منتديات أنا شيعـي العالمية

منتديات أنا شيعـي العالمية (https://www.shiaali.net/vb/index.php)
-   منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام (https://www.shiaali.net/vb/forumdisplay.php?f=63)
-   -   سيرة اهل البت عليهم السلام (https://www.shiaali.net/vb/showthread.php?t=1392)

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:42 AM

ذكاء الإمام الباقر ( عليه السلام )
عرف الصحابة والتابعون ما يتحلّى به الإمام الباقر ( عليه السلام ) منذ نعومة أظفاره بالعلم الغزير ، والمعرفة الواسعة ، فكانوا يرجعون إليه في كل المسائل التي لا يهتدون إلى حَلِّها .
يقول المؤرخون : إن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) سُئل عن أدَقِّ المسائل فأجاب عنها ، وكان له من العمر تسع سنين .
كما روى المؤرخون : أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر عن مسألة ، فلم يقف على جوانبها ، فقال للرجل : اِذهب إلى ذلك الغلام - مشيراً إلى الإمام الباقر ( عليه السلام ) - فاسأله ، وأعلمني بما يجيبك .
فبادر الرجل نحو الإمام وسأله ، فأجابه ( عليه السلام ) عن مسألته ، ثم خَفَّ إلى ابن عمر وأخبره بجواب الإمام ( عليه السلام ) .
عندها أبدى إعجابه بذكاء الإمام ( عليه السلام ) المبكر ، وقال : ( إنَّهم أهلُ بَيتٍ مفهمون ) .
ولا غرابة في الأمر فالله تعالى خَصَّ أهل البيت ( عليهم السلام ) بالعلم ، والفضل ، والمعرفة ، وَوَهَبهم الكمال المطلق ، الذي يَهِبُه لأنبيائه ( عليهم السلام ) .
وقال الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) عن الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) : ( إِنِّي تَاركٌ فيكم الثقلين ، ما إِنْ تَمسَّكتم بِهِما لن تضلوا أبداً : كِتَابَ الله وَعِترَتي أهل بيتي ) .
فَكل فَرْدٍ من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) لا تُخفَى عليه أيَّة مسألة تعرض عليه ، لأنهم ( عليهم السلام ) زَقُّوا العلم زَقّاً .
فأخذوه من مصادره الأساسية الصحيحة ، ونشروه على الناس جميعاً ، ليظهروا الحق ، ويُعلُوا كلمة الله جَلَّ شأنُه .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:42 AM

شهادة الإمام الباقر ( عليه السلام )
يمكن إيجاز الدوافع التي أدَّت بالأمويين إلى اغتيال الإمام ( عليه السلام ) بما يأتي :
أولها : سُمو شخصية الإمام الباقر ( عليه السلام ) :
لقد كان الإمام الباقر ( عليه السلام ) أسمى شخصية في العالم الإسلامي ، فقد أجمع المسلمون على تعظيمه ، والاعتراف له بالفضل ، وكان مقصد العلماء من جميع البلاد الإسلامية .
وكان الإمام ( عليه السلام ) قد ملك عواطف الناس ، واستأثر بإكبارهم وتقديرهم ، لأنه العلم البارز في الأسرة النبوية .
وقد أثارت منزلته الاجتماعية غيظ الأمويين وحقدهم ، فأجمعوا على اغتياله للتخلص منه .
ثانيها : أحداثُ ( دمشق ) :
لا يستبعد الباحثون والمؤرخون أن تكون أحداث ( دمشق ) سبباً من الأسباب التي دَعَت الأمويين إلى اغتياله ( عليه السلام ) وذلك لما يلي :
أولاً : تفوّق الإمام في الرمي على بني أمية وغيرهم ، حينما دعاه هشام إلى الرمي ظاناً بأنه ( عليه السلام ) سوف يفشل في رميه ، فلا يصيب الهدف ، فَيَتَّخذ ذلك وسيلة للحَطِّ من شأنه ، والسخرية به أمام أهل الشام .
ولمَّا رمى الإمام وأصاب الهدف عدة مَرَّات بصورة مذهلة ، لم يعهد لها نظير في عمليات الرمي في العالم ، ذُهِل الطاغية هشام ، وأخذ يتميَّز غيظاً ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وصَمَّم منذ ذاك الوقت على اغتياله .
ثانياً : مناظرته ( عليه السلام ) مع هشام في شؤون الإمامة ، وتفوّق الإمام عليه حتى بَانَ عليه العجز ، مما أدَّى ذلك إلى حقده عليه .
ثالثاً : مناظرته ( عليه السلام ) مع عالم النصارى ، وتَغَلُّبه عليه حتى اعترف بالعجز عن مجاراته أمام حشد كبير منهم ، معترفاً بفضل الإمام ( عليه السلام ) وتفوّقه العلمي في أُمّة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) .
وقد أصبحت تلك القضية بجميع تفاصيلها الحديث الشاغل لجماهير أهل الشام ، ويكفي هذا الصيت العلمي أيضاً أن يكون من عوامل الحقد على الإمام ( عليه السلام ) ، والتخطيط للتخلّص من وجوده .
كل هذه الأمور بل وبعضها كان يكفي أن يكون وراء اغتياله ( عليه السلام ) على أيدي زمرة جاهلية ، افتقرت إلى أبسط الصفات الإنسانية ، وحُرِمت من أبسط المؤهلات القيادية .
نَصّ الباقر على الصادق ( عليهما السلام ) :
ونصَّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) على الإمام من بعده قبيل استشهاده ، فعيَّن ولده الإمام الصادق ( عليه السلام ) مفخرة هذه الدنيا ، ورائد الفكر والعلم في الإسلام ، وجعله مرجعاً عاماً للأمة من بعده ، وأوصى شيعته بلزوم اتِّباعه وطاعته .
وكان الإمام ( عليه السلام ) يشيد بولده الإمام الصادق ( عليه السلام ) بشكل مستمر ، ويشير إلى إمامته .
فقد روى أبو الصباح الكناني ، أنَّ أبا جعفر نظر إلى أبي عبد الله يمشي ، فقال : ترى هذا ؟ ، هذا من الذين قال الله عزَّ وجلَّ : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) القصص : 5 .
وصاياه :
أوصى الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) إلى ولده الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) بعدة وصايا كان من بينها ما يلي :
الأولى : أنه ( عليه السلام ) قال له : ( يا جعفر أوصيك بأصحابي خيراً ) .
فقال له الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( جُعلتُ فداك ، والله لأدَعَنَّهم ، والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحداً ) .
الثانية : أوصى ولده الصادق ( عليه السلام ) أن يكفِّنَه في قميصه الذي كان يصلي فيه ، ليكون شاهد صِدقٍ عند الله على عظيم عبادته ، وطاعته له .
الثالثة : إنه أوقف بعض أمواله على نوادب تندبه عشر سنين في ( منى ) ، ولعلَّ السبب في ذلك يعود إلى أن ( مِنى ) أعظم مركز للتجمع الإسلامي .
ووجود النوادب فيه مما يبعث المسلمين إلى السؤال عن سَبَبه ، فيخبرون بما جرى على الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) من صنوف التنكيل من قبل الأمويين واغتيالهم له ، حتى لا يضيع ما جرى عليه منهم ، ولا تخفيه أجهزة الإعلام الأموي .
شهادته ( عليه السلام ) :
وأخيراً ، بعد أن فشلت السياسة الأموية في الحَدِّ من تحرك الإمام ( عليه السلام ) فقد رأت السياسة المنحرفة أنه ليس عن اغتياله ( عليه السلام ) بديل .
وهكذا دُسَّ إليه السُّمَّ في زمن الخليفة هشام ، فرحل ( عليه السلام ) إلى رَبِّه الأعلى في السابع من ذي الحجة ، عام ( 114 هـ ) صابراً ، محتسباً ، شهيداً ، فَسَلامٌ عليه يوم وُلِدَ ، ويوم رَحَلَ إلى ربه ، ويوم يُبعَثُ حَيّاً .
دفنه ( عليه السلام ) :
وقام ولده الإمام الصادق ( عليه السلام ) بتجهيز الجثمان المقدس ، فغسَّله وكفَّنه ، وهو يذرف أحَرَّ الدموع على فقد أبيه ( عليه السلام ) ، الذي ما أظَلَّت على مثلِهِ سماء الدنيا في عصره عِلماً وفَضلاً وحَرِيجة في الدين .
ونقل الجثمان العظيم - محفوفاً بإجلال وتكريم بالغين من قبل الجماهير - إلى بقيع الغرقد ( المدينة ) المنورة .
فحفر له قبراً بجوار الإمام الأعظم أبيه زين العابدين ( عليه السلام ) ، وبجوار عم أبيه الإمام الحسن سيد شاب أهل الجنة ( عليه السلام ) .
وأنزل الإمام الصادق أباه ( عليهما السلام ) في مقرّه الأخير فواراه فيه ، وقد وارى معه العلم والحلم ، والمعروف والبر بالناس .
وقد انطوت بِرَحيله ( عليه السلام ) أروع صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية ، التي أمدَّت المجتمع الإسلامي بعناصر الوعي والازدهار .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:43 AM

عبادة الإمام الباقر ( عليه السلام )
الإمام الباقر ( عليه السلام ) عَرَف الله تعالى عن طريق آبائه المعصومين وأجداده الطاهرين ( عليهم لسلام ) معرفة يقينية ، استوعب دخائل نفسه ، فأقبل على رَبِّه ، فاطر السماوات والأرض ، بقلب منيب ، وإخلاصٍ شديد ، وطاعة تامة .
أما مظاهر عبادته ( عليه السلام ) فهي :
أولاً : صلاته ( عليه السلام ) :
روى المؤرخون أنه ( عليه السلام ) كان إذا أقبل على الصلاة اصفَرَّ لونه خوفاً من الله عزَّ وجلَّ ، وخشية منه .
وهو كأبيه الإمام السجاد ( عليه السلام ) في وَرَعه وتُقَاه وتحرُّجِه في الدين .
فقد عرف ( عليه السلام ) عظمة الله تعالى ، خالق الكون ، وواهب الحياة ، معرفة النبيِّين والمتقين .
ويقول الرواة أنه ( عليه السلام ) كان كثير الصلاة ، كثير الدعاء ، كان يصلي في اليوم والليلة مِائة وخمسين ركعة .
ولم تشغله مَرجعيَّته العامَّة للأمّة ، وشؤونه العلمية ، عن كثرة الصلاة ، فكانت الصلاة بالنسبة إليه أعَزُّ شيء عنده ، وقُرَّة عينه ، لأنها الصلَة بينه وبين الله تعالى .
قال عزَّ وجلَّ : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر : 60 .
وجاء في الحَديث الشريف : ( أقْرَبُ ما يَكون العبدُ إلى رَبِّه وهو ساجد ) .
وكان الإمام ( عليه السلام ) يتجه بقلبه وعقله نحو الله رب العالمين ، ليناجيه بانقطاع تام ، وإخلاص شفاف ، وقد أثرت عنه بعض الأدعية .
وعن أدعيته ( عليه السلام ) في صلاته ، روي عن ابنه الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( كنت أمَهِّد لأبي فراشه ، فأنتظره حتى يأتي ، فإذا آوى إلى فراشه ونام ، قمت إلى فراشي .
وقد أبطأ عليّ ذات ليلة ، فأتيتُ المسجد في طلبه ، وذلك بعدما هدأ الناس ، فإذا هو في المَسجِد ساجد ، وليس في المسجد غيره .
فسمعت حنينه وهو يقول : ( سبحانك اللَّهُمَّ ، أنتَ رَبِّي حقاً حقاً ، سَجَدتُ لك يا ربي تَعبُّداً ورِقاً ، اللَّهُمَّ إنَّ عملي ضَعيفٌ فَضَاعِفْه لي ، اللَّهُمَّ قِنِي عَذابَك يوم تَبْعَثُ عبادك ، وتُبْ عَليَّ إنك أنت التوَّاب الرحيم ) .
وروي أنه ( عليه السلام ) كان يقول في السجدة الأولى من صلاته : ( أسألُكَ بحق حبيبك محمد ( صلى الله عليه وآله ) إلا بَدَّلْتَ سَيِّئاتِي حسنات ، وحاسِبْني حِسَاباً يَسيراً ) .
ويقول ( عليه السلام ) في السجدة الثانية : ( أسألك بحق حبيبك محمد ( صلى الله عليه وآله ) إلا ما كَفَيتَني مَؤُونَة الدنيا ، وكل هَولٍ دون الجنة ) .
ثم يقول في السجدة الثالثة : ( أسألك بحق حبيبك محمد ( صلى الله عليه وآله ) لَمَّا أدخلتني الجنة ، وجعلتَني من سُكَّانِها ، ولمَّا نَجَّيتَني من سفعات النار برحمتك ، وصلى الله على محمد وآله ) .
ثم يقول ( عليه السلام ) في الرابعة : ( أسألك بِحَقِّ حبيبك محمد ( صلى الله عليه وآله ) لمَّا غفرت الكثير من ذنوبي والقليل ، وقبلتَ مِنِّي العمل اليسير ) .
هذه الأدعية كما يتوضح منها ، تدل على شِدَّة الإمام ( عليه السلام ) بِتَعلُّقه بالله ، وشِدَّة تَمسُّكه بطاعته ، وعظيم إنابته إليه .
أما أدعيته ( عليه السلام ) في قنوته ، فنذكر منها :
( بِمَنك وكرمك يا من يعلم هواجس السرائر ، ومكامن الضمائر ، وحقائق الخواطر ، يا من هو لِكُلِّ غيب حاضر ، ولك مَنسٍ ذاكر ، وعلى كل شيء قادر ، وإلى الكُلِّ ناظر ، بعد المهل ، وقرب الأجل ، وضعف العمل ، وأرأب الأمل .
وأنت يا الله الآخر كما أنت الأول ، مبيد ما أنشأت ، ومصيرهم إلى البلى ، وتقلدهم أعمالهم ، ومحملها ظهورهم إلى وقت نشورهم من بعثة قبورهم .
عند نفخة الصور ، وانشقاق السماء بالنور ، والخروج بالمنشر إلى ساحة المحشر ، لا ترتد إليهم أبصارهم وأفئدتهم هواء ، متراطمين في غمة مما أسلفوا ، ومطالبين بما احتقبوا ، ومحاسبين هناك على ما ارتكبوا .
الصحائف في الأعناق منشورة ، والأوزار على الظهور مارورة ، لا انفكاك ، ولا مناص ، ولا محيص عن القصاص .
قد أقحمتهم الحجة ، وحَلُّوا في حِيرة المَحجَّة ، وهَمس الضجة ، معدول بهم عن المحجة .
إلا من سبقَتْ له من الله الحسنى ، فنَجا من هول المشهد ، وعظيم المورد ، ولم يكن ممن في الدنيا تمرد ، ولا على أولياء الله تَعنَّد ، ولهم استبعد ، وعنهم بحقوقهم تَفَرَّد .
اللَّهُمَّ فإنَّ القلوب قد بلغت الحناجر ، والنفوس قد علت التراقي ، والأعمار قد نفذت بالانتظار ، لا عن نقص استبصار ، ولا عن اتهام مقدار .
ولكن لما تعاني من ركوب معاصيك ، والخلاف عليك في أوامرك ونهيك ، والتلعب بأوليائك ، ومظاهرة أعدائك .
اللَّهُمَّ فَقرِّب ما قد قرب ، وأورد ما قد دنى ، وحقق ظنون الموقنين ، وبَلِّغ المؤمنين تأميلهم من إقامة حَقِّك ، ونَصر دينك ، وإظهار حُجَّتك ) .
هذا الأدعية وثيقة كاملة ، تحفل بصورة واضحة عن سعة علم الإمام ( عليه السلام ) في جميع حقوق المعرفة ، في الظاهر والخفي ، والمعاد وحشر الناس يوم القيامة ، لعرضهم للحساب أمام الله .
وكل واحد منهم يحمل وزره على ظهره ، ومطالبه بما اقترفه في الدار الدنيا ، ولا ينجو من أهوال ذلك المشهد الرهيب ، إلا من سبقت له من الله الحسنى ، ولم يكن من المستعبدين لعباد الله ، ولا من المتمرِّدين على حقوق الله .
كما يبدو من الدعاء تَعريض بِحُكَّام الأمويِّين ، الذين اتخذوا مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، وإن القلوب قد بَلَغت الحناجر من ظُلمِهم .
ثانياً : ذكره ( عليه السلام ) لله عزَّ وجلَّ :
كان إمامنا الباقر ( عليه السلام ) دائم الذكر لله ، يلهج بذكر الله في أكثر أوقاته ، يمشي ويذكر الله ، ويتحدث مع الناس ويذكر الله ، ولا يشغله عن ذكره تعالى أي شاغل .
وكان يجمع ولده ويأمرهم بذكر الله حتى تطلع الشمس ، كما كان يأمرهم بقراءة القرآن ، ومن لا يقرأ منهم أمره بذكر الله .
وكان أبو جعفر ( عليه السلام ) يناجي الله تعالى في غَلَس الليل البهيم ، وكان مما قاله في مناجاته : ( أمرتَني فلم أئْتَمِر ، وزَجَرْتَني فلم أنزجر ، ها أنذا عبدك بين يديك ) .
ثالثاً : حَجُّه ( عليه السلام ) :
كان الإمام ( عليه السلام ) إذا حَجَّ البيت الحرام انقطع إلى الله تعالى ، وظهر عليه الخشوع والطاعة ، وأناب نفسه كليا إلى رب العالمين .
وقد روى عنه مولاه ( أفلح ) : حججْت مع أبي جعفر محمد الباقر ( عليه السلام ) ، فلما دخل إلى المسجد رفع صوته بالبكاء .
فقلت له : بأبي أنت وأمي ، إن الناس ينظرونك ، فلو خَفضتَ صوتك قليلاً .
فلم يعن به الإمام ( عليه السلام ) وقال له : ( ويْحَك يا أفلح ، إنِّي أرفع صوتي بالبكاء لَعلَّ الله ينظر إليَّ برحمة ، فأفوز بها غداً ) .
ثم طاف ( عليه السلام ) بالبيت ، وركع خلف المقام ، ولما فرغ وإذا بموضع سجوده قد ابتلَّ من دموع عينيه .
وحج ( عليه السلام ) مَرَّة أخرى ، فازدحم الحُجَّاج عليه ، وأخذوا يستفتونه عن مناسكهم ويسألونه عن أمور دينهم ، والإمام ( عليه السلام ) يجيبهم .
فَبُهروا من سِعَة علومه ، وأخذ بعضهم يسأل بعضاً عنه ، حتى انبرى شخص من أصحابه فَعرَّفه لهم قائلاً : ألا أنَّ هذا باقر علم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا مبين السبل ، وهذا خَيرُ من رسخ في أصلاب أصحاب السفينة ، هذا ابن فاطمة الغَرَّاء العَذْراء الزهراء ( عليها السلام ) .
هذا بقية الله في أرضه ، هذا ناموس الدهر ، هذا ابن محمد وخديجة وعلي وفاطمة ( عليهم الصلاة والسلام ) ، هذا منار الدين القائمة ) .
رابعاً : زهده ( عليه السلام ) :
كيف لا يزهد الإمام ( عليه السلام ) وجَدُّه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان زاهداً في جميع مباهج الحياة ؟ فأعرض عن بَهارِجها وزينتها ، فلم يتَّخذ الرياش في داره ، وإنما كان يفرش بمنزله حصيراً .
فنظر ( عليه السلام ) نظرة عميقة في جميع شؤون الحياة ، فزهد في ملاذِّها ، واتجه نحو الله تعالى بقلب منيب .
يقول جابر بن يزيد الجعفي : قال لي محمد بن علي ( عليه السلام ) : ( يا جابر ، إنِّي لَمَحزون ، وإني لمشتغل القلب ) .
فانبرى إليه جابر قائلاً : ما حزنك ، وما شغل قلبك ؟
فأجابه ( عليه السلام ) بما أحزنه وزهده في هذه الحياة قائلاً : ( جابر ، إنَّه من دخل قلبه صافي ويذكر الله عزَّ وجلَّ شغله عما سواه .
يا جابر ، ما الدنيا ؟ ، وما عسى أن تكون ، هل هي إلا مركب ركبته ، أو ثوب لبسته ، أو امرأة أصبتها ؟ ) .
وقد أثرت عنه ( عليه السلام ) كلمات كثيرة في الزهد والإقبال على الله ، والتحذير من غرور الدنيا .
إنه ابن العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) ، الذين أرسلهم الله تعالى لإرشاد الناس إلى الطريق الصحيح ، ليأمروا بالحق ، ولِيَنهوا عن الباطل ، ويعملوا في سبيل الخير والصلاح .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:45 AM

علم الإمام الباقر ( عليه السلام )
قال الشيخ المفيد ( رضوان الله عليه ) : لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) في عِلم الدين ، والآثار ، والسُّنَّة ، وعلم القرآن ، والسيرة ، وفنون الآداب ، ما ظهر من أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) .
وروى عنه بقايا الصحابة ووجوه التابعين وفقهاء المسلمين ، وسارت بذكر كلامه الأخبار ، وأنشدت في مدائحه الأشعار .
قال ابن حجر : صفا قلبه ، وزكا علمه وعمله ، وطهُرت نفسه ، وشرُف خُلُقه ، وعمُرت أوقاته بطاعة الله ، وله من السجايا في مقامات العارفين ما تكلُّ عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف ، لا تحتملها هذه العجالة .
فالعلم محيط كبير ، ومهما بلغ الإنسان من العلم أعلى درجاته ، فإنه سيظل قاصراً في علمه ، ولن يبلغ قطرة واحدة من هذا المحيط الكبير .
لكن الله سبحانه وتعالى حبا صفوة من عباده بالعلم المتدفق الذي لا ينقطع عطاؤه ، ولا حدود لسعة أفقه .
ومن هؤلاء سيدنا ومولانا الرسول الأعظم محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذلك وصيه ووزيره وابن عمه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
والأئمة ( عليهم السلام ) من بعده ، حَمَلة الرسالة ، وهُداة الأمة ، ولا شك أن الإمام الباقر ( عليه السلام ) استمَدَّ علمه من مدينة العلم المُحَمَّدية ، ومن بابها العلوي .
فقال الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأتِ الباب ) .
فجعل الله علم الإمام باقر العلوم ( عليه السلام ) يتفجر بين جوانبه بغزارة ، فلا يتوقف حَدُّه ، ولا يَقلُّ مَدَاه .
وللإمام الباقر ( عليه السلام ) مواقف كثيرة تَدلُّ على سعة علمه ، وغزارة معرفته .
ومنها حينما اجتمع القسيسون والرهبان ، وكان لهم عالم يقعد لهم كل سنة مرة يوماً واحداً يستفتونه فَيُفتيهم .
عند ذلك لَفَّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) نفسه بفاضل ردائه ، ثم أقبل نحو العالِم وقعد ، ورفع الخبر إلى هشام .
فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع ، فينظر ما يصنع الإمام ( عليه السلام ) .
فأقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بالإمام ( عليه السلام ) ، وأقبل عالِم النصارى وقد شَدَّ حاجبيه بخرقه صفراء حتى توسطهم ، فقام إليه جمع من القسيسين والرهبان يُسَلِّمون عليه .
ثم جاءوا به إلى صدر المجلس فقعد فيه ، وأحاط به أصحابه والإمام ( عليه السلام ) بينهم ، وكان مع الإمام ولده الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) .
فأدار العالِم نظره وقال للإمام ( عليه السلام ) : أمِنَّا أم من هذه الأمة المرحومة ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( من هذه الأمة المرحومة ) .
فقال العالِم : من أين أنت ، أَمِنْ علماءها أم من جهالها ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( لَستُ من جُهَّالها ) .
فاضطرب اضطراباً شديداً ، ثم قال للإمام ( عليه السلام ) : أسألك ؟
فقال (عليه السلام ) : ( اِسأل ) .
فقال : من أين ادَّعَيتم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ، ولا يُحدِثون ولا يبولون ؟ وما الدليل على ذلك من شاهدٍِ لا يجهل ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( الجَنِين في بطن أمه يأكل ولا يحدث ) .
فاضطرب النصراني اضطراباً شديداً ، ثم قال : هلا زَعمتَ أنَّك لست من علمائها ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( وَلستُ من جُهَّالها ) .
وأصحاب هشام يسمعون ذلك .
ثم قال : أسألك مسألة أخرى .
فقال ( عليه السلام ) : ( اِسأل ) .
فقال النصراني : من أين ادَّعيتم أن فاكهة الجنة غضَّة ، طريَّة ، موجودة غير معدومة عند أهل الجنة ؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يجهل ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( دَليلُ ما نَدَّعيه أن السِّراج أبداً يكون غضاً ، طرياً ، موجوداً غير معدوم عند أهل الدنيا ، لا ينقطع أبداً ) .
فاضطرب اضطراباً شديداً ، ثم قال : هَلاَّ زعمتَ أنَّك لستَ من علماءها ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( ولستُ من جُهَّالها ) .
فقال النصراني : أسألك مسألة أخرى .
فقال ( عليه السلام ) : ( اِسأل ) .
فقال : أخبرني عن سَاعَة لا من ساعات اللَّيل ولا من ساعات النهار ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( هي الساعة التي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يَهدَأ فيها المُبتَلى ، ويرقد فيها السَّاهر ، ويَفيقُ المغمى عليه ، جعلها الله في الدنيا دليلاً للراغبين ، وفي الآخرة دليلاً للعالمين ، لها دلائل واضحة ، وحجة بالغة على الجاحدين المتكبرين الناكرين لها ) .
فصاح النصراني صيحة عظيمة ، ثم قال : بقيت مسألة واحدة ، والله لأسألنَّكَ مسألة لا تهتدي إلى رَدِّها أبداً .
قال الإمام ( عليه السلام ) : ( سَل ما شِئت ، فإنَّك حانِثٌ في يمينك ) .
فقال : أخبرني عن مولودين ، وُلِدا في يوم واحد ، وماتا في يوم واحد ، عُمْر أحدهما خمسين سنة ، والآخر عُمرُه مِائة وخمسين سنة .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( ذلك عُزير وعُزيرة ، وُلِدا في يوم واحد ، فلمَّا بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين سنة مَرَّ عُزير على حماره وهو راكبه على بلد اسمُهَا ( انطاكية ) ، وهي خاوية على عروشها .
فقال : أنَّى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مِائة عام ، ثم بعثه على حماره بعينه ، وطعامه وشرابه لم يتغير ، وعاد إلى داره ، وأخوه عُزيرة وَوِلْدَه قد شاخوا ، وعُزير شاب في سِن خمسة وعشرين سنة ، فلم يزل يذكر أخاه وولده وهم يذكرون ما يذكره ، ويقولون : ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنين والشهور .
وعُزيرة يقول له وهو شيخ كبير ابن مِائَة وخمسة وعشرين سنة : ما رأيت شاباً ، أعلم بما كان بيني وبين أخي عُزير أيام شبابي منك ، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض ؟
فقال يا عُزيرة : أنا عُزير أخوك ، قد سخط الله عليّ بقول قلتُهُ بعد أن اصْطفاني الله وهداني ، فأماتني مِائة سنة ثم بعثني بعد ذلك لتزدادوا بذلك يقيناً ، أن الله تعالى على كل شيء قدير ، وهذا حماري ، وطعامي ، وشرابي ، الذي خرجت به من عندكم ، أعاده الله تعالى كما كان ، فعند ذلك أيقنوا ، فأعاشه الله بينهم خمسة وعشرين سنة ، ثم قبضه الله تعالى وأخاه في يوم واحد ) .
فنهض عالِم النصارى عند ذلك قائماً ، وقام النصارى على أرجلهم ، فقال لهم عالمهم : جِئْتموني بأعلم منّي ، وأقعدتموه معكم ، حتى هَتَكني وفضحني ، وأعلم المسلمين بأنه أحاط بعلومنا ، وأن عنده ما ليس عندنا .
والله لا كلمتكم من كلمة واحدة ، ولا قعدت لكم إن عشت بعد هذه ، فتفرقوا .
في هذا الموقف نكتشف مدى سعة علم الإمام ( عليه السلام ) ، ورغم ما بلغه من علم فإنه متواضع ، ولا يعتبر نفسه عالماً ، فمن تواضع لله رفعه .
فقد وصل ( عليه السلام ) بالعلم درجة تعجز العقول عن إدراكها ، وتعجز الألسُنُ عن وصفها .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:45 AM

سيرة الامام الصادق عليه السلام

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:48 AM

أمالي الإمام الصادق ( عليه السلام )
أملى الإمام الصادق ( عليه السلام ) على أحد أصحابه ، وهو المفضل بن عمر ، حيث قال ( عليه السلام ) : ( يَا مُفضل ، أوَّلُ العِبَرِ والدَّلالةِ عَلى الباري جَلَّ قُدسُه تهيئةُ هذا العالم ، وتأليفُ أجْزائِهِ ونظمُهَا على ما هي عليه .
فإنَّك إذا تأمَّلت العالَم بِفِكرِكَ وخبرته بِعَقْلِك ، وجدتَهُ كالبيت المبني ، المُعَدُّ فيه جميع مَا يَحتاجُ إليهِ عِبادُه .
فالسَّمَاء مَرفوعَةٌ كالسَّقفِ ، والأرضُ مَمْدودَةٌ كالبِسَاط ، والنُّجُوم مُضيئَة كالمَصَابِيح ، والجواهر مَخزونَة كالذخائِر ، وكُل شَيءٍ فيهِ لشأنِهِ مُعَدٌّ .
والإنْسَانُ كالمَالِك ذَلكَ البَيت ، والمخوّل جَميع مَا فِيه ، وضُروب النَّباتِ مُهيَّأة لِمَآرِبِهِ ، وصنوف الحيوان مَصرُوفَة في مَصَالِحِه ومَنَافِعِه .
ففي هَذا دَلالَة واضِحَة عَلى أنَّ العَالِمَ مَخلوقٌ بتَقديرٍ ، وحِكْمَة ، ونظام ، ومُلاءَمَة ، وأنَّ الخَالِق لَهُ واحِدٌ ، وهو الذي ألَّفَهُ ونظَّمَهُ بَعضاً إلى بَعضٍ .
جَلَّ قُدْسُهُ وتعالى جده وَكَرَم وجْهِهِ ، ولا إلَهَ غَيرَه تَعَالى عَمَّا يَقولُ الجَاحِدونَ ، وجَلَّ وعَظُمَ عَمَّا ينتَحِلُهُ المُلحِدُونَ .
نَبْدأ يَا مُفضل بِذِكْرِ خَلْقِ الإنْسَانِ فاعتَبِرْ بِه ، فأوَّل ذَلِكَ مَا يُدبّرُ بِهِ الجَنين في الرَّحِمِ ، وهو مَحْجوبٌ في ظُلُمَاتٍ ثَلاث : ظُلْمَةُ البَطْنِ ، وظُلْمَةُ الرَّحِمِ ، وظُلْمَةِ المَشِيمَةِ ، حَيثُ لا حِيلَةَ عِندَهُ في طَلَبِ غِذاءٍ ، وَلا دَفْعِ أذىً ، ولا استِجْلابِ مَنْفعَةٍ ، ولا دَفعِ مَضَرَّةٍ ، فإنَّه يَجري إليهِ مِن دَمِ الحَيضِ مَا يغذوه المَاءُ والنَّبَاتُ ، فَلا يزالُ ذَلِكَ غِذاؤُه .
حتَّى إذا كَملَ خَلقُهُ ، واسْتَحْكَمَ بَدَنُهُ ، وقَويَ أدِيمُهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الهَوَاءِ ، وبَصَرُهُ على مُلاقَاةِ الضِّيَاءِ ، هَاجَ الطَّلقُ بأمِّهِ ، فأزْعَجَهُ أشَدَّ إِزْعَاجٍ وأعْنَفَهُ ، حَتَّى يُولَدَ .
فَإذا وُلِدَ صُرِفَ ذَلِك الدَّمِ الَّذي كَانَ يَغذُوهُ مِن دَمِ أمِّه إلى ثَدْيِهَا ، وانقَلَبَ الطَّعمُ واللَّونُ إلى ضَرْبٍ آخَرٍ مِنَ الغِذَاءِ ، وهوَ أشَدُّ مُوافَقَةً لِلمَولُودِ مِن الدَّمِ ، فَيُوَافِيهِ في وَقتِ حَاجَتِهِ إِلَيه .
فَحينَ يُولَدُ قد تَلَمَّظَ ، وحَرَّكَ شَفَتَيهِ طَلَباً للرِّضَاعِ ، فَهو يَجِدُ ثَدي أمِّهِ كالأداوَتَينِ المُعلَّقَتَينِ لِحَاجَتِه ، فَلا يَزَالُ يَتَغذَّى باللَّبَنِ ، مَا دَام رَطِبُ البَدَنِ رَقِيقُ الأمْعَاءِ ، لَيِّنُ الأعْضَاءِ .
حتَّى إِذَا تَحرَّكَ واحتاجَ إلى غِذاءٍ فِيهِ صَلابَة لِيشتَدَّ ويقْوَى بَدَنُه ، طَلَعَتْ لَهُ الطَّوَاحِنُ مِن الأسْنَانِ والأضْرَاسِ ، لِيَمضغَ بها الطَّعَام ، فَيَلينَ عَلَيه ، ويسهل لَهُ إِسَاغَتَهُ .
فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتى يُدركَ ، فإِذا أدْرَكَ وَكانَ ذَكَراً طَلَع الشَّعرُ فِي وَجْهِهِ ، فَكَان ذَلكَ علامَةَ الذَّكَر ، وعِزَّ الرَّجلِ ، الَّذي يَخرُجُ بِهِ مِن جدَّةِ الصِّبَا ، وَشبهِ النِّسَاءِ ، وإنْ كَانَتْ أُنثىً يَبْقَى وَجْهُهَا نَقيّاً مِنَ الشَّعْرِ ، لِتَبقَى لَهَا البَهْجَة والنَّضَارَة الَّتي تُحَرِّك الرَّجُلُ لِمَا فِيهِ دَوام النَّسْلِ وَبَقاؤهُ .
اِعتَبِرْ يَا مُفضَّل فِيما يُدبرُ بِهِ الإِنسان فِي هَذِهِ الأحوالِ المُختَلِفَةِ ، هَلْ تَرى مثلهُ يُمكِنُ أنْ يَكونَ بالإهْمَالِ ؟
أفَرَأيْتَ لَو لَمْ يَجْرِ إِليهِ ذلكَ الدَّم وَهوَ في الرَّحِمِ ألَمْ يَكُنْ سَيَذْوِي وَيَجفُّ كَمَا يَجفُّ النَّباتُ إذَا فَقَدَ المَاءُ ، وَلو لَمْ يُزعِجْه المَخَاضُ عِندَ استِحْكَامِهِ ألَمْ يَكُنْ سَيَبقَى في الرَّحِمِ كالمَؤودِ فِي الأرْضِ ؟
وَلو لَمْ يُوافِقْهُ اللَّبَنُ مَع ولادَتِهِ ألَمْ يَكُنْ سَيمُوتُ جُوعاً ، أوْ يَغْتَذِي بِغداءٍ لا يُلائِمُهُ ، وَلا يَصْلُحُ عَلَيهِ بَدَنُهُ ؟
وَلو لَم تَطْلَعْ لَهُ الأسنَانُ فِي وَقْتِهَا ألم يَكُنْ سَيَمْتَنِعُ عَليهِ مَضْغَ الطَّعَامِ وَإِسَاغَتِهِ ، أوْ يُقيمُهُ عَلَى الرِّضَاعِ فَلا يَشتَدُّ بَدَنُه ، وَلا يَصْلُحُ لِعَمَلٍ ؟ ، ثُمَّ كَانَ يشغلُ أمَّهُ بِنَفسِهِ عَنْ تَربِيَةِ غَيرِهِ مِنَ الأوْلادِ ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:49 AM

الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع هشام بن الحكم
كان عند الإمام الصادق ( عليه السلام ) جماعة من أصحابه ، فيهم هشام بن الحكم وهو شاب ، فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يا هشام ) !
قال : لبيك يا ابن رسول الله .
قال ( عليه السلام ) : ( ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته ) ؟
قال هشام : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، إني أُجِلُّكَ واستحييك ، ولا يعمل لساني بين يديك .
فقال ( عليه السلام ) : ( إذا أمرتكم بشيء فافعلوه ) .
قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة ، فعظم ذلك عليَّ فخرجت إليه ، ودخلت البصرة يوم الجمعة .
وأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة ، وإذا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء مؤتزر بها من صوف وشملة مرتدٍ بها ، والناس يسألونه .
فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت : أيها العالم ! أنا رجل غريب ، أتأذن لي فأسألك عن مسألة ؟
قال عمرو بن عبيد : سَلْ .
قلت له : أَلَكَ عين ؟ قال عمرو : يا بني أي سؤال هذا ؟!!
فقلت : هذه مسألتي . فقال عمرو : يا بني ، سَلْ ، وإن كانت مسألتك حمقاء .
قلت : أجبني فيها . قال : نعم .
قلت : فما تصنع بها ؟ قال : أرى بها الألوان والأشخاص .
قلت : أَلَكَ أنف ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ؟ قال : أَشَمُّ به الرائحة .
قلت : أَلَكَ لسان ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ؟ قال : أتكلم به .
قلت : أَلَكَ أذن ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع بها ؟ قال : أسمع بها الأصوات .
قلت : أَلَكَ يدان ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع بهما ؟ قال : أبطش بهما ، وأعرف بهما اللَّيِّن من الخشن .
قلت : أَلَكَ رجلان ؟ قال : نعم .
قلت فما تصنع بهما ؟ قال : انتقل بهما من مكان إلى آخر .
قلت : أَلَكَ فَم ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ؟ قال : أعرف به المطاعم والمشارب على اختلافها .
قلت : أَلَكَ قلب ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ؟ قال : أُميِّز به كلما ورد على هذه الجوارح .
قلت : أفليسَ في هذه الجوارح غنىً عن القلب ؟ قال : لا .
قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة ؟ قال : يا بني ، إن الجوارح إذا شكَّت في شيء شمَّتهُ أو رأتهُ أو ذاقَتْهُ ، ردَّته إلى القلب فَتَيَقَّنَ لها اليقينُ وأُبطِلَ الشك .
فقلت : فإنما أقام الله عزَّ وجلَّ القلب لشك الجوارح ؟ قال : نعم .
قلت : لا بد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح ؟ قال : نعم .
قلت : يا أبا مروان ، إن الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتى جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح وينفي ما شكَّت فيه ، ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم وشكِّهم واختلافهم ، لا يقيم لهم إماماً يردُّون إليه شكَّهم وحيرتهم ويقيم لك إماماً لجوارحك تَرِدُّ إليه حيرتك وشكك ؟!!
فسكت عمرو ولم يقل لي شيئاً ، ثم التفت إليَّ فقال لي : أنت هشام بن الحكم ؟
فقلت : لا . فقال لي : أَجَالَسْتَهُ ؟
فقلت : لا . قال عمرو : فمن أين أنت ؟
قلت : من أهل الكوفة . قال عمرو : فأنت إذاً هو ، ثمَّ ضمني إليه وأقعدني في مجلسه ، وما نطق حتَّى قمتُ ، فضحك الإمام الصادق ( عليه السلام ) ثم قال : ( يا هشام ، من علَّمَك هذا ) ؟!
قلت : يا ابن رسول الله ، جرى على لساني .
قال ( عليه السلام ) : ( يا هشام ؟! هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى ) .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:50 AM

إِعلام الإمام الصادق ( عليه السلام ) عما في النفس
إِن نفس المؤمن إذا زكت من درن الرذائل عادت كالمرآة الصافية ، ينطبع فيها كل ما يكون أمامها ، ولذا قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( اتَّقوا فَراسَةِ المُؤمن ، فإنهُ ينظرُ بنورِ الله ) ، هذا شأن المؤمن فكيف بإمام المؤمنين ( عليه السلام ) ؟
وهذا الخضر ( عليه السلام ) أعاب السفينة ، وأقام الجدار ، وقتل الغلام ، وما كان ذلك منه إِلا علماً منحه به العليم سبحانه .
فلا عجب إِذن لو أعلم الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن أشياء تتلجلج في النفوس عند إِظهار الكرامة .
فقد دخل عمر بن يزيد على الإمام الصادق ( عليه السلام ) وهو وجع ، وقد ولاه ظهره ووجهه للحائط ، وقد قال عمر في نفسه : ما أدري ما يصيبه في مرضه لو سألته عن الإمام بعده .
فبينا يفكر في ذلك إِذ حوَّل ( عليه السلام ) إليه وجهه ، فقال : ( الأمر ليس كما تظنُّ ، ليس عليَّ من وجعي هذا بأس ) .
ودخل عليه الحسن بن موسى الحنَّاط ، وجميل بن دَرَّاج ، وعائذ الأحمسي ، وكان عائذ يقول : إِن لي حاجة أريد أن أسأله عنها .
فلما سلّموا وجلسوا أقبل بوجهه على عائذ فقال ( عليه السلام ) : ( من أتى الله بما افترض عليه لم يسأله عما سوى ذلك ) .
فغمزهم فقاموا ، فلمّا خرجوا قالوا له : ما كانت حاجتك ؟
قال : الذي سمعتم ، لأني رجل لا أطيق القيام بالليل ، فخفت أن أكون مأخوذاً به فأهلك .
ودخل عليه شهاب بن عبد ربه وهو يريد أن يسأله عن الجنب يغرف الماء من الحِبِّ ؟
فلما صار عنده أنسي المسألة ، فنظر إليه ( عليه السلام ) فقال : ( يا شهاب ، لا بأس أن يغرف الجنب من الحِبِّ ) .
وكان جعفر بن هارون الزَيَّات يطوف بالكعبة ، والإمام ( عليه السلام ) في الطواف ، فنظر إليه الزَيَّات وحدَّثَتْهُ نفسه فقال : هذا حجة الله ، وهذا الذي لا يقبل الله شيئاً إِلا بمعرفته .
فبينا هو في هذا التفكير إِذ جاءه ( عليه السلام ) من خلفه ، فضرب بيده على منكبه ثم قال : ( أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتبَعُهُ إِنَّا إِذَن لَفِي ضَلالٍ وَسُعُر ) القمر : 24 ، ثم جازه .
ودخل عليه خالد بن نجيح الجواز وعنده ناس ، فقنع رأسه وجلس ناحية وقال في نفسه : ويحَكم ما أغفلكم عند مَن تتكلمون ، عند رب العالمين ، فناداه ( عليه السلام ) : ( ويحَك يا خالد ، إِني والله عبد مخلوق ولي رب أعبده ، إِن لم أعبده والله عذّبني بالنار ) .
فقال خالد : لا والله ، لا أقول فيك أبداً إِلا قولك في نفسك .
وهذا قليل من كثير مما روته الكتب الجليلة من الكرامات والمناقب الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ولا غرابة لو ذكرت له الكتب أضعاف ما استطردناه بعد أن أوضحنا في صدر البحث أمر الكرامة .
أجل بعد أن فاتتنا المشاهدة فلا طريق لنا لإثبات الكرامة غير النقل ، وإِن المشاهدة لا تكون إِلا لأفراد من معاصري النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو الإمام ( عليه السلام ) ، فكيف حال الناس مع الكرامة من أهل الأجيال المتأخرة .
هذا سوى الناس من أهل زمانه ممن لم يحضر الكرامة ، فهل طريق إِذن لإثباتها غير النقل .
فالنقل إِن صحَّ لاعتبار المؤلف والراوي فذلك المطلوب ، وإِلا فاعتباره إذا بلغ التواتر لقضية خاصة ، أو لقضايا يحصل من جميعها الاعتقاد بصدور الكرامة من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو الوصي ( عليه السلام ) ، وإِن لم يحصل الاعتقاد بواحدة منها خاصة .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:50 AM

بيان الإمام الصادق ( عليه السلام ) لعظمة الله تعالى
دخل أبو شاكر الديصاني – وهو زنديق ملحد – على الإمام الصادق ( عليه السلام ) وقال : يا جعفر بن محمّد دلِّني على معبودي ! .
فقال له ( عليه السلام ) : ( إجلس ) ، فإذا غلام صغير في كفِّه بيضة ، فقال ( عليه السلام ) : ( ناولني يا غلام البيضة ) ، فناوله إياها .
فقال ( عليه السلام ) : ( يا ديصاني ، هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة ، وفضّة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضَّة الذائبة ، ولا الفضَّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهي على حالها ، لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها ، ولم يدخل فيها داخل مفسد فيخبر عن إفسادها .
لا يُدرى للذكر خلقت أم للأُنْثى ، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس ، أترى له مدبِّراً ) ؟
فأطرق الديصاني مليّاً ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأنك إمام وحجَّة من الله على خلقه ، وأنا تائب إلى الله تعالى ممَّا كنت فيه .

صدرية.حكيمية 23-08-2006 04:51 AM

تعليم الإمام الصادق ( عليه السلام ) جابرا علم الكيمياء
توجّه الإنسان في عصرنا الحاضر إلى ميدان العمل ، مصمِّماً على اجتياز المراحل العسيرة للوصول إلى رحاب المعرفة ، التي تجرِّدُه من الأوهام المضلِّلة ، والأفكار الرديئة ، وتنقله إلى الواقعية المجردة والحقيقة الناصعة .
فما أحرى بنا أن ننضم إلى ركب هذا الإنسان المتطوّر ، السائر بخُطى سريعة نحو الحياة الأفضل ، للتغلب على استبداد الأقدار ، واستعباد الأفكار ، وإبعاد الخرافات ، والرجوع إلى أصدق الروايات ، لنأخذ منها الدروس والعبر ، مُتَجنِّبين الانزلاق في المهاوي السحيقة ، التي طالما أهلكت الحرث والنسل .
فنحن في عالم تغلي مراجله بالحقد والكراهية ، والانقسام والتعصب ، وعلينا أن نقلع عن كل ما يُبعدنا عن المحبة ، والصدق ، والتعاون ، والسلام .
هذه الكلمات الموجزة نستوحيها من تعاليم الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) الذي يستحق إحياء ذكراه ، والانتقال إلى عصره المتقلِّب المتجهم ، لنشاهد الأحداث والوقائع .
ونشهد ببراءة على العباسيين كيف سرقوا الخلافة من أبناء عمومتهم ، ثم قبضوا على ناصيتها بالقوة ، وقتلوا كل من تصدَّى للخلافة ، حتى ولو كان من أحفاد الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله ) .
أما الإمام الصادق ( عليه السلام ) فساعدَهُ حِسّه ، وشعوره ، وعقله الراجح ، في تلك الفترة الحاسمة ، على اجتياز أقسى مرحلةٍ تاريخية .
مدرسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
يُعتبر الإمام الصادق ( عليه السلام ) صاحب مدرسة فكرية كبرى ، كان لها وجود عالمي ، وفضل كبير على الإسلام .
فالإمام الصادق ( عليه السلام ) طلب الحكمة ، وسعى لاكتشاف أسرارها ، وغاص في عميق معانيها ، وفجَّر الينابيع بطاقة العقل ، وصفاء النفس ، وأخذ بيد الإنسان وقاده إلى مناهل المعرفة ، بكلِّ ما فيها من عمق وشمول .
تطبّع الإمام الصادق ( عليه السلام ) بصفات الفضل ، ومحبة العلم ، وتعلَّم من جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) أن يُطعِم حتى لا يبقى لعياله طعاماً ، وأن يكسو حتى لا تبقى لهم كسوة .
وإن إحصاء فضله ( عليه السلام ) ، وسعة علمه ، وآفاق فكره ، وعبقريته ، ضَرْبٌ من المستحيل ، كما أنَّ الإحاطة بتاريخ حياته ( عليه السلام ) من الصعوبة بمكان .
علم الكيمياء :
لا بُدَّ لنا ونحن في رحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) من الوقوف قليلاً لإلقاء نظرة عابرة على علم الكيمياء ، ودور تلميذه جابر بن حيَّان .
الذي أخذ عنه هذا العلم ، وسعى إلى تطويره ، وإخراجه من الجمود ، والسحر ، والشعوذة ، والتدجيل ، والخرافات ، إلى علم يقوم على البحث والاختبار ، ويقود إلى خير الإنسانية ، وسعادتها .
يقول ابن النديم في الفهرست رداً على بعض المصادر المغرضة التي شكّكت في وجود جابر واعتبرته أسطورة وهمية :
الرجل له حقيقة ، وأمره أظهر وأشهر ، وتصنيفاته أعظم وأكثر ، ولهذا الرجل عدداً من الكتب في مذهب الشيعة .
وتؤكد المصادر أنَّ جابراً كان حقيقة وليس أسطورة ، وأنه عاش في النصف الأول من القرن الثامن للميلاد .
وهناك إجماع وتأكيد على اتصاله بـ( البرامكة ) ، الذين كانوا يحافظون على ( التقية ) ، في علاقاتهم بالإمام الصادق ( عليه السلام ) .
ويقول ابن النديم أيضاً : كان جابر بن حيَّان رياضياً ، وفيلسوفاً ، وكيميائياً ، وعالماً بالفلك ، وطبيباً ، له مؤلفات في المنطق ، والفلسفة ، وعلم الباطن ، وغَالى بعضهم فَنَسب إليه اختراع الجبر .
إن هذه الثقافة الموسوعية يصفها جابر في أنه تلقَّاها من سيده الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، ويردُّها جميعها إلى مُلهِمِه الذي يطلق عليه اسم ( معدن الحكمة ) .
ونقول : إنَّ لجابر مؤلفات عديدة في مختلف العلوم ، وقد تكون رسالته في التربية ، وبيان العلاقة بين المعلم والمتعلم أهم ما كتبه .
وتعتبر من روائع الآثار التربوية ، ففيها فصَّل جابر واجبات وحقوق كل من المدرِّس والتلميذ ، ويلتقي فيها مع أحدث الأساليب للدول الحضارية المتقدمة ، صاحبة الأولية في الثقافة ، والعلوم ، والآداب .
ومن الواضح أنَّ جابر ين حيَّان لم يكن الوحيد الذي تَتَلمذ على يد الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، فهناك العديد من العلماء ، والفقهاء ، وأصحاب المذاهب ، انتسبوا إلى مدرسته ( عليه السلام ) ، ودرسوا على يده الفقه ، والحديث ، وعلم الكلام ، والمنطق ، والفلسفة ، واللغة ، والآداب .
والفضل كل الفضل لهذا المُعلِّم الحكيم ، الذي كرَّس حياته لخدمة الإسلام دون تمييزٍ بين فِرَقِه ، وطوائفه ، ومذاهبه .
كيمياء ابن حيَّان :
لا بُدَّ لنا من عودة إلى كيمياء جابر ، وأقواله عن المعادن وطبيعتها ، وأجناسها ، وأصلها ، وكيفية صهرها ، وإذابتها ، وتحليلها ، وتحويلها .
وقد أيَّد ابن سينا ما ذكره جابر ، ولكنَّه ذهب إلى العمق في تأويلها ، وأفصح عن وجهها وجوهرها ، في كتابه ( الشفاء ) قائلاً : إن المعادن كالنفوس ، فمنها الغث والثمين ، والنافع والضار ، والنفيس والخسيس ، ويأتي ( الإكسير ) معها .
وقد بالغوا بالحديث عنه ، ووصفوه أنه يحوِّل المعادن كلياً ، وينقلها من الخسيس إلى النفيس .
ويروي لنا جابر أنَّه استعمله في الطب ، وشفى به أمراضاً مستعصية مزمنة ، وهنا يقول ابن سينا في كتابه المذكور : من المستحيل تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة بواسطة ( الإكسير ) ، ولكن بالإمكان بواسطته إدخال التحسينات على بعض المعادن ، وإعطائها البريق ، واللمعان ، لكي تصبح في مستوى المعادن الأصيلة .
وابن سينا هنا يؤيد أقوال الشيعة ، ويتفق مع جابر في تشبيه ( الإكسير ) بالعلوم الإمامية ، الصادرة إلى المستجيب .
فإنها تصقل نفسه ، وتغيِّر واقعه ، وتجعله كالجوهرة النقيَّة الصافية ، المتطلعة أبداً إلى الحُبِّ ، والخير ، والجمال ، ولعلَّ التأويل والرمز ، والمثل والمَمثول ، تدخل في موضوع ( الإكسير ) .


الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 02:27 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025