![]() |
أدعية الإمام العسكري ( عليه السلام ) حفلت الأدعية التي أُثِرت عن الإمام العسكري ( عليه السلام ) بالدروس التربوية الهادفة إلى بناء صُرُوح العقيدة ، والإيمان بالله ، وتنمية الخوف والرهبة من الله في أعماق نفوس الناس ، لِتصدُّهُم عن الاعتداء ، وتمنعهم عن الظلم والطغيان . وقد كان اهتمام أهل البيت ( عليهم السلام ) بهذه الجهة اهتماماً بالغاً ، ولم يُؤثَر عن أحد من خِيَارِ المسلمين من الأدعية مثل ما أُثِر عنهم ( عليهم السلام ) . وإِنَّها لَتُعَد من أروع الثروات الفكرية والأدبية في الإسلام ، فقد حَوَت أصول الأخلاق ، وقواعد السلوك والآداب ، كما ألَمَّتَ بفلسفة التوحيد ومعالم السياسة العادلة وغير ذلك . ونشير هنا إلى قسم من أدعيته ( عليه السلام ) : 1ـ دعاؤه ( عليه السلام ) للاحتراز من المخاوف : عن سهل بن يعقوب ، قال : قلت للعسكري ( عليه السلام ) ذات يوم : يا سيّدي ! قد وقع إليّ اختيارات الأيّام عن سيّدنا الصادق ( عليه السلام ) ، ممّا حدّثني به الحسن بن عبد الله بن مظفر ، عن محمّد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، عن سيّدنا الصادق ( عليه السلام ) في كلّ شهر ، فأعرضه عليك ؟ فقال لي : ( افعل ) . فلمّا عرضته عليه وصحّحه ، قلت له : يا سيّدي في أكثر هذه الأيّام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من النحس والمخاوف ، فتدلّني على الاحتراز من المخاوف فيها ؟ فإنّما تدعوني الضرورة إلى التوجّه في الحوائج فيها . فقال لي : ( يا سهل ! إنّ لشيعتنا بولايتنا لعصمة ، لو سلكوا بها في لجّة البحار الغامرة ، وسباسب البيداء الغائرة ، بين سباع وذئاب ، وأعادي الجنّ والإنس ، لأمنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا ، فثق بالله عزّ وجلّ ، وأخلص في الولاء لأئمّتك الطاهرين ، وتوجّه حيث شئت ، واقصد ما شئت ، إذا أصبحت وقلت ثلاثاً : ( أصبحت اللّهم معتصماً بذمامك المنيع ، الذي لا يطاول ولا يحاول من شرّ كلّ طارق وغاشم ، من سائر ما خلقت ، ومن خلقت من خلقك الصامت والناطق في جنّة ، من كلّ مخوف بلباس سابغة ولاء أهل بيت نبيّك ، محتجزاً من كلّ قاصد لي إلى أذيّة بجدار حصين الإخلاص في الاعتراف بحقّهم ، والتمسّك بحبلهم جميعاً ، موقناً بأنّ الحقّ لهم ومعهم وفيهم وبهم ، أوالي من والوا ، وأجانب من جانبوا . فأعذني اللّهم من شرّ كلّ ما أتقيه يا عظيم ، حجزت الأعادي عنّي ببديع السماوات والأرض ، أنّا جعلنا من بين أيديهم سدّاً ، ومن خلفهم سدّاً ، فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) . وقلتها عشيّاً ثلاثاً ، حصنت في حصن من مخاوفك ، وأمن من محذورك ، فإذا أردت التوجّه في يوم قد حذّرت فيه ، فقدّم أمام توجهك : الحمد لله ربّ العالمين ، والمعوذتين ، وآية الكرسي ، وسورة القدر ، وآخر آية في سورة آل عمران ، وقل : ( اللّهم بك يصول الصائل ، وبقدرتك يطول الطائل ، ولا حول لكل ذي حول إلاّ بك ، ولا قوّة يمتارها ذو قوّة إلاّ منك ، بصفوتك من خلقك ، وخيرتك من بريتّك ، محمّد نبيّك وعترته وسلالته عليه وعليهم السلام ، صلّ عليهم ، واكفني شرّ هذا اليوم وضرره ، وارزقني خيره ويمنه . واقض لي في متصرّفاتي بحسن العاقبة ، وبلوغ المحبّة ، والظفر بالأمنية ، وكفاية الطاغية الغوية ، وكلّ ذي قدرة لي على أذيّة ، حتّى أكون في جنّة وعصمة من كلّ بلاء ونقمة ، وأبدلني من المخاوف فيه أمناً ، ومن العوائق فيه يسراً ، حتّى لا يصدّني صادّ عن المراد ، ولا يحلّ بي طارق من أذى العباد ، إنّك على كلّ شيء قدير ، والأمور إليك تصير ، يا من ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ) . 2ـ دعاؤه ( عليه السلام ) : ( اللّهم إنّي أشهدك بحقيقة إيماني ، وعقد عزمات يقيني ، وخالص صريح توحيدي ، وخفيّ سطوات سرّي ، وشعري وبشري ، ولحمي ودمي ، وصميم قلبي وجوارحي ولبّي ، بأنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت ، مالك الملك ، وجبّار الجبابرة ، وملك الدنيا والآخرة ، تعزّ من تشاء ، وتذلّ من تشاء ، بيدك الخير إنّك على كل شيء قدير . فأعزّني بعزّك ، واقهر لي من أرادني بسطوتك ، واخبأني من أعدائي في سترك ، صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون ، وجعلنا من بين أيديهم سدّاً ، ومن خلفهم سدّاً ، فأغشيناهم فهم لا يبصرون . بعزّة الله استجرنا ، وبأسماء الله إيّاكم طردنا ، وعليه توكّلنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبي وآله الطيبين الطاهرين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وهو نعم المولى ونعم النصير ، ومالنا إلاّ نتوكّل على الله ، وقد هدانا سبلنا ، ولنصبرنّ على ما آذيتمونا ، وعلى الله فليتوكّل المتوكّلون ، ومن يتوكّل على الله فهو حسبه ، إنّ الله بالغ أمره ، قد جعل الله لكل شيء قدراً ) . 2ـ دعاؤه ( عليه السلام ) في رفع الضر : ( اللّهم أنت السلام ، ومنك السلام ، واليك يرجع السلام ، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ، والمنن العظام والأيادي الجسام ، الهي مسنّي وأهلي الضر ، وأنت أرحم الراحمين ، وأرأف الأرأفين ، وأجود الأجودين ، وأحكم الحاكمين ، وأعدل الفاصلين . اللّهم إنّي قصدت بابك ، ونزلت بفنائك ، واعتصمت بحبلك ، واستغثت بك ، واستجرت بك ، يا غياث المستغيثين أغثني ، يا جار المستجيرين أجرني ، يا اله العالمين خذ بيدي ، إنّه قد علا الجبابرة في أرضك ، وظهروا في بلادك ، واتخذوا أهل دينك خولاً ، واستأثروا بفيء المسلمين ، ومنعوا ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلتها لهم ، وصرفوها في الملاهي والمعازف ، واستصغروا آلائك ، وكذّبوا أوليائك ، وتسلّطوا بجبروتهم ليعزوا من أذللت ، ويذلّوا من أعززت ، واحتجبوا عمّن يسألهم حاجة ، أو من ينتجع منهم فائدة ، وأنت مولاي سامع كل دعوة ، وراحم كل عبرة ، ومقيل كل عثرة ، سامع كل نجوى ، وموضع كل شكوى ، لا يخفى عليك شكوى ، لا يخفى عليك ما في السماوات العلى ، والأرضين السفلى ، وما بينهما وما تحت الثرى . اللّهم إنّي عبدك ابن أمتك ، ذليل بين برّيتك ، مسرع إلى رحمتك ، راجٍ لثوابك ، اللّهم إنّ كل من أتيته فعليك يدلّني ، وإليك يرشدني ، وفيما عندك يرغّبني ، مولاي وقد أتيتك راجياً ، سيّدي وقد قصدتك مؤملاً ، يا خير مأمول ، ويا أكرم مقصود ، صل على محمّد وعلى آل محمد ، ولا تخيّب أملي ، ولا تقطع رجائي ، واستجب دعائي ، وارحم تضرّعي ، يا غياث المستغيثين أغثني ، يا جار المستجيرين أجرني ، يا اله العالمين خذ بيدي ، انقضني واستنقذني ، ووفّقني واكفني . اللّهم إنّي قصدتك بأمل فسيح ، وأملتك برجاء منبسط ، فلا تخيّب أملي ، ولا تقطع رجائي ، اللّهم إنّه لا يخيب منك سائل ، ولا ينقصك نائل ، يا ربّاه يا سيّداه ، يا مولاه ، يا عماداه ، يا كهفاه ، يا حصناه ، يا حرزاه ، يا لجآه . اللّهم إيّاك أمّلت يا سيّدي ، ولك أسلمت مولاي ، ولبابك قرعت ، فصل على محمّد وآل محمّد ، ولا تردّني بالخيبة محروماً ، واجعلني ممّن تفضّلت عليه بإحسانك ، وأنعمت عليه بتفضّلك ، وجدت عليه بنعمتك ، واسبغت عليه آلائك . اللّهم أنت غياثي وعمادي ، وأنت عصمتي ورجائي ، مالي أمل سواك ، ولا رجاء غيرك . اللّهم فصل على محمّد وآل محمّد ، وجد عليّ بفضلك ، وامنن عليّ بإحسانك ، وافعل بي ما أنت أهله ، ولا تفعل بي ما أنا أهله ، يا أهل التقوى وأهل المغفرة ، وأنت خير لي من أبي وأمي ، ومن الخلق أجمعين . اللّهم إنّ هذه قصّتي إليك لا إلى المخلوقين ، ومسألتي لك إذ كنت خير مسؤول ، وأعز مأمول ، اللّهم صل على محمّد وآل محمّد ، وتعطف عليّ بإحسانك ، ومن عليّ بعفوك وعافيتك ، وحصّن ديني بالغنى ، وأحرز أمانتي بالكفاية ، واشغل قلبي بطاعتك ، ولساني بذكرك ، وجوارحي بما يقرّبني منك . اللّهم ارزقني قلباً خاشعاً ، ولساناً ذاكراً ، وطرفاً غاضّاً ، ويقيناً صحيحاً ، حتّى لا أحب تعجيل ما أخّرت ، ولا تقديم ما أجّلت يا رب العالمين ، ويا أرحم الراحمين . صل على محمّد وآل محمّد ، واستجب دُعائي ، وارحم تضرّعي ، وكفّ عنّي البلاء ، ولا تشمت بي الأعداء ، ولا حاسداً ، ولا تسلبني نعمة البستنيها ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ أبداً يا رب العالمين ، وصل على محمّد النبي وآله وسلّم تسليماً ) . |
الإمام العسكري ( عليه السلام ) وخلفاء بني العباس إن الحياة السياسية للدولة العباسية منذ خلافة المنصور وحتى خلافة المعتمد كانت قائمة على أساس القمع والإرهاب بصورة عامَّة ، وللعلويِّين بصورة خاصة . وقد عاصر الإمام العسكري ( عليه السلام ) مجتمعاً تسودُه حياة البذخ واللَّهو في قصور الخلفاء ، يقابله في الوقت نفسه مجتمع تسوده حالات الفقر ، والجوع ، والمرض ، والإرهاب ، بالإضافة إلى تردِّي الوضع الأخلاقي ، والسياسي ، والإداري ، والفوضى الفكرية . فكان من الطبيعي أن يتصدَّى الإمام ( عليه السلام ) فيعارض سياسة الدولة ، لذلك عَملت السُلطات العباسية الثلاث وهي سلطة المعتزُّ ، والمهتدي ، والمعتمدُ ، إلى اتِّبَاع سياسة التضييق على الإمام ( عليه السلام ) ومواجهته . ولما كانت شؤون القيادة والسياسة من مَهَامِّ الإمامة في الإسلام ، لذلك نجد أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) حَمَلوا لواء المعارَضة للسُلطات الحاكمة ، ونادوا بالعمل في كتاب الله وسُنَّة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . كما اتَّخذوا أساليب مختَلِفة لمواجهة الانحرافات ، وقد كلَّفتهم عملية التصدِّي ثمناً باهضاً ، ومعاناة تحمَّلوا فيها الملاحقة ، والسجون ، والقتل ، وغيرها . فالإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) كما نقلت لنا الروايات وكتب التاريخ ، زُجَّ في السجن ، وحُبِس عِدَّة مرات ، كما زُجَّ بأصحابه في المُعتقلات من قبل حُكَّام عصره . |
الإمام العسكري ( عليه السلام ) يزيل الشك عن الناس روي عن علي بن الحسن بن سابور قال : قحط الناس في زمن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، فأمر الخليفة الحاجب وأهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء ، فخرجوا ثلاثة أيام متوالية إلى المُصَلَّى يدعون فما سُقُوا . فخرج الجاثليق في اليومِ الرابع إلى الصحراء ، ومعه النصارى والرهبان ، وكان فيهم راهب كلما مدَّ يده هطلت السماء بالمطر . فشكَّ أكثر الناس وتعجـبوا وصَبُوا إلى دين النصرانية ، فأنفذ الخليفة إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) – وكان محبوساً – فاستخرجه من حبسه وقال : إلحق أمَّة جدك فقد هلكت . فقال ( عليه السلام ) : ( إني خارج في الغدِ ، ومزيلُ الشك إن شاء الله تعالى ) . فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه ، وخرج الإمام العسكري ( عليه السلام ) في نفرٍ من أصحابه ، فلما بصر بالراهب وقد مدَّ يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين إصبعيه ، فَفَعلَ وأخذ من بين اصبعيه عظماً . فأخذه الإمام ( عليه السلام ) بيده ثم قال له : ( إستسقِِ الآن ) . فاستقى وكانت السماء مُتَغَيِّمَةً فتقشَّعَت وطلعت الشمس بيضاء . فقال الخليفة : ماهذا العظم يا أبا محمد ؟ فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( هذا رجل مرَّ بقبر نبيٍّ من الأنبياء ، فوقع إلى يده هذا العظم ، وما كُشِفَ من عظم نبيٍّ إلا وهَطَلَتِ السماء بالمطر ) . |
تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) نذكر عدَّة موارد لتفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) القرآنَ الكريم : المورد الأول : لقد شغلَتْ الحروفُ المقطَّعة بالَ المفسِّرين ، فضرَبوا يميناً وشمالاً ، وقد أنهى الرازي أقوالهم فيها في أوائل تفسيره الكبير إلى قرابة عشرين قولاً . ولكنَّ الإمام ( عليه السلام ) عالجَ تلك المُعضلة بأحسن الوجوه وأقصرها ، إذ قال ( عليه السلام ) : ( كَذبَتْ قُريشٌ واليَهودُ بالقرآنِ ، وقَالوا سِحْر مبين تقوَّلَه . فَقَالَ اللهَ : ( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) البقرة : 1 - 2 . أي : يَا مُحمَّد ، هَذا الكِتَاب الَّذي نزَّلنَاهُ عَليكَ هُوَ الحُروفُ المقطَّعَة التي منها ( أَلِف ) ، ( لام ) ، (مِيم ) ، وهو بلغتكم وحروف هجائكم ، فأْتُوا بِمِثْلِهِ إنْ كُنتُم صَادِقِين ، واسْتَعينُوا عَلَى ذَلِكَ بِسَائِرِ شُهَدَائِكُم . ثُمَّ بيَّن أنَّهُم لا يَقدرُونَ عَلَيه بِقَولِهِ : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ) الإسراء : 88 . وقد رُوي هذا المعنى عن أبيه الإمام الهادي ( عليه السلام ) . المورد الثاني : كان أهل الشغب والجدل يلقون حِبالَ الشَكِّ في طريق المسلمين ، فيقولون : إنَّكم تقولون في صلواتكم : ( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ) الفاتحة : 5 ، أو لستُم فِيه ؟! فما معنى هذه الدعوة ؟! أو إنكم متنكِّبون عنه ، فتدعون ليهديكم إليه ؟! . ففسَّر الإمام العسكري ( عليه السلام ) الآية قاطعاً لِشَغَبِهِم ، فقال ( عليه السلام ) : ( أَدِمْ لَنَا تَوفِيقَكَ الَّذي بِهِ أطَعْنَاكَ فِي مَاضِي أيَّامِنا ، حَتَّى نُطِيعَكَ كَذَلِكَ فِي مُسْتَقبَلِ أعْمَالِنَا ) . ثُمَّ فسَّر الإمام ( عليه السلام ) الصراط بقوله : ( الصِّراطَ المُستَقِيم هو صِراطان : صراطٌ في الدُّنيا ، وصراطٌ في الآخِرَة ، أمَّا الأوَّل فَهو مَا قَصُر عَنْ الغُلُوِّ ، وارتَفَع عَن التَّقصيرِ ، واستقامَ فَلَمْ يَعْدِلْ إلى شَيءٍ مِنَ البَاطِلِ . وأمَّا الطَّرِيقُ الآخَرِ فَهوَ طَرِيقُ المُؤمِنِينَ إلى الجَنَّة ، الَّذي هُو مُستَقِيم ، لا يَعدِلُونَ عَن الجَنَّةِ إلَى النَّارِ ، وَلا إلى غَيرِ النَّارِ سِوَى الجَنَّة ) . وكان قد استفحل أمرُ الغلاةِ في عصر الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، ونَسَبُوا إلى الأئمَّة الهُداة أموراً هم عنها برَاء . ولأجل ذلك يركِّز الإمام علي ( عليه السلام ) على أنَّ الصراط المستقيم لِكلِّ مسلمٍ هُو التجنُّب عن الغلوِّ والتقصير . المورد الثالث : ربما يغترُّ الغافلُ بظاهر قوله سبحانه : ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ) الفاتحة : 6 . ويتصوَّر أنَّ المراد من النعمة هو المَالُ والأولادُ وصِحَّة البدن ، وإنْ كان كُلُّ هذا نعمة من الله ، ولكن المراد من الآية بقرينة قوله : ( غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ) الفاتحة : 6 ، هُو نِعْمة التوفيق والهداية . ولأجلِ ذلك نَرى أنَّ الإمام العسكري ( عليه السلام ) يفسِّر هذا المعنى بقوله : ( قُولُوا : اِهْدِنَا صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عَليهِمْ بالتَّوفِيقِ لِدِينِكَ وَطَاعَتِكَ ، وَهُم الَّذينَ قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ : ( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) ) النساء : 69 . ثُمَّ قال ( عليه السلام ) : ( لَيْسَ هَؤلاَء المُنعَم عَلَيهِم بالمَال وصِحَّة البَدَن ، وإنْ كَانَ كُلُّ هَذا نِعْمَةٌ مِن اللهِ ظَاهِرَة ) . المورد الرابع : لقد تفشَّتْ آنذاك فكرة عدم علمه سُبْحانه بالأشياء قبل أن تُخلق ، تأثُّراً بتصوِّرات بعض المدارس الفكرية الفلسفية الموروثة عن اليونان . فيقول محمد بن صالح : سألتُه عن قول الله : ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد : 39 . فقال الإمام العسكري ( عليه السلام ) : ( هَلْ يَمحُو إلاَّ مَا كَانَ ، وَهَلْ يُثبِتُ إلاَّ مَا لَمْ يَكُنْ ) . فقلتُ في نفسي : هذا خلاف ما يقوله هشام الفوطي : أنه لا يعلم الشيء حتى يكون . فنظر ( عليه السلام ) إليَّ شزراً ، وقال : ( تَعَالَى اللهُ الجَبَّارُ العَالِمُ بالشَّيءِ قَبلَ كَونِهِ ، الخَالِقُ إذْ لا مَخْلُوق ، والرَّبُّ إذْ لا مَرْبوب ، والقَادِرُ قَبْل المَقْدُورِ عَلَيه ) . |
رسالة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) حول أهمّية الإمامة أرسل الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) رسالة إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ـ أحد أصحابه الثقاة ـ بيّن فيها ( عليه السلام ) مدى أهمّية الإمامة ، جاء فيها : ( سترنا الله وإيّاك بستره ، وتولاّك في جميع أمورك بصنعه ، فهمت كتابك يرحمك الله ، ونحن بحمد الله ونعمته ، أهل بيت نرق على أوليائنا ، ونسرُّ بتتابع إحسان الله إليهم ، وفضله لديهم ، ونعتدّ بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم . فأتم الله عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك - ممّن قد رحمه الله وبصّره بصيرتك - نعمته وقدر تمام نعمته دخول الجنّة ، وليس من نعمة ، وإن جل أمرها وعظم خطرها ، إلاّ وتقدّست أسماؤه عليها ، مؤدٍ شكرها . وأنا أقول : الحمد لله أفضل ما حمده حامد إلى أبد الأبد ، بما منّ الله عليك من رحمته ، ونجّاك من الهلكة ، وسهّل سبيلك على العقبة ، وأيم الله أنّها لعقبة كؤود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، قديم في الزبر الأولى ذكرها . ولقد كانت منكم في أيّام الماضي ( عليه السلام ) إلى أن مضى لسبيله ، وفي أيّامي هذه ، أمور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ، ولا مسدّدي التوفيق . فاعلم يقيناً يا إسحاق : أنّه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً . يا إسحاق ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول : ( رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) ـ طه : 125 – 126 ـ . وأي آية أعظم من حجّة الله على خلقه ، وأمينه في بلاده ، وشهيده على عباده ، من بعد من سلف من آبائه الأوّلين النبيين ، وآبائه الآخرين الوصيين ( عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته ) . فأين يتاه بكم وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم ، عن الحق تصدفون ، وبالباطل تؤمنون ، وبنعمة الله تكفرون ، أو تكونون ممّن يؤمن ببعض الكتاب ، ويكفر ببعض ، فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزي في الحياة الدنيا ، وطول عذاب في الآخرة الباقية ، وذلك والله الخزي العظيم . إنّ الله بمنّه ورحمته لمّا فرض عليكم الفرائض ، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم ، بل رحمة منه - لا إله إلاّ هو - عليكم ليميز الخبيث من الطيّب ، وليبتلي ما في صدوركم ، وليمحّص ما في قلوبكم ، لتسابقوا إلى رحمة الله ، ولتتفاضل منازلكم في جنّته ، ففرض عليكم الحج والعمرة ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والصوم والولاية ، وجعل لكم باباً تستفتحون به أبواب الفرائض مفتاحاً إلى سبيله ، لولا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، والأوصياء من ولده ، لكنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض ، وهل تدخل مدينة إلاّ من بابها ، فلمّا منَّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم ، قال الله في كتابه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) ـ المائدة : 3 ـ . ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشاربكم ، قال : ( لآ أَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ـ الشورى : 23 ـ واعلموا أنّ من يبخل فإنّما يبخل عن نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء ، لا إله إلاّ هو ، ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم . ولولا ما يحب الله من تمام النعمة من الله عليكم ، لما رأيتم لي خطاً ولا سمعتم منّي حرفاً ، من بعد مضي الماضي ( عليه السلام ) ، وأنتم في غفلة مما إليه معادكم ، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبدة ، وكتابي الذي حمله إليكم محمّد بن موسى النيسابوري ، والله المستعان على كل حال ، وإيّاكم أن تفرطوا في جنب الله فتكونوا من الخاسرين ، فبعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة الله ، ولم يقبل مواعظ أوليائه ، فقد أمركم الله بطاعته ، وطاعة رسوله ، وطاعة أولي الأمر . رحم الله ضعفكم وغفلتكم ، وصبركم على أمركم ، فما أغر الإنسان بربّه الكريم ، ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب لتصدعت قلقاً وخوفاً من خشية الله ، ورجوعاً إلى طاعة الله ، واعملوا ما شئتم ( فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ، ثم تُردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمّد وآله أجمعين ) . |
شهادة الإمام العسكري ( عليه السلام ) أصبَحَت قيادَة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) وامتِدَادُها الجماهيري بين أوساط الأمَّة الإسلامية مصدر خَطَرٍ على السلطة العباسية . فأخذَ الخليفة المُعتَمِد يفكّر جدِّياً بتصفية شخص الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، فدسَّ إليه السُم . ومضى الإمام العسكري ( عليه السلام ) إلى رَبِّهِ مسموماً شهيداً ، في الثامن من ربيع الأوّل 260 هـ ، وعمره الشريف ثمان وعشرون سنة . |
عبادة الإمام العسكري ( عليه السلام ) لا شك أن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) هم قدوة الامة في العبادة ، والإخلاص لله عزّوجل ، وواضح أن من أبرز العناصر المقوّمة للإمامة هو عنصر الإخلاص لله سبحانه ، والتعلق به دون سواه ، وإن من أبرز معالم هذا الإخلاص والعبودية لله في حياة البشرية ، هو العبادة والتسليم لإمر الله سبحانه . وقد ورد في كثير من الروايات التي وصلتنا أنها تتحدث عن عبادة الإمام العسكري ( عليه السلام ) كما تحدثت عن عبادة آبائه ( عليهم السلام ) ، ومن أهمها ، الروايات التي تحدثت عن عبادته ( عليه السلام ) وكيفية تعلقه بالله عزّوجلّ حتى عندما كان في السجن . وفي الحقيقة ان هذه الصورة تعيد الى الاذهان صورة جدّه الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) عندما كان في سجن هارون الرشيد ، وهو يقول : ( إني دعوت الله أن يفرغني للعبادة ففعل ) . وقد روي عن الإمام العسكري ( عليه السلام ) عندما أودع السجن أيام الحكم العباسي ، أنّه كان يصوم نهاره ويقوم ليله ، لا يتكلم ولا يتشاغل بغير عبادة الله سبحانه . |
علم الإمام العسكري ( عليه السلام ) عاش الإمام العسكري ( عليه السلام ) في القرن الثالث الهجري ، وهو قرن كانت المدارس الفكرية قد اكتملت فيه شخصيتها ، خصوصاً في مجال الفقه ومذاهبه ، والتفسير والكلام واصول الفقه ، والفلسفة والحديث وغيرها . وقد تحددت معالم مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) من خلال النشاطات العلميّة للإمام العسكري ( عليه السلام ) إذ قام بإعداد ثلة من الرواة والتلاميذ ، وما قام به من مراسلات ومحاورات واجوبة على المسائل المختلفة ، وما روى من أحاديث ، وبث من علوم ومعارف ، فقد نقلت عنه ( عليه السلام ) ذلك كتب الاحاديث والتفسير ، والمناظرة وعلم الكلام وغيرها . |
كرامات الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) يتميّز الأئمة ( عليهم السلام ) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب ، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم - مثل الأنبياء - معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وكونَهم أئمة ، وللإمام العسكري ( عليه السلام ) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ ، ونذكر هنا بعضاً منها : الكرامة الأولى : عن أبي هاشم الجعفري قال : لما مضى أبو الحسن ( عليه السلام ) صاحب العسكر ، اشتغل أبو محمّد ابنه بغسله وشأنه ، وأسرع بعض الخدم إلى أشياء احتملوها من ثياب ودراهم وغيرها . فلمّا فرغ أبو محمّد ( عليه السلام ) من شأنه ، صار إلى مجلسه فجلس ، ثمّ دعا أولئك الخدم ، فقال لهم : ( إن صدّقتموني عمّا أحدثكم فيه ، فأنتم آمنون من عقوبتي ، وإن أصررتم على الجحود دللت على كل ما أخذه كل واحد منكم ، وعاقبتكم عند ذلك بما تستحقونه منّي ) . ثمّ قال : ( أنت يا فلان ، أخذت كذا وكذا ، أكذلك هو ؟ ) قال : نعم يا ابن رسول الله ، قال : ( فردّه ) . ثمّ قال : ( وأنت يا فلانة أخذت كذا وكذا ، أكذلك هو ؟ ) قالت : نعم ، قال : ( فردّيه ) . فذكر لكل واحد منهم ما أخذه وصار إليه حتّى ردّوا جميع ما أخذوه . الكرامة الثانية : قال أبو هاشم الجعفري : إنّ أبا محمّد ( عليه السلام ) ركب يوماً إلى الصحراء فركبت معه ، فبينا نسير وهو قدّامي وأنا خلفه ، إذ عرض لي فكر في دين كان عليّ قد حان أجله ، فجعلت أفكر من أي وجه قضاؤه . فالتفت إلي فقال : ( يا أبا هاشم الله يقضيه ) ، ثمّ انحنى على قربوس سرجه ، فخطّ بسوطه خطّة في الأرض ، وقال : ( انزل فخذ واكتم ) . فنزلت فإذا سبيكة ذهب ، قال : فوضعتها في خفي وسرنا ، فعرض لي الفكر ، فقلت : إنّ كان فيها تمام الدين وإلاّ فإنّي أرضي صاحبه بها ، ويجب أن ننظر الآن في وجه نفقة الشتاء ، وما نحتاج إليه فيه من كسوة وغيرها . فالتفت إليّ ثمّ انحنى ثانية ، وخطّ بسوطه خطّة في الأرض مثل الأولى ، ثمّ قال : ( انزل فخذ واكتم ) . قال : فنزلت ، وإذا سبيكة فضّة فجعلتها في خفي الآخر ، وسرنا يسيراً ، ثمّ انصرف إلى منزله وانصرفت إلى منزلي ، فجلست فحسبت ذلك الدين وعرفت مبلغه ، ثمّ وزنت سبيكة الذهب فخرجت بقسط ذلك الدين ما زادت ولا نقصت ، ثمّ نظرت فيما نحتاج إليه لشتوتي من كل وجه ، فعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه على الاقتصاد ، بلا تقتير ولا إسراف ، ثمّ وزنت سبيكة الفضة ، فخرجت على ما قدرته ما زادت ولا نقصت . الكرامة الثالثة : روي عن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي ( عليهم السلام ) ، قال : صحبت أبا محمّد ( عليه السلام ) من دار العامّة إلى منزله ، فلمّا صار إلى الدار وأردت الانصراف ، قال : ( أمهل ) ، فدخل ثمّ أذن لي . فدخلت فأعطاني مائة دينار ، وقال : ( صيّرها في ثمن جارية ، فإنّ جاريتك فلانة ماتت ) ، وكنت خرجت من منزلي وعهدي بها أنشط ما كانت ، فمضيت فإذا الغلام قال : ماتت جاريتك فلانة الساعة . قلت : ما حالها ؟ قال : شربت ماء ، فشرقت فماتت . الكرامة الرابعة : قال أبو هاشم الجعفري : كنت محبوساً مع أبي محمّد ( عليه السلام ) في حبس المهتدي بن الواثق ، فقال لي : ( إنّ هذا الطاغي أراد أن يتعبث بالله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره ، وساء رزقه ) . فلمّا أصبحنا شغب الأتراك على المهتدي فقتلوه ، وولي المعتمد مكانه ، وسلّمنا الله . الكرامة الخامسة : قال الحسن بن ظريف : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتابة بهما إلى أبي محمّد ( عليه السلام ) ، فكتبت أسأله عن القائم ( عليه السلام ) بم يقضي ؟ وأين مجلسه ؟ وكنت أردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع ، فأغفلت ذكر الحمى . فجاء الجواب : ( سألت عن القائم إذا قام ، يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود ، ولا يسأل البينة ، وكنت أردت أن تسأل لحمى الربع فأنسيت ، فاكتب في ورقة وعلّقه على المحموم : يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبراهِيمَ ) ، فكتبته وعلّقته على المحموم فبرأ . الكرامة السادسة : قال علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي ( عليه السلام ) : كان لي فرس كنت به معجباً ، أكثر ذكره في المجالس ، فدخلت على أبي محمّد ( عليه السلام ) يوماً ، فقال : ( ما فعل فرسك ؟ ) قلت : هو ذا على بابك الآن . فقال : ( استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتر لا تؤخّر ذلك ) ، ودخل داخل فانقطع الكلام ، فقمت مفكّراً ومضيت إلى منزلي ، فأخبرت أخي بذلك ، فقال : ما أدري ما أقول في هذا ، وشححت به ، ونفست على الناس به ، فلمّا صلّيت العتمة جاءني السائس . فقال : نفق فرسك الساعة فاغتممت ، وعلمت أنّه عنى هذا بذلك القول . فدخلت على أبي محمّد ( عليه السلام ) من بعد ، وأنا أقول في نفسي ليته أخلف عليّ دابة ، فقال قبل أن أتحدّث بشيء : ( نعم ، نخلف عليك ، يا غلام أعطه برذوني الكميت ) ، ثمّ قال لي : ( هذا خير من فرسك ، وأوطأ وأطول عمراً ) . الكرامة السابعة : روي عن أبي حمزة نصير الخادم قال : سمعت أبا محمّد ( عليه السلام ) غير مرّة يكلّم غلمانه وغيرهم بلغاتهم ، وفيهم روم وترك وصقالبة ، فتعجّبت من ذلك ، وقلت : هذا ولد هنا ، ولم يظهر لأحد حتّى مضى أبو الحسن ، ولا رآه أحد ، فكيف هذا ؟ أحدث بهذا نفسي . فأقبل عليّ فقال : ( إنّ الله بيّن حجّته من بين سائر خلقه ، وأعطاه معرفة كل شيء ، فهو يعرف اللغات والأسباب والحوادث ، ولولا ذلك لم يكن بين الحجّة والمحجوج فرق ) . الكرامة الثامنة : قال ابن الفرات : كان لي على ابن عم عشرة آلاف درهم ، فكتبت إلى أبي محمّد ( عليه السلام ) أسأله الدعاء لذلك ، فكتب إليّ أنّه راد عليك مالك ، وهو ميّت بعد جمعة ، قال : فردّ عليّ ابن عمّي مالي ، فقلت له : ما بدا لك في ردّه وقد منعتنيه ؟ قال : رأيت أبا محمّد ( عليه السلام ) في النوم ، فقال : ( إنّ أجلك قد دنا ، فردّ على ابن عمّك ماله ) . الكرامة التاسعة : قال علي بن الحسن بن سابور : قحط الناس بسر من رأى في زمن الحسن الأخير ( عليه السلام ) ، فأمر المعتمد بن المتوكّل الحاجب وأهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء . فخرجوا ثلاثة أيّام متوالية إلى المصلّى يستسقون ويدعون ، فما سقوا ، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء ومعه النصارى والرهبان ، وكان فيهم راهب ، فلمّا مد يده هطلت السماء بالمطر . وخرج في اليوم الثاني ، فهطلت السماء بالمطر ، فشكّ أكثر الناس ، وتعجّبوا وصبّوا إلى النصرانية ، فبعث الخليفة إلى الحسن ( عليه السلام ) ، وكان محبوساً فاستخرجه من حبسه ، وقال : ألحق أمّة جدّك فقد هلكت . فقال له : ( إنّي خارج في الغد ، ومزيل الشك إن شاء الله ) . فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه ، وخرج الحسن ( عليه السلام ) في نفر من أصحابه ، فلمّا بصر بالراهب ، وقد مدّ يده ، أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ، ويأخذ ما بين إصبعيه ففعل ، وأخذ من بين سبابته والوسطى عظماً أسود ، فأخذ الحسن ( عليه السلام ) بيده ، ثمّ قال له : ( استسق الآن ) ، فاستسقى وكانت السماء متغيّمة فتقشّعت ، وطلعت الشمس بيضاء ، فقال الخليفة : ما هذا العظم يا أبا محمّد ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( هذا رجل مر بقبر نبي من أنبياء الله ، فوقع في يده هذا العظم ، وما كشف عن عظم نبي إلاّ هطلت السماء بالمطر ) . الكرامة العاشرة : قال محمّد بن عبد الله : وقع أبو محمّد ( عليه السلام ) ـ وهو صغير ـ في بئر الماء ، وأبو الحسن ( عليه السلام ) في الصلاة ، والنسوان يصرخن ، فلمّا سلّم قال : ( لا بأس ) ، فرأوه وقد ارتفع الماء إلى رأس البئر ، وأبو محمّد على رأس الماء يلعب بالماء . |
كلمات الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) القصار وردت عدّة كلمات قصار للإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، نذكر بعضاً منها : 1ـ قال ( عليه السلام ) : ( خير إخوانك من نسي ذنبك ، وذكر إحسانك إليه ) . 2ـ قال ( عليه السلام ) : ( أضعف الأعداء كيداً من أظهر عداوته ) . 3ـ قال ( عليه السلام ) : ( حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن ) . 4ـ قال ( عليه السلام ) : ( أولى الناس بالمحبّة منهم من أمّلوه ) . 5ـ قال ( عليه السلام ) : ( من آنس بالله استوحش الناس ، وعلامة الأنس بالله الوحشة من الناس ) . 6ـ قال ( عليه السلام ) : ( جعلت الخبائث في بيت ، والكذب مفاتيحها ) . 7ـ قال ( عليه السلام ) : ( إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودّعوها ) . 8ـ قال ( عليه السلام ) : ( اللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شرّه ) . 9ـ قال ( عليه السلام ) : ( الجهل خصم ، والحلم حكم ، ولم يعرف راحة القلوب من لم يجرّعه الحلم غصص الصبر والغيظ ) . 10ـ قال ( عليه السلام ) : ( من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة ) . 11ـ قال ( عليه السلام ) : ( المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة ، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره ، ولا تدفع بالإمساك عنها ) . 12ـ قال ( عليه السلام ) : ( نائل الكريم يحببّك إليه ويقرّبك منه ، ونائل اللئيم يباعدك منه ويبغضك إليه ) . 13ـ قال ( عليه السلام ) : ( من كان الورع سجيته ، والكرم طبيعته ، والحلم خلّته كثر صديقه ، والثناء عليه ، وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه ) . 14ـ قال ( عليه السلام ) : ( السَهر ألذّ للمنام ، والجوع أزيد في طيب الطعام ) . 15ـ قال ( عليه السلام ) : ( المؤمن بركة على المؤمن ، وحجّة على الكافر ) . 16ـ قال ( عليه السلام ) : ( قلب الأحمق في فمه ، وفم الحكيم في قلبه ) . 17ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض ) . 18ـ قال ( عليه السلام ) : ( من تعدّى في طهوره كان كناقضه ) . 19ـ قال ( عليه السلام ) : ( ما ترك الحقَ عزيزٌ إلاّ ذلّ ، ولا أخذ به ذليل إلاّ عزّ ) . 20ـ قال ( عليه السلام ) : ( صديق الجاهل تعب ) . 21ـ قال ( عليه السلام ) : ( خصلتان ليس فوقهما شيء : الإيمان بالله ونفع الإخوان ) . 22ـ قال ( عليه السلام ) : ( جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره ) . 23ـ قال ( عليه السلام ) : ( ليس من الأدب إظهار الفرح عند المحزون ) . 24ـ قال ( عليه السلام ) : ( خير من الحياة ما إذا فقدته بغضت الحياة ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت ) . 25ـ قال ( عليه السلام ) : ( رياضة الجاهل وردّ المعتاد عن عادته كالمعجز ) . 26ـ قال ( عليه السلام ) : ( التواضع نعمة لا يحسد عليها ) . 27ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا تكرم الرجل بما يشقّ عليه ) . 28ـ قال ( عليه السلام ) : ( من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه ) . 29ـ قال ( عليه السلام ) : ( ما من بلية إلاّ ولله فيها نعمة تحيط بها ) . 30ـ قال ( عليه السلام ) : ( ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلّه ) . |
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 02:27 PM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025