|
|
أبو طالب مؤمن قريش كان شيخ البطحاء الدرع الواقي للرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ، في حياة أبيه عبد المطلب وبعد وفاته . ولله در ابن أبي الحديد حينما أنشد هذه الأبيات : ولولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين
شخصا فقاما
فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا
للمعالي ختاما هكذا كان أبو طالب يتجاهر بالدفاع عن الرسول الأعظم ورسالة السماء ، وهو يحث أخاه حمزة بن عبد المطلب على اتباع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والصبر على طاعته ، والثبات على دينه ، وكذا يدفع ولده جعفر أن يقف إلى جنب أخيه علي ويصل جناح ابن عمه . ولم يكن يدافع عن دعوة ابن أخيه محمد
بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) فحسب ، بل جند كل طاقاته في سبيل نشر
الدعوة ،
ووقف منها موقف البطل المجاهد طيلة حياته ، وسجل له التأريخ كل تلكم المواقف المشرفة بكل إكبار وفخر . ولقد شمر عن ساعد الجد في الدفاع عن ابن أخيه منذ بزوغ شمس الرسالة ، إلى يوم وفاته ( عليه السلام ) ، حيث كان كالسد المنيع يحول بينه وبين المشركين ، تلك القوة الوثنية العظمى التي كانت تحكم الجزيرة العربية وتمسك بمقدراتها وبين تحقيق أهدافها الضالة في وأد الرسالة السماوية ودعاتها في مهدها . ولأبي طالب شيخ البطحاء مواقف مشهورة ومشهودة له في تصلبه في الدفاع عن الرسالة ، تفوق التصور والإحصاء وقفها دون ابن أخيه الرسول الأعظم ورسالته إلى آخر نفس من أنفاسه . ولم يزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عزيزا ، ممنوعا من الأذى ، ومعصوما من كل اعتداء ، حتى توفى الله أبا طالب ( عليه السلام ) ، فنبت به مكة ، ولم تستقر له دعوة ، وأجمع طواغيت
قريش على الفتك به ، وعندها جاء نداء ربه : " أخرج من مكة فقد مات ناصرك " ( 1 ) . هكذا كان أبو طالب سندا وكافلا وداعيا لابن أخيه محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) .
1 - موقفه من ابن الزبعرى
لما تجاسر على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) . عن السيد عبد الحميد بن النقي
الحسيني - النسابة - بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين
عليا ( عليه السلام ) يقول : مر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنفر من قريش ، وقد نحروا جزورا ، وكانوا يسمونها الظهيرة ، ويذبحونها على النصب ، فلم يسلم عليهم ، فلما انتهى إلى دار الندوة قالوا : يمر بنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا ؟ فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه ، فقال عبد الله بن الزبعرى السهمي : أنا أفعل ، فأخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو ساجد فملأ به ثيابه ومظاهره ، فانصرف النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى أتى عمه أبا طالب ، فقال : يا عم من أنا ؟ فقال : ولم يا بن أخ ؟ فقص عليه القصة ، فقال أبو طالب : وأين تركتهم ؟ فقال : بالأبطح ، فنادى في قومه : يا آل عبد المطلب ، يا آل هاشم ، يا آل عبد مناف ، فأقبلوا إليه من كل مكان ملبين ، فقال : كم أنتم ؟ قالوا : نحن أربعون ، قال : خذوا سلاحكم ، فأخذوا سلاحهم ، وانطلق بهم ، حتى انتهى
إلى أولئك النفر ، فلما رأوه قاموا وأرادوا أن يتفرقوا ، فقال لهم : ورب هذه
البنية - الكعبة -
لا يقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف ، ثم أتى إلى صفاة
( 1 ) كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها
ثلاثة أفهار أنت النبي محمد * قرم أعز مسود
ابن الزبعرى ، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماه ، ثم أمر بالفرث والدم ، فأمره على رؤوس الملأ كلهم ، ثم قال : يا ابن أخ أرضيت ؟ ثم قال : سألتني من أنت ؟ أنت محمد بن عبد الله حتى نسبه إلى آدم ( عليه السلام ) ثم قال : أنت والله أشرفهم حسبا ، وأرفعهم منصبا ، يا معشر قريش ، من شاء منكم أن يتحرك فليفعل ، أنا الذي تعرفوني . روي هذا الحديث بطرق متعددة من مصادر الفريقين ، فراجع .
دفن بالبقيع ( 1 ) . كان عثمان بن مظعون يقف بباب الكعبة يعظ الناس أن لا يعبدوا الأصنام ، فوثب عليه فتية من قريش وضربوه فوقعت ضربة أحدهم على عينه ففقأتها ، وبلغ أبا طالب ذلك فغضب غضبا شديدا وقام في أمره حتى أخذ بثأره ، وكانوا قد اجتمعوا إلى أبي طالب وناشدوه أن يدعها ويؤدون له الدية ، فأقسم لهم : إني لا أرضى حتى أقلع عين الذي قلع عينه ، فكان ما أراد ، وقد ذكر هذه الحادثة في أبيات له ، منها : أمن تذكر أقوام ذوي سنة * يغشون
بالظلم من يدعى إلى الدين
ألا ترون أذل الله جمعكم * أنا غضبنا
لعثمان بن مظعون إلى أن قال : أو يؤمنوا بكتاب منزل عجب * على نبي
كموسى أو كذي النون
3 - ومنها : إجارته أبا سلمة المخزومي ، وقد أسلم أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، فأرادت قريش أن تعذبه لتصرفه عن الإسلام فلجأ إلى ( خاله ) أبي طالب ، فخلصه من العذاب ، فجاء وفد من مخزوم إلى أبي طالب وقالوا له : يا أبا طالب ، هبك منعت منا ابن أخيك محمدا ، فما بالك ولصاحبنا تمنعه منا ؟ ! فأجابهم : إنه استجارني وهو ابن أختي ( 1 ) ، وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي ( 2 ) .
كما كان يوصي النجاشي بأبيات للذين لجأوا إليه من المؤمنين ومنهم ابنه جعفر ، بعد رجوع عمرو بن العاص خائبا منه . وقد ذكرنا ذلك في فصل شعره . ولم يقف دفاعه عند هذا الحد حتى شمل الدعوة الإسلامية بكل أبعادها والتي اعتنقها عن عقيدة ويقين وبصيرة منها تصديق الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد أقسم لقريش بقوله : والله ، ما كذب ابن أخي قط ، بل وصفه ب ( الناصح والصادق الأمين ) في عدة مناسبات أخذتها من عدة قصائد نظمها في حينها . ومن أشعار أبي طالب الدالة على إيمانه وحثه أخاه حمزة لما أعلن إسلامه أمام طغاة قريش على مؤازرة ابن أخيه : فصبرا - أبا يعلى - على دين أحمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
نبي أتى بالدين من عند ربه * بصدق وحق
لا تكن حمزة كافرا وهناك أشعار كثيرة تدل على إيمان أبي طالب ، سنذكر قسما منها فيما بعد ، منها قوله : ودعوتني وعلمت أنك صادق * ولقد صدقت
وكنت ثم أمينا
وقال : ولقد عهدتك صادقا * بالقول لا تتزيد
وقال : وإن كان أحمد قد جاءهم * بصدق ولم يأتهم بالكذب
|
|