منتديات أنا شيعـي العالمية

منتديات أنا شيعـي العالمية (https://www.shiaali.net/vb/index.php)
-   منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام (https://www.shiaali.net/vb/forumdisplay.php?f=63)
-   -   سيرة اهل البت عليهم السلام (https://www.shiaali.net/vb/showthread.php?t=1392)

صدرية.حكيمية 19-08-2006 06:35 AM

لقد جاء في بعض بنود الصُلح ما يلي :
1 - أن يعمل معاوية بكتاب الله وسُنَّة رسوله ، وسيرة الخلفاء الصالحين .
2 - ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً بل يكون الأمر من بعده له ( عليه السلام ) ثم لأخيه الحسين ( عليه السلام ) .
3 - الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله ، في شَامِهِم ، وعِرَاقِهم ، وحِجَازهم ، ويَمَنِهم .
4 - أنَّ أصحاب عليٍّ وشيعته آمنون على أنفسهم ، وأموالهم ، ونسائهم ، وأولادهم .
5 - أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله ( صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ) غائلة ، لا سِرّاً ولا جهراً ، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق .
فإن نظرة خاطفة لهذه الشروط تهدينا إلى أنها اشتملت على أهم قواعد النظام الإسلامي من دستورية الحكم على هدى الكتاب والسُّنَّة .
وأنه مسؤول عن توفير الأمن للجميع ، وبالذات لقيادة المعارضة ، وهم أهل بيت الرسول ( صلى الله عليه وآله ) .
وقد قبل معاوية بهذه الشروط ، مما جعلها أساساً للنظام عند الناس ، وقد وجد الإمام ( عليه السلام ) بذلك أفضل طريقة لتبصير الناس بحقيقته ، وتأليب أصحاب الضمائر والدين عليه ، حين كان يخالف بعض تلك الشروط .
وقد تحمَّل الإمام الحسن ( عليه السلام ) عناءً كبيراً في إقناع المسلمين بالصلح مع معاوية ، حيث أنَّ النفوس التي كانت تلتهب حماساً ، والتي كانت معبأة نفسيّاً ضد معاوية ، كانت تأبى البيعة معه .
على أنَّ القشريين من طائفة الخوارج كانت ترى كفر من أسلم الأمر إلى معاوية ، وقد قالوا للإمام الحسن ( عليه السلام ) : كَفَرَ والله الرَّجُلُ .
مُعارضة الصحابة :
خطب الإمام الحسن ( عليه السلام ) بعد صلحه مع معاوية في الناس قائلاً : ( أيُّها الناس ، إنكم لو طلبتم ما بين جابلقا وجابرسا رَجُلاً جَدُّه رسول اللـه ( صلى الله عليه وآله ) ما وجدتم غيري وغير أخي .
وإنَّ معاوية نازعني حقّاً هو لي ، فتركتُه لصلاح الأمّة ، وحقن دمائها .
وقد بايعتموني على أن تسالموا من سَالَمتُ ، وقد رأيت أن أُسالمه ، وأن يكون ما صنعتُ حجةً على من كان يتمنَّى هذا الأمر ، وإنْ أَدري لعلَّه فتنة لكم ، ومتاع إلى حين ) .
ومع ذلك فقد عارضه بعض أفضل أصحابه في ذلك ، فقال حجر بن عدي له : أما والله لَوَددتُ أنك مُتَّ في ذلك اليوم ، ومتنا معك ولم نَرَ هذا اليوم ، فإنا رجعنا راغمين بما كرهنا ، ورجعوا مسرورين بما أحبُّوا .
ويبدو أن الإمام ( عليه السلام ) كره أن يجيبه في الملأ ، إلاَّ أنه حينما خلا به قال ( عليه السلام ) : ( يا حجر ، قد سمعتُ كلامك في مجلس معاوية ، وليس كلُّ إنسان يُحب ما تُحب ، ولا رأيه كرأيك ، وإنِّي لم أفعل ما فعلتُ إلاَّ إبقاءً عليكم ، والله تعالى كلَّ يوم هو في شأن ) .
وكان سفيان من شيعة أمير المؤمنين والحسن ( عليهما السلام ) ، ولكنَّه دخل على الإمام ( عليه السلام ) وعنده رهط من الناس فقال له : السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين .
فقال ( عليه السلام ) له : ( وعليكَ السَّلام يا سفيان ) .
يقول سفيان : فنزلتُ فعقلت راحلتي ، ثم أتيته فجلست إليه ، فقال ( عليه السلام ) : ( كيفَ قُلتَ يا سفيان ؟ ) .
قال : قلتُ : السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين .
والله بأبي أنت وأمِّي أذلَلْتَ رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة ، وسَلَّمت الأمر إلى اللَّعين ابن آكلة الأكباد ، ومعك مئة ألف كلُّهم يموت دونك ، وقد جمع الله عليك أمر الناس .
فقال ( عليه السلام ) : ( يا سفيان ، إنَّا أهل بيت إذا علمنا الحقَّ تمسَّكنا به ، وإنّي سمعت عليّاً ( عليه السلام ) يقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول :
لا تذهب الأيَّام واللَّيالي حتَّى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ، ضخم البلعوم ، يأكل ولا يشبع ، لا ينظر الله إليه .
ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر ، ولا في الأرض ناصر ، وإنَّه لمعاوية ، وإنّي عرفتُ أنَّ الله بالغ أمره ) .
ثم أذَّن المؤذِّن ، فقمنا إلى حالبٍ يحلبُ ناقته ، فتناول الإناء فشرب قائماً ، ثمَّ سقاني ، وخرجنا نمشي إلى المسجد ، فقال ( عليه السلام ) لي : ( ما جاء بك يا سفيان ؟ ) .
قلت : حُبُّكم والذي بعث محمدّاً بالهدى ودين الحق .
فقال ( عليه السلام ) : ( فأبشِرْ يا سفيان ، فإنِّي سمعت عليّاً ( عليه السلام ) يقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول :
يرد عليَّ الحوض أهل بيتي ومَن أحبَّهم من أُمَّتي كهاتين - يعني السبّابتين - ، أو كهاتين - يعني السبابة والوسطى - ، إحداهما تفضل على الأخرى .
أبشِرْ يا سفيان ، فإنَّ الدنيا تسع البرَّ والفاجر ، حتَّى يبعث الله إمام الحقِّ من آل محمَّد ( صلى الله عليه وآله ) .
وفي بعض الأحيان كان الإمام الحسن ( عليه السلام ) يصد على أصحابه ببيعة معاوية .
فحين دخل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري - صاحب شرطة الخميس الذي أسَّسَه الإمام علي ( عليه السلام ) - على معاوية ، قال له معاوية : بايع .
فنظر قيس إلى الحسن ( عليه السلام ) ، فقال : يا أبا محمَّد ، بايعت ؟
فقال له معاوية : أما تنتهي ؟ أما والله إنِّي ... .
فقال له قيس : ما شئت ، أَمَا والله لَئِن شئت لتناقضت به .
فقام إليه الحسن ( عليه السلام ) ، وقال له : ( بَايِعْ يا قيس ) ، فبايَعَ .
ما أكرم أبا محمَّدٍ الحسن المجتبى ( عليه السلام ) ، وأسخى تضحيته حين أقدم على الصلح الذي اعتبره بعض حواريِّه ذُلاًّ ، وزعَمَهُ أعداؤه جبناً واستسلاماً ، ولم يكن إلاَّ أروع صور النصر على الذات ، ومقاومة نزوة الهوى ، والمحافظة على دماء المسلمين ، وتحقيقاً لكلمة الرسول الصادق المصدَّق ( صلى الله عليه وآله ) حين قال : ( إنَّ ابني هذا سيِّد ، ولعلَّ الله عزَّ وجلَّ يصلح به بين فئتين من المسلمين ) .
فلولا أن الحسن كان قدوة الصلاح ، وأسوة التضحيات ، وجماع المكرمات ، وكان بالتالي الإمام المؤيَّد بالغيب ، لتمزَّقت نفسه الشريفة بصعود معاوية أريكة الحكم ، وهو الذي قال فيه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( إذا رأيتُم معاوية هذا على منبري فاقتلوه ، ولن تفعلوا ) .
ولولا اتِّصال قلبه الكبير بروح الربِّ إذاً لمات كمداً ، حيث كان يرى تقهقر المسلمين ، وصعود نجم الجاهلية الجديدة .
ولولا حلمه ( عليه السلام ) العظيم ، النابع من قوة إيمانه بالله ، وتسليمه لقضائه ، إذاً ما صبر على معاوية ، وهو يرقى منبر جَدِّه ، ويمزِّقَ منشور الرسالة ، ويسبُّ أعظم الناس بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) .
بلى ، ولكنَّ الحسن ( عليه السلام ) آثر الآخرة على الدنيا ، لأنها - الآخرة - دارٌ جعلها الله للذين لا يريدون الفساد والعُلوَّ في الأرض .

صدرية.حكيمية 19-08-2006 06:36 AM

إمامة الإمام الحسن ( عليه السلام )
بعد فاجعة شهادة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تولَّى الإمام الحسن ( عليه السلام ) دفنه .
وبعد أن انتهى المسلمون من مراسم العزاء قام الإمام الحسن ( عليه السلام ) في المسجد خطيباً ، وقال : ( أيُّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي ، وأنا ابن البشير النذير ، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل إلينا ، ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطَهَّرهم تطهيراً .
وأنا من أهل بيت افترض الله مودَّتهم عى كلِّ مسلم ، فقال تبارك وتعالى لنبيِّه ( صلى الله عليه وآله ) : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ) ـ الشورى : 23 ـ فاقتراف الحسنة مَوَدَّتُنا أهل البيت ) .
وهكذا انهالت الجماهير إلى بيعة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، عن رضاً وطيب نفس ، لأنهم رأوا فيه المثال الفاضل لمؤهلات الخليفة الحق .
وعلى كلِّ حالٍ يجب أن يكون إمام المسلمين مختاراً من قبل الله تعالى ، منصوصاً عن لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
فيجب أن يكون قِمَّة في المكرمات والفضائل ، أكفأ الناس وأورعهم وأعلمهم والحسن ( عليه السلام ) كذلك .
قد توفرت فيه شروط والي أمر المسلمين بأكمل وجه وأحسنه ، وهو صاحب النص المأثور عن الرسول العظيم : ( الحَسَن والحسين إمامان قَامَا أو قعدا ) .
وبايعه الناس بعد أن حضَّهم عليها خيار الصحابة والأنصار ، فقد قال في ذلك عبيد الله بن العباس : معاشر الناس هذا ابن نبيِّكم ، ووصي إمامكم فبايعوه .
وكان للإمام الحسن ( عليه السلام ) حُبٌّ في القلوب نابعٌ عن صميم قلوب المسلمين .
وقد اتَّخذ أصله عن حُبِّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) له ، وحُبِّ الله تعالى لمن أَحَبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
أضف إلى ذلك ، ما كانت تقتضيه الظروف ، من رجل يقابل معاوية ومن التفَّ حوله من الحزب الأموي الماكر ، وله من كفاءة القيادة ، وسداد الرأي ، والمودة في قلوب المسلمين .
لذلك أسرع المسلمون إلى بيعته قائلين : ما أَحَبُّه إلينا ، وأوجب حقَّه علينا ، وأحقه بالخلافة .
وجاء في مقدمة الزعماء المجاهدين الأنصاري الثائر ، قيس بن سعد ، فبايعه وهو يقول : أبسط يدك أبايعك على كتاب الله وسُنَّة نبيه ، وقتال المحلين .
فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( عَلى كتاب الله وسنّة نبيه ، فإنهما يأتيان على كلِّ شرط ) .
وكلما دخل فوج يبايعونه قال لهم : ( تبايعون لي على السمع والطاعة ، وتحاربون من حاربت ، وتسالمون من سالمت ) .
وتمَّت البيعة في العقد الثالث من شهر رمضان المبارك ، بعد أربعين عاماً من الهجرة النبوية .

صدرية.حكيمية 19-08-2006 06:37 AM

بلاغة الإمام الحسن ( عليه السلام )
كان الإمام الحسن ( عليه السلام ) قمّة في البلاغة والفصاحة ، وكلامه دليل على ذلك ، وإليك بعض كلماته الدالّة على ذلك :
1ـ عن جنادة بن أبي أميّة قال : دخلت على الحسن ( عليه السلام ) في مرضه الذي توفّي فيه ، فقلت له : عظني يا بن رسول الله ؟
قال ( عليه السلام ) : ( نعم يا جنادة ، استعدَّ لسفرك ، وحصّل زادك قبل حلول أجلك ، واعلم أنّك تطلب الدنيا والموت يطلبك ، ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه ، واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوّتك إلاّ كنت فيه خازناً لغيرك .
واعلم أنّ الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ، وفي الشبهات عتاب ، فَأَنزِلِ الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك ، فإن كان حلالاً كنت قد زهدت فيه ، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر ، فأخذت منه كما أخذت من الميتة ، وإن كان العقاب فالعقاب يسير .
واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً ، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة ، وهيبة بلا سلطان ، فاخرج من ذل معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزَّ وجلَّ .
وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة ، فاصحب مَن إذا صحبته زانك ، وإذا أخذت منه صانك ، وإذا أردت منه معونة أعانك ، وإن قلت صدَّقك ، وإن صلت شدّ صولتك ، وإن مددت يدك بفضل مدّها ، وإن بدت منك ثلمة سدّها ، وإن رأى منك حسنة عدّها ، وإن سألته أعطاك ، وإن سكتَ عنه ابتداك ، وإن نزلت بك إحدى الملمّات واساك ، مَن لا تأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك منه الطرائق ، ولا يخذلك عند الحقائق ، وإن تنازعتما منقسماً آثرك ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) في بيان إبطال الجبر والتفويض : ( من لا يؤمن بالله وقضائه وقدره فقد كفر ، من حمل ذنبه على ربّه فقد فجر ، إنّ الله لا يُطاع استكراهاً ، ولا يعطي لغلَبه لأنّه المليك لما ملَّكهم ، والقادر على ما أقدرهم ، فإن عملوا بالطاعة لم يَحُل بينهم وبين ما فعلوا ، فإذا لم يفعلوا فليس هو الذي يجبرهم على ذلك .
فلو أجبر الله الخلق على الطاعة لأسقط عنهم الثواب ، ولو أجبرهم على المعاصي لأسقط عنهم العقاب ، ولو أنّه أهملهم لكان عجزاً في القدرة ، ولكن له فيهم المشيئة التي غيَّبها عنهم ، فإن عملوا بالطاعات كانت له المنّة عليهم ، وإن عملوا بالمعصية كانت له الحجّة عليهم ) .

صدرية.حكيمية 19-08-2006 06:37 AM

تربية الإمام الحسن ( عليه السلام )
مقدمة :
يحتاج الطفل - أي طفل - إلى هندسة وموازنة بين ميوله وطاقاته ، ويفتقر إلى تربة صالحة ينشأ فيها وتصقل مواهبه .
ويعوزه تنظيف لموارد الثقافة التي يتلقاها ، والحضارة التي يتطبع عليها ، والتربية التي ينشأ عليها .
إنه عالم قائم بنفسه ، يحمل كل سمات الحياة بصورة مصغّرة ، في صخبها وأمنها ، في سعادتها وشقائها ، في ذكائها وبلادتها ، في صفائها وحقدها ، في تفوّقها وتأخّرها ، في إيمانها وجحودها ، في حربها وسلمها ، إلخ .
وهذا ما أشغل العلماء والباحثين ، فراحوا يعدون البحوث ، ويلقون المحاضرات ، ويؤلفون الكتب ، ويوردون النظريات في مسألة ( تربية الطفل ) .
ونشأ من بينهم عِدَّة ترى أن سلوك الطفل مرتبط بالعوامل الوراثية التي يحملها بين جوانحه ، ورأى عكس ذلك آخرون .
فأرجعوا كل أنماط السلوك الفردي والإجتماعي إلى البيئة والمحيط ، والتربية والتنشئة ، وأنكروا كل أثر إلى الوراثة ينسب .
وبلغ الخصام بين هاتين المدرستين في علم النفس والتربية إلى أنك ما تكاد تفتح كتاباً يتناول موضوع التربية إلا وجدته إلى إحدى المدرستين يميل ، وعن أحد الرأيين يدافع ، مفنداً الرأي الآخر .
ولعلك تسأل : أي الرأيين أصح ؟ وأي العاملين في سلوك الطفل أهم : الوراثة أم التربية ؟!
فبدلاً من أن نجيبك على سؤالك هذا ، نسأل بدورنا أيضاً : أيهما أهم للسيارة : المحرك ، أم الوقود ؟! هذه هي مشكلة التربية .
وسنلقي الضوء في السطور القادمة على الآثار المترتبة لسيرة الإمام الحسن ( عليه السلام ) من خلال هذين الجانبين المهمين .
الأول : الوراثة :
ليس هناك من شك بأن للوراثة أثرها الكبير في صياغة الفرد صياغة مكيَّفة بالبيئة التي انبعث منها وخلق فيها .
وبيتُ أبناء أبي طالب ، كان خير البيوت لإنشاء الإنسان الكامل ، فكيف وقد وُلد الحسن ( عليه السلام ) من عبد المطلب مرّتين ، مرة من علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأخرى من فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) بن عبد الله بن عبد المطلب ؟ .
كما كان علي ( عليه السلام ) مولوداً عن هاشم مرّتين ، ولا نريد أن نشرح مآثر بيت هاشم ، وبالخصوص أسرة عبد المطلب فيهم ، فإنها ملأت السهل والجبل ، بل نقول : ناهيك عن بيت بزغ منه الرسول الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، والوصي العظيم الإمام علي ( عليه السلام ) .
وحسب علمِ حساب الوراثة أن التأثير قد يكون من جهة الأب ، فيستصحب كلَّ سماته وصفاته ، وقد يكون من جانب الأم ، وقد تحقق في الحسن ( عليه السلام ) هذا الأخير .
فقد برزت فيه سمات أمّه الطاهرة لتعكس صفات والدها العظيم محمد (ص) ، فكان أشبه ما يكون بالنبي منه بالإمام ، وطالما كان يطلق النبي قوله الكريم : ( الحسن منّي والحسين من علي ) .
وقد يمكن أن نجد تفسيراً لهذه الكلمة في الأحداث التي جرت بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وطبيعة الظروف التي قضت عند الحسن ( عليه السلام ) أن يتخذ منهج الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أُسوةً له ، دقيقة التطبيق شاملة التوفيق .
فيعطي ( عليه السلام ) الناس من عفوه وصفحه ، ويعطي أعداءه من صُلحه ورِفقه ، مثلما كان يعطي الرسول ( صلى الله عليه وآله ) تماماً .
كما اقتضت عند الحسين ( عليه السلام ) أن يبالغ في شِدَّته في الدين ، وغيرته عليه ، ويبدي من منعته ورفعته في أموره ، ما جعـل تشابهاً كبيراً بينه وبين عهد علي ( عليه السلام ) مع المشركين والكافرين والضالين .
الثاني : التربية :
لقد أولى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والوصي ( عليه السلام ) ، والزهراء ( عليها السلام ) ، من التربية الإسلامية الصالحة ما أهَّل الإمام الحسن ( عليه السلام ) للقيادة الكبرى .
فإن بيت الرسالة كان يربّي الحسن ( عليه السلام ) وهو يعلم ما سوف يكون له من المنزلة في المجتمع الإسلامي ، كما يوضح للمؤمنين منزلته وكرامته .
فكان النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) يرفعه على صدره ، ثم يقيمه لكي يكون منتصباً ، ويأخذ بيديه يجره إلى طرف وجهه الكريم جرَّاً خفيفاً وهو ينشد قائلاً : ( حزقَّةً حزقَّة تَرَقَّ عينَ بَقَّة ) .
ومعنى الحزقَّة : القصير الذي يقارب الخطو .
فكان ( صلى الله عليه وآله ) يلاطفه ويداعبه ، ثم يروح يدعو : ( اللَّهُمَّ إني أُحبه فأَحبَّ من يُحبه ) .
ويقصد ( صلى الله عليه وآله ) أن يسمع الناس من أتباعه لكي تمضي سيرتُه فيه أسوة للمؤمنين ، بكرامة الحسن ( عليه السلام ) واحترامه .
وذات مرة كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يصلي بالمسلمين في المسجد ، فيسجد ويسجدون ، يرددون في خضوع : سبحان ربي الأعلى وبحمده ، مرة بعد مرة ، ثم ينتظرون الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أن يرفع رأسه ولكن النبيَّ يطيل سجوده ، وهم يتعجبون : ماذا حدث ؟ .
ولولا أنهم يسمعون صوت النبي لايزال يَبعث الهيبة والضراعة في المسجد لظنوا شيئاً .
ولا يزالون كذلك حتى يرفع النبي ( صلى الله عليه وآله ) رأسه ، وتتم الصلاة ، وهم في أحَرِّ الشوق إلى معرفة سبب إبطائه في السجود فيقول لهم : ( جاءَ الحسنُ فركبَ عُنقي ، فأشفقت عليه من أن أُنزله قسراً ، فصبرت حتى نزل اختياراً ) .
وحيناً : يصعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) المنبر ويعظ الناس ويرشدهم ، فيأتي الحسنان ( عليهما السلام ) من جانب المسجد فيتعثَّران بـثَوْبَيهما ، فإذا به ( صلى الله عليه وآله ) يهبط من المنبر مسرعاً إليهما حتى يأخذهما إلى المنبر ، يجعل أحدهما على وركه اليمنى ، والآخر على اليسرى ، ويستمر قائلاً : ( صدق الله ورسوله : ( أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ) الأنفال : 28 .
نظرت إلى هذين الصبيَّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ) .
وكان ( صلى الله عليه وآله ) يصطحبهما في بعض أسفاره القريبة ، ويُردفهما على بغلته من قُدَّامه ومن خَلْفه ، لئلا يشتاق إليهما فلا يجدهما ، أو لئلا يشتاقا إليه فلا يجدانه .
وكان ( صلى الله عليه وآله ) يشيد بذكرهما ( عليهما السلام ) في كلِّ مناسبة ، ويظهر كرامتهما إعلاناً أو تنويهاً .
فقد أخذهما ( صلى الله عليه وآله ) معه يوم المباهلة ، وأخذ أباهما ( عليه السلام ) ، وأمّهما ( عليها السلام ) ، فظهر من ساطع برهانهم جميعاً ما أذهل الأساقفة .
ودخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دار فاطمة ( عليها السلام ) ، وسَلَّم ثلاثاً على عادته في كلِّ دار ، فلم يجبه أحد .
فانصرف إلى فناء ، فقعد في جماعة من أصحابه ، ثم جاء الحسن ( عليه السلام ) ووثب في حبوة جَدِّه ، فالتزمه جدُّه .
ثم قبَّله في فيه ، ثم راح يقول : ( الحَسَن مِنِّي والحسينُ مِن عَلي ) .
وكثيراً ما كان الناس يتعجبون من صنع الرسول هذا ، كيف يعلنها لإبْنَيهِ إعلاناً .
فذات مرَّة شاهده أحد أصحابه وهو ( صلى الله عليه وآله ) يقبل الحسن ويشمُّه ، فقال - وقد كره الصحابي هذا العمل - : إن لي عشرة ما قبَّلت واحداً منهم .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَن لا يَرحَم لا يُرحَم ) .
وفي رواية حفص قال : فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى التمع لونه ، وقال للرجل : ( إن كان الله نزع الرحمة من قَلبِك ما أصنع بك ؟ ) .
ثم لما رأى مناسبة سانحة أردف قائلاً : ( الحسن والحسين ابناي ، مَن أَحبَّهما أحبَّنِي ومن أحبَّني أحبه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار ) .
ثم أخذهما هذا عن اليمين ، وذاك عن الشمال ، مبالغة في الحب .
ولطالما كان يسمع الصحابة قولته الكريمة : ( هذان ابناي وابنا بنتي ، اللَّهُمَّ إني أُحبهما ، وأُحب من يُحبُّهما ) .
أو كلمته العظيمة يقولها وهو يشير إلى الحسن ( عليه السلام ) : ( وأُحبُّ مَن يُحبُّه ) .
ويرى أبو هريرة الإمام الحسن ( عليه السلام ) بعد وفاة جدّه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فيقول له : أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله يقبّل ، ثمّ قبّل سرّته .

صدرية.حكيمية 19-08-2006 06:38 AM

ومن ذلك يظهر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يعلن ذلك إعلاناً ، حتى يراه الناس جميعاً .
وقد بالغ النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) في مدح الحسنين ، حتى لكان يُظن أنهما أفضل من والدهما علي ( عليه السلام ) ، ممّا حدا به إلى أن يستدرك ذلك فيقول : ( هُمَا فاضلان في الدنيا والآخرة ، وأبوهُمَا خَيرٌ مِنهُما ) .
وطالما كان يرفعهما على كتفيه ، يذرع معهما طرقات المدينة ، والناس يشهدون ، ويقول لهما : ( نِعْمَ الْجَمل جَمَلُكما ، ونِعْمَ الراكبان أنتما ) .
وطالما كان ينادي الناس فيقول ( صلى الله عليه وآله ) : ( الحَسَنُ والحُسَين سيدا شباب أهل الجنة ) .
أو يقول ( صلى الله عليه وآله ) : ( الحَسن والحسين رَيحَانَتَاي مِن الدنيا ) .
أو يقول ( صلى الله عليه وآله ) : ( الحَسنُ والحُسين إِمامان إنْ قَاما وإِن قَعَدا ) .
ولقد قال ( صلى الله عليه وآله ) مَرَّة : ( إذا كان يوم القيامة ، زُيِّن عرشُ رَبِّ العالمين بكلِّ زينة ، ثم يؤتى بمنبرين من نور طولهما مِائة ميل ، فيوضع أحدهما عن يمين العرش ، والآخر عن يسار العرش ، ثم يؤتى بالحسن والحسين ، فيقوم الحسن على أحدهما ، والحسين على الآخر ، يزيِّن الرب تبارك وتعالى بهما عرشه ، كما يُزَيِّنُ المرأةَ قرطاها ) .
وعن الرضا عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الوَلَدُ رَيحانة ، وَرَيحانَتَاي الحسن والحسين ) .
وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أحبَّ الحَسَن والحسين فقد أحَبَّني ، ومن أبغضهُمَا فقد أبغَضَني ) .
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : ( الحَسَنُ والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة ) .
وروى عمران بن حصين عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال له : ( يا عمران بن حصين ، إن لكلِّ شيء موقعاً من القلب ، وما وقع موقع هذين من قلبي شيء قط ) .
فقلت : كل هذا يا رسول الله ؟!!
قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا عمران ، وما خفي عليك أكثر ، إن الله أمَرَني بِحُبّهما ) .
وروى أبو ذر الغفاري قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقبِّل الحسن بن علي ( عليهما السلام ) وهو يقول : ( من أحب الحسن والحسين وذُرِّيتهما مخلصاً لم تلفح النار وجهه ، ولو كانت ذُنُوبه بعدد رمل عالج ، إلاَّ أن يكون ذنباً يخرجه من الإيمان ) .
وروى سلمان فقال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول في الحسن والحسين ( عليهما السلام ) : ( اللَّهُمَّ إنِّي أُحبُّهما ، فأَحبَّهما ، وأَحبِبْ من أحبَّهما ) .
وما إلى ذلك من أقوال مضيئة نعلم - علم اليقين - أنها لم تكن صادرة عن نفسه ، بل عن الوحي الذي لم يكن ينطق إلاَّ به .
ولا زالت عناية الرسول ( صلى الله عليه وآله ) تشمل الوليد حتى شبَّ ، وقد أخذ من منبع الخير ومآثره ، فكان أهلاً لقيادة المسلمين .
وهكذا رآه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ومن قبله إله الرسول ، إذ أوحى إليه أن يستخلف عليّاً ، ثم حسناً وحسيناً .
فطفق يأمر الناس بمودَّتهم واتِّباعهم واتخاذ سبيلهم ، ولئِنْ شككنا في شيء فلن نشكَّ في أن من رَبَّاه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، كان أولى الناس بخلافته .

صدرية.حكيمية 19-08-2006 06:39 AM

تفسير الإمام الحسن ( عليه السلام ) للأخلاق الفاضلة
وجّه الإمام علي ( عليه السلام ) إلى الإمام الحسن ( عليه السلام ) أسئلةً تتعلّق بأصول الأخلاق والفضائل ، فأجابه الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فكان بينهما الحوار التالي :
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : يا بني ما السداد ؟ الحسن ( عليه السلام ) : يا أبت السداد دفع المنكر بالمعروف .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الشرف ؟ الحسن ( عليه السلام ) : اصطناع العشيرة وحمل الجريرة .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما المروءة ؟ الحسن ( عليه السلام ) : العفاف وإصلاح المرء ماله .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الدنيئة ؟ الحسن ( عليه السلام ) : النظر في اليسير ومنع الحقير .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما اللؤم ؟ الحسن ( عليه السلام ) : احتراز المرء نفسه وبذله عرسه .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما السماحة ؟ الحسن ( عليه السلام ) : البذل في العسر واليسر .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الشح ؟ الحسن ( عليه السلام ) : أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الإخاء ؟ الحسن ( عليه السلام ) : الوفاء في الشدّة والرخاء .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الجبن ؟ الحسن ( عليه السلام ) : الجرأة على الصديق ، والنكول عن العدو .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الغنيمة ؟ الحسن ( عليه السلام ) : الرغبة في التقوى ، والزهادة في الدنيا ، هي الغنيمة الباردة .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الحلم ؟ الحسن ( عليه السلام ) : كظم الغيظ وملك النفس .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الغنى ؟ الحسن ( عليه السلام ) : رضى النفس بما قسّم الله لها وإن قلّ ، وإنّما الغنى عن النفس .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الفقر ؟ الحسن ( عليه السلام ) : شره النفس في كل شيء .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما المنعة ؟ الحسن ( عليه السلام ) : شدّة البأس ، ومنازعة أعزّ الناس .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الذل ؟ الحسن ( عليه السلام ) : الفرع عند المصدوقة .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما العي ؟ الحسن ( عليه السلام ) : العبث باللحية ، وكثرة البزاق عند المخاطبة .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الجرأة ؟ الحسن ( عليه السلام ) : موافقة الأقران .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الكلفة ؟ الحسن ( عليه السلام ) : كلامك فيما لا يعنيك .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما المجد ؟ الحسن ( عليه السلام ) : أن تعطي في الغرم ، وتعفو عن الجرم .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما العقل ؟ الحسن ( عليه السلام ) : العقل حفظ كلّ ما استوعيته .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الخرق ؟ الحسن ( عليه السلام ) : معاداتك إمامك ، ورفعك عليه كلامك .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما السناء ؟ الحسن ( عليه السلام ) : إتيان الجميل ، وترك القبيح .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الحزم ؟ الحسن ( عليه السلام ) : طول الأناة ، والرفق بالولاة .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما السفه ؟ الحسن ( عليه السلام ) : إتباع الدناة ، ومصاحبة الغواة .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الغفلة ؟ الحسن ( عليه السلام ) : تركك المسجد ، وطاعتك المفسد .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما الحرمان ؟ الحسن ( عليه السلام ) : تركك حظّك ، وقد عرض عليك .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : من السيّد ؟ الحسن ( عليه السلام ) : الأحمق في ماله ، والمتهاون في عرضه : يشتم فلا يجيب ، المهتمّ بأمر عشيرته ، هو السيّد .
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : فما الجهل ؟ الحسن ( عليه السلام ) : سرعت الوثوب على الفرصة ، قبل الاستمكان منها ، والامتناع عن الجواب ، ونعم العون الصمت ، في مواطن كثيرة ، وإن كنت فصيحاً .

صدرية.حكيمية 19-08-2006 06:40 AM

تواضع الإمام الحسن ( عليه السلام )
مَرَّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) على جماعة من الفقراء ، قد وضعوا على وجه الأرض كسيرات من الخبز ، كانوا قد التقطوها من الطريق ، وهم يأكلون منها ، فدعوه لمشاركتهم في أكلها ، فأجاب ( عليه السلام ) دعوتهم قائلاً : ( إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المتكبِّرين ) .
ولمَّا فرغ ( عليه السلام ) من مشاركتهم ، دعاهم إلى ضيافته ، فأغدق عليهم من المال وأطعمهم وكساهم .
وورد عنه ( عليه السلام ) أنه كان جالساً في مكان ، وعندما عزم على الانصراف دخل المكان فقير ، فَحَيَّاه الإمام ( عليه السلام ) ولاطَفَه ، ثم قال : ( إنَّك جلستَ على حِين قيامٍ مِنَّا ، أفتأذن لي بالانصراف ؟ ) .
فأجاب الرجل : نعم يا ابن رسول الله .
هكذا هو الخُلُق الحسن الذي ينبغي على المؤمن أن ينهجه في تعامله مع الناس ، حتى يكون قدوة صالحةً يُقتَدَى به .

صدرية.حكيمية 19-08-2006 06:40 AM

حب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) للإمام الحسن ( عليه السلام )
قال رجل : خرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لصلاة العشاء وهو حامل حسناً ( عليه السلام ) .
فتقدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للصلاة ، فوضعه ( عليه السلام ) ثم كَبَّر وصلى ، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة فأطالها ، قال : فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو ساجد فرجعت إلى سجودي .
فلما قضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صلاته فقال الناس : يا رسول الله إنَّك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتَها ، حتى ظنَنَّا أنه قد حدث أمر وأنه يُوحَى إليك .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أُعجله حتى ينزل ) .

صدرية.حكيمية 19-08-2006 06:41 AM

سيرة الامام الحسين عليه السلام

عاشقة النجف 19-08-2006 03:45 PM

بسمه تعالى

غاليتي بارك الله بكم على هذه السلسله الرااائعه
والجهود الجميله
بوركتم وجعله الباري في ميزان حسناتكم
عزيزتي اتمنى لو حجم الخط يكون اصغر يكون افضل
مع خالص تحياتي

عناقيد عشق 20-08-2006 12:53 AM

اللهم صلي على محمد وآل محمد
وعجل فرجهم الشريف..

شكرا غاليتي.. صدرية حكيمية..

على هذه السيدة الطاهرة..
وجعله الله في صحيفة اعمالك

تحياتي

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:02 AM

إباء الإمام الحسين ( عليه السلام ) عن الضيم
والصفة البارزة من نزعات الإمام الحسين ( عليه السلام ) هي الإباء عن الضيم ، حتى لُقّب ( عليه السلام ) بـ ( أَبيّ الضيم ) .
وهي من أعظم ألقابه ( عليه السلام ) ذيوعاً وانتشاراً بين الناس ، فقد كان المَثَل الأعلى لهذه الظاهرة .
فهو الذي رفع شِعار الكرامة الإنسانية ، ورسم طريق الشرَف والعِزّة ، فلم يخنع ، ولم يخضع لقرود بني أمية ، فآثر ( عليه السلام ) الموت تحت ظِلال الأَسِنّة .
فيقول الشاعر عبد العزيز بن نباتة السعدي :
وَالحُسَين الذي رَأى المَوتَ فِي العِـزّ
حَياةٌ وَالعَيش فِي الذّلِّ قَتلاً
فقد علّم أبو الأحرار ( عليه السلام ) الناسَ نُبل الإباء ونبل التضحية ، ويقول فيه مصعب ابن الزبير : واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة .
وقد كانت كلماته ( عليه السلام ) يوم الطف من أروع ما أُثِرَ من الكلام العربي ، في تصوير العِزة ، والمنعة ، والاعتداد بالنفس ، فكان يقول ( عليه السلام ) : ( أَلا وَإِنَّ الدَّعي ابنَ الدَّعي قَد رَكزَ بَينَ اثنَتَينِ ، بَين السِّلَّةِ والذِّلَّة ، وهَيهَات مِنَّا الذِّلَّة ، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحِجُور طَابَتْ وَطَهُرتْ ، وأُنُوفٌ حَميّة ، ونُفوسٌ أَبِيَّة ، مِن أنْ نُؤثِر طَاعةَ اللِّئامِ عَلى مَصَارِعِ الكِرَام ) .
ووقف ( عليه السلام ) يوم الطف كالجبل الصامد ، غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردّة الأموية .
وقد ألقى عليهم وعلى الأجيال أروع الدروس عن الكرامة وعِزَّة النفس وشَرَف الإباء قائلاً ( عليه السلام ) : ( وَالله لا أُعطِيكُم بِيَدي إِعطاء الذَّليل ، وَلا أفرّ فِرارَ العَبيد ... ) .
وألقت هذه الكلمات المشرقة الأضواء على مدى ما يحمله الإمام العظيم من الكرامة التي التي لا حَدَّ لأبعادها ، والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الإسلام من صُوَر البطولات الخالدة في جميع الأحقاب .
وقد تسابق شعراء أهل البيت ( عليهم السلام ) إلى تصوير هذه الظاهرة الكريمة ، فكان ما نَظَموه في ذلك من أَثمَن ما دَوَّنَته مصادر الأدب العربي .
وقد عنى شاعر أهل البيت ( عليهم السلام ) السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة ، التي رثى بها جَدَّه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فيقول :
طَمعت أن تسومه القوم ضَيماً
وَأبى اللهُ وَالحُسَام الصَّنِيعُ
كيف يَلوي عَلى الدَّنيَّة جِيداً
لِسِوَى الله مَا لَوَاه الخُضوعُ
وَلَديه جأش أرد من الدِّرع
لِظَمأى القَنا وَهُنَّ شُروعُ
وَبِه يرجع الحفاظ لِصَدرٍ
ضَاقت الأرضُ وَهي فِيهِ تَضِيعُ
فَأبى أن يَعيشَ إِلا عَزيزاً
أَو تَجَلَّى الكِفَاح وَهو صَريعُ
ولم تُصَوَّر منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع ، فقد عرض السيد حيدر إلى ما صَمَّمَت عليه الدولة الأموية من إرغام الإمام الحسين ( عليه السلام ) على الذل والهَوان ، وإخضاعه لِجَورِهم واستِبدَادهم .
ولكن يأبى الله له ( عليه السلام ) ذلك ، وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عِز النبوة أن يُقر على الضيم .
فإنه ( عليه السلام ) لم يَلوِ جِيدَهُ خاضعاً لأي أحد إلا لله عزَّ وجلَّ ، فكيف يخضع لأقزام بني أمية ، وكيف يَلوِيه سُلطانهم عن عَزمِه الجَبّار الذي هو أَرَدّ من الدرع للقنا الظامئة .
ويقول السيد حيدر في رائعة أخرى يصف بها إباء الإمام ( عليه السلام ) وسُموّ ذاته ، ولعلها من أجمل ما رَثَى به الإمام ( عليه السلام ) حيث يقول :
وسامَتهُ يَركَبُ إِحدَى اثْنَتَينِ
وَقد صَرَّتِ الحَربُ أسنَانَها
فإما يُرَى مُذعِناً أو تموت
نَفسٌ أبَى العِزّ إِذعَانَها
فَقال لَهَا : اعتصِمي بِالإِبَاء
فَنَفْسُ الأبِيّ وما زَانَها
إِذا لم تَجِد غَير لِبسِ الهَوَانِ
فَبِالمَوتِ تَنزَعُ جُثمَانَها
رَأى القَتلَ صَبراً شِعارَ الكِرَام
وَفخراً يَزينُ لَها شَانَهَا
فَشَمَّرَ لِلحَربِ فَي مَعرَكٍ
بِه عركَ المَوتُ فُرسَـانَها
فهذا هو إباء الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وهذه هي عزَّة نفسه .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:03 AM

أدعية الإمام الحسين ( عليه السلام )
حفلت الأدعية التي أُثِرت عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) بالدروس التربوية الهادفة إلى بناء صُرُوح العقيدة ، والإيمان بالله ، وتنمية الخوف والرهبة من الله في أعماق نفوس الناس ، لِتصدُّهُم عن الاعتداء ، وتمنعهم عن الظلم والطغيان .
وقد كان اهتمام أهل البيت ( عليهم السلام ) بهذه الجهة اهتماماً بالغاً ، ولم يُؤثَر عن أحد من خِيَارِ المسلمين من الأدعية مثل ما أُثِر عنهم ( عليهم السلام ) .
وإِنَّها لَتُعَد من أروع الثروات الفكرية والأدبية في الإسلام ، فقد حَوَت أصول الأخلاق ، وقواعد السلوك والآداب ، كما ألَمَّتَ بفلسفة التوحيد ومعالم السياسة العادلة وغير ذلك .
ونشير هنا إلى قسم من أدعيته ( عليه السلام ) :
أولها : دعاؤه ( عليه السلام ) من وقاية الأعداء :
كان ( عليه السلام ) يدعو بهذا الدعاء مستجيراً بالله من شرور أعدائه ، وهذا نَصُّه : ( اللَّهُم يَا عدَّتي عِند شِدَّتي ، وَيا غَوثي عِند كُربَتي ، اِحرسْني بِعَينِكِ التي لا تَنَام ، واكنفْني بِرُكنِكَ الذي لا يُرَام ، وارحَمْني بقدرَتِك عَليَّ ، فَلا أَهْلَكُ وأنتَ رَجَائي ، اللَّهُمَّ إِنك أكبرُ وأجلُّ وأقدَرُ مَمَّا أخافُ وأحذَرُ ، اللَّهُمَّ بك أَدرَأُ في نحره ، وأستَعيذُ مِن شَره ، إِنكَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٍ ) .
ودعا بهذا الدعاء الشريف الإمام الصادق ( عليه السلام ) حينما أمر الطاغية المنصور بإحضاره مخفوراً لِيَنكل به ، فأنقذَهُ الله من شَرِّه وفرَّجَ عنه ، فَسُئل عن سبب ذلك فقال ( عليه السلام ) إِنه دَعا بدعاء جَدِّه الحُسين ( عليه السلام ) .
ثانيها : دعاؤه للاستسقاء :
كان ( عليه السلام ) يدعو بهذا الدعاء إذا خرج للاستسقاء : ( اللَّهُمَّ اسقِنَا سُقيَا واسعة ، وَادِعة عَامَّة ، نَافِعة غَير ضَارَّة ، تَعمُّ بِها حَاضِرنا وَبَادِينا ، وتزيدُ بِها فِي رِزقِنَا وَشُكرِنا ، اللَّهُمَّ اجعَلهُ رِزقَ إِيمَان ، وَعَطَاءَ إِيمَان ، إِنَّ عطاءك لَم يَكُن مَحظوراً ، اللَّهُمَّ أَنزِلْ عَلينا فِي أرضِنَا سَكَنَهَا ، وَأنبِتْ فِيها زَيتَهَا وَمَرْعَاهَا ) .
ثالثها : دعاؤه ( عليه السلام ) يوم عرفة :
وهو مِن أجَلِّ أدعية أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وأكثرها استيعاباً لألطاف الله ونِعَمه على عباده .
وقد روى هذا الدعاء الشريف بشر وبشير الأسديَّان حيث قالا : كنا مع الحسين بن علي ( عليهما السلام ) عشية عرفة ، فخرج ( عليه السلام ) من فسطاطه مُتذلِّلاً خاشعاً ، فجعل يمشي هَوناً هَوناً ، حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل ، مستقبل البيت ، ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين ، وقال ( عليه السلام ) : ( الحَمدُ لله الذي ليس لِقضَائه دافع ، ولا لِعَطائِه مَانِع ، وَلا كَصُنعِه صَانِع ، وَهو الجَوادُ الوَاسِع ) .
وأخذ ( عليه السلام ) يدعو الله وقد جَرَت دموع عينيه على سَحنات وَجهِه الشريف وهو يقول : ( اللَّهُمَّ اجعَلني أخشَاكَ كأنِّي أرَاك ، وأسعِدْني بِتَقواك ، وَلا تُشْقِنِي بِمعصيتك ، وخر لي في قضائك ) .
ثم رفع ( عليه السلام ) بصره إلى السماء وقال برفيع صوته : ( يَا أسمَع السَّامِعين ، يا أبصَر النَّاظِرين ، ويَا أسرَع الحَاسِبين ، ويَا أرحَم الرَّاحِمين ، صَلِّ عَلى مُحمَّدٍ وآلِ محمد ، السَّادة المَيامِين ، وأسألُكَ اللَّهُمَّ حَاجَتي التي إِن أعْطَيتَنِيهَا لَم يَضرُّني مَا مَنَعتَني ، وَإِن مَنَعتَنِيهَا لَم يَنفَعني مَا أعْطَيْتَني ، أسألُكَ فَكَاكَ رَقَبَتي مِن النَّار ، لا إِلَه إلا أنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ ، لَكَ المُلكُ وَلَكَ الحَمدُ ، وَأنتَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَدير ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ ) .
وأثَّرَ هذا الدعاء تأثيراً عظيماً في نُفوس من كان مع الإمام ( عليه السلام ) ، فاتَّجَهوا بقلوبهم وعواطفهم نَحوهُ يستمعون دعاءه ( عليه السلام ) وقد عَلَت أصواتَهم بالبكاء معه ، وذهلوا عن الدعاء لأنفسهم في ذلك المكان الذي يُستَحَبُّ فِيه الدُعَاء .
ويقول الرواة : إِنَّ الإمام ( عليه السلام ) استمَرَّ يَدعو حَتى غَربت الشمسُ ، فَأفاضَ ( عليه السلام ) إلى ( المُزْدَلِفَة ) ، وَفاضَ الناسُ مَعه .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:03 AM

أربعينية الإمام الحسين ( عليه السلام )
يَمرُّ على استشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) أربعون يوماً ، وقَدْ قضى العقل والدين باحترام عظماء الرجال ، أحياءً وأمواتاً ، وتجديد الذكرى لوفاتهم وشهادتهم ، وإظهار الحُزن عليهم ، لا سِيَّما من بذل نفسه وجاهَد ، حتى قُتِل لمقصدٍ سَامٍ ، وغَايَةٍ نَبيلة ، وقد جرت على ذلك الأمم في كلِّ عصرٍ وزمان .
فحقيق على المسلمين - بل جميع الأمم - أن يقيموا الذكرى في كل عام للإمام الحسين ( عليه السلام ) .
فإنه ( عليه السلام ) قد جَمَع أكرمَ الصفات ، وأحسنَ الأخلاق ، وأعظمَ الأفعال ، وأجلَّ الفضائل والمناقب ، عِلماً وفَضلاً ، وزهادةً وعبادةً ، وشجاعةً ، وسخاءً وسماحةً ، وإباءً للضَّيم ، ومقاوَمة للظُّلم ، وقد جمع إلى كَرمِ الحَسَب شَرَفَ النسَب .
وقد جاهد الإمام الحسين ( عليه السلام ) لنيل أسمَى المقاصد ، وأنْبل الغايات ، وقام بما لم يَقُم بمثله أحد .
فبذلَ ( عليه السلام ) نفسَه ، ومالَه وآلَه ، في سبيل إحياء الدين ، وإظهار فضائح المنافقين ، واختار المنيَّة على الدنيَّة ، وميتة العِزِّ على حياة الذُل ، ومصارع الكرام على اللِّئام .
وأظهر ( عليه السلام ) من عِزَّة النفس والشجاعة ، والصبر والثبات ، ما بَهَر به العقول ، وحيَّر الألباب ، واقتدى به ( عليه السلام ) في ذلك كل مَن جاء بعده ، ومن يمتلك مثل هذه الصفات .
فالحقُّ أنْ تقام له ( عليه السلام ) الذكرى في كلِّ عام ، وتبكي له العيون بَدَلَ الدُموعِ دَماً .
فقد بكى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على مصيبة أبيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ثلاثين سنة .
وكان الإمام الصادق ( عليه السلام ) يبكي لتذكُّر المصيبة ، ويستنشد الشعر في رثائه ويبكي .
وكان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) إذا دخل شهر محرم لا يُرَى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلُبُ عليه .
وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( إنَّ يَومَ الحسين أقرحَ به جُفونَنا ، وأسال دموعنا ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ) .
وقد حَثُّوا شيعتهم وأتباعهم على إقامة الذكرى لهذه الفاجعة الأليمة في كلِّ عام ، وهُم ( عليهم السلام ) نِعْم القدوة ، وخير مَنْ اتُّبِع ، وأفضَلُ من اقتُفِيَ أثرُه ، وأُخِذَت منه سُنَّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فضل يوم الأربعين :
رُويَ عن الإمام العسكري ( عليه السلام ) أنّه قال : ( عَلامَاتُ المؤمن خمسٌ : صلاةُ إِحدى وخمسين ، وزيارةُ الأربعين ، والتخَتُّم في اليمين ، وتعفير الجَبين ، والجهر بـ( بِسْم اللهِ الرحمن الرحيم ) ) بحار الأنوار 101 / 329 .
وقال عَطا : كنت مع جابر بن عبد الله الأنصاري يوم العشرين من صفر ، فلمَّا وصَلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ، ولبس قميصاً كان معه طاهراً ، ثم قال لي : أمَعَكَ من الطيب يا عَطا ؟
قلت : معي سُعد .
فجعل منه على رأسه وسائر جسده ، ثم مشى حافياً حتى وقف عند رأس الحسين ( عليه السلام ) ، وكَبَّر ثلاثاً ، ثم خرَّ مغشياً عليه ، فلما أفاق سَمِعتُه يقول : السلام عليكم يا آلَ الله ( بحار الأنوار 101 / 329 ) .
وكان يزيد قد أمر بِرَدِّ سبايا الحسين ( عليه السلام ) إلى المدينة ، وأرسل معهم النعمان بن بشير الأنصاري في جماعة .
فلمَّا بلغوا العراق ، قالوا للدليل : مُر بنا على طريق كربلاء ، وكان جابر بن عبد الله الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
فبينا هُم كذلك إذ بِسَوادٍ قد طلع عليهم من ناحية الشام .
فقال جابر لعبده : اِنطلق إلى هذا السواد وآتِنَا بخبره ، فإن كانوا من أصحاب عُمَر بن سعد فارجع إلينا ، لعلَّنا نلجأ إلى ملجأ ، وإن كان زين العابدين ( عليه السلام ) فأنت حُرٌّ لوجه الله تعالى .
فمضى العبد ، فما أسرع أن رجع وهو يقول : يا جابر ، قمْ واستقبل حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، هذا زين العابدين قد جاء بِعَمَّاته وأخواته .
فقام جابر يَمشي حافي الأقدام ، مكشوف الرأس ، إلى أن دنا من الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( أنْتَ جَابِر ؟ ) .
فقال : نعم يا بن رسول الله .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا جَابر هَا هُنا واللهِ قُتلت رجالُنا ، وذُبحِت أطفالُنا ، وسُبيَتْ نساؤنا ، وحُرقَت خِيامُنا ) .
وفي كتاب الملهوف : إنهم توافوا لزيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن ، وأقاموا المأتم ، واجتمع عليهم أهل ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أياماً ( أعيان الشيعة 1 / 617 ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:12 AM

أسباب ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام )
أحاطت بالإمام الحسين ( عليه السلام ) عِدَّة من المسؤوليات الدينية والواجبات الاجتماعية وغيرها من الأسباب المُحَفِّزَة لثورته ، فدفعته ( عليه السلام ) إلى التضحية والفداء .
وهذه بعض تلك المسؤوليات والواجبات والأسباب :
الأولى : المسؤولية الدينية :
لقد كان الواجب الديني يحتم عليه ( عليه السلام ) القيام بوجه الحكم الأموي الذي استحلَّ حُرُمَات الله ، ونكث عهوده وخالف سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
الثانية : المسؤولية الاجتماعية :
كان الإمام ( عليه السلام ) بحكم مركزه الاجتماعي مسؤولاً أمام الأمة عما مُنِيَت به من الظلم والاضطهاد من قبل الأمويين ، ومن هو أولى بحمايتها وَرَدُّ الاعتداء عنها من غيره .
فنهض ( عليه السلام ) بأعباء هذه المسؤولية الكبرى ، وأدى رسالته بأمانة وإخلاص ، وَضَحَّى ( عليه السلام ) بنفسه وأهل بيته وأصحابه ليعيد عدالة الإسلام وحكم القرآن .
الثالثة : إقامة الحجة عليه ( عليه السلام ) :
وقامت الحجة على الإمام ( عليه السلام ) لإعلان الجهاد ، ومحاربة قُوَى البغي والإلحاد .
فقد تواترت عليه الرسائل والوفود من أهل الكوفة ، وكانت تُحَمِّلُه المسؤولية أمام الله إن لم يستجب لدعواتهم المُلِحَّة لإنقاذهم من ظلم الأمويين وَبَغيِهِم .
الرابعة : حماية الإسلام :
ومن الأسباب التي ثار من أجلها ( عليه السلام ) هي حماية الإسلام من خطر الحكم الأموي الذي جَهد على مَحْوِهِ ، وقلع جذوره ، فقد أعلن يزيد الكفر والإلحاد بقوله : لَعِبتْ هاشمُ بِالمُلك فَلا خَبَرٌ جاءَ وَلا وَحْيٌ نَزَلْ
وكشف هذا الشعر عن العقيدة الجاهلية التي كان يدين بها يزيد فهو لم يؤمن بوحي ولا كتاب ، ولا جَنَّة ولا نار .
الخامسة : صيانة الخلافة :
ومن أَلمع الأسباب التي ثار من أجلها ( عليه السلام ) تطهير الخلافة الإسلامية من أرجاس الأمويين الذين نَزَوا عليها بغير حق .
فلم تعد الخلافة - في عهدهم كما يريدها الإسلام - وسيلة لتحقيق العدل الاجتماعي بين الناس ، والقضاء على جميع أسباب التخلف والفساد في الأرض .
وقد رأى الإمام ( عليه السلام ) أن مركز جَدِّهِ قد صار إلى سِكِّيرٍ مُستَهترٍ لا يَعي إلا شهواته ورغباته ، فثار ( عليه السلام ) ليعيد للخلافة الإسلامية كيانها المُشرِق وماضيها الزاهر .
السادسة : تحرير إرادة الأمة :
ولم تملك الأمة في عهد معاوية ويزيد إرادتها واختيارها ، فقد كُبِّلَتْ بقيُودٍ ثقيلة سَدَّت في وجهِهَا منافذ النور والوَعي ، وَحِيلَ بينها وبين إرادتها .
وقد هَبَّ الإمام ( عليه السلام ) إلى ساحات الجهاد والفداء ، لِيُطعِم المسلمين بروح العِزَّة والكرامة ، فكان مقتله ( عليه السلام ) نُقطَةَ تَحَوُّلٍ في تاريخ المسلمين وحياتهم .
السابعة : تحرير اقتصاد الأمة :
ومن الأسباب هو انهيار اقتصاد الأمة الذي هو شرايين حياتها الاجتماعية والفردية .
فقد عمد الأمويون إلى نهب الخزينة المركزية ، وقد أعلن معاوية أمام المسلمين أن المال مال الله ، وليس مال المسلمين فهو أحق به ، فثار ( عليه السلام ) ليحمي اقتصاد الأمة ، ويعيد توازن حياتها المعاشية .
الثامنة : المظالم الاجتماعية :
انتشرت المظالم الاجتماعية في أنحاء البلاد الإسلامية ، فلم يَعُد قَطَرٌ من الأقطار إلا وهو يَعُجُّ بالظلم والاضطهاد من جَورِهِم .
فهب الإمام ( عليه السلام ) في ميادين الجهاد ليفتح للمسلمين أبواب العزة والكرامة ، ويحطم عنهم ذلك الكابوس المظلم .
التاسعة : المظالم الهائلة على الشيعة :
لقد كانت الإجراءات القاسية التي اتخذها الحكم الأموي ضد الشيعة من أسباب ثورته ( عليه السلام ) ، فَهَبَّ لإنقاذهم من واقعهم المَرِير ، وحمايتهم من الجَورِ والظلم .
العاشرة : محو ذكر أهل البيت ( عليهم السلام ) :
ومن ألمع الأسباب أيضاً التي ثار من أجلها ( عليه السلام ) هو أن الحكم الأموي قد جهد على محو ذكر أهل البيت ( عليه السلام ) ، واستئصال مَآثِرِهم ومناقبهم ، وقد استخدم معاوية في هذا السبيل أخبث الوسائل .
وكان ( عليه السلام ) يود أن الموت قد وافاه ، ولا يسمعُ سَبَّ أبيهِ ( عليه السلام ) على المنابر والمآذن .
الحادية عشر : تدمير القِيَم الإسلامية :
وعَمِدَ الأمويون إلى تدمير القِيَم الإسلامية ، فلم يَعد لها أي ظِلٍّ على واقع الحياة الإسلامية .
الثانية عشر : اِنهيار المجتمع :
فقد انهار المجتمع في عصر الأمويين ، وتحلل من جميع القيم الإسلامية ، فثار ( عليه السلام ) ليقضي على التَذَبْذُبِ والانحراف الذي مُنِيتْ بِهِ الأمَّة .
الثالثة عشر : الدفاع عن حقوقه ( عليه السلام ) :
وانبرى الإمام ( عليه السلام ) للجهاد دفاعاً عن حقوقه التي نهبها الأمويون واغتصبوها .
وأهمُّها : الخلافة ، لأنه ( عليه السلام ) هو الخليفة الشرعي بمقتضى معاهدة الصلح التي تم الاتفاق عليها ، وعلى هذا فلم تكن بيعة يزيد شرعية .
فلم يخرج الإمام ( عليه السلام ) على إمام من أئمة المسلمين ، كما يذهب لذلك بعض ذوي النزعات الأموية ، وإنما خرج على ظالم مُغتَصِبٍ لِحَقِّهِ .
الرابعة عشر : الأمر بالمعروف :
ومن أوْكَد الأسباب التي ثار من أجلها ( عليه السلام ) إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنهما من مُقَوِّمَات هذا الدين ، والإمام ( عليه السلام ) بالدرجة الأولى مَسؤُول عَنهُمَا .
وقد أدلى ( عليه السلام ) بذلك في وصيته لأخيه ابن الحنفية ، التي أعلن فيها عن أسباب خروجه على يزيد ، فقال ( عليه السلام ) : ( إِنِّي لَمْ أَخرُجْ أَشِراً وَلا بَطِراً ، وَلا ظَالِماً وَلا مُفسِداً ، وإنما خرجتُ لِطَلَبِ الإِصلاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي ، أُرِيدُ أَن آمُرَ بِالمَعرُوفِ وَأَنهَى عَنِ المُنكَر ) .
الخامسة عشر : إِمَاتَة البِدَع :
وعمد الحكم الأموي إلى نشر البِدَع بين المسلمين ، وَالتي لم يُقصَدُ منها إلا مَحْقُ الإِسلام ، وإلحاق الهزيمة به .
وقد أشار ( عليه السلام ) إلى ذلك في رسالته التي بعثها لأهل البصرة : ( فَإِنَّ السُّنَّةَ قَد أُمِيتَتْ وَالبِدْعَةَ قَدْ أُحْيِيَتْ ) .
فقد ثار ( عليه السلام ) ليقضي على البِدَع الجاهلية التي تَبَنَّاهَا الأَمَوِيُّون ، ويحيي سُنَّةَ جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) التي أماتوها ، ولِيَنشرَ رايةَ الإِسلام .
السادسة عشر : العهد النبوي :
واستَشَفَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) من وراء الغيب ما يُمنَى بِهِ الإسلام من الأخطار الهائلة على أيدي الأمويين ، وأنه لا يمكن بأي حال تجديد رسالته وتخليد مبادئه إلا بتضحية ولده الحسين ( عليه السلام ) ، فعهد إليه بالتضحية والفداء .
وقد أدلى الحسين ( عليه السلام ) بذلك حينما عدله المشفقون عليه من الخروج إلى العراق فقال ( عليه السلام ) لهم : ( أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) بِأَمرٍ وَأنَا مَاضٍ إِليه ) .
السابعة عشر : العزة والكرامة :
ومن أوثق الأسباب التي ثار من أجلها ( عليه السلام ) هي العزة والكرامة ، فقد أراد الأمويون إِرغامَهُ على الذُل والخنوع ، فَأَبَى ( عليه السلام ) إِلاَّ أن يعيش عَزيزاً ، وقد أعلن ذلك يوم الطفِّ بقوله ( عليه السلام ) : ( أَلا وَإِنَّ الدعِيَّ ابنَ الدعِيَّ قَد رَكزَ بَينَ اثْنَتَيْنِ ، بَينَ السلَّةِ وَالذلَّة ، وهَيْهَات مِنَّا الذلَّة ، يَأبَى اللهُ لَنَا ذَلكَ وَرَسُولُهُ ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ وَأُنُوفٌ حَميَّةٌ مِن أَنْ نُؤثِرَ طَاعَة اللِّئَام عَلى مَصَارِعِ الكِرَام ) .
الثامنة عشر : غدر الأمويين وفتكهم :
وأيقن ( عليه السلام ) أن الأمويين لا يتركونه ، ولا تَكفُّ أيديهم عن الغدر والفَتْكِ به حتى لو سَالَمَهُم وبايعهم .
وقد أعلن ( عليه السلام ) ذلك لأخيه محمد بن الحنفية : ( لَو دَخَلتُ فِي حِجرِ هَامَة مِن هَذِهِ الهوَام لاستَخْرَجُونِي حتَّى يَقتُلُونِي ) .
فاختار ( عليه السلام ) أن يُعلنَ الحربَ ويموت مِيتَةً كريمةً تَهزُّ عروشهم ، وَتقضِي على جبروتِهِم وَطُغيَانِهِم .
هذه بعض الأسباب التي حفَّزت الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى الثورة على حكم يزيد .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:13 AM

إمامة الإمام الحسين ( عليه السلام )
صَرَّح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالنص على إمامة الإمام الحسين وإمامة أخيه الحسن ( عليهما السلام ) من قَبله ، بقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( اِبناي هَذَان إمَامان قامَا أو قَعدا ) .
ودلَّت وصيَّة الحسن ( عليه السلام ) إليه على إمامته ، كما دلَّت وصية الإمام علي ( عليه السلام ) على إمامته ، بحسب ما دلَّت وصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على إمامته من بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
فكانَت إمامة الإمام الحسين ( عليه السلام ) بعد وفاة أخيه ثابتة ، وطاعته - لجميع الخَلق - لازِمَة ، وإنْ لم يَدعُ ( عليه السلام ) إلى نفسه للتقيَّة التي كان عليها ، والهُدْنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، فالتزم الوفاء بها .
فلمَّا مات معاوية ، وانقضَتْ مُدَّة الهُدْنة التي كانت تمنع الإمام الحسين ( عليه السلام ) من الدعوة إلى نفسه .
وعَلم الإمام الحسين ( عليه السلام ) بما بعثه يزيد إلى واليه في المدينة الوليد بن عتبة ، من أخذ البيعة من أهل المدينة له ، وقد أرفَقَ كتابه بصحيفة صغيرة فيها : خُذ الحسين ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن الزبير ، بالبيعة ، أخذاً شديداً ، ومن أبَى فاضرب عنقه ، وأبعث إليَّ برأسه .
فعندها أظهر ( عليه السلام ) أمره بحسب الإمكان ، وأبَانَ عن حقِّه للجاهلين به حالاً بحالٍ .
إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار ، فدعا الإمام ( عليه السلام ) إلى الجهاد ، وشمَّر للقتال ، وتوجَّه بوُلدِه وأهل بيته من حَرم الله ورسوله نحو العراق ، للاستنصار بِمَن دعاه من شيعته على الأعداء .
وقد أوصى الإمام الحسين ( عليه السلام ) قَبل خروجه من المدينة إلى مَكة ، فَبيَّن مَغزَى قيامه ، والدعوة إلى نفسه .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيم ، هَذا مَا أوصَى به الحُسين بن علي ( عليهما السلام ) إلى أخِيه مُحمَّد بن الحَنَفيَّة ، أنَّ الحسين يشهدُ أنْ لا إله إلاَّ الله ، وَحدَهُ لا شريك له ، وأنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه ، جَاء بالحقِّ من عنده .
وأنَّ الجنَّة حَقٌّ ، والنَّار حَقٌّ ، والسَّاعة آتيةٌ لا ريب فيها ، وأنَّ الله يبعثُ من في القبور .
وإنِّي لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً ، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً ، وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمَّة جَدِّي ( صلى الله عليه وآله ) .
أريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر ، وأسيرُ بِسيرَةِ جَدِّي ، وأبي علي بن أبي طَالِب ، فَمَنْ قَبلني بقبول الحق فالله أولى بالحقِّ ، ومن ردَّ عليَّ هذا أصْبِرُ حتى يقضيَ اللهُ بيني وبين القوم ، وهو خَيرُ الحاكِمين ) .
وكانتْ مُدَّة خلافته بعد أخيه ( عليهما السلام ) إحْدَى عشرة سنة .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:16 AM

جزاء قاتلي الإمام الحسين ( عليه السلام )
حُكِيَ عن السدِّي قال : أضافني رجل في ليلة كنت أحبُّ الجليس ، فرحَّبت به وأكرمته ، وجلسنا نتسامر وإذا به ينطلق بالكلام كالسيل إذا قصد الحضيض .
فطرقت له فانتهى في سمره إلى طفِّ كربلاء ، وكان قريب العهد من قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فتأوَّهتُ وتزفَّرتُ ، فقال : مَا لَكَ ؟
قال السدِّي : ذكرت مصاباً يهون عنده كل مصابٍ .
قال الرجل : أما كنتَ حاضراً يوم الطفِّ ؟
قال السدِّي : لا والحمد لله .
قال الرجل : أراك تَحمُد ، على أيِّ شيء ؟!!
قال السدِّي : على الخلاص من دم الحسين ( عليه السلام ) لأنَّ جدَّه ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن مَن طُولِبَ بدم ولدي الحسين يوم القيامة لخفيف الميزان .
قال الرجل : هكذا قال جدّه ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قال السدِّي : نعم ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( ولدي الحسين يقتل ظلماً وعدواناً ، أَلا ومن قتله يدخل في تابوت من نار ، ويعذَّب بعذاب نصفِ أهل النار ، هو ومن شايع وبايع أو رضي بذلك ، كُلَّما نضجت جلودهم بُدِّلوا بجلود غيرها ليذوقوا العذاب ، فالويل لهم من عذاب جهنَّم ) .
قال الرجل : لا تصدِّق هذا الكلام يا أخي ؟
قال السدِّي : كيف هذا وقد قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا كَذِبتُ وَلا كُذِّبتُ ) .
قال الرجل : ترى قالوا : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( قاتل ولدي الحسين لا يطول عمره ، وها أنا وحقك قد تجاوزت التسعين مع أنك ما تعرفني ) .
قال السدي : لا والله .
قال الرجل : أنا الأخنس بن زيد .
قال السدِّي : وما صنعتَ يومَ الطف ؟
قال الأخنس : أنا الذي أُمِّرتُ على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطئِ جسم الحسين بسنابك الخيل ، وهشمت أضلاعه ، وجررت نطعا من تحت علي بن الحسين وهو عليل حتى كببتُه على وجهه ، وخرمت اُذنَي صفـيَّة بنت الحسين ، لقرطين كانا في أذنيها .
قال السدِّي : فبكى قلبي هجوعاً ، وعيناي دموعاً ، وخرجت أُعالج على إهلاكه ، وإذا بالسراج قد ضعفت ، فقمت أزهرها .
فقال : إجلس ، وهو يحكي متعجباً من نفسه وسلامته ، ومدَّ إصبعه ليزهرها فاشتعلت
به ، فَفَرَكَهَا في التراب فلم تنطفِ .
فصاح بي : أدركني يا أخي فكببتُ الشربة عليها وأنا غير محبٍّ لذلك ، فلما شمَّت النار رائحة الماء ازدادت قوَّة ، وصاح بي ما هذه النار وما يطفئها ؟!! .
قلت : ألقِ نفسك في النهر ، فرمى بنفسه ، فكلَّما ركس جسمه في الماء اشتعلت في جميع بدنه كالخشبة البالية في الريح البارح ، هذا وأنا أنظره .
فَوَالله الذي لا إله إلا هو ، لم تُطفَأ حتى صار فحماً ، وسار على وجه الماء !!
وقصة اخرى :
روي عن عبد الله بن رباح القاضي أنه قال : لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
فَسُئِلَ عن بصره ، فقال : كنت شهدت قتله عاشر عشرة غير أني لم أطعن برمح ، ولم أضرب بسيف ولم أرمِ بسهم .
فلما قُتل ( عليه السلام ) رجعت إلى منزلي وصلَّيت العشاء الآخرة ونمتُ .
فأتاني آتٍ في منامي فقال : أجب رسول الله !!
فقلت : مَا لِي وَلَهُ ؟
فأخذ بتلبيبي وجَرَّني إليه ، فإذا النبي ( صلى الله عليه وآله ) جالس في صحراء ، حاسرٌ عن ذارعيه ، آخذ بحربة ، وملك قائم بين يديه ، وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة .
فكلَّما ضرب ضربة التهبَتْ أنفسهم ناراً !!
فدنوت منه وجثوت بين يديه ، وقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فلم يردَّ ( صلى الله عليه وآله ) عَلَيَّ .
ومكث طويلاً ، ثم رفع رأسه وقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا عدوَّ الله ، إنتكهت حرمتي ، وقتلت عترتي ، ولم ترعَ حقِّي ، وفعلت وفعلت .
فقلتُ : يا رسول الله ، ما ضربتُ بسيفٍ ، ولا طعنتُ برمحٍ ، ولا رميتُ بسهمٍ .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( صدقتَ ، ولكنك كثـَّرت السواد ، أُدنُ مِنِّي ) .
فدنوتُ منه ، فإذا بطشتٍ مملوءٍ دماً .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) لي : ( هذا دم ولدي الحسين ) ، فَكَحَّلَنِي من ذلك الدم ، فاحترقت عيناي ، فانتبهت لا أبصر شيئاً .
وقصة اخرى :
رُؤِيَ رجلٌ بلا يدين ولا رجلين ، وهو أعمى يقول : ربِّي نجِّتي من النار .
فقيل له : لم يبقَ عليك عقوبة ، وأنت تسأل النجاة من النار ؟!
قال : إني كنت فيمن قاتل الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء ، فلما رأيت عليه سراويل وتكَّة حسنة ، فأردت أن أنتزع التكَّة ، فرفع يده اليمنى ووضعها على التكَّة ، فلم أقدر على رفعها ، فقطعت يمينه ( عليه السلام ) .
ثم أردت أنتزاع التكَّة فرفع شماله ووضعها على التكّة ، فلم أقدر رفعها فقطعت شماله ( عليه السلام ) .
ثم هَمَمْتُ بنزع السراويل ، فسمعت زلزلة فخفت وتركتُه ، فألقى الله عليَّ النوم فنمتُ بين القتلى .
فرأيت كأنَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أقبل ، ومعه علي وفاطمة والحسن ( عليهم السلام ) ، فأخذوا رأس الحسين ( عليه السلام ) فقبلته فاطمة ( عليها السلام ) وقالت : ( يابني قتلوك !! قتلهم الله ) .
وكأنَّه ( عليه السلام ) يقول : ( ذَبَحَنِي شمرٌ ، وقطع يدي هذا النائم ) وأشار إليَّ ، فقالت لي فاطمة ( عليها السلام ) : ( قَطعَ الله يديكَ ورجليكَ ، وأعمى بصرك وأدخلك النار ) .
فانتبهت وأنا لا أبصر شيئاً ، ثمَّ سقطت يداي ورجلاي ، فلم يبقَ من دعائها إلا النار .
ألا لعنة الله على الظالمين ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:17 AM

جود الإمام الحسين ( عليه السلام ) وسخاؤه
من مزايا الإمام الحسين ( عليه السلام ) الجود والسخاء ، فقد كان الملاذ للفقراء والمحرومين ، والملجأ لمن جارت عليه الأيام ، وكان يُثلِج قلوب الوافدين إليه بِهِبَاتِه وعَطَايَاه .
يقول كمال الدين بن طلحة :
وقد اشتهر النقل عنه أنه ( عليه السلام ) كان يكرم الضيف ، ويمنح الطالب ، ويصل الرحم ، ويسعف السائل ، ويكسوا العاري ، ويشبع الجائع ، ويعطي الغارم ، ويشد من الضعيف ، ويشفق على اليتيم ، ويغني ذا الحاجة ، وقَلَّ أن وَصَلَه مَال إلا فَرَّقَه ، وهذه سَجيَّة الجواد ، وشِنشِنَه الكريم ، وسِمَة ذي السماحة ، وصفة من قد حوى مكارم الأخلاق ، فأفعاله المَتلُوَّة شاهدة له بِصُنعِه الكرم ، ناطقةً بأنه متصف بمَحاسِن الشيَم .
ويقول المؤرخون :
كان ( عليه السلام ) يحمل في دُجَى الليل السهم الجراب ، يملؤه طعاماً ونقوداً إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين ، حتى أَثَّر ذلك في ظَهرِه ، وكان يُحمَل إليه المتاع الكثير فلا يقوم حتى يَهبُ عَامَّتَه .
وقد عرف معاوية فيه هذه الظاهرة فأرسل إليه ( عليه السلام ) بهدايا وألطاف كما أرسل إلى غيره من شخصيات المدينة ، وأخذ يحدث جلساءه بما يفعله كل واحد منهم بتلك الألطاف فقال في الحسين ( عليه السلام ) : أما الحسين ، فيبدأ بأيتام من قُتِل مع أبيه بِصِفِّين ، فإن بقي شيء نَحرَ به الجزُور ، وسقى به اللبن .
وعلى أي حال فقد نقل المؤرخون بوادر كثيرة من جود الإمام ( عليه السلام ) وسخائه ، ونذكر بعضها :
أولها : مع أسامة بن زيد :
مرض أسامة بن زيد مرضه الذي توفي فيه ، فدخل عليه الإمام ( عليه السلام ) عائداً ، فلما استقر به المجلس قال أسامة : واغَمَّاه .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( مَا غَمّك ) ؟
فقال أسامة : دَيْني ، وهو ستّون ألفاً .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( هُوَ عَلَيَّ ) .
فقال أسامة : أخشى أن أموت قبل أن يُقضى .
فأجابه الإمام ( عليه السلام ) : ( لَن تَموتَ حَتى أَقضِيهَا عَنك ) .
فبادر الإمام ( عليه السلام ) فقضاها عنه قبل موته ، وقد غضَّ طرفه عن أسامة فقد كان من المُتخلِّفين عن بيعة أبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فلم يجازيه ( عليه السلام ) بالمِثل ، وإنما أغدق عليه بالإحسان .
ثانيها : مع جارية له ( عليه السلام ) :
روى أنس قال : كنت عند الحسين ( عليه السلام ) فدخلت عليه جارية بيدها طاقة رَيحانة فَحَيَّتهُ بها ، فقال ( عليه السلام ) لها : ( أنتِ حُرَّة لِوجه الله تعالى ) .
فَبُهِر أنس وانصرف وهو يقول : جَاريةٌ تجيئُكَ بِطَاقَة رَيحانٍ فَتَعتِقها ؟!!
فأجابه الإمام ( عليه السلام ) : ( كَذا أدَّبَنا اللهُ ، قال تبارك وتعالى : ( وَإِذَا حُيِّيْتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) وكان أحسَنَ منها عِتقُهَا ) .
وبهذا السخاء والخلق الرفيع مَلَك ( عليه السلام ) قلوب المسلمين ، وهَاموا بِحُبِّه وَوِلائِه ( عليه السلام ) .
ثالثها : مع غارم :
كان الإمام الحسين ( عليه السلام ) جالساً في مسجد جَده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وذلك بعد وفاة أخيه الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، وكان عبد الله بن الزبير جالساً في ناحية منه ، كما كان عتبة بن أبي سفيان جالساً في ناحية أخرى منه .
فجاء أعرابي غارم على نَاقة فَعَقَلها ودخل المسجد ، فوقف على عتبة بن أبي سفيان ، فَسلَّمَ عليه ، فَردَّ عليه السلام ، فقال له الأعرابي : إني قَتلتُ ابن عَمٍّ لي ، وطُولِبتُ بالديَّة ، فهل لَكَ أن تعطيَني شيئاً ؟ .
فرفع عُتبة إليه رأسه وقال لغلامه : ادفع إليه مِائة درهم .
فقال له الأعرابي : ما أريدُ إلا الديَّة تامة .
فلم يَعنَ به عتبة ، فانصرف الأعرابي آيساً منه .
فالتقى بابن الزبير فَعرض عليه قصته ، فأمر له بمِائتي درهم ، فَردَّها عليه .
وأقبل نحو الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فرفع إليه حاجته .
فأمر ( عليه السلام ) له بعشرة آلاف درهم ، وقال له : ( هَذهِ لِقضاء ديونَك ) .
وأمر ( عليه السلام ) له بعشرة آلاف درهم أخرى وقال له : ( هَذه تَلُم بها شَعثَك ، وَتُحسِّن بها حَالك ، وتنفقُ بها على عِيَالِك ) .
فاستولت على الأعرابي موجاتٌ من السرور واندفع يقول :
طَربتُ وما هَاج لي معبقُ
وَلا لِي مقَامٌ ولا معشَقُ
وَلكِنْ طَربتُ لآلِ الرَّسولِ
فَلَذَّ لِيَ الشِّعرُ وَالمَنطِقُ
هُمُ الأكرَمون الأنجَبُون
نُجومُ السَّماءِ بِهِم تُشرِقُ
سَبقتَ الأنامَ إلى المَكرُمَاتِ
وَأنتَ الجَوادُ فَلا تُلحَقُ
أبوكَ الَّذي سَادَ بِالمَكرُمَاتِ
فَقصَّرَ عَن سِبقِه السُّبَّقُ
بِه فَتحَ اللهُ بَابَ الرَّشاد
وَبابُ الفَسادِ بِكُم مُغلَقُ
رابعها : مع أعرابي :
قصد الإمامَ ( عليه السلام ) أعرابيٌّ فَسلَّم عليه ، وسأله حاجته وقال : سمعتُ جدَّك ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( إِذا سَألتُم حَاجَة فَاسْألوُها مِن أربعة : إِمَّا عَربيّ شريف ، أَو مَولىً كَريم ، أوْ حَامِلُ القُرآن ، أو صَاحِبُ وَجه صَبيحٍ ) .
فَأما العَربُ فَشُرِّفَت بِجَدك ( صلى الله عليه وآله ) ، وأما الكرمُ فَدَأبُكم وَسيرتكم ، وأما القرآن فَفِي بيوتِكُم نَزَل .
وأما الوجه الصبِيح فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( إِذا أردتُم أنْ تَنظُروا إِليَّ فَانظُروا إِلى الحَسَنِ وَالحُسَين ) .
فقال له الحسين ( عليه السلام ) : ( ما حاجتك ) ؟
فَكتبها الأعرابي على الأرض ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : ( سَمِعتُ أبي عَلياً ( عليه السلام ) يَقول : ( المَعرُوفُ بِقَدر المعرفة .
فأسألُكَ عَن ثلاث مَسائلٍ ، إِن أجبتَ عن واحدةٍ فَلَكَ ثُلث ما عِندي ، وإِن أجبتَ عَن اثنين فَلَك ثُلثَا مَا عِندي ، وإِن أجبتَ عَن الثَّلاث فَلَكَ كُل مَا عِندي ، وَقَد حُمِلَت إِليَّ صرَّة من العِراق ) .
فقال الأعرابي : سَلْ ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( أيّ الأعمالِ أفضلُ ) ؟
فقال الأعرابي : الإيمان بالله .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( ما نَجَاةُ العَبدِ مِن الهَلَكة ) ؟
فقال الأعرابي : الثقة بالله .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( مَا يزينُ المَرء ) ؟
فقال الأعرابي : عِلمٌ معهُ حِلمٌ .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( فإن أَخطأه ذَلك ) ؟
فقال الأعرابي : مَالٌ معهُ كَرمٌ .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( فإِن أَخطأه ذلك ) .
فقال الأعرابي : فَقرٌ معهُ صَبرٌ .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( فإن أَخطأه ذلك ) .
فقال الأعرابي : صَاعقةٌ تنزل من السماء فَتُحرقه .
فضحك الإمام ( عليه السلام ) ورمى إليه بِالصرَّة .

محمد الشرقي 23-08-2006 04:19 AM

ما شاء الله عليكم
موضوع يستاهل التمييز والتثبيت

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:19 AM

حُبّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) للحسين ( عليه السلام )
إن للإمام لحسين ( عليه السلام ) موقعاً رساليّاً تَميَّز به عن سائر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وجعلَ منه رمزاً خالداً لكل مظلوم .
وليس عبثاً قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حقِّه ( عليه السلام ) : ( إِنَّ لَهُ دَرجة لا يَنَالُها أحدٌ مِن المَخلوقِين ) .
وقد توالت أقوال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في وَصف مقام الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وموقعه الرفيع من الرسالة ومنه ، ومدى محبَّة النبي لسبطه الحسين ( عليه السلام ) ، ومن هذه الأقوال ما يلي :
أولاً :
عن يَعلى بن مُرَّة ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( حُسَينٌ مِنِّي وأنا مِن حُسين ، أحَبَّ اللهُ مَن أحبَّ حُسَيناً ، حُسينٌ سِبْطُ مِن الأسْباط ) .
ثانياً :
عن سلمان الفارسي ، قال : سمعتُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( الحسن والحسين ابناي ، من أحبَّهما أحبَّني ، ومن أحبَّني أحبَّه اللهُ ، وَمَن أحبَّه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضَهُمَا أبغضَني ، ومن أبغضَني أبغضَه الله ، وَمَن أبغضه الله أدخلَه النَّار عَلى وجَهه ) .
ثالثاً :
عن البَرَّاء بن عازب ، قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حاملاً الحسين بن علي ( عليهما السلام ) على عاتقه وهو يقول : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أُحبُّهُ فَأحِبَّه ) .
رابعاً :
عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا دخل الحسين ( عليه السلام ) اجتذبه إليه ، ثم يقول لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( أمْسِكه ) .
ثم يقع ( صلى الله عليه وآله ) عليه ، فيُقبِّله ويبكي .
فيقول ( عليه السلام ) : ( يَا أبَه ، لِمَ تبكِي ) ؟!!
فيقول ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا بُنيَّ ، أقبِّل موضع السيوف منك وأبكي ) .
فيقول ( عليه السلام ) : ( يا أبه ، وأُقتَل ) ؟!!
فيقول ( صلى الله عليه وآله ) : ( إي والله ، وأبوك وأخوك وأنت ) .
فيقول ( عليه السلام ) : ( يا أبه ، فمصارعُنا شتَّى ) ؟!!
فيقول ( صلى الله عليه وآله ) : ( نعم ، يا بُنيَّ ) .
فيقول ( عليه السلام ) : ( فمن يزورنا من أمتك ) ؟
فيقول ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلا الصدِّيقون من أمَّتي ) .
خامساً :
عن ابن عباس ، قال : لمَّا اشتدَّ برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مرضه الذي توفِّي فيه ، ضمَّ الحسين ( عليه السلام ) ، ويسيل من عرقه عليه ، وهو يجود بنفسه ويقول : ( مَا لي وَلِيَزيد ، لا بَارَكَ اللهُ فِيه ، اللَّهُمَّ العَنْ يزيد ) .
ثم غُشي عليه ( صلى الله عليه وآله ) طويلاً .
ثم أفاقَ ، وجعل يقبِّل الحسين ( عليه السلام ) وعيناه تذرفان ويقول : ( أما إن لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزَّ وجلَّ ) .
وأخيراً :
ندرك كيف كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يهيِّئ ولده الحسين ( عليه السلام ) لدور رسالي فريد ، ويوحي به ويؤكِّده ، ليحفظ له رسالته من الانحراف والضياع .
ولذا نجد أن سيرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) هي من أبرز مصاديق وحدة الهدف في تحقيق وحفظ مصلحة الإسلام العُليا ، والتي اتَّسمت بها أدوار أهل البيت ( عليهم السلام ) على رغم تنوِّعها في الطريقة وتباينها الظاهري في المواقف .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:20 AM

حركة التوابين كانت للانتقام من قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام )
مقدمة :
كانت الكوفة بعد واقعة كربلاء تتحسس أكثر من غيرها ثقل الذنب ومرارة الندم ، باعتبارها طرفاً مباشراً ومسؤولاً في قضية الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
فهي التي ألحت عليه بالخروج إلى أرض الثورة التي تتعطش إلى قائدها المنتظر ، ثم تقاعست في أحرج الظروف عن الالتزام بما وعدت به ، والوفاء بالعهد الذي قطعته على نفسها .
وإذا كانت الأحداث التي تلاحقت بصورة مفاجئة بُعَيد تحركه ( عليه السلام ) من الحجاز قد حالت دون القيام بواجبها وتنفيذ مخططها المرسوم ، فإن ذلك لم يكن لِيُخَفِّف عنها عمق المأساة ، لأنها افتقدت بمصرعه ( عليه السلام ) الشخصية الأكثر جَدَارة ، التي وضعت فيها الشيعة كل آمالها وطموحها للوصول إلى الحكم .
تشكيل الحركة :
أخذ أنصار الثورة الحسينية ، يجتمعون بعد مقتله ( عليه السلام ) مباشرة في إطار من السرِّية التامة .
وعند الاجتماع يعقدون مناقشات أشبَهَ ما تكون بالنقد الذاتي ، وذلك لمحاسبة أنفسهم على التقصير الذي أظهروه إزاء الحسين ( عليه السلام ) ، والتشاور على كيفية التكفير عن الذنب ، وغسل العار الذي لحق بهم نتيجة هذا التخاذل .
فقد جاء في تاريخ الطبري : ( لما قُتِل الحسين بن علي تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندّم ، ورأت أنها قد أخطأت خطأً كبيراً بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته ، ومقتله إلى جانبهم ولم ينصروه ، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله ( عليه السلام ) إلا بقتل من قتله أو القتل فيه ) .
فَتزعَّم التحرك الشيعي حينئذٍ خمسة من كبار الزعماء الكوفيين المتقدمين في السن ، الذين ارتبطوا تاريخياً بالحركة الشيعية ، وهم :
1 - سليمان بن صُرد الخزاعي .
2 - المُسَيَّب بن نجبه الفزاري .
3 - عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي .
4 - عبد الله بن وال التميمي .
5 - رفاعة بن شداد البجلي .
وكانوا جميعاً رِفاق الإمام علي ( عليه السلام ) ومن أشدِّ المؤيِّدين له .
فبدأ الزعماء الخمسة يمارسون نشاطهم في الخفاء ، ويبشِّرون بدعوتهم الانتقامية في أوساط الشيعة بعيداً عن مراقبة السلطة وجواسيسها المنتشرين في كل مكان .
فكان أن أثمرت جهودهم ، وشكِّلوا منظمة سرِّية نواتها نحو مِائة معارض ، ولم تلبث حتى تحوَّلت إلى منظَّمة كبرى تحمل اسم ( التوابين ) .
وقد صارت هذه التسمية هي الغالبة على حركة سليمان ورفاقه ، وهي أصلاً منبثقة عن الآية الكريمة التي أصبحت الشعار الرئيسي لهم وهي قوله تعالى : ( فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقَتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيْمُ ) البقرة : 54 .
وكان الاجتماع الأول الذي ضمَّ هؤلاء قد عُقد في منزل سليمان بن صُرد ، والذي وُصف بأنه صحابي جليل .
وهذا يعطينا فكرة بأنه كان متقدماً في السن ، ورفيع المكانة في مجتمعه ، وربما كان لذلك أثر في تصدّره هذه الحركة ، واحتلاله مركز الزعامة فيها .
فإن المناقشات التي جرت في هذا الاجتماع أظهرت أن المُسيَّب كان من أبرز الخمسة ، وألمَعِهم تفكيراً ، وأكثرِهم عُمقاً .
وكان الاتجاه العام للمناقشات يدور حول التكفير عن الذنب والمخطط الانتقامي الذي يمكن أن يُزيل عنهم الشعور بالإثم ، وذلك في جَوٍّ من الانفعال الشديد .
وكان أول المتكلمين في الاجتماع المُسيَّب بن نجبه ، وبعد أن أنهى كلامه بتشديده على توحيد الصفوف ، ودعوة رفاقه إلى انتخاب رئيسٍ يفزعون إليه ، ويأخذون برأيه ، تَكلَّم بعدئذٍ زعيم آخر هو رفاعة بن شداد .
فأثنى على ما جاء في خُطبةِ المسيَّب ، وأوصى باتِّخاذ سليمان بن صُرد زعيماً للحركة .
البرنامج العام للحركة :
يمكن تلخيص البرنامج العام لحركة التوابين بالنقاط الآتية :
1 - الشعور بِهَول المأساة ، وفداحة الإثم .
2 - الإسراع باتخاذ موقف انتقامي من المسؤولين عن مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، سواء الأمويين أم المتواطئين معهم .
3 - تجسيد فكرة الاستشهاد ، وذلك بالتنازل عن الأملاك واعتزال النساء .
4 - الإلحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس .
وانتهى المؤتمر ملتزماً بهذه المقررات الحاسمة ، وملتزماً بزعامة سليمان بن صُرد أكبر الزعماء الخَمسة سِناً ، وأسبقهم في الإسلام ، وأوثقهم علاقة بعلي وأسرته ( عليهم السلام ) ، وأرفعهم شأناً في مكانته القبلية .
وليس ثمة شك أن هذا الاختيار كان موفقاً وفي صالح الحركة ، لأن سليمان كان طرازاً فريداً بين رجالات الكوفة ، شديد الإيمان بالقضية التي رفع شعارها ، مقتنعاً بضرورة الأخذ بمبدأ العنف لتصعيد حركة النضال الشيعي ضد أعدائها الأمويين .
فلم يكن هو أو أحد من رفاقه ساعياً وراء مطلب خاص أو مكسب شخصي ، وإنما كانوا طُلاَّب قضية عامة هدفها أولاً : الانتقام للحسين ( عليه السلام ) ، الذي هو رأس الحركة الشيعية ، ورائدها في تحقيق أمانيها السياسة .
وثانياً : إزاحة الأمويين من السلطة في الكوفة وتحويلها إلى قاعدة للحكم الشيعي الذي ينبغي أن يسود في مختلف أقاليم الدولة .
وهذا يظهر بكل وضوح أن جماعة التوابين لم يطلبوا السلطة للتحكم ، بل لتنفيذ مبدأ عام هو الإسلام .
وكان بنظرهم السكوت عن ذلك وتخليهم عنه يُعتبر خيانة لقضيتهم ، وتخلياً عن حقٍّ شرعي ، وخرقاً لعهد إلهي .
ولا شك في أن هذا التجانس النوعي في صفوف التوابين كان له بعداً خاصاً كَرَّس أكثر فأكثر مفهوم التضحية والفداء .
معركة ( عَين الوَردة ) :
فرغت الكوفة من زعماء التوَّابين ، والذين غادروها وهم في ذَروة الحماسة إلى ( النخيلة ) ، وهو المعسكر الذي هرع إليه رفاق آخرون ، اشتركوا معهم في تلك المسيرة النضالية الرائعة ، وذلك لخوض معركة الانتقام البطولي ضد النظام الأموي ، ولضرب ما عبَّروا عنه بقواعد الطغيان والظلم .
تقدم سليمان مع رفاقه في عمق الجزيرة وهو يفكر في تنظيم المقاتلين ، ووضع خطط الاشتباك مع الجيش الأموي الذي أخذ يقترب من المعسكر .
وكانت أهم معالم التكتيك الذي اتبعته القيادة هي تقسيم المقاتلين إلى مجموعات صغيرة ، مُهَمَّتها القيام بهجمات صاعقة على طلائع وأطراف الجيش الأموي للتأثير على العناصر المقاتلة فيه .
وفي هذا الوقت كانت طلائع الجيش الضخم الذي أعدَّه مروان بن الحكم تشقّ طريقها نحو ( قرقيسيا ) بقيادة عبيد الله بن زياد .
وكانت مهمة هذا الجيش تصفية جيوب المعارضة ضد النظام الأموي .
وفي الطريق إلى العراق تسرَّبت معلومات إلى الجيش الأموي عن تحركات التوَّابين باتجاه ( عَين الوَردة ) فَحوَّل ابن زياد خط سيره نحو تَجَمّعاتهم ، ليكونوا أول فريسة له .
ولمّا وصل الجيش الأموي ، أرسل سليمان نائبه المسيَّب بن نجبه على رأس أربعمِائة فارس نحو معسكر الأمويِّين ، وذلك لمَّا علم بتحرك جيش أموي نحو ( عَين الوَردة ) ، فأوقع المسيَّب هزيمة قاسية بالجيش الأموي ، افقدته الكثير من القتلى .
وكانت هذه الهزيمة بمثابة تصعيد عنيف للموقف من جانب الأمويين ، الذين بادروا بإرسال اثني عشر ألفاً من الجنود ، وقد أصبحوا وجهاً لوجه مع التوابين .
وكان ذلك إيذاناً بوقوع الحرب فعلياً ، حين اندفع التوابون من مواقعهم بقيادة سليمان بن صُرد الذين التحموا مع قوات الحصين بن نمير الأموية التي تفوقهم كثيراً في العدد ، وذلك في سنة ( 65 هـ ) ، في ( عَين الوَردة ) .
ويظهر من سير الاشتباكات الأولية أن وضع التوابين – برغم قِلَّتهم العددية – كان معزَّزاً ، ومعنوياتهم في ارتفاع دائم ، أما الحماس فقد بلغ حداً لا يوصف .
والتوابون في الحقيقة لم يتخاذلوا ولم يتخلوا مطلقاً عن إيمانهم بالقضية التي يناضلون في سبيلها ، وإنما ظلوا متماسكين في جبهة واحدة متراصَّة ، ويقاتلون قتالاً بطولياً مُستَميتاً .
حتى أن هَجَماتهم الانتحارية أوقفت بعض الوقت الجنود الأمويين عن التقدم ، وجعلتهم يتحاشون الالتحام المباشر معهم ، فاعتمدوا النبال كسلاح رئيسي وتمكنوا بذلك من إنزال خسائر جسيمة في صفوف التوابين ، مما أدَّى إلى سيطرتهم أخيراً على زمام الموقف .
وبعد مقتل سليمان ، تسلّم راية القيادة نائبه المسيَّب بن نجبه الذي أثبت أنه لا يختلف عن مستوى سليمان في جرأته ، وفي إيمانه العظيم .
وقد سقط المسيَّب بدوره صريعاً في المعركة بعد جهود مُستَميتَة ، وتبعه بقية القوَّاد وعدد كبير من المقاتلين .
وأخيراً :
لا يمكن أن نقول بأن هذه الحركة انهزمت أو فشلت عسكرياً ، لأن الفشل والإخفاق لم يكن أمراً مفاجئاً بالنسبة لها .
لذلك توجَّه قادتها وأنصارها إلى المعركة ، وهم يشعرون في قَرارَة أنفسهم أنهم متّجهين إلى نهايتهم المحتومة ، ومحاولين التكفير عن ذنوبهم بالانتقام من قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، أو الموت في سبيل ذلك .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:20 AM

حكم الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومواعظه
مَنح اللهُ الإمامَ الحسين ( عليه السلام ) أعِنَّة الحِكمة ، وَفَصل الخِطاب ، فكانت تَتَدفَّق على لسانه ( عليه السلام ) سُيول من الموعظة والآداب والأمثال السائرة ، وفيما يلي بعض حِكَمِهِ القصار :
1ـ قال ( عليه السلام ) : ( العاقلُ لا يُحدِّث من يُخافُ تَكذيبُه ، ولا يَسألُ مَن يُخافُ مَنعُه ، ولا يَثِقُ بِمن يُخافُ غَدرُه ، وَلا يَرجو مَن لا يُوثَقُ بِرجَائِه ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) : ( أَيْ بُنَي ، إِيَّاكَ وَظُلم مَن لا يَجِدُ عَليك ناصراً إلاّ الله عَزَّ وَجلَّ ) .
3ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَا أخذَ اللهُ طَاقَة أَحَدٍ إِلاّ وَضع عَنه طَاعَته ، ولا أخَذَ قُدرتَه إِلاَّ وَضَعَ عنه كُلفَتَه ) .
4ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِيَّاك وما تَعتَذِرُ مِنه ، فإِنَّ المُؤمنَ لا يُسيءُ ولا يَعتَذِر ، وَالمُنَافق كُل يوم يُسيءُ وَيعتذر ) .
5ـ قال ( عليه السلام ) : ( دَعْ مَا يُريبُكَ إلى مَا لا يُريبك ، فإنَّ الكذبَ رِيبَةٌ ، وَالصدقُ طُمَأنينَة ) .
6ـ قال ( عليه السلام ) : ( اللَّهُمَّ لا تَستَدرِجنِي بالإحسان ، ولا تُؤَدِّبني بِالبَلاء ) .
7ـ قال ( عليه السلام ) : ( خَمسٌ مَن لَم تَكُن فِيه لَم يَكُن فِيه كثير : مُستمتع العقل ، والدِين ، والأَدَب ، والحَيَاء ، وَحُسنُ الخُلق ) .
8ـ قال ( عليه السلام ) : ( البَخيلُ مَن بَخلَ بالسَلام ) .
9ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَن حَاولَ أمراً بمعصيةِ اللهِ كَان أفوَت لِما يَرجُو ، وَأسرَع لِما يَحذَر ) .
10ـ قال ( عليه السلام ) : ( مِن دَلائِل عَلامات القَبول الجُلوس إلى أهلِ العقول ، ومِن علامات أسبابِ الجَهل المُمَارَاة لِغَير أهلِ الكفر ، وَمِن دَلائل العَالِم انتقَادُه لِحَديثِه ، وَعِلمه بِحقَائق فُنون النظَر ) .
11ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِنَّ المؤمنَ اتَّخَذ اللهَ عِصمَتَه ، وقَولَه مِرآتَه ، فَمَرَّةً ينظر في نَعتِ المؤمنين ، وتَارةً ينظرُ في وصف المُتَجبِّرين ، فَهو منهُ فِي لَطائِف ، ومن نَفسِه في تَعارُف ، وَمِن فِطنَتِه في يقين ، وَمن قُدسِه عَلى تَمكِين ) .
12ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِذا سَمعتَ أحداً يَتَناولُ أعراضَ الناسِ فاجتَهِد أنْ لا يَعرِفك ) .
13ـ قال ( عليه السلام ) : ( يَا هَذا ، كُفَّ عَن الغِيبة ، فَإنَّها إِدَامَ كِلاب النار ) .
14ـ تكلّم رجل عنده ( عليه السلام ) فقال : إنّ المعروف إذا أُسدِي إلى غير أهله ضَاع .
فقال ( عليه السلام ) : ( لَيسَ كَذلك ، وَلَن تَكون الصنيعَة مِثل وَابِر المَطَر تُصيبُ البرَّ والفَاجِر ) .
15ـ سأله رجل عن تفسير قوله تعالى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى : 11 .
فقال ( عليه السلام ) : ( أَمَرَهُ أنْ يُحدِّث بِمَا أنْعَم اللهُ بِهِ عَلَيهِ فِي دِينِه ) .
16ـ قال ( عليه السلام ) : ( موتٌ في عِزٍّ خَيرٌ مِن حَياةٍ في ذُلٍّ ) .
17ـ قال ( عليه السلام ) : ( البُكَاءُ مِن خَشيةِ اللهِ نَجاةٌ مِن النار ) .
18ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَن أحجَم عَن الرأي وَأعيَتْ لَهُ الحِيَل كَانَ الرفقُ مِفتَاحُه ) .
19ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَن قَبلَ عَطاءَك فَقَد أعَانَكَ عَلى الكَرَم ) .
20ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِذا كانَ يَوم القيامةِ نَادَى مُنادٍ : أيُّهَا الناس مَن كَانَ لَهُ عَلى اللهِ أجرٌ فَليَقُم ، فَلا يَقُومُ إِلاَّ أهلُ المَعرُوف ) .
21ـ قال ( عليه السلام ) : ( يا هذا لا تجاهد في الرزق جهاد المغالب ، ولا تتكل على القدر اتكال مستسلم ، فإنّ ابتغاء الرزق من السنّة ، والإجمال في الطلب من العفّة ، ليست العفّة بممانعة رزقاً ، ولا الحرص بجالب فضلاً ، وإنّ الرزق مقسوم ، والأجل محتوم ، واستعمال الحرص طلب المأثم ) .
22ـ قال ( عليه السلام ) : ( شر خصال الملوك : الجبن من الأعداء ، والقسوة على الضعفاء ، والبخل عند الإعطاء ) .
23ـ قال ( عليه السلام ) : ( من سرّه أن ينسأ في أجله ، ويزاد في رزقه فليصل رحمه ) .
24ـ قال ( عليه السلام ) : ( إنّ حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم ، فلا تملّوا النعم فتعود نقماً ) .
25ـ قال ( عليه السلام ) : ( الاستدراج من الله سبحانه لعبده ان يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر ) .
26ـ قال ( عليه السلام ) : ( إنّ الحلم زينة ، والوفاء مروّة ، والصلة نعمة ، والاستكبار صلف ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، ومجالسة أهل الدناءة شر ، ومجالسة أهل الفسق ريبة ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:21 AM

الامام السجاد عليه السلام

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:22 AM

إجابات الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في أصول العقيدة ومباحث الكلام
كان الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في زمانه وحيد عصره في الإجابة على الأسئلة العقائدية المعقّدة ، ولا سيّما ما تعرّضت له الأُمّة الإسلامية من تيّارات فكرية مستوردة ، أو دخيلة تحاول زعزعة كيان العقيدة الخالصة ، كمباحث القضاء والقدر ، والجبر والاختيار التي ظهرت بوادرها في حياة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأخذت بالنمو والانتشار بحيث شكّلت ظاهرة فكرية تستدعي الانتباه وتتطلّب العلاج .
وبرز الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على الصعيد العلمي بروزاً جعله مناراً يشار إليه ، وآمن به المسلمون جميعاً حتّى قال الزهري عنه : ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ولا أفقه منه .
وقد اعترف بهذه الحقيقة حكّام عصر الإمام من خلفاء بني أُمية ـ وهم لا يعترفون بالفضل لمن يطاولهم في الخلافة والسلطان ـ حتّى قال عبد الملك بن مروان للإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : ولقد أُوتيت من العلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك قبلك إلاّ من مضى من سلفك ، ووصفه عمر بن عبد العزيز : بأنّه سراج الدنيا وجمال الإسلام .
وممّا ورد عنه في القضاء والقدر أنّ رجلاً سأله : جعلني الله فداك ، أبقدر يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل ؟
فأجابه ( عليه السلام ) : ( إنّ القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد ، فالروح بغير جسد لا تحسّ ، والجسد بغير روح صورة لا حراك بها ، فإذا اجتمعا قويا وصلحا ، كذلك العمل والقدر ، فلو لم يكن القدر واقعاً على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق ، وكان القدر شيئاً لا يحسّ ، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتمّ ولكنّهما باجتماعهما ، ولله فيه العون لعباده الصالحين ) .
ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( ألا إنّ من أَجور الناس من رأى جوره عدلاً وعدل المهتدي جوراً ، ألا إنّ للعبد أربعة أعين : عينان يبصر بهما أمر آخرته ، وعينان يبصر بهما أمر دنياه ، فإذا أراد الله عز وجل بعبد خيراً فتح له العينين اللّتين في قلبه فأبصر بهما العيب ، وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه ) ، ثمّ التفت إلى السائل عن القدر فقال : ( هذا منه ، هذا منه ) .
وقال ( عليه السلام ) في بيان استحالة أن يوصف الله تعالى بالمحدودية التي هي من صفات الممكن : ( لا يوصف الله تعالى بالمحدودية ، عظم الله ربّنا عن الصفة ، وكيف يوصف بمحدودية من لا يُحَدّ ، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) .
الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ينصّ على الأئمّة من بعده ويبشّر بالمهدي ( عليه السلام ) :
1ـ روى ( عليه السلام ) عن جابر بن عبد الله الأنصاري حديثاً طويلاً جاء فيه : ( أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أشار إلى سبطه الحسين ( عليه السلام ) قائلاً لجابر : ( ومن ذرّية هذا رجل يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً ... ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) عن المهدي ( عليه السلام ) : ( إنّ الإسلام قد يُظهِرهُ الله على جميع الأديان عند قيام القائم ) .
3ـ قال ( عليه السلام ) : ( إذا قام القائم ، أذهب الله عن كلّ مؤمن العاهة وردّ إليه قُوَّتَه ) .
4ـ ذكر ( عليه السلام ) : ( أنّ سنن الأنبياء تجري في القائم من آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) : فمن آدم ونوح ( عليهما السلام ) طول العمر ، ومن إبراهيم ( عليه السلام ) خفاء الولادة واعتزال الناس ، ومن موسى ( عليه السلام ) الخوف والغَيْبة ، ومن عيسى ( عليه السلام ) اختلاف الناس فيه ، ومن أيّوب ( عليه السلام ) الفَرَج بَعد البلوى ، ومن محمّد ( صلى الله عليه وآله ) الخروج بالسيف ) .
5ـ قال ( عليه السلام ) عن خفاء ولادته على الناس : ( القائم منّا تخفى ولادته على الناس حتّى يقولوا : لم يولَد بَعد ، ليخرجَ حينَ يخرج وليس لأحد في عنقهِ بيعة ) .
6ـ عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على سيّدي علي بن الحسين زين العابدين ( عليهما السلام ) فقلت له : يا بن رسول الله ! أخبرني بالذين فرض الله طاعتهم ومودّتهم ، وأوجب على خلقه الإقتداء بهم بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فقال لي ( عليه السلام ) : ( يا كنكر ! إنّ أُولي الأمر الذين جعلهم الله أئمّة الناس وأوجب عليهم طاعتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ثمّ انتهى الأمر إلينا ) ، ثمّ سكت .
فقلت له : يا سيّدي ! روي لنا عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال : ( لا تخلو الأرض من حجّة لله على عباده ) ، فمن الحجّة والإمام بعدك ؟
قال ( عليه السلام ) : ( ابني محمّد ، واسمه في التوراة باقر يبقر العلم بقراً ، هو الحجّة والإمام بعدي ، ومن بعد محمّد ابنه جعفر اسمه عند أهل السماء الصادق ) .
فقلت له : يا سيّدي فكيف صار اسمه : الصادق وكلّكم صادقون ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( حدّثني أبي عن أبيه أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسمّوه الصادق ، فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه ، فهو عند الله ( جعفر الكذّاب ) المفتري على الله ، المدّعي لما ليس له بأهل ، المخالف على أبيه ، والحاسد لأخيه ، ذلك الذي يكشف سرّ الله عند غيبة ولي الله ) .
ثمّ بكى علي بن الحسين ( عليهما السلام ) بكاءً شديداً ، ثمّ قال : ( كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ الله ، والمغيّب في حفظ الله ، والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته ، وحرصاً على قتله إن ظفر به ، طمعاً في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير حقّه ) .
قال أبو خالد : فقلت له : يا بن رسول الله وإنّ ذلك لكائن ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( أي وربّي إنّه المكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله )) .
قال أبو خالد : فقلت : يا بن رسول الله ثمّ يكون ماذا ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( ثمّ تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والأئمّة بعده ، يا أبا خالد ! إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كلّ زمان ، لأنّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف ، أُولئك المخلصون حقّاً ، وشيعتنا صدقاً ، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( انتظار الفرج من أعظم الفرج ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:24 AM

احتجاجات الإمام زين العابدين ( عليه السلام )
إنّ فن الاحتجاج والمناظرة العلمية فنّ جليل لما ينبغي أن يتمتّع به المناظر من مقدرة علمية وإحاطة ودقّة ولياقة أدبية .
وقد تميّز أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) بهذا الفنّ ، واستطاعوا من خلال هذا المجال إفحام خصومهم وإثبات جدارتهم العلمية بنحو لا يدع مجالاً للريب في أنّهم مؤيّدون بتأييد ربّاني ، وكما عبّر بعض أعدائهم : أنّهم أهل بيت قد زُقّوا العِلمَ زقّاً .
وقد جمع العلاّمة الطبرسي جملةً من احتجاجات المعصومين الأربعة عشر ( عليهم السلام ) في كتابه المعروف بالاحتجاج ، ونشير هنا إلى بعض احتجاجات الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) .
1ـ جاء رجل من أهل البصرة إلى الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) فقال : يا علي بن الحسين ! إنّ جدّك علي بن أبي طالب قتل المؤمنين ، فهملت عينا علي بن الحسين دموعاً حتى امتلأت كفّه منها ، ثمّ ضرب بها على الحصى ، ثمّ قال :
( يا أخا أهل البصرة ، لا والله ما قتل علي ( عليه السلام ) مؤمناً ، ولا قتل مسلماً ، وما أسلم القوم ، ولكن استسلموا وكتموا الكفر وأظهروا الإسلام ، فلمّا وجدوا على الكفر أعوانا أظهروه ، وقد علمت صاحبة الجدب والمستحفظون من آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) أنّ أصحاب الجمل وأصحاب صفّين وأصحاب النهروان لعنوا على لسان النبي الأُمّي ، وقد خاب من افترى ) .
فقال شيخ من أهل الكوفة : يا علي بن الحسين ! إنّ جدّك كان يقول : ( إخواننا بغوا علينا ) .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( أما تقرأ كتاب الله ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ) فهم مثلهم أنجى الله عزّ وجلّ هوداً والذين معه ، وأهلك عاداً بالريح العقيم ) .
2ـ عن أبي حمزة الثمالي قال : دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على علي بن الحسين ( عليهما السلام ) فقال له : جعلني الله فداك ، أخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ) السبأ : 18 .
قال له ( عليه السلام ) : ( ما يقول الناس فيها قبلكم ) ؟ قال : يقولون إنّها مكّة .
فقال ( عليه السلام ) : ( وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكّة ) ، قال : فما هو ؟
قال ( عليه السلام ) : ( إنّما عنى الرجال ) ، قال : وأين ذلك في كتاب الله ؟ .
فقال ( عليه السلام ) : ( أو ما تسمع إلى قوله عز وجل : ( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ) الطلاق : 8 ، وقال : ( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ) الكهف : 59 ، وقال : ( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ) يوسف : 82 ، أفيسأل القرية أو الرجال أو العير ؟
قال : وتلا عليه آيات في هذا المعنى ، قال : جعلت فداك ! فمن هم ؟
قال ( عليه السلام ) : ( نحن هم ) ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( أو ما تسمع إلى قوله : ( سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ) السبأ : 18 ، قال ( عليه السلام ) : ( آمنين من الزيغ ) .
3ـ روي أنّ الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) مرّ بالحسن البصري وهو يعظ الناس بمنى ، فوقف ( عليه السلام ) عليه ثمّ قال : ( أمسك ، أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم ، أترضاها لنفسك فيما بينك وبين الله إذا نزل بك غداً ) ؟ قال : لا .
قال ( عليه السلام ) : ( أفتحدّث نفسك بالتحوّل والانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها ) ؟ قال : فأطرق مليّاً ثمّ قال : إنّي أقول ذلك بلا حقيقة .
قال ( عليه السلام ) : ( أفترجو نبيّاً بعد محمّد ( صلى الله عليه وآله ) يكون لك معه سابقة ) ؟ قال : لا .
قال ( عليه السلام ) : ( أفترجو داراً غير الدار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها ) ؟ قال : لا .
قال ( عليه السلام ) : ( أفرأيت أحداً به مسكة عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا ؟ إنّك على حال لا ترضاها ولا تحدّث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة ، ولا ترجو نبيّاً بعد محمّد ، ولا داراً غير الدار التي أنت فيها فترد إليها فتعمل فيها ، وأنت تعظ الناس ) .
قال : فلمّا ولّى ( عليه السلام ) قال الحسن البصري : من هذا ؟ قالوا : علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ، قال : أهل بيت علم ، فما رُئِي الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس .
4ـ روي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : ( لمّا قتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) أرسل محمّد بن الحنفية إلى الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) فخلا به ثمّ قال : يا بن أخي ! قد علمت أنّ رسول الله كان جعل الوصية والإمامة من بعده لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ثمّ إلى الحسن ، ثمّ إلى الحسين ، وقد قتل أبوك ( رضي الله عنه ) وصُلّيَ عليه ولم يوص ، وأنا عمّك وصنو أبيك ، وأنا في سنّي وقدمتي أحقّ بها منك في حداثتك ، فلا تنازعني الوصية والإمامة ولا تخالفني .
فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( اتق الله ولا تدّعِ ما ليس لك بحقّ ، إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين ، يا عم ! إنّ أبي صلوات الله عليه أوصى إليّ قبل أن يتوجّه إلى العراق ، وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عندي ، فلا تعرض لهذا فإنّي أخاف عليك بنقص العمر وتشتت الحال ، وإنّ الله تبارك وتعالى أبى إلاّ أن يجعل الوصية والإمامة إلاّ في عقب الحسين ، فإن أردت أن تعلم فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتّى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك ) .
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( وكان الكلام بينهما وهما يومئذ بمكّة ، فانطلقا حتّى أتيا الحجر الأسود ، فقال الإمام ( عليه السلام ) لمحمّد : ابدأ فابتهل إلى الله واسأله أن ينطق لك الحجر ثمّ سله ، فابتهل محمّد في الدعاء وسأل الله ثمّ دعا الحجر فلم يجبه ، فقال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : ( أما إنّك يا عمّ لو كنت وصيّاً وإماماً لأجابك ) .
فقال له محمّد : فادع أنت يا بن أخي ، فدعا الله بما أراد ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لمّا أخبرتنا بلسان عربيّ مبين مَن الوصي والإمام بعد الحسين بن علي ) ؟ فتحرّك الحجر حتّى كاد أن يزول عن موضعه ، ثمّ أنطقه الله بلسان عربيّ مبين فقال :
اللّهمّ إنّ الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي بن أبي طالب إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، وابن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فانصرف محمّد وهو يتولّى علي بن الحسين ( عليه السلام )) .
وعن الإمام جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه علي بن الحسين ( عليهم السلام ) قال : ( نحن أئمّة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغرّ المحجّلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذين بنا يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا ينزل الغيث ، وينشر الرحمة ، ويخرج بركات الأرض ولولا ما في الأرض منّا لساخت الأرض بأهلها ) .
ثمّ قال : ( ولم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله ، ولولا ذلك لم يعبد الله ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:25 AM

استسقاء الإمام السجاد ( عليه السلام ) لأهل مكة
قال ثابت البناني : كنت حاجّاً مع جماعة من عباد البصرة ، فلمَّا دخلنا مكّة رأينا الماء ضيِّـقاً ، وقد اشتدَّ بالناس العطش لقلة الغيث .
ففزع إلينا أهل مكـة والحُجَّاج يسألوننا أن نستسقي لهم ، فأتينا الكعبة وطفنا بها ثمَّ سألنا الله خاضعين متضرعين بها فَمُنِعْنَا الإجابة .
فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطاً ثم أقبل علينا فقال : يا مالك بن دينار ، ويا ثابت البناني ، ويا أيوب السجستاني ، ويا .. ويا ، حتى عدَّنا وعدَّ من جلس معنا ، فقلنا : لبيك وسعديك يا فتى .
فقال : أما فيكم أحد يحبّه الرحمن ؟
فقلنا : يا فتى ، علينا الدعاء وعليه الإجابة .
فقال : أبعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبّه الرحمن لأجابه ، ثم أتى الكعبة فخرَّ ساجداً فسمعته يقول – في سجوده – : سيدي ، بِحُبِّك لي إلا سقيتهم الغيث .
قال ثابت : فما استتم كلامه حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب .
قال مالك بن دينار : فقلت : يا فتى ، من أين علمت أنه يحبك ؟
قال : لو لم يحبني لم يستزرني ، فلما استزارني علمت أنه يحبني ، فسألته بحبه لي فأجابني .
ثم ذهب عنَّا وأنشأ يقول :
مَن عَرَفَ الرَّبَّ فلم تُغنِهِ
معرفة الرَّبِّ فَذَاكَ الشَّقِي
مَا ضَرَّ في الطاعة ما نَالَهُ
في طاعةِ اللهِ وما ذَا لَقِي
مَا يصنع العبدُ بغير التُّقَى
والعِزُّ كُل العِزِّ للمُتَّقِي
قال مالك : يا أهل مكة ، من هذا الفتى ؟
قالوا : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:25 AM

الاهتمام الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) بالقرآن الكريم
قد شغف الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) كآبائه الكرام ـ بشكل ملفت للنظر ـ بالقرآن الكريم وعلومه ، وتمثّل ذلك في سلوكه اليومي وأدعيته واهتماماته ، تلاوةً ، وتدبّراً ، وتفسيراً ، وتعليماً ، وعملاً ، بما لا يدع مجالاً للريب في أنّ الإمام ( عليه السلام ) كان هو القرآن الناطق والتجسيد الحيّ لكلّ آيات القرآن الباهرة والمعجزة الإلهية الخالدة .
وها نحن نعرض بعض ما يشير إلى مدى اهتمام الإمام ( عليه السلام ) بالقرآن العظيم من خلال دعائه عند ختم القرآن .
قال ( عليه السلام ) : ( اللهمّ إنّك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً ، وجعلته مهيمناً على كلّ كتاب أنزلته ، وفضّلته على كلّ حديث قصصته ، وفرقاناً فرّقت به بين حلالك وحرامك ، وقرآناً أعربت به عن شرائع أحكامك ، وكتاباً فصّلته لعبادك تفصيلاً ، ووحياً أنزلته على نبيّك محمّد صلواتك عليه وآله تنزيلاً ، وجعلته نوراً نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة باتّباعه ، وشفاءً لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه ، وميزان قسط لا يحيف عن الحقّ لسانه ، ونور هدىً لا يطفأ عن الشاهدين برهانه ، وعلم نجاة لا يضلّ من أمّ قصد سنّته ، ولا تنال أيدي الهلكات من تعلّق بعروة عصمته .
اللهمّ فإذا أفدتنا المعونة على تلاوته ، وسهلت جواسي ألسنتنا بحسن عبادته ، فاجعلنا ممّن يرعاه حقّ رعايته ، ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته ، ويفزع إلى الإقرار بمتشابهه وموضّحات بيّناته ، اللهمّ إنّك أنزلته على نبيّك محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، وألهمته علم عجائبه مكملاً ، وورثتنا علمه مفسّراً ، وفضّلتنا على من جهل علمه ، وقوّيتنا عليه لترفعنا فوق من لم يطق حمله .
اللهمّ فكما جعلت قلوبنا له حملةً ، وعرّفتنا برحمتك شرفه وفضله ، فصلّ على محمّد الخطيب به ، وعلى آله الخزّان له ، واجعلنا ممّن يعترف بأنّه من عندك ، حتّى لا يعارضنا الشكّ في تصديقه ، ولا يختلجنا الزيغ عن قصد طريقه ) .
إنّ القرآن هو معجزة الإسلام الكبرى ، وقد تحدّث سليل النبوّة في هذا المقطع عن بعض معالمه وأنواره وهي :
1ـ إنّ الله تعالى أنزل القرآن الكريم نوراً يهدي به الضالّ ، ويرشد به الحائر ، ويوضّح به القصد .
2ـ إنّ الله تعالى جعل القرآن الحكيم مهيمناً ومشرفاً على جميع كتبه التي أنزلها على أنبيائه ، فهو يكشف عمّا حدث فيها من التغيير والتبديل والتحريف من قبل المنحرفين ودعاة الضلال .
3ـ إنّ الله تعالى فضّل كتابه العزيز على كلّ حديث عرض فيه قصص الأنبياء وشؤونهم ، فقد تناول الذكر الحكيم بصورة موضوعية وشاملة أحوالهم وشؤونهم واقتباس العبر منهم .
4ـ إنّ القرآن الكريم باعتباره منهجاً ودستوراً عامّاً للحياة يفرّق بين الحلال والحرام ، ويعرب عن شرائع الأحكام ، ويفصّل جميع ما يحتاجه الناس تفصيلاً واضحاً لا لبس فيه ولا غموضاً .
5ـ إنّ الله تعالى كما جعل كتابه الحكيم نوراً يُهتدى به في ظلم الضلالة والجهالة ، كذلك جعله شفاءً من الأمراض والعاهات النفسية ، وذلك لمن آمن به وصدّقه .
6ـ إنّ الذكر الحكيم ميزان عدل وقسط ، ليس فيه ميلٌ عن الحقّ ، ولا اتّباع لهوى ، وإنّ من تمسّك به واعتصم ، فقد سلك الطريق القويم الذي لا التواء فيه ، ونجا من الهلاك .
7ـ طلب الإمام ( عليه السلام ) من الله جلّ جلاله أن يتفضّل عليه برعاية كتابه والتسليم لمحكم آياته ، والإقرار بمتشابهاته .
8ـ إنّ الله تعالى قد منح نبيّه العظيم فهم عجائب ما في القرآن الكريم وعلّمه تفسيره ، كما أشاد بأئمّة الهدى من عترة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الذين رفعهم الله عزّ وجلّ وأعلى درجتهم ، فجعلهم خزنة علمه والإدلاّء على كتابه .
نماذج من تفسير الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) :
كان الإمام ( عليه السلام ) من ألمع المفسّرين للقرآن الكريم ، وقد استشهد علماء التفسير بالكثير من روائع تفسيره ، ويقول المؤرّخون : أنّه كان صاحب مدرسة لتفسير القرآن ، وقد أخذ عنه ابنه الشهيد زيد في تفسيره للقرآن ، كما أخذ عنه ابنه الإمام أبو جعفر محمّد الباقر ( عليه السلام ) ، الذي رواه عنه زياد بن المنذر ـ الزعيم الروحي للفرقة الجارودية ـ وهذه نماذج من تفسيره ( عليه السلام ) لكتاب الله العزيز .
1ـ روى الإمام محمّد الباقر عن أبيه ( عليهما السلام ) في تفسير الآية الكريمة : ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً ) ، أنّه تعالى جعل الأرض ملائمةً لطباعكم ، موافقةً لأجسادكم ، ولم يجعلها شديدة الحمأ والحرارة فتحرقكم ، ولا شديدة البرودة فتجمدكم ، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم ، ولا شديدة النتن فتعطبكم ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم وأبنيتكم وقبور موتاكم ، ولكنّه عزّ وجلّ جعل فيها من المتانة ما تنتفون به ، وتتماسكون عليها أبدانكم وبنيانكم ، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم ، فلذلك جعل الأرض فراشاً لكم .
ثمّ قال عزّ وجلّ : ( وَالسَّمَاء بِنَاءً ) أي سقفاً من فوقكم ، محفوظاً يدير شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم ، ثمّ قال عزّ وجلّ : ( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً ) يعني المطر ينزله من عل ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وأوهادكم ، ثمّ فرّقه رذاذاً ووابلاً وهطلاً لتنشفه أرضوكم ، ولم يجعل ذلك المطر نازلاً عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم .
ثمّ قال عزّ وجلّ : ( فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ) يعني ممّا يخرجه من الأرض رزقاً لكم ( فَلاَ تَجْعَلُواْ للهِ أَندَاداً ) أي أشباهاً وأمثالاً من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ولا تقدر على شيء ( وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) أنّها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربّكم تبارك وتعالى ) .
وحوت هذه القطعة الذهبية من كلام الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أروع أدلّة التوحيد وأوثقها ، فقد أعطت صورة متكاملة مشرقة من خلق الله تعالى للأرض ، فقد خلقها بالكيفية الرائعة التي ليست صلبة ولا شديدة ليسهل على الإنسان العيش عليها ، والانتفاع بخيراتها وثمراتها التي لا تحصى ، فالأرض بما فيها من العجائب كالجبال والأودية والمعادن والبحار والأنهار وغير ذلك من أعظم الأدلّة وأوثقها على وجود الخالق العظيم الحكيم .
كما استدل الإمام ( عليه السلام ) على عظمة الله تعالى بخلقه السماء وما فيها من الشمس والقمر وسائر الكواكب التي تزوّد هذه الأرض بأشعتها .
إنّ أشعّة الشمس لها الأثر البالغ في تكوين الحياة النباتية ، كما أنّ أشعة القمر لها الأثر على البحار في مدّها وجزرها ، وكذلك لأشعة سائر الكواكب ، فإنّ الأثر التام في منح الحياة العامّة لجميع الموجودات الحيوانية والنباتية في الأرض ، وهذه الظواهر الكونية التي لم تكتشف إلاّ في هذه العصور الحديثة ، إلاّ أنّ الإمام ( عليه السلام ) ألمح إليها في كلامه ، فكان حقّاً هو وآباؤه وأبناؤه المعصومون الروّاد الأوائل الذين رفعوا راية العلم ، وساهموا في تكوين الحضارة الإنسانية .
وأعطى الإمام ( عليه السلام ) صورة متميّزة عن الأمطار ، وأنّها تتساقط بصورة رتيبة وفي أوقات خاصّة ، وذلك لإحياء الأرض وإخراج ثمراتها ، ولو دام المطر ونزل دفعة واحدة ، لأَهلك الحرث والنسل .
وبعدما أقام الإمام ( عليه السلام ) الأدلّة المحسوسة على وجود الخالق الحكيم ، دعا إلى عبادته وتوحيده ونبذ الأصنام والأنداد التي تدعو إلى انحطاط الفكر وجمود الوعي ، لأنّها لا تضرّ ولا تنفع ولا تملك أيّ قدرة في إدارة هذا الكون وتصريف شؤونه .
2ـ فسّر ( عليه السلام ) الآية الكريمة : ( ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً ) بقوله : ( السلم هو ولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام )) ، ولا شك أنّ ولاية الإمام أمير المؤمنين وباب مدينة علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) هي السلم الحقيقي الذي ينعم الناس في ظلاله بالأمن والرخاء والاستقرار ، ولو أنّ المسلمين كانوا قد دانوا بهذه الولاية بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما داهمتهم الأزمات في حياتهم السياسية والاجتماعية .
3ـ روى الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن جدّه الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في تفسير قوله تعالى : ( يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ) أنّه قال : ( إنّي ضامن على ربّي تعالى أنّ الصدقة لا تقع في يد العبد حتّى تقع في يد الربّ تعالى ) ، وكان يقول : ( ليس من شيء إلاّ وكّل به ملك ، إلاّ الصدقة فإنّها تقع في يد الله تعالى ) .
4ـ سأل رجل الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) عن الحقّ المعلوم الذي ورد في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( الحقّ المعلوم الشيء الذي يخرجه من ماله ليس من الزكاة والصدقة المفروضتين ) .
فقال له الرجل : فما يصنع به ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( يصل به رحماً ، ويقوّي به ضعيفاً ، ويحمل له كلّه ، أو يصل أخاً له في الله ، أو لنائبة تنوبه ) ، وبهر الرجل من علم الإمام وراح يقول له : الله أعلم حيث يجعل رسالته في من يشاء .
5ـ فسّر الإمام ( عليه السلام ) الآية الكريمة : ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) بأنّه العفو من غير عتاب .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:26 AM

بكاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على أبيه الحسين ( عليه السلام )
روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ان جدّي زين العابدين ( عليه السلام ) بكى على أبيه أربعين سنة ، صائما نهاره ، وقائما ليله ، فاذا حضر الإفطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه ، فيضعه بين يديه ويقول : كـل يـا مـولاي .
فـيقول ( عليه السلام ) : ( قتل ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عطشاناً ) ، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبتل طعامه من دموعه ، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل .
وحدّث مولى له قال : انه برز يوما الى الصحراء فتبعته ، فوجدته قد سجد على حجارة خشنة ، فوقفت وانا اسمع شهيقه ، واحصيت عليه الف مرة يقول : ( لا اله الا الله حقا حقا لا اله الا الله تعبدا ورقا ، لا اله الا الله ايمانا وصدقا ) ثم رفع راسه من سجوده وان لحيته ووجهه قد غمرا من دموع عينيه ، فقلت : يا سيدي اما آن لحزنك ان ينقضي ، ولبكائك ان يقل ؟
فقال : ( ويحك ان يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم كان نبيا وابن نبي ، له اثنا عشر ابنا فغيّب الله واحدا منهم ، فشاب رأسه من الحزن ، واحـدودب ظـهره من الغم ، وذهب بصره من البكاء ، وابنه حي في دار الدنيا ، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي ، صرعى مقتولين ، فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي ) ؟ .
وذكر اليعقوبي : وجّه المختار برأس عبيد الله بن زياد الى علي بن الحسين في المدينة مع رجل من قومه ، وقال له : قف بباب علي بن الحسين ، فاذا رأيت أبوابه قد فتحت ودخل الناس ، فذلك الذي فيه طعامه ، فادخل اليه ، فجاء الرسول الى باب علي بن الحسين ، فلما فتحت ابوابه ، ودخل الناس للطعام ، دخل ونادى بأعلى صوته : يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ، ومهبط الملائكة ، ومنزل الوحي ، أنا رسول المختار بن أبي عبيد ، معي رأس عبيد الله ابن زياد ، فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امراة الا صرخت ، ودخل الرسول فاخرج الرأس ، فلما رآه علي بن الحسين قال : ابعده الله الى النار .
وروى بعضهم ان علي بن الحسين لم ير ضاحكا قط منذ قتل ابوه ، الا في ذلك اليوم ، وانه كان له ابل تحمل الفاكهة من الشام ، فلما أتي برأس عبيد الله ابن زياد أمر بتلك الفاكهة ، ففرقت بين أهل المدينة ، وامـتشطت نساء آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واختضبن ، وما امتشطت امراة ولا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:27 AM

الجوانب التربوية في أدعية الإمام زين العابدين ( عليه السلام )
أسرار الدعاء :
الدعاء في الإسلام رُكن رَكين ، وكهف حصين ، وواحة أمان وطمأنينة يلجأ إليه الإنسان المسلم عندما تداهمه الخطوب ، وتنتابه العلل ، وتتلبَّد أمامه الأجواء ، فيحسُّ بالاختناق في كل لحظة ، ويفتش عن المتنَفَّس ، ويبحث عن الانعاش ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى حيث قال : ( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا ) يونس : 12 .
وهو شعور فطري بوجود القوَّة الأعظم ، واليد الغيبية التي تمتد في اللحظة المناسبة لإنقاذ الإنسان من محنته .
والأحاديث الشريفة أكَّدت على أنَّ للدعاء أهدافاً وحكماً كثيرة لو عرفها الإنسان لاكتشف كنزاً عظيماً ، اكتشف علاجاً لمشاكل عويصة يعيشها في حياته ، وحلاًّ للمصاعب التي تعترضه ، واكتشف بالتالي شفاءً لما في صدره من الآلام والأدران .
وفي طليعة هذه الأحاديث ما روى عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، عن آبائه ، عن الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : ( الدُّعاء سلاح المؤمن ، وعِمَاد الدين ، ونور السماوات والأرض ) .
فالمؤمن يواجه في حياته مخاطر كثيرة ، وذلك بسبب ضعف نفسه ، لأن الإنسان خلق من ضعف ، ورُكِّب في ضعف : ( وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) النساء : 28 .
فحياته محدودة ، وعمره محدود ، وعلمه محدود ، وأخيراً تحركه في الدنيا محدود .
والسؤال هو : كيف يخرج الإنسان من هذا الضعف الذي يحيط به ؟
وجوابه : أنه يخرج بقوة خارجية ، وبإمداد غيبي ، هو الاتصال بالله سبحانه وتعالى ، والتوكل عليه .
كما أن الدعاء - كما في الحديث - عماد الدين ، فللدِّين مظهر وجوهر ، مظهر الدين هو الصلاة ، والصيام ، والحج ، إلى آخر العبادات ، ولكن ما هو جوهر الدين وعماده ؟
إنه الدعاء ، لأن جوهر الدين هو اتصال الإنسان بالله ، وعماد الدين وهو عروج الإنسان إلى الله .
فإن الله سبحانه وتعالى تحدث إلى الإنسان عبر القرآن الكريم ، ولكن كيف يتحدث الإنسان مع الله سبحانه ؟ فمناجاة الإنسان مع ربِّه هو الدعاء .
التربية الأخلاقية في أدعية الإمام السجاد ( عليه السلام ) :
صاغ الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أدعية عالية المضامين ، بوحي من القرآن الحكيم ، تعتبر بحقٍّ دائرةُ معارفٍ عُليَا ، لجميع المعارف الإلهية ، ابتداءً من معرفة الله ومعرفة أسمائه الحسنى ، وطرق التوسل إليه ، واستمراراً مع صفات الرسل ، وانتهاءً بتكريس الصفات الرسالية عند الإنسان المسلم .
لنتأمل المقطوعة التالية في التربية الأخلاقية : ( اللَّهُمَّ صَلِّ على محمد وآل محمد ، واحجُبني عن السرف والازدياد ، وقوِّمني بالبذل والاقتصاد ، وعلِّمني حسن التقدير ، واقبضني بلطفك عن التبذير .
وأجر من أسباب الحلال أرزاقي ، ووجِّه في أبواب البرِّ إنفاقي ، وأوزعني من المال ما يحدث إليَّ مخيلة ، أو تأدّياً إلى بغي ، أو ما أتعقب منه طغياناً .
اللَّهُمَّ حَبِّب إليَّ صحبة الفقراء ، وأعنِّي على صحبتهم بحسن الصبر ، وما زويت عنِّي من متاع الدنيا الفانية ، فاذخره لي في خزائنك الباقية .
واجعل ما خوَّلتني من حطامها ، وعجَّلت لي من متاعها بُلْغَة إلى جوارك ، ووصلةً إلى قربك ، وذريعة إلى جَنَّتِك ، إنك ذو الفضل العظيم ، وأنت الجواد الكريم ) .
إن التأمل في فقرات هذا الدعاء الرائع ، يرفع الإنسان أعلى مراتب الشعور الإنساني ، حيث يشعر المرء بحب الصحبة للفقراء ، والابتعاد عن أخلاق الطغاة ، وبالذات الطغيان الناشئ من الغنى والثروة .
كما يعلمنا الإمام ( عليه السلام ) من خلال هذا الدعاء ، كيف ينبغي أن نصرف المال بدون تبذير ، ولكن مع الإنفاق في وجوه البر والإحسان .
كما يذكِّر الإنسان بأن الهدف الأقصى هو بلوغ الآخرة ، عند جوار الرب الكريم ، وليس التلذذ بالمتاع الزائل ، والملذات الفانية في هذه الحياة .
الوعي السياسي في أدعية الإمام السجاد ( عليه السلام ) :
لقد كان واضحاً في عصر الإمام السجاد ( عليه السلام ) مَدَى الخطورة والانهيار الذي بدأ يَدُبُّ في أوصال الأمة المسلمة ، في كيانها ووجودها الاجتماعي ، وذلك إثر الهجوم الواسع النطاق الذي أخذ المفسدون والطواغيت على عاتقهم القيام به .
فقد بدأ هؤلاء يُشِيعون ويروِّجُون الأفكار الهدَّامة ، ويشجعون ألوان المجون والتحلل الأخلاقي ، ويخترعون كلَّ وسيلة لتدمير وتفكيك البنى الاجتماعية والأسريَّة .
ويدلنا على ذلك ويشهد عليه ، ما نقله الأصفهاني في كتابه ( الأغاني ) ، وما أورده المسعودي في ( مروج الذهب ) .
وكذلك كانت عمليات الإفساد الرسمي ، والحفلات الماجنة ، وانتهاك الحرمات نهاراً جهاراً ، ممّا ينبئ بعملية إفساد منظَّم تقف وراءها مؤسسات الدولة .
وإن من يطَّلع على مثل تلك الصور والأرقام ، يدرك ما كان يجري من فسادٍ وإفساد ، وعلى مختلف الأصعدة الاجتماعية ، والاقتصادية ، والفكرية ، والأخلاقية .
وإزاء ذلك ماذا يمكن أن يفعل الإمام السجاد ( عليه السلام ) ، في وضع كانت ترصد فيه أية حركة أو تحرك ؟
وكيف يستطيع ( عليه السلام ) أن يقوم بدوره بصفته إمام الأمة ، والمسؤول الأول عن حماية الشريعة ، وأمن المجتمع المسلم ؟
وقد فرضت عليه العزلة التامة ، وأحيط ( عليه السلام ) بأجواء تحصى فيه الأنفاس ، ويضطهد فيها الناس ، ويؤخذون بالظنة والتهمة كما شَدِّ الرقباء .
وراحت عيونهم تبحث عن كل من يتصل بالإمام ( عليه السلام ) من قريب أو بعيد .
فالوعي العميق بمثل هذه الظروف من جهة ، وبأهمية القيام بدورٍ شجاع وفاعلٍ ولابُدِّيَّة النهوض بمبادرة خلاقة ، فضلاً عن المسؤولية الرسالية .
كل ذلك دفع الإمام السجاد ( عليه السلام ) إلى التحرك الجاد والمناسب ، فشهر سلاح الدعاء في وجه الخصوم والأعداء ، ليكون بادئ ذي بدء ، والنصل المضاد ، والتحصين الضروري ، ولإنقاد ما يمكن إنقاذه ، ثم لينطلق منه وبه لشنِّ الهجوم المضاد ، ولقد كان هذا الاختيار موفقاً جداً .
إن الإمام السجاد ( عليه السلام ) ينطلق في ذلك من وعي تام بأن التوعية الفكرية تبقى باردة ، ولا تؤدي إلى تفعيل الحياة الثقافية والسياسية للأمة ، وتحصين المسلمين ضد عوامل الهدم الفكري ، والإفساد السياسي والأخلاقي .
نعم إن التوعية الفكرية وحدها ما لم تمتزج بالنداوة الروحية ، وتنفعل بالحرارة العاطفية لا تثمر الثمرة المَرجُوَّة .
ومن هنا رأى الإمام السجاد ( عليه السلام ) أن يتلقَّى المسلم التوعية الفكرية من خلال المناجاة ، حيث يكون وجدان المسلم عادةً في سخونة كافية ، فتكون قادرة حينئذ على أن تأخذ مداها الكامل ، وتترسخ في أعماق النفس ، وتستقر في صفحة الذهن ، وبتحقق عملية الانفعال تلك تتم عملية التحصين .
إن علينا هنا أن نَتَبَيَّن مدى ما حقَّقه الإمام السجاد ( عليه السلام ) من ظفر ونجاح ، وليس عسيراً أن نعثر على عشرات الشواهد التي تدلُّنا على أن الأدعية السجادية صارت معشوقة ، ومتبناة من قبل قطاعات واسعة في الأمة .
ونظرةً عُجْلى على أسانيد الصحيفة ورواتها وحَفَظَتها ، وتناقلها بأمانة ودِقَّة ، وبما لم يتوفر مثله للكثير من المأثورات تشير لنا تلك الحقيقة بوضوح وتؤكد مدى النجاح والظَّفْر .
ويظهر لنا وجه آخر في هذه القضية المُهمة ، وهو أن الإمام السجاد ( عليه السلام ) بحكم مسؤوليته الرسالية ، ولكونه المسؤول الأول في تلك الفترة عن الحفاظ على أصالة الفكر الإسلامي ، ونقائه ، ثم إيصاله إلى الأجيال اللاحقة ، سليماً معافىً من التشويش والتحريف ، وبعيداً عن أباطيل الخصوم وتشويهاتهم ، سواء منهم من كان يكيد للإسلام ، كالمنافقين ، أم من كان يتربص الدوائر للانقضاض عليه .
حَمَلَته تلك المسؤولية على استخدام هذه الوسيلة بلحاظ أنَّها فيما تستبطنه من مضامين بعيداً عن أعين الرقباء ، ووسائل رصدهم العادية .
على أنه يقتضي التنبيه إلى أن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) من بعده ( عليه السلام ) ، وبالأخص ولده الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، ثم حفيده الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قد نَهَضا بدورهما الريادي والقيادي في مجال بَثِّ علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ونشر فقههم ، ومعارفهم ، بالوسائل المألوفة والمُتاحة .
إلا أنه مع ذلك كله حرصوا ( عليهم السلام ) بدورهم على نقل وترويج أدعية الصحيفة السجادية ، ودعوة شيعتهم ومريديهم إلى حفظها والاهتمام بها .
وذلك لتبقى دائماً وأبداً في كل عصر تدلُّهم فيه الخطوب ، فيكون الفكر الإسلامي النقي الذي تحمله مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) عُرضَةً للاضطهاد والتدمير ، تبقى تلك الصحيفة تحمل الأمانة وتصونها .
واستناداً إلى هذا ، فإنَّ الرجوع إلى الصحيفة السجادية يُعدُّ رجوعاً إلى الينابيع الأصيلة والنقية .
وإن البحث في مضامينها الراقية سواء في المجال الفكري ، والسياسي ، أو الاجتماعي ، والأخلاقي ، ومحاولة استكشاف المفاهيم والنظريات ، والآراء الشديدة ، سيغني ولا شكَّ مسيرة الفكر الإسلامي .
وما أجمل أن نختم الحديث عن أدعية الإمام السجاد ( عليه السلام ) بمقطوعة رائعة من أدعيته ، التي تُعلِّم المؤمنين كيف ينبغي الانقطاع إلى الله ، والاستغناء عن الخلق ، والذلَّة لهم .
فيقول ( عليه السلام ) : ( اللَّهُمَّ إني أعتذر إليك من مظلوم ظُلِم بحضرتي فلم أنصره ، ومن معروف أُسدِيَ إليَّ فلم أشكره ، ومن مُسِيء اعتَذَر إليَّ فلم أعذره ، ومِن ذِي فَاقَةٍ سلني فلم أوثِرْه ، ومن حَقِّ ذي حقٍّ لَزمَني لِمُؤمن فلم أوفره ، ومن عَيبِ مُؤمنٍ ظهرَ لي فلم أستره ، ومن كل إثْم عُرِضَ لي فلم أهجُرْه ) الصحيفة السجادية : 147 .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:28 AM

حِكَم الإمام السجاد ( عليه السلام )
إنّ للإمام السجاد ( عليه السلام ) عدّة حكم ، نذكر منها :
1ـ قال ( عليه السلام ) : ( التَارِكُ للأمْرِ بالمَعرُوفِ والنَّهي عَنِ المُنْكَر كَالنَّابِذِ لِكِتَابِ اللهِ وَرَاء ظَهْرِه ، إلاَّ أنْ يَتَّقي تُقَاةً ) .
قيل له : وما يتَّقي تُقاة ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( يَخَافُ جَبَّاراً عنيداً أنْ يفرطَ عَلَيهِ أوْ أنْ يَطْغَى ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا يَقلُّ عَمَلٌ مَعَ تَقْوى ، وكَيفَ يَقلُّ مَا يُتَقَبَّلُ ؟! ) .
3ـ قال ( عليه السلام ) : ( أبْغَضُ النَّاسِ إلى اللهِ مَنْ يَقْتَدِي بِسُنَّةِ إِمامٍ ولا يَقْتَدِي بِأعْمَالِه ) .
4ـ قال ( عليه السلام ) : ( كَمْ مِن مَفْتونٍ بِحُسْنِ القَولِ فَيه ، وكَمْ مِنْ مَغرُورٍ بِحُسنِ السِّترِ عَلَيه ، وكَمْ مِن مُسْتَدْرَجٍ بالإحْسَانِ إِلَيه ) .
5ـ قال ( عليه السلام ) : ( كَمَالُ دِينِ المُسلِمِ تَرْكُه الكلامَ فِيمَا لا يَعْنِيه ، وَقِلَّةَ مرَائِهِ ، وَحِلْمِهِ ، وصَبْرِهِ ، وَحُسْنِ خُلقِهِ ) .
6ـ قال ( عليه السلام ) : ( الرِّضَى بِمَكرُوهِ القَضَاء أرْفَعُ دَرَجَات اليَقينِ ) .
7ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَن كَرُمَتْ عَليهِ نَفسُه هَانَتِ عَليهِ الدُّنْيَا ) .
8ـ قيل للإمام السجاد ( عليه السلام ) : مَنْ أعظم الناس خطراً ؟ قال ( عليه السلام ) : ( مَنْ لَمْ يَرَ الدُّنيَا خَطَراً لِنَفسِهِ ) .
9ـ قال رجلٌ كان بحضرة الإمام السجاد ( عليه السلام ) : اللَّهم أغنِنِي عن خلقِك ، فقال ( عليه السلام ) : ( لَيْسَ هَكَذا ، إِنَّما النَّاسُ بالنَّاسِ ، ولكنْ قُلْ : اللَّهُمَّ أغْنِنِي عَنْ شِرَارِ خَلقِكَ ) .
10ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَنْ قَنع بِمَا قَسَم اللهُ لَهُ فَهْو مِنْ أغنَى النَّاس ) .
11ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا يقلُّ عَمَلٌ مَع تَقوىً ، وَكيفَ يَقلُّ مَا يُتقبَّل ) .
12ـ قال ( عليه السلام ) : ( اتَّقُوا الكَذِبَ ، الصَّغِير مِنْهُ والكَبير ، مِن كُلِّ جِدٍّ وهَزَلٍ ، فإنَّ الرَّجُل إِذا كَذِبَ في الصَّغيرِ اجْتَرأ عَلَى الكَبير ) .
13ـ قال ( عليه السلام ) : ( كَفَى بِنَصْرِ اللهِ لَكَ أنْ تَرَى عَدوَّكَ يَعمَلُ بِمَعاصي اللهِ فِيكَ ) .
14ـ قال ( عليه السلام ) : ( الخَيرُ كُلّهُ صِيانَةُ الإنْسانِ نَفسَهُ ) .
15ـ قال ( عليه السلام ) لبعض بَنيه : ( يَا بُنيَّ إنَّ اللهَ رَضِيَني لَكَ وَلم يرْضِكَ لِي ، فَأوْصَاكَ بِي ، وَلَم يُوصِنِي بِكَ ، عَليكَ بِالبِرِّ تُحفَة يَسيرة ) .
16ـ قيل للإمام السجاد ( عليه السلام ) : مَا الزُّهد ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( الزُّهْدُ عَشرَةُ أجْزَاء : فأعْلَى دَرَجَاتِ الزُّهْدِ أدْنَى دَرَجَاتِ الوَرَع ، وأعْلَى دَرَجَاتِ الوَرَع أدْنَى دَرَجَاتِ اليَقِين ، وَأعْلَى دَرَجَاتِ اليَقينِ أدْنَى دَرَجَاتِ الرِّضَى ، وإنَّ الزُّهْدَ في آيَةٍ مِن كِتَابِ اللهِ : ( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) ) الحديد : 23 .
17ـ قال ( عليه السلام ) : ( طَلَبُ الحَوائِجِ إلى النَّاسِ مَذَلَّةً للحَيَاةِ ، وَمُذهِبَةً للحَيَاء ، واسْتِخْفَافٌ بالوقَار ، وهو الفَقْرُ الحَاضِرُ ، وقِلَّةِ طَلَب الحَوائِجِ مِن النَّاسِ هُو الغِنَى الحَاضِرُ ) .
18ـ قال ( عليه السلام ) : ( إنَّ أحَبَّكُمْ إلَى اللهِ أحْسَنُكُم عَمَلاً ، وإنَّ أعْظَمَكُمْ عِندَ اللهِ عَمَلاً أعْظَمُكُمْ فِيمَا عِنْدَ اللهِ رَغْبَةً ، وَإنَّ أنْجَاكُم مِنَ عَذَابِ اللهِ أشدُّكُم خَشْيَةً للهِ ، وَإنَّ أقْرَبُكُم مِنَ اللهِ أوْسَعكُم خَلقاً ، وَإنَّ أرْضَاكُم عِنْدَ اللهِ أسْبَغكُمْ عَلى عِيَالِهِ ، وَإنَّ أكْرَمكُمْ عَلَى اللهِ أتْقَاكُم لله ) .
19ـ قال ( عليه السلام ) لبعض بَنيه : ( يَا بُنيَّ ، اُنظُر خَمْسَةً فلا تُصاحِبْهُم ولا تُحَادِثْهُم ولا ترافِقْهُم فِي طَريق ) .
فقال بعض بَنيه : يَا أبَتِ ، مَنْ هُم ؟
قال ( عليه السلام ) : ( إِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةِ الكذَّابِ ، فَإنَّه بِمَنزِلَة السَّرَاب ، يُقرِّبُ لَكَ البَعيدَ ، وَيبعِّد لَكَ القَريبَ ، وَإيَّاكَ ومُصَاحَبَةِ الفاسِقِ ، فإنَّه بَايَعَكَ بِأكلِةٍ ، أو أقَلّ مِن ذَلِك .
وَإيَّاكَ وَمُصاحَبَةِ البَخيلِ ، فَإنَّه يَخذُلُك في مَالِه أحْوج مَا تَكُونُ إِلَيهِ ، وَإيَّاكَ وَمُصاحَبَةِ الأحْمَقِ ، فَإنَّه يُريدُ أنْ يَنْفعَكَ فَيَضُرَّك ، وَإيَّاكَ وَمُصاحَبَةِ القَاطِعِ لِرَحِمِهِ ، فَإنِّي وَجَدتُه مَلعُوناً فِي كِتَابِ اللهِ ) .
20ـ قال ( عليه السلام ) : ( إنَّ المَعْرِفَةَ وَكَمَالُ دِينِ المُسلِم تَركُه الكَلامُ فِيمَا لا يَعنِيهِ ، وَقِلَّة مِرائِهِ وَحِلْمِهِ ، وصَبْرِهِ وَحُسن خُلُقِهِ ) .
21ـ قال ( عليه السلام ) : ( ابْنَ آدَم ، إنَّكَ لا تَزَالُ بِخَيرٍ مَا كَانَ لَكَ وَاعِظٌ مِن نَفسِكَ ، وَمَا كَانَتِ المُحَاسَبَةُ مِن هَمِّكَ ، وَمَا كَانَ الخَوفُ لَكَ شِعاراً ، وَالحَذَرُ لَكَ دثَاراً ، ابنَ آدم ، إِنَّك ميِّتٌ ، وَمَبعوثٌ ، وَمَوقُوفٌ بَينَ يَدَي اللهِ جَلَّ وعزَّ ، فَأعِدَّ لَهُ جَواباً ) .
22ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا حَسَبَ لِقرَشِيٍّ وَلا لِعَربيٍّ إلاَّ بِتَوَاضُع ، وَلا كَرَمَ إلاَّ بِتَقوَى ، وَلا عَمَلَ إلاَّ بِنِيَّةٍ ، وَلا عِبَادَةَ إلاَّ بالتَّفَقُّهِ ، ألاَ وَإنَّ أبغَضَ النَّاسِ إلى اللهِ مَنْ يَقتَدِي بِسُنَّةِ إمَامٍ وَلا يَقْتَدي بِأعْمَالِهِ ) .
23ـ قال ( عليه السلام ) : ( المؤمِنُ مَنْ دُعَائُهُ عَلَى ثَلاث : إَمَّا أنْ يَدَّخِرَ لَهُ ، وَإمَّا أنْ يُعَجِّلَ لَهُ ، وَإمَّا أنْ يَدفَعَ عَنهُ بَلاءً يُريدُ أنْ يُصيبَهُ ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:29 AM

حلم الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وتربيته للآخرين
حول حلمه ( عليه السلام ) نروي القصة الآتية :
كانت إحدى جواري الإمام تسكب الماء للإمام ( عليه السلام ) ، فسقط من يدها الإبريق على وجهه ، فشجَّه ، فرفع ( عليه السلام ) رأسه إليها فقالت له : إن الله يقول : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) آل عمران 134 .
فقال ( عليه السلام ) : ( قد كظمتُ غَيظي ) .
قالت : ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) آل عمران 134 .
فقال ( عليه السلام ) : ( عَفا اللهُ عَنكِ ) .
ثم قالت : ( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران 134 .
فقال ( عليه السلام ) : ( اِذهبي ، أنتِ حُرَّة لوجه الله عزَّ وجلَّ ) .
وحول تربيته ( عليه السلام ) للآخرين نروي القصة الآتية :
دخل محمد بن مسلم الزهَري على الإمام السجاد ( عليه السلام ) وهو - محمد بن مسلم - كئيبٌ ، حزينٌ ، فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( مَا بالُك مغموماً ) ؟
فقال الزهري : يا ابن رسول الله ، غموم وهموم تتوالى عليَّ لما امتحنت به من جهة حُسَّاد نعمتي ، والطامعين فيَّ ، ومِمَّن أرجوه ، ومِمَّن أحسنتُ إليه ، فيخلف ظنِّي .
فقال له ( عليه السلام ) : ( احفظ لسانَكَ تملك به إخوانك ) .
قال الزهري : يا ابن رسول الله ، إني أحسن إليهم بما يبدر من كلامي .
قال ( عليه السلام ) : ( هَيْهات هَيْهات ، إيَّاك أن تعجب من نفسك بذلك ، وإياك أن تتكلَّم بما يسبق إلى القلوب إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره ، فليس كُل من تُسمِعه نكراً يمكنك أن توسِعه عُذراً ) .
ثم قال ( عليه السلام ) : ( يا زهري ، مَن لم يكن عَقلُه من أكمَلِ مَا فيه ، كان هَلاكُه مِن أيسَر ما فيه ) .
ثم قال ( عليه السلام ) : ( يا زهري ، أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك ، فتجعل كبيرَهم منك بمنزلَةِ والدِك ، وتجعل صَغيرَهم منك بمنزلة وَلدك ، وتجعل تربك منهم بمنزلة أخيك ، فأي هؤلاء تُحب أن تَظلم ، وأي هؤلاء تُحب أن تدعو عليه ، وأيُّ هؤلاء تحبُّ أن تهتِكَ سِتره .
وإن عَرض لك إبليس بأنَّ لك فضلاً على أحد من أهل القبلة ، فانظر ، إن كان أكبر منك فقل : قد سبقني بالإيمان ، والعمل الصالح ، فهو خير منِّي ، وإن كان أصغر منك فقل : قد سبقتُهُ بالمعاصي ، والذنوب ، فهو خَيرٌ مني .
وإن كان تربك فقل : أنا على يَقِينٍ من ذنبي ، وفي شك من أمره ، فما لِي أدَعُ يقيني لِشَكِّي ، وإن رأيت المسلمين يُعظِّمونك ، ويوقِّرونك ، ويبجِّلونك ، فقل : هذا فضل أخذوا به .
وإن رأيت منهم جفاءً ، وانقباضاً عنك ، فقل : هذا لِذَنبٍ أحدثتُه ، فإنك إذا فعلتَ ذلك سهَّل الله عليك عَيشَك ، وَكَثُر أصدقاءُك ، وقلَّ أعداءُك ، وفرحت بما يكون من بِرِّهِم ، ولم تأسف على مَا يكون من جفائهم .
واعلم أَنَّ أكرم الناس على الناس من كان خيرُه عليهم فائضاً ، وكان عنهم مستغنياً ، وأكرم الناس بعده عليهم من كان عنهم متعفِّفاً ، وإن كان إليهم مُحتاجاً ، فإنما أهل الدنيا يَعشقون الأموال ، فمن لم يزاحِمهم فيما يعشقونه كَرُم عليهم ، ومن لم يزاحمهم ومَكَّنهم من بعضها كان أعزَّ عليهم وأكرم ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:29 AM

حوار الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) مع الزهري حول الصوم

روى المؤرّخون : أنّ الزهري كان يعترف بالفضل والفقه للإمام علي زين العابدين ( عليه السلام ) ، وكان ممّن يرجع إليه في ما يهمّه من الأحكام الشرعية ، ورُوي أنّه رأى في منامه كأنّ يده مخضوبة ، وفسّرت له رؤياه بأنّه يبتلى بدم خطأ ، وكان في ذلك الوقت عاملاً لبني أُميّة ، فعاقب رجلاً فمات في العقوبة ، ففزع وخاف من الله ، وفرّ هارباً فدخل في غار يتعبّد فيه ، وكان الإمام ( عليه السلام ) قد مضى حاجّاً إلى بيت الله الحرام فاجتاز على الغار الذي فيه الزهري .

فقيل له : هل لك في الزهري حاجة ؟ فأجابهم إلى ذلك ، ودخل عليه فرآه فزعاً خائفاً قانطاً من رحمة الله ، فقال الإمام ( عليه السلام ) له : ( إنّي أخاف عليك من القنوط ما لا أخاف عليك من ذنبك ، فابعث بدية مسلّمة إلى أهله ، واخرج إلى أهلك ومعالم دينك ) ، فاستبشر الزهري وقال له : فرّجت عنّي يا سيّدي ، الله أعلم حيث يجعل رسالته في مَن يشاء .

ودخل الزهري مع جماعة من الفقهاء على الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) فسأل الإمام ( عليه السلام ) الزهري عمّا كانوا يخوضون فيه ؟ فقال له : تذاكرنا الصوم فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنّه ليس من الصوم واجب إلاّ شهر رمضان .

فنعى عليهم الإمام ( عليه السلام ) قلّة معلوماتهم بشؤون الشريعة وأحكام الدين ، وبيّن لهم أقسام الصوم قائلاً : ( ليس كما قلتم ، الصوم على أربعين وجهاً ، عشرة منها واجبة كوجوب شهر رمضان ، وعشرة منها صومهنّ حرام ، وأربعة عشر وجهاً صيامهنّ بالخيار ، إن شاء صام وإن شاء أفطر ، وصوم الإذن على ثلاثة أوجه ، وصوم التأدّب ، وصوم الإباحة ، وصوم السفر والمرض ) .

وبهر الزهري وبقيّة الفقهاء من سعة علم الإمام ( عليه السلام ) وإحاطته بأحكام الدين ، وطلب منه الزهري إيضاح تلك الوجوه وبيانها ، فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( أمّا الواجب فصيام شهر رمضان ، وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً ، وصيام شهرين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب ، قال الله تعالى : ( وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ... فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) النساء : 92 .

وصيام شهرين متتابعين في كفّارة الظهار لمن لم يجد العتق ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ) المجادلة : 3 ـ 4 .

وصيام ثلاثة أيّام : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ) ، كل ذلك تتابع وليس بمفترق .

وصيام أذى الحلق ( حلق الرأس ) واجب ، قال الله تبارك وتعالى : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) البقرة : 196 ، وصاحبها فيها بالخيار بين صيام ثلاثة أيّام أو صدقة أو نسك .

وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي ، قال الله تبارك وتعالى : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) البقرة : 196 .

وصوم جزاء الصيد واجب ، قال الله تبارك وتعالى : ( وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ) المائدة : 95 .

ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياماً يا زهريّ ؟ ) فقال : لا أدري ، قال ( عليه السلام ) : ( تقوّم الصيد قيمة ثمّ تفضي تلك القيمة على البُرّ ، ثمّ يكال ذلك البرّ أصواعاً ، فيصوم لكلّ نصف صاع يوماً .

وصوم النذر واجب ، وصوم الإعتكاف واجب ، وأمّا الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وثلاثة أيّام من أيّام التشريق ، وصوم يوم الشكّ أُمِرنا به ونُهينا عنه ، أُمرنا أن نصومه من شعبان ، ونهينا أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس ) .


والتفت الزهري إلى الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئاً كيف يصنع ؟ قال ( عليه السلام ) : ( ينوي ليلة الشك أنّه صائم من شَعبان ، فإن كان مِن شَهر رَمَضان أجزأ عنه ، وإن كان من شعبان لم يضرّ ) .

وأشكل الزهري على الإمام ( عليه السلام ) : كيف يجزي صوم تطوّع عن فريضة ؟ فأجابه الإمام ( عليه السلام ) : ( لو أنّ رَجُلاً صامَ يوماً مِنْ شَهْرِ رَمَضان تَطَوّعاً وهو لا يَدْري ولا يَعلم أنّه مِن شَهْرِ رَمَضان ، ثمّ عَلِمَ بَعْدَ ذلك أجزأ عنه ، لأنّ الفرض إنّما وَقَعَ على اليوم بِعَينه ) .

ثمّ استأنف الإمام حديثه في بيان أقسام الصوم قائلاً : ( وصوم الوصال حرام ، وصوم الصمت حرام ، وصوم النذر للمعصية حرام ، وصوم الدهر حرام .

وأمّا الصوم الذي صار صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس والإثنين ، وصوم الأيّام البيض ، وصوم ستّة أيّام من شوال بعد شهر رمضان ، ويوم عرفة ، ويوم عاشوراء ، كلّ ذلك صاحبه فيه بالخيار ، إن شاء صام وإن شاء أفطر .


وأمّا صوم الإذن فإنّ المرأة لا تصوم تطوّعاً إلاّ بإذن زوجها ، والعبد لا يصوم تطوّعاً إلاّ بإذن سيّده ، والضيف لا يصوم تطوّعاً إلاّ بإذن مضيّفه ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فَمَن نَزَلَ على قَوم فَلا يَصُوم تَطوّعاً إلاّ بإذنهم .


وأمّا صوم التأديب فإنّه يؤمر الصبيّ إذا راهق تأديباً وليس بفرض ، وكذلك من أفطر لعلّة أوّل النهار ، ثمّ قوي بعد ذلك أمر بالإمساك بقيّة يومه تأديباً ، وليس بفرض ، وكذلك المسافر إذا أكل من أوّل النهار ثمّ قدم أهله أمر بالإمساك بقيّة يومه تأديباً وليس بفرض .


وأمّا صوم الإباحة فمن أكل أو شرب أو تقيّأ من غير تعمّد أباح الله ذلك وأجزأ عنه صومه .


وأمّا صوم السفر والمرض فإنّ العامّة إختلفت فيه ، فقال قوم : يصوم ، وقال قوم : لا يصوم ، وقال قوم : إن شاء صام وإن شاء أفطر ، وأمّا نحن فنقول : يفطر في الحالتين جميعاً ، فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء في ذلك ، لأنّ الله عز وجل يقول : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ... ) ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:30 AM

رحلة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) من دمشق إلى المدينة
الإمام ( عليه السلام ) في دمشق :
بعد وصول الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) إلى الشام مع أخته زينب ( عليها السلام ) وباقي سبايا آل البيت ( عليهم السلام ) ، ألقى وبحضور يزيد بياناً خالداً عَرَّى فيه سياسة الأمَويِّين الظالمة ، وقد جاء فيه : ( أيُّها الناس ، أُعطينا ستاً وفُضِّلنا بسبع ، أُعطِينا العِلم ، والحِلم ، والسَّمَاحة ، والفَصَاحة ، والشَّجاعة ، والمَحَبَّة في قلوب المؤمنين .
وفُضِّلنا بأنَّ مِنَّا النبي المختار ، والصدِّيق ، والطيَّار ، وأسد الله ، وأسد رسوله ، ومنِّا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول ، وسبطا هذه الأمة .
أيُّها الناس ، من عَرَفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بِحَسَبي ونَسَبي ، أنا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، وابن خديجة الكبرى ، انا ابن المُرَمَّل بالدماء ، انا ابن ذبيح كربلاء ) .
فضجَّ الحاضرون بالبكاء بعد أن فوجئوا بالحقيقة ، مِمَّا اضطرَّ يزيد أن يأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة ليقطع الخطبة على الإمام السجاد ( عليه السلام ) ، غير أن الامام سكت حتى قال المؤذن ( أشهد أن محمداً رسول الله ) .
فالتفت ( عليه السلام ) إلى يزيد قائلاً : ( هذا الرسول العزيز الكريم جدُّك أم جدِّي ؟ فإن قلت جدَّك ، علم الحاضرون والناس كلهم أنك كاذب ، وإن قلت جَدِّي ، فلِمَ قتلت أبي ظلماً وعدواناً ، وانتهبت ماله ، وسَبَيْت نساءه ؟ فويل لك يوم القيامة إذا كان جَدِّي خصمك ) .
ووجم يزيد ولم يجر جواباً ، فإنَّ الرسول العظيم ( صلى الله عليه وآله ) هو جدُّ سيِّد العابدين ( عليه السلام ) .
وأما جَدُّ يزيد فهو أبو سفيان ، العدو الأول للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتبيَّن لأهل الشام أنَّهم غارقون في الإثم ، وأنَّ الحكم الأموي قد جهد في إغوائهم وإضلالهم .
وتَبيَّن بوضوح أنَّ الحقد الشخصي ، وغياب النضج السياسي ، هما السببان لعدم إدراك يزيد عمق ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، مِمَّا أدَّى إلى توهُّمِه بأنها لن تؤديَ إلى نتائج خطيرة على حكمه .
ولعلَّ أكبر شاهد على هذا التوهم هو رسالة يزيد في بدايات تسلّمه الحكم لواليه على المدينة ، والتي أمره فيها بأخذ البيعة من الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، أو قتله وبعث رأسه إلى دمشق إن رفض البيعة .
الإمام ( عليه السلام ) في المدينة المنورة :
بعد أن غادر الإمام السجاد ( عليه السلام ) الشام إلى العراق ، ومن ثم الى المدينة ، وقبل دخوله المدينة أقام خارجها ، ودعا الناس إليه بواسطة أحد الشعراء .
وخطب بهم خطبة وضَّح فيها مأساة أهل البيت ( عليهم السلام ) ومظلوميتهم ، وما لاقوه من الظلم والاضطهاد على أيدي الأمويين ، جاء فيها : ( الحمد لله ربِّ العالمين ، مالك يوم الدين ، بارئ الخلائق أجمعين ، الذي بَعُد فارتفع في السماوات العُلَى ، وقَرُب فَشهد النَّجْوى ، نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع الدهور ، ومَضَاضة اللَّوَاذع ، وجَليل الرُّزْء ، وعظيم المصائب ، الفاظعة ، الكاظَّة ، الفادحة ، الجائحة .
أيُّها القوم ، إن الله - وله الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلْمَة في الإسلام عظيمة ، قُتل أبو عبد الله الحسين ( عليه السلام ) ، وسُبي نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان ، وهذه الرزيَّة التي لا مثلها رزيَّة .
أيُّها الناس ، فأيُّ رجالات منكم يُسَرُّون بعد قتله ؟! ، أم أي فؤاد لا يحزن مِن أجله ؟! أم أيَّة عين منكم تحبس دمعها ، وتضنُّ عن انْهمالِها ؟! فلقد بكت السبع الشِّدَاد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسَّمَاوات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان ، ولُجَج البحار ، والملائكة المقرَّبون ، وأهل السماوات أجمعون .
أيُّها الناس ، أي قلب لا ينصدع لقتله ؟! أم أي فؤاد لا يَحنُّ إليه ؟! أم أي سَمْع يسمع هذه الثلمة التي ثُلِمت في الإسلام ولا يُصَمُّ ؟! .
أيُّها الناس ، أصبحنا مطرودين مُشَرَّدين ، مذودين وشاسعين عن الأمصار ، كأنَّا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوَّلين ، إنْ هذا إلاَّ اختلاق ، والله ، لو أنَّ النبيَّ تقدَّم اليهم في قتالنا ، كما تقدم إليهم في الوصاية بنا ، لما زادوا على ما فعلوا بنا .
فإنا لله وإنا إليه راجعون ، مِن مصيبة ما أعظمها وأوجعها ، وأفجعها وأكظُّها ، وأفظعها وأمرُّها وأفدحها ، فعند الله نحتسب فيما أصابنا ، وأبلغ بنا ، فإنَّه عزيز ذو انتقام ) .
ثم سار ( عليه السلام ) بأهله ودخل المدينة المنورة ، وأخذ يمارس دوراً جديداً مستمسكاً بالنهج الإصلاحي ، والتوعية الفكرية العامة .
لأنه ( عليه السلام ) كان يعلم أن هذا الطريق هو الطريق الشرعي لحماية الرسالة ، والحفاظ على البقية الباقية من أهل البيت ( عليهم السلام ) .
مستفيداً من ذلك في إنجاح خططه تلك ، إنشغال الحكم الأموي وعملائه بإخماد الانتفاضات الإسلامية ، الرافضة لظلم الأمويين ، وبالخصوص خلال السنوات العشر التي أعقبت استشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:31 AM

سيرة الامام الباقر عليه السلام

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:33 AM

استدعاء الإمام الباقر ( عليه السلام ) إلى دمشق
استولى هشام بن عبد الملك على الحكم في اليوم الذي هلك فيه أخوه يزيد ، وهو المعروف بـ( أحول بني أميَّة ) .
وكان حقوداً على ذوي الأحساب العريقة ، ومبغضاً لكل شريف ، وهو الذي قتل زيد بن علي ، وتعرَّض الإمام الباقر ( عليه السلام ) في عهده إلى ضروب من المِحَن والآلام .
ولغرض الحَدِّ من تحرُّك الإمام ( عليه السلام ) وتأثيره على الناس ، أمر الطاغية هشام بن عبد الملك عامِلَه على المدينة بحمل الإمام إلى ( دمشق ) .
الإمام ( عليه السلام ) في دمشق :
لما انتهى الإمام الباقر ( عليه السلام ) إلى ( دمشق ) ، وعَلِم هشام بقدومه ، أوعزَ إلى حاشيته أن يقابلوه بمزيد من التوهين والتوبيخ عندما ينتهي حديثه معه .
ودخل الإمام ( عليه السلام ) على هشام ، فَسَلَّم على القوم ، ولم يُسلِّم عليه بالخلافة .
فاستشاط هشام غضباً ، وأقبل على الإمام (عليه السلام ) فقال له : يا محمد بن علي ، لا يزال الرجل منكم قد شَقَّ عصا المسلمين ، ودعا إلى نفسه ، وزعم أنه الإمام سفهاً ، وقِلَّة عِلم .
ثم سكت هشام ، فانبرى عملاؤه ، وجعلوا ينالون من الإمام ( عليه السلام ) ويسخرون منه .
وهنا تكلم الإمام ( عليه السلام ) فقال : ( أيُّها الناس ، أين تذهبون ؟ وأين يُرَاد بكم ؟ بِنَا هدى الله أوَّلكم ، وبنا يختم آخركم ، فإنَّ يَكُن لكم مُلْكٌ مُعَجَّل ، فإنَّ لنا مُلكاً مؤجلاً ، وليس بعد مُلكِنا مُلك ، لأنَّا أهل العاقبة ، والعاقبة للمتقين ) .
وخرج الإمام ( عليه السلام ) بعد أن ملأ نفوسهم حزناً وأسى ، ولم يستطعيوا الرد على منطقه القوي .
وازدحم أهل الشام على الإمام ( عليه السلام ) وهم يقولون : هذا ابن أبي تراب .
فرأى الإمام ( عليه السلام ) أن يهديهم إلى سواء السبيل ، ويعرفهم بحقيقة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
فقام ( عليه السلام ) فيهم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصَلَّى على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم قال : ( اِجتنبوا أهل الشِّقاق ، وذُرِّية النِّفاق ، وحشو النار ، وحصب جَهَنَّم ، عن البَدْر الزاهر ، والبحر الزَّاخِر ، والشهاب الثَّاقب ، وشهاب المؤمنين ، والصراط المستقيم ، من قبل أن نطمس وجوهاً فَنَردُّها على أدبارها ، أو يُلعَنوا كما لُعِن أصحاب السبت ، وكان أمر الله مفعولاً ) .
ثم قال ( عليه السلام ) بعد كلام له : ( أبِصِنْوِ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - أي : الإمام علي ( عليه السلام ) - تستهزئون ؟ أم بِيَعْسوب الدِّين تلمزون ؟ وأيُّ سبيلٍ بَعدَه تسلكون ؟ وأيُّ حُزن بَعده تدفعون ؟
هيهات ، برز والله بالسبق ، وفاز بالخصل ، واستولى على الغاية ، وأحرز على الختار [ الغدر ] ، فانحسرت عنه الأبصار ، وخضعت دونه الرقاب ، وفرع الذُّروة العُليا ، فَكذب من رام من نفسه السعي ، وأعياه الطلب ، فأنَّى لهم التناوش من مكان بعيد ؟! .
فَأنَّى يسدُّ ثلمة أخي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ شَفَعُوا ، وشقيقه إذْ نَسَبوا ، وندّ يده إذ قَتَلوا ، وذي قرني كنزها إذ فَتَحوا ، ومُصلِّي القبلتين إذ تَحرَّفوا ، والمشهود له بالإيمان إذ كَفَروا ، والمُدَّعي لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا ، والخليفة عَلى المِهَاد ليلة الحصار إذ جَزَعوا ، والمستودع الأسرار ساعة الوداع ) .
ولمّا ذاع فضل الإمام ( عليه السلام ) بين أهل الشام ، أمر الطاغية باعتقاله وسجنه .
وحين احتفَّ به السجناء ، وأخذوا يتلقون من علومه وآدابه ، خشي مدير السجن من الفتنة ، فبادر إلى هشام فأخبره بذلك ، فأمره بإخراجه من السجن ، وإرجاعه إلى بلده ( المدينة ) .
وهنا أمر الطاغية بمغادرة الإمام الباقر ( عليه السلام ) لمدينة ( دمشق ) ، خوفاً من أن يفتتن الناس به ، وينقلب الرأي العام ضد بني أمية .
ولكنه أوعَزَ الى أسواق المدن ، والمحلات التجارية ، الواقعة في الطريق ، أن تغلق محلاتها بوجهه ، ولا تبيع عليه أية بضاعة ، وأراد بذلك هلاك الإمام ( عليه السلام ) والقضاء عليه .
وسارَت قافلة الإمام ( عليه السلام ) وقد أضناها الجوع والعطش ، فاجتازت على بعض المدن ، فبادر أهلها إلى إغلاق محلاَّتهم بوجه الإمام ( عليه السلام ) ، ولما رأى الإمام ذلك صعد على جبل هناك ، ورفع صوته قائلاً : ( يا أهل المدينة ، الظالم أهلها ، أنا بقية الله ، يقول الله تعالى : ( بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ) ) هود : 86 .
وما أنهى الإمام ( عليه السلام ) هذه الكلمات حتى بادر شيخ من شيوخ المدينة فنادى أهل قريَتِه قائلاً : يا قوم ، هذه والله دعوة شعيب ، والله لَئِن لن تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذنَّ من فوقكم ، ومن تحت أرجلكم ، فصدِّقُوني هذه المرة ، وأطيعوني ، وكذِّبوني فيما تستأنفون ، فإني ناصح لكم .
وفزع أهل القرية ، فاستجابوا لدعوة الشيخ الذي نَصَحَهم ، ففتحوا حوانيتهم ، واشترى الإمام ( عليه السلام ) ما يريده من المتاع ، وفَسَدَت مكيدة الطاغية ، وما دبَّره للإمام ( عليه السلام ) ، وقد انتهت إليه الأنباء بِفَشَل مؤامرته .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:35 AM

الإمام الباقر ( عليه السلام ) مع نافع مولى عمر
حج هشام بن عبد الملك ومعه نافع مولى عمر بن الخطاب ، فنظر نافع إلى الإمام الباقر ( عليه السلام ) في ركن البيت وقد اجتمع عليه الخلق ، فقال : يا أمير المؤمنين ! من هذا الذي قد تكافأ عليه الناس ؟
فقال : هذا محمد بن علي بن الحسين .
قال نافع : لآتينَّه ولأسألنَّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبيّاً أو وصيَّ نبيٍّ .
قال هشام : فاذهب إليه لعلَّك تخجله ، فجاء نافع حتى اتكأ على الناس وأشرف على الإمام ( عليه السلام ) ، فقال : يا محمد بن علي ، إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبيّاً أو وصيَّ نبيٍّ أو ابنَ نبيٍّ .
فرفع الإمام ( عليه السلام ) رأسه ، فقال : ( سَلْ عَمَّا بَدا لك ) !
قال نافع : أخبرني كم بين عيسى ومحمد من سنة ؟
قال ( عليه السلام ) : ( أجيبك بقولك أم بقولي ) ؟
قال نافع : أجبني بالقولين .
قال ( عليه السلام ) : ( أما بقولي فخمسمائة سنة ، وأما بقولك فستمائة سنة ) .
قال نافع : فأخبرني عن قول الله عزَّ وجلَّ : ( وَاسْأَلْ مَن أَرسَلْنَا مِنْ قَبلِكَ مِن رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يَعْبُدُونَ )
الزخرف : 45 .
من الذي سأل محمد وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة ؟
فتلا الإمام ( عليه السلام ) : ( سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ لِنُريهُ مِن آيَاتِنَا ) الإسراء : 1 .
كانت من الآيات التي أراها محمداً ( صلى الله عليه وآله ) – حيث أُسري به إلى بيت المقدس – أنه حشر الله الأولين والآخرين من النَّبيِّينَ والمرسلين ، ثم أمر جبرئيل ( عليه السلام ) ، فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه : ( حَيَّ عَلى خَيرِ العَمَلِ ) .
ثم تقدم محمد ( صلى الله عليه وآله ) فَصَلَّى بالقوم ، فلما انصرف قال الله عزَّ وجلَّ : ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِن رُسُلِنَا أَجَعَلنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يَعبُدُونَ ) الزخرف : 45 .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( على من تشهدون ؟ وما كنتم تعبدون ) ؟
قالوا : نشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأنَّك رسول الله ، أخذت على ذلك عهودنا ومواثيقنا .
فقال نافع : صدقت يا أبا جعفر !!
قال نافع : فأخبرني عن قول الله عزَّ وجلَّ : ( يَومَ تُبَدَّلُ الأرضُ غَير الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ ) إبراهيم : 48 .
أي أرضٍ تُبَدَّل ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( خبزة بيضاء يأكلونها ، حتى يفرغ الله من حساب الخلائق ) .
فقال نافع : إنهم عن الأكل لمشغولون .
قال ( عليه السلام ) : ( إنهم حينئذٍ أَشْغَلُ أَمْ هُم فِي النار ) ؟
قال نافع : بل هم في النار .
قال ( عليه السلام ) : ( فقد قال الله عزَّ وجلَّ : ( وَنَادَى أَصحَابُ النَّارِ أَصحَابَ الجَنَّةِ أَن أَفِيضُوا عَلَينَا مِنَ المَاءِ أَو مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) ـ الأعراف : 50 ـ ما أشغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم ، ودعوا بالشراب فسقوا من الحميم ) ؟!
فقال نافع : صدقت يا ابن رسول الله ! وبقيت مسألة واحدة .
قال ( عليه السلام ) : ( وما هي ) ؟
قال نافع : فأخبرني متى كان الله ؟
قال ( عليه السلام ) : ( ويلك ! أخبرني متى لم يكن حتى أخبرك متى كان ؟! سبحان من لم يزل ولا يزال ، فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ) .
ثم أتى هشام بن عبد الملك فقال : ما صنعتَ ؟
قال نافع : دعني من كلامك ، هو والله أعلم الناس !! وهو ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حقاً .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:36 AM

الإمام الباقر ( عليه السلام ) ومسائل طاووس اليماني
أقبل طاووس اليماني مع جماعة من أصحابه على الإمام الباقر ( عليه السلام ) فقال : أتأذن لي في السؤال ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( أَذِنَّا لك فَسَلْ ) .
قال : لِمَ سُمِّيَ آدمُ آدماً ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( لأنَّه رُفعت طينته من أديم الأرض السفلى ) .
قال : وَلِمَ سُمِّيَت حوَّاءُ حوَّاءاً ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( لأنَّها خُلقت من ضلع حيٍّ ) يعني ضلع آدم .
قال : فَلِمَ سُمِّي إبليس إبليساً ؟
قال ( عليه السلام ) : ( لأنَّه أَبلَسَ – آَيَسَ – من رحمة الله فلا يرجوها ) .
قال : فَلِمَ سُمِّي الجِنُّ جِنّاً ؟
قال ( عليه السلام ) : ( لأنَّهم استَجَنَّوا فلم يروا ) .
قال : فَأخبرني عن أولِ كذبة كُذِبَتْ ، ومن صاحبها ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( إبليس ، حين قال : أنا خير منه ، خلقتني من نار وخلقته من طين ) .
قال : فأخبرني عن رسولٍ بعثه اللهُ تعالى ليس من الجنِّ ، ولا من الإنس ، ولا من الملائكة ، ذكره الله تعالى في كتابه .
فقال ( عليه السلام ) : ( الغراب ، حين بعثه الله عزَّ وجلَّ لِيُرِي قابيلَ كيف يواري سَوْأةَ أخيه هابيل حين قتله ) .
قال : فأخبرني عن شيء يزيد وينقص ، وعن شيء يزيد ولا ينقص ، وعن شيء ينقص ولا يزيد ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( أمَّا الشيء الذي يزيد وينقص فهو ( القَمَرُ ) ، والشيء الذي يزيد ولا ينقص فهو ( البَحْرُ ) ، والشيء الذي ينقص ولا يزيد هو ( العُمْرُ ) ) .
قال : فأخبرني متى هلك ثُلث الناس ؟
قال ( عليه السلام ) : ( وَهَمُتَ يا شيخ ، أردت أن تقول : متى هلك ربع الناس ؟ وذلك يوم قتل قابيل هابيل ، كانوا أربعة : آدم ، وحواء ، وقابيل ، وهابيل ، فهلك ربعهم ) .
فقال : أَصَبتَ وَوَهَمْتُ أنا ، فأيهما كان أباً للناس القاتل أو المقتول ؟
قال ( عليه السلام ) : ( لا واحد منهما ، بل أبوهم شيث بن آدم ) .
قال : فأخبرني عن قوم شَهَدوا شهادة الحقِّ وكانوا كاذبين ؟
قال ( عليه السلام ) : ( المنافقون حين قالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : نشهد أنَّك لَرَسُول الله ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ : ( إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولهُ وَاللهُ يَشهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) .
قال : فأخبرني عن طائرٍ طارَ مرَّة ، ولم يَطِر قبلها ولا بعدها ؟ ، ذكره الله عزَّ وجلَّ في القرآن ، ما هو ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( طور سيناء ، أطارَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ على بني إسرائيل حين أظلَّهم بجناح منه ، فيه ألوان العذاب ، حتى قبلوا التوراة ، وذلك قوله عزَّ وجلَّ : ( وَإِذَ نَتَقنَا الجَبَلَ فَوقَهُم كَأَنَّهُ ظلَّة وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِم ) ) الأعراف : 171 .
قال : فأخبرني عمَّن أنذر قومه ، ليس من الجنِّ ولا من الإنس ولا من الملائكة ، ذكره الله عزَّ وجلَّ في كتابه ؟
قال ( عليه السلام ) : ( النَّملة حين قالت : ( يَا أَيُّهَا النَّمل ادخُلُوا مَسَاكِنَكُم لا يَحْطِمَنَّكُم سُلَيمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُم لا يَشعُرُونَ ) ) النحل : 18 .
قال : فأخبرني عمَّن كُذِب عليه ، ليس من الجنِّ ولا من الإنس ولا من الملائكة ، ذكره الله عزَّ وجلَّ في كتابه ؟
قال ( عليه السلام ) : ( الذئبُ الذي كذبَ عليه أخوة يوسف ) .
قال : فأخبرني عن شيءٍ قليلُه حَلالٌ وكثيرُه حرامٌ ، ذكره الله عزَّ وجلَّ في كتابه ؟
قال ( عليه السلام ) : ( نهر طالوت ، قال الله عزَّ وجلَّ : ( إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غرْفَةً بِيَدِهِ ) ) البقرة : 249 .
قال : فأخبرني عن صلاة مفروضة ، تُصَلَّى بغير وضوءٍ ، وعن صومٍ لا يحجز عن أكلٍ ولا شربٍ ؟
قال ( عليه السلام ) : ( أمّا الصلاة بغير وضوء فالصلاة على النبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأما الصوم فقول الله عزَّ وجلَّ : ( إِنِّي نَذَرتُ لِلرَّحمَنِ صَوماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَومَ إِنسِياً ) ) مريم : 26 .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:38 AM

تراث الإمام الباقر ( عليه السلام ) التفسيري
لا ريب في أنّ القرآن الكريم هو أوّل مصادر التشريع الإسلامي ، وأهم مصادر الثقافة الإسلامية ، التي تعطي للأمّة الإسلامية وللرسالة الإلهية هويّتها الخاصّة ، وتسير بالأُمة إلى حيث الكمال الإنساني المنشود .
وقد اعتنى الإمام الباقر ( عليه السلام ) كسائر الأئمّة من أهل البيت ( عليهم السلام ) بالقرآن الكريم تلاوةً وحفظاً وتفسيراً ، وصيانةً له عن أيدي العابثين وانتحال المبطلين ، فكانت محاضراته التفسيرية للقرآن الكريم تشكّل حقلاً خصباً لنشاطه المعرفي وجهاده العلمي ، وهو يرسم للأُمة المسلمة معالم هويتها الخاصّة .
ومن هنا خصّص الإمام ( عليه السلام ) للتفسير وقتاً من أوقاته ، وتناول فيه جميع شؤونه ، وقد أخذ عنه علماء التفسير ـ على اختلاف آرائهم وميولهم ـ الشيء الكثير ، فكان من ألمع المفسّرين للقرآن الكريم في دنيا الإسلام .
وقد نهج الإمام الباقر ( عليه السلام ) في تفسير القرآن الكريم منهجاً علميّاً خاصّاً متّسقاً مع أهداف الرسالة وأُصولها ، ونعى على أهل الرأي والاستحسان وأهل التأويل والظنون ، فكان ممّا اعترض به على قتادة أن قال له : ( بلغني أنّك تفسّر القرآن ! ) .
فقال له : نعم .
فأنكر عليه الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : ( يا قتادة إن كنت قد فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد فسّرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، يا قتادة ويحك إنّما يعرف القرآن من خوطب به ) .
وقد قصر الإمام ( عليه السلام ) معرفة الكتاب العزيز على أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فهم الذين يعرفون المحكم من المتشابه ، والناسخ من المنسوخ ، وليس عند غيرهم هذا العلم .
فقد ورد عنهم ( عليهم السلام ) : ( أنّه ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، الآية يكون أوّلها في شيء ، وآخرها في شيء ، وهو كلام متّصل ينصرف إلى وجوه ) .
أمّا الأخذ بظواهر الكتاب فلا يعد من التفسير بالرأي المنهيّ عنه .
وألّف الإمام الباقر ( عليه السلام ) كتاباً في تفسير القرآن الكريم نص عليه ابن النديم في ( الفهرست ) عند عرضه للكتب المؤلّفة في تفسير القرآن الكريم حيث قال : كتاب الباقر محمّد بن علي بن الحسين رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية .
وقال السيد حسن الصدر : وقد رواه عنه أيّام استقامته جماعة من ثقاة الشيعة منهم أبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي ، وقد أخرجه علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي في تفسيره من طريق أبي بصير ( تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : 327 ) .
نماذج من تفسيره :
1ـ فسّر الإمام الباقر ( عليه السلام ) الهداية في قوله تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) ( طه : 82 ) بالولاية لأئمّة أهل البيت حين قال : ( فو الله لو أنّ رجلاً عبد الله عمره ما بين الركن والمقام ، ولم يجيء بولايتنا إلاّ أكبّه الله في النار على وجهه ) .
2ـ وعن قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ( المائدة : 67 ) ، قال ( عليه السلام ) : ( إنّ الله أوحى إلى نبيّه أن يستخلف علياً فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره الله بأدائه ) .
3ـ وفي قوله تعالى : ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) ( القدر : 4 ) ، قال ( عليه السلام ) : ( تنزّل الملائكة والكتبة إلى سماء الدنيا ، فيكتبون ما يكون في السنة من أمور ما يصيب العباد ، والأمر عنده موقوف له فيه على المشيئة ، فيقدّم ما يشاء ، ويؤخّر ما يشاء ، ويثبت ، وعنده أم الكتاب ) .
4ـ وفي قوله تعالى : ( فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ) ( الشعراء : 94 ) ، قال الإمام ( عليه السلام ) : ( إنّها نزلت في قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره ) .
5ـ وفي قوله تعالى : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ( النحل : 43 ) .
روى محمّد بن مسلم قال : قلت للإمام أبي جعفر : إنّ من عندنا يزعمون أنّ المعنيين بالآية هم اليهود والنصارى ، قال : ( إذاً يدعونكم إلى دينهم ! ) ، ثمّ أشار ( عليه السلام ) إلى صدره فقال : ( نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون ) .
6ـ وفي قوله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) ( الإسراء : 71 ) .
روى جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنّه قال : ( لمّا نزلت هذه الآية ، قال المسلمون : يا رسول الله ألست إمام الناس كلّهم أجمعين ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أنا رسول الله إلى الناس أجمعين ، ولكن سيكون من بعدي أئمّة على الناس من أهل بيتي يقومون في الناس فيُكَذّبون ، ويظلمهم أئمّة الكفر والضلال وأشياعهم ، فمن والاهم واتّبعهم ، وصدّقهم فهو منّي ومعي وسيلقاني ، ألا ومن ظلمهم وكذّبهم فليس منّي ، ولا معي ، وأنا منه بريء ) .
7ـ وسئُل الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن قوله تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ( فاطر : 32 ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( السابق بالخيرات الإمام ، والمقتصد العارف للإمام ، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام ) .
8ـ وعن المتوسّمين في قوله تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ) ( الحجر : 75 ) ، قال ( عليه السلام ) : ( قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المتوسّم ، وأنا من بعده والأئمّة من ذرّيتي المتوسّمون ) .
9ـ وفي قوله تعالى : ( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ) ( الجن : 16 ) ، قال ( عليه السلام ) : ( يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والأوصياء من ولده ، وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماءاً غدقاً ، يعني أشربنا قلوبهم الإيمان ، والطريقة : هي الإيمان بولاية علي والأوصياء ) .
10ـ وفي ما يرتبط بقوله تعالى : ( قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) ( الرعد : 43 ) ، سأل بريد بن معاوية الإمام ( عليه السلام ) عن المعنيين بقوله تعالى : ( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( إيّانا عنى ، وعليّ أوّلنا ، وأفضلنا وخيرنا بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:39 AM

حكم الإمام الباقر ( عليه السلام )
هذه بعض الحكم والمواعظ للإمام الباقر ( عليه السلام ) جاءت من فوح القرآن الكريم ، وبوح وجدانه العظيم .
ولنا ملء الأمل أن تؤخذ لدى طلاب العلم للبحث والتفكير ، والدراسة والتمحيص ، ثم العمل على تطبيقها في الحياة الفردية والجماعية .
وكذلك والالتزام بما اشتملت عليه من تعاليم اجتماعية ، ودروس أخلاقية ، ليتحقق الغرض الأسمى الذي أراده ( عليه السلام ) من هدف هذه الحكم الخالدة على صدر الزمن .
1ـ قال ( عليه السلام ) : ( قُم بالحق ، واعتزل ما لا يعنيك ، وتجنب عَدوَّك ، واحذر صديقك من الأقوام ، إلا الأمين من خشي الله ، ولا تصحب الفاجر ، ولا تطلعه على سِرِّك ، واستشر في أمرك الذين يخشون الله ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) : ( ثلاثة من مَكَارم الدنيا والآخرة : أن تعفو عَمَّن ظَلَمَك ، وتَصِلْ مَن قطعك ، وتَحلَم إذا جُهل عليك ) .
3ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَا من عِبادة لله تعالى أفضل من عِفَّة بَطنٍ أو فرج ، وما من شيء أحب إلى الله تعالى من أن يُسْأل ، وما يَدفَع القضاء إلى الدعاء ، وإنَّ أسرَعَ الخير ثواباً البِرّ والعدل ، وأسرع الشَّرِّ عقوبة البغي ) .
4ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَن صَدَق لسانُه زَكا عَملُه ، ومن حَسنت نِيَّته زِيدَ في رزقه ، ومن حسن بِرُّه بأهله زِيدَ في عُمره ) .
5ـ قال ( عليه السلام ) : ( إنَّ أشَدَّ الناس حَسرَةً يوم القيامة عَبدٌ وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره ) .
6ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَنْ أعطى الخُلق والرفق فقد أعطى الخير والراحة ، وحَسُن حاله في دنياه وآخرته ، ومن حَرَم الخلق والرفق كان ذلك سبيلاً إلى كل شَرٍّ وبَليَّة ، إلا من عَصَمَه الله ) .
7ـ قال ( عليه السلام ) : ( اِعرف الموَدَّة في قلب أخيك بما له في قلبك ) .
8ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَا دَخل قلبَ امرئٍ شيءٌ من الكِبَر إلا نقص من عقله مثل ذلك ) .
9ـ قال ( عليه السلام ) : ( لَمَوت عَالِمٍ أحبُّ إلى إبليس من موت سبعين عابداً ) .
10ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا يُقبل عَمَل إلا بمعرفة ، ولا معرفة إلا بِعَمل ، ومن عَرَف دَلَّتْهُ معرفته على العمل ، ومن لم يعرف فلا عَمَل له ) .
11ـ قال ( عليه السلام ) : ( ليس شيء مُميِّل الإخوان إليك مثل الإحسان إليهم ) .
12ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَن لم يجعل مِن نفسه واعظاً فإنَّ مواعظ الناس لن تُغنِي عنه شيئاً ) .
13ـ قال ( عليه السلام ) : ( إنما شيعة علي المتباذلون في ولايتنا ، المُتحابُّون في مَوَدَّتنا ، المتآزِرُون لإِحياء الدين ، إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على من حَاوَرَهم ، وسِلْم لِمَن خَالَطَهم ) .
14ـ قال ( عليه السلام ) : ( المُتكَبِّر يُنازِعُ اللهَ رِداءَه ) .
15ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَن عَمل بما يَعْلَم ، عَلَّمَه اللهُ ما لا يَعلم ) .
16ـ قال ( عليه السلام ) : ( بِئْس العبد يَكون ذا وجهين وذا لسانين ، يَطري أخاه في الله شاهداً ، ويأكله غائباً ، إنْ أعطِيَ حَسَدَه ، وإن ابتُلِيَ خَذَله ) .
17ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَا عَرفَ اللهُ مَنْ عَصَاه ) ، وأنشد ( عليه السلام ) :
تعصي الإلَهَ وأنت تُظهِر حُبَّهُ هَذا لَعَمرِك فِي الفِعَال بِديعُ
لَوْ كَانَ حُبُّك صَادقاً لأطَعْتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن أحَبَّ مُطيعُ
18ـ قال ( عليه السلام ) : ( الحياءُ والإِيمان مَقرُونان في قرن ، فإذا ذَهَب أحَدُهُما تَبِعه صَاحِبُه ) .
19ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَن قُسِمَ لَهُ الخَرَق حُجِب عنه الإيمان ) .
20ـ قال ( عليه السلام ) : ( إنَّ المؤمِنَ أخُو المؤمن ، لا يَشتُمُه ، ولا يَحرمه ، ولا يسيء بِهِ الظَّنَّ ) .
21ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَنْ أصَابَ مَالاً مِنْ أربع لم يُقبل منه في أربع ، من أصاب مالاً من غلول أو رِبَا أو خِيَانة أو سَرِقة ، لم يقبل منه في زَكَاة ولا في صَدَقة ولا في حَجٍّ ولا في عُمرة ) .
22ـ قال ( عليه السلام ) : ( شَرُّ الآباء مَنْ دَعَاهُ البِرُّ إلى الإفراط ، وشَرّ الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق ) .
23ـ قال ( عليه السلام ) : ( كَفى بالمرءِ عَيباً أن يتعرَّف مِن عُيوب الناس مَا يعمى عليه من أمر نفسه ، أو يَعيب الناس على أمر هو فِيه لا يستطيع التحول عنه إلى غيره ، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه ) .
24ـ قال ( عليه السلام ) : ( إنِّي لا أكره أن يَكُون مقدار لسان الرجل فاضلاً على مقدار علمه ، كما أكره أن يكون مُقدار عِلمِه فاضلاً على مُقدار عَقله ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:41 AM

الحياة العلمية والسياسية في زمن الإمام الباقر ( عليه السلام )
أولاً : الحياة العلمية والثقافية :
لقد أثرت الحياة السياسية وما سادها من قلق واضطرابات على الحياة العلمية تأثيراً سلبياً واضحاً ، ظهرت معالمه بكثير من الجمود والخمول في عصر الإمام الباقر ( عليه السلام ) .
فالتيارات السياسية التي حَرَّفت الناس وتهالكت من خلالها البيوتات الرفيعة على الظفر بالحكم ، والطاقات البشرية والمالية استهلكت جميعها في حروب طاحنة ومذهلة .
والنكبات الفظيعة التي مُنِيت فيها الأمّة ، وجرت عليها أفدح الخسائر المادية والبشرية .
كل ذلك أثَّر على الحركة العلمية ، وجعلها تتردَّى ضموراً وانحلالاً .
أما الحياة الثقافية في عصر الإمام الباقر ( عليه السلام ) فقد مَرَّت بحالة من الجمود ، وكانت ضحلة للغاية .
لأنَّ معظم الناس من حُكَّام ومحكومين ابتعدوا عن الأخلاق النبيلة ، والمثل العليا التي جاء بها الإسلام ، وعادوا إلى جاهليتهم الأولى من عصبية قبلية ، وتفاخر بالآباء والأنساب .
وكان الطابع العام للأدب في ذلك العصر هو التفاخر والتنابز ، ولم يكن يمثل وعياً فكرياً ، بل كُلّه شَرٌّ وضرر للناس جميعاً .
ثانياً : الحياة السياسية :
أصبحت الحياة السياسية بسبب التنازع الداخلي ، والعصبية القبلية المدمرة في ذلك العصر وضيعة وبشعة للغاية .
فالفتن والاضطرابات عَمَّت بين الناس في البلاد ، وبدأت أحداث رهيبة ومفجعة أدَّتْ إلى فقدان الأمن ، وانتشار الخوف .
ثم تطوَّرَت هذه الأحداث ، فقامت ثورات دامية ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء ، وهذا بلا ريب نتيجة السياسة الأموية الخاطئة ، التي كان كل هَمُّها تحقيق أهدافها الخاصة ، ومآربها الشخصية ، بعيداً عن مصالح شعوبها العامة .
ونتج عن ذلك وجود أحزاب سياسية كل منها كان يسعى لتحقيق غاياته ، ونشر مبادئه ، التي تتعارض مع الأحزاب الأخرى .
دورالإمام الباقر ( عليه السلام ) :
أطلَّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) على عالم مليء بالاضطرابات ، والفتن ، والأحداث الدامية .
فنظر ( عليه السلام ) إلى الحياة من حوله ، فوجدها قد فقدت جميع مقوِّمَاتها ولم تعد كما أرادها الله في وحدتها ، وتطورها ، في ميادين العلم والعطاء .
فلم يجد ( عليه السلام ) بُداً إلا أن يقوم بواجبه الشرعي لإعادة مَجْد الأمة الإسلامية ، ورَدِّها إلى الخط السليم ، وبناء كيانها الحضاري ، ولا يتم ذلك إلا عن طريق منائر العلم وصروح الفكر .
فانصرف ( عليه السلام ) عن كل تحرك سياسي ، واتَّجه صوب العلم وحده ، متفرغاً له في عزلته في المدينة المنورة ، حصن الإسلام الأمين .
وفي هذا الحصن المنيع كان يَخفُّ إليه العلماء من أعيان الأمة ، وسائر الأقطار ، للاستفسار والشرح والتحصيل .
وكان مِمَّن وفد إليه العالم الكبير جابر بن يزيد الجعفي ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، وأبو بصير المرادي ، وأبو حمزة الثمالي ، ووفود علمية تترى جاءت لتأخذ عنه ( عليه السلام ) العلوم والمعارف .
وقد تميَّز الإمام ( عليه السلام ) بمواهب عظيمة ، وطاقات هائلة ، وعبقريات ضخمة من العلم ، شملت جميع أنواع العلوم ، وشَتَّى المعارف من فقه ، وعلم كلام ، وحديث ، وفلسفة ، وحِكَم إنسانية عالية ، وآداب أبديَّة سَامية .
مضافاً إلى علم خاص زود به بأخبار عن أحداث قبل وقوعها ، ثم تحققت على مسرح الحياة .
وفي زمنه ( عليه السلام ) حَمَلت بعض العناصر الحاقدة على الإسلام ، والباغية عليه إلى البلاد الإسلامية ، موجات من الكفر والإلحاد والزندقة .
وقد أعرض الحكّام الأمويون عن ملاحقة دعاتها ، مما أوجب انتشارها بين المسلمين .
وقد تصدَّى لها الإمام الباقر وولده الإمام الصادق ( عليهما السلام ) إلى نقدها وتزييفها .
من ذلك ما عرض للإمام الباقر مع رجل مُلحِد ، حيث كان ( عليه السلام ) جالساً في فناء الكعبة ، فقصده رجل وقال له : هل رأيتَ الله حتى عبدتَه ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( ما كنتُ لأعبدَ شَيئاً لمْ أرَه ) .
قال الرجل : فكيف رأيته ؟
أجاب ( عليه السلام ) : ( لم تره الأبصار بمشاهدة العيان ، ولكنْ رأته القلوب بحقائق الإيمان ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، معروف بالآيات ، منعوت بالعلامات .
يجوز في قضيته ، بان من الأشياء ، وبانت الأشياء ، ليس كمثله شيء ، ذلك الله لا إله إلا هو ) .
فلما سمع الرجل الجواب تفنَّدَتْ أوهامه ، واقتنع من كلام الإمام ( عليه السلام ) لأنه كلام واقعي ، مشرق ، مبني على جوانب التوحيد .
فراح يقول : الله أعلمُ حيثُ يجعل رسالته فيمن يشاء .
وخلاصة القول :
إن العالم الإسلامي استمد من الإمام الباقر ( عليه السلام ) جميع مقومات نهوضه وارتقائه في المنهج الحضاري .
ولم يقتصر المَد الثقافي والحضاري على عصره ، وإنما امتد إلى العصور التالية .
وقد جاء ( عليه السلام ) لِيُكمِل رسالة أهل البيت ( عليهم السلام ) في تطور الحياة العلمية في الإسلام .


الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:01 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025