ابو فاطمة العذاري
24-06-2010, 01:12 AM
لم تكن مرجعية السيد الصدر الثاني مجرد ظاهرة دينية عاشها الشارع العراقي بمدة زمنية محددة وتفاعلت معها قطاعات واسعة من المجتمع وانتهى الامر ولم تكن حركة تغييرية دينية جاءت لتغير الواقع المظلم ابان عهد النظام المقبور كما كنا نعتقد واعتقد الكثيرون ولا يصح ان نعتبر محمد الصدر مرجعاً ثورياً مصلحاً فقط مارس نشاطه المرجعي ضمن حيز النجف او حوزته او حتى ضمن الواقع العراقي .
هذا ما تصوره الفرد الذي فتح عيناه على مرجعية السيد الصدر داخل وخارج العراق
بل انما هي نهضة اسلامية وطنية بمعناها الشامل.
حينما نريد ان نتحدث عن التيار الصدري والقيادات التي برزت لتقود هذا الخط و المتبقي منها وتحديداً قيادة السيد مقتدى الصدر الذي شكل ظاهرة كبيرة ومؤثرة في الواقع الاسلامي في العراق.
خصوصاً وان ابرز ركن من اركان حركة السيد مقتدى الاتكال على الرصيد الاجتماعي والارث النسبي المميز الذي اعتمدته هذه الحركة النادرة.
والمفارقة الرئيسية هي انه ليس المجتمع المؤمن اختار قيادة اكثر قربا من الناحية النسبية للسيد الصدر بل ان المجتمع الصدري وعن وعي وبصيرة اختار الاقرب للثوابت الرئيسية التي عمقها السيد الصدر في نفوس ابناءه المؤمنين حتى ان الاعم الاغلب عند كل مفردة يحاول تطبيق الاداء مع ثوابت وخطوط الفكر الصدري
والمرحلة الرئيسية التي عاشها التيار هي حالة الاكتشاف والبحث عن قيادة جديدة ومعها على التوازي كانت عملية الكشف والمطابقة تنهال مع اداء وسلوك الجميع
فهل فعلاً انتهت مرحلة الكشف عن القيادة الجديدة بسقوط القيادات الأخرى التي حاولت ومن خلال السبل النزيهة وغير النزيهة اسقاط أي منافس
وما ترتب عليه من تحول التيار الى تيارات متقاطعة متصارعة في حركة قوية للبيان والبيان المضاد والتصريح والتصريح المعاكس وفي خضم هذا التسابق القيادي المتعدد بين اقطاب رئيسة في التيار الصدري بقي التيار محافظ على نفسه مع بزوغ شخص السيد مقتدى الصدر .
ولازالت العقلية الصدرية الواعية تميز وتفرز وتختلف على المواقف واشخاصها وكل ذلك ينعكس او قل يقاس على مرآة ثوابت محمد الصدر (قدس) وفي مخاض عسير وغريب يرافقه اندفاع عاطفي جماهيري نحو السيد مقتدى استقرت الامور عنده او قل عند مكتب السيد الشهيد
مع كل ذلك تمسك عنيف و واضح من قبل المكتب والسيد مقتدى بثوابت التيار بل تفريع لثوابت جديدة بحالة تأسيسية رائدة تحولت الى اسس تعاملية على المستوى السياسي والاجتماعي
مما وضع الجماهير بحالة توظيف شبه كاملة للدفاع عن نفسها وعن التيار الصدري وعن ثوابت السيد الصدر منصباً كل ذلك في شخص السيد مقتدى الصدر فتكونت قنوات اعلامية واسعة مدافعة ومثقفة في نفس الوقت كحالة واحدة منضغطة ( التيار ـ الثوابت ـ مقتدى) هذا كله ساعدت عليه ديناميكية الحالة الاجتماعية والواقع المرتبك الذي يعيشه العراق بعد سقوط النظام وحالة التكون السياسي والتحول الاديولوجي وحالات السقوط والبروز وما الى ذلك وسارت الامور في صعيد واحد بحالة من لابدية الارتباط بالسيد مقتدى والمكتب وألا فسيكون غير ذلك رهان خطير على ( التيار والثوابت ) وغير ذلك انما هو تيار جديد يحسب عليه .
واضح انه قد اثار مقتل السيد الصدر حالة من الاسى والحزن في الشارع العراقي في الداخل والخارج لما تأملت به الجماهير من منقذ من الظلم والجور والاستبداد ابان حكم الطاغية صدام وتركز الحزن بحالة ندم عميق عند الكثيرين من الذين لم ينصروا السيد الصدر او وقفوا ضده او ضد نهضته الاسلامية العارمة فبدأت موجة من العدول عن تقليد المراجع الموجودين لان الامة احبطت من المراجع الآخرين
بدأ السيد مقتدى الصدر يشعر بضرورة النزول الى ارض الواقع بعد غيبة جزئية وخلوة انضغطت فيها الساعات مع مواصلة دراسية ممتازة اثمرت ان شرع بتدريس دروس السطوح العليا وصار له وقت يلتقي فيه بالجماهير في جامع الراس رغم ان سيف النظام كان على رقبته وكنا نراه حينما يسير ولمفرده في الشارع يراقبه وبشكل علني اثنان على الاقل من جلاوزة الامن الا انه لم يكن يكترث بهما بل كان يتعامل كانه لايشعر بوجودهما اصلاً .
ولكن الكثيرين يعتقدون ان السيد مقتدى تحرك بعد سقوط النظام ولم يتحرك عند وجود النظام البعثي اطلاقاً وبدأ يقود الخط الصدري بعد احتلال العراق وهذا ليس بصحيح . ان سماحته تصدى قبل السقوط بفترة قليلة ولعل هذا الامر يعرفه معظم الطلبة المنتمين للتيار الصدري وكثير من الشباب المثقف .
أستطاع السيد مقتدى الصدر أن يخلق الموازنة في المعادلة الحرجة من خلال إصراره وتمسكه بكبريات الثوابت الصدرية ولا يمكن أن يفقد التيار بوجود مثله لأهم دعائمه التي تبنيه كتيار محمد الصدر كما أراده محمد الصدر فكانت الساحة الصدرية.
بعد السقوط فأن القضية بدت أكثر وضوحاً وأشد جلائاً نعم خط الصدر سياسياً وإعلاميا واجتماعيا يتزعمه السيد مقتدى الصدر واضمحلت المنافسة مع غيره حتى تجاور السيد مقدى الصدر التسابق مع القيادات في داخل التيار فصار يوضع كمعادل لزعماء التيارات الأخرى في داخل الحوزة وفي داخل الحالة الشيعية ومختلف الألوان السياسية بل صار مقتدى الصدر أيام المقاومة المسلحة العظيمة للاحتلال خيار وطني أسلامي بل إقليمي .
كان خيار التيار الصدري هو مقاومة الاحتلال بكل الوسائل ولم تكن المقاومة سياسية فقط بل تحولت الى مقاومة رائدة لأبطال جيش الإمام المهدي (ع) المنصور بالرعب الذين أذاقوا قوات الاحتلال المرار والضيم رغم التكتم والتآمر الإعلامي في الداخل والخارج .
وخطاب السيد مقتدى الصدر السياسي سواء كان في صلاة الجمعة او البيانات او التصريحات واضح في رفض الاحتلال والضغط عليه وكشف مؤامراته ومراجعة سريعة لمواقف السيد مقتدى وتصريحاته تكشف وبوضوح كيف ان سماحته وتيار الصدر كانا اشد الناقمين والرافضين للوجود الأمريكي في العراق والمبينين لمفاسده وخطورته .
حتى اني اذكر مثلاً ان السيد مقتدى الصدر اول من نبه على المعتقلين او إساءة المعاملة ضدهم وطالب بإطلاق سراحهم كما رفض تشكيل مجلس الحكم المنحل وبين انه قد سجل عليه نقطتين رئيسيتين :
1/ الفيتو الأمريكي ومؤداه الخضوع التام لسلطات بول بريمر وبقى رافض له مادام المجلس المذكور خاضع للمحتل.
2/ اقتصاره على تيارات محددة في الشارع العراقي اغلبها جاءت من الخارج
وقاطع وبشكل كامل كل حالة سياسية فيها خضوع او ارتباط مع المحتل وتحول الرفض الى ثقافة صدرية متناسبة مع طبيعة المرحلة السياسية التي يعيشها العراق وتحولت ثقافة رفض المحتل بعد الانتفاضة الصدرية المباركة المنصورة الى ركيزة أساسية صارت بالتالي واحدة من أهم ثوابت تيار الصدر .
تحول السيد مقتدى الصدر من ظاهرة صعبة الى مشكلة تواجهها قوى الاحتلال ومن ثم تضخم الواقع الى أزمة حقيقية تعيشها سلطات الاحتلال لا يمكن التعامل معها باي صورة الا صورة المهادنة والاحتواء وكان السيد مقتدى الصدر يرسم خارطة منضبطة لطبيعة تعامل تيار الصدر مع الاحتلال بالدرجة الأولى ولطبيعة التعامل مع عملاء الاحتلال في السلطة وخارجها وكذلك طبيعة تعامله مع المتعاونين معه فصار قرب الشخص او الجهة من المحتل ميزان للمعادلة السياسية التي تحرك في جوها الوعي الجماهيري الصدري وهذا ركز اطر جديدة ونامية لطبيعة الحوار الثقافي والسياسي مع جميع الوجودات الدينية والوطنية فصار ميزان النقد والثناء فعال جداً ويختلف مؤشره مع طبيعة الموقف تجاه المحتل كما حصل مع الدكتورة سلامة الخفاجي ( عضو مجلس الحكم) التي تحظى باحترام التيار الصدري وقد بني هذا الاحترام بالدرجة الاساس على مواقف الدكتورة الخفاجي من الاحتلال وعدم وقوفها ضد انتفاضة الصدر الثالث .
بينما كان الموقف الصدري ساخطاً على (احد رجال الدين ) الذي وقف في لهيب الأزمة ضد انتفاضة الصدر الثالث وكذلك ضد الخيار الإسلامي النزيه في مقاومة المحتل وكان يتحرك وبقوة ووضوح وعلنية مع إرادة المحتل وخصوصاً حينما طلب بوش من العراقيين حل مسألة مقتدى الصدر فكان اول المتبرعين لتلبية نداء بوش وقد كشف السيد مقتدى هذا الترابط في بيان صادر عنه( بيان صادر عنه جراء مظاهرات أخرجها المذكور ضد جيش المهدي) وان كان لم يشر للاسم الا ان الفكرة اذا ما اريد تطبيقها فإنها تنطبق عليه مباشرة .
اذن من ثوابت التيار الصدري رفض المحتل وهذا المفهوم حقيقة اذا ما اريد استيعابه فانه يختزن مفردات كثيرة مجملة ومفصلة يتحرك في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في الشارع العراقي بكل تأكيد وتؤسس عليه مشاريع عمل إستراتيجية باعتباره ثابت وطني إسلامي و هو عكس ما حصل للمتعاونين معه من مشاريع فشل مرحلية في استغنائهم عنه بل تجاوزهم الى مديات غير مسموح بها وطنياً وإسلاميا فمثلا قامت بعض الأجنحة العسكرية لبعض الأحزاب العراقية بمشاركة قوى الاحتلال عسكرياً في بعض العمليات التي حصلت لقمع الشعب العراقي والمقاومة وشاركوا بشكل شبه علني مع الأمريكان في الفلوجة وكربلاء وحتى النجف وكذلك الشرطة العراقية في الديوانية استخدمت كآلة لضرب شبابنا الشيعة في جيش المهدي بل وصل الأمر الى ما ورد ان بعض قيادات جيش المهدي (ع) القوا القبض على بعض الأشخاص الذين ينتمون الى بعض الحركات الشيعية او الاتجاهات الأسرية المترفة خصوصاً في النجف قد شاركوا المحتل في قنص مقاتلي جيش المهدي (ع) وهذا يعتبر تطور خطير على ان العلاقة بين أبناء البلد الواحد وبين أبناء المذهب الواحد وصلت الى مستوى منحط للغاية وثانيهما ان التعاون او العمالة للاحتلال وصلت بهؤلاء الى أقصى حدودها .
واذا ما تجاوزنا المشاركة العسكرية فقد كانت المشاركة السياسية اخطر اذ ان كثير من القوى الدينية والسياسية والشعبية اعتبرت نفسها والاحتلال طرف نزاع مع تيار الصدر وصارت في خندق واحد مع المحتل في عملية التجاذبات السياسية مع تيار الصدر.
عملية الصراع تحركت بشكل ديناميكي لصالح السيد مقتدى ولصالح ثابت رفض الاحتلال فنسج لتيار الصدر زياً اكثر اشراقاً عند الكثيرين من الذين يناوئون الاحتلال والولايات المتحدة الامريكية وهذا التصور وهذا التوظيف المقتدائي الرائد لهذا الثابت الصدري خدم الحالة الصدرية وطنياً واقليمياً او قل عالميا ً و على المدى الاستراتيجي المستقبلي .
اذا ما تأملنا لموازين القوى التي تسيطر على الشارع والحالة السياسية في العراق وكذلك الحالة الاقليمية الاسلامية المتحركة وبكل الاتجاهات ضد الاحتلال الأمريكي والاسرائيلي وضد السيطرة الاستكبارية و المصارعة للقوى الدولية في المنطقة .
اذا نظرنا من هذه النافذة الواسعة ولم نكن ضيقي او محدودي التعاطي وسريعي الحكم ومضطري التلقي فان رفض الاحتلال كثابت من ثوابت التيار الصدري سيقدم هذا التيار للحالة الدولية بصورة متميزة وللحالة الوطنية كنقطة فعالة ومؤثرة في مستقبل العراق على المدى البعيد .
كان السيد مقتدى الصدر ناجحاً في هذه العملية اذ انه وبألمعيه ونباهة اراد زج قوى اخرى سواء دينية كمحاولته لادخال ورقة المرجعية النجفية كورقة صراع في بعض مفاصل الرفض وخصوصاً حالات الضغط المعنوي والجماهيري ومن أوضحها ربطه لمسألة حل جيش المهدي (ع) بالمرجعية الدينية وكذلك ادخاله لقوى اقليمية نجحت في سلوكها المقاوم للاحتلال الاسرائيلي كاعلانه الدعم لحزب الله اللبناني وحركة المقاومة الاسلامية حماس في فلسطين وكذلك بيانه للشعب الكويتي (بيان صدر في الازمة طالب الشعب الكويتي التحرك لانهاء الوجود الامريكي فيه) الذي ولد وبصورة واضحة تحرك شعبي وديني بهذا الاتجاه تبلور في مؤتمرات هناك للمطالبة برفض الوجود الامريكي في الكويت وغيرها من المواقف العديدة التي اراد من خلالها السيد مقتدى الصدر ان يتحرك بصورة اقليمية ضمن ثابت صدري مشتركا فيه مع القوى الاخرى الا وهو رفض المحتل .
واعطى كذلك حص لتحريك الواقع العالمي وخصوصاً الشعوب الحرة والشعوب الذي تحتل قواتها العراق كخطابه للشعب الامريكي اكثر من مرة في محاولة لتحريك اكثر من ورقة ضمن فوائد شبه محتملة لمشترك واحد مع الجميع الا وهو رفض المحتل.
وهناك سؤال مفاده ان هذا التعامل المتشدد مع الاحتلال ومع الواقع السياسي المفروض قد يفقد التيار بعض المصالح والامتيازات وقد يحجم نفوذه السلطوي لابتعاده عن الحالة السياسية في البلد فيهمش بالتدريج وهو في خضم حالة تاسيس دوره السياسي ؟
وهذا الاعتراض رغم واقعيته وقوة طرحه الا انه يواجه ردود اقوى منها ان حالة الاحتلال وان طالت فانها زائلة لا اقل على مستوى وعود سلطة الاحتلال و بعد قيام حكومة دستورية منتخبة فيمكن حينذاك للتيار الصدري ان يدخل بقوة و بخلفية سياسية وطنية رائدة بعد حالة المقاومة و ببعد جماهيري واسع كما هو معلوم .
ثم انه هناك العديد من التيارات الوطنية والاسلامية لم تشارك في السلطة المؤقتة و كذلك ما شاهدناه من نسبة فشل كبيرة مني بها مجلس الحكم كمشروع سياسي تابع لسلطة الاحتلال وسقوط العديد من رموزه يجعل معادلة عدم الدخول معادلة اوفق بالنظرة المتأملة المبتنية على استعداد للمشاركة طويلة الامد وقوية وفعالة .
و يرى الكثير من المتابعين ان السيد مقتدى برفضه للاحتلال وبمقاومته له خلق موازنة بين السنة والشيعة في العراق وكافأ نسبة التعاطي مع الامريكان بين الطائفتين بل يرى آخرون انه رفع راس الشيعة عالياً ولولاه لكتب التاريخ عن الشيعة في العراق انهم عملاء للامريكان وجبناء وخاضعين ولكن صار للشيعة مستمسك اثباتي تدافع به عن نفسها وهو موقف السيد مقتدى الصدر وسيقول التاريخ ان الشيعة لم يخضعوا للمحتل ولم يسكتوا على وجوده وقاومه طائفة منهم.
هذا ما تصوره الفرد الذي فتح عيناه على مرجعية السيد الصدر داخل وخارج العراق
بل انما هي نهضة اسلامية وطنية بمعناها الشامل.
حينما نريد ان نتحدث عن التيار الصدري والقيادات التي برزت لتقود هذا الخط و المتبقي منها وتحديداً قيادة السيد مقتدى الصدر الذي شكل ظاهرة كبيرة ومؤثرة في الواقع الاسلامي في العراق.
خصوصاً وان ابرز ركن من اركان حركة السيد مقتدى الاتكال على الرصيد الاجتماعي والارث النسبي المميز الذي اعتمدته هذه الحركة النادرة.
والمفارقة الرئيسية هي انه ليس المجتمع المؤمن اختار قيادة اكثر قربا من الناحية النسبية للسيد الصدر بل ان المجتمع الصدري وعن وعي وبصيرة اختار الاقرب للثوابت الرئيسية التي عمقها السيد الصدر في نفوس ابناءه المؤمنين حتى ان الاعم الاغلب عند كل مفردة يحاول تطبيق الاداء مع ثوابت وخطوط الفكر الصدري
والمرحلة الرئيسية التي عاشها التيار هي حالة الاكتشاف والبحث عن قيادة جديدة ومعها على التوازي كانت عملية الكشف والمطابقة تنهال مع اداء وسلوك الجميع
فهل فعلاً انتهت مرحلة الكشف عن القيادة الجديدة بسقوط القيادات الأخرى التي حاولت ومن خلال السبل النزيهة وغير النزيهة اسقاط أي منافس
وما ترتب عليه من تحول التيار الى تيارات متقاطعة متصارعة في حركة قوية للبيان والبيان المضاد والتصريح والتصريح المعاكس وفي خضم هذا التسابق القيادي المتعدد بين اقطاب رئيسة في التيار الصدري بقي التيار محافظ على نفسه مع بزوغ شخص السيد مقتدى الصدر .
ولازالت العقلية الصدرية الواعية تميز وتفرز وتختلف على المواقف واشخاصها وكل ذلك ينعكس او قل يقاس على مرآة ثوابت محمد الصدر (قدس) وفي مخاض عسير وغريب يرافقه اندفاع عاطفي جماهيري نحو السيد مقتدى استقرت الامور عنده او قل عند مكتب السيد الشهيد
مع كل ذلك تمسك عنيف و واضح من قبل المكتب والسيد مقتدى بثوابت التيار بل تفريع لثوابت جديدة بحالة تأسيسية رائدة تحولت الى اسس تعاملية على المستوى السياسي والاجتماعي
مما وضع الجماهير بحالة توظيف شبه كاملة للدفاع عن نفسها وعن التيار الصدري وعن ثوابت السيد الصدر منصباً كل ذلك في شخص السيد مقتدى الصدر فتكونت قنوات اعلامية واسعة مدافعة ومثقفة في نفس الوقت كحالة واحدة منضغطة ( التيار ـ الثوابت ـ مقتدى) هذا كله ساعدت عليه ديناميكية الحالة الاجتماعية والواقع المرتبك الذي يعيشه العراق بعد سقوط النظام وحالة التكون السياسي والتحول الاديولوجي وحالات السقوط والبروز وما الى ذلك وسارت الامور في صعيد واحد بحالة من لابدية الارتباط بالسيد مقتدى والمكتب وألا فسيكون غير ذلك رهان خطير على ( التيار والثوابت ) وغير ذلك انما هو تيار جديد يحسب عليه .
واضح انه قد اثار مقتل السيد الصدر حالة من الاسى والحزن في الشارع العراقي في الداخل والخارج لما تأملت به الجماهير من منقذ من الظلم والجور والاستبداد ابان حكم الطاغية صدام وتركز الحزن بحالة ندم عميق عند الكثيرين من الذين لم ينصروا السيد الصدر او وقفوا ضده او ضد نهضته الاسلامية العارمة فبدأت موجة من العدول عن تقليد المراجع الموجودين لان الامة احبطت من المراجع الآخرين
بدأ السيد مقتدى الصدر يشعر بضرورة النزول الى ارض الواقع بعد غيبة جزئية وخلوة انضغطت فيها الساعات مع مواصلة دراسية ممتازة اثمرت ان شرع بتدريس دروس السطوح العليا وصار له وقت يلتقي فيه بالجماهير في جامع الراس رغم ان سيف النظام كان على رقبته وكنا نراه حينما يسير ولمفرده في الشارع يراقبه وبشكل علني اثنان على الاقل من جلاوزة الامن الا انه لم يكن يكترث بهما بل كان يتعامل كانه لايشعر بوجودهما اصلاً .
ولكن الكثيرين يعتقدون ان السيد مقتدى تحرك بعد سقوط النظام ولم يتحرك عند وجود النظام البعثي اطلاقاً وبدأ يقود الخط الصدري بعد احتلال العراق وهذا ليس بصحيح . ان سماحته تصدى قبل السقوط بفترة قليلة ولعل هذا الامر يعرفه معظم الطلبة المنتمين للتيار الصدري وكثير من الشباب المثقف .
أستطاع السيد مقتدى الصدر أن يخلق الموازنة في المعادلة الحرجة من خلال إصراره وتمسكه بكبريات الثوابت الصدرية ولا يمكن أن يفقد التيار بوجود مثله لأهم دعائمه التي تبنيه كتيار محمد الصدر كما أراده محمد الصدر فكانت الساحة الصدرية.
بعد السقوط فأن القضية بدت أكثر وضوحاً وأشد جلائاً نعم خط الصدر سياسياً وإعلاميا واجتماعيا يتزعمه السيد مقتدى الصدر واضمحلت المنافسة مع غيره حتى تجاور السيد مقدى الصدر التسابق مع القيادات في داخل التيار فصار يوضع كمعادل لزعماء التيارات الأخرى في داخل الحوزة وفي داخل الحالة الشيعية ومختلف الألوان السياسية بل صار مقتدى الصدر أيام المقاومة المسلحة العظيمة للاحتلال خيار وطني أسلامي بل إقليمي .
كان خيار التيار الصدري هو مقاومة الاحتلال بكل الوسائل ولم تكن المقاومة سياسية فقط بل تحولت الى مقاومة رائدة لأبطال جيش الإمام المهدي (ع) المنصور بالرعب الذين أذاقوا قوات الاحتلال المرار والضيم رغم التكتم والتآمر الإعلامي في الداخل والخارج .
وخطاب السيد مقتدى الصدر السياسي سواء كان في صلاة الجمعة او البيانات او التصريحات واضح في رفض الاحتلال والضغط عليه وكشف مؤامراته ومراجعة سريعة لمواقف السيد مقتدى وتصريحاته تكشف وبوضوح كيف ان سماحته وتيار الصدر كانا اشد الناقمين والرافضين للوجود الأمريكي في العراق والمبينين لمفاسده وخطورته .
حتى اني اذكر مثلاً ان السيد مقتدى الصدر اول من نبه على المعتقلين او إساءة المعاملة ضدهم وطالب بإطلاق سراحهم كما رفض تشكيل مجلس الحكم المنحل وبين انه قد سجل عليه نقطتين رئيسيتين :
1/ الفيتو الأمريكي ومؤداه الخضوع التام لسلطات بول بريمر وبقى رافض له مادام المجلس المذكور خاضع للمحتل.
2/ اقتصاره على تيارات محددة في الشارع العراقي اغلبها جاءت من الخارج
وقاطع وبشكل كامل كل حالة سياسية فيها خضوع او ارتباط مع المحتل وتحول الرفض الى ثقافة صدرية متناسبة مع طبيعة المرحلة السياسية التي يعيشها العراق وتحولت ثقافة رفض المحتل بعد الانتفاضة الصدرية المباركة المنصورة الى ركيزة أساسية صارت بالتالي واحدة من أهم ثوابت تيار الصدر .
تحول السيد مقتدى الصدر من ظاهرة صعبة الى مشكلة تواجهها قوى الاحتلال ومن ثم تضخم الواقع الى أزمة حقيقية تعيشها سلطات الاحتلال لا يمكن التعامل معها باي صورة الا صورة المهادنة والاحتواء وكان السيد مقتدى الصدر يرسم خارطة منضبطة لطبيعة تعامل تيار الصدر مع الاحتلال بالدرجة الأولى ولطبيعة التعامل مع عملاء الاحتلال في السلطة وخارجها وكذلك طبيعة تعامله مع المتعاونين معه فصار قرب الشخص او الجهة من المحتل ميزان للمعادلة السياسية التي تحرك في جوها الوعي الجماهيري الصدري وهذا ركز اطر جديدة ونامية لطبيعة الحوار الثقافي والسياسي مع جميع الوجودات الدينية والوطنية فصار ميزان النقد والثناء فعال جداً ويختلف مؤشره مع طبيعة الموقف تجاه المحتل كما حصل مع الدكتورة سلامة الخفاجي ( عضو مجلس الحكم) التي تحظى باحترام التيار الصدري وقد بني هذا الاحترام بالدرجة الاساس على مواقف الدكتورة الخفاجي من الاحتلال وعدم وقوفها ضد انتفاضة الصدر الثالث .
بينما كان الموقف الصدري ساخطاً على (احد رجال الدين ) الذي وقف في لهيب الأزمة ضد انتفاضة الصدر الثالث وكذلك ضد الخيار الإسلامي النزيه في مقاومة المحتل وكان يتحرك وبقوة ووضوح وعلنية مع إرادة المحتل وخصوصاً حينما طلب بوش من العراقيين حل مسألة مقتدى الصدر فكان اول المتبرعين لتلبية نداء بوش وقد كشف السيد مقتدى هذا الترابط في بيان صادر عنه( بيان صادر عنه جراء مظاهرات أخرجها المذكور ضد جيش المهدي) وان كان لم يشر للاسم الا ان الفكرة اذا ما اريد تطبيقها فإنها تنطبق عليه مباشرة .
اذن من ثوابت التيار الصدري رفض المحتل وهذا المفهوم حقيقة اذا ما اريد استيعابه فانه يختزن مفردات كثيرة مجملة ومفصلة يتحرك في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في الشارع العراقي بكل تأكيد وتؤسس عليه مشاريع عمل إستراتيجية باعتباره ثابت وطني إسلامي و هو عكس ما حصل للمتعاونين معه من مشاريع فشل مرحلية في استغنائهم عنه بل تجاوزهم الى مديات غير مسموح بها وطنياً وإسلاميا فمثلا قامت بعض الأجنحة العسكرية لبعض الأحزاب العراقية بمشاركة قوى الاحتلال عسكرياً في بعض العمليات التي حصلت لقمع الشعب العراقي والمقاومة وشاركوا بشكل شبه علني مع الأمريكان في الفلوجة وكربلاء وحتى النجف وكذلك الشرطة العراقية في الديوانية استخدمت كآلة لضرب شبابنا الشيعة في جيش المهدي بل وصل الأمر الى ما ورد ان بعض قيادات جيش المهدي (ع) القوا القبض على بعض الأشخاص الذين ينتمون الى بعض الحركات الشيعية او الاتجاهات الأسرية المترفة خصوصاً في النجف قد شاركوا المحتل في قنص مقاتلي جيش المهدي (ع) وهذا يعتبر تطور خطير على ان العلاقة بين أبناء البلد الواحد وبين أبناء المذهب الواحد وصلت الى مستوى منحط للغاية وثانيهما ان التعاون او العمالة للاحتلال وصلت بهؤلاء الى أقصى حدودها .
واذا ما تجاوزنا المشاركة العسكرية فقد كانت المشاركة السياسية اخطر اذ ان كثير من القوى الدينية والسياسية والشعبية اعتبرت نفسها والاحتلال طرف نزاع مع تيار الصدر وصارت في خندق واحد مع المحتل في عملية التجاذبات السياسية مع تيار الصدر.
عملية الصراع تحركت بشكل ديناميكي لصالح السيد مقتدى ولصالح ثابت رفض الاحتلال فنسج لتيار الصدر زياً اكثر اشراقاً عند الكثيرين من الذين يناوئون الاحتلال والولايات المتحدة الامريكية وهذا التصور وهذا التوظيف المقتدائي الرائد لهذا الثابت الصدري خدم الحالة الصدرية وطنياً واقليمياً او قل عالميا ً و على المدى الاستراتيجي المستقبلي .
اذا ما تأملنا لموازين القوى التي تسيطر على الشارع والحالة السياسية في العراق وكذلك الحالة الاقليمية الاسلامية المتحركة وبكل الاتجاهات ضد الاحتلال الأمريكي والاسرائيلي وضد السيطرة الاستكبارية و المصارعة للقوى الدولية في المنطقة .
اذا نظرنا من هذه النافذة الواسعة ولم نكن ضيقي او محدودي التعاطي وسريعي الحكم ومضطري التلقي فان رفض الاحتلال كثابت من ثوابت التيار الصدري سيقدم هذا التيار للحالة الدولية بصورة متميزة وللحالة الوطنية كنقطة فعالة ومؤثرة في مستقبل العراق على المدى البعيد .
كان السيد مقتدى الصدر ناجحاً في هذه العملية اذ انه وبألمعيه ونباهة اراد زج قوى اخرى سواء دينية كمحاولته لادخال ورقة المرجعية النجفية كورقة صراع في بعض مفاصل الرفض وخصوصاً حالات الضغط المعنوي والجماهيري ومن أوضحها ربطه لمسألة حل جيش المهدي (ع) بالمرجعية الدينية وكذلك ادخاله لقوى اقليمية نجحت في سلوكها المقاوم للاحتلال الاسرائيلي كاعلانه الدعم لحزب الله اللبناني وحركة المقاومة الاسلامية حماس في فلسطين وكذلك بيانه للشعب الكويتي (بيان صدر في الازمة طالب الشعب الكويتي التحرك لانهاء الوجود الامريكي فيه) الذي ولد وبصورة واضحة تحرك شعبي وديني بهذا الاتجاه تبلور في مؤتمرات هناك للمطالبة برفض الوجود الامريكي في الكويت وغيرها من المواقف العديدة التي اراد من خلالها السيد مقتدى الصدر ان يتحرك بصورة اقليمية ضمن ثابت صدري مشتركا فيه مع القوى الاخرى الا وهو رفض المحتل .
واعطى كذلك حص لتحريك الواقع العالمي وخصوصاً الشعوب الحرة والشعوب الذي تحتل قواتها العراق كخطابه للشعب الامريكي اكثر من مرة في محاولة لتحريك اكثر من ورقة ضمن فوائد شبه محتملة لمشترك واحد مع الجميع الا وهو رفض المحتل.
وهناك سؤال مفاده ان هذا التعامل المتشدد مع الاحتلال ومع الواقع السياسي المفروض قد يفقد التيار بعض المصالح والامتيازات وقد يحجم نفوذه السلطوي لابتعاده عن الحالة السياسية في البلد فيهمش بالتدريج وهو في خضم حالة تاسيس دوره السياسي ؟
وهذا الاعتراض رغم واقعيته وقوة طرحه الا انه يواجه ردود اقوى منها ان حالة الاحتلال وان طالت فانها زائلة لا اقل على مستوى وعود سلطة الاحتلال و بعد قيام حكومة دستورية منتخبة فيمكن حينذاك للتيار الصدري ان يدخل بقوة و بخلفية سياسية وطنية رائدة بعد حالة المقاومة و ببعد جماهيري واسع كما هو معلوم .
ثم انه هناك العديد من التيارات الوطنية والاسلامية لم تشارك في السلطة المؤقتة و كذلك ما شاهدناه من نسبة فشل كبيرة مني بها مجلس الحكم كمشروع سياسي تابع لسلطة الاحتلال وسقوط العديد من رموزه يجعل معادلة عدم الدخول معادلة اوفق بالنظرة المتأملة المبتنية على استعداد للمشاركة طويلة الامد وقوية وفعالة .
و يرى الكثير من المتابعين ان السيد مقتدى برفضه للاحتلال وبمقاومته له خلق موازنة بين السنة والشيعة في العراق وكافأ نسبة التعاطي مع الامريكان بين الطائفتين بل يرى آخرون انه رفع راس الشيعة عالياً ولولاه لكتب التاريخ عن الشيعة في العراق انهم عملاء للامريكان وجبناء وخاضعين ولكن صار للشيعة مستمسك اثباتي تدافع به عن نفسها وهو موقف السيد مقتدى الصدر وسيقول التاريخ ان الشيعة لم يخضعوا للمحتل ولم يسكتوا على وجوده وقاومه طائفة منهم.