|
|
إقرار أبي طالب بالتوحيد :
أما أشعار أبي طالب ، المتضمنة إقراره بالتوحيد لله وتمجيده وتقديسه ، فهي مسطورة في كتب العلماء ، وتعاليق أرباب الفن من الأدباء ، إليك بعضا منها ، قوله : مليك الناس ليس له شريك * هو الجبار
والمبدي المعيد فانظر كيف أقر الله تعالى في هذين البيتين بالعبودية
والتوحيد ، وخلع الأنداد له . وقوله : يا شاهد الله علي فاشهد * آمنت بالواحد رب أحمد من ضل في الدين فإني مهتدي إلى غير ذلك من شعره الوافر ، الذي يقر فيه لله بالعبودية والوحدانية ، ولرسوله الكريم بالتأييد والطاعة .
إن الذي دعا أبا طالب لكتمان إيمانه ، وخفاء إسلامه أنه كان
سيد قريش غير مدافع ، ورئيسها غير منازع ، وكانوا ينقادون لأمره ويطيعون ، وهم
بالله مشركون ، وللأصنام يعبدون ، فلما أظهر الله تعالى دينه ، وأرسل نبيه (
صلى الله عليه وآله ) ، شمر أبو طالب عن ساعد الجد في نصرته ، وإظهار دعوته ،
وهو برسالته مؤمن وببعثه موقن سرا ،
كاتما لإيمانه ، ساترا لإسلامه ، لأنه لم يكن قادرا على
القيام بنصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتمهيد الأمور له بنفسه خاصة من دون
أهل بيته وأصحابه وعشيرته وأحلافه ، الذي كانوا على منهاج قريش في الشرك والكفر
ظاهرا . وكان أبو طالب لا يأمن إذا أظهر إيمانه وأفشى إسلامه أن
تتمالى عليه قريش ، ويخذله حليفه وناصره ، ويسلمه حميمه وصاحبه ، فيؤدي فعله
ذلك إلى إفساد قاعدة الدفاع عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورسالته ،
والتغرير بهم ، فكتم إيمانه وإسلامه لاستدامة قريش على طاعته ، والانقياد لسيادته ،
ليتمكن من نصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ودوام حرمته ، والأخذ بحقه ،
وإعزاز كلمته ، ولهذا السبب كان أبو طالب يخالط قريشا ويعاشرهم ويحضر مجالسهم ،
ويشهد مشاهدهم . مثل أبي طالب كمثل أصحاب الكهف ، وكمؤمن آل فرعون ، وفي القرآن
الكريم ، والسير والآثار ، أمثلة
كثيرة حول من يكتم إيمانه . وقصة أصحاب الكهف وكتمان إيمانهم مع قومهم مشهورة حتى تمكنوا من هدفهم .
وآله ) : إني قد أيدتك بشيعتين : شيعة تنصرك سرا ، وشيعة تنصرك علانية ، فأما التي تنصرك سرا فسيدهم وأفضلهم عمك أبو طالب ، وأما التي تنصرك علانية فسيدهم وأفضلهم ابنه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ثم قال : وإن أبا طالب كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه . ومن ذلك الحديث الذي أوردناه
مسندا فيما تقدم من هذا البحث ، من قول الإمام الصادق
يقرئك السلام ، ويقول لك : إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك ، فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين .
|
|