الحوزويه الصغيره
16-07-2010, 05:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الحمد لله رب العالمين، الذي لا تضره ذنوب المذنبين وأفعال العاصين.
إنَّ الله سبحانه وتعالى لم يأمرنا بشيء ولم ينهنا عن شيء إلا لمصلحة لنا في هذا الأمر أو النهي.
والمخالف للأحكام الشرعية عاصٍ يستحق العقاب بمقتضى العدالة الإلهية التي لا تطغى، والغنية عن العباد وعذابهم.. ولكن ارتكاب المحرمات وإتيان الذنوب مخالف لطبيعة العلاقات الإنسانية، والسنن الفطرية التي أودعها الله سبحانه وتعالى فينا.
فالمرتكب للذنوب والمحرمات فضلاً عن أنه يخسر الآخرة. وذلك هو الخسران المبين.. إلا أنه أيضاً يجر التعاسة إلى نفسه والوبال على حياته، فيعيش منغصاً قلقاً حزيناً نتيجة ما اقترفته يداه.
فللذنوب المرتكبة آثار وتبعات كثيرة وعديدة تظهر على حياة الإنسان ونشاطه ومستقبله وعقله وعلاقاته الاجتماعية وراحته النفسية وضميره الحي وغيرها من النواحي التي تؤثر تأثيراً مباشراً على وجوده واستقراره.
فقد نطقت الآيات والروايات والأخبار والآثار أن للذنوب بصمات تتركها على الظاهر من وجود الإنسان وباطنه..
وبتحديد أدقّ وأوضح، فإن للذنوب آثاراً على قلب الإنسان وعقله وعلمه ونعمته ونفسه ومبادئه وما يصيبه من آفات وآلام.. ونحن نرى ذلك بوضوح، إذا تأملنا بالآتي: فللذنوب والمعاصي آثار مؤلمة لأنها بطبعها مخالفة لمشيئة الله وأوامره ونواهيه التي لا شك أنها جاءت لمصلحة الإنسان وإن لم يظهر ذلك له.
فالقلب في صفائه وطهارته يشكل صفحة بيضاء نقية، تزداد نوراً وتألّقاً بالعبادات والطاعات وحسن النيَّة والتوجّه والإخلاص.. كما أنها تظهر عليها الآثار السوداء القاتمة لمجرّد ذنب صغير أو معصية عابرة.. فكيف إذا كان الذنب كبيراً والمعصية مقيمة!.
وإذا ابتلي الإنسان بذنب فهو يظهر على شاشة القلب بسرعة ويمكن أن يغلب البياض الأصيل على السواد الطارىء، إذا صفت النيَّة وصدقت التوبة والإنابة وكان الاستغفار بشروطه.
وأما إذا تْبعَ الذنب بذنب آخر، فإن ذلك يساعد على تمكين السواد والظلمة لتؤثر على شكل القلب ومحتواه وما يتصل به من عمل أو قرار.. مما قد يؤدي، لا سمح الله، إلى الشرك والضلال.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أذنب الرجل خرج من قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً".
وفي مضمون هذه الرواية روايات كثيرة أيضاً. وبما أن القلب يؤثر على جوارح الإنسان، فإنه إذا أحيط بالمعاصي تصاب أعضاؤه وإحساساته وعواطفه بخلل أو ارتباك أو سوء أو شلل، كما قد يحدث لليد، أو اللسان، أو الوجه، أو الدمعة التي قد تختفي من الوجود أساساً.
أفلا نلاحظ جميعاً، يا أخي وحبيبي أن فترة تمر علينا لا تدمع العين فيها دمعة واحدة في مجلس عزاء حسيني أو دعاء مؤثر؟.. أفلا نتساءل عن هذه الظاهرة، وما هو سببها؟!.
خذ جوابها يا عزيزي من لسان علي عليه السلام حيث يقول: "ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب".
أعَرفْنا الآن لِمَ لم نبكِ منذ فترة طيولة!؟!..
إن القلب المقترف للذنوب، يظهر ارتباكه أحياناً كثيرة على الأطراف واللسان، فيتخبّط ويتلعثم من دون أرادة، وإليك توضيح ذلك أيضاً على لسان طبيب نفوسنا علي بن أبي طالب عليه السلام حيث يقول: "ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه".
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "لكل ظاهر باطن على مثاله، فما طاب ظاهره، طاب باطنه، وما خبث ظاهره خبث باطنه".
ترى! ماذا ينفع العبد الذي يتمظهر بمظهر المؤمن المطيع، وهو يعلم أنه كاذب في حقيقة أمره؟ أليس الأجدى به والأنفع لدنياه وآخرته أن يصلح بينه وبين الله، ليصلح الله تعالى بينه وبين الخلق. فمن أصلح جوَّانيه أصلح برَّانيه، ومن أراد وجه الله أناله الله وجهه، ووجوه الخلق.
هذا موجز من آثار الذنوب على القلب والجوارح. أما آثار الذنوب على العلم فحاصلة، لأن القراءة والمطالعة والبحث والدراسة والكتابة بحاجة إلى توجّه وانتباه وتيقّظ، وهذا لا يكون في حالات القلق والخوف والحذر التي ترافق الذنوب عادة.
من هنا فإننا نرى صنفاً من الناس يقرأ دون أن يفهم، ويسمع دون أن يعي، ويحفظ من غير أن يضبط، ويطالع من دون أن يستوعب...
بل أكثر من ذلك: نرى صنفاً من الناس يسلبون العلوم التي كانوا قد تعلموها، والعياذ بالله، لاستغراقهم في الذنوب وتماديهم في المعاصي، فيتلهون عمَّا كانوا قد تعبوا في جمعه وحفظه، أو أنَّ الله سبحانه يسلبهم تلك العلوم لكي لا يستعملوها في إضلال الناس، أو لهوى الدنيا، أو للتستر وراءها.
ويصوِّر هذه الحالة المؤلمة حديث شريف ورد عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول فيه: "اتّقوا الذنوب فإنها ممحقة للميزان، إن العبد ليذنب الذنب، فينسى به العلم الذي كان قد علمه".
وليكن معلوماً أن المشاكل العامة: السياسية والاقتصادية، لا تؤثّر على التحصيل العلمي بقدر الأسباب النفسية المتردّية الناتجة عن ارتكاب الذنوب التي لا تؤثر فقط على تحصيل العلم بل تساهم في نسيان وفقدان ما كان قد علِمَه.
وأما آثار الذنوب على العقل، فلأنها منافية للأسس العقلية والمنطقية، والدلائل الواضحات الباهرات في وجوب شكر المنعم سبحانه وطاعته، وحرمة مخالفته. والعقل السليم يحكم بوجوب تجنب المعاصي لمجرّد احتمال العقاب والجزاء، فكيف يخالف كل هذه القواعد رغبة في شهوة عابرة زائلة!.
يقول رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "من قارف ذنباً فارقه عقل لا يرجع إليه أبداً".
وللذنوب أيضاً آثار سلبية على الرزق والنعم، فبالشكر تدوم النعم. وبديهي أن المعصية ليست من الشكر، بل من الكفر. وكثير من النِعم مرتبطة، في دوامها وبقائها واستمرارها أو زيادتها، بالطاعة لله سبحانه. فاقتراف المعصية يؤدي إلى اضمحلالها وزوالها، إلى درجة أن بعض الروايات تشير إلى أنه ما من نعمة تُفقد إلا نتيجة ذنب يعمله.
فعن الصادق عليه السلام قال: "ما أنعم الله على عبد نعمة قط، فسلبها إيَّاه، حتى يذنب ذنباً يستحق بذلك السلب".
وعن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنه قال: " إحذروا الذنوب، فإن العبد يذنب الذنب فيحبس عنه الرزق".
أما آثار الذنوب على العبادة فهي واضحة جداً، خاصة إذا لاحظنا أن المذنب، بذنبه، منصرف عن العبادة والطاعة والواجب والمستحبات.. فضلاً عن الآثار المؤلمة المقيمة التي ترافقه إلى أجل ليس بقليل.
من هنا يلاحظ المذنب جفاءً في صلاته وصومه وصدقته.. وقد يؤدِّي ذلك إلى سوء في التوفيق في تركه لبعض الواجبات أو المستحبات، كما ورد في رواية عن الصادق عليه السلام: "إن الرجل يذنب الذنب، فيُحرَم صلاة الليل، وإنَّ العمل السيّء أسرع في صاحبه من السكِّين في اللحم".
ونلاحظ من مجموع ما تقدم أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين أعمال الإنسان وبين النظام الكوني، فإذا سار الإنسان بحسب ما تقتضيه الفطرة السليمة نزلت عليه الخيرات وفتحت عليه البركات. قال تعالى:
{ولو أنَّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذَّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}.
وبالمقابل، إذا أفسد الناس أعمالهم كان لذلك تأثير عظيم عليهم، حتى في البرِّ والبحر. قال جلَّ من قائل:
{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلَّهم يرجعون}.
بعد هذا هل من حقّنا أن نتساءل عن تسارع المصيبات علينا أو إحاطتها بنا، والسبب أنفسنا؟!
{أو لمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتُم مثليها قلتم أنَّى هذا قل هو من عند أنفسكم}.
إنَّه في الحقيقة بما كسبت أيدينا، وإن كان الله سبحانه يعفو عن كثير، بلطفه وشمول رحمته.
والتمادي في الذنوب، أحياناً كثيرة، يؤدِّي بالإنسان إلى مصائب وفواجع لم يكن ينتظرها أو يتوقعها، فتُنَغِّص عليه معيشته وتنال من استقراره..
فلا نستغرب إذا سمعنا أحياناً بأنواع جديدة من الأمراض، أو الابتلاءات، أو المشاكل المستعصية، والظواهر المصيّرة، على صعيد الفرد والمجتمع، لأن اختراع أنواع جديدة من الذنوب استكباراً على الله سبحانه وتعالى لا يمنعه من أن يبتلينا بأنواع جديدة من الابتلاءات لم نعهدها من قبل. وسلام الله على الإمام الرِّضا حيث يقول: "كلَّما أحْدَث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدَثَ الله لهم بذلك من البلاء ما لم يكونوا يعرفون".
من خلال هذه الرواية المباركة، نستطيع أن نفهم ظواهر بعض الأمراض المستعصية التي ظهرت مؤخّراً في العالم، كمرض "الإيدز" وبعض أنواع السرطان، وأمراض أخرى لم تُعرف أسبابها، فضلاً عن علاجاتها.
{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
ونفهم أيضاً، حالات الخراب الشامل لبعض القرى، والمدن في لبنان وغيره، والتي اشتهرت بفسقها وفجورها، إذا رجعنا إلى قوله تعالى:
{وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مُتْرفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمَّرناها تدميراً}.
أيها المؤمنون الأحبّاء، إنَّ تمادينا في ارتكاب المعاصي واستمرارنا في إظهار المنكر وتجاهرنا بالذنوب كلّ هذا سيجعله الله سبحانه، وبالاً وخسارة علينا في الدنيا، ناهيكم عن عقاب الآخرة.
هكذا حصل بالذين من قبلنا: أُهلكوا بذنوبهم. وهكذا يحصل بنا: نُهلك بذنوبنا، أهلكوا بالرغم من قوَّتهم في الأرض، ورزقهم الواسع، والحضارة المزيّفة.. كل ذلك بذنوبهم: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ مكَّناهم في الأرض ما لم نُمَكِّن لهم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم...}.
أيها الأخوة المؤمنون: إن الظلم والبغي والقتل وشرب الخمر والزنا وقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، تؤدي إلى تغيُّر النِّعم، وتورِث الندم، وتنزل النقم، وتحبس الرزق، وتعجل الفناء، وتردُّ الدعاء، وتمنع غيث السماء.
أيها الأخوة المؤمنون: إن الذنوب تؤثّر على المسيرة الكونية، فلسنا وحدنا في هذا الكون، بل هناك مخْلوقات أخرى معنا يصيبها بسبب ذنوبنا بلاء كثير. ففي عهد سليمان بن داود عليه السلام أصاب الناس قحط شديد، فشكوا ذلك إليه، فلمَّا صلَّى الغداة مضى ومضوا، فلما أن كان في بعض الطريق، إذا هو بنملة رافعة يدها إلى السماء، واضعة قدميها إلى الأرض وهي تقول: "اللَّهمَّ، إنَّا خَلْق من خَلْقِكَ، ولا غنى بنا عن رزقك، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم". فقال سليمان عليه السلام: "ارجعوا فقد سقيتم بغيركم". فَسُقُوا في ذلك العام ما لم يُسقوا مثله قط.
أيها المؤمنون: لعلَّ الله سبحانه يحجب عنَّا العذاب، لوجود أطفال رُضّع، أو شيوخ رُكّع، أو بهائم رتّع، أو شباب خُشَّع.. فلنرحم أنفسنا ولْنَتَّقِ فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا منَّا خاصة، لأن البلاء إذا نزل عمَّ.
"اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء".
اللهم اغفر لي كل ذنب اذنبته وكل خطيئة أخطأتها
اللهم اني اتقرب اليك بذكرك واستشفع بك الى نفسك
نسألكم الدعاء
مما راق لي
تقبلوا تحيتي
اللهم صل على محمد وآل محمد
الحمد لله رب العالمين، الذي لا تضره ذنوب المذنبين وأفعال العاصين.
إنَّ الله سبحانه وتعالى لم يأمرنا بشيء ولم ينهنا عن شيء إلا لمصلحة لنا في هذا الأمر أو النهي.
والمخالف للأحكام الشرعية عاصٍ يستحق العقاب بمقتضى العدالة الإلهية التي لا تطغى، والغنية عن العباد وعذابهم.. ولكن ارتكاب المحرمات وإتيان الذنوب مخالف لطبيعة العلاقات الإنسانية، والسنن الفطرية التي أودعها الله سبحانه وتعالى فينا.
فالمرتكب للذنوب والمحرمات فضلاً عن أنه يخسر الآخرة. وذلك هو الخسران المبين.. إلا أنه أيضاً يجر التعاسة إلى نفسه والوبال على حياته، فيعيش منغصاً قلقاً حزيناً نتيجة ما اقترفته يداه.
فللذنوب المرتكبة آثار وتبعات كثيرة وعديدة تظهر على حياة الإنسان ونشاطه ومستقبله وعقله وعلاقاته الاجتماعية وراحته النفسية وضميره الحي وغيرها من النواحي التي تؤثر تأثيراً مباشراً على وجوده واستقراره.
فقد نطقت الآيات والروايات والأخبار والآثار أن للذنوب بصمات تتركها على الظاهر من وجود الإنسان وباطنه..
وبتحديد أدقّ وأوضح، فإن للذنوب آثاراً على قلب الإنسان وعقله وعلمه ونعمته ونفسه ومبادئه وما يصيبه من آفات وآلام.. ونحن نرى ذلك بوضوح، إذا تأملنا بالآتي: فللذنوب والمعاصي آثار مؤلمة لأنها بطبعها مخالفة لمشيئة الله وأوامره ونواهيه التي لا شك أنها جاءت لمصلحة الإنسان وإن لم يظهر ذلك له.
فالقلب في صفائه وطهارته يشكل صفحة بيضاء نقية، تزداد نوراً وتألّقاً بالعبادات والطاعات وحسن النيَّة والتوجّه والإخلاص.. كما أنها تظهر عليها الآثار السوداء القاتمة لمجرّد ذنب صغير أو معصية عابرة.. فكيف إذا كان الذنب كبيراً والمعصية مقيمة!.
وإذا ابتلي الإنسان بذنب فهو يظهر على شاشة القلب بسرعة ويمكن أن يغلب البياض الأصيل على السواد الطارىء، إذا صفت النيَّة وصدقت التوبة والإنابة وكان الاستغفار بشروطه.
وأما إذا تْبعَ الذنب بذنب آخر، فإن ذلك يساعد على تمكين السواد والظلمة لتؤثر على شكل القلب ومحتواه وما يتصل به من عمل أو قرار.. مما قد يؤدي، لا سمح الله، إلى الشرك والضلال.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أذنب الرجل خرج من قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً".
وفي مضمون هذه الرواية روايات كثيرة أيضاً. وبما أن القلب يؤثر على جوارح الإنسان، فإنه إذا أحيط بالمعاصي تصاب أعضاؤه وإحساساته وعواطفه بخلل أو ارتباك أو سوء أو شلل، كما قد يحدث لليد، أو اللسان، أو الوجه، أو الدمعة التي قد تختفي من الوجود أساساً.
أفلا نلاحظ جميعاً، يا أخي وحبيبي أن فترة تمر علينا لا تدمع العين فيها دمعة واحدة في مجلس عزاء حسيني أو دعاء مؤثر؟.. أفلا نتساءل عن هذه الظاهرة، وما هو سببها؟!.
خذ جوابها يا عزيزي من لسان علي عليه السلام حيث يقول: "ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب".
أعَرفْنا الآن لِمَ لم نبكِ منذ فترة طيولة!؟!..
إن القلب المقترف للذنوب، يظهر ارتباكه أحياناً كثيرة على الأطراف واللسان، فيتخبّط ويتلعثم من دون أرادة، وإليك توضيح ذلك أيضاً على لسان طبيب نفوسنا علي بن أبي طالب عليه السلام حيث يقول: "ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه".
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "لكل ظاهر باطن على مثاله، فما طاب ظاهره، طاب باطنه، وما خبث ظاهره خبث باطنه".
ترى! ماذا ينفع العبد الذي يتمظهر بمظهر المؤمن المطيع، وهو يعلم أنه كاذب في حقيقة أمره؟ أليس الأجدى به والأنفع لدنياه وآخرته أن يصلح بينه وبين الله، ليصلح الله تعالى بينه وبين الخلق. فمن أصلح جوَّانيه أصلح برَّانيه، ومن أراد وجه الله أناله الله وجهه، ووجوه الخلق.
هذا موجز من آثار الذنوب على القلب والجوارح. أما آثار الذنوب على العلم فحاصلة، لأن القراءة والمطالعة والبحث والدراسة والكتابة بحاجة إلى توجّه وانتباه وتيقّظ، وهذا لا يكون في حالات القلق والخوف والحذر التي ترافق الذنوب عادة.
من هنا فإننا نرى صنفاً من الناس يقرأ دون أن يفهم، ويسمع دون أن يعي، ويحفظ من غير أن يضبط، ويطالع من دون أن يستوعب...
بل أكثر من ذلك: نرى صنفاً من الناس يسلبون العلوم التي كانوا قد تعلموها، والعياذ بالله، لاستغراقهم في الذنوب وتماديهم في المعاصي، فيتلهون عمَّا كانوا قد تعبوا في جمعه وحفظه، أو أنَّ الله سبحانه يسلبهم تلك العلوم لكي لا يستعملوها في إضلال الناس، أو لهوى الدنيا، أو للتستر وراءها.
ويصوِّر هذه الحالة المؤلمة حديث شريف ورد عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول فيه: "اتّقوا الذنوب فإنها ممحقة للميزان، إن العبد ليذنب الذنب، فينسى به العلم الذي كان قد علمه".
وليكن معلوماً أن المشاكل العامة: السياسية والاقتصادية، لا تؤثّر على التحصيل العلمي بقدر الأسباب النفسية المتردّية الناتجة عن ارتكاب الذنوب التي لا تؤثر فقط على تحصيل العلم بل تساهم في نسيان وفقدان ما كان قد علِمَه.
وأما آثار الذنوب على العقل، فلأنها منافية للأسس العقلية والمنطقية، والدلائل الواضحات الباهرات في وجوب شكر المنعم سبحانه وطاعته، وحرمة مخالفته. والعقل السليم يحكم بوجوب تجنب المعاصي لمجرّد احتمال العقاب والجزاء، فكيف يخالف كل هذه القواعد رغبة في شهوة عابرة زائلة!.
يقول رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "من قارف ذنباً فارقه عقل لا يرجع إليه أبداً".
وللذنوب أيضاً آثار سلبية على الرزق والنعم، فبالشكر تدوم النعم. وبديهي أن المعصية ليست من الشكر، بل من الكفر. وكثير من النِعم مرتبطة، في دوامها وبقائها واستمرارها أو زيادتها، بالطاعة لله سبحانه. فاقتراف المعصية يؤدي إلى اضمحلالها وزوالها، إلى درجة أن بعض الروايات تشير إلى أنه ما من نعمة تُفقد إلا نتيجة ذنب يعمله.
فعن الصادق عليه السلام قال: "ما أنعم الله على عبد نعمة قط، فسلبها إيَّاه، حتى يذنب ذنباً يستحق بذلك السلب".
وعن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنه قال: " إحذروا الذنوب، فإن العبد يذنب الذنب فيحبس عنه الرزق".
أما آثار الذنوب على العبادة فهي واضحة جداً، خاصة إذا لاحظنا أن المذنب، بذنبه، منصرف عن العبادة والطاعة والواجب والمستحبات.. فضلاً عن الآثار المؤلمة المقيمة التي ترافقه إلى أجل ليس بقليل.
من هنا يلاحظ المذنب جفاءً في صلاته وصومه وصدقته.. وقد يؤدِّي ذلك إلى سوء في التوفيق في تركه لبعض الواجبات أو المستحبات، كما ورد في رواية عن الصادق عليه السلام: "إن الرجل يذنب الذنب، فيُحرَم صلاة الليل، وإنَّ العمل السيّء أسرع في صاحبه من السكِّين في اللحم".
ونلاحظ من مجموع ما تقدم أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين أعمال الإنسان وبين النظام الكوني، فإذا سار الإنسان بحسب ما تقتضيه الفطرة السليمة نزلت عليه الخيرات وفتحت عليه البركات. قال تعالى:
{ولو أنَّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذَّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}.
وبالمقابل، إذا أفسد الناس أعمالهم كان لذلك تأثير عظيم عليهم، حتى في البرِّ والبحر. قال جلَّ من قائل:
{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلَّهم يرجعون}.
بعد هذا هل من حقّنا أن نتساءل عن تسارع المصيبات علينا أو إحاطتها بنا، والسبب أنفسنا؟!
{أو لمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتُم مثليها قلتم أنَّى هذا قل هو من عند أنفسكم}.
إنَّه في الحقيقة بما كسبت أيدينا، وإن كان الله سبحانه يعفو عن كثير، بلطفه وشمول رحمته.
والتمادي في الذنوب، أحياناً كثيرة، يؤدِّي بالإنسان إلى مصائب وفواجع لم يكن ينتظرها أو يتوقعها، فتُنَغِّص عليه معيشته وتنال من استقراره..
فلا نستغرب إذا سمعنا أحياناً بأنواع جديدة من الأمراض، أو الابتلاءات، أو المشاكل المستعصية، والظواهر المصيّرة، على صعيد الفرد والمجتمع، لأن اختراع أنواع جديدة من الذنوب استكباراً على الله سبحانه وتعالى لا يمنعه من أن يبتلينا بأنواع جديدة من الابتلاءات لم نعهدها من قبل. وسلام الله على الإمام الرِّضا حيث يقول: "كلَّما أحْدَث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدَثَ الله لهم بذلك من البلاء ما لم يكونوا يعرفون".
من خلال هذه الرواية المباركة، نستطيع أن نفهم ظواهر بعض الأمراض المستعصية التي ظهرت مؤخّراً في العالم، كمرض "الإيدز" وبعض أنواع السرطان، وأمراض أخرى لم تُعرف أسبابها، فضلاً عن علاجاتها.
{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
ونفهم أيضاً، حالات الخراب الشامل لبعض القرى، والمدن في لبنان وغيره، والتي اشتهرت بفسقها وفجورها، إذا رجعنا إلى قوله تعالى:
{وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مُتْرفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمَّرناها تدميراً}.
أيها المؤمنون الأحبّاء، إنَّ تمادينا في ارتكاب المعاصي واستمرارنا في إظهار المنكر وتجاهرنا بالذنوب كلّ هذا سيجعله الله سبحانه، وبالاً وخسارة علينا في الدنيا، ناهيكم عن عقاب الآخرة.
هكذا حصل بالذين من قبلنا: أُهلكوا بذنوبهم. وهكذا يحصل بنا: نُهلك بذنوبنا، أهلكوا بالرغم من قوَّتهم في الأرض، ورزقهم الواسع، والحضارة المزيّفة.. كل ذلك بذنوبهم: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ مكَّناهم في الأرض ما لم نُمَكِّن لهم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم...}.
أيها الأخوة المؤمنون: إن الظلم والبغي والقتل وشرب الخمر والزنا وقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، تؤدي إلى تغيُّر النِّعم، وتورِث الندم، وتنزل النقم، وتحبس الرزق، وتعجل الفناء، وتردُّ الدعاء، وتمنع غيث السماء.
أيها الأخوة المؤمنون: إن الذنوب تؤثّر على المسيرة الكونية، فلسنا وحدنا في هذا الكون، بل هناك مخْلوقات أخرى معنا يصيبها بسبب ذنوبنا بلاء كثير. ففي عهد سليمان بن داود عليه السلام أصاب الناس قحط شديد، فشكوا ذلك إليه، فلمَّا صلَّى الغداة مضى ومضوا، فلما أن كان في بعض الطريق، إذا هو بنملة رافعة يدها إلى السماء، واضعة قدميها إلى الأرض وهي تقول: "اللَّهمَّ، إنَّا خَلْق من خَلْقِكَ، ولا غنى بنا عن رزقك، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم". فقال سليمان عليه السلام: "ارجعوا فقد سقيتم بغيركم". فَسُقُوا في ذلك العام ما لم يُسقوا مثله قط.
أيها المؤمنون: لعلَّ الله سبحانه يحجب عنَّا العذاب، لوجود أطفال رُضّع، أو شيوخ رُكّع، أو بهائم رتّع، أو شباب خُشَّع.. فلنرحم أنفسنا ولْنَتَّقِ فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا منَّا خاصة، لأن البلاء إذا نزل عمَّ.
"اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء".
اللهم اغفر لي كل ذنب اذنبته وكل خطيئة أخطأتها
اللهم اني اتقرب اليك بذكرك واستشفع بك الى نفسك
نسألكم الدعاء
مما راق لي
تقبلوا تحيتي