المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نماذج من روايات التحريف في كتب أهل السنة


لبیک یا خامنئي
28-06-2010, 11:54 PM
نذكر هنا جملة من الروايات الموجودة في كتب أهل السنة ، ونبيّن ماورد في تأويلها ، وما قيل في بطلانها وإنكارها ، وعلى أمثال هذه النماذج يقاس ما سواها ، وهي على طوائف :
- الطائفة الاَُولى :

الروايات التي ذكرت سوراً أو آيات زُعِم أنّها كانت من القرآن وحُذِفت منه ، أو زعم البعض نسخ تلاوتها ، أو أكلها الداجن ، نذكر منها :
- الاَُولى : أنّ سورة الاَحزاب تعدل سورة البقرة :
1 ـ رُوي عن عائشة : «أنّ سورة الاَحزاب كانت تُقْرأ في زمان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=44216) في مائتي آية ، فلم نقدر منها إلاّ على ماهو الآن» ، (1). وفي لفظ الراغب : «مائة آية» ، (2).
2 ـ ورُوي عن عمر وأُبي بن كعب وعكرمة مولى ابن عباس : «أنّ سورة الاَحزاب كانت تقارب سورة البقرة ، أو هي أطول منها ، وفيها كانت آية الرجم» ، (3) .
3 ـ وعن حذيفة : «قرأتُ سورة الاَحزاب على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فنسيتُ منها سبعين آية ما وجدتها» ، (41).
وقد حمل ابن الصلاح المدّعى زيادته على التفسير ، وحمله السيوطي وابن حزم على نسخ التلاوة ، والمتأمّل لهذه الروايات يلاحظ وجود اختلاف فاحش بينها في مقدار ماكانت عليه سورة الاَحزاب ، الاَمر الذي يشير إلى عدم صحّة هذه النصوص وبطلانها ، أمّا آية الرجم الواردة في الحديث الثاني فستأتي في القسم الرابع من هذه الطائفة .
- الثانية : لو كان لابن آدم واديان...
رُوي عن أبي موسى الاَشعري أنّه قال لقرّاء البصرة : «كنّا نقرأ سورة نُشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملاَ جوف ابن آدم إلاّ التراب» ، (5).
وقد حمل ابن الصلاح هذا الحديث على السنة ، قال : «إنّ هذا معروف في حديث النبي (صلى الله عليه واله وسلم) على أنّه من كلام الرسول ، لا يحكيه عن ربِّ العالمين في القرآن ويؤيده حديث روي عن العباس بن سهل ، قال: سمعت ابن الزبير على المنبر يقول : «قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : لو أنّ ابن آدم أُعطي واديان..» وعدّه الزبيدي الحديث الرابع والاَربعين من الاَحاديث المتواترة وقال : «رواه من الصحابة خمسة عشر نفساً» ، (6). ورواه أحمد في (المسند) عن أبي واقد الليثي على أنّه حديث قدسيّ ،(7).
أمّا إخبار أبي موسى بأنّه كان ثمّة سورة تشبه براءة في الشدّة والطول ، فلو كانت لحصل العلم بها ، ولما غفل عنها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والصحابة وكُتّاب الوحي وحُفّاظه وقُرّاؤه .
---------------------------------------------------------------
الهوامش
(1) الاتقان 3 : 82 ، تفسير القرطبي 14 : 113 ، مناهل العرفان 1 : 273 ، الدر المنثور 6 : 560 .
(2) محاضرات الراغب 2 : 4 | 434 .
(3) الاتقان 3 : 82 ، مسند أحمد 5 : 132 ، المستدرك 4 : 359 ، السنن الكبرى 8 : 211 ، تفسير القرطبي 14 : 113 ، الكشاف 3 : 518 ، مناهل العرفان 2 : 111 ، الدر المنثور 6 : 559 .
(4) الدر المنثور 6 : 559 .
(5) صحيح مسلم 2 : 726 | 1050 .
(6) مقدمتان في علوم القرآن : 85 ـ 88 .
(7) مسند أحمد 5 : 219 .




الثالثة : سورتا الخلع والحفد

روي أنّ سورتي الخلع والحفد كانتا في مصحف ابن عباس وأُبي بن كعب وابن مسعود ، وأنّ عمر بن الخطاب قنت بهما في الصلاة ، وأنّ أبا موسى الاَشعري كان يقرأهما.. وهما :
1 ـ «اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك ، ونثني عليك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك» .
2 ـ «اللّهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إنّ عذابك بالكافرين ملحق»، (1).
وقد حملهما الزرقاني والباقلاني والجزيري وغيرهم على الدعاء ، وقال صاحب الانتصار : «إنّ كلام القنوت المروي : أنّ أُبي بن كعب أثبته في مصحفه ، لم تقم الحجّة بأنّه قرآن منزل ، بل هو ضرب من الدعاء ، ولو كان قرآناً لنقل إلينا وحصل العلم بصحّته» إلى أن قال : «ولم يصحّ ذلك عنه، وإنّما روي عنه أنّه أثبته في مصحفه ، وقد أثبت في مصحفه ما ليس بقرآن من دعاء أو تأويل.. الخ»، (2).
وقد روي هذا الدعاء في (الدر المنثور) والاتقان والسنن الكبرى و(المصنّف) وغيرها من عديد من الروايات عن ابن الضرس والبيهقي ومحمد بن نصر ، ولم يُصرّحوا بكونه قرآناً (3).
الرابعة : آية الرجم

روي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطاب ، قال : «إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم.. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله لكتبتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة ، نكالاً من الله ، والله عزيز حكيم . فإنّا قد قرأناها» ، (4).
وأخرج ابن أشتة في (المصاحف) عن الليث بن سعد ، قال : «إنّ عمر أتى إلى زيدٍ بآية الرجم ، فلم يكتبها زيد لاَنّه كان وحده» ، (5).
وقد حمل ابن حزم آية الرجم في (المحلى) على أنّها ممّا نسخ لفظه وبقي حكمه ، وهو حملٌ باطلٌ ، لاَنّها لو كانت منسوخة التلاوة لما جاء عمر ليكتبها في المصحف ، وأنكر ابن ظفر في (الينبوع) عدّها ممّا نسخ تلاوةً ، وقال : «لاَنّ خبر الواحد لا يُثبت القرآن» ، (6).
وحملها أبو جعفر النحاس على السُنّة ، وقال : «إسناد الحديث صحيحٌ، إلاّ أنّه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة، ولكنها سُنّةٌ ثابتةٌ ، وقد يقول الاِنسان كنتُ أقرأ كذا لغير القرآن ، والدليل على هذا أنّه قال : لولا أنّي أكره أن يقال زاد عمر في القرآن ، لزدته» ، (7) .
----------------------------------------------------------------
الهوامش
(1) مناهل العرفان 1 : 257 ، روح المعاني 1 : 25 .
(2) مناهل العرفان 1 : 264 .
(3) السنن الكبرى 2 : 210 ، المصنف لعبد الرزاق 3 : 212 .
(4) المستدرك 4 : 359 و 360 ، مسند أحمد 1 : 23 و 29 و 36 و 40 و 50 ، طبقات ابن سعد 3 : 334 ، سنن الدارمي 2 : 179 .
(5) الاتقان 3 : 206 .
(6) البرهان للزركشي 2 : 43 .
(7) الناسخ والمنسوخ : 8 .




الخامسة : آية الجهاد

رُوي أنّ عمر قال لعبد الرحمن بن عوف : «ألم تجد فيما أُنزل علينا : أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة ، فأنا لا أجدها ؟ قال : أُسقطت فيما أسقط من القرآن» ، (1).
- نقول : ألم يرووا في أحاديث جمع القرآن أنّ الآية تُكتَب بشهادة شاهدين من الصحابة على أنّها ممّا أنزل الله في كتابه ؟ فما منع عمر وعبدالرحمن بن عوف من الشهادة على أنّ الآية من القرآن وإثباتها فيه ؟ فهذا دليلٌ قاطعٌ على وضع هذه الرواية ، وإلاّ كيف سقطت هذه الآية المدّعاة عن كُتّاب القرآن وحُفّاظه في طول البلاد وعرضها ، ولم تبق إلاّ مع عمر وعبد الرحمن بن عوف ؟
السادسة : آية الرضاع

رُوي عن عائشة أنّها قالت :« كان فيما أُنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=44216) وهنّ ممّا يقرأ من القرآن»، (2).
لقد أوّل بعض المحقّقين خبر عائشة هذا بأنّه ليس الغرض منه أنّ ذلك كان آيةً من كتاب الله ، بل كان حكماً من الاَحكام الشرعية التي أوحى الله بها إلى رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) في غير القرآن ، وأمر القرآن باتّباعها ، فمعنى قولها: «كان فيما أُنزل من القرآن...» كان من بين الاَحكام التي أنزلها الله على رسوله وأمرنا باتّباعها في القرآن أن عشر رضعات يحرمن ، ثمّ نسخ هذا الحكم بخمس رضعات معلومات يحرمن ، وتوفي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهذا الحكم باقٍ لم ينسخ ، فأمّا كونه منزلاً موحى به فذلك لاَنّه (صلى الله عليه واله وسلم) لاينطق عن الهوى ، وأمّا كوننا مأمورين باتّباع ما جاء به الرسول من الاَحكام فلاَن الله تعالى قال : ( وَمَا آتاكُم الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَانَهاكُم عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ، ( الحشر59: 7.) وحمله البعض على أنّه ممّا نسخت تلاوته وحكمه فأبطلوه ، وهذا الحمل باطلٌ على ما سيأتي بيانه . لكن بعض الشافعية والحنابلة حملوه على نسخ التلاوة ، وذلك لا يصحّ لاَنّ الظاهر من الحديث أنّ النسخ كان بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=38287) وهو أمرٌ باطلٌ بالاجماع ، وقد ترك العمل بهذا الحديث مالك بن أنس وهو راوي الحديث ، وأحمد بن حنبل وأبو ثور وغيرهم ، وقال الطحاوي والسرخسي وغيرهما ببطلانه وشذوذه وعدم صحته ، ومن المتأخرين الاَُستاذ السايس وتلميذه الاَُستاذ العريض وعبد الرحمن الجزيري وابن الخطيب وغيرهم ، (4).
وهذا الحديث بلفظ «فتوفي رسول الله وهنّ ممّا يقرأ من القرآن» رواه أنس بن مالك عن عبدالله بن أبي بكر ، وقد رُوي عن غيره بدون هذا اللفظ، قال أبو جعفر النحاس : «قال بعض أجلّة أصحاب الحديث : قد روى هذا الحديث رجلان جليلان أثبت من عبد الله بن أبي بكر ، فلم يذكرا أنّ هذا فيه، وهما القاسم بن محمد بن أبي بكر ويحيى بن سعيد الاَنصاري»، (5)، وقال الطحاوي : «هذا ممّا لا نعلم أحداً رواه كما ذكرنا غير عبدالله بن أبي بكر ، وهو عندنا وهمٌ منه»، (6).
لكنّ خلوّ الرواية من هذا اللفظ لا يصحّح كونها قرآناً يُتلى ولا ينفيه ، قال صاحب المنار : «لو صحّ أنّ ذلك كان قرآناً يتلى لما بقي علمه خاصاً بعائشة ، بل كانت الروايات تكثر فيه ، ويعمل به جماهير الناس ، ويحكم به الخلفاء الراشدون ، وكل ذلك لم يكن» وقال : «إنّ ردّ هذه الرواية عن عائشة لاَهون من قبولها مع عدم عمل جمهور من السلف والخلف بها»، (7).
--------------------------------------------------------------------
الهوامش
(1) الاتقان 3 : 84 ، كنز العمال 2 : 567حديث | 4741 .
(2) صحيح مسلم 2: 1075|1452، سنن الترمذي 3: 456، المصنف للصنعاني 7: 467و 470..
(3) الفقه على المذاهب الاَربعة 4 : 259 .
(4) مشكل الآثار 3 : 6 ـ 8 ، الناسخ والمنسوخ : 10 ـ 11 ، أُصول السرخسي 2 : 78 ، فتح المنان: 223 ـ 230 ، التمهيد في علوم القرآن 2 : 282 ، الفقه على المذاهب الاربعة 4: 258 ـ 260.
(5) الناسخ والمنسوخ : 10 ـ 11 .
(6) مشكل الآثار 3 : 7 ـ 8 .
(7) تفسير المنار 4 : 472 .


السابعة : آية رضاع الكبير عشراً

رُوي عن عائشة أنَّها قالت : «نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً ، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=44216)وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها»، (1).
وظاهرٌ من هذه الرواية أنّه لم يحفظ القرآن ولم يكتبه غير عائشة ، وهو أمرٌ في غاية البعد والغرابة ، فأين سائر الصحابة والحُفّاظ والكتبة منهم ، قال السرخسي : «حديث عائشة لا يكاد يصحّ ؛ لاَنّ بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب ، ولا يتعذّر عليهم به إثباته في صحيفة أُخرى ، فعرفنا أنّه لاأصل لهذا الحديث» (2). أمّا بالنسبة لآية الرجم المذكورة في الحديث فقد تقدم أنّه لا يصحّ اعتبارها قرآنا لكونها من أخبار الآحاد ، وحكم الرجم من السنن الثابتة عن الرسول الاَكرم (صلى الله عليه واله وسلم) .
ثم إنّ هذا الحكم ـ في رضاع الكبير عشراً ـ قد انفردت به عائشة ، وعارضها فيه سائر أزواج النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، ولم تأخذ واحدة منهنّ بقولها في ذلك ، وأنكره أيضاً ابن مسعود على أبي موسى الاَشعري ، وقال : «إنّما الرضاعة ما أنبت اللحم والدم» فرجع أبو موسى عن القول به»، (3).
الثامنة : آية الصلاة على الذين يصلون في الصفوف الاَُولى !

عن حميدة بنت أبي يونس ، قالت : «قرأ عليّ أبي ، وهو ابن ثمانين سنة ، في مصحف عائشة : إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيُّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً وعلى الذين يصلون في الصفوف الاَُولى». قالت : «قبل أن يغيّر عثمان المصاحف» ، (4).
وظاهر أنّ هذا من الآحاد التي لايثبت بها قرآن ، وإلاّ فكيف فات هذا عن سائر الصحابة وكُتّاب الوحي منهم وحُفّاظه وجُمّاعه ، واختصت به عائشة دونهم ؟ ولو صحّ فهو روايةٌ عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ، فاعتقدت عائشة كونها من القرآن فكتبتها ، حيثُ روي عن البراء بن عازب أنّه قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : إنّ الله وملائكته يصلون على الصفوف الاَُوّل» ، (5)، وروي عن عائشة أنّها قالت : «قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : إنّ الله وملائكته يصلّون على الذين يَصِلُون الصفوف»، (6)، ولعلّه أيضاً ممّا يُكْتب في حاشية المصحف، حيث كانوا يسجّلون مايرون له أهميةً وشأناً في حاشية مصاحفهم الخاصّة.
----------------------------------------------------------
الهوامش
(1) مسند أحمد 6 : 269 ، المحلّى 11 : 235 ، سنن ابن ماجة 1 : 625 ، الجامع لاَحكام القرآن 14 : 113 .
(2) أُصول السرخسي 2 : 79 .
(3) جامع بيان العلم 2 : 105 .
(4) الاتقان 3 : 82 .
(5) المصنف لعبد الرزاق 2 : 484 .
(6) المستدرك 1 : 214 .




التاسعة : عدد حروف القرآن

أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب ، قال : «القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف» ، (1). بينما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار ، قال الذهبي : «تفرّد محمّد بن عبيد بهذا الخبر الباطل»، (2)، هذا فضلاً عن الاختلاف في رواية عدد الحروف ، فقد روي ألف ألف وواحد وعشرون ألفاً ومئة وخمسون حرفاً ، وقيل : غير ذلك ، الاَمر الذي يضعف الثقة بصحة صدورها .
وإذا صحّ ذلك فلعلّه من الوحي الذي ليس بقرآن كالاَحاديث القدسية؛ وقد لاحظنا في أدلّة نفي التحريف أنّه بلغ من الدقّة والتحرّي في ثبت آيات القرآن أن يحمل بعض الصحابة السيف لحذف حرف واحد منه ، فكيف يحذف ثلثاه ولم نجد معارضاً منهم ، ولا مطالباً بتدوين ما بقي من ثلثيه ؟! هذا فضلاً عن وجود كثير من الصحابة ممّن جمع القرآن كلّه أو بعضه في عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=44216)ـ كما سيأتي بيانه ـ حفظاً في الصدور ، أو تدويناً في القراطيس ، فكانت القراطيس شاهدة على ما في الصدور ، والصدور شاهدة على ما في القراطيس ، فكيف يضيع ثلثاه في حال كهذه؟!
وأخيراً فأنّ الملاحظ على كثير ممّا أدّعي أنّه من القرآن مخالفته لقواعد اللغة وأُسلوب القرآن الكريم وبلاغته السامية ، ممّا يدل على أنّه ليس بكلام الخالق تعالى ، وليست له طلاوته ، ولا به حلاوته وعذوبته ، وليست عليه بهجته ، بل يتبّرأ من ركاكته وانحطاطه وتهافته المخلوقون ، فكيف برب العالمين ، وسمّو كتابه المبين ؟!
ومن أراد الاطلاع على ماذكرناه ، فليراجع مقدمة (تفسير آلاء الرحمن)، للشيخ البلاغي ففيه مزيد بيان .
والملاحظ أيضاً أنّ قسماً منه هو من الاَحاديث النبوية ، أو من السُنّة والاَحكام التي ظنّوها قرآناً ، كما روي أنّ قوله (صلى الله عليه واله وسلم) : « الولد للفراش ، وللعاهر الحجر » هو آية ، ولا يشكّ أحدٌ في أنّه حديث . و الملاحظ أيضاً أنّ أغلبه روي بألفاظ متعدّدة وتعابير مختلفة ، فلو كان قرآناً لتوحّدت ألفاظه .
نسخ التلاوة

قسّموا النسخ في الكتاب العزيز إلى ثلاثة أقسام :
1 ـ نسخ الحكم دون التلاوة ، وهذا هو القسم الذي نطق به محكم التنزيل ، وهو المشهور بين العلماء والمفسرين ، وهو أمر معقولٌ مقبولٌ ، حيثُ إنّ بعض الاَحكام لم ينزل دفعةً واحدةً ، بل نزل تدريجياً لتألفه النفوس وتستسيغه العقول ، فنسخت تلك الاَحكام وبقيت ألفاظها ، لاَسرارٍ تربويةٍ وتشريعيةٍ يعلمها الله تعالى .
2 ـ نسخ التلاوة دون الحكم ، وقد مثّلوا له بآية الرجم ، فقالوا : إنّ هذه الآية كانت من القرآن ثمّ نسخت تلاوتها وبقي حكمها .
3 ـ نسخ التلاوة والحكم معاً ، وقد مثّلوا له بآية الرضاع .
وقد تقدّم في ثنايا البحث السابق أنّ البعض حمل قسماً من الروايات الدالة على النقصان على أنّها آيات نسخت تلاوتها وبقيت أحكامها ، أو نسخت تلاوةً وحكماً ، وذلك تحاشياً من التسليم بها الذي يفضي إلى القول بتحريف القرآن ، وفراراً من ردّها وتكذيبها الذي يؤول إلى الطعن في الكتب الصحاح والمسانيد المعتبرة ، أو الطعن في الاَعيان الذين نُقلت عنهم ، ولا شكّ أنّ القول بالضربين الاَخيرين من النسخ هو عين القول بالتحريف : وهو باطل لما يلي :
1 ـ يستحيل عقلاً أن يرد النسخ على اللفظ دون الحكم ، لاَنّ الحكم لابدّ له من لفظ يدلّ عليه ، فإذا رفع اللفظ فما هو الدليل الذي يدلّ عليه ؟
فالحكم تابع للّفظ ، ولا يمكن أن يرفع الاَصل ويبقى التابع .
2 ـ النسخ حكم ، والحكم لابدّ أن يكون بالنصّ ، ولا انفكاك بينهما ، ولا دليل على نسخ النصوص التي حكتها الآثار المتقدّمة وسواها ، إذ لم ينقل نسخها ولم يرد في حديث عن النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) في واحدٍ منها أنّها منسوخة ، والواجب يقتضي أن يُبلّغ الاَُمة بالنسخ كما بلّغ بالنزول ، وبما أنّ ذلك لم يحدث فالقول به باطل .
3 ـ الاَخبار التي زعم نسخ تلاوتها أخبار آحاد ، ولا تقوى دليلاً وبرهاناً على حصوله ، إذ صرحوا باتّفاق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد (3)، ونسبه القطّان إلى الجمهور (4)، وعلّله رحمة الله الهندي «بأنّ خبر الواحد إذا اقتضى عملاً ولم يوجد في الاَدلّة القاطعة مايدلّ عليه وجب ردّه» (5)، بل إنّ الشافعي وأصحابه وأكثر أهل الظاهر ، قد قطعوا بامتناع نسخ القران بالسُنّة المتواترة ، وبهذا صرّح أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، بل من قال بإمكان نسخ الكتاب بالسُنّة المتواترة منع وقوعه (6)، لذا لا تصحّ دعوى نسخ التلاوة مع بقاء الحكم أو بدونه ، حتّى لو ادّعي التواتر في أخبار النسخ ، فضلاً عن كونها أخبار آحاد ضعيفة الاسناد واهية المتن كما تقدّم .
4 ـ أنكر بعض المعتزلة وعامة علماء الاِمامية وأعلامهم الضربين الاَخيرين من النسخ واعتبروهما نفس القول بالتحريف ، وكذا أنكرهما أغلب علماء ومحققي أهل السنة المتقدمين منهم والمتأخرين ، وحكى القاضي أبو بكر في (الانتصار) عن قومٍ انكار الضرب الثاني منه (7)، وأنكره أيضاً ابن ظفر في كتاب (الينبوع) (8)، ونُقِل عن أبي مسلم «أنّ نسخ التلاوة ممنوع شرعاً»
---------------------------------------------------------------------
الهوامش
(1) الاتقان 1 : 242 .
(2) ميزان الاعتدال 3 : 639 .
(3) الموافقات للشاطبي 3 : 106 .
(4) مباحث في علوم القرآن : 237 .
(5) إظهار الحق 2 : 90 .
(6) الاحكام للآمدي 3 : 139 ، أُصول السرخسي 2 : 67 .
(7) البرهان في علوم القرآن 2 : 47 .
(8) البرهان في علوم القرآن 2 : 43 .


الطائفة الثانية : الروايات الدالّة على الخطأ واللحن والتغيير

الاَُولى : روي عن عثمان أنّه قال : «إنّ في المصحف لحناً ، وستقيّمه العرب بألسنتها . فقيل له : ألا تغيره ؟ فقال : دعوه ، فإنّه لا يحلّ حراماً ، ولايحرّم حلالاً»، (1).
حمل ابن أشتة اللحن الوارد في الحديث على الخطأ في اختيار ماهو أولى من الاَحرف السبعة ، وعلى أشياء خالف لفظُها رَسْمَها ، وهذا الحمل غير مستقيمٍ ، والاَولى منه هو ترك الرواية وتكذيبها وإنكارها ، كما فعل الداني والرازي والنيسابوري وابن الاَنباري والآلوسي والسخاوي والخازن والباقلاني وجماعة آخرين (2)، حيثُ صرّحوا أنّ هذه الرواية لايصحّ بها دليل ولا تقوم بمثلها حجّة ؛ لاَنّ إسنادها ضعيف ، وفيه اضطراب وانقطاع وتخليط ، ولاَنّ المصحف منقولٌ بالتواتر عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=44216) فلا يمكن ثبوت اللحن فيه ، ثمّ إنّ مابين الدفّتين هو كلام الله بإجماع المسلمين ، ولا يجوز أن يكون كلام الله لحناً وغلطاً ، وقد ذهب عامّة الصحابة وسائر علماء الاَُمّة من بعدهم إلى أنّه لفظ صحيح ليس فيه أدنى خطأ من كاتبٍ ولا من غيره ، واستدلّوا أيضاً على إنكار هذه الرواية بقولهم : إنّ عثمان جعل للناس إماماً ، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه لتقيّمه العرب بألسنتها ، أو يؤخّر شيئاً فاسداً ليصلحه غيره ؟! وإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيّموا ذلك ـ وهم الخيار وأهل اللغة والفصاحة والقدرة على ذلك ـ فكيف يتركون في كتاب الله لحناً يصلحه غيرهم ! ثمّ إنّ عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً بل كتب عدة مصاحف ، فلم تأتِ المصاحف مختلفة قطّ ، إلاّ فيما هو من وجوه القراءات والتلاوة دون الرسم ، وليس ذلك باللحن» (3).
والذي يهوّن الخطب في هذه الرواية ومثيلاتها الآتية أنّها برواية عكرمة مولى ابن عبّاس ، وكان من أعلام الضلال ودعاة السوء ، وكان يرى رأي الخوارج ، ويُضرب به المثل في الكذب والافتراء ، حتى قدح به الاَكابر وكذّبوه ، أمثال ابن عمر ومجاهد وعطاء وابن سيرين ومالك بن أنس والشافعي وسعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد ، وحرّم مالك الرواية عنه، وأعرض عنه مسلم (4).
--------------------------------------------------------
الهوامش
(1) الاتقان 2 : 320 ، 321 .
(2) تاريخ القرآن الكردي : 65 ، التفسير الكبير 11 : 105 ، تفسير النيسابوري 6 : 23 المطبوع في هامش تفسير الطبري ، تفسير الخازن 1 : 422 .
(3) روح المعاني 6 : 13 .
(4) أُنظر وفيات الاعيان 1 : 319 ، ميزان الاعتدال 3 : 93 ، المغني في الضعفاء 2 : 84 ، الضعفاء الكبير 3 : 373 ، طبقات ابن سعد 5 : 287 ، تهذيب الكمال 7 : 263 .




الثانية : روي عن ابن عباس في قوله تعالى : ( حَتّى تَسْتَأنِسُوا وتُسلّموا ). (النور24:27) قال : «إنّما هو (حتّى تستأذنوا) ، وأنّ الاَوّل خطأٌ من الكاتب»، (1)، والمراد بالاستئناس هنا الاستعلام ، أي حتى تستعلموا من في البيت ، فهذه الرواية مكذوبةٌ على ابن عباس ولا تصحّ عنه ؛ لاَنّ مصاحف الاِسلام كلّها قد ثبت فيها (حتى تَسْتَأنِسُوا) وصحّ الاِجماع فيها منذ عهد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=44216) وإلى الآن ، فلا يعوّل على مثل هذه الرواية ، قال الرازي : «إعلم أنّ هذا القول من ابن عبّاس فيه نظر ؛ لاَنّه يقتضي الطعن في القرآن الذي نُقِل بالتواتر ، ويقتضي صحّة القرآن الذي لم يُنْقَل بالتواتر ، وفَتح هذين البابين يطرق الشكّ في كلِّ القرآن ، وإنّه باطل» (2).
وقال أبو حيان : «من روى عن ابن عبّاس أنّ قوله تعالى : ( حَتّى تَسْتَأنِسوا ) خطأ أو وهمٌ من الكاتب ، وأنّه قرأ (حتى تَسْتَأذِنُوا) فهو كافرٌ في الاِسلام ، مُلْحِدٌ في الدين ، وابن عباس بريءٌ من هذا القول ، (3).
-----------------------------------------
الهوامش
(1) الاتقان 2 : 327 ، لباب التأويل 3 : 324 ، فتح الباري 11 : 7 .
(2) التفسير الكبير 23 : 196 .
(3) البحر المحيط 6 : 445 .


الثالثة : روى عروة بن الزبير عن عائشة : أنّه سألها عن قوله تعالى : (لكن الراسخون في العلم )، ( النساء4: 62 ) : ثمّ قال ( والمقيمين ) ، وفي المائدة : ( إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون )، و ( المائدة5: 69) ، ( إنّ هذان لساحران ) (طه20: 63) فقالت يابن أُختي ، هذا عمل الكُتّاب ، أخطأوا في الكتاب (1).
أمّا قوله تعالى : ( و المقيمين ) فانّه على العطف يكون (والمقيمون) كما في قراءة الحسن ومالك بن دينار ، والذي في المصاحف وقراءة أُبيّ والجمهور ( والمقيمين ) قال سيبويه : «نُصِب على المدح ، أي وأعني المقيمين» وذكر له شواهد وأمثلة من كلام العرب (2).
قال الآلوسي : «ولا يُلْتَفَت إلى من زعم أنّ هذا من لحن القرآن ، وأنّ الصواب (والمقيمون) بالواو.. إذ لا كلام في نقل النظم متواتراً ، فلا يجوز اللحن فيه أصلاً» ، (3).
وأمّا قوله تعالى : ( والصابئون )بالرفع فهو معطوفٌ على محلّ اسم إنّ.
قال الفراء : «ويجوز ذلك إذا كان الاسم ممّا لم يتبيّن فيه الاِعراب ، كالمضمر والموصول ، ومنه قول الشاعر :

فمن يكُ أمسى بالمدينة رحله فإنّي وقيارٌ بها لغريبَ
برفع (قيار) عطفاً على محلّ ياء المتكلّم»، (4)وقد أجاز الكوفيون والبصريون الرفع في الآية واستدلّوا بنظائر من كلام العرب .
وقال صاحب المنار : «قد تجرأ بعض أعداء الاِسلام على دعوى وجود الغلط النحوي في القرآن ، وعدّ رفع (الصابئين) هنا من هذا الغلط ، وهذا جمعٌ بين السخف والجهل ، وإنّما جاءت هذه الجرأة من الظاهر المتبادر من قواعد النحو ، مع جهل أو تجاهل أنّ النحو استنبط من اللغة ، ولم تستنبط اللغة منه»، (5).
وأمّا قوله تعالى : ( إنّ هَذانِ لَسَاحِرانِ ) فإنّ القراءة التي عليها جمهور المسلمين هي تخفيف إن المكسورة الهمزة ، فتكون مخففةٌ من الثقيلة غير عاملةٍ ، ورفع (هذان) .
قال الزمخشري : «إنّ هذان لساحران على قولك : إنّ زيد لمنطلق ، واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة» (6)، وعليه فلا إشكال في هذه الآية ، ولا لحن من الكُتّاب !
قال الرازي : «لما كان نقل هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن ، فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن ، وذلك يفضي إلى القدح في التواتر ، وإلى القدح في كلِّ القرآن ، وإنّه باطل»، (7).
------------------------
(1) الاتقان 2 : 320 .
(2) الكتاب 1 : 288 ـ 291 .
(3) روح المعاني 6 : 13 .
(4) معاني القرآن 1 : 310 ، مجمع البيان 3 : 346 ، صيانة القرآن من التحريف : 183 .
(5) تفسير المنار 6 : 478 .
(6) الكشاف 3 : 72 .
(7) التفسير الكبير 22 : 75 .




الرابعة : روي أنّ الحجاج بن يوسف غيّر في المصحف اثني عشر موضعاً ، منها :
1 ـ كانت في سورة البقرة2: 59 (لم يَتَسَنَّ) فغيّرها ( لم يَتَسَنَّه ) بالهاء.
2 ـ وكانت في سورة المائدة 4: 48(شريعةً ومنهاجاً) فغيّرها ( شِرعةً ومنهاجاً ) .
3 ـ وكانت في سورة يونس 10: 22(هو الذي ينشركم) فغيّرها ( هو الذي يسيّركم )، (1).
وهذه الاَمثلة ، وسواها منقولةٌ من (مصاحف السجستاني) برواية عباد ابن صهيب (2)، وعباد متروك الحديث لدى أئمّة الحديث والجرح والتعديل ، ومغموزٌ فيه بالكذب والاختلاق (3).
قال السيد الخوئي (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=84591) : «هذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين والاَطفال ، فإنّ الحجّاج واحدٌ من ولاة بني أُمية ، وهو أقصر باعاً وأصغر قدراً من أن ينال القرآن بشيءٍ ، بل هو أعجز من أن يغيّر شيئاً من الفروع الاِسلامية ، فكيف يغير ماهو أساس الدين وقوام الشريعة ؟! ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الاِسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها ؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه ، ولا ناقد في نقده مع مافيه من الاَهمية ، وكثرة الدواعي إلى نقله ؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته ؟ وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته ؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها ، ولم تشذّ عن قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة ، فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله» (4)، وقد بيّنا في أدلّة نفي التحريف أنّ خلفاء الصدر الاَول لم يجرأوا على حذف حرفٍ منه ، وقد بلغ من دقّة وتحرّي المسلمين أن يهدّدوا برفع السيف في وجه من يُقدِم على ذلك ، فكيف يتمكّن الحجّاج بعد اشتهار القرآن وتعدّد نسخه وحفّاظه أن يغيّر اثني عشر موضعاً من كتاب الله على مرأى ومسمع جمهور المسلمين ومصاحفهم ؟!
-------------------------------------------------------
الهوامش
(1) الفرقان : 50 .
(2) المصاحف : 49 .
(3) أُنظر المغني 2 : 326 | 3037 .
(4) البيان في تفسير القرآن : 219 .


الطائفة الثالثة : الروايات الدالّة على الزيادة .

1 ـ روي عن عبدالرحمن بن يزيد أنّه قال : «كان عبدالله بن مسعود يحكّ المعوذتين من مصحفه ، ويقول : إنّهما ليستا من كتاب الله» (1).
2 ـ وروي عن عبدالله بن مسعود أنّه لم يكتب الفاتحة في مصحفه ، وكذلك أُبي بن كعب (2). تقدّم في معنى التحريف أنّ التحريف بالزيادة في القرآن مجمعٌ على بطلانه ، لاَنّه يفضي إلى التشكيك في كتاب الله المتواتر يقيناً كلمةً كلمةً وحرفاً حرفاً ، ومن ينكر شيئاً من القرآن فإنّه يخرج عن الدين ، والنقل عن ابن مسعود غير صحيحٍ ، ومخالفٌ لما أجمع عليه المسلمون منذ عهد الرسالة وإلى اليوم من أنّ الفاتحة والمعوذتين من القرآن العزيز .
والرأي السائد بين العلماء في هاتين الروايتين هو إنكار نسبتهما إلى ابن مسعود، وقالوا: «إن النقل عنه باطل ومكذوب عليه» كما صرّح به الرازي وابن حزم والنووي والقاضي أبو بكر والباقلاني وابن عبد الشكور وابن المرتضى وغيرهم (3)، وقال الباقلاني : «إنّ الرواية شاذّة ومولّدة» (4) واستدلّوا على الوضع في هاتين الروايتين بما روي من قراءة عاصم عن زرّ ابن حبيش عن عبدالله بن مسعود ، وفيها الفاتحة والمعوذتين ، فلو كان ينكر كون هذه السور من القرآن ، لما قرأهما لزر بن حبيش، وطريق القراءة صحيح عند العلماء (5).
وقيل : إنّ ابن مسعود أسقط المعوذتين من مصحفه إنكاراً لكتابتهما ، لا جحداً لكونها قرآناً يُتلى ، أو لاَنّه سمع النبي (صلى الله عليه واله وسلم) (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=44216) يعوّذ بهما الحسن (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=74415) و الحسين (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=28208)عليهما السلام ، فظنّ أنّهما ليستا من القرآن ، فلمّا تبيّن له قرآنيتهما بعدُ ، وتمَّ التواتر ، وانعقد الاجماع على ذلك ، كان في مقدمة من آمن بأنّهما من القرآن فقرأهما لزرّ بن حبيش ، وأخذهما عاصم عن زرّ (6).
--------------------------------------------------
الهوامش
(1) مسند أحمد 5 : 129 ، الآثار 1 : 33 ، التفسير الكبير 1 : 213 ، مناهل العرفان 1 : 268 ، الفقه على المذاهب الاَربعة 4 : 258 ، مجمع الزوائد 7 : 149 .
(2) الجامع لاحكام القرآن 20 : 251 ، الفهرست لابن النديم : 29 ، المحاضرات 2 : 4 | 434 ، البحر الزخّار 249 .
(3) التفسير الكبير 1 : 213 ، فواتح الرحموت بهامش المستصفى 2 : 9 ، الاتقان 1 : 79 ، البحر الزخّار 2 : 249 ، المحلّى 1 : 13 .
(4) اعجاز القرآن بهامش الاتقان 2 : 194 .
(5) أُنظر البرهان للزركشي 2 : 128 ، شرح الشفاء للقاري 2 : 315 ، فواتح الرحموت 2 : 9 ، مناهل العرفان 1 : 269 ، المحلى 1 : 13 .
(6) شرح الشفاء 2 : 315 ، مناهل العرفان 1 : 269 .

موالي قطيفي
29-06-2010, 03:41 AM
بحث متميز اخي

يعيرونا باتحريف وهم امهات التحريف صدق مايستحوا من هالاحاديث

الداجن وشلته صدق وجوه قبيحه لاتهتز من العيوب


موفقين

لبیک یا خامنئي
30-06-2010, 04:38 PM
شكرا اخوي الكريم

عبد الحسن2
30-06-2010, 08:38 PM
بحث متميز اخي

يعيرونا باتحريف وهم امهات التحريف صدق مايستحوا من هالاحاديث

الداجن وشلته صدق وجوه قبيحه لاتهتز من العيوب


موفقين

شكرا لصاحب الموضوع على البحث المميز

ويا أخ موالي قطيفي:
إن اسلوب الوهابية في الكذب والتضليل والتدليس أسلوب له مفعوله القوي عند العامة.
فهذا من أهم اساليب الدعاية
أن يكون الطرف الظالم صاحب السلطة وأبواقه الاعلامية والشرعية مجردة من القيم والمعاني, لابد أن تلجأ إلى الاسلوب المضاد ورمي أهل الحق زورا بكل صفة خسيسة باطلة حتى يصدقها العوام.

لما استشهد الامام علي عليه السلام, كانت النقطة التي عجز الكثير من أهل الشام تصديقها أنه كان يصلي لما قتل, لأن الدعاية الأموية صورته في منابر المساجد على ألسنة أئمة المساجد المرتشين أنه كافر.
وهذه الدعاية مفعولها قوي في كل زمان. والإنسان محاسب في من يتبعه ويضله. وهنا العبرة.

فيا أهل السنة الكرام, إذا كانت الطواغيت تستطيع أن تسلبكم دنياكم ليتمتعوا على حسابكم فلا تجعلوهم يسلبون آخرتكم بإختياركم.

والله المستعان

موالي قطيفي
01-07-2010, 02:37 AM
كلامك عين الصواب

وصحيح وواقعي الوهابي مدرس ابليس وليس تلميد ابليس