|
|
ويخرجه معه متى خرج . وذكر قصة الاستسقاء بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) حين أجدب الوادي وهلك الزرع والضرع ، بقوله في مدحه كما سبق ذكره : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال
اليتامى عصمة للأرامل
أبو طالب بنصرته ومنعه منهم والذب عنه ، وعادا جبابرة قريش
وطواغيتهم وهددهم أن يمسوا محمدا بأذى . ثم قال له والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى
أوسد في التراب دفينا
وبني عبد المطلب ، حين رأى قريشا تصنع ما تصنع فدعاهم وهو زعيمهم إلى ما هو عليه من منع النبي ( صلى الله عليه وآله ) والقيام دونه ، فأجابوه إلى ما دعاهم إليه من الدفاع عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إلا ما كان من عمه ( عبد العزى ) أبو لهب فإنه لم يجتمع معهم على ذلك .
شيوخ المعتزلة ، منهم أبو القاسم البلخي ، وأبو جعفر الإسحاقي ، وغيرهما ، ولنا في إيمان أبي طالب ( رضي الله عنه ) روايات كثيرة ( 1 ) من الفريقين ، أربعة عشر رواية ودليلا :
ويقول : إني قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك
. فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا جبرائيل ، بين لي ذلك ؟ فقال : أما الصلب
الذي أنزلك فعبد الله بن عبد المطلب ، وأما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب ،
وأما الحجر الذي كفلك فأبو طالب بن عبد المطلب وفاطمة بنت أسد .
أقول : ولا غرو ، فإنهم أحناف موحدون ، ولم يشركوا بالله طرفة عين . وأضاف صاحب الدرجات الرفيعة : قالت الإمامية : ومما يدل على إيمان أبي طالب خطبته عند نكاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خديجة بنت خويلد ( عليها السلام ) التي مطلعها : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ( عليه السلام ) وزرع إسماعيل ( عليه السلام ) . . . إلى آخر الخطبة التي سبق ذكرها ( 1 ) .
والمنثور إذا تضمنا الإقرار بالإسلام صريحة ، لا سيما تشجيع أخاه حمزة بن عبد المطلب عندما تحدى المشركين وأعلن إسلامه ، في قصيدة مطلعها : فصبرا أبا يعلى على دين أحمد * وكن
مظهرا للدين وفقت صابرا
ولده جعفر ، فأمره بالصلاة معهما حيث قال : صل جناح ابن عمك ، فلما أحس النبي به تقدم قليلا ، فصلى جعفر إلى جنب أخيه علي ( عليه السلام ) . فأنشد أبو طالب هذه الأبيات التي تدل على إيمانه ويحثهما على مؤازرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إن عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان
والنوب
دونه حينئذ ، وإنما تمكن من نصرته والمحاماة عنه ، بمظاهرته على دين قريش ، وإن أبطن الإيمان والإسلام ، وما أحسن قول السيد عبد الله بن حمزة الحسيني الزيدي من قصيدته : حماه أبونا أبو طالب * وأسلم والناس
لم تسلم
كذبتم وبيت الله نخلي محمدا * ولما
نطاعن دونه ونناضل
ولله در ابن أبي الحديد المعتزلي حيث يقول : ولولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين
شخصا فقاما
قال الكلبي : لما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش وأوصاهم ، فقال : يا معشر قريش ، أنتم صفوة الله من خلقه ، وقلب العرب ، واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه ، ولا شرفا إلا أدركتموه ، فلكم به على الناس الفضيلة ، وله به إليكم الوسيلة ، والناس لكم حرب ، وعلى حربكم ألب ! وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية ( الكعبة ) فإن فيها مرضاة للرب وقواما للجأش ، وثباتا للوطأة ، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها ، فإن صلة الرحم منسأة في الأجل وزيادة في العدد ، واتركوا البغي والعقوق ، ففيهما هلك القرون قبلكم ، لا تخيبوا الداعي ، وأعطوا السائل ، فإن فيها محبة في الخاص ومكرمة في العام ، وإني أوصيكم بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) خيرا فإنه الأمين في قريش والصديق في العرب ، كأني أنظر إلى صعاليك العرب ، وأهل الوبر والأطراف
المستضعفين من الناس قد
أجابوا دعوته ، وصدقوا كلمته ، وعظموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ، ودورها خرابا ، وضعافها أربابا ، وأعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أقربهم عنده ، قد محضته العرب ودادها ، وأعطته قيادها ، دونكم يا معشر قريش ، ابن أبيكم كونوا له ولاة ، ولحزبه حماة ، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا سعد ، ولا يأخذ بهديه إلا رشد ، ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير ، لكففت عنه الهزاهز ، ولدفعت عنه الدواهي . ثم أنشد وهو يخاطب ابنيه عليا وجعفرا ، وأخويه حمزة والعباس بقوله : أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا
ابني وشيخ القوم عباسا
كونوا فدى لكم أمي وما ولدت * في نصر أحمد دون الناس أتراسا
أبو سفيان لا جنة ولا نار ، إنما هو الملك . هذه وصيته . وهذه وصية أبي طالب الطافحة بالإيمان والرشاد دلالة واضحة على أنه ( عليه السلام ) إنما أرجأ صريح قوله وتصديقه باللسان إلى ساعات اليأس فيها عن الحياة ، حذار شنآن قومه المستتبع لانثيالهم عنه .
وقال ابن الجوزي : مات قبل الهجرة بثلاث سنين .
وهو محمول على رؤوس الرجال . فأبنه قبل دفنه ، بقوله ( صلى الله عليه وآله ) : وصلت رحم يا عم وجزيت خيرا ، لقد ربيت وكفلت صغيرا ، ونصرت وآزرت كبيرا ، ثم تبعه إلى حفرته فوقف عليه فقال : أما والله لأستغفرن لك ، ولأشفعن فيك شفاعة يتعجب لها الثقلان . ولم يصل عليه ( صلى الله عليه
وآله ) لأن صلاة الجنائز لم تكن قد شرعت بعد ، ولا صلى ( صلى الله عليه وآله )
على خديجة كذلك ، إنما تلخص تشييعه لهما بالدعاء والاستغفار لهما سلام الله
عليهما .
وفي الحديث الصحيح المشهور : إن جبرئيل ( عليه السلام ) قال
لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليلة مات أبو طالب وكان لأبي طالب ( عليه السلام ) من البنين ستة ، أربع ذكور ،
أحدهم طالب ، وهو أكبرهم وبه يكنى ، وكانت قريش والثالث جعفر ، وأصغرهم الإمام علي ( عليه السلام ) ، وبنتان : أم هانئ وجمانة ، وأمهم جميعا فاطمة بنت أسد الهاشمية . هذا ما لخصناه من كتاب الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة .
|
|