خادم للمذهب
21-07-2010, 01:16 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى اله وصحبه المنتجبين
(تشبيهات الدنيا و اهلها)
قد شبه بعض الحكماء حال الانسان و اغتراره بالدنيا، و غفلته عن الموت و ما بعده من الاهوال، و انهماكه في اللذات العاجلة الفانية الممتزجة بالكدورات: بشخص مدلى في بئر، مشدود وسطه بحبل، و في اسفل ذلك البئر ثعبان عظيم متوجه اليه، منتظر سقوطه، فاتح فاه لالتقامه، و في اعلى ذلك البئر جرذان ابيض و اسود، لا يزالان يقرضان ذلك الحبل شيئا فشيئا، و لا يفتران عن قرضه آنا من الآنات، و ذلك الشخص، مع انه يرى ذلك الثعبان و يشاهد انقراض الحبل آنا فآنا، قد اقبل على قليل عسل قد لطخ به جدار ذلك البئر و امتزج بترابه و اجتمعت عليه زنابير كثيرة، و هو مشغول بلطعه منهمك فيه، ملتذ بما اصاب منه، مخاصم لتلك الزنابير عليه، قد صرف باله باجمعه الى ذلك، غير ملتفت الى ما فوقه و الى ما تحته. فالبئر هو الدنيا، و الحبل هو العمر، و الثعبان الفاتح فاه هو الموت، و الجرذان الليل و النهار القارضان للعمر، و العسل المختلطة بالتراب هو لذات الدنيا الممتزجة بالكدورات و الآلام، و الزنابير هم ابناء الدنيا المتزاحمون عليها.
و شبه بعض العرفاء الدنيا و اهلها، في اشتغالهم بنعيمها و غفلتهم عن الآخرة، و حسراتهم العظيمة بعد الموت، من فقدهم نعيم الجنة بسبب انغمارهم في خسائس الدنيا: بقوم ركبوا السفينة، فانتهتبها الى جزيرة فامرهم الملاح بالخروج لقضاء الحاجة، و حذرهم المقام فيها، و خوفهم مرور السفينة و استعجالها، فتفرقوا في نواحي الجزيرة، فقضى بعضهم حاجته، و بادر الى السفينة، فصادف المقام خاليا، فاخذ اوسع الاماكن و اوفقها بمراده. و بعضهم توقف في الجزيرة، و اشتغل بالنظر الى ازهارها و انوارها و اشجارها و احجارها و نغمات طيورها، ثم تنبه لخطر فوات السفينة فرجع اليها، فلم يصادف الا مكانا ضيقا، فاستقر فيه. و بعضهم، بعد التنبه لخطر مرور السفينة، لما تعلق قلبه ببعض احجار الجزيرة و ازهارها و ثمارها، لم تسمح نفسه باهمالها، فاستصحت منها جملة و رجع الى السفينة فلم يجد فيها الا مكانا ضيقا لا يسعه الا بالتكلف و المشقة، و ليس فيه مكان لوضع ما حمله، فصار ذلك ثقلا عليه وبالا، فندم على اخذها، و لم يقدر على رميها، فحملها في السفينة على عنقه متاسفا على اخذها. و بعضهم اشتغل بمشاهدة الجزيرة، بحيث لم يتنبه اولا من خطر مرور السفينة و من نداء الملاح، حتى امتلات السفينة، فتنبه اخيرا و رجع اليها، مثقلا بما حمله من احجار الجزيرة و حشائشها، و لما وصل الى شاطئ البحر سارت السفينة، اولم يجد فيها موضعا اصلا، فبقى على شاطئ البحر. و بعضهم لكثرة الاشتغال بمشاهدة الجزيرة و ما فيها نسوا المركب بالمرة، و لم يبلغهم النداء اصلا، لكثرة انغمارهم في اكل الثمار و شرب المياه و التنسم بالانوار و الازهار و التفرج بين الاشجار، فسارت السفينة و بقوا في الجزيرة من دون تنبههم بخطر مرورها، فتفرقوا فيها، فبعضهم نهشته العقارب و الحيات و بعضهم افترسته السباع، و بعضهم مات في الاوحال، و بعضهم هلك من الندامة و الحسرة و الغصة، و اما من بقي على شاطئ البحر فمات جوعا، و اما من وصل الى المركب مثقلا بما اخذه، فشغله الحزن بحفظها و الخوف من فوتها، و قد ضيق عليه مكانه، فلم يلبث ان ذبلت ما اخذه من الازهار، و عفنت الثمار، و كمدت الوان الاحجار، فظهر نتن رائحتها، فتاذى من نتن رائحتها و لم يقدر على القائها في البحر لصيرورتها جزءا من بدنه، و قد اثر فيه ما اكل منها، و لم ينته الى الوطن الا بعد احاطة الامراض و الاسقام عليه لاجل ما لم ينفك عنه من النتن، فبلغ اليه سقيما مدنفا، فبقى على سقمه ابدا، او مات بعد مدة، و اما من رجع الى المركب بعد تضيق المكان، فما فاته الا سعة المحل، فتاذى بضيق المكان مدة، و لكن لما وصل الى الوطن استراح، و من رجع اليه اولا و وجد المكان الاوسع فلم يتاذ من شيء اصلا و وصل الى الوطن سالما. فهذا مثال اصناف اهل الدنيا فى اشتغالهم بحظوظهم العاجلة، و نسيانهم وطنهم الحقيقي، و غفلتهم عن عاقبة امرهم. و ما اقبح بالعاقل البصير ان تغره باحجار الارض و هشيم النبت، مع مفارقته عند الموت و صيرورته كلا و وبالا عليه.
كتاب جامع السعادات للمولى محمد مهدي النراقي احد اعلام المجتهدين
اللهم صل على محمد وعلى اله وصحبه المنتجبين
(تشبيهات الدنيا و اهلها)
قد شبه بعض الحكماء حال الانسان و اغتراره بالدنيا، و غفلته عن الموت و ما بعده من الاهوال، و انهماكه في اللذات العاجلة الفانية الممتزجة بالكدورات: بشخص مدلى في بئر، مشدود وسطه بحبل، و في اسفل ذلك البئر ثعبان عظيم متوجه اليه، منتظر سقوطه، فاتح فاه لالتقامه، و في اعلى ذلك البئر جرذان ابيض و اسود، لا يزالان يقرضان ذلك الحبل شيئا فشيئا، و لا يفتران عن قرضه آنا من الآنات، و ذلك الشخص، مع انه يرى ذلك الثعبان و يشاهد انقراض الحبل آنا فآنا، قد اقبل على قليل عسل قد لطخ به جدار ذلك البئر و امتزج بترابه و اجتمعت عليه زنابير كثيرة، و هو مشغول بلطعه منهمك فيه، ملتذ بما اصاب منه، مخاصم لتلك الزنابير عليه، قد صرف باله باجمعه الى ذلك، غير ملتفت الى ما فوقه و الى ما تحته. فالبئر هو الدنيا، و الحبل هو العمر، و الثعبان الفاتح فاه هو الموت، و الجرذان الليل و النهار القارضان للعمر، و العسل المختلطة بالتراب هو لذات الدنيا الممتزجة بالكدورات و الآلام، و الزنابير هم ابناء الدنيا المتزاحمون عليها.
و شبه بعض العرفاء الدنيا و اهلها، في اشتغالهم بنعيمها و غفلتهم عن الآخرة، و حسراتهم العظيمة بعد الموت، من فقدهم نعيم الجنة بسبب انغمارهم في خسائس الدنيا: بقوم ركبوا السفينة، فانتهتبها الى جزيرة فامرهم الملاح بالخروج لقضاء الحاجة، و حذرهم المقام فيها، و خوفهم مرور السفينة و استعجالها، فتفرقوا في نواحي الجزيرة، فقضى بعضهم حاجته، و بادر الى السفينة، فصادف المقام خاليا، فاخذ اوسع الاماكن و اوفقها بمراده. و بعضهم توقف في الجزيرة، و اشتغل بالنظر الى ازهارها و انوارها و اشجارها و احجارها و نغمات طيورها، ثم تنبه لخطر فوات السفينة فرجع اليها، فلم يصادف الا مكانا ضيقا، فاستقر فيه. و بعضهم، بعد التنبه لخطر مرور السفينة، لما تعلق قلبه ببعض احجار الجزيرة و ازهارها و ثمارها، لم تسمح نفسه باهمالها، فاستصحت منها جملة و رجع الى السفينة فلم يجد فيها الا مكانا ضيقا لا يسعه الا بالتكلف و المشقة، و ليس فيه مكان لوضع ما حمله، فصار ذلك ثقلا عليه وبالا، فندم على اخذها، و لم يقدر على رميها، فحملها في السفينة على عنقه متاسفا على اخذها. و بعضهم اشتغل بمشاهدة الجزيرة، بحيث لم يتنبه اولا من خطر مرور السفينة و من نداء الملاح، حتى امتلات السفينة، فتنبه اخيرا و رجع اليها، مثقلا بما حمله من احجار الجزيرة و حشائشها، و لما وصل الى شاطئ البحر سارت السفينة، اولم يجد فيها موضعا اصلا، فبقى على شاطئ البحر. و بعضهم لكثرة الاشتغال بمشاهدة الجزيرة و ما فيها نسوا المركب بالمرة، و لم يبلغهم النداء اصلا، لكثرة انغمارهم في اكل الثمار و شرب المياه و التنسم بالانوار و الازهار و التفرج بين الاشجار، فسارت السفينة و بقوا في الجزيرة من دون تنبههم بخطر مرورها، فتفرقوا فيها، فبعضهم نهشته العقارب و الحيات و بعضهم افترسته السباع، و بعضهم مات في الاوحال، و بعضهم هلك من الندامة و الحسرة و الغصة، و اما من بقي على شاطئ البحر فمات جوعا، و اما من وصل الى المركب مثقلا بما اخذه، فشغله الحزن بحفظها و الخوف من فوتها، و قد ضيق عليه مكانه، فلم يلبث ان ذبلت ما اخذه من الازهار، و عفنت الثمار، و كمدت الوان الاحجار، فظهر نتن رائحتها، فتاذى من نتن رائحتها و لم يقدر على القائها في البحر لصيرورتها جزءا من بدنه، و قد اثر فيه ما اكل منها، و لم ينته الى الوطن الا بعد احاطة الامراض و الاسقام عليه لاجل ما لم ينفك عنه من النتن، فبلغ اليه سقيما مدنفا، فبقى على سقمه ابدا، او مات بعد مدة، و اما من رجع الى المركب بعد تضيق المكان، فما فاته الا سعة المحل، فتاذى بضيق المكان مدة، و لكن لما وصل الى الوطن استراح، و من رجع اليه اولا و وجد المكان الاوسع فلم يتاذ من شيء اصلا و وصل الى الوطن سالما. فهذا مثال اصناف اهل الدنيا فى اشتغالهم بحظوظهم العاجلة، و نسيانهم وطنهم الحقيقي، و غفلتهم عن عاقبة امرهم. و ما اقبح بالعاقل البصير ان تغره باحجار الارض و هشيم النبت، مع مفارقته عند الموت و صيرورته كلا و وبالا عليه.
كتاب جامع السعادات للمولى محمد مهدي النراقي احد اعلام المجتهدين