![]() |
سيرة الامام الهادي عليه السلام |
أخبار الإمام الهادي ( عليه السلام ) مع المتوكِّل العباسي كانَ المتوكِّلُ من أخبثِ الخلفاء العباسيين ، وأشدِّهم عِداءً للإمام علي ( عليه السلام ) ، فَبَلَغه مقام الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) بالمدينة ، ومكانته ، وميل الناس إليه ، فخاف منه ودَعَا يحيى بن هرثمة ، وقال له : اِذْهب إلى المدينة ، وانظر في حالِهِ وأشخِصْه إلينا . قال يحيى : فذهبتُ إلى المدينة ، فلمَّا دخلتُها ضَجَّ أهلُها ضجيجاً عظيماً ما سَمِع الناس بمثله ، خوفاً على عليٍّ ، وقامت الدنيا على سَاق ، لأنه كان محسناً إليهم ، ملازماً للمسجد ، ولم يكن عنده مَيل إلى الدنيا . فجعلتُ أسكِّنُهم وأحْلف لهم أنِّي لم أؤمَر فيه بِمَكروه ، وأنَّه لا بأس عليه ، ثُمَّ فتَّشتُ منزلَه فلم أجد فيه إلاَّ مصاحف وأدعية ، وكتب العلم ، فعظُم في عيني ، وتولَّيتُ خدمتَه بنفسي ، وأحسنتُ عِشرتَه . فلما قدمت به بغداد ، بدأتُ بإسحاق بن إبراهيم الطاهري ، وكان والياً على بغداد ، فقال لي : يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول الله ، والمتوكِّل من تعلم ، فإن حرَّضتَه عليه قتله ، و كان رسول الله خصمَكَ يوم القيامة . فقلت له : والله ما وقفت منه إلاَّ على كلِّ أمر جميل . ثمَّ سِرتُ به إلى ( سُرَّ مَنْ رَأى ) ، فبدأت بـ( وصيف ) التركي ، فأخبرتُه بوصوله ، فقال : والله لَئن سَقطَ منه شعرة لا يُطالَبُ بها سواك . فلمّا دخلت على المتوكِّل سألني عنه ، فأخبرته بِحُسن سيرته ، وسلامَة طَريقته ، وَوَرعه وزهادته ، وأني فتَّشت داره فلم أجد فيها إلا المصاحف وكتب العلم ، وإنَّ أهل المدينة خافوا عليه ، فأكرمه المتوكِّل ، وأحسن جائزته ، وأجزل برَّه ، وأنزلَه معه سَامرَّاء . ومع أنَّ الإمام ( عليه السلام ) كان يعيش في نفس البلد الذي يسكن فيه المتوكِّل ، وكانت العيون والجواسيس تراقبه عن كثب ، فقد وُشي به إلى المتوكِّل بأن في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم ، وأنه عازم بالوثوب على الدولة . فبعث إليه جماعة من الأتراك ، فهاجموا دار الإمام ( عليه السلام ) ليلاً ، فلم يجدوا فيها شيئاً . ثم وجدوا الإمام ( عليه السلام ) في بيت مغلق عليه ، وعليه مدرعة من صوف ، وهو جالس على الرمل والحصى ، متوجِّه إلى الله تعالى ، يتلو آيات من القرآن الكريم ، فحمل على حاله تلك إلى المتوكِّل ، وقالوا له : لم نجد في بيته شيئاً ، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة . وكان المتوكِّل جالساً في مجلس الشراب فأُدخِل عليه ، فلمَّا رأى المتوكل الإمام ( عليه السلام ) هَابَهُ ، وعظَّمه ، وأجلسه إلى جانبه ، وناوله الكأس التي كانت في يده . فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( وَاللهِ مَا خَامَرَ لَحْمِي وَدَمِي قَط ، فَاعْفِنِي ) ، فأعفاه وقال له : أنشِدْني شعراً . فقال الإمام الهادي ( عليه السلام ) : ( أنَا قَليلُ الروَايَةِ لِلشِّعْرِ ) ، فقال : لابُدَّ . فأنشده الإمام ( عليه السلام ) وهو جالس عنده ، فقال : بَاتُوا عَلَى قُلَلِ الأجبَالِ تَحْرُسُهُم ** غُلْبُ الرِّجَالِ فَمَا أغْنَتْهُمُ القُلَلُ وَاسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزٍّ عَنْ مَعَاقِلِهِم ** وَأُسْكِنُوا حُفَراً يَا بِئْسَ مَا نَزَلُوا نَادَاهُمُ صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمُ ** أيْنَ الأسَاوِرُ والتِّيْجَانُ وَالحُلَلُ أيْنَ الوُجُوهُ الَّتي كَانَتْ مُنَعَّمَةً ** مِنْ دُونِهَا تُضْرَبُ الأستَارُ والكُلَلُ فَأفْصَحَ القَبرُ عَنْهُم حِينَ سَاءَلَهُم ** تِلْكَ الوُجُوُهُ عَلَيْهَا الدُّودُ يَقْتَتِلُ قَدْ طَالَمَا أكَلوا دَهْراً وَقَدْ شَرِبُوا ** فَأصْبَحُوا بَعْدَ طُولِ الأَكْلِ قَدْ أُكِلُوا فبكى المُتوكِّلُ حتى بَلَّتْ لِحيَتَهُ دموعُ عَينَيه ، وبكى الحاضرون ، ثُمَّ ردَّ الإمام ( عليه السلام ) إلى منزلِهِ مكرَّماً . |
أدعية الإمام الهادي ( عليه السلام ) للإمام الهادي ( عليه السلام ) أنواع من الأدعية والابتهالات تدلّ على مدى اتّصاله بالله ، ومدى تعلّقه به ، وانقطاعه إليه ، وإليك بعض نماذجها : 1ـ دعاؤه عند الشدائد : كان ( عليه السلام ) يدعو به إذا ألمّت به حادثة ، أو حلّ به خطب ، أو أراد قضاء حاجة مهمّة ، وكان قبل أن يدعو به يصوم يوم الأربعاء والخميس والجمعة ، ثمّ يغتسل في أوّل يوم الجمعة ، ويتصدّق على مسكين ، ويصلّي أربع ركعات ، فيقرأ في الركعة الأولى سورة الفاتحة وسورة ياسين ، وفي الثانية سورة الحمد وحم الدخان ، وفي الثالثة سورة الحمد مع سورة الواقعة ، وفي الرابعة سورة الحمد وسورة تبارك ، وإذا فرغ منها بسط راحتيه إلى السماء ، ودعا بإخلاص قائلاً بعد البسملة : ( اللهم لك الحمد حمداً يكون أحق الحمد بك ، وأرضى الحمد لك ، وأوجب الحمد لك ، وأحب الحمد إليك ، ولك الحمد كما أنت أهله ، وكما رضيته لنفسك ، وكما حمدك من رضيت حمده من جميع خلقك ، ولك الحمد كما حمدك به جميع أنبيائك ورسلك وملائكتك ، وكما ينبغي لعزّك وكبريائك وعظمتك ، ولك الحمد حمداً تكل الألسن عن صفته ، ويقف القول عن منتهاه ، ولك الحمد حمداً لا يقصر عن رضاك ولا يفضله شيء من محامدك . اللهم ومن جودك وكرمك أنّك لا تخيّب من طلب إليك وسألك ورغب فيما عندك ، وتبغّض من لم يسألك ، وليس كذلك أحد غيرك ، وطمعي يا ربّ في رحمتك ومغفرتك ، وثقتي بإحسانك وفضلك حداني على دعائك والرغبة إليك ، وانزل حاجتي بك ، وقد قدّمت أمام مسألتي التوجّه بنبيّك الذي جاء بالحق والصدق فيما عندك ، ونورك وصراطك المستقيم الذي هديت به العباد ، وأحييت بنوره البلاد ، وخصصته بالكرامة ، وأكرمته بالشهادة ، وبعثته على حين فترة من الرسل ، اللهم دللت عبادك على نفسك فقلت تباركت وتعاليت : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ، وقلت : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ، وقلت : ( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ) . أجل يا رب نعم المدعو أنت ، ونعم الربّ أنت ونعم المجيب ، وقلت : ( قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ) ، وأنا أدعوك اللهم بأسمائك التي إذا دعيت بها أجبت ، وإذا سُئلت بها أعطيت ، وأدعوك متضرّعاً إليك مستكيناً ، دعاء من أسلمته الغفلة ، وأجهدته الحاجة ، أدعوك دعاء من استكان ، وأعترف بذنبه ، ورجاك لعظيم مغفرتك ، وجزيل مثوبتك ) . 2ـ دعاء الاعتصام : قال ( عليه السلام ) : ( يا عدّتي عند العدد ، ويا رجائي والمعتمد ، ويا كهفي والسند ، ويا واحد يا أحد ، يا قل هو الله أحد ، أسألك اللهم بحق من خلقته من خلقك ، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحد ، أن تصلّي عليهم وتفعل بي ... ) ، ثمّ تذكر حاجتك ) . 3ـ دعاء المظلوم على الظالم : قال ( عليه السلام ) : ( اللّهم إنّي وفلاناً عبدان من عبيدك ، نواصينا بيدك ، تعلم مستقرّنا ومستودعنا ، وتعلم منقلبنا ومثوانا ، وسرّنا وعلانيتنا ، وتطلع على نيّاتنا ، وتحيط بضمائرنا ، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه ، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره ، ولا ينطوي عليك شيء من أمورنا ، ولا يستتر دونك حال من أحوالنا ، ولا لنا منك معقل يحصننا ، ولا حرز يحرزنا ، ولا هارب يفوتك منّا . ولا يمتنع الظالم منك بسلطانه ، ولا يجاهدك عنه جنوده ، ولا يغالبك مغالب بمنعة ، ولا يعازّك متعزّز بكثرة أنت مدركه أينما سلك ، وقادر عليه أينما لجأ ، فمعاذ المظلوم منّا بك ، وتوكّل المقهور منّا عليك ، ورجوعه إليك ، ويستغيث بك إذا خذله المغيث ، ويستصرخك إذا قعد عنه النصير ، ويلوذ بك إذا نفته الأفنية ، ويطرق بابك إذا أغلقت دونه الأبواب المرتجة ، ويصل إليك إذا احتجبت عنه الملوك الغافلة ، تعلم ما حلّ به قبل أن يشكوه إليك ، وتعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له ، فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديراً . اللّهم إنّه قد كان في سابق علمك ، ومحكم قضائك ، وجاري قدرك ، وماضي حكمك ، ونافذ مشيّتك في خلقك أجمعين ، سعيدهم وشقيّهم وبرّهم وفاجرهم أن جعلت لفلان بن فلان عليّ قدرة فظلمني بها ، وبغى عليّ لمكانها ، وتعزّز عليّ بسلطانه الذي خوّلته إيّاه ، وتجبّر عليّ بعلوّ حاله التي جعلتها له ، وغرّه إملاؤك له ، وأطغاه حلمك عنه . فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه ، وتعمّدني بشرّ ضعفت عن احتماله ، ولم أقدر على الانتصار منه لضعفي ، والانتصاف منه لذلّي ، فوكلته إليك وتوكّلت في أمره عليك ، وتوعدته بعقوبتك ، وحذّرته سطوتك ، وخوّفته نقمتك ، فظنّ أن حلمك عنه من ضعف ، وحسب أنّ إملاءك له من عجز ، ولم تنهه واحدة عن أخرى ، ولا انزجر عن ثانية بأولى ، ولكنّه تمادى في غيّه ، وتتابع في ظلمه ، ولجّ في عدوانه ، واستشرى في طغيانه جرأة عليك يا سيّدي ، وتعرّضاً لسخطك الذي ﻻ تردّه عن القوم الظالمين ، وقلّة اكتراث ببأسك الذي ﻻ تحبسه عن الباغين . فها أنا ذا يا سيّدي مستضعف في يديه ، مستضام تحت سلطانه ، مستذلّ بعنائه ، مغلوب مبغيّ عليّ مغضوب وجل خائف مروّع مقهور ، قد قلّ صبري وضاقت حيلتي ، وانغلقت عليّ المذاهب إلاّ إليك ، وانسدّت عليّ الجهات إلاّ جهتك ، والتبست عليّ أموري في دفع مكروهه عنّي ، واشتبهت عليّ الآراء في إزالة ظلمه ، وخذلني من استنصرته من عبادك ، وأسلمني من تعلّقت به من خلقك طرّاً ، واستشرت نصيحي فأشار عليّ بالرغبة إليك ، واسترشدت دليلي فلم يدلّني إلاّ عليك . فرجعت إليك يا مولاي صاغراً راغماً مستكيناً ، عالماً أنّه ﻻ فرج إلاّ عندك ، ولا خلاص لي إلاّ بك ، انتجز وعدك في نصرتي ، وإجابة دعائي ، فإنّك قلت وقولك الحق الذي ﻻ يردّ ولا يبدل : ( وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ ) وقلت جلّ جلالك وتقدّست أسماؤك : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، وأنا فاعل ما أمرتني به لا منّاً عليك ، وكيف أمن به وأنت عليه دللتني ، فصلّ على محمّد وآل محمّد ، واستجب لي كما وعدتني يا من ﻻ يخلف الميعاد . وإنّي لأعلم يا سيّدي أنّ لك يوماً تنتقم فيه من الظالم للمظلوم ، وأتيقّن أنّ لك وقتاً تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب ، لأنّك ﻻ يسبقك معاند ، ولا يخرج عن قبضتك منابذ ، ولا تخاف فوت فائت ، ولكن جزعي وهلعي ﻻ يبلغان بي الصبر على أناتك وانتظار حلمك ، فقدرتك عليّ يا سيّدي ومولاي فوق كلّ قدرة ، وسلطانك غالب على كل سلطان ، ومعاد كلّ أحد إليك وإن أمهلته ، ورجوع كلّ ظالم إليك وإن أنظرته ، وقد أضرّني يا ربّ حلمك عن فلان بن فلان ، وطول أناتك له وإمهالك إيّاه ، وكاد القنوط يستولي عليّ لولا الثقة بك ، واليقين بوعدك . فإن كان في قضائك النافذ ، وقدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب ، أو يرجع عن ظلمي أو يكفّ مكروهه عنّي ، وينتقل عن عظيم ما ركب منّي ، فصلّ اللّهم على محمّد وآل محمّد ، وأوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة قبل إزالته نعمتك التي أنعمت بها عليّ ، وتكديره معروفك الذي صنعته عندي . وإن كان في علمك به غير ذلك ، من مقام على ظلمي ، فأسألك يا ناصر المظلوم المبغى عليه إجابة دعوتي ، فصل على محمّد وآل محمّد ، وخذه من مأمنه أخذ عزيزٍ مقتدر ، وأفجئه في غفلته ، مفاجأة مليك منتصر ، واسلبه نعمته وسلطانه ، وأفض عنه جموعه وأعوانه ، ومزّق ملكه كلّ ممزّق ، وفرّق أنصاره كلّ مفرّق ، وأعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر ، وانزع عنه سربال عزّك الذي لم يجازه بالإحسان ، واقصمه يا قاصم الجبابرة ، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية ، وأبره يا مبير الأمم الظالمة ، واخذله يا خاذل الفئات الباغية ، وابتر عمره ، وابتزّ ملكه ، وعفّ أثره ، واقطع خبره ، وأطفئ ناره ، وأظلم نهاره ، وكوّر شمسه ، وأزهق نفسه ، وأهشم شدّته ، وجبّ سنامه ، وأرغم أنفه ، وعجّل حتفه ، ولا تدع له جُنّة إلاّ هتكتها ، ولا دعامة إلاّ قصمتها ، ولا كلمة مجتمعة إلاّ فرّقتها ، ولا قائمة علوّ إلاّ وضعتها ، ولا ركناً إلاّ وهنته ، ولا سبباً إلاّ قطعته . وأرنا أنصاره وجنده وأحبّائه وأرحامه عباديد بعد الألفة ، وشتّى بعد اجتماع الكلمة ، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمّة ، واشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة ، والأفئدة اللهفة ، والأمّة المتحيّرة ، والبرية الضائعة ، وأدل ببواره الحدود المعطّلة ، والأحكام المهملة ، والسنن الداثرة ، والمعالم المغيّرة ، والمساجد المهدومة . وأرح به الأقدام المتعبة ، وأشبع به الخماص الساغبة ، وأرو به اللهوات اللاغبة ، والأكباد الظامئة ، واطرقه بليلة ﻻ أخت لها ، وساعةٍ ﻻ شفاء منها ، وبنكبة ﻻ انتعاش معها ، وبعثرةٍ ﻻ إقالة منها ، وأبح حريمه ، ونغّص نعيمه ، وأره بطشتك الكبرى ، ونقمتك المثلى ، وقدرتك التي هي فوق كل قدرة ، وسلطانك الذي هو أعزّ من سلطانه ، واغلبه لي بقوّتك القوية ، ومحالك الشديد ، وامنعني منه بمنعتك التي كل خلق فيها ذليل ، وابتله بفقرٍ ﻻ تجبره ، وبسوء ﻻ تستره ، وكله إلى نفسه فيما يريد ، إنّك فعّال لما تريد . وابرأه من حولك وقوّتك ، وأحوجه إلى حوله وقوّته ، وأذلّ مكره بمكرك ، وادفع مشيّته بمشيّتك ، واسقم جسده ، وأيتم ولده ، وانقص أجله ، وخيّب أمله ، وأزل دولته ، وأطل عولته ، واجعل شغله في بدنه ، ولا تفكّه من حزنه ، وصيّر كيده في ضلال ، وأمره إلى زوال ، ونعمته إلى انتقال ، وجدّه في سفال ، وسلطانه في اضمحلال ، وعافيته إلى شر مآل ، وأمِتْه بغيظه إذا أمتّه ، وأبقه لحزنه إن أبقيته ، وقني شرّه وهمزه ولمزه ، وسطوته وعداوته ، والمحه لمحة تدمّر بها عليه ، فإنّك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً ، والحمد لله ربّ العالمين ) . |
شهادة الإمام الهادي ( عليه السلام ) لقد كرَّس الإمام الهادي ( عليه السلام ) حياتَه لِخِدمة الدين ، ومواجهة الحُكَّام المتسِلِّطين ، ولاقَى مِن حُكَّامِ عصره من خلفاء بني العباس الملاحقة ، والإرهاب ، والتضييق . وأُخرِج ( عليه السلام ) من مدينة جَدِّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حيثُ كان يُمارس مَهَامَّه العلميَّة والسياسية والاجتماعية ، إلى مدينة سامرَّاء - عاصمة الخلافة العباسيَّة - ليكونَ تحت الرقابة المباشرة من جهة ، وليُعزَل عن قيادة الأمة المتجهة نحو أهل البيت ( عليهم السلام ) من جهة أخرى . وفي سامرَّاء قضى الإمام الهادي ( عليه السلام ) شطراً من حياته ، وفي الثالث من رجب 254 هـ ، مضى الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) شهيداً مسموماً في زمن الخليفة العباسي المتوكِّل . |
كرم الإمام الهادي ( عليه السلام ) كان الإمام الهادي ( عليه السلام ) من أهل بيت عادتهم الإحسان وسجيّتهم الكرم والجود . جاء في التاريخ : دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد ، وأحمد بن إسحاق الأشعري ، وعلي بن جعفر الهمداني على الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، فشكى إليه أحمد بن إسحاق ديناً عليه ، فقال : ( يا أبا عمرو ـ وكان وكيله ـ إدفع إليه ثلاثين ألف دينار ، وإلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار ) ، فهذا في الواقع كرم لا يقدر عليه إلاّ الملوك ، وما سمعنا بمثل هذا العطاء والجود . والقصّة التالية تعكس قمّة الإيثار عند الإمام ( عليه السلام ) حيث سعى لقضاء حاجة واحدة من مواليه بطريقة عجيبة . قال محمّد بن طلحة : خرج ( عليه السلام ) يوماً من سر من رأى إلى قرية لِمُهّمٍ عرض له ، فجاء رجل من الأعراب يطلبه ، فقيل له قد ذهب إلى الموضع الفلاني ، فقصده ، فلمّا وصل إليه قال له ( عليه السلام ) : ( ما حاجتك ؟ ) . فقال : أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسّكين بولاية جدّك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قد ركبني دين فادح أثقلني حمله ، ولم أر من أقصده لقضاءه سواك . فقال له ( عليه السلام ) : ( طب نفساً وقر عيناً ) ، ثمّ أنزله ، فلمّا أصبح ذلك اليوم ، قال له ( عليه السلام ) : ( أريد منك حاجة ، الله الله أن تخالفني فيها ) ، فقال الأعرابي : لا أخالفك ، فكتب ( عليه السلام ) ورقة بخطّه معترفاً فيها أنّ عليه للأعرابي مالاً عينه فيها يرجح على دينه ، وقال : ( خذ هذا الخط ، فإذا وصلت إلى سر من رأى إحضر إليّ وعندي جماعة ، فطالبني به وأغلظ القول عليَّ في ترك إبقائك إيّاه ، الله الله في مخالفتي ) . فقال : أفعل ، وأخذ الخط ، فلمّا وصل ( عليه السلام ) إلى سر من رأى ، وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم ، حضر ذلك الرجل وأخرج الخط وطالبه ، وقال كما أوصاه ، فألان ( عليه السلام ) له القول ورفقه ، وجعل يعتذر ، ووعده بوفائه وطيبة نفسه ، فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكّل ، فأمر أن يحمل إلى الإمام ( عليه السلام ) ثلاثون ألف درهم ، فلمّا حملت إليه تركها إلى أن جاء الرجل ، فقال : ( خذ هذا المال واقض منه دينك ، وأنفق الباقي على عيالك وأهلك ، واعذرنا ) . فقال له الأعرابي : يا ابن رسول الله ، والله إنّ أملي كان يقصر عن ثلث هذا ، ولكن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وأخذ المال وانصرف . |
مكانة الإمام الهادي ( عليه السلام ) العلمية اعتبر المؤرخون واصحاب السير الإمام الهادي ( عليه السلام ) علماً بارزاً من اعلام عصره في العلم والمعرفة . وقد ذكر الشيخ الطوسي ( قدس سره ) في كتابه المعروف بـ ( رجال الطوسي ) مائة وخمسة وثمانين تلميذاً وراوياً ، أخذوا وروا عن الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، الذي كان مرجع أهل العلم والفقه والشريعة في عصره . وحفلت كتب الرواية والحديث والفقه والمناظرة والتفسير وأمثالها بما أثر عنه ، واستفيد من علومه ومعارفه . وفيما يلي نذكر اسماء بعض تلامذته ورواته واصحابه : 1 ـ أحمد بن اسحاق بن عبد الله الاشعري . 2 ـ الحسين بن سعيد بن حماد الاهوازي . 3 ـ داود بن أبي يزيد من أهل نيشابور . 4 ـ علي بن مهزيار الاهوازي . 5 ـ الفضل بن شاذان النيشابوري . كما أن للإمام ( عليه السلام ) رسائل في مختلف العلوم والأمور ، نورد بعضاً منها : 1 ـ رسالته في الردّ على الجبر والتفويض ، وإثبات العدل ، والمنزلة بين المنزلتين ، أوردها بتمامها الحسن بن علي بن شعبة الحرّاني في كتابه الموسوم بـ ( تحف العقول ) . 2ـ أجوبته ليحيى بن أكثم عن مسائله ، وهذه أيضاً أوردها الحرّاني أيضاً في تحف العقول . 3ـ قطعة من أحكام الدين ، ذكرها ابن شهر آشوب في المناقب . ومن القصص التي تنقل في علمه ( عليه السلام ) هي : 1ـ قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة ، فأراد أن يقيم عليه الحَدَّ فأسلم النصراني . فقال يحيى بن أكثم : قد هدم إيمانه شركه وفعله ، وقال بعضهم : يضرب ثلاثة حدود ، وقل بعضهم : يفعل به كذا وكذا . فأمر المتوكِّل بالكتاب إلى الإمام الهادي ( عليه السلام ) وسؤاله عن ذلك . فلمَّا قرأ الكتاب كتب ( عليه السلام ) : ( يضرب حتَّى يموت ) . فأنكر يحيى وأنكر فقهاء العسكر ذلك ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، سَلْهُ عن ذلك ، فإنَّه شيء لم ينطق به كتاب ، ولم يجئ به سنة . فكتب إليه : إن الفقهاء قد أنكروا هذا وقالوا : لم يجئ به سنة ولم ينطق به كتاب ، فَبَيِّن لنا لِمَ أوجبت عليه الضرب حتَّى يموت ؟!! فكتب الإمام ( عليه السلام ) : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَلمَّا رَأَوا بَأسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ، فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُم إِيْمَا نُهُم لَمَّا رَأَوا بَأسَنَا ) غافر : 44 - 45 . فأمر به المتوكل ، فَضُرِب حتَّى مات . 2ـ لمَّا سُمَّ المتوكل ، نذر لله إن رزقه الله العافية أن يتصدّق بمال كثير ، فلمَّا سُلِمَ وَعُوفِي سأل الفقهاء عن حَدِّ المال الكثير كم يكون ؟ فاختلفوا عليه ، فقال بعضهم : ألف درهم ، وقال بعضهم : عشرة آلاف درهم ، وقال بعضهم : مائة ألف درهم ، فاشتبه عليه هذا . فقال له الحسن حاجبه : إن أتيتُك يا أمير المؤمنين من الخلق برجل يخبرك الصواب فما لي عندك ؟ فقال المتوكِّل : إن أتيت بالحقّ فلك عشرة آلاف درهم ، وإلا أضربك مائة مقرعة . قال الحاجب : قد رضيت ، فأتى الإمام الهادي ( عليه السلام ) فسأله عن ذلك . فقال له الإمام ( عليه السلام ) : قل له : ( تَصدَّق بثمانين درهماً ) . فرجع الحاجب إلى المتوكِّل فأخبره ، فقال المتوكل : سَلْهُ مَا العِلَّة في ذلك ؟ فأتى الحاجب الإمام ( عليه السلام ) فسأله . فقال الإمام ( عليه السلام ) : إنَّ الله عزَّوجل قال لنبيِّه ( صلى الله عليه وآله ) : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِن كَثِيرة ) التوبة : 25 ، فعددنا مواطن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فَبَلَغَتْ ثمانين موطناً . فرجع الحاجب إلى المتوكل فأخبره ، ففرح المتوكِّل وأعطاه عشرة آلاف درهم . |
منهج الإمام الهادي ( عليه السلام ) في تفسير القرآن قَدِم إلى المتوكِّل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة ، فأراد أنْ يقيمَ عليهِ الحَدَّ ، فأسلم الرجل النصراني . فقال يحيى بن أكثم : الإيمان يمحو ما قبله ، وقال بعضهم : يُضرب ثلاثة حدود . فكتب المتوكِّل إلى الإمام الهادي يسأله ، فلمَّا قرأ الكتاب ، كتب الإمام ( عليه السلام ) : ( يُضْرَبُ حَتَّى يَمُوتَ ) . فأنكر الفقهاء ذلك ، فكتب المتوكل إلى الإمام يسأله عن العِلَّة ، فكتب الإمام ( عليه السلام ) : ( بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) غافر : 84 - 85 . فَأمَر به المتوكِّلُ ، فَضُرِبَ حتى مَاتَ . |
مواعظ الإمام الهادي ( عليه السلام ) للإمام الهادي ( عليه السلام ) مواعظ كثيرة ، نذكر إليك بعض منها : الموعظة الأولى : الموت والسيّئات : عن الحسن بن علي ( عليه السلام ) قال : دخل علي بن محمّد ( عليه السّلام ) على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت ، فقال له : ( يا عبد الله تخاف من الموت لأنّك ﻻ تعرفه ، أرأيتك إذا اتّسخت وتقذّرت وتأذّيت من كثرة القذر والوسخ عليك ، وأصابك قروح وجرب ، وعلمت أنّ الغسل في حمّام يزيل ذلك كلّه ، أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك ؟ أو ما تكره أن ﻻ تدخله فيبقى ذلك عليك ) ؟ قال : بلى يا بن رسول الله . قال : ( فذاك الموت هو ذلك الحمّام ، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيّئاتك ، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كلّ غمّ وهمّ وأذى ووصلت إلى كلّ سرور وفرح ) ، فسكن الرجل ونشط واستسلم وغمض عين نفسه ومضى لسبيله ) . الموعظة الثانية : دار البلوى : قال ( عليه السلام ) : ( إنّ الله جعل الدنيا دار بلوى ، والآخرة دار عقبى ، وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً ، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ) . الموعظة الثالثة : الدنيا سوق : قال ( عليه السلام ) : ( الدنيا سوق ربح فيها قوم ، وخسر آخرون ) . الموعظة الرابعة : اذكر مصرعك : قال ( عليه السلام ) : ( اذكر مصرعك بين يدي أهلك ، ولا طبيب يمنعك ، ولا حبيب ينفعك ) . الموعظة الخامسة : حسرات التفريط : قال ( عليه السلام ) : ( اذكر حسرات التفريط تأخذ بقديم الحزم ) . |
ولادة الإمام الهادي ( عليه السلام ) وُلد الإمام العاشر من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) - وهو الإمام الهادي ( عليه السلام ) - في الخامس عشر من ذي الحجة 214 هـ ، وفي رواية في الثاني من رجب . |
سيرة الامام العسكري عليه السلام |
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 06:15 PM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025