ام هاني
19-06-2010, 07:55 PM
أحداث السقيفة وبيعة أبي بكر في الوقت الذي كان علي عليه السلام ومن معه من أقرباء الرسول صلى الله عليه وآله مهتمين بتجهيز النبي صلى الله عليه وآله بعد رحيله عن
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 48
هذه الدنيا ، كان عمر بن الخطاب يعلن إنكاره لوفاة الرسول صلى الله عليه وآله ، ويهدد كل من يقول ذلك بالقتل ، ولم يكن يصدق بوفاته حتى رجع أبو بكر من مكان خارج المدينة يدعى السنخ ،
كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة ( رض ) : " إن رسول الله ( ص ) مات وأبو بكر بالسنح ، قال إسماعيل : تعني بالعالية ، فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله ( ص ) ،
قالت : وقال عمر : والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ، فجاءه أبو بكر ، فكشف عن رسول الله ( ص ) فقبله ، فقال : بأبي أنت وأمي ، طبت حيا وميتا ، والله الذي نفسي بيده ، لا يذيقك الله الموتتين أبدا ، ثم خرج فقال : أيها الحالف على رسلك " ( 1 ) .
أما الأنصار فقد اجتمعوا في سقيفتهم " سقيفة بني ساعدة " ورشحوا سعد بن عبادة ليكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعندما علم كبار المهاجرين ( أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ) بذلك ، ذهبوا إليهم على الفور وأعلنوا أنهم أحق بالأمر ،
ودار حوار بين المهاجرين والأنصار اشتد فيه الجدل والنزاع ، وقد وقف زعيم الأنصار سعد بن عبادة قائلا : " أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم معشر المهاجرين رهط ، وقد دفت دافة من قومكم ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، وأن يحضنونا من الأمر " ( 2 ) .
فقام أبو بكر وألقى خطابا ذكر فيه فضل المهاجرين ، واحتج بقرشيتهم في أحقيتهم ، بالخلافة كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه : فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر ( 3 ) . . . فقال أبو بكر : لا ، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء ، هم
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج 5 ص 13 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبا بكر .
( 2 ) صحيح البخاري ج 8 ص 541 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا .
( 3 ) صحيح البخاري ج 5 ص 14 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبا بكر . ( * )
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 49
أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا ( 1 ) ، . . . وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ( 2 ) فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبو عبيدة بن الجراح " ( 3 ) .
فرد عليه أحد وجهاء الأنصار وهو الحباب بن المنذر قائلا : ا لا والله لا نفعل ، منا أمير ، ومنكم أمير " ( 4 ) ، وكان رد الأنصار في رواية أخرى : " فقال قائل الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير ، يا معشر قريش . فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حق فرقت من الاختلاف " ( 5 ) .
وبعد تأزم الموقف إلى هذا الحد ، جاء دور عمر بن الخطاب ، فقال : " هيهات أن يجتمع اثنان في قرن ، والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ، ولنا الحجة بذلك على من أبى " .
فرد عليه الحباب بن المنذر قائلا : " يا معشر الأنصار ، أملوا عليكم أمركم ، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه ، فأنتم أحق بهذا الأمر منهم " .
ولكن الأنصار انقسموا في هذه الأثناء على أنفسهم ، فذهب أسيد بن حضير زعيم الأوس - الذي كان معارضا لزعيم قبيلة الخزرج سعد بن عبادة - وأعلن للمهاجرين تأييده لهم ووعد بإعطائهم البيعة .
فقام عمر وقال لأبي بكر : إبسط يدك أبايعك ، فبايعه عمر وقسما من المهاجرين والأنصار ، وكما يروي البخاري بالسند إلى عائشة ( رض ) بأن عمر أخذ البيعة لأبي بكر بتهديده وتخويفه لهم : " قالت عائشة : فما كانت
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج 5 ص 14 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبا بكر .
( 2 ) صحيح البخاري ج 8 ص 542 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا .
( 3 ) ( 4 ) صحيح البخاري ج 5 ص 14 كتاب فضل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبا بكر .
( 5 ) صحيح البخاري : ج 8 ص 542 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا . ( * )
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 50
من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها ، لقد خوف عمر الناس ، وإن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك " ( 1 ) .
وقال عمر يومها بشأن سعد بن عبادة الذي رفض المبايعة - وقد كان شيخا كبير السن - كما - يروي ذلك البخاري في صحيحه : " . . . ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ، فقال عمر : قتله الله " ( 2 ) .
وإلى هذا الحد نسدل الستار على مسرح أحداث السقيفة والتي انتهت بعقد البيعة لأبي بكر بعد صراع مشهود بين المهاجرين والأنصار على الخلافة ، وقد اصطبغ ذلك النزاع بنزعة جاهلية كما يظهر بوضوح من خلال التمعن بطبيعة الحوار الذي جرى بين الفريقين ،
والحجج التي احتج بها كل على الآخر ، وقد اعترف الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) في آخر حياته بأن بيعة أبي بكر كانت ( فلتة ) ولكن الله وقى شرها - على رأيه -
كما يروي ذلك البخاري في صحيحه ، حيث قال عمر : " . . . فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرها " ( 3 ) .
والكل يعلم أن الإمام علي عليه السلام وسائر أوليائه من بني هاشم وغيرهم من الصحابة - أمثال الزبير وطلحة وعمار وسلمان والمقداد وأبو ذر وخزيمة ذي الشهادتين وخالد بن سعيد وأبي بن كعب وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم - لم يشهدوا
تلك البيعة ولم يدخلوا السقيفة يومئذ ، لأنهم كانوا منصرفين بكلهم إلى الخطب الفادح بوفاة الرسول صلى الله عليه وآله وقيامهم بالواجب من تجهيزه وتشييع جثمانه الطاهر ، وقد أبرم أهل السقيفة البيعة لأبي بكر ، فلم يكن بمقدور علي ومن معه أكثر من أن يخالفوا ، يمتنعوا عن
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج 5 ص 15 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبا بكر .
( 2 ) صحيح البخاري ج 8 ص 542 ، ج 5 ص 14 .
( 3 ) صحيح البخاري ج 8 ص 540 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا . ( * )
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 51
المبايعة ، كما يظهر من رواية عمر بن الخطاب : " وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه ( ص ) ، إلا أن الأنصار خالفونا ، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف منا علي والزبير ومن معهما " ( 1 ) .
( ولم ير الإمام علي عليه السلام للاحتجاج عليهم أثرا سوى الفتنة التي كان يفضل أن يضيع حقه على حدوثها في تلك الظروف ، بسبب الفتن الخطيرة التي أحاطت بالإسلام من كل جانب ، فخطر يهدد الإسلام من المنافقين من أهل المدينة
وبمن حولهم من الأعراب الذين قويت شوكتهم بعد رحيل المصطفى صلى الله عليه وآله ، بالإضافة إلى خطر مسيلمة الكذاب وطليحة بن خويلد الأفاك وسجاح الدجالة ، والرومان والأكاسرة والقياصرة وغيرهم الذين كانوا للمسلمين بالمرصاد ،
وغير ذلك من الأخطار التي كانت تهدد الإسلام ووجوده ، فكان من الطبيعي أن يضحي الإمام علي عليه السلام بحقه ، ولكن دون أن يمحو حجيته في الخلافة ، فأراد الاحتفاظ بحقه في الخلافة والاحتجاج على من اجتهد فيها بالشكل الذي لا يوقع الفتنة التي سينتهزها أعداء الإسلام ، فقعد في بيته وتخلف عن المبايعة هو ومن معه لمدة ستة شهور ) ( 2 )
وكما في رواية البخاري التالية ، والتي تثبت أيضا أنه لو كان لعلي عليه السلام القوة الكافية لانتزاع حقه بالقوة في ذلك الوقت دون حصول الفتنة لفعل ، فعن عائشة ( رض ) قالت : " . . . وعاشت ( فاطمة ) بعد النبي ( ص ) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها .
وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى بكر : أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر ، فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم وحدك ، فقال أبو بكر : وما عسيتهم أن يفعلوا بي ؟ والله
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج 8 ص 540 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا .
( 2 ) بتصرف عن كتاب المراجعات للإمام شرف الدين . ( * )
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 52
لآتينهم " ( 1 ) . ولقد فسر الإمام شرف الدين تصرف علي عليه السلام هذا بقوله : ( ولو أسرع علي إليهم في المبايعة حين عقدها ، لما تمت له حجة ولا سطع لشيعته برهان ، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين ، والاحتفاظ بحقه في الخلافة ، فالظروف يومئذ لا تسمح لمقاومة بسيف ، ولا مقارعة بحجة ) ( 2 )
وتظهر هذه الحقيقة جليا عندما سعى أبو سفيان إلى علي عليه السلام أكثر من مرة يحضه على الاستمساك بحقه في الخلافة قائلا : " إن شئت لأملأنها عليهم خيلا ورجالا ، ولأسدنها عليهم من أقطارها " ( 3 ) .
ولكن الإمام عليه السلام كان يرفض هذا النوع من المساعدة في كل مرة ، لأنه كان يعلم أن ما يقصده أبو سفيان هو إذكاء نار الفتنة وإشعال حرب لا يقوم بعدها للإسلام قائمة .
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج 5 ص 382 كتاب المغازي باب غزوة خيبر .
( 2 ) بتصرف عن كتاب المراجعات للإمام شرف الدين .
( 3 ) خلفاء الرسول لخالد محمد خالد ص 418 الطبعة الثامنة .
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 48
هذه الدنيا ، كان عمر بن الخطاب يعلن إنكاره لوفاة الرسول صلى الله عليه وآله ، ويهدد كل من يقول ذلك بالقتل ، ولم يكن يصدق بوفاته حتى رجع أبو بكر من مكان خارج المدينة يدعى السنخ ،
كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة ( رض ) : " إن رسول الله ( ص ) مات وأبو بكر بالسنح ، قال إسماعيل : تعني بالعالية ، فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله ( ص ) ،
قالت : وقال عمر : والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ، فجاءه أبو بكر ، فكشف عن رسول الله ( ص ) فقبله ، فقال : بأبي أنت وأمي ، طبت حيا وميتا ، والله الذي نفسي بيده ، لا يذيقك الله الموتتين أبدا ، ثم خرج فقال : أيها الحالف على رسلك " ( 1 ) .
أما الأنصار فقد اجتمعوا في سقيفتهم " سقيفة بني ساعدة " ورشحوا سعد بن عبادة ليكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعندما علم كبار المهاجرين ( أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ) بذلك ، ذهبوا إليهم على الفور وأعلنوا أنهم أحق بالأمر ،
ودار حوار بين المهاجرين والأنصار اشتد فيه الجدل والنزاع ، وقد وقف زعيم الأنصار سعد بن عبادة قائلا : " أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم معشر المهاجرين رهط ، وقد دفت دافة من قومكم ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، وأن يحضنونا من الأمر " ( 2 ) .
فقام أبو بكر وألقى خطابا ذكر فيه فضل المهاجرين ، واحتج بقرشيتهم في أحقيتهم ، بالخلافة كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه : فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر ( 3 ) . . . فقال أبو بكر : لا ، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء ، هم
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج 5 ص 13 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبا بكر .
( 2 ) صحيح البخاري ج 8 ص 541 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا .
( 3 ) صحيح البخاري ج 5 ص 14 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبا بكر . ( * )
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 49
أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا ( 1 ) ، . . . وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ( 2 ) فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبو عبيدة بن الجراح " ( 3 ) .
فرد عليه أحد وجهاء الأنصار وهو الحباب بن المنذر قائلا : ا لا والله لا نفعل ، منا أمير ، ومنكم أمير " ( 4 ) ، وكان رد الأنصار في رواية أخرى : " فقال قائل الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير ، يا معشر قريش . فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حق فرقت من الاختلاف " ( 5 ) .
وبعد تأزم الموقف إلى هذا الحد ، جاء دور عمر بن الخطاب ، فقال : " هيهات أن يجتمع اثنان في قرن ، والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ، ولنا الحجة بذلك على من أبى " .
فرد عليه الحباب بن المنذر قائلا : " يا معشر الأنصار ، أملوا عليكم أمركم ، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه ، فأنتم أحق بهذا الأمر منهم " .
ولكن الأنصار انقسموا في هذه الأثناء على أنفسهم ، فذهب أسيد بن حضير زعيم الأوس - الذي كان معارضا لزعيم قبيلة الخزرج سعد بن عبادة - وأعلن للمهاجرين تأييده لهم ووعد بإعطائهم البيعة .
فقام عمر وقال لأبي بكر : إبسط يدك أبايعك ، فبايعه عمر وقسما من المهاجرين والأنصار ، وكما يروي البخاري بالسند إلى عائشة ( رض ) بأن عمر أخذ البيعة لأبي بكر بتهديده وتخويفه لهم : " قالت عائشة : فما كانت
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج 5 ص 14 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبا بكر .
( 2 ) صحيح البخاري ج 8 ص 542 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا .
( 3 ) ( 4 ) صحيح البخاري ج 5 ص 14 كتاب فضل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبا بكر .
( 5 ) صحيح البخاري : ج 8 ص 542 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا . ( * )
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 50
من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها ، لقد خوف عمر الناس ، وإن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك " ( 1 ) .
وقال عمر يومها بشأن سعد بن عبادة الذي رفض المبايعة - وقد كان شيخا كبير السن - كما - يروي ذلك البخاري في صحيحه : " . . . ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ، فقال عمر : قتله الله " ( 2 ) .
وإلى هذا الحد نسدل الستار على مسرح أحداث السقيفة والتي انتهت بعقد البيعة لأبي بكر بعد صراع مشهود بين المهاجرين والأنصار على الخلافة ، وقد اصطبغ ذلك النزاع بنزعة جاهلية كما يظهر بوضوح من خلال التمعن بطبيعة الحوار الذي جرى بين الفريقين ،
والحجج التي احتج بها كل على الآخر ، وقد اعترف الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) في آخر حياته بأن بيعة أبي بكر كانت ( فلتة ) ولكن الله وقى شرها - على رأيه -
كما يروي ذلك البخاري في صحيحه ، حيث قال عمر : " . . . فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرها " ( 3 ) .
والكل يعلم أن الإمام علي عليه السلام وسائر أوليائه من بني هاشم وغيرهم من الصحابة - أمثال الزبير وطلحة وعمار وسلمان والمقداد وأبو ذر وخزيمة ذي الشهادتين وخالد بن سعيد وأبي بن كعب وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم - لم يشهدوا
تلك البيعة ولم يدخلوا السقيفة يومئذ ، لأنهم كانوا منصرفين بكلهم إلى الخطب الفادح بوفاة الرسول صلى الله عليه وآله وقيامهم بالواجب من تجهيزه وتشييع جثمانه الطاهر ، وقد أبرم أهل السقيفة البيعة لأبي بكر ، فلم يكن بمقدور علي ومن معه أكثر من أن يخالفوا ، يمتنعوا عن
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج 5 ص 15 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبا بكر .
( 2 ) صحيح البخاري ج 8 ص 542 ، ج 5 ص 14 .
( 3 ) صحيح البخاري ج 8 ص 540 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا . ( * )
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 51
المبايعة ، كما يظهر من رواية عمر بن الخطاب : " وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه ( ص ) ، إلا أن الأنصار خالفونا ، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف منا علي والزبير ومن معهما " ( 1 ) .
( ولم ير الإمام علي عليه السلام للاحتجاج عليهم أثرا سوى الفتنة التي كان يفضل أن يضيع حقه على حدوثها في تلك الظروف ، بسبب الفتن الخطيرة التي أحاطت بالإسلام من كل جانب ، فخطر يهدد الإسلام من المنافقين من أهل المدينة
وبمن حولهم من الأعراب الذين قويت شوكتهم بعد رحيل المصطفى صلى الله عليه وآله ، بالإضافة إلى خطر مسيلمة الكذاب وطليحة بن خويلد الأفاك وسجاح الدجالة ، والرومان والأكاسرة والقياصرة وغيرهم الذين كانوا للمسلمين بالمرصاد ،
وغير ذلك من الأخطار التي كانت تهدد الإسلام ووجوده ، فكان من الطبيعي أن يضحي الإمام علي عليه السلام بحقه ، ولكن دون أن يمحو حجيته في الخلافة ، فأراد الاحتفاظ بحقه في الخلافة والاحتجاج على من اجتهد فيها بالشكل الذي لا يوقع الفتنة التي سينتهزها أعداء الإسلام ، فقعد في بيته وتخلف عن المبايعة هو ومن معه لمدة ستة شهور ) ( 2 )
وكما في رواية البخاري التالية ، والتي تثبت أيضا أنه لو كان لعلي عليه السلام القوة الكافية لانتزاع حقه بالقوة في ذلك الوقت دون حصول الفتنة لفعل ، فعن عائشة ( رض ) قالت : " . . . وعاشت ( فاطمة ) بعد النبي ( ص ) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها .
وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى بكر : أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر ، فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم وحدك ، فقال أبو بكر : وما عسيتهم أن يفعلوا بي ؟ والله
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج 8 ص 540 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا .
( 2 ) بتصرف عن كتاب المراجعات للإمام شرف الدين . ( * )
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 52
لآتينهم " ( 1 ) . ولقد فسر الإمام شرف الدين تصرف علي عليه السلام هذا بقوله : ( ولو أسرع علي إليهم في المبايعة حين عقدها ، لما تمت له حجة ولا سطع لشيعته برهان ، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين ، والاحتفاظ بحقه في الخلافة ، فالظروف يومئذ لا تسمح لمقاومة بسيف ، ولا مقارعة بحجة ) ( 2 )
وتظهر هذه الحقيقة جليا عندما سعى أبو سفيان إلى علي عليه السلام أكثر من مرة يحضه على الاستمساك بحقه في الخلافة قائلا : " إن شئت لأملأنها عليهم خيلا ورجالا ، ولأسدنها عليهم من أقطارها " ( 3 ) .
ولكن الإمام عليه السلام كان يرفض هذا النوع من المساعدة في كل مرة ، لأنه كان يعلم أن ما يقصده أبو سفيان هو إذكاء نار الفتنة وإشعال حرب لا يقوم بعدها للإسلام قائمة .
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج 5 ص 382 كتاب المغازي باب غزوة خيبر .
( 2 ) بتصرف عن كتاب المراجعات للإمام شرف الدين .
( 3 ) خلفاء الرسول لخالد محمد خالد ص 418 الطبعة الثامنة .