أبو حيدر11
10-07-2010, 07:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
:: الهجوم والغارة على بيت فاطمة الزهراء عليها السلام ::
الغارة على بيت الوحي
رد سماحة المرجع آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي على مقالة بعنوان : اسطورة شهادة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
صدرت في الآونة الأخيرة مقالة لكاتب غير ملم بتاريخ الاسلام الصحيح يقطن منطقة سيستان و بلوجستان في شأن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تحت عنوان « اسطورة شهادة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) » . وبعد أن ذكر في هذه المقالة مناقب و فضائل لسيدة نساء العالمين ( عليها السلام ) ، سعى لانكار استشهادها ونفي ما جرى عليها من المصائب الكثيرة . و بما أنّ هذه المقالة تحمل تحريفاً واضحاً لتاريخ الاسلام ، كان لزوماً علينا فضح هذا التحريف وبيان بعض الحقائق التاريخية التي تثبت أنّ شهادة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) حقيقة تاريخية لا يعتريها الريب والشك ، ولولا أنّهم بدأوا بطرح هذه المسألة ، لما كنّا مستعدين لمتابعة هذا البحث في مثل هذه الظروف مستعدين لمتابعة هذا البحث .
النقاط التي نثيرها في هذا البحث كالتالي :
1 ـ عصمة الزهراء ( عليها السلام ) في كلام النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ) .
2 ـ مكانة دار الزهراء ( عليها السلام ) في القران والسنّة .
3 ـ هتك حرمة دار الزهراء ( عليها السلام ) بعد رحيل أبيها الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ببيان هذه النقاط الثلاث نأمل أن يذعن كاتب هذه المقالة لهذه الحقائق التاريخية ويندم على ما خطّه قلمه ، ويسعى إلى جبران ما صدر منه . وجدير بالذكر أنّ جميع مطالب هذا الكراس استخرجت من المنابع والمصادر المعروفة لأهل السنّة .
1 ـ عصمة الزهراء ( عليها السلام ) في كلام النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
كانت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تتمتع بمكانة عالية عند الله وعند أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والاحاديث النبوية الشريفة في حقّها تحكي عن عصمتها وطهارتها من الرجس والذنوب كلّها ، إذ يقول : فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني .(1)
ومن الواضح أنّ غضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) موجب لأذاه ومن يسبب الأذى لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقع مصداقاً لقوله تعالى : ( والّذينَ يُؤذُون رَسولَ اللهِ لَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ ) .(2)
وأي دليل أقوى على عصمتها ( عليها السلام ) أن رضاها رضى الله عزّوجلّ ، وغضبها غضب الله عزّوحلّ كما ورد في النبويّ الشريف : يا فاطمة إنّ الله يغضبُ لِغضبك ويَرضى لرضاك .(3)
وهذا المقام الرفيع ، هو الذي دعى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يلقبها بسيّدة نساء العالمين إذ يقول في حقّها : يا فاطمة ! ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العاليمن ، وسيّدة نساءِ هذه الاُمّة وسيّدة نساء المؤمنين .(4)
2 ـ مكانة دار الزهراء ( عليها السلام ) في القران والسنّة :
ذكر المحدّثون ، عندما نزلت الآية الشريفة : ( في بُيُوت أَذنَ اللهُ أنْ تُرفعَ ويُذكر فيها اسمه ) (5) قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذه الآية في المسجد فقام إليه رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : بيوت الأنبياء . فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله أهذا البيت منها ـ مشيراً إلى بيت علي وفاطمة ( عليهما السلام ) ـ ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم ) : نعم من أفاضلها ! .(6)
وبقي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تسعة أشهر بعد نزول هذه الآية ينادي عند مروره من جانب بيت فاطمة ( عليها السلام ) ـ وعلي ( عليه السلام ) ـ وهو ذاهب إلى صلاة الصبح : ( إنّما يُريد اللهُ لِيذهب عنكُم الرِّجس أهل البيت ويُطهّركُم تَطهيراً ) . (7)(8)
هذه التي هي مهبط وحي ومنبع النور الإلهي ، وقد أمر الله أن ترفع ويذكر اسمه .. . أجل هذه الدار التي تضمّ أصحاب الكساء وقد ذكرها الله عزّوجلّ بتبجيل واجلال ، يجب أن تكون محلّ تقدير واحترام المسلمين قاطبة . ولكن لنرى كم روعيت حرمة هذه الدار بعد رحيل النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ وكيف تجرؤوا على هتك حرمتها ؟ وقد اعترفوا بذلك بصراحة ، ومن هم اُولئك الهتاكون ، وما كانت بغيتهم ؟
3 ـ هتك حرمة دار الزهراء ( عليها السلام ) بعد رحيل والدها الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
أجل ، بعد الوصايا العديدة والمؤكّدة ، نرى - ومع الأسف - أن البعض قد تجرأ على هتك حرمة هذه الدار ، وليست هذه المسألة بالتي يمكن انكارها اطلاقاً . ونحن نورد نصوصاً في هذه المسألة من كتب و مصادر أهل السنّة ليتّضح أنّ مسألة هتك حرمة بيت الزهراء ( عليها السلام ) والاحداث التي تعقبت هذا الحادث إنّما هي حقيقة تاريخيّة مسلّمة وليست بالاسطورة بحال !! وبالرغم من أن عصر الخلفاء شهد رقابة شديدة بالنسبة للفضائل والمناقب ، ولكن بما أن ( حقيقة الشيء هي المحافظة له ) هذه الحقيقة التاريخيّة حُفظت بصورة حيّة في طيات الكتب التاريخ والمصادر الحديثية ، وعلى هذا فنحن نأخذ بنظر الاعتبار في نقلنا التاريخي من الوثائق والمصادر المعتبرة ترتيبها الزماني منذ القرون الاولى، وحتى المؤرخون والكتاب في العصر الحاضر :
1 ـ ابن أبي شيبة و كتابه المنصّف : نقل أبو بكر بن ابي شيبة ( 159 ـ 235 ) مؤلف كتاب المصنّف بسنده الصحيح :إنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم . فلما بلغ عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والله ما أحد أحبَّ إلينا من أبيك وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت ! قال : فلما خرج عمر جاؤوها ، فقالت : تعلمون أنّ عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليُحرقنّ عليكم البيت ، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه ! (9) .
2 ـ البلاذري في كتابه انساب الاشراف : نقل احمد بن يحيى جابر البغدادي البلاذري ( المتوفي 270 ) ـ الكاتب الشهير وصاحب التاريخ الكبير ـ هذه الواقعة التاريخية في كتابه انساب الاشراف : إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة ! فتلقته فاطمة على الباب . فقالت فاطمة : يابن الخطاب ، أتراك محرقاً عليّ بابي ؟ قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك ... ! (10) .
3 ـ ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة : كتب المؤرّخ الشهير عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ( 212 ـ 276 ) ـ من اساطين الادب في حوزة التاريخ الاسلامي ، ومؤلف كتاب تأويل مختلف الحديث و ادب الكاتب و ... ـ في كتاب الامامة والسياسة : إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لاحرقنّها على من فيها ، فقيل له : يا أباحفص إنّ فها فاطمة فقال : وإن !! (11) .
ثم كتب ابن قتيبة بعد هذه القضيّة المؤلمة يقول : ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتّى أتوا فاطمة فدقّوا الباب فلّما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها يا أبتاه يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب ، وابن أبي قحافة فلما سمع القوم صوتها وبكائها انصرفوا . وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليّاً فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له بايع . فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ فقالوا : إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك ... ! (12) .
لا ريب أن هذا الجانب من التاريخ يصعب على كثير من الناس قبوله والتصديق به ، ولذا تردد بعض في نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة ، والحال أنّ استاذ التاريخ ابن أبي الحيد اعتبر الكتاب المزبور من آثار ابن قتيبة ، وقد تكرر نقله لهذه المطالب منه، ولكن مع الأسف اصيبت عاقبة هذا الكتاب بالتحريف وحذف قسماً منه عند الطبع والحال أن نفس هذه المطالب قد وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد .
وهذا الزركلي في الاعلام وقد عدّ هذا الكتاب من آثار ابن قتيبة ثم أضاف : أنّ لبعض العلماء نظراً في نسبة هذا الكتاب ، أي أنّهم نسبوا الشك والتريد إلى الآخرين لا إلى أنفسهم ، (13) وكذلك اعتبر اليان سركيس (14) هذا الكتاب من آثار ابن قتيبة .
4 ـ الطبري وتاريخه : يروي محمّد ابن جرير الطبري ( المتوفي 310 ) في تاريخه قضيّة هتك حرمة دار الوحي بهذه الصورة: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ، فقال : والله لاحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه (15) .
يحكي لنا هذا الجانب من التاريخ أن البيعة أيضاً اُخذت من الناس بالقهر والقوة والتهديد ، فما قيمة مثل هذه البيعة ؟ على القارىء أن يحكم بنفسه .
5 ـ ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد : كتب شهاب الدين احمد المعروف بـ « ابن عبد ربه الاندلسي » مؤلف كتاب العقد الفريد ( المتوفي 463 هـ ) في كتابه بحثاً مفصّلاً حول تاريخ السقيفة أورده تحت عنوان « الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر وقال » : فأمّا على والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر ، عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فاقبل بقبس من نار أن يُضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا !! قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الاُمّة ! (16) .
إلى هنا ختمنا بحثنا حول تصميمهم على هتك حرمة بيت فاطمة ( عليها السلام ) ، والآن نتابع البحث الثاني الذي يتحدث عن عزمهم العملي لما يريدون .
لا ينبغي أن يتوهّم أنّ نيّتهم لم تكن سوى تخويف علي ( عليه السلام ) واصحابه وارغامهم على البيعة ، من دون العزم على ترجمة هذا التهديد على أرض الواقع العملي . وعندما نتابع البحث يتبيّن لنا أنّهم أقدموا على جريمة نكراء !
بدأ الغارة !
إلى هنا كان الحديث عمّا ورد في المصادر التاريخية عن سوء نيّة الخليفة وأعوانه في هذه الواقعة ، ولكن البعض لم يرغبوا أو لم يحالفهم الحظ في تصوير الفاجعة كما هي ، أي الهجوم على البيت و ... ولكنّهم ازاحوا الستار قليلاً عن وجه الحقيقة ، ونشير هنا إلى الوثائق التي تشير إلى تلك الغارة الشنيعة ( وفي هذا القسم أيضاً ننقل الحوادث التاريخية التي واكبت الغارة من مصادرها بالترتيب الزماني ) .
6 ـ ابو عبيد في كتابه الاموال : نقل أبو عبيد قاسم بن سلام ( المتوفي 224 ) في كتابه المسمى بـ «الاموال» الذي يعتبر مورد اعتماد فقهاء الاسلام : عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت على أبي بكر في مرضه عائداً ... فقال بعد كلام طويل : أجل إنّي لا آسى عن شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركتهن ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ـ إلى أن قال ـ فأمّا الثلاث التي فعلتهنّ وددت إنّى تركتهنّ .. ـ منها ـ فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته وأن أغلق على الحرب (17) .
عندما يصل أبو عبيد إلى هذا الكلام يقول بدل جملة : لم أكشف بيت فاطمة وتركته ثمّ يقول : كذا وكذا ويضيف بأنّه لا يرغب في التصريح ! ومع ذلك فكلما سعى أبو عبيد إلى طمس الحقيقة بسبب التعصب المذهبي أو لسبب آخر، فان المحققين لكتاب الاموال يذكرون في هامش الكتاب أن الجمل المحذوفة وردت في كتاب ميزان الاعتدال بالنحو المذكور آنفاً ومضافاً إلى ذلك فان الطبراني في معجمه و ابن عبد ربه في العقد الفريد وآخرين قد ذكروا تلك الجمل المحذوفة . ( فتدبر )
7 ـ الطبراني والمعجم الكبير : نقل ابو القاسم سليمان بن احمد الطبراني ( 260 ـ 360 ) ـ الذي يقول في حقّه الذهبي في ميزان الاعتدال : الحافظ الثبت المُعَمَّر ( 18 ) ـ في كتاب المعجم الكبير ـ والذي طبع كراراً ـ كلاماً حول أبي بكر وخطبه ووفاته : ودّ ابو بكر عند موته اموراً : ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركته ثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلته أمّا الثلاث اللائي وددت أني لم أفعلهنّ فوددت إنّي لم أكن أكشف بيت فاطمة وتركته ... (19) .
هذه الكلمات تكشف لنا بوضوح أن تهديدات عمر قد تحققت عملياً ، ولو كان هذا أمراً بسيطاً لما تأسف عليه الخليفة في آخر عمره .
8 ـ ابن عبد ربه والعقد الفريد : نقل ابن عبد ربه الاندلسي مؤلف كتاب العقد الفريد ( المتوفي 463 هـ ) في كتابه عن عبد الرحمن بن عوف : دخلت على أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه ... قال : أمّا الثلاث التي فعلتهنّ وددت أني تركتهن ـ منها ـ : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شىء و ان كانوا اغلقوه على الحرب ووددت انّى لم أكن حرقت الفجاءة السّلمي ... ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة قَدْ رَميْتُ الأمر في عنق اَحَدِ رجلين - يريد عمر وأبا عبيدة (20) .
9 ـ كلام النظّام في كتابه الوافي بالوفيات : نقل ابراهيم بن سيار نظام المعتزلي ( 160 ـ 231 ) ـ الذي عرف بالنظّام لروعة كلامه في نظمه ونثره ـ ما وقع بعد حضورهم في دار فاطمة ( عليها السلام ) في كتب متعددة وقال : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها (21) . ويا لها من مصيبة فادحة !
10 ـ المبرد في كتاب الكامل : كتب محمّد بن يزيد بن عبد الأكبر البغدادي ( 210 ـ 285 ) الاديب والكاتب الشهير وصاحب المؤلفات القيمة ، في كتابه الكامل عن عبد الرحمن بن عوف قضيّة تمنيات الخليفة : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته ولو أغلق على الحرب (22) .
11 ـ المسعودي و مروج الذهب : كتب المسعودي ( المتوفي 325 ) في مروج الذهب : لمّا احتُضِرَ ـ أي أبو بكر ـ قال: أجل إنّي لا آسى عن شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركتهن ـ منها ـ وددت أنّي لم أكن فتشت بيت فاطمة وذكر في ذلك كلاماً كثيراً (23) .
إنّ المسعودي رغم أنّه يميل عاطفياً إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) ولكنه احترز هنا عن تقرير كلام الخليفة واكتفى بالكناية : ولكنّ الله يعلم وكذلك يعلم عباده بذلك .
12 ـ ابن أبي دارم في كتاب ميزان الاعتدال : نقل احمد بن محمّد المعروف بـ « ابن أبي دارم » المحدّث الكوفي ( المتوفي 357 ) إذ يقول محمّد بن أحمد بن حماد الكوفي في مدحه كان مستقيم الأمر ، عامة دهره ، نظراً إلى مكانته هذه يقول، قُرأ هذا الحديث في محضره : إنّ عمر رفس فاطمة حتى اسقطت بمحسن ! (24) . أجل ! ما عشت اراك الدهر عجباً !
13 ـ عبد الفتاح عبد المقصود في كتابه الإمام علي : نقل الغارة على دار الوحي في موردين ونحن نكتفي بواحد منهما ، قال عمر: والذي نفس عمر بيده ، ليخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها ! قالت له طائفة خافت الله ، ورعت الرسول في عقبه : يا أبا حفص، إنّ فيها فاطمة ... ! فصاح لا يبالي وإن ... . واقترب وقرع الباب ، ثم ضربه واقتحمه ... وبدا له علي ... ورنّ حينذاك صوت فاطمة عند مدخل الدار ... فان هي إلاّ طنين استغاثة ... (25) .
الاستغاثة ممن ؟ ومن أيّ شيء ؟!
14 - كتاب مقاتل بن عطية : نختم هذا البحث بحديث آخر من كتاب مقاتل ابن عطية في كتاب الامامة والسياسة ( رغم أنّ ما لم يقل أكثر مما قال ) .
كتب في هذا الكتاب : إن أبا بكر بعد أخذ البيعة لنفسه من الناس بالارهاب والسيف والقوة أرسل عمر، وقنفذاً وجماعة إلى دار علي وفاطمة ( عليهم السلام ) وجمع عمر الحطب على دار فاطمة واحرق باب الدار ... (26) .
فلم يكن هذا مجرّد تهديد وارهاب !
النتيجة : هل يصحّ أن يقال مع كلّ هذه الوثائق التاريخية الصريحة المأخوذة بصورة عامة من كتب أهل السنّة المشهورة أنّ استشهادها كان « اسطورة » ؟ اين الإنصاف ؟ ومن البديهي أنّ كلّ من يقرأ هذا البحث الموجز والذي يقوم على اساس الوثائق والمصادر المعتبرة سوف يدرك جيداً ما حصل من شدة الفتنة بعد رحيل الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما ارتكب من أعمال من أجل نيل الحكومة والخلافة وهذه هي الحجّة التامة الدامغة على جميع من يتحرك في فهم الاحداث التاريخية من موقع العقل والانصاف وبعيد عن التعصب والعناد لاننا لا نكتب شيئاً سوى ما ورد في المصادر المعتمدة المعروفة ، ولو فرض فرضاً غير مقبول ، المناقشة في بعضها ففي الباقي غنى وكفاية والله الهادي إلى سواء السبيل .
____________________________________
1 . فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج 7، ص 63; ونقل البخاري أيضاً هذا الحديث في باب مناقب فاطمة، ج 4، ص 219; وأخرجه المغازي في أواخر، ج 8، ص 110.
2 . سورة التوبة، الآية 61.
3 . مستدرك الحاكم، ج3، ص154; مجمع الزوائد، ج9، ص203; وأورد الحاكم في كتابه المستدرك احاديث جامعة لشرائط الصحة التي يرى البخاري ومسلم لزوم توفرها في صحة الحديث.
4 . مستدرك الحاكم، ج3، ص156.
5 . سورة النور، الآية 36.
6 . الدر المنثور، ج 5، ص 50; تفسير سورة النور، روح المعاني، ج 18، ص 174.
7 . سورة الاحزاب، الآية 33.
8 . الدر المنثور، ج 5، ص 199.
9 . المصنّف ابن أبي شبية، ج 8، ص 572.
10 . انساب الاشراف، ج1، ص586 مطبعة دار المعارف، القاهرة.
11 . الإمامة والسياسة، ص12، طبعة المكتبة التجارية الكبرى، بمصر.
12 . الامامة والسياسة، ص13.
13 . الاعلام، ج 4، ص 137.
14 . معجم المطبوعات العربية، ج1، ص212.
15 . تاريخ الطبري، ج2، ص443، طبع بيروت.
16 . العقد الفريد، ج 4، ص 259، طبع مكتبة دارالكتب العربى، بيروت.
17 . الاموال، الهامش 4، طبع ونشر كليات الازهرية، الاموال، ص144، طبع بيروت وكذلك ابن عبد ربه في العقد الفريد، ج4، ص93، نقله كما سنشير اليه.
18 . ميزان الاعتدال، ج2، ص195.
19 . المعجم الكبير الطبراني، ج1، ص62، رقم الحديث 34، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.
20 . العقد الفريد، ج 4، ص 268، طبع مكتبة دارالكتب العربى، بيروت.
21 . الوافي بالوفيات، ج6، ص17، الرقم 2444; الملل النحل للشهرستاني، ج1، ص57، مطبعة دار المعرفة، بيروت، وراجع ترجمة النظّام في كتاب «بحوث الملل والنحل» ج3، ص248 ـ 255.
22 . شرح نهج البلاغة، ج2، ص46 و 47، طبع مصر.
23 . مروج الذهب، ج3، ص301، طبع دار الاندلس، بيروت
24 . ميزان الاعتدال، ج 1، ص 139.
25 . عبد الفتاح عبد المقصود، علي بن أبي طالب ،ج4، ص276 ـ 277.
26 . كتاب الامامة والخلافة، ص160، ص161، تأليف مقاتل بن عطية طبع مع مقدمة الدكتور حامد داود استاذ جامعة عين الشمس بالقاهرة، طبع بيروت، ومؤسسة البلاغ.
والله ولي التوفيق وبهِ نستعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
:: الهجوم والغارة على بيت فاطمة الزهراء عليها السلام ::
الغارة على بيت الوحي
رد سماحة المرجع آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي على مقالة بعنوان : اسطورة شهادة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
صدرت في الآونة الأخيرة مقالة لكاتب غير ملم بتاريخ الاسلام الصحيح يقطن منطقة سيستان و بلوجستان في شأن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تحت عنوان « اسطورة شهادة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) » . وبعد أن ذكر في هذه المقالة مناقب و فضائل لسيدة نساء العالمين ( عليها السلام ) ، سعى لانكار استشهادها ونفي ما جرى عليها من المصائب الكثيرة . و بما أنّ هذه المقالة تحمل تحريفاً واضحاً لتاريخ الاسلام ، كان لزوماً علينا فضح هذا التحريف وبيان بعض الحقائق التاريخية التي تثبت أنّ شهادة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) حقيقة تاريخية لا يعتريها الريب والشك ، ولولا أنّهم بدأوا بطرح هذه المسألة ، لما كنّا مستعدين لمتابعة هذا البحث في مثل هذه الظروف مستعدين لمتابعة هذا البحث .
النقاط التي نثيرها في هذا البحث كالتالي :
1 ـ عصمة الزهراء ( عليها السلام ) في كلام النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ) .
2 ـ مكانة دار الزهراء ( عليها السلام ) في القران والسنّة .
3 ـ هتك حرمة دار الزهراء ( عليها السلام ) بعد رحيل أبيها الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ببيان هذه النقاط الثلاث نأمل أن يذعن كاتب هذه المقالة لهذه الحقائق التاريخية ويندم على ما خطّه قلمه ، ويسعى إلى جبران ما صدر منه . وجدير بالذكر أنّ جميع مطالب هذا الكراس استخرجت من المنابع والمصادر المعروفة لأهل السنّة .
1 ـ عصمة الزهراء ( عليها السلام ) في كلام النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
كانت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تتمتع بمكانة عالية عند الله وعند أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والاحاديث النبوية الشريفة في حقّها تحكي عن عصمتها وطهارتها من الرجس والذنوب كلّها ، إذ يقول : فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني .(1)
ومن الواضح أنّ غضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) موجب لأذاه ومن يسبب الأذى لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقع مصداقاً لقوله تعالى : ( والّذينَ يُؤذُون رَسولَ اللهِ لَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ ) .(2)
وأي دليل أقوى على عصمتها ( عليها السلام ) أن رضاها رضى الله عزّوجلّ ، وغضبها غضب الله عزّوحلّ كما ورد في النبويّ الشريف : يا فاطمة إنّ الله يغضبُ لِغضبك ويَرضى لرضاك .(3)
وهذا المقام الرفيع ، هو الذي دعى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يلقبها بسيّدة نساء العالمين إذ يقول في حقّها : يا فاطمة ! ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العاليمن ، وسيّدة نساءِ هذه الاُمّة وسيّدة نساء المؤمنين .(4)
2 ـ مكانة دار الزهراء ( عليها السلام ) في القران والسنّة :
ذكر المحدّثون ، عندما نزلت الآية الشريفة : ( في بُيُوت أَذنَ اللهُ أنْ تُرفعَ ويُذكر فيها اسمه ) (5) قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذه الآية في المسجد فقام إليه رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : بيوت الأنبياء . فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله أهذا البيت منها ـ مشيراً إلى بيت علي وفاطمة ( عليهما السلام ) ـ ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم ) : نعم من أفاضلها ! .(6)
وبقي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تسعة أشهر بعد نزول هذه الآية ينادي عند مروره من جانب بيت فاطمة ( عليها السلام ) ـ وعلي ( عليه السلام ) ـ وهو ذاهب إلى صلاة الصبح : ( إنّما يُريد اللهُ لِيذهب عنكُم الرِّجس أهل البيت ويُطهّركُم تَطهيراً ) . (7)(8)
هذه التي هي مهبط وحي ومنبع النور الإلهي ، وقد أمر الله أن ترفع ويذكر اسمه .. . أجل هذه الدار التي تضمّ أصحاب الكساء وقد ذكرها الله عزّوجلّ بتبجيل واجلال ، يجب أن تكون محلّ تقدير واحترام المسلمين قاطبة . ولكن لنرى كم روعيت حرمة هذه الدار بعد رحيل النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ وكيف تجرؤوا على هتك حرمتها ؟ وقد اعترفوا بذلك بصراحة ، ومن هم اُولئك الهتاكون ، وما كانت بغيتهم ؟
3 ـ هتك حرمة دار الزهراء ( عليها السلام ) بعد رحيل والدها الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
أجل ، بعد الوصايا العديدة والمؤكّدة ، نرى - ومع الأسف - أن البعض قد تجرأ على هتك حرمة هذه الدار ، وليست هذه المسألة بالتي يمكن انكارها اطلاقاً . ونحن نورد نصوصاً في هذه المسألة من كتب و مصادر أهل السنّة ليتّضح أنّ مسألة هتك حرمة بيت الزهراء ( عليها السلام ) والاحداث التي تعقبت هذا الحادث إنّما هي حقيقة تاريخيّة مسلّمة وليست بالاسطورة بحال !! وبالرغم من أن عصر الخلفاء شهد رقابة شديدة بالنسبة للفضائل والمناقب ، ولكن بما أن ( حقيقة الشيء هي المحافظة له ) هذه الحقيقة التاريخيّة حُفظت بصورة حيّة في طيات الكتب التاريخ والمصادر الحديثية ، وعلى هذا فنحن نأخذ بنظر الاعتبار في نقلنا التاريخي من الوثائق والمصادر المعتبرة ترتيبها الزماني منذ القرون الاولى، وحتى المؤرخون والكتاب في العصر الحاضر :
1 ـ ابن أبي شيبة و كتابه المنصّف : نقل أبو بكر بن ابي شيبة ( 159 ـ 235 ) مؤلف كتاب المصنّف بسنده الصحيح :إنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم . فلما بلغ عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والله ما أحد أحبَّ إلينا من أبيك وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت ! قال : فلما خرج عمر جاؤوها ، فقالت : تعلمون أنّ عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليُحرقنّ عليكم البيت ، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه ! (9) .
2 ـ البلاذري في كتابه انساب الاشراف : نقل احمد بن يحيى جابر البغدادي البلاذري ( المتوفي 270 ) ـ الكاتب الشهير وصاحب التاريخ الكبير ـ هذه الواقعة التاريخية في كتابه انساب الاشراف : إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة ! فتلقته فاطمة على الباب . فقالت فاطمة : يابن الخطاب ، أتراك محرقاً عليّ بابي ؟ قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك ... ! (10) .
3 ـ ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة : كتب المؤرّخ الشهير عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ( 212 ـ 276 ) ـ من اساطين الادب في حوزة التاريخ الاسلامي ، ومؤلف كتاب تأويل مختلف الحديث و ادب الكاتب و ... ـ في كتاب الامامة والسياسة : إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لاحرقنّها على من فيها ، فقيل له : يا أباحفص إنّ فها فاطمة فقال : وإن !! (11) .
ثم كتب ابن قتيبة بعد هذه القضيّة المؤلمة يقول : ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتّى أتوا فاطمة فدقّوا الباب فلّما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها يا أبتاه يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب ، وابن أبي قحافة فلما سمع القوم صوتها وبكائها انصرفوا . وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليّاً فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له بايع . فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ فقالوا : إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك ... ! (12) .
لا ريب أن هذا الجانب من التاريخ يصعب على كثير من الناس قبوله والتصديق به ، ولذا تردد بعض في نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة ، والحال أنّ استاذ التاريخ ابن أبي الحيد اعتبر الكتاب المزبور من آثار ابن قتيبة ، وقد تكرر نقله لهذه المطالب منه، ولكن مع الأسف اصيبت عاقبة هذا الكتاب بالتحريف وحذف قسماً منه عند الطبع والحال أن نفس هذه المطالب قد وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد .
وهذا الزركلي في الاعلام وقد عدّ هذا الكتاب من آثار ابن قتيبة ثم أضاف : أنّ لبعض العلماء نظراً في نسبة هذا الكتاب ، أي أنّهم نسبوا الشك والتريد إلى الآخرين لا إلى أنفسهم ، (13) وكذلك اعتبر اليان سركيس (14) هذا الكتاب من آثار ابن قتيبة .
4 ـ الطبري وتاريخه : يروي محمّد ابن جرير الطبري ( المتوفي 310 ) في تاريخه قضيّة هتك حرمة دار الوحي بهذه الصورة: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ، فقال : والله لاحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه (15) .
يحكي لنا هذا الجانب من التاريخ أن البيعة أيضاً اُخذت من الناس بالقهر والقوة والتهديد ، فما قيمة مثل هذه البيعة ؟ على القارىء أن يحكم بنفسه .
5 ـ ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد : كتب شهاب الدين احمد المعروف بـ « ابن عبد ربه الاندلسي » مؤلف كتاب العقد الفريد ( المتوفي 463 هـ ) في كتابه بحثاً مفصّلاً حول تاريخ السقيفة أورده تحت عنوان « الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر وقال » : فأمّا على والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر ، عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فاقبل بقبس من نار أن يُضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا !! قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الاُمّة ! (16) .
إلى هنا ختمنا بحثنا حول تصميمهم على هتك حرمة بيت فاطمة ( عليها السلام ) ، والآن نتابع البحث الثاني الذي يتحدث عن عزمهم العملي لما يريدون .
لا ينبغي أن يتوهّم أنّ نيّتهم لم تكن سوى تخويف علي ( عليه السلام ) واصحابه وارغامهم على البيعة ، من دون العزم على ترجمة هذا التهديد على أرض الواقع العملي . وعندما نتابع البحث يتبيّن لنا أنّهم أقدموا على جريمة نكراء !
بدأ الغارة !
إلى هنا كان الحديث عمّا ورد في المصادر التاريخية عن سوء نيّة الخليفة وأعوانه في هذه الواقعة ، ولكن البعض لم يرغبوا أو لم يحالفهم الحظ في تصوير الفاجعة كما هي ، أي الهجوم على البيت و ... ولكنّهم ازاحوا الستار قليلاً عن وجه الحقيقة ، ونشير هنا إلى الوثائق التي تشير إلى تلك الغارة الشنيعة ( وفي هذا القسم أيضاً ننقل الحوادث التاريخية التي واكبت الغارة من مصادرها بالترتيب الزماني ) .
6 ـ ابو عبيد في كتابه الاموال : نقل أبو عبيد قاسم بن سلام ( المتوفي 224 ) في كتابه المسمى بـ «الاموال» الذي يعتبر مورد اعتماد فقهاء الاسلام : عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت على أبي بكر في مرضه عائداً ... فقال بعد كلام طويل : أجل إنّي لا آسى عن شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركتهن ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ـ إلى أن قال ـ فأمّا الثلاث التي فعلتهنّ وددت إنّى تركتهنّ .. ـ منها ـ فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته وأن أغلق على الحرب (17) .
عندما يصل أبو عبيد إلى هذا الكلام يقول بدل جملة : لم أكشف بيت فاطمة وتركته ثمّ يقول : كذا وكذا ويضيف بأنّه لا يرغب في التصريح ! ومع ذلك فكلما سعى أبو عبيد إلى طمس الحقيقة بسبب التعصب المذهبي أو لسبب آخر، فان المحققين لكتاب الاموال يذكرون في هامش الكتاب أن الجمل المحذوفة وردت في كتاب ميزان الاعتدال بالنحو المذكور آنفاً ومضافاً إلى ذلك فان الطبراني في معجمه و ابن عبد ربه في العقد الفريد وآخرين قد ذكروا تلك الجمل المحذوفة . ( فتدبر )
7 ـ الطبراني والمعجم الكبير : نقل ابو القاسم سليمان بن احمد الطبراني ( 260 ـ 360 ) ـ الذي يقول في حقّه الذهبي في ميزان الاعتدال : الحافظ الثبت المُعَمَّر ( 18 ) ـ في كتاب المعجم الكبير ـ والذي طبع كراراً ـ كلاماً حول أبي بكر وخطبه ووفاته : ودّ ابو بكر عند موته اموراً : ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركته ثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلته أمّا الثلاث اللائي وددت أني لم أفعلهنّ فوددت إنّي لم أكن أكشف بيت فاطمة وتركته ... (19) .
هذه الكلمات تكشف لنا بوضوح أن تهديدات عمر قد تحققت عملياً ، ولو كان هذا أمراً بسيطاً لما تأسف عليه الخليفة في آخر عمره .
8 ـ ابن عبد ربه والعقد الفريد : نقل ابن عبد ربه الاندلسي مؤلف كتاب العقد الفريد ( المتوفي 463 هـ ) في كتابه عن عبد الرحمن بن عوف : دخلت على أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه ... قال : أمّا الثلاث التي فعلتهنّ وددت أني تركتهن ـ منها ـ : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شىء و ان كانوا اغلقوه على الحرب ووددت انّى لم أكن حرقت الفجاءة السّلمي ... ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة قَدْ رَميْتُ الأمر في عنق اَحَدِ رجلين - يريد عمر وأبا عبيدة (20) .
9 ـ كلام النظّام في كتابه الوافي بالوفيات : نقل ابراهيم بن سيار نظام المعتزلي ( 160 ـ 231 ) ـ الذي عرف بالنظّام لروعة كلامه في نظمه ونثره ـ ما وقع بعد حضورهم في دار فاطمة ( عليها السلام ) في كتب متعددة وقال : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها (21) . ويا لها من مصيبة فادحة !
10 ـ المبرد في كتاب الكامل : كتب محمّد بن يزيد بن عبد الأكبر البغدادي ( 210 ـ 285 ) الاديب والكاتب الشهير وصاحب المؤلفات القيمة ، في كتابه الكامل عن عبد الرحمن بن عوف قضيّة تمنيات الخليفة : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته ولو أغلق على الحرب (22) .
11 ـ المسعودي و مروج الذهب : كتب المسعودي ( المتوفي 325 ) في مروج الذهب : لمّا احتُضِرَ ـ أي أبو بكر ـ قال: أجل إنّي لا آسى عن شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركتهن ـ منها ـ وددت أنّي لم أكن فتشت بيت فاطمة وذكر في ذلك كلاماً كثيراً (23) .
إنّ المسعودي رغم أنّه يميل عاطفياً إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) ولكنه احترز هنا عن تقرير كلام الخليفة واكتفى بالكناية : ولكنّ الله يعلم وكذلك يعلم عباده بذلك .
12 ـ ابن أبي دارم في كتاب ميزان الاعتدال : نقل احمد بن محمّد المعروف بـ « ابن أبي دارم » المحدّث الكوفي ( المتوفي 357 ) إذ يقول محمّد بن أحمد بن حماد الكوفي في مدحه كان مستقيم الأمر ، عامة دهره ، نظراً إلى مكانته هذه يقول، قُرأ هذا الحديث في محضره : إنّ عمر رفس فاطمة حتى اسقطت بمحسن ! (24) . أجل ! ما عشت اراك الدهر عجباً !
13 ـ عبد الفتاح عبد المقصود في كتابه الإمام علي : نقل الغارة على دار الوحي في موردين ونحن نكتفي بواحد منهما ، قال عمر: والذي نفس عمر بيده ، ليخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها ! قالت له طائفة خافت الله ، ورعت الرسول في عقبه : يا أبا حفص، إنّ فيها فاطمة ... ! فصاح لا يبالي وإن ... . واقترب وقرع الباب ، ثم ضربه واقتحمه ... وبدا له علي ... ورنّ حينذاك صوت فاطمة عند مدخل الدار ... فان هي إلاّ طنين استغاثة ... (25) .
الاستغاثة ممن ؟ ومن أيّ شيء ؟!
14 - كتاب مقاتل بن عطية : نختم هذا البحث بحديث آخر من كتاب مقاتل ابن عطية في كتاب الامامة والسياسة ( رغم أنّ ما لم يقل أكثر مما قال ) .
كتب في هذا الكتاب : إن أبا بكر بعد أخذ البيعة لنفسه من الناس بالارهاب والسيف والقوة أرسل عمر، وقنفذاً وجماعة إلى دار علي وفاطمة ( عليهم السلام ) وجمع عمر الحطب على دار فاطمة واحرق باب الدار ... (26) .
فلم يكن هذا مجرّد تهديد وارهاب !
النتيجة : هل يصحّ أن يقال مع كلّ هذه الوثائق التاريخية الصريحة المأخوذة بصورة عامة من كتب أهل السنّة المشهورة أنّ استشهادها كان « اسطورة » ؟ اين الإنصاف ؟ ومن البديهي أنّ كلّ من يقرأ هذا البحث الموجز والذي يقوم على اساس الوثائق والمصادر المعتبرة سوف يدرك جيداً ما حصل من شدة الفتنة بعد رحيل الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما ارتكب من أعمال من أجل نيل الحكومة والخلافة وهذه هي الحجّة التامة الدامغة على جميع من يتحرك في فهم الاحداث التاريخية من موقع العقل والانصاف وبعيد عن التعصب والعناد لاننا لا نكتب شيئاً سوى ما ورد في المصادر المعتمدة المعروفة ، ولو فرض فرضاً غير مقبول ، المناقشة في بعضها ففي الباقي غنى وكفاية والله الهادي إلى سواء السبيل .
____________________________________
1 . فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج 7، ص 63; ونقل البخاري أيضاً هذا الحديث في باب مناقب فاطمة، ج 4، ص 219; وأخرجه المغازي في أواخر، ج 8، ص 110.
2 . سورة التوبة، الآية 61.
3 . مستدرك الحاكم، ج3، ص154; مجمع الزوائد، ج9، ص203; وأورد الحاكم في كتابه المستدرك احاديث جامعة لشرائط الصحة التي يرى البخاري ومسلم لزوم توفرها في صحة الحديث.
4 . مستدرك الحاكم، ج3، ص156.
5 . سورة النور، الآية 36.
6 . الدر المنثور، ج 5، ص 50; تفسير سورة النور، روح المعاني، ج 18، ص 174.
7 . سورة الاحزاب، الآية 33.
8 . الدر المنثور، ج 5، ص 199.
9 . المصنّف ابن أبي شبية، ج 8، ص 572.
10 . انساب الاشراف، ج1، ص586 مطبعة دار المعارف، القاهرة.
11 . الإمامة والسياسة، ص12، طبعة المكتبة التجارية الكبرى، بمصر.
12 . الامامة والسياسة، ص13.
13 . الاعلام، ج 4، ص 137.
14 . معجم المطبوعات العربية، ج1، ص212.
15 . تاريخ الطبري، ج2، ص443، طبع بيروت.
16 . العقد الفريد، ج 4، ص 259، طبع مكتبة دارالكتب العربى، بيروت.
17 . الاموال، الهامش 4، طبع ونشر كليات الازهرية، الاموال، ص144، طبع بيروت وكذلك ابن عبد ربه في العقد الفريد، ج4، ص93، نقله كما سنشير اليه.
18 . ميزان الاعتدال، ج2، ص195.
19 . المعجم الكبير الطبراني، ج1، ص62، رقم الحديث 34، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.
20 . العقد الفريد، ج 4، ص 268، طبع مكتبة دارالكتب العربى، بيروت.
21 . الوافي بالوفيات، ج6، ص17، الرقم 2444; الملل النحل للشهرستاني، ج1، ص57، مطبعة دار المعرفة، بيروت، وراجع ترجمة النظّام في كتاب «بحوث الملل والنحل» ج3، ص248 ـ 255.
22 . شرح نهج البلاغة، ج2، ص46 و 47، طبع مصر.
23 . مروج الذهب، ج3، ص301، طبع دار الاندلس، بيروت
24 . ميزان الاعتدال، ج 1، ص 139.
25 . عبد الفتاح عبد المقصود، علي بن أبي طالب ،ج4، ص276 ـ 277.
26 . كتاب الامامة والخلافة، ص160، ص161، تأليف مقاتل بن عطية طبع مع مقدمة الدكتور حامد داود استاذ جامعة عين الشمس بالقاهرة، طبع بيروت، ومؤسسة البلاغ.
والله ولي التوفيق وبهِ نستعين.