ربيبة الزهـراء
02-06-2007, 08:25 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد واله محمد وعجل فرجهم
عندما نريد الانفتاح على آفاق الزهراء(ع)، وعلى الرحاب الواسعة التي كانت تعيش فيها، فإننا لا نستطيع أن نتابع هذا المدى الواسع الذي تتمثل فيه هذه الآفاق، لأن ما فكّرت فيه الزهراء(ع)، وما عاشته وتحسّسته وتطلّعت إليه، لم يحدثنا التاريخ عن كثير منه، وربما لم تتحدث الزهراء(ع) عنه بشكل واسع، لأن ما يعيشه الإنسان الرسالي مع الله لا يستطيع أحد أن يعبّر عنه، وربما لا يستطيع الشخص نفسه أن يعبِّر عما يعيشه في روحيته مع الله، لأنّ كثيراً من القضايا تُحَس ولا يمكن أن تحدَّد.. فنحن عندما نتطلّع إلى الطبيعة في أعلى صور جمالاتها، أو
عندما نشمّ الوردة في عطرها حين تتفتح في شباب الورود على العطر؛ فإننا نتحسّس من خلال نظرتنا للجمال بعض المشاعر والأحاسيس الفياضة بالفرح والانفتاح على الجمال، لا نستطيع أن نعبر عنها. وهكذا عندما نشمّ الوردة، فإننا لا نستطيع أن نتحدّث عن العطر الذي شممناه بشكل دقيق، لأن هناك أشياء تُحسّ ولا يمكن التعبير عنها.
وهكذا شأن الرساليين عندما يعيشون مع الله، وعندما ينفتحون عليه، وعندما يتحسّسون حبّه، وعندما يُطلقون طاقاتهم في سبيل رضاه، فإنهم قد لا يملكون الكلمات التي يمكن أن تعبِّر عن ذلك كلّه. لذلك ما يأتينا من العظماء ومن الرساليين من كلمات لا تمثِّل كل أفكارهم وكل تطلّعاتهم، لأن هناك أشياء تُعاش من دون أن تُحدّد أو يعبّر عنها.
الزهراء الطفله الرساليه :
وعندما ندرس الزهراء(ع)، فلا نجد في حياتها أنها عاشت طفولة الأطفال الذين يلهون ويعبثون ويلعبون؛ كانت طفولتها لا تحمل أية فرصة للّعب وللعبث وللّهو كما يلعب أو يعبث أو يلهو الأطفال... فتحت عينيها على الحياة، وإذا بأبيها رسول الله(ص) يأتي بين وقت وآخر مثقلاً بكل ما يلقيه عليه المشركون من ضغوط ومن أعباء ومن مشاكل، وحتى من الأقذار التي كانت تلقى على ظهره وهو يصلّي.. فنقرأ في تاريخ الزهراء(ع) أنها رأت أباها(ص) وهو قادم من المسجد الحرام، والمشركون قد وضعوا الأوساخ على ظهره، فلم تملك إلا أن تعبِّر عن حزنها ومواساتها لأبيها(ص) بالبكاء.
أم أبيها :
وهكذا رأينا أن أمومتها لأبيها التي عبّر عنها رسول الله(ص) وهو يتحدث عنها أنها "أم أبيها"، كانت أمومة تُثقل هذه الطفولة، وتحمّلها مسؤولية إن الأمومة تمثل بالنسبة إلى الأم الحقيقية مسؤولية كبرى تملأ فكر الأم وتثقل مشاعرها وأحاسيسها وتُتعب جسدها وفكرها، لأنّ الإنسانة عندما تكون أماً فإنّ الولد يتحول إلى أن يكون محور حياتها. ولهذا نجد أن بعض الأزواج يغارون من أطفالهم عندما تنشغل زوجاتهم عنهم بالأطفال، لأن الولد يمثل المحور الذي تدور عليه آفاق الأم غالباً، فكيف إذا كان شخصية في مستوى رسول الله(ص)؟ ليس ولداً بالجسد، ولكنه ولد بالحنان وولد بالروح، إنها كانت تتحسّس ـ في ما نستوحيه من هذا التعبير ـ علاقتها برسول الله(ص) الذي ربّما كان يحدّثها أنه فقدَ أمه وهو طفل كما فقد أباه وهو حمل، وأنّه لم يستطع أن يحصل على هذه الطاقة الروحية العاطفية من الحنان الذي يملأ قلب الطفل من خلال احتضان أمه، ومن خلال رعاية أمه ومن خلال إحساس أمه به، ولذا بقي في حالة فراغ عاطفي في شخصيته. والإنسان، حتى لو كان نبياً، بشرٌ، والبشركما لا يستطيع أن يعيش بدون طعام وشراب فيما هو الطعام المادي والشراب المادي، فإنه لا يستطيع أن يعيش بدون طعام روحي. ولذلك لم تستطع هذه الطفلة الرسالية الرائعة، أن تعوّضه عن دور الأب، ولكنّها عوّضته عن دور الأم باعترافه(ص). ونحن نعرف كم هو الثقل الذي تشعر به هذه الطفلة التي كانت تماماً كالبرعم الذي لم يتفتح، فكم تحتاج أن تبذل من الجهد ومن الطاقة الشعورية ومن الروح العميقة الممتدة ومن الأفق الواسع ومن كل ما يحتاجه الإنسان في كل خفقات القلب ونبضات الشعور حتى تكون أماً لأبيها، لذلك لم يتحدث إلينا التاريخ عن كثير من التفاصيل، ولكن هذه الكلمة، وهي كلمة الإنسان الذي {وما ينطق عن الهوى* إن هو إلاّ وحيٌ يوحى} (النجم:3ـ4)، الإنسان الجاد في كل كلماته كما كان الإنسان الجاد في كل حياته، لا يتكلم عن هوى ولا يتكلم عن عاطفة غير مسؤولة، ولكنه كان يتكلم عن حقيقة؛ إنّ هذه الكلمة تختصر كل مرحلة الزهراء(ع) في ذلك الوقت، وكل تأثيراتها الروحية في تخفيف الآلام التي كان يعيشها مما تفرضه عليه أعباء الرسالة وأثقالها، حتى إذا فقد زوجه المخلصة أمّ الزهراء(ع)، وفقدت الزهراء(ع) أمّها، لم يشغلها ذلك عن رعايتها لأبيها، بل إنها رأت أن المسؤولية مضاعفة، لأن عليها أن تعطيه عاطفة البنت وعاطفة الأم ورعاية الزوجة، ولهذا اندمجت حياتها بحياة رسول الله(ص).
الزهراء عليها السلام البيت والرحمه :
ونقرأ في تاريخ رسول الله(ص) أنّ بيت فاطمة، حتى بعد أن تزوّجت، كان بيته المميّز في الوقت الذي كان يملك عدّة بيوت بعدد زوجاته، لأنه لم يجد عند أيّة واحدة منهنّ ما وجده عند ابنته الزهراء(ع). والقضية ليست قضية عاطفة يتحسّسها رسول الله(ص) في عاطفة ابنته، ولكنه رأى فيها الإنسانة التي عاشت معه في انفتاحه على الله، فكانت تعيش مع الله بكلّها كما كان يعيش هو مع الله بكلّه، وكانت تتحسّس رسالية الإسلام في حياتها كما كان يتحسّس ذلك. نشأت الزهراء رسالية، ولذلك لم يذكر التاريخ أبداً أن الزهراء(ع) أخطأت في كلمة أو أخطأت في فعل أو أخطأت في علاقة. كانت المعصومة في سلوكها قبل أن تنـزل آية العصمة في أهل البيت(ع): {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً}، (الأحزاب:33). كانت عصمتها إرادية انطلقت من أنها لم يدخل في حياتها إلا توحيد الله و الإيمان به، فالله كرّم وجهها عن السجود للصنم، كما كرّم وجه أبيها(ص) قبل الرسالة عن السجود للصنم، وكما كرّم وجه زوجها علي(ع) قبل رسالة النبي(ص) عن السجود للصنم، فنحن نستطيع أن نقول عنها كرّم الله وجهها كما نقول عن عليّ كرّم الله وجهه، لأن غيرها من النساء كنّ ممن سجدنَ للصنم قبل الإسلام، ولكن الزهراء(ع) عندما عرفت السجود كان أول سجودها لله، وعندما عرفت الركوع كان أول ركوعها لله، وعندما عرفت القيام كان قيامها تسليماً لله، كان قيامها لله في ذلك كله.
ولذلك جاءت آية التطهير لتؤكد عصمتها التي تحرّكت في الواقع، وتُسجّل عصمة تتحرك في القرآن، تماماً كما هي عصمة علي(ع) وعصمة النبي(ص) قبل ذلك وعصمة ولديها الحسن والحسين(ع).
الزهراء (ع) الكاتبه والمعلمه :
وعلى صعيد آخر، هناك نقطة مهمة جداً، قد لا ينتبه إليها الكثيرون، وهي أنّ فاطمة الزهراء(ع) كانت أول مَن ألّف كتاباً في الإسلام، ولم يُنقل أنّ رجلاً أو امرأةً ألّف كتاباً في ذلك الوقت. "مصحف الزهراء" هو كتاب الزهراء(ع)، كان اهتمامها بالعلم وبحديث رسول الله(ص) وبأحكام الإسلام، بحيث كانت تسجِّل ما تسمعه من رسول الله(ص) مباشرة أو من علي(ع) عن رسول الله(ص) أو من ولدها الإمام الحسن(ع) ـ كما يُذكر عن رسول الله(ص) ـ وكتبت هذا الكتاب الذي تناقله الأئمة(ع)، حتى أنّ الصادق(ع) كان ينقل عنه بعض الأحكام الشرعية، فيسأله الناس ما ذلك؟ فيقول: هذا من مصحف جدّتنا فاطمة الزهراء(ع). وربما انطلق بعض الناس الذين يحقدون على خط أهل البيت(ع) ليتحدثوا أنّ للشيعة مصحفاً غير هذا المصحف، ولهم قرآن غير هذا القرآن، وهو مصحف الزهراء(ع)، ويقولون إنّ الصادق(ع) كان يتحدث فيقول: "إن حجمه هو أكثر من حجم مصحفكم هذا ـ أي القرآن ـ بثلاث مرّات"، ولكن ما ورد في الحديث عن هذا المصحف انطلق ليتحدث عن أنّ فيه كثيراً من الأحكام الشرعية.
هناك رواية وردت أنّ هناك ملكاً كان يحدثها عن أخبار الأولين بعد وفاة رسول الله(ص)، لا على أساس أنّه وحي ليُقال إنّ فاطمة يوحى إليها لتكون رسولاً، وبعض التعبيرات تقول: كانت مُحدّثة، وكانت تكتب ذلك. لكن الشيء الذي عرفناه عن الإمام الصادق(ع) مما ثبت، أن الكتاب يشتمل على مفردات الأحكام الشرعية والثقافة الإسلامية. وكلمة مصحف لا ترادف كلمة القرآن، فالمصحف من الصحف، وإنما سمّي القرآن مصحفاً لأنه يشتمل على صفحات، فليس معنى مصحف الزهراء(ع) أنه قرآن الزهراء(ع)، وإطلاق كلمة المصحف على القرآن هذا إطلاق مستحدث، وإلا فإنه يُقال عن كل كتاب إنه مصحف، باعتبار الصحف والصفحات. وهذا الكتاب ليس موجوداً عند أحد، وهو موجود عند الإمام الحجة(عج) مما ورثه من كتاب علي(ع) وكتاب الزهراء(ع)، ولذا كنا نقول لكثير من علماء المسلمين من أهل السنّة، قوموا بجولة على كل مواقع الشيعة في العالم وعلى كل بيوتات الشيعة في العالم، فإنكم لا تجدون إلا هذا القرآن الذي هو لا يختلف بكلمة ولا بحرف ولا بشيء عن القرآن الذي بين أيدي المسلمين. والجدير بالذكر انها عندما كتبت الكتاب كانت في سن اليابعة عشرة او الثامنة عشرة على أساس الروايه التي تقول انها ولدت قبل البعثه بخمس سنوات
دور الزهراء عليها السلام السياسي :
كانت الزهراء قوية الشخصية، واستطاعت أن تعبّر عن معارضتها بخطبتها التي تمثل وثيقة حيّة في الفكر الإسلامي، وفي التشريع الإسلامي، وفي المفردات السياسية،كما أنها أكملت احتجاجها بعد موتها عندما أوصت علياً(ع) أن يدفنها ليلاً وأن لا يحضر جنازتها الذين ظلموها حقها واضطهدوها. إنها أرادت أن تعبّر عن معارضتها واحتجاجها وغضبها بعد الموت، كما عبّرت عن ذلك قبل الموت، ليتساءل الناس: لماذا أوصت أن تُدفن ليلاً؟ وما هي القضية؟ هذا أمر لم يسبق له مثيل في الواقع الإسلامي، الجميع كانوا ينتظرون أن يشاركوا في تشييع الزهراء(ع)، ولكنّها دُفنت ليلاً وقيل لهم: إنها أوصت بذلك، وبدأ التساؤل بين المسلمين: لماذا ولماذا؟! وكانت تريد أن تثير التساؤل حتى يتحرك الجواب، وحتى يعرف الناس طبيعة المسألة بطريقة وبأخرى.
المصدر :موقع السيد محمد فضل الله
السلام عليكِ يامكسورة الأضلاع
لكنها لاذت وراء الباب
رعايةً لِلسترِ iiوَالحِجاب
فمذ رَأوْها عصَروها iiعصْرة
كادت بنفسي أن تموتَ حسْرة
نادتْ أيا فِضة iiأسنِديني
فقد ورَبي أسقطوا iiجنيني
فأسقطتْ بنت الـهُدى وا iiحزنا
جنينَها ذاكَ الـمُسمّى مُحسِنا
إزداد ألمي بذكراكِ يافاطمه
دمتم وأنوار أل محمد تضللكم
اللهم صلي على محمد واله محمد وعجل فرجهم
عندما نريد الانفتاح على آفاق الزهراء(ع)، وعلى الرحاب الواسعة التي كانت تعيش فيها، فإننا لا نستطيع أن نتابع هذا المدى الواسع الذي تتمثل فيه هذه الآفاق، لأن ما فكّرت فيه الزهراء(ع)، وما عاشته وتحسّسته وتطلّعت إليه، لم يحدثنا التاريخ عن كثير منه، وربما لم تتحدث الزهراء(ع) عنه بشكل واسع، لأن ما يعيشه الإنسان الرسالي مع الله لا يستطيع أحد أن يعبّر عنه، وربما لا يستطيع الشخص نفسه أن يعبِّر عما يعيشه في روحيته مع الله، لأنّ كثيراً من القضايا تُحَس ولا يمكن أن تحدَّد.. فنحن عندما نتطلّع إلى الطبيعة في أعلى صور جمالاتها، أو
عندما نشمّ الوردة في عطرها حين تتفتح في شباب الورود على العطر؛ فإننا نتحسّس من خلال نظرتنا للجمال بعض المشاعر والأحاسيس الفياضة بالفرح والانفتاح على الجمال، لا نستطيع أن نعبر عنها. وهكذا عندما نشمّ الوردة، فإننا لا نستطيع أن نتحدّث عن العطر الذي شممناه بشكل دقيق، لأن هناك أشياء تُحسّ ولا يمكن التعبير عنها.
وهكذا شأن الرساليين عندما يعيشون مع الله، وعندما ينفتحون عليه، وعندما يتحسّسون حبّه، وعندما يُطلقون طاقاتهم في سبيل رضاه، فإنهم قد لا يملكون الكلمات التي يمكن أن تعبِّر عن ذلك كلّه. لذلك ما يأتينا من العظماء ومن الرساليين من كلمات لا تمثِّل كل أفكارهم وكل تطلّعاتهم، لأن هناك أشياء تُعاش من دون أن تُحدّد أو يعبّر عنها.
الزهراء الطفله الرساليه :
وعندما ندرس الزهراء(ع)، فلا نجد في حياتها أنها عاشت طفولة الأطفال الذين يلهون ويعبثون ويلعبون؛ كانت طفولتها لا تحمل أية فرصة للّعب وللعبث وللّهو كما يلعب أو يعبث أو يلهو الأطفال... فتحت عينيها على الحياة، وإذا بأبيها رسول الله(ص) يأتي بين وقت وآخر مثقلاً بكل ما يلقيه عليه المشركون من ضغوط ومن أعباء ومن مشاكل، وحتى من الأقذار التي كانت تلقى على ظهره وهو يصلّي.. فنقرأ في تاريخ الزهراء(ع) أنها رأت أباها(ص) وهو قادم من المسجد الحرام، والمشركون قد وضعوا الأوساخ على ظهره، فلم تملك إلا أن تعبِّر عن حزنها ومواساتها لأبيها(ص) بالبكاء.
أم أبيها :
وهكذا رأينا أن أمومتها لأبيها التي عبّر عنها رسول الله(ص) وهو يتحدث عنها أنها "أم أبيها"، كانت أمومة تُثقل هذه الطفولة، وتحمّلها مسؤولية إن الأمومة تمثل بالنسبة إلى الأم الحقيقية مسؤولية كبرى تملأ فكر الأم وتثقل مشاعرها وأحاسيسها وتُتعب جسدها وفكرها، لأنّ الإنسانة عندما تكون أماً فإنّ الولد يتحول إلى أن يكون محور حياتها. ولهذا نجد أن بعض الأزواج يغارون من أطفالهم عندما تنشغل زوجاتهم عنهم بالأطفال، لأن الولد يمثل المحور الذي تدور عليه آفاق الأم غالباً، فكيف إذا كان شخصية في مستوى رسول الله(ص)؟ ليس ولداً بالجسد، ولكنه ولد بالحنان وولد بالروح، إنها كانت تتحسّس ـ في ما نستوحيه من هذا التعبير ـ علاقتها برسول الله(ص) الذي ربّما كان يحدّثها أنه فقدَ أمه وهو طفل كما فقد أباه وهو حمل، وأنّه لم يستطع أن يحصل على هذه الطاقة الروحية العاطفية من الحنان الذي يملأ قلب الطفل من خلال احتضان أمه، ومن خلال رعاية أمه ومن خلال إحساس أمه به، ولذا بقي في حالة فراغ عاطفي في شخصيته. والإنسان، حتى لو كان نبياً، بشرٌ، والبشركما لا يستطيع أن يعيش بدون طعام وشراب فيما هو الطعام المادي والشراب المادي، فإنه لا يستطيع أن يعيش بدون طعام روحي. ولذلك لم تستطع هذه الطفلة الرسالية الرائعة، أن تعوّضه عن دور الأب، ولكنّها عوّضته عن دور الأم باعترافه(ص). ونحن نعرف كم هو الثقل الذي تشعر به هذه الطفلة التي كانت تماماً كالبرعم الذي لم يتفتح، فكم تحتاج أن تبذل من الجهد ومن الطاقة الشعورية ومن الروح العميقة الممتدة ومن الأفق الواسع ومن كل ما يحتاجه الإنسان في كل خفقات القلب ونبضات الشعور حتى تكون أماً لأبيها، لذلك لم يتحدث إلينا التاريخ عن كثير من التفاصيل، ولكن هذه الكلمة، وهي كلمة الإنسان الذي {وما ينطق عن الهوى* إن هو إلاّ وحيٌ يوحى} (النجم:3ـ4)، الإنسان الجاد في كل كلماته كما كان الإنسان الجاد في كل حياته، لا يتكلم عن هوى ولا يتكلم عن عاطفة غير مسؤولة، ولكنه كان يتكلم عن حقيقة؛ إنّ هذه الكلمة تختصر كل مرحلة الزهراء(ع) في ذلك الوقت، وكل تأثيراتها الروحية في تخفيف الآلام التي كان يعيشها مما تفرضه عليه أعباء الرسالة وأثقالها، حتى إذا فقد زوجه المخلصة أمّ الزهراء(ع)، وفقدت الزهراء(ع) أمّها، لم يشغلها ذلك عن رعايتها لأبيها، بل إنها رأت أن المسؤولية مضاعفة، لأن عليها أن تعطيه عاطفة البنت وعاطفة الأم ورعاية الزوجة، ولهذا اندمجت حياتها بحياة رسول الله(ص).
الزهراء عليها السلام البيت والرحمه :
ونقرأ في تاريخ رسول الله(ص) أنّ بيت فاطمة، حتى بعد أن تزوّجت، كان بيته المميّز في الوقت الذي كان يملك عدّة بيوت بعدد زوجاته، لأنه لم يجد عند أيّة واحدة منهنّ ما وجده عند ابنته الزهراء(ع). والقضية ليست قضية عاطفة يتحسّسها رسول الله(ص) في عاطفة ابنته، ولكنه رأى فيها الإنسانة التي عاشت معه في انفتاحه على الله، فكانت تعيش مع الله بكلّها كما كان يعيش هو مع الله بكلّه، وكانت تتحسّس رسالية الإسلام في حياتها كما كان يتحسّس ذلك. نشأت الزهراء رسالية، ولذلك لم يذكر التاريخ أبداً أن الزهراء(ع) أخطأت في كلمة أو أخطأت في فعل أو أخطأت في علاقة. كانت المعصومة في سلوكها قبل أن تنـزل آية العصمة في أهل البيت(ع): {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً}، (الأحزاب:33). كانت عصمتها إرادية انطلقت من أنها لم يدخل في حياتها إلا توحيد الله و الإيمان به، فالله كرّم وجهها عن السجود للصنم، كما كرّم وجه أبيها(ص) قبل الرسالة عن السجود للصنم، وكما كرّم وجه زوجها علي(ع) قبل رسالة النبي(ص) عن السجود للصنم، فنحن نستطيع أن نقول عنها كرّم الله وجهها كما نقول عن عليّ كرّم الله وجهه، لأن غيرها من النساء كنّ ممن سجدنَ للصنم قبل الإسلام، ولكن الزهراء(ع) عندما عرفت السجود كان أول سجودها لله، وعندما عرفت الركوع كان أول ركوعها لله، وعندما عرفت القيام كان قيامها تسليماً لله، كان قيامها لله في ذلك كله.
ولذلك جاءت آية التطهير لتؤكد عصمتها التي تحرّكت في الواقع، وتُسجّل عصمة تتحرك في القرآن، تماماً كما هي عصمة علي(ع) وعصمة النبي(ص) قبل ذلك وعصمة ولديها الحسن والحسين(ع).
الزهراء (ع) الكاتبه والمعلمه :
وعلى صعيد آخر، هناك نقطة مهمة جداً، قد لا ينتبه إليها الكثيرون، وهي أنّ فاطمة الزهراء(ع) كانت أول مَن ألّف كتاباً في الإسلام، ولم يُنقل أنّ رجلاً أو امرأةً ألّف كتاباً في ذلك الوقت. "مصحف الزهراء" هو كتاب الزهراء(ع)، كان اهتمامها بالعلم وبحديث رسول الله(ص) وبأحكام الإسلام، بحيث كانت تسجِّل ما تسمعه من رسول الله(ص) مباشرة أو من علي(ع) عن رسول الله(ص) أو من ولدها الإمام الحسن(ع) ـ كما يُذكر عن رسول الله(ص) ـ وكتبت هذا الكتاب الذي تناقله الأئمة(ع)، حتى أنّ الصادق(ع) كان ينقل عنه بعض الأحكام الشرعية، فيسأله الناس ما ذلك؟ فيقول: هذا من مصحف جدّتنا فاطمة الزهراء(ع). وربما انطلق بعض الناس الذين يحقدون على خط أهل البيت(ع) ليتحدثوا أنّ للشيعة مصحفاً غير هذا المصحف، ولهم قرآن غير هذا القرآن، وهو مصحف الزهراء(ع)، ويقولون إنّ الصادق(ع) كان يتحدث فيقول: "إن حجمه هو أكثر من حجم مصحفكم هذا ـ أي القرآن ـ بثلاث مرّات"، ولكن ما ورد في الحديث عن هذا المصحف انطلق ليتحدث عن أنّ فيه كثيراً من الأحكام الشرعية.
هناك رواية وردت أنّ هناك ملكاً كان يحدثها عن أخبار الأولين بعد وفاة رسول الله(ص)، لا على أساس أنّه وحي ليُقال إنّ فاطمة يوحى إليها لتكون رسولاً، وبعض التعبيرات تقول: كانت مُحدّثة، وكانت تكتب ذلك. لكن الشيء الذي عرفناه عن الإمام الصادق(ع) مما ثبت، أن الكتاب يشتمل على مفردات الأحكام الشرعية والثقافة الإسلامية. وكلمة مصحف لا ترادف كلمة القرآن، فالمصحف من الصحف، وإنما سمّي القرآن مصحفاً لأنه يشتمل على صفحات، فليس معنى مصحف الزهراء(ع) أنه قرآن الزهراء(ع)، وإطلاق كلمة المصحف على القرآن هذا إطلاق مستحدث، وإلا فإنه يُقال عن كل كتاب إنه مصحف، باعتبار الصحف والصفحات. وهذا الكتاب ليس موجوداً عند أحد، وهو موجود عند الإمام الحجة(عج) مما ورثه من كتاب علي(ع) وكتاب الزهراء(ع)، ولذا كنا نقول لكثير من علماء المسلمين من أهل السنّة، قوموا بجولة على كل مواقع الشيعة في العالم وعلى كل بيوتات الشيعة في العالم، فإنكم لا تجدون إلا هذا القرآن الذي هو لا يختلف بكلمة ولا بحرف ولا بشيء عن القرآن الذي بين أيدي المسلمين. والجدير بالذكر انها عندما كتبت الكتاب كانت في سن اليابعة عشرة او الثامنة عشرة على أساس الروايه التي تقول انها ولدت قبل البعثه بخمس سنوات
دور الزهراء عليها السلام السياسي :
كانت الزهراء قوية الشخصية، واستطاعت أن تعبّر عن معارضتها بخطبتها التي تمثل وثيقة حيّة في الفكر الإسلامي، وفي التشريع الإسلامي، وفي المفردات السياسية،كما أنها أكملت احتجاجها بعد موتها عندما أوصت علياً(ع) أن يدفنها ليلاً وأن لا يحضر جنازتها الذين ظلموها حقها واضطهدوها. إنها أرادت أن تعبّر عن معارضتها واحتجاجها وغضبها بعد الموت، كما عبّرت عن ذلك قبل الموت، ليتساءل الناس: لماذا أوصت أن تُدفن ليلاً؟ وما هي القضية؟ هذا أمر لم يسبق له مثيل في الواقع الإسلامي، الجميع كانوا ينتظرون أن يشاركوا في تشييع الزهراء(ع)، ولكنّها دُفنت ليلاً وقيل لهم: إنها أوصت بذلك، وبدأ التساؤل بين المسلمين: لماذا ولماذا؟! وكانت تريد أن تثير التساؤل حتى يتحرك الجواب، وحتى يعرف الناس طبيعة المسألة بطريقة وبأخرى.
المصدر :موقع السيد محمد فضل الله
السلام عليكِ يامكسورة الأضلاع
لكنها لاذت وراء الباب
رعايةً لِلسترِ iiوَالحِجاب
فمذ رَأوْها عصَروها iiعصْرة
كادت بنفسي أن تموتَ حسْرة
نادتْ أيا فِضة iiأسنِديني
فقد ورَبي أسقطوا iiجنيني
فأسقطتْ بنت الـهُدى وا iiحزنا
جنينَها ذاكَ الـمُسمّى مُحسِنا
إزداد ألمي بذكراكِ يافاطمه
دمتم وأنوار أل محمد تضللكم