خادم الأميرة
04-06-2010, 03:42 AM
محمَّد بن محمَّد بن النعمان المفيد
الشيخ المفيد: العالم والموسوعي المحاور
336 ـ 413هـ
محمَّد بن محمَّد بن النعمان بن عبد السَّلام الحارثي العكبري، المعروف بابن المعلم، والمفيد، كنيته أبو عبد اللّه، أحد علماء الإمامية ومتكلّميها، ولد في قرية عكبرا على بُعد عشرة فراسخ من بغداد سنة 336هـ، وقيل سنة 338هـ.
نشأته ومكانته
نشأ وترعرع في كنف والده الذي كان معلّماً بواسط، ولذلك كان يكنّى بابن المعلم، بعد أن تجاوز سني الطّفولة، وأتقن مبادئ القراءة والكتابة، ارتحل مع والده إلى بغداد ـ مركز العلم والثقافة آنذاك ـ فأخذ يتلقى العلم عن شيوخ ذلك العصر، حتّى إنَّه تتلمذ على يد أكثر من خمسين شيخاً.
برزت مواهبه وهو لا يزال في دور التلمذة، حتّى انبهر به كبار أساتذته، ما دفعهم إلى تلقيبه بالمفيد.
بلغ مرتبةً علمية عالية، حتّى انتهت إليه رئاسة المذهب الشيعي الإمامي في وقته، فكان بارعاً في الكلام، والجدل، والفقه، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة، حتى عدّ من أبرز أعلام عصره في فن المناظرة.
عاصر بعض حكام بني بويه، فكانت له في هذه الدولة مكانة عظيمة، خاصة من جانب عضد الدولة البويهي، الذي كان يجلُّ الشيخ كثيراً، حتّى إنَّه كان يزوره في داره، ويعوده إذا مرض.
حياته العلمية:
أخذ العلم وروى عن جماعة من الأعلام، منهم أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي، وأبو جعفر بن بابويه الشهير بالصدوق، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن الوليد القمي، وأبو غالب الزراري، وأبو علي بن الجنيد، وأبو علي عبد الله محمد بن عمران المرزبان، وأبو بكر الجعاربي، وأبو عبد الله الحسين بن علي بن إبراهيم.
تتلمذ على يديه جملة من الأعلام، منهم الشريف المرتضى، والشريف الرضي، والشيخ الطوسي، وأبو بعل محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري، والشيخ النجاشي، وسلار بن عبد العزيز الديلمي، ومحمد بن علي أبو الفتح الكراجلي.
عصر زاخر بالحوادث والفتن:
زخر عصره بالأحداث والمحن، خاصة بالنسبة إلى الشيعة في الكرخ وباب الطاق في بغداد، حيث كانت هذه المواقع مسرحاً لكثير من الرزايا والبلايا، وقد تعرضت للحرق والنهب عشرات المرات، فضلاً عن قتل وحرق الرجال والصبيان والنساء، وذلك إبان الاحتفالات بعاشوراء أو يوم الغدير.
تعرض للنفي من بغداد على أثر حوادث شغب حصلت سنة 392هـ، حيث كان قد زاد نشاط الشطار، فقتلوا وبدّعوا وأضلوا، ما دفع بهاء الدولة إلى تسيير عميد الجيوش إلى العراق لإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي، فقتل وصلب، ومنع السنة والشيعة من ممارسة الشعائر التي تتسبب بحوادث الشغب، فمنع الشيعة من النوح على الحسين في يوم عاشوراء، ومنع السنّة من النوح على مصعب بن الزبير.
تعرض للنفي ثانيةً في سنة 395هـ، على أثر فتنة حصلت بين السنة و"الإمامية"، وتعرضوا له بالسب والشتم...
منهجه وعلومه
كان الشيخ المفيد يتعامل مع كلِّ ما يريد أن يقدِّمه للآخرين، وكل ما يورده الآخرون عليه، بحسب ما يراه من الأدلة صالحاً ومقنعاً، ومعذراً له في الإقدام أو الإحجام، حتى إذا تبين له عدم صلاحيّته وكفايته، تدارك ذلك بالبحث عمّا هو أوضح وأجلى وأتم، وكان لا يجد حرجاً في أن يسلّم للرأي الآخر إذا كان ذلك الرأي يملك الدليل السوي، والبرهان القوي.
كان واسع الأفق، غزير المعارف، سبر أغوار العلوم الإسلامية على اختلافها، حتى ليقال: "إنه كان كثير المطالعة والتعليم، ومن أحفظ الناس" وقيل: "إنه ما ترك للمخالفين كتاباً إلاّ حفظه ...".
اطّلع على العلوم المتداولة في ذلك العصر، وتتبّعها ولاحقها، ومارسها حتى أصبح لديه ملكة علمية راسخة، تتمّيز بالدقّة والعمق، فجاءت نصوصه على درجة من الخلوص والصفاء، صقلتها حساسية القضايا.
هذه الحساسية تجاه تلك القضايا، أسهمت في تعميق جذور ثقافة المفيد، ووسّعت من آفاقها، فكان المحاور للآخر دون أن يشعر بالحرج أو يحس بالضعف، أو يوجس في نفسه أدنى خيفة أو تردد، وكان "يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية".
وبعبارة أخرى، كان موسوعةً جامعةً لكل العلوم والفنون، فكان الفقيه المدقق، المؤرخ المحقق، الكلامي اللامع، المناظر البارع والمصنف، إلى جانب كونه رجالياً محدثاً، عالماً بالتفسير، وعلوم القرآن، وأصول الفقه، وغير ذلك من العلوم الإسلامية المتداولة في عصره. ولا نبالغ إن قلنا إنه قد سبق عصره بأشواط ومراحل كبيرة وكثيرة، حتى قال عنه البعض: "كان أوحد في جميع فنون العلم: الأصول والفقه، والأخبار، ومعرفة الرجال، والتفسير والنحو والشعر". ومما جاء في وصفه أيضاً: "رئيس الكلام والفقه والجدل".
قال الشيخ النجاشي: «فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرِّواية، والثقة والعلم».
وقال الذهبي: «كانت له جلالة عظيمة، وتقدّم في العلم، مع خشوع، وتعبّد، وتألّه».
ولكن بالرغم من ذلك، لم يسلم المفيد من النقد والتجريح من قبل مخالفيه.
مؤلفاته:
له حوالي مئتي مؤلف، منها: المقنعة، والأركان في دعائم الدين، والإيضاح في الإمامة، والإفصاح في الإمامة، والإرشاد، والعيون والمحاسن، والفضول من العيون والمحاسن، والردّ على الجاحظ والعثمانية، ونقض المروانية، وأوائل المقالات في المذاهب والمختارات.
ونظرة سريعة على مؤلفات هذا الرجل، تعطينا فكرة واضحة عن مدى استيعابه للمادة والقدرة الفائقة على محورة أفكاره وتناولها بيسرٍ وسهولةٍ ووضوح، من دون المساس بطبيعة النص وبنيته الأولية، بل يستكنه بعمق دقائقه وحقائقه، ويلتقط بسرعة فائفة إشاراته ومراميه، معتمداً في تعاطيه هذا أسلوباً رضياً متّزناً.
توفي في بغداد سنة 413هـ، وصلّى عليه السيِّد الشريف المرتضى في ميدان الأشنان بحضور أعداد كبيرة من النّاس، حتّى ضاق ذلك الميدان بالنّاس رغم كبره، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً وعظيماً، وبكاه المؤالف والمخالف.
الشيخ المفيد: العالم والموسوعي المحاور
336 ـ 413هـ
محمَّد بن محمَّد بن النعمان بن عبد السَّلام الحارثي العكبري، المعروف بابن المعلم، والمفيد، كنيته أبو عبد اللّه، أحد علماء الإمامية ومتكلّميها، ولد في قرية عكبرا على بُعد عشرة فراسخ من بغداد سنة 336هـ، وقيل سنة 338هـ.
نشأته ومكانته
نشأ وترعرع في كنف والده الذي كان معلّماً بواسط، ولذلك كان يكنّى بابن المعلم، بعد أن تجاوز سني الطّفولة، وأتقن مبادئ القراءة والكتابة، ارتحل مع والده إلى بغداد ـ مركز العلم والثقافة آنذاك ـ فأخذ يتلقى العلم عن شيوخ ذلك العصر، حتّى إنَّه تتلمذ على يد أكثر من خمسين شيخاً.
برزت مواهبه وهو لا يزال في دور التلمذة، حتّى انبهر به كبار أساتذته، ما دفعهم إلى تلقيبه بالمفيد.
بلغ مرتبةً علمية عالية، حتّى انتهت إليه رئاسة المذهب الشيعي الإمامي في وقته، فكان بارعاً في الكلام، والجدل، والفقه، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة، حتى عدّ من أبرز أعلام عصره في فن المناظرة.
عاصر بعض حكام بني بويه، فكانت له في هذه الدولة مكانة عظيمة، خاصة من جانب عضد الدولة البويهي، الذي كان يجلُّ الشيخ كثيراً، حتّى إنَّه كان يزوره في داره، ويعوده إذا مرض.
حياته العلمية:
أخذ العلم وروى عن جماعة من الأعلام، منهم أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي، وأبو جعفر بن بابويه الشهير بالصدوق، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن الوليد القمي، وأبو غالب الزراري، وأبو علي بن الجنيد، وأبو علي عبد الله محمد بن عمران المرزبان، وأبو بكر الجعاربي، وأبو عبد الله الحسين بن علي بن إبراهيم.
تتلمذ على يديه جملة من الأعلام، منهم الشريف المرتضى، والشريف الرضي، والشيخ الطوسي، وأبو بعل محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري، والشيخ النجاشي، وسلار بن عبد العزيز الديلمي، ومحمد بن علي أبو الفتح الكراجلي.
عصر زاخر بالحوادث والفتن:
زخر عصره بالأحداث والمحن، خاصة بالنسبة إلى الشيعة في الكرخ وباب الطاق في بغداد، حيث كانت هذه المواقع مسرحاً لكثير من الرزايا والبلايا، وقد تعرضت للحرق والنهب عشرات المرات، فضلاً عن قتل وحرق الرجال والصبيان والنساء، وذلك إبان الاحتفالات بعاشوراء أو يوم الغدير.
تعرض للنفي من بغداد على أثر حوادث شغب حصلت سنة 392هـ، حيث كان قد زاد نشاط الشطار، فقتلوا وبدّعوا وأضلوا، ما دفع بهاء الدولة إلى تسيير عميد الجيوش إلى العراق لإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي، فقتل وصلب، ومنع السنة والشيعة من ممارسة الشعائر التي تتسبب بحوادث الشغب، فمنع الشيعة من النوح على الحسين في يوم عاشوراء، ومنع السنّة من النوح على مصعب بن الزبير.
تعرض للنفي ثانيةً في سنة 395هـ، على أثر فتنة حصلت بين السنة و"الإمامية"، وتعرضوا له بالسب والشتم...
منهجه وعلومه
كان الشيخ المفيد يتعامل مع كلِّ ما يريد أن يقدِّمه للآخرين، وكل ما يورده الآخرون عليه، بحسب ما يراه من الأدلة صالحاً ومقنعاً، ومعذراً له في الإقدام أو الإحجام، حتى إذا تبين له عدم صلاحيّته وكفايته، تدارك ذلك بالبحث عمّا هو أوضح وأجلى وأتم، وكان لا يجد حرجاً في أن يسلّم للرأي الآخر إذا كان ذلك الرأي يملك الدليل السوي، والبرهان القوي.
كان واسع الأفق، غزير المعارف، سبر أغوار العلوم الإسلامية على اختلافها، حتى ليقال: "إنه كان كثير المطالعة والتعليم، ومن أحفظ الناس" وقيل: "إنه ما ترك للمخالفين كتاباً إلاّ حفظه ...".
اطّلع على العلوم المتداولة في ذلك العصر، وتتبّعها ولاحقها، ومارسها حتى أصبح لديه ملكة علمية راسخة، تتمّيز بالدقّة والعمق، فجاءت نصوصه على درجة من الخلوص والصفاء، صقلتها حساسية القضايا.
هذه الحساسية تجاه تلك القضايا، أسهمت في تعميق جذور ثقافة المفيد، ووسّعت من آفاقها، فكان المحاور للآخر دون أن يشعر بالحرج أو يحس بالضعف، أو يوجس في نفسه أدنى خيفة أو تردد، وكان "يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية".
وبعبارة أخرى، كان موسوعةً جامعةً لكل العلوم والفنون، فكان الفقيه المدقق، المؤرخ المحقق، الكلامي اللامع، المناظر البارع والمصنف، إلى جانب كونه رجالياً محدثاً، عالماً بالتفسير، وعلوم القرآن، وأصول الفقه، وغير ذلك من العلوم الإسلامية المتداولة في عصره. ولا نبالغ إن قلنا إنه قد سبق عصره بأشواط ومراحل كبيرة وكثيرة، حتى قال عنه البعض: "كان أوحد في جميع فنون العلم: الأصول والفقه، والأخبار، ومعرفة الرجال، والتفسير والنحو والشعر". ومما جاء في وصفه أيضاً: "رئيس الكلام والفقه والجدل".
قال الشيخ النجاشي: «فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرِّواية، والثقة والعلم».
وقال الذهبي: «كانت له جلالة عظيمة، وتقدّم في العلم، مع خشوع، وتعبّد، وتألّه».
ولكن بالرغم من ذلك، لم يسلم المفيد من النقد والتجريح من قبل مخالفيه.
مؤلفاته:
له حوالي مئتي مؤلف، منها: المقنعة، والأركان في دعائم الدين، والإيضاح في الإمامة، والإفصاح في الإمامة، والإرشاد، والعيون والمحاسن، والفضول من العيون والمحاسن، والردّ على الجاحظ والعثمانية، ونقض المروانية، وأوائل المقالات في المذاهب والمختارات.
ونظرة سريعة على مؤلفات هذا الرجل، تعطينا فكرة واضحة عن مدى استيعابه للمادة والقدرة الفائقة على محورة أفكاره وتناولها بيسرٍ وسهولةٍ ووضوح، من دون المساس بطبيعة النص وبنيته الأولية، بل يستكنه بعمق دقائقه وحقائقه، ويلتقط بسرعة فائفة إشاراته ومراميه، معتمداً في تعاطيه هذا أسلوباً رضياً متّزناً.
توفي في بغداد سنة 413هـ، وصلّى عليه السيِّد الشريف المرتضى في ميدان الأشنان بحضور أعداد كبيرة من النّاس، حتّى ضاق ذلك الميدان بالنّاس رغم كبره، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً وعظيماً، وبكاه المؤالف والمخالف.