ام هاني
19-06-2010, 02:17 PM
يُعتبر هذا الموضوع من جملة المواضيع التي تكرر التساؤل عنها على مدى القرون و الأعصار ، و لقد أجاب عنه العلماء الأعلام بإجابات مختلفة حسب مقتضى الحال ، لكن أفضل إجابة على هذا السؤال هو ما أجاب به الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السَّلام ) حينما طرح عليه هارون العباسي هذا السؤال ، فكانت الإجابة منه ( عليه السَّلام ) على شكل حوار جرى بينهما كالتالي :
استدلال الامام الكاظم ( عليه السلام ) :
قال هارون العباسي للإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السَّلام ) : لِمَ جوّزتم للعامّة و الخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و يقولوا لكم : يا بَني رسول الله ! و أنتم بَنو علي ، و إنّما يُنسب المرء إلى أبيه ، و فاطمة إنّما هي وعاء ، و النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) جدّكم من قِبَل اُمّكم ؟ .
فقال الكاظم ( عليه السَّلام ) : " يا أمير المؤمنين ! لو أنَّ النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تُجيبه " ؟
فقال هارون : سبحان الله ! و لم لا اُجيبه بل أفتخر على العرب و العجم و قريش بذلك .
قال الكاظم ( عليه السَّلام ) : " لكنّه لا يخطب إليَّ و لا أُزوجه " .
فقال هارون : و لم ؟
قال الكاظم ( عليه السَّلام ) : " لأنّه ولدني و لم يلدك " .
فقال هارون : أحسنت يا موسى !
ثم قال هارون : كيف قلتم إنّا ذرّية النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) و النبي لم يعقب ، و إنّما العقب للذكر لا للأنثى ، و أنت ولد الإبنة و لا يكون لها عقب له .
قال ( عليه السَّلام ) : " أسألك بحق القرابة و القبر و من فيه ، إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة " .
فقال هارون : لا ، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ! و أنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم ، كذا اُنهيَ إليَّ ، و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، و أنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف و لا و او إلاّ تأويله عندكم ، و احتججتم بقوله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ ... مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ... ﴾ [1] و استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم .
فقال الكاظم ( عليه السَّلام ) : " تأذن لي في الجواب " ؟
قال هارون : هات .
قال ( عليه السَّلام ) : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ ... وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [2] ، ﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [3] ، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟
فقال هارون : ليس لعيسى أب .
قال الكاظم ( عليه السَّلام ) : " إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء ( عليهم السَّلام ) من طريق مريم ( عليها السَّلام ) ، و كذلك اُلحقنا بذراري النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) من قبل اُمِّنا فاطمة ( عليها السَّلام ) ، أزيدك يا أمير المؤمنين " ؟
قال هارون : هات .
قال ( عليه السَّلام ) : قول الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [4] و لم يَدَّع أحد أنّه أدخل النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) تحت الكساء ـ و ـ عند مباهلة النصارى إلاّ علي بن أبي طالب ، و فاطمة ، و الحسن و الحسين ، فأبناءنا الحسن و الحسين ، و نساءنا فاطمة ، و أنفسنا عليّ بن أبي طالب ( عليهم السَّلام ) ، على أنّ العلماء فد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم اُحد : يا محمد ! إنَّ هذه لهي المواساة من علي قال : لأنّه مني و أنا منه .
فقال جبرئيل : " و أنا منكما يا رسول الله " ثمّ قال :
لا سيف إلاّ ذو الفقار * و لا فتى إلاّ علي
فكان ـ أي علي ( عليه السَّلام ) ـ كما مدح الله عَزَّ و جَلَّ به خليله ( عليه السَّلام ) إذ يقول : ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [5] .
إنّا نفتخر بقول جبرئيل أنّه منّا " .
فقال هارون : أحسنت يا موسى ! ارفع إلينا حوائجك [6] .
مناظرة يحيى بن يعمر مع الحجاج بهذا الخصوص :
قال الشعبي : كنت بواسط [7] ، و كان يوم أضحى ، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة ، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته ، فوجدته جالساً مستوفزاً ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى ، و قد أردت أن أضحِّي برجل من أهل العراق ، و أحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به .
فقلت : أيها الأمير ، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، و تضحي بما أمر أن يضحي به ، و تفعل فعله ، و تدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره .
فقال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله و على رسوله ، و إدخاله الشبهة في الإسلام .
قلت : أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك ؟
قال : لا بدّ منه .
ثم أمر بنطع فبسط ، و بالسيّاف فأُحضر .
و قال : أحضروا الشيخ ، فأتوه به ، فإذا هو يحيى بن يعمر [8] ، فأغممت غماً شديداً ، فقلت في نفسي : و أي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله ؟
فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟
قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق .
قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن و الحسين ( عليهما السَّلام ) من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق .
قال : و بأي حق قلت ؟
قال : بكتاب الله عز و جل .
فنظر إليَّ الحجاج ، و قال : اسمع ما يقول ، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عز و جل أن الحسن و الحسين من ذرية محمّد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ؟
فجعلت أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك .
و فكر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عز وجل : ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [9] و أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج للمباهلة و معه علي و فاطمة و الحسن و الحسين ( عليهم السَّلام ) .
قال الشعبي : فكأنما أهدى لقلبي سروراً ، و قلت في نفسي : قد خلص يحيى ، و كان الحجاج حافظاً للقرآن .
فقال له يحيى : والله ، إنها لحجة في ذلك بليغة ، و لكن ليس منها أحتج لما قلت .
فاصفرَّ وجه الحجاج ، و أطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى و قال : إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك ، فلك عشرة آلاف درهم ، و إن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك .
قال : نعم .
قال الشعبي : فغمَّني قوله ، فقلت : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى و يرضيه بأنه قد عرفه و سبقه إليه ، و يتخلص منه حتى رد عليه و أفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .
فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ : ﴿ ... وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ... ﴾ [10] من عنى بذلك ؟
قال الحجاج : إبراهيم ( عليه السَّلام ) .
قال : فداود و سليمان من ذريته ؟
قال : نعم .
قال يحيى : و من نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ يحيى : ﴿ ... وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [11]
قال يحيى : و من ؟
قال : ﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ... ﴾ [12]
قال يحيى : و من أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، و لا أب له ؟
قال : مِن قِبَل أُمّه مريم ( عليهما السلام ) .
قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، أم فاطمة ( عليها السلام ) من محمّد ( صلى الله عليه و آله ) ؟
قال الشعبي : فكأنّما ألقمه حجراً .
فقال : أطلقوه قبَّحَه الله ، و ادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله فيها .
ثمّ أقبل عليَّ فقال : قد كان رأيك صواباً و لكنّا أبيناه ، و دعا بجزور فنحره و قام فدعا بالطعام فأكل و أكلنا معه ، و ما تكلّم بكلمة حتى افترقنا و لم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً [13] .
الحسن و الحسين ابناي :
و الكلام الفصل في هذا الموضوع هو قول رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، فقد رَوى سلمان ( رضي الله عنه ) ، قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه ( و آله ) و سلم يقول : الحسن و الحسين ابناي ، من أحبهما أحبَّني ، و من أحبني أحبه الله ، و من أحبه الله أدخله الجنة ، و من أبغضهما أبغضني ، و من أبغضني أبغضه الله ، و من أبغضه الله أدخله النار .
قال : هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين [14] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 38 ، الصفحة : 132 .
[2] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 84 ، الصفحة : 138 .
[3] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 85 ، الصفحة : 138 .
[4] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[5] القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 60 ، الصفحة : 327 .
[6] بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 48 / 129 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
[7] واسط : مدينة بناها الحجاج في العراق عام 83 / 84 هجري ، و سميت واسطاً لتوسطها بين البصرة و الكوفة و الأهواز و بغداد ، فإن بينها و بين كل واحدة من هذه المدن مقداراً واحداً و هو خمسون فرسخاً . التنبيه و الأشراف : 311 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : 2/ 50 .
[8] هو أبو سليمان يحيى بن يعمر العامري البصري ، ولد في البصرة ، و هو أحد قرّائها و فقهائها ، كان عالماً بالقرآن الكريم و الفقه و الحديث و النحو و لغات العرب ، و كان من أوعية العلم وحملة الحجة ، أخذ النحو عن أبي الأسود الدوئلي ، و حدَّث عن أبي ذر الغفاري ، و عمّار بن ياسر ، و ابن عبّاس و غيرهم ، كما حدث عنه جماعة أيضاً ، و كان من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل أهل البيت – صلوات الله و سلامه عليهم - ، و قيل هو أول من نقّط القرآن قبل أن توجد تشكيل الكتابة بمدة طويلة ، و كان ينطق بالعربية المحضة و اللغة الفصحى طبيعة فيه غير متكلّف ، طلبه الحجّاج من والي خراسان قتيبة مسلم فجيء به إليه ، لأّنه يقول أن الحسن و الحسين ( عليهما السلام ) ذريّة رسول الله ، و قد أذهل الحجّاج بصراحته و جرأته في إقامة الحق و إزهاق الباطل حتى نصره الله عليه ، كما نفاه الحجاج في سنة 94 هجرية لأنّه قال له : هل ألحَنْ ؟ فقال : تلحن لحناً خفياً . فقال : أجلتك ثلاثاً ، فإن وجدتك بعدُ بأرض العراق قتلتك ؟
فخرج ، و أخباره و نوادره كثيرة ، توفي – رحمة الله عليه – سنة 129 هجرية .
[9] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[10] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 84 ، الصفحة : 138 .
[11] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 84 ، الصفحة : 138 .
[12] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 85 ، الصفحة : 138 .
[13] كنز الفوائد للكراجكي : 1 / 357 – 360 ، بحار الأنوار للمجلسي : 10 / 147 – 149 ، حديث 1 ، و25 /243- 246 ، حديث 26 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : 6 / 174 ، العقد الفريد للأندلسي : 2 / 48 – 49 ، و5 / 281 ، بتفاوت . نقلاً عن مناظرات في العقائد و الأحكام ، الجزءُ الأول ، تأليف و تحقيق : الشيخ عبد الله الحسن
استدلال الامام الكاظم ( عليه السلام ) :
قال هارون العباسي للإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السَّلام ) : لِمَ جوّزتم للعامّة و الخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و يقولوا لكم : يا بَني رسول الله ! و أنتم بَنو علي ، و إنّما يُنسب المرء إلى أبيه ، و فاطمة إنّما هي وعاء ، و النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) جدّكم من قِبَل اُمّكم ؟ .
فقال الكاظم ( عليه السَّلام ) : " يا أمير المؤمنين ! لو أنَّ النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تُجيبه " ؟
فقال هارون : سبحان الله ! و لم لا اُجيبه بل أفتخر على العرب و العجم و قريش بذلك .
قال الكاظم ( عليه السَّلام ) : " لكنّه لا يخطب إليَّ و لا أُزوجه " .
فقال هارون : و لم ؟
قال الكاظم ( عليه السَّلام ) : " لأنّه ولدني و لم يلدك " .
فقال هارون : أحسنت يا موسى !
ثم قال هارون : كيف قلتم إنّا ذرّية النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) و النبي لم يعقب ، و إنّما العقب للذكر لا للأنثى ، و أنت ولد الإبنة و لا يكون لها عقب له .
قال ( عليه السَّلام ) : " أسألك بحق القرابة و القبر و من فيه ، إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة " .
فقال هارون : لا ، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ! و أنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم ، كذا اُنهيَ إليَّ ، و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، و أنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف و لا و او إلاّ تأويله عندكم ، و احتججتم بقوله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ ... مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ... ﴾ [1] و استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم .
فقال الكاظم ( عليه السَّلام ) : " تأذن لي في الجواب " ؟
قال هارون : هات .
قال ( عليه السَّلام ) : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ ... وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [2] ، ﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [3] ، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟
فقال هارون : ليس لعيسى أب .
قال الكاظم ( عليه السَّلام ) : " إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء ( عليهم السَّلام ) من طريق مريم ( عليها السَّلام ) ، و كذلك اُلحقنا بذراري النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) من قبل اُمِّنا فاطمة ( عليها السَّلام ) ، أزيدك يا أمير المؤمنين " ؟
قال هارون : هات .
قال ( عليه السَّلام ) : قول الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [4] و لم يَدَّع أحد أنّه أدخل النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) تحت الكساء ـ و ـ عند مباهلة النصارى إلاّ علي بن أبي طالب ، و فاطمة ، و الحسن و الحسين ، فأبناءنا الحسن و الحسين ، و نساءنا فاطمة ، و أنفسنا عليّ بن أبي طالب ( عليهم السَّلام ) ، على أنّ العلماء فد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم اُحد : يا محمد ! إنَّ هذه لهي المواساة من علي قال : لأنّه مني و أنا منه .
فقال جبرئيل : " و أنا منكما يا رسول الله " ثمّ قال :
لا سيف إلاّ ذو الفقار * و لا فتى إلاّ علي
فكان ـ أي علي ( عليه السَّلام ) ـ كما مدح الله عَزَّ و جَلَّ به خليله ( عليه السَّلام ) إذ يقول : ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [5] .
إنّا نفتخر بقول جبرئيل أنّه منّا " .
فقال هارون : أحسنت يا موسى ! ارفع إلينا حوائجك [6] .
مناظرة يحيى بن يعمر مع الحجاج بهذا الخصوص :
قال الشعبي : كنت بواسط [7] ، و كان يوم أضحى ، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة ، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته ، فوجدته جالساً مستوفزاً ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى ، و قد أردت أن أضحِّي برجل من أهل العراق ، و أحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به .
فقلت : أيها الأمير ، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، و تضحي بما أمر أن يضحي به ، و تفعل فعله ، و تدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره .
فقال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله و على رسوله ، و إدخاله الشبهة في الإسلام .
قلت : أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك ؟
قال : لا بدّ منه .
ثم أمر بنطع فبسط ، و بالسيّاف فأُحضر .
و قال : أحضروا الشيخ ، فأتوه به ، فإذا هو يحيى بن يعمر [8] ، فأغممت غماً شديداً ، فقلت في نفسي : و أي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله ؟
فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟
قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق .
قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن و الحسين ( عليهما السَّلام ) من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق .
قال : و بأي حق قلت ؟
قال : بكتاب الله عز و جل .
فنظر إليَّ الحجاج ، و قال : اسمع ما يقول ، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عز و جل أن الحسن و الحسين من ذرية محمّد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ؟
فجعلت أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك .
و فكر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عز وجل : ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [9] و أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج للمباهلة و معه علي و فاطمة و الحسن و الحسين ( عليهم السَّلام ) .
قال الشعبي : فكأنما أهدى لقلبي سروراً ، و قلت في نفسي : قد خلص يحيى ، و كان الحجاج حافظاً للقرآن .
فقال له يحيى : والله ، إنها لحجة في ذلك بليغة ، و لكن ليس منها أحتج لما قلت .
فاصفرَّ وجه الحجاج ، و أطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى و قال : إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك ، فلك عشرة آلاف درهم ، و إن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك .
قال : نعم .
قال الشعبي : فغمَّني قوله ، فقلت : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى و يرضيه بأنه قد عرفه و سبقه إليه ، و يتخلص منه حتى رد عليه و أفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .
فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ : ﴿ ... وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ... ﴾ [10] من عنى بذلك ؟
قال الحجاج : إبراهيم ( عليه السَّلام ) .
قال : فداود و سليمان من ذريته ؟
قال : نعم .
قال يحيى : و من نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ يحيى : ﴿ ... وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [11]
قال يحيى : و من ؟
قال : ﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ... ﴾ [12]
قال يحيى : و من أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، و لا أب له ؟
قال : مِن قِبَل أُمّه مريم ( عليهما السلام ) .
قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم ( عليه السَّلام ) ، أم فاطمة ( عليها السلام ) من محمّد ( صلى الله عليه و آله ) ؟
قال الشعبي : فكأنّما ألقمه حجراً .
فقال : أطلقوه قبَّحَه الله ، و ادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله فيها .
ثمّ أقبل عليَّ فقال : قد كان رأيك صواباً و لكنّا أبيناه ، و دعا بجزور فنحره و قام فدعا بالطعام فأكل و أكلنا معه ، و ما تكلّم بكلمة حتى افترقنا و لم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً [13] .
الحسن و الحسين ابناي :
و الكلام الفصل في هذا الموضوع هو قول رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، فقد رَوى سلمان ( رضي الله عنه ) ، قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه ( و آله ) و سلم يقول : الحسن و الحسين ابناي ، من أحبهما أحبَّني ، و من أحبني أحبه الله ، و من أحبه الله أدخله الجنة ، و من أبغضهما أبغضني ، و من أبغضني أبغضه الله ، و من أبغضه الله أدخله النار .
قال : هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين [14] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 38 ، الصفحة : 132 .
[2] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 84 ، الصفحة : 138 .
[3] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 85 ، الصفحة : 138 .
[4] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[5] القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 60 ، الصفحة : 327 .
[6] بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 48 / 129 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
[7] واسط : مدينة بناها الحجاج في العراق عام 83 / 84 هجري ، و سميت واسطاً لتوسطها بين البصرة و الكوفة و الأهواز و بغداد ، فإن بينها و بين كل واحدة من هذه المدن مقداراً واحداً و هو خمسون فرسخاً . التنبيه و الأشراف : 311 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : 2/ 50 .
[8] هو أبو سليمان يحيى بن يعمر العامري البصري ، ولد في البصرة ، و هو أحد قرّائها و فقهائها ، كان عالماً بالقرآن الكريم و الفقه و الحديث و النحو و لغات العرب ، و كان من أوعية العلم وحملة الحجة ، أخذ النحو عن أبي الأسود الدوئلي ، و حدَّث عن أبي ذر الغفاري ، و عمّار بن ياسر ، و ابن عبّاس و غيرهم ، كما حدث عنه جماعة أيضاً ، و كان من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل أهل البيت – صلوات الله و سلامه عليهم - ، و قيل هو أول من نقّط القرآن قبل أن توجد تشكيل الكتابة بمدة طويلة ، و كان ينطق بالعربية المحضة و اللغة الفصحى طبيعة فيه غير متكلّف ، طلبه الحجّاج من والي خراسان قتيبة مسلم فجيء به إليه ، لأّنه يقول أن الحسن و الحسين ( عليهما السلام ) ذريّة رسول الله ، و قد أذهل الحجّاج بصراحته و جرأته في إقامة الحق و إزهاق الباطل حتى نصره الله عليه ، كما نفاه الحجاج في سنة 94 هجرية لأنّه قال له : هل ألحَنْ ؟ فقال : تلحن لحناً خفياً . فقال : أجلتك ثلاثاً ، فإن وجدتك بعدُ بأرض العراق قتلتك ؟
فخرج ، و أخباره و نوادره كثيرة ، توفي – رحمة الله عليه – سنة 129 هجرية .
[9] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[10] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 84 ، الصفحة : 138 .
[11] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 84 ، الصفحة : 138 .
[12] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 85 ، الصفحة : 138 .
[13] كنز الفوائد للكراجكي : 1 / 357 – 360 ، بحار الأنوار للمجلسي : 10 / 147 – 149 ، حديث 1 ، و25 /243- 246 ، حديث 26 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : 6 / 174 ، العقد الفريد للأندلسي : 2 / 48 – 49 ، و5 / 281 ، بتفاوت . نقلاً عن مناظرات في العقائد و الأحكام ، الجزءُ الأول ، تأليف و تحقيق : الشيخ عبد الله الحسن