علينا من قريش، أنا صاحب هذه المشاهد، وأبو هذه المواقف، وهذه الأفعال. يا معشر المهاجرين والأنصار إني على بصيرة من أمري، وعلى ثقة من ديني اليوم أنطقت الخرساء البيان، وفهمت العجماء الفصاحة، وأتيت العمياء بالبرهان هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، قد توافقنا على حدود الحق والباطل، وأخرجتكم من الشبهة إلى الحق، ومن الشك إلى اليقين. فتبرؤا رحمكم الله ممن نكثوا البيعتين، وغلب الهوى به فضل، وأبعدوا رحمكم الله ممن أخفى العذر، وطلب الحق من غير أهله فتاه، والعنوا رحمكم الله من انهزم الهزيمتين، إذ يقول الله (إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله) وقال (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين). أغضبوا رحمكم الله على من غضب الله عليهم وتبرؤا رحمكم الله ممن يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ترتفع يوم القيامة ريح سوداء تخطف من دوني قوما من أصحابي من عظماء المهاجرين، فأقول: أصيحابي فيقال: محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وتبرؤا رحمكم الله من النفس الضال من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال فيقولوا: ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين، ومن قبل أن يقولوا: يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو يقولوا: وما أضلنا إلا المجرمين، أو يقولوا ربنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا. إن قريشا طلبت السعادة فسقيت، وطلبت النجاة فهلكت، وطلبت الهداية فضلّت.
إن قريشا قد أضلت أهل دهرها ومن يأتي من بعدها من القرون، إن الله تبارك اسمه وضع إمامتي في قرآنه فقال: ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) وقال ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ). وهذه خطبة طويلة.
واعلم أن كل ما احتججنا به وسائر الشيعة إنما أصله من كلامه صلوات الله عليه، هو الذي أعطاه الله من الفضل والقوة ما صلح به أن يصير أخا لرسول الله صلى الله عليه وآله.
تلك المكارم لاقعيان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وقد قال صلوات الله عليه في بعض مقاماته كلاما لو لم يقل غيره لكفى قوله صلوات الله عليه: أنا ولي هذا الأمر دون قريش.
لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الولاء لمن أعتق، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله بعتق الرقاب من النار، وبعتقها من السيف، وهذان لما اجتمعا كانا أفضل من عتق الرقاب من الرق. فما كان لقريش على العرب برسول الله صلى الله عليه وآله كان لبني هاشم على قريش، وما كان لبني هاشم على قريش برسول الله صلى الله عليه وآله كان لي على بني هاشم، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه.
مصادر الخطبة الشريفة
- محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (588هـ)، مناقب آل أبي طالب، تحقيق لجنة من أساتذة النجف الأشرف، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1376/ 1956، ج2، ص46 – 48.
- رضي الد ين علي بن يوسف الحلّي (القرن الثامن هجري)، العدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة، تحقيق مهدي الرجائي، الطبعة الأولى، إيران، مطبعة سيد الشهداء عليه السلام، ص189 – 199.
- محمّد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (1111هـ)، تحقيق عبد الزهراء العلوي، بيروت، دار الرضا، 1403/ 1983، ج29، ص558 – 567.
- محمّد حسن المير جهاني الطباطبائي (1388هـ)، مصباح البلاغة في مشكاة الصياغة، نسخة مخطوطة، 1388هـ، ج1، ص156 – 165.
صلوات الله وسلامه على الأمير ذي المناقب، مفرّق الكتائب
الليث الهصور الغالب، أبي الحسنين
الإمام علي بن أبي طالب
أرواحنا وأرواح العالمين لتراب نعليه الفدى ،،،