منتديات أنا شيعـي العالمية

منتديات أنا شيعـي العالمية (https://www.shiaali.net/vb/index.php)
-   منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام (https://www.shiaali.net/vb/forumdisplay.php?f=63)
-   -   الإمام الصادق عليه السلام (https://www.shiaali.net/vb/showthread.php?t=99172)

خادم الأميرة 11-07-2010 12:24 PM

الامام الصادق عليه السلام مع هشام بن الحكم
 
الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع هشام بن الحكم

كان عند الإمام الصادق ( عليه السلام ) جماعة من أصحابه ، فيهم هشام بن الحكم وهو شاب ، فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يا هشام ) !
قال : لبيك يا ابن رسول الله .
قال ( عليه السلام ) : ( ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته ) ؟
قال هشام : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، إني أُجِلُّكَ واستحييك ، ولا يعمل لساني بين يديك .
فقال ( عليه السلام ) : ( إذا أمرتكم بشيء فافعلوه ) .
قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة ، فعظم ذلك عليَّ فخرجت إليه ، ودخلت البصرة يوم الجمعة .
وأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة ، وإذا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء مؤتزر بها من صوف وشملة مرتدٍ بها ، والناس يسألونه .
فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت : أيها العالم ! أنا رجل غريب ، أتأذن لي فأسألك عن مسألة ؟
قال عمرو بن عبيد : سَلْ .
قلت له : أَلَكَ عين ؟ قال عمرو : يا بني أي سؤال هذا ؟!!
فقلت : هذه مسألتي . فقال عمرو : يا بني ، سَلْ ، وإن كانت مسألتك حمقاء .
قلت : أجبني فيها . قال : نعم .
قلت : فما تصنع بها ؟ قال : أرى بها الألوان والأشخاص .
قلت : أَلَكَ أنف ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ؟ قال : أَشَمُّ به الرائحة .
قلت : أَلَكَ لسان ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ؟ قال : أتكلم به .
قلت : أَلَكَ أذن ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع بها ؟ قال : أسمع بها الأصوات .
قلت : أَلَكَ يدان ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع بهما ؟ قال : أبطش بهما ، وأعرف بهما اللَّيِّن من الخشن .
قلت : أَلَكَ رجلان ؟ قال : نعم .
قلت فما تصنع بهما ؟ قال : انتقل بهما من مكان إلى آخر .
قلت : أَلَكَ فَم ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ؟ قال : أعرف به المطاعم والمشارب على اختلافها .
قلت : أَلَكَ قلب ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ؟ قال : أُميِّز به كلما ورد على هذه الجوارح .
قلت : أفليسَ في هذه الجوارح غنىً عن القلب ؟ قال : لا .
قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة ؟ قال : يا بني ، إن الجوارح إذا شكَّت في شيء شمَّتهُ أو رأتهُ أو ذاقَتْهُ ، ردَّته إلى القلب فَتَيَقَّنَ لها اليقينُ وأُبطِلَ الشك .
فقلت : فإنما أقام الله عزَّ وجلَّ القلب لشك الجوارح ؟ قال : نعم .
قلت : لا بد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح ؟ قال : نعم .
قلت : يا أبا مروان ، إن الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتى جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح وينفي ما شكَّت فيه ، ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم وشكِّهم واختلافهم ، لا يقيم لهم إماماً يردُّون إليه شكَّهم وحيرتهم ويقيم لك إماماً لجوارحك تَرِدُّ إليه حيرتك وشكك ؟!!
فسكت عمرو ولم يقل لي شيئاً ، ثم التفت إليَّ فقال لي : أنت هشام بن الحكم ؟
فقلت : لا . فقال لي : أَجَالَسْتَهُ ؟
فقلت : لا . قال عمرو : فمن أين أنت ؟
قلت : من أهل الكوفة . قال عمرو : فأنت إذاً هو ، ثمَّ ضمني إليه وأقعدني في مجلسه ، وما نطق حتَّى قمتُ ، فضحك الإمام الصادق ( عليه السلام ) ثم قال : ( يا هشام ، من علَّمَك هذا ) ؟!
قلت : يا ابن رسول الله ، جرى على لساني .
قال ( عليه السلام ) : ( يا هشام ؟! هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى ) .

خادم الأميرة 11-07-2010 12:25 PM

بيان الإمام الصادق ( عليه السلام ) لعظمة الله تعالى
 
بيان الإمام الصادق ( عليه السلام ) لعظمة الله تعالى

دخل أبو شاكر الديصاني – وهو زنديق ملحد – على الإمام الصادق ( عليه السلام ) وقال : يا جعفر بن محمّد دلِّني على معبودي ! .
فقال له ( عليه السلام ) : ( إجلس ) ، فإذا غلام صغير في كفِّه بيضة ، فقال ( عليه السلام ) : ( ناولني يا غلام البيضة ) ، فناوله إياها .
فقال ( عليه السلام ) : ( يا ديصاني ، هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة ، وفضّة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضَّة الذائبة ، ولا الفضَّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهي على حالها ، لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها ، ولم يدخل فيها داخل مفسد فيخبر عن إفسادها .
لا يُدرى للذكر خلقت أم للأُنْثى ، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس ، أترى له مدبِّراً ) ؟
فأطرق الديصاني مليّاً ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأنك إمام وحجَّة من الله على خلقه ، وأنا تائب إلى الله تعالى ممَّا كنت فيه .

خادم الأميرة 11-07-2010 12:36 PM

الإمام الصادق عليه السلام
 
عِلم الإمام الصادق ( عليه السلام )

إنَّ الأئمة من أهل البيت ( عليه السلام ) مخلوقون من نُورٍ وَاحِد ، وهُم أكمَلُ أهلِ زَمَانِهِم في كُلِّ صِفَة فاضلة .
ولمَّا كانَت مُقتضَيات الزمان ومظاهر تلك الصفات فيهم متفاوتة بحسب الأزمان ، كان ظُهور آثارها منهم متفاوتاً بحسب الظروف .
فمثلاً آثارُ الشجاعة عند الإمامين علي وابنه الحسين ( عليهما السلام ) كانت ظاهرة فيهما ، لِمتَطلَّبات الدور الذي كانا عليهما أن يؤدِّيانه .
أما الإمام الصادق ( عليه السلام ) فقد ظَهَرَت عليه إمارات العلم ، ولا يَعني هذا أنَّه ( عليه السلام ) لم يَكنْ شَجاعاً ، لأنَّ الدور الذي أُمِرَ به هو التقيَّة والمُدَاراة .
فكلُّهم ( عليهم السلام ) مشتركون في الشجاعة ، وكلهم مشتركون في العلم ، وفي باقي الصفات الكمالية .
فتلقَّى الإمام الصادق ( عليه السلام ) العلوم والمعارف عن آبائه ، عن جَدِّهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقام بِمَهَامِّهِ الشرعية كَإمَامٍ مسؤولٍ عن نشر الشريعة وحِفْظِ أصَالَتِها ، عن طَريق تأسيسِ جَامِعة أهل البيت في المسجد النبوي الشريف .
فأخذ الإمام الصادق ( عليه السلام ) ينشر العلم والمعرفة ، بين الفقهاء ، والمفسرين ، والمحدِّثين ، ورُوَّاد العُلوم المُختَلِفة ، فَتَتَلْمَذَ عَليه أئِمَة الفقه ، وعنهم أخذَ رُوَاة الحَديثِ .
لذلك نجدُ العلماءَ ، والفقهاءَ ، والمحدِّثينَ ، والفلاسفَةَ ، والمتكلِّمينَ ، وعُلمَاءَ الطبيعةِ ، وغيرهم ، يشهَدونَ بِمَجْدِ الإمامِ الصادق ( عليه السلام ) العِلمي ، ويشيدُونَ بِمَقَامِه .
فقال الشيخ المفيد : ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتَشَر ذِكرُه في البُلدان .
فإنَّ أصحابَ الحَديثِ قد جمعوا أسمَاءَ الرُوَاة عنه من الثُقَاتِ على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فَكَانوا أربعَةَ آلافِ رَجُل .
ويقولُ أحدُ الرُوَاة : أدركْتُ في هَذا المَسجِد [ مسجد الكوفة ] تِسعمِائةَ شيخٍ ، كلٌّ يَقول : حَدَّثني جَعفَر بن مُحمَّد ( عليهما السلام ) .

خادم الأميرة 11-07-2010 12:42 PM

فضائل الامام الصادق عليه السلام
 
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف يا ارحم الراحمين
فضائل الإمام الصادق ( عليه السلام )

قال محمَّد بن طلحة في الإمام الصادق ( عليه السلام ) : هو من عُظمَاء أهل البيت وساداتهم ، ذو علوم جَمَّة ، وعبادة موفورة ، وزهادة بيِّنة ، وتلاوة كثيرة ، يتبع معاني القرآن الكريم ، ويستخرج من بحره جواهره ، ويستنتج عجائبه .
ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات ، بحيث يحاسب عليها نفسه ، رؤيته تذكِّر بالآخرة ، واستماع كلامه يُزهد في الدنيا ، والاقتداء بِهُداه يورِث الجنة .
نور قَسَمَاتِهِ شاهدٌ أنه من سُلالة النبوة ، وطهارة أفعاله تصدع أنه من ذريَّة الرسالة .
نُقل عنه الحديث ، واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمَّة وأعلامهم ، مثل : يحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن جريح ، ومالك بن أنس ، والثوري ، وابن عيينة ، وأبو حنيفة ، وشعبة وأبو أيُّوب السجستاني ، وغيرهم ، وعدُّوا أخذهم عنه منقبة شُرِّفوا بها ، وفضيلة اكتسبوها .
وذكر أبو القاسم البغار في مسند أبي حنيفة : قال الحسن بن زياد : سمعت أبا حنيفة وقد سئل : من أفقه مَن رأيت ؟
قال : جعفر بن محمد ، لمَّا أقدمه المنصور بعث إليَّ فقال : يا أبا حنيفة ، إنَّ الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمد ، فهيِّئ لي من مَسَائِلك الشداد .
فهيَّأت له أربعين مسألة ، ثم بعث إليَّ أبو جعفر ، وهو بالحيرة فأتيتُه .
فدخلتُ عليه ، وجعفر جالس عن يمينه ، فلمَّا بصرت به ، دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر .
فسلَّمتُ عليه ، فأومأ إليَّ فجلستُ ، ثم التفت إليه ، فقال : يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة .
قال ( عليه السلام ) : ( نَعَمْ ، أعرفُهُ ) .
ثم التفتَ إليَّ فقال : يا أبا حنيفة ، ألقِ على أبي عبد الله من مسائلك ، فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول : ( أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ) ، فربمَّا تابعنا وربَّما تابعهم ، وربَّما خالفنا جميعاً .
حتى أتيت على الأربعين مسألة ، فما أدخل منها بشيء ، ثم قال أبو حنيفة : أليس أنَّ أعلم الناس أعلمُهم باختلاف الناس .
وعن مالك بن أنس : جعفر بن محمَّدٍ اختلفتُ إليه زماناً ، فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال : إما مُصَلٍّ ، وإمَّا صائم ، وإمَّا يقرأ القرآن .
وما رأتْ عَينٌ ، ولا سمعت أذنٌ ، ولا خَطَر على قلب بشرٍ ، أفضل من جعفر بن محمد الصادق ، علماً ، وعِبادة ، وَوَرَعاً .
وعن أبي بحر الجاحظ - مع عِدائه لأهل البيت ( عليهم السلام ) - : جعفر بن محمَّد الذي ملأ الدُنيا علمُهُ وفقهُه ، ويقال : إنَّ أبا حنيفة من تلامذته ، وكذلك سفيان الثوري ، وحسبك بهما في هذا الباب .
وأمَّا مناقبه وصفاته تفوق عدد الحاصر ، ويُحَار في أنواعها فهمُ اليقظ الباصر ، حتى أن من كثرة علومه المُفاضَة على قلبه من سجال التقوى ، صارت الأحكام التي لا تدرك عِلَلُها ، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحُكمِها ، تُضاف إليه ، وتروى عنه .
وقال ابن الصبّاغ المالكي : كان جعفر الصادق ( عليه السلام ) من بين أخوته ، خليفةَ أبيه ، ووصيَّه ، والقائمَ بالإمامة بعده ، برز على جماعة بالفضل ، وكان أنبهَهُم ذِكراً ، وأجلَّهُم قدراً .
نقل الناس عنه من العلوم ما سَارَتْ به الركبان ، وانتشر صِيته وذكره في البلدان ، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقلوا عنه من الحديث .
فإذا تتبَّعت كتب التاريخ ، والتراجم ، والسير ، تقف على نَظيرِ هذه الكلمات وأشباها ، كلها تُعرِب عن اتِّفاق الأمَّة على إمامته في العلم والقيادة الروحية ، وإنِ اختلفوا في كونه إماماً منصوصاً من قِبَل الله عزَّ وجلَّ ، فذهبت الشيعة إلى الثاني ، نظراً إلى النصوص المتواترة المذكورة في مَظانِّها .

خادم الأميرة 11-07-2010 12:44 PM

مواجهة الامام الصادق عليه السلام للأفكار المنحرفة
 
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف يا أرحم الراحمين
مواجهة الإمام الصادق ( عليه السلام ) للأفكارِ المُنحرِفة

اتَّسم العصرُ الذي عاشَهُ الإمام الصادق ( عليه السلام ) بظهور الحركات الفِكريَّة ، ووُفُورِ الآراءِ الاعتقاديَّة الغريبة إلى المجتمع الإسلامي .
وأهمُّها عنده هي حركة الغُلاة الهدَّامة ، الذين تطلَّعَتْ رؤوسهم في تلك العاصفة الهوجاء إلى بَثِّ روح التفرِقَة بين المسلمين .
وترعْرَعَتْ بناتُ أفكارهم في ذلك العصر ليقوموا بمهمَّة الانتصار لِمَبادِئِهم التي قضى عليها الإسلام .
فقدِ اغتَنَموا الفُرصَة في بَثِّ تلك الآراء الفاسدة في المجتمع الإسلامي ، فكانوا يبثُّونَ الأحاديثَ الكاذبة ، ويسندونها إلى حَمَلَةِ العِلم من آل مُحمَّدٍ ، ليغرِّروا به العامَّة .
فكان المغيرة بن سعيد يدَّعي الاتِّصال بأبي جعفر الباقر ، ويروي عنه الأحاديث المكذوبة ، فأعلَن الإمامُ ‌الصادق ( عليه السلام ) كذبَه والبراءةَ منه .
وأعطى الإمام ( عليه السلام ) لأصحابه قاعدةً في الأحاديث التي تروى عنه ، فقال ( عليه السلام ) : ( لا تَقبَلوا عَليْنا حَديثاً إِلاَّ مَا وَافَقَ القُرآنَ وَالسُّنَّةَ ، أوْ تَجِدُونَ مَعَه شَاهِداً مِنَ أحَادِيثِنَا المُتقدِّمَة ) .
ثم إن الإمام ( عليه السلام ) قام بهداية الأمَّة إلى النهج الصواب ، في عصرٍ تضارَبَتْ فيه الآراء والأفكار واشتَعَلَتْ فيه نار الحرب بين الأمويِّين ومُعارِضيهم من العباسيِّين .
ففي ‌تلك الظروف الصعبة و القاسية استغلَّ الإمام ( عليه السلام ) الفرصة ، فنشر من أحاديثِ جَدِّه المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، وعلوم آبائه ( عليهم السلام ) ما سارت به الرُكبان ، وتربَّى على يَديه آلافُ من المحدِّثين والفقهاء .
ولقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقاة - على اختلافِ آرائهم ومقالاتهم - فكانوا أربعة آلاف رَجُل ، وهذِه سِمَة امتاز بها الإمام الصادق ‌عن غَيرِه من الأئمَّة ( عليهم السلام ) .
شرع الإمام ( عليه السلام ) بالرواية عن جدِّه و آبائه ( عليهم السلام ) عندما اندفع المسلمون إلى تدوين أحاديث ‌النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد الغفلة التي استمرَّت إلى عام ( 143 هـ ) .
حيث اختلط آنذاك ‌الحديث الصحيح بالضعيف ، وتسرَّبت إلى السُنَّة العديد من الروايات الإسرائيلية ‌الموضوعة من قبل أعداء الإسلام ، من الصليبيِّين والمجوس ، بالإضافة إلى ‌المختَلَقَات والمجعولات على يد علماء السلطة ، ومرتزقة البلاط الأموي .
ومِن هنا فقد وجد الإمام ( عليه السلام ) أنَّ أمر السنَّة النبوية قد بدأ يأخذ اتِّجاهات خطيرة ، ‌وانحرافات واضحة .
فعمد ( عليه السلام ) للتصدِّي لهذه الظاهرة الخطيرة ، وتفنيد الآراء الدخيلة على الإسلام ، والتي تسرَّب الكثير منها نتيجة الاحتكاك الفكري والعقائدي بين المسلمين وغيرهم .
إن تلك الفترة شكَّلتْ تحدِّياً خطيراً لوجود السنة النبوية ، وخلطاً فاضحاً في كثير من ‌المعتقدات ، لذا فإنَّ الإمام ( عليه السلام ) كان بحقٍّ سَفينَة النجاة من هذا المُعتَرَك العَسِر .
إن علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) متوارثة عن جَدِّهم المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي أخذها عن الله تعالى بواسطة الأمين جبرائيل ( عليه السلام ) ، فلا غرو أن تجدَ الأمَّة ضالَّتها فيهم ( عليهم السلام ) ، وتجدُ مَرْفأ الأمان في هذه اللُّجَجِ العظيمة .
ففي ذلك الوقت ، حيث أخذ كلٌّ يحدِّث عن مجاهيل ونكرات ، ورموز ضعيفة ومطعونة ، أو أسانيد مشوَّشة ، تجد أنَّ الإمام الصادق ( عليه السلام ) يقول : ( حَديثِي حَديثُ أبِي ( عليه السلام ) ، وحَديثُ أبي حَديثُ جَدِّي ( عليه السلام ) ، وحَدِيثُ جَدِّي حَديثُ عَليِّ بن أبي طَالِب ( عليه السلام ) ، وحَديثُ عَليٍّ حَديثُ رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ، وحَديثُ رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) قولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ) .
بَيْدَ أنَّ ما يثير العجب أن تجدَ من يُعرض عن دَوحَةِ النُبوَّة إلى رجالٍ قَدْ كانوا وبالاً على الإسلام وأهلِه ، وتلك وَصْمَةُ عارٍ وتقصيرٍ لا عُذرَ فيه ، خُصُوصاً في صَحيح البُخاري .

خادم الأميرة 11-07-2010 12:47 PM

وصايا الإمام الصادق عليه السلام
 
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف يا أرحم الراحمين
وصايا الإمام الصادق ( عليه السلام )

ما أكثر الغالي من نصائحه والثمين من وصاياه ، فإنّه ( عليه السلام ) لم يترك نهجاً للنصح إِلاّ سلكه ، ولا باباً للإرشاد إِلاّ ولَجه ، وفي هذا المضمار نذكر بعض وصاياه ( عليه السلام ) .
1ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَن أُعطِيَ ثَلاثاً لم يُمنَع ثلاثاً ، مَن أُعطِيَ الدعاءَ أُعطِيَ الإِجَابة ، ومَن أُعطِيَ الشكرَ أُعطِيَ الزيادة ، ومَن أُعطِيَ التوكُّلَ أُعطِيَ الكفاية ) .
ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( أَتَلَوْتَ كتاب الله عزَّ وجلَّ : ( ادْعُونِي أَستَجِبْ لَكُمْ ) ، وقال : ( وَلَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ ) ، وقال : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلُ عَلى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ ) .
2ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِذَا أرادَ أحدُكُم ألاَّ يَسأَل اللهَ شيئاً إِلا أَعطَاهُ فَلْيَيأَس مِن النَّاسِ كُلِّهِم ، وَلا يَكُون لَهُ رجاءً إِلاّ عِند الله ، فَإِذا عَلِمَ اللهُ عزَّ وجلَّ ذلك مِن قَلبِهِ لم يَسأل اللهَ شيئاً إِلاّ أَعطَاهُ ) .
3ـ قال ( عليه السلام ) : ( اِسمَعوا مِنِّي كَلاماً هُوَ خَير مِن الدُهم المُوَقَّفة ، لا يتكلّمُ أَحَدُكم بِمَا لا يَعنِيه ، وَلْيَدَع كَثيراً مِن الكلامِ فِيما يَعنِيه ، حَتّى يَجِدَ له موضعاً ، فَرُبَّ مُتكلِّمٍ في غير موضِعِه جَنَى على نفسِه بكلامه ، ولا يُمارِيَنَّ أحدكم سَفيهاً ولا حليماً ، فإنَّ مَن مَارَى حَليماً أقصَاه ، ومَن مَارَى سَفِيهاً أرداه ، واذكُروا أخَاكم إِذَا غاب عنكم بِأَحسَنِ مَا تُحبُّونَ أن تُذكروا بِهِ إِذا غِبتُم ، واعمَلُوا عمل من يَعلمُ أَنَّه مُجازَى بِالإِحسَان ) .
4ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِذا خَالطتَ النَّاسَ فَإنِ استطعتَ ألاَّ تُخالطَ أحداً مِنهُم إِلاَّ كَانت يَدَك العُليَا عليه فافعل ، فإنَّ العبدَ يكون فيه بعضُ التقصيرِ مِن العِبادة ، وَيَكون له حُسن الخُلق ، فَيُبلِغُهُ اللهُ بِخُلقهِ درجةَ الصائمِ القائم ) .
5ـ قال ( عليه السلام ) للمفضَّل بن عمر الجعفي : ( أوصيك بِسِتِّ خِصالٍ تُبَلِّغُهُنَّ شيعتي ) .
قال : وما هي يا سيّدي ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( أَداءُ الأمانةِ إِلَى من ائْتَمَنَكَ ، وَأَن تَرضى لأَخِيكَ مَا تَرضَى لِنَفسِكَ ، واعلَم أنَّ للأُمُور أَوَاخِر ، فَاحذَرِ العَواقِبَ ، وأنَّ للأُمُور بَغتَاتٌ ، فَكُن عَلَى حَذَرٍ ، وَإِيَّاكَ وَمُرتَقَى جَبَلٍ سَهلٍ إِذا كَانَ المُنحَدَرُ وَعراً ، وَلا تَعِدنَّ أخَاكَ وَعداً ليس في يَدِك وَفَاؤُهُ ) .
6ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا تَمزحْ فيذهبُ نُورُك ، ولا تَكذِب فَيذهبُ بَهاؤُك ، وَإِيَّاك وخِصلتين : الضَّجَر ، والكَسَل ، فإنَّك إِن ضجرتَ لا تَصبِرُ على حَقٍّ ، وَإِن كَسلتَ لم تُؤَدِّ حَقاً ) .
7ـ قال ( عليه السلام ) : ( وَكان المَسيحُ ( عليه السلام ) يقولُ : مَن كَثُرَ هَمُّه سَقم بَدنُه ، ومَن سَاء خُلقه عذَّب نفسَه ، وَمَن كَثُر كلامه كَثُر سقطه ، وَمَن كَثُر كَذِبُهُ ذهبَ بهاؤه ، وَمَن لاحَى الرِّجَال ذَهبَتْ مرُوَّتُه ) .
8ـ قال ( عليه السلام ) : ( تَزَاوَرُوا ، فإنَّ في زيارَتِكُم إِحياءً لِقُلوبِكُم ، وَذِكراً لأحَادِيثِنَا ، وأحاديثُنا تعطفُ بعضَكم عَلى بعضٍ ، فإن أَخذتُم بِها رُشِدتُم وَنَجَوتُم ، وإِن تَرَكتُمُوهَا ظَلَلتُم وهَلَكتُم ، فَخُذُوا بِها وأنَا بِنَجَاتِكُم زَعِيم ) .
9ـ قال ( عليه السلام ) : ( اِجعَلُوا أمرَكُم هذا للهِ ولا تجعلوهُ للنَّاس ، فإنَّه ما كان لله فَهُوَ لله ، وَما كان للنَّاس فَلا يَصعدُ إِلَى السَّمَاء ، ولا تخاصمُوا بِدِينِكُم ، فإنّ المُخَاصَمَة مُمرضَةٌ للقلب ، إِنَّ الله عزَّ وجلَّ قال لنبيِّه ( صلى الله عليه وآله ) : ( إِنَّكَ لا تَهدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَنْ يَشَاءُ ) ، وقال : ( أَفَأَنْتَ تُكرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) .
ذَرُوا الناس فإنّ الناسَ قد أخذوا عن الناسِ ، وإِنّكم أخذتُم عن رسولِ الله ( صلَّى الله عليه وآله ) وَعَن عَليٍّ ( عليه السلام ) وَلا سَوَاء ، وَأنِّي سمعتُ أبي يقولُ : إذا كَتبَ الله عَلى عبدٍ أن يُدخلَهُ في هذا الأمرِ كَان أسرعُ إِليه مِن الطيرِ إِلى وَكْرِهِ ) .
10ـ قال ( عليه السلام ) : ( اِصبِرُوا على الدنيا فإنَّما هيَ سَاعةٌ ، فما مضى منها فلا تجد له ألماً ولا سُروراً ، وما لم يجئ فلا تدري مَا هُو ، وَإِنّما هي ساعتُك التي أنت فِيها ، فَاصبِر فِيها على طَاعة اللهِ ، واصبِر فيها عن معصيةِ الله ) .
11ـ قال ( عليه السلام ) : ( اِجعل قَلبَكَ قريباً بِرّاً ، وولداً مواصلاً ، واجعلْ عَمَلَك والداً تتبعُهُ ، واجعلْ نفسك عَدوّاً تُجَاهِدُهُ ، واجعل مَالَكَ عَارِيةٌ تَرُدُّهَا ) .
12ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِن قَدرتَ ألا تُعرَف فَافعل ، ما عليك ألا يُثنِي عليك النَّاس ، وما عليك أن تكون مَذمُوماً عند الناس إذا كُنتَ مَحمُوداً عِندَ الله ) .
13ـ قال ( عليه السلام ) : ( الدعاء يردُّ القَضَاء ما أُبرِمَ إِبرَاماً ، فَأَكثِرْ مِن الدعاء فإنّه مفتاحُ كلِّ رَحمة ، وَنجاحُ كلِّ حاجة ، ولا يُنَالُ ما عند الله عزَّ وجلَّ إِلاّ بالدعاء ، وأنَّه ليس باباً يكثرُ قرعه إِلاّ ويوشَكُ أن يُفتحَ لصاحِبِه ) .
14ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا تَطعنوا في عيوبِ مَن أقبلَ إِليكم بمودَّته ، ولا تُوقفُوه على سَيِّئَة يخضع لها ، فإنَّها لَيست مِن أخلاقِ رسولِ الله ( صَلَّى الله عليه وآله ) وَلا مِن أخلاق أوليائه ) .
15ـ قال ( عليه السلام ) : ( أَحسِنُوا النَّظر فيما لا يَسَعُكُم جَهلُه ، وانصحُوا لأنفُسِكُم ، وجاهدوا في طلب ما لا عُذر لكم في جَهلِه ، فإنَّ لِدِينِ الله أركاناً لا تنفعُ من جَهِلَهَا شدَّة اجتهاده في طلب ظَاهرِ عِبَادتِهِ ، ولا يَضرُّ من عرفها فَدَانَ بها حُسن اقتِصَاده ، ولا سبيلَ إلى أحدٍ إلى ذلك إِلاّ بِعَوْنٍ مِنَ الله عزَّ وجلَّ ) .
16ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِيَّاكم وعِشرة الملوك وأبناءِ الدنيا ، فَفِي ذلكَ ذِهابُ دِينِكم ، وَيُعقِّبُكُم نِفَاقاً ، وذلك دَاء رَدِيٌّ لا شِفَاءَ له ، وَيُورثُ قَسَاوَة القلبِ ، وَيسلبكم الخُشُوع .
وعليكم بالإشكال من النَّاس والأوساط من النَّاس ، فَعِندهُم تَجِدُون مَعَادنَ الجواهر ، وَإِيَّاكُم أن تمدُّوا أطرافكم إِلَى ما في أيدي أبناء الدنيا ، فَمَن مَدَّ طرفه إلى ذلك طَال حُزنُهُ ، ولم يُشفِ غَيظَه ، واستَصغَرَ نِعمَةَ الله عنده ، فَيَقِلُّ شُكرُه لله ، وَانظُرْ إِلى مَن هُوَ دُونَكَ فَتَكونَ لأَِنْعُمِ الله شَاكراً ، وَلِمَزِيدِهِ مُستَوجِباً ، وَلِجُودِهِ سَاكناً ) .
17ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِذا هَمَمْتَ بشيءٍ من الخير فلا تُؤَخِّره ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ رُبَّما اطَّلَعَ على العبد وهو على شيء من الطاعة فيقول : وَعِزَّتِي وَجَلالِي لا أُعَذِّبُكَ بعدهَا أبداً ) .
وقال ( عليه السلام ) أيضاً : ( وإذا هَمَمْتَ بِسيِّئَةٍ فَلا تعمَلها فَإِنَّهُ رُبَّمَا اطَّلعَ عَلى العبدِ وهو على شيءٍ من المَعصِية ، فيقول : وعِزَّتي وَجَلالِي لا أغفر لك بعدها أبداً ) .
18ـ قال ( عليه السلام ) لابنه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( يا بُني اِقبل وصيَّتي ، واحفظ مقالتي ، فإنّك إِن حفظتها تعِش سعيداً ، وتمُت حميداً ، يا بُني إِنَّ من قنعَ استغنى ، ومن مدَّ عينيه إِلى ما في يد غيره مات فقيراً ، ومن لم يرضَ بما قسمَه الله لهُ اتَّهم الله في قضائه ، ومَن استصغر زلّة نفسه استكبر زلّة غيره .
يا بُني من كشف حِجاب غيره انكشف عورته ، ومن سلَّ سيف البغي قُتل به ، ومن احتفر لأخيه بئراً سقط فيها ، ومن داخَل السُفهاء حُقّر ، ومن خالط العُلماء وُقّر ، ومن دخلَ مداخِل السوء اتُّهم ، يا بُني قُل الحقّ لك أو عليك ، وإِيّاك والنميمة فإنَّها تزرع الشحناء في قُلوب الرجال .
يا بُني إِذا طلبت الجُود فعليكَ بمعادنه ، فإنّ للجود معادِن ، وللمعادِن أُصولاً ، وللأُصول فروعاً ، وللفروع ثمراً ، ولا يطيبُ ثمر إِلاّ بفرع ، ولا أصل ثابت إِلاّ بمعدن طيّب ، يا بُني إِذا زرت فزُر الأخيار ، ولا تزُر الأشرار ، فإنَّهم صخرة صمّاء لا ينفجر ماؤها ، وشجرة لا يخضّر ورقها ، وأرض لا يظهر عشبها ) .

خادم الأميرة 11-07-2010 12:50 PM

مواقف الإمام الصادق عليه السلام مع حكام الجور اقرأ وتعلم
 
اللهم صل على محمد وآل محمد
مواقف الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع حكام الجور

عايش الإمام الصادق ( عليه السلام ) الحكَّام الأمويين ، من عبد الملك بن مروان ، حتى سقوط الحكم الأموي سنة ( 132 هـ ) .
ثم آلَتْ الخلافة بعد ذلك إلى بني العباس ، فعاصر من خلفائهم أبا العباس السفاح ، وشطراً من خلافة أبي جعفر المنصور ، بحوالي عشر سنوات .
وقد شاهد بنفسه خلال مُدَّة إمامته مِحنة آل البيت ( عليهم السلام ) ، وآلام الأمة ، وشكواها ، إلاَّ أنه لم يكن يملك القدرة على التحرك .
لذلك نجد الإمام ( عليه السلام ) انصرف عن الصراع السياسي المكشوف إلى بناء المقاومة بناءً علمياً ، وفكرياً ، وسلوكياً ، يحمل روح الثورة .
وبهذه الطريقة راحَ الإمام ( عليه السلام ) يربِّي العلماء ، وجماهير الأمة ، على مقاطعة الحُكَّام الظلمة ، ومقاومتهم ، عن طريق نشر الوعي العقائدي ، والسياسي ، والتفَقُّه في أحكام الشريعة .
ونورد الآن بعض ما كان من الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع أبي جعفر المنصور ، وَوُلاتِه ، من المواقف التي يُعلِنُ ( عليه السلام ) فيها بالحقِّ ، غير مكترثٍ بما له من سطوة ، ولولاته من قسوة :

بعض مواقفه ( عليه السلام ) من المنصور :



الموقف الأول :


سأل المنصورُ الإمامَ ( عليه السلام ) يوماً عن الذُّباب ، وهو يَتَطايح على وجهه ، حتَّى أضجره ، قائلاً : يا أبا عبد الله ، لِم خلق اللهُ الذباب ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( لِيُذلَّ به الجبابرة ) .
فسَكَت المنصور علماً منه أنه لو ردَّ عليه لوخزه بما هو أمضُّ جرحاً ، وأنفذ طعناً .

الموقف الثاني :


كتب المنصور إلى الإمام ( عليه السلام ) في إحدى المرَّات : لِم لا تغشانا كما تغشانا الناس ؟
فأجابه ( عليه السلام ) : ( لَيسَ لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فَنُهنِّيك ، ولا تَراها نقمة فَنُعزِّيك ، فما نصنع عندك ) .
فكتب المنصور إليه ( عليه السلام ) : تصحبنا لتنصحنا .
فأجابه ( عليه السلام ) : ( مَنْ أرادَ الدُّنيا لا ينصحك ، ومَنْ أرادَ الآخِرَة لا يَصحبُك ) .
فقال المنصور : والله لقد مَيَّز عندي منازل من يريد الدنيا مِمَّن يريد الآخرة ، وإنه ممَّن يريد الآخرة لا الدنيا .

الموقف الثالث :


استقدم المنصور الإمام الصادق ( عليه السلام ) مرَّة ، وهو - المنصور - غضبان عليه .
فلما دخل الإمام ( عليه السلام ) على المنصور قال المنصور له : زعم أوغاد الحِجاز ورعاع الناس أنك حَبْر الدهر ، وناموسه ، وحُجَّة المعبود وترجمانه ، وعَيبةَ عِلمه ، وميزان قسطه ، ومصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى ضياء النور .
وأن الله لا يقبل من عامل جهل حدَّك في الدنيا عملاً ، ولا يرفع له يوم القيامة وزناً ، فنسبوك إِلى غير حدِّك .
وقالوا فيك ما ليس فيك ، فقل ، فإنَّ أوَّل من قال الحقَّ جدُّك ، وأوَّل من صدَّقه عليه أبوك ، وأنت حريٌّ أن تقتصَّ آثارهما ، وتسلك سبيلهما .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( أنا فرع من فروع الزَّيتُونة ، وقِنديل من قناديل بيت النبوة ، وأديب السفرة ، وربيب الكرام البررة ، ومِصباح من مصبايح المِشكاة ، التي فيها نور النور ، وصفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر ) .
فالتفت المنصور إلى جلسائه فقال : هذا قد حَالَني على بحر مَوَّاج ، لا يُدرَك طرفه ، ولا يبلغ عمقه ، تُحارُ فيه العلماء ، ويغرقُ فيه السُبَحاء ، ويضيق بالسابح عرض الفضاء .
هذا الشجى المعترض في حلوق الخلفاء ، الذي لا يجوز نفيه ، ولا يحلُّ قتله ، ولولا ما تجمعني وإِيَّاه شجرة طاب أصلها ، وبسق فرعها ، وعَذِب ثمرها ، وبُورِكت في الذَر ، وقُدِّست في الزُبُر ، لكان مِنِّي ما لا يُحمَد في العواقب ، لِمَا يبلغني عنه من شِدَّة عَيبهِ لنا ، وسوء القول فينا .
فقال ( عليه السلام ) : ( لا تُقبلُ في ذي رَحمك ، وأهل الرعاية من أهل بيتك ، قولُ من حرَّم الله عليه الجنة ، وجعل مأواه النار ، فإن النمَّام شاهدُ زور ، وشريك إبليس في الإغراء بين الناس .
فقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات 6 .
ونحن لك أنصار وأعوان ، ولملكك دعائم وأركان ، ما أمرت بالمعروف والإحسان ، وأمضيت في الرعيَّة أحكام القرآن ، وأرغمت بطاعَتِك لله أنف الشيطان ، وإِن كان يجب عليك في سِعَة فهمك ، وكثرة علمك ، ومعرفتك بآداب الله ، أن تَصِلَ من قطعك ، وتعطي من حَرَمك ، وتَعفو عَمَّن ظلمك ) .
فقال المنصور : قد صَفَحتُ عنك لقدرك ، وتجاوزتُ عنك لِصِدقك ، فَحدثني عن نفسك بحديثٍ أتَّعِظُ به ، ويكون لي زاجر صِدقٍ عن الموبقات .
فقال ( عليه السلام ) : ( عليك بالحِلم ، فإنَّه رُكن العلم ، واملك نفسك عند أسباب القدرة ، فإنك إِن تفعلْ ما تقدر عليه كُنتَ كَمَن شفى غيظاً ، أو تداوى حقداً ، أو يحبُّ أن يذكر بالصولة ، واعلم بأنَّك إن عاقبت مستحقّاً لم تكن غاية ما توصف به إِلا العدل ، والحال التي توجب الشكر ، أفضل من الحال التي توجب الصبر ) .
فقال المنصور : وعظتَ فأحسنتَ ، وقلتَ فأوجَزْت .
نقول : إِن أمثال هذه المواقف تعطينا دروساً وافيه عمَّا كان عليه أهل ذلك العصر ، من سياسة ، وعلم ، واعتقاد ، وغيرها ، وهنا نستطيع أن نتعرَّف عِدَّة اُمور :

الأمر الأول :


إِن المنصور يريد ألا يظهر الإمام الصادق ( عليه السلام ) بمظهر الإمامة ، فحاوَلَ أن يخدعه أمام الناس بتلك الكلمات الليِّنة .
وهنا تعرف دَهَاء المنصور ، لأن العبَّاسيِّين إِنما تربَّعوا على العرش باسم الإمامة والخلافة ، فلو كان هناك إِمام آخر يَرى شَطر من الأمة أنه - الإمام الآخر - صاحب المنبر والتاج لا يتم لهم - للعباسيِّين - أمرٌ .
ويريد المنصور ألا يعارضه أحدٌ في سلطانه ، فكان يدافع عن عرشه بالشدَّة مرَّةً ، وباللِّين أخرى .
فكان من سياسته أن جَابَه الإمام ( عليه السلام ) أمام المَلأ بهذا القول ، وحسب أنَّ الإمام ( عليه السلام ) سوف يبطل ما يقوله الناس فيه ، وبه يحصل ما يريد ، وهو يعلم أنَّ الإمام ( عليه السلام ) لا يجابهه بالردِّ ، وذلك حذراً من سطوته .

الأمر الثاني :


إنَّ الإمام ( عليه السلام ) إمامٌ بجعل إِلهي ، والإمامة في أهل البيت ( عليهم السلام ) وفي الإمام الصادق ( عليه السلام ) ليست وليدة عصر المنصور ، وإنما هي من عهد صاحب الرسالة ( صلى الله عليه وآله ) .
فالإمام الصادق ( عليه السلام ) وقَع بين أمرين : إِن جارى ( عليه السلام ) المنصور فقد أبطل إِمامة إِلهية ، وإِن عارضه ( عليه السلام ) لا يأمن من شرِّه .
ومن ثَمَّ أجاب الإمامُ ( عليه السلام ) المنصورَ بكلماتٍ مُجمَلة ، لا تصرِّح بالإمامة ، ولا تبطل قول الناس فيه .
ولذا قال المنصور : هذا قد حَالَني على بَحرٍ مَوَّاج ، لا يُدرَكُ طرفُه .. .

الأمر الثالث :


إن قولنا - نحن الشيعة - في الإمام ( عليه السلام ) من ذلك اليوم على ما هو عليه اليوم ، لأن هذا ما تقتضيه أصول المذهب ، وتدلُّ عليه أخبار أهل البيت ( عليهم السلام ) وآثارهم .

الأمر الرابع :


إِن سكوت الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وعدم إبطاله لأن يكون كما يقول الناس ، برهان على أن حقيقة الإمامة ، كما يحكيها المنصور عن الناس .
ولو كانت حقيقتها غير هذا لقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : إِن هذا الرأي والقول باطل ، بل لوجب عليه إِعلام الناس بِبُطلانه ، ورَدْعهم عن هذا المُعتَقَد .

الأمر الخامس :


إِن القائل بإمامة الصادق ( عليه السلام ) خَلقٌ كثير من الناس ، ممَّا جعل المنصور يفكِّر فيه ، ويخشى من اتِّساعه ، ومن عقباه ، فحاوَلَ أن يتذرَّع بالإمام الصادق ( عليه السلام ) لمكافحته .

الأمر السادس :


إِن المرء بأصغريه ، فالإمام الصادق ( عليه السلام ) لو لم تسبق الأخبار والآثار عن منزلته ، لكان في مثل كلامه ، ومثل موقفه ، هذا دلالة على ما له ( عليه السلام ) من مقام .
أتراه ( عليه السلام ) كيف حَادَ عن جواب المنصور بما حَيَّره ، ومن دون أن يصرِّح بخلاف ما حكاه عن الشيعة ، ودون أن يصرِّح بصحَّة ما يرون ؟ .
وكيف وعيت ذلك البيان منه عن نفسه ، ببليغ من القول ، وجليل من المعنى ، وكيف وعظَ ( عليه السلام ) المنصور بما يوافق شأن الملوك ، وما يتَّفق وابتلاءهم كثيراً ؟ .
وهذا بعض ما يمكن استنباطه من هذا الموقف ، وفهم حال الناس ذلك اليوم ، وكفى به عن سواه .

من مواقفه ( عليه السلام ) من وُلاة المنصور :


للإمام الصادق ( عليه السلام ) مواقف كثيرة مع وُلاة المنصور ، نذكر من تلك المواقف الموقف الآتي :
جاء إِلى المدينة والياً من قبل المنصور ، رجل يقال له شَيبة بن عفال ، يقول عبد الله بن سليمان التميمي : فلما حضرت الجمعة صار شيبة إلى مسجد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فرقى المنبر ، وحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن علي بن أبي طالب شقَّ عصا المسلمين ، وحارب المؤمنين ، وأراد الأمر لنفسه ، ومنعه أهله .
فحرَّمه الله عليه ، وأماته بغصَّته ، وهؤلاء وُلده يتبعون أثره في الفساد ، وطلب الأمر بغير استحقاق له ، فهم في نواحي الأرض مقتولون ، وبالدماء مضرّجون .
فعظُم هذا الكلام منه على الناس ، ولم يجسر أحد منهم أن ينطق بحرف ، فقام إليه رجل فقال : ونحمد الله ، ونُصلِّي على محمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ،وعلى رُسُل الله وأنبيائه ( عليهم السلام ) أجمعين .
أمَّا ما قلت من خير فنحن أهله ، وأمَّا ما قلت من سوء فأنت وصاحبُك به أولى ، فاختبر يا من ركب غير راحلته ، وأكَلَ غير زاده ، اِرجع مأزوراً .
ثم أقبل على الناس فقال : ألا أنبئكم بأخلى الناس ميزاناً يوم القيامة ، وأبيَنَهم خسراناً ، من باع آخرته بدنيا غيره ، وهو هذا الفاسق .
فأسكت الناس ، وخرج الوالي من المسجد ولم ينطق بحرف ، فسألت عن الرجل ، فقيل لي : هذا جعفر ، بن محمد ، بن علي ، بن الحسين ، بن علي ، بن أبي طالب ( عليهم السلام ) .
نقول : هذا موقف من مواقفه ( عليه السلام ) من رجال المنصور ، دعاه إلى الشدَّة فيها الغضب للحق ، حين وجد أنَّ الكلام أولى من السكوت ، وإن أبدى فيها صفحته للسيف .

خادم الأميرة 11-07-2010 12:51 PM

مناظرة الإمام الصادق عليه السلام مع طبيب هندي
 
اللهم صل على محمد وآل محمد
مناظرة الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع طبيب هندي

حضر الإمام الصادق ( عليه السلام ) مجلس المنصور يوماً ، وعنده رجل من الهند يقرأ كتب الطب ، فجعل ( عليه السلام ) ينصت لقراءته ، فلمّا فرغ الهندي قال له : يا أبا عبد الله أتريد ممّا معي شيئاً ؟ قال ( عليه السلام ) : ( لا ، فإنّ معي ما هو خير ممّا معك ) ، قال : وما هو ؟
قال ( عليه السلام ) : ( أداوي الحار بالبارد ، والبارد بالحار ، والرطب باليابس ، واليابس بالرطب ، وأردّ الأمر كلّه إلى الله عزّ وجل ، وأستعمل ممّا قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأعلم أنّ المعدة بيت الداء ، وأنّ الحمية هي الدواء ، وأعوّد البدن ما اعتاد ) .
فقال الهندي : وهل الطبّ إِلاّ هذا ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( أفتراني عن كتب الطبّ أخذت ؟ ) قال : نعم ، قال ( عليه السلام ) : ( لا والله ، ما أخذت إِلاّ عن الله سبحانه ، فأخبرني أنا أعلم بالطبّ أم أنت ؟ ) فقال الهندي : لا ، بل أنا ، فقال ( عليه السلام ) : ( فأسألك شيئاً ) ، قال : سل .
قال ( عليه السلام ) : ( أخبرني يا هندي : لِمَ كان في الرأس شؤن ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ جعل الشعر عليه من فوقه ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ خلت الجبهة من الشعر ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ كان لها تخطيط وأسارير ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ كان الحاجبان من فوق العينين ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ جعل العينان كاللوزتين ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ جعل الأنف فيما بينهما ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فَلِمَ كان ثقب الأنف في أسفله ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فَلِمَ جعلت الشفّة والشارب من فوق الفم ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فَلِمَ احتدَّ السنّ وعرض الضرس وطال الناب ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ جعلت اللحية للرجال ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ خلت الكفّان من الشعر ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ خلا الظفر والشعر من الحياة ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ كان القلب كحبّ الصنوبر ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ كانت الرئة قطعتين ؟ وجعل حركتها في موضعها ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ كانت الكبد حدباء ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ كانت الكلية كحبّ اللوبياء ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ جعل طيّ الركبتين إلى خلف ؟ ) قال : لا أعلم .
قال ( عليه السلام ) : ( فلِمَ تخصّرت القدم ؟ ) قال : لا أعلم .
فقال ( عليه السلام ) : ( لكنّي أعلم ) ، قال : فأجب .
قال ( عليه السلام ) : ( كان في الرأس شؤن لأنّ المجوّف إِذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع ، فإذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد ، وجعل الشعر من فوقه لتوصل بوصوله الأدهان إلى الدماغ ، ويخرج بأطرافه البخار منه ، ويردّ الحرّ والبرد عليه ، وخلت الجبهة من الشعر لأنّها مصبّ النور إلى العينين .
وجعل فيها التخطيط والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس إلى العين ، قدر ما يميطه الإنسان عن نفسه ، وهو كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه ، وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردّا عليهما من النور قدر الكفاية ، ألا ترى يا هندي أنّ من غلبه النور جعل يده على عينيه ، ليردّ عليهما قدر كفايتهما منه ، وجعل الأنف فيما بينهما ليقسّم النور قسّمين إلى كل عين سواء .
وكانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ، ويخرج منها الداء ، ولو كانت مربّعة أو مدوّرة ما جرى فيها الميل ، وما وصل إليها دواء ، ولا خرج منها داء ، وجعل ثقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المتحدّرة من الدماغ ، ويصعد فيه الأراييح إلى المشام ، ولو كان في أعلاه لما نزل منه داء ، ولا وجد رائحة .
وجعل الشارب والشفّة فوق الفم ، لحبس ما ينزل من الدماغ إلى الفم ، لئلا يتنغّص على الإنسان طعامه وشرابه ، فيميطه عن نفسه ، وجُعلت اللحية للرجال ليستغنى بها عن الكشف في المنظر ، ويعلم بها الذكر من الأُنثى ، وجعل السنّ حادّاً لأنّه به يقع العض ، وجعل الضرس عريضاً لأنّه به يقع الطحن والمضغ ، وكان الناب طويلاً ليسند الأضراس والأسنان ، كالاسطوانة في البناء .
وخلا الكفّان من الشعر لأنّ بهما يقع اللمس ، فلو كان فيهما شعر ما درى الإنسان ما يقابله ويلمسه ، وخلا الشعر والظفر من الحياة لأنّ طولهما سمج يقبح وقصّهما حسن ، فلو كانت فيهما حياة لألم الإنسان قصّهما ، وكان القلب كحبّ الصنوبر لأنّه منكس ، فجعل رأسه دقيقاً ليدخل في الرئة فيتروّح عنه ببردها ، لئلا يشيط الدماغ بحرّه .
وجُعلت الرئة قطعتين ليدخل بين مضاغطها ، فيتروّح عنه بحركتها ، وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة ، ويقع جميعها عليها فيعصرها ، ليخرج ما فيها من البخار ، وجعلت الكلية كحبّ اللوبياء ، لأنّ عليها مصبّ المني نقطة بعد نقطة ، فلو كانت مربّعة أو مدوّرة احتبست النقطة الأُولى إلى الثانية ، فلا يلتذّ بخروجها الحي ، إِذ المني ينزل من فقار الظهر إلى الكلية ، فهي كالدودة تنقبض وتنبسط ترميه أوّلاً ، فأوّلاً إلى المثانة كالبندقة من القوس .
وجعل طيّ الركبة إلى خلف ، لأنّ الإنسان يمشي إلى ما بين يديه ، فتعتدل الحركتان ، ولولا ذلك لسقط في المشي ، وجُعلت القدم مخصّرة ، لأنّ المشي إذا وقع على الأرض جميعه ثَقل ثُقل حجر الرحى ، فإذا كان على طرقه دفعه الصبي ، وإذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل ) .
فقال له الهندي : من أين لك هذا العلم ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( أخذته عن آبائي ( عليهم السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن جبرائيل عن ربّ العالمين جلّ جلاله ، الذي خلق الأبدان والأرواح ) .
فقال الهندي : صدقت ، وأنا أشهد أن لا إِله إِلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله وعبده ، وأنّك أعلم أهل زمانه .

خادم الأميرة 11-07-2010 12:54 PM

مناظرة للإمام الصادق عليه السلام حول التوحيد
 
اللهم صل على محمد وآل محم وعجل فرجهم الشريف
مناظرة الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع الزنديق حول التوحيد

عن هشام بن الحكم ، قال : كان بمصر زنديق يبلغه عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) أشياء ، فخرج إلى المدينة ليناظره ، فلم يصادفه بها ، وقيل : إِنّه خارج بمكّة ، فخرج إلى مكّة ونحن مع أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، فصادفنا ونحن في الطواف ، وكان اسمه عبد الملك ، وكنيته أبو عبد الله .
فضرب كتفه كتف الإمام ( عليه السلام ) ، فقال له : ( ما اسمك ؟ ) قال : عبد الملك ، قال : ( فما كنيتك ؟ ) قال : أبو عبد الله ، فقال ( عليه السلام ) : ( فمن هذا الملك الذي أنت عبده ؟ أمن ملوك الأرض أم ملوك السماء ؟ وأخبرني عن ابنك عبد إِله السماء أم عبد إِله الأرض ؟ قل ما شئت تخصم ) ، فلم يحر جواباً .
ثمّ أنّ الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال له : ( إذا فرغت من الطواف فأتنا ) ، فلمّا فرغ ( عليه السلام ) أتاه الزنديق ، فقعد بين يديه ونحن مجتمعون عنده ( عليه السلام ) ، فقال أبو عبد الله للزنديق : ( أتعلم أنّ للأرض تحتاً وفوقاً ؟ ) .
قال : نعم ، قال : ( فدخلت تحتها ؟ ) قال : لا ، قال : ( فما يدريك ما تحتها ؟ ) قال : لا أدري إِلاّ أنّي أظن أن ليس تحتها شيء ، فقال ( عليه السلام ) : ( فالظنّ عجز فلِم لا تستيقن ) ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( أفصعدت إلى السماء ؟ ) قال : لا ، قال : ( أفتدري ما فيها ؟ ) قال : لا .
قال : ( عجباً لك لم تبلغ المشرق ، ولم تبلغ المغرب ، ولم تنزل إلى الأرض ، ولم تصعد إلى السماء ، ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهنّ ، وأنت جاحد بما فيهنّ ، فهل يجحد العاقل ما لا يعرف ؟ ) ، قال الزنديق : ما كلّمني بها أحد غيرك ، فقال ( عليه السلام ) : ( فأنت من ذلك في شكّ فلعلّه هو ، ولعلّه ليس هو ) ، فقال الزنديق : ولعلّ ذلك .
فقال ( عليه السلام ) : ( أيّها الرجل ليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم ، ولا حجّة للجاهل ، يا أخا أهل مصر تفهم عنّي ، فإنّا لا نشكّ في الله أبداً ، أمّا ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان فلا يشتبهان ويرجعان ، قد اضطرّا ليس لهما مكان إِلاّ مكانهما ، فإنّ كانا يقدران على أن يذهبا فلِم يرجعان ؟ وإن كانا غير مضطرّين ، فلِم لا يصير الليل نهاراً والنهار ليلاً ؟ اضطرّا والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما ، والذي اضطرّهما أحكم منهما وأكبر ) .
فقال الزنديق : صدقت ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( يا أخا أهل مصر إِنّ الذي تذهبون إليه وتظنّون أنّه الدهر ، إِن كان الدهر يذهب بهم فلِم لا يردّهم ؟ وإِن كان يردّهم لِم لا يذهب بهم ؟ القوم مضطرّون يا أخا أهل مصر ، لِم السماء مرفوعة والأرض موضوعة ؟ لِم لا تنحدر السماء على الأرض ؟ لِم لا تنحدر الأرض فوق طباقها ؟ ولا يتماسكان ولا يتماسك مَن عليها ؟ ) .
قال الزنديق : أمسكهما الله ربّهما سيّدهما ، قال : فآمن الزنديق على يدي الإمام ( عليه السلام ) ، فقال حمران بن أعين : جعلت فداك إِن آمنت الزنادقة على يدك فقد آمن الكفّار على يد أبيك ، فقال المؤمن الذي آمن على يدي الإمام ( عليه السلام ) : اجعلني من تلامذتك .
فقال ( عليه السلام ) : ( يا هشام بن الحكم خذه إليك ) ، فعلّمه هشام ، وكان معلّم أهل الشام وأهل مصر الإيمان ، وحسنت طهارته حتّى رضي بها ( عليه السلام ) .
وجاء إلى الإمام الصادق ( عليه السلام ) زنديق آخر ، وسأله عن أشياء نقتطف منها ما يلي : قال له : كيف يعبد الله الخلق ولم يروه ؟ قال ( عليه السلام ) : ( رأته القلوب بنور الإيمان ، وأثبتته العقول بيقظتها إِثبات العيان ، وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإِحكام التأليف ، ثمّ الرسل وآياتها ، والكتب ومحكماتها ، واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته ) .
قال : أليس هو قادر أن يظهر لهم حتّى يروه فيعرفونه فيُعبد على يقين ؟ قال ( عليه السلام ) : ( ليس للمحال جواب ) .
أقول : إِنّما الرؤية تثبت للأجسام ، وإِذا لم يكن تعالى جسماً استحالت رؤيته ، والمحال غير مقدور لا من جهة النقص في القدرة بل النقص في المقدور .
قال الزنديق : فمن أين أثبت أنبياءً ورسلاً ؟ قال ( عليه السلام ) : ( إِنّا لمّا أثبتنا أنَّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا ، وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا أن يلامسوه ، ولا أن يباشرهم ويباشروه ، ويحاجّهم ويحاجّوه ، ثبت أنّ له سفراء في خلقه وعباده ، يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم .
فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، وثبت عند ذلك أنّ لهم معبّرين ، وهم الأنبياء وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدّبين بالحكمة ، مبعوثين عنه ، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ، مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد ، من إِحياء الموتى ، وإِبراء الأكمة والأبرص ) .
ثمّ قال الزنديق : من أيّ شيء خلق الأشياء ؟ قال ( عليه السلام ) : ( من لا شيء ) ، فقال : كيف يجيء شيء من لا شيء ؟
قال ( عليه السلام ) : ( إِنّ الأشياء لا تخلو : إِمّا أن تكون خلقت من شيء ، أو من غير شيء ، فإن كانت خلقت من شيء كان معه ، فإنّ ذلك الشيء قديم ، والقديم لا يكون حديثاً ، ولا يتغيّر ، ولا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهراً واحداً ولوناً واحداً ، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة ، والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتّى ؟
ومن أين جاء الموت إِن كان الشيء الذي أُنشئت منه الأشياء حيّاً ؟ أو من أين جاءت الحياة إِن كان ذلك الشيء ميّتاً ؟ ولا يجوز أن يكون من حيّ وميّت قديمين لم يزالا ، لأنّ الحيّ لا يجيء منه ميّت ، وهو لم يزل حيّاً ، ولا يجوز أيضاً أن يكون الميّت قديماً لم يزل لما هو به من الموت ، لأنّ الميّت لا قدرة به ولا بقاء ) .
أقول : إِنّ هذا الأمر على دقّته قد أوضحه الإمام بأحسن بيان ، وردّده بين أُمور لا يجد العقل سلواها عند الترديد ، وحقّاً إِن كان الشيء الذي خلقت الأشياء منه قديماً لزم أن يكون مع الله تعالى شيء قديم غير مخلوق له ، ولو فرض أنّه مخلوق له عاد الكلام الأوّل ، أنّه من أيّ شيء كان مخلوقاً ؟ هذا غير أنّ القديم لا يكون حادثاً ، والميّت لا يكون منه الحي ، والحي لا يكون منه الميّت ، والحياة والممات لا يتركّبان ، ولو تركّبا عاد الكلام السابق .
فإنّ الموت لا يصلح أن يكون في الأشياء الحيّة ، ولا بقاء ولا دوام ليكون باقياً إِلى أن خلق الله منه الأشياء الحيّة ، فلا بدّ إِذن من أن يكون تعالى قد خلق الأشياء من لا شيء .
ثمّ قال الزنديق : من أين قالوا : إِنّ الأشياء أزلية ؟ قال : ( عليه السلام ) : ( هذه مقالة قوم جحدوا مدبّر الأشياء فكذّبوا الرسل ومقالتهم ، والأنبياء وما أنبأوا عنه ، وسمّوا كتبهم أساطير ، ووضعوا لأنفسهم ديناً بآرائهم واستحسانهم ، وإِنّ الأشياء تدلّ على حدوثها من دوران الفلك بما فيه ، وهي سبعة أفلاك ، وتحرّك الأرض ومن عليها ، وانقلاب الأزمنة ، واختلاف الحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان ، وموت وبلى ، واضطرار الأنفس إلى الإقرار بأنّ لها صانعاً ومدبّراً ، ألا ترى الحلو يصير حامضاً ، والعذاب مرّاً ، والجديد بالياً ، وكلّ إلى تغيّر وفناء ) .
أقول : إِنّ الاستدلال بانقلاب الأزمنة ودوران الفلك من أدقّ الأدلّة العلمية على حدوث العالم ، الذي قصرت عنه إفهام كثير من الفلاسفة العظام ، كما أنّه جعل الفلك الدائر فلكاً واحداً ، ثمّ تفسيره بالأفلاك السبعة ، لا ينطبق إِلاّ على نظرية الهيئة الحديثة ، إِذ يراد به النظام الشمسي ، ومثله تصريحه بحركة الأرض التي لم يكن يحلم بها أحد من السابقين ، وهي من مكتشفات العلم الحديث .

خادم الأميرة 11-07-2010 12:59 PM

مناظرة الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع رؤساء المعتزلة
 
اللهم صل على محمد وآل محمد
مناظرة الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع رؤساء المعتزلة

دخل على الإمام الصادق ( عليه السلام ) أُناس من رؤساء المعتزلة ، وفيهم عمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء ، وحفص بن سالم ، وذلك حين قتل الوليد ، واختلف أهل الشام بينهم ، فتكلّموا وأكثروا ، وخطبوا فأطالوا .
فقال لهم الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إِنّكم قد أكثرتم عليّ فأطلتم ، فأسندوا أمركم إلى رجل منكم ، فليتكلّم بحجّتكم وليوجز ) ، فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد فأبلغ وأطال .
فكان فيما قال : قتَل أهلُ الشام خليفتهم ، وضرب الله بعضهم ببعض ، وتشتّت أمرهم ، فنظرنا فوجدنا رجلاً له دين وعقل ومروّة ومعدن للخلافة ، وهو محمّد بن عبد الله بن الحسن ، فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه ، ثمّ نظهر أمرنا معه ، وندعو الناس إليه ، فمن بايعه كنّا معه وكان معنا ، ومن اعتزلنا كففنا عنه ، ومن نصب لنا جاهدناه ، ونصبنا له على بغيه ، ونردّه إلى الحق وأهله ، وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك ، فإنّه لا غناء لنا عن مثلك ، لفضلك وكثرة شيعتك .
فلمّا فرغ ، قال ( عليه السلام ) : ( أكلّكم على مثل ما قال عمرو ؟ ) قالوا : نعم ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمّ قال : ( إِنّما نسخط إذا عُصي الله ، فإذا أُطيع الله رضينا ، أخبرني يا عمرو : لو أنّ الأمّة قلّدتك أمرها ، فملكته بغير قتال ولا مؤونة ، فقيل لك : ولّها من شئت ، مَن تولّي ؟ ) .
قال : كنت أجعلها شورى بين المسلمين ، قال ( عليه السلام ) : ( بين كلّهم ؟ ) قال : نعم ، قال ( عليه السلام ) : ( بين فقهائهم وخيارهم ؟ ) قال : نعم ، قال ( عليه السلام ) : ( قريش وغيرهم ؟ ) قال : العَرب والعجم ، قال ( عليه السلام ) : ( يا عمرو أتتولّى أبا بكر وعمر أو تتبرّأ منهما ؟ ) قال : أتولاهما .
قال ( عليه السلام ) : ( يا عمرو إِن كنت رجلاً تتبرّأ منهما ، فإنّه يجوز لك الخلاف عليهما ، وإِن كنت تتولاهما فقد خالفتهما ، قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ، ولم يشاور أحداً ، ثمّ ردّها أبو بكر عليه ، ولم يشاور أحداً ، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستة ، فأخرج منها الأنصار غير أولئك الستة من قريش ، ثمّ أوصى الناس فيهم بشيء ، ما أراك ترضى به أنت ولا أصحابك ) .
قال : وما صنع ؟ قال ( عليه السلام ) : ( أمر صهيباً أن يصلّي بالناس ثلاثة أيّام ، وأن يتشاور أولئك الستة ليس فيهم أحد سواهم ، إِلاّ ابن عمر يشاورونه ، وليس له من الأمر شيء ، وأوصى مَن بحضرته من المهاجرين والأنصار إِن مضت الثلاثة أيّام ولم يفرغوا ويبايعوا أن يضرب أعناق الستة جميعاً ، وإِن اجتمع أربعة قبل أن يمضي ثلاثة أيّام وخالف اثنان ، أن يضرب أعناق الاثنين ، أفترضون بذا فيما تجعلون من الشورى في المسلمين ؟ ) .
قالوا : لا ، قال ( عليه السلام ) : ( يا عمرو دع ذا ، أرأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعو إِليه ، ثمّ اجتمعت لكم الأُمّة ولم يختلف عليكم منهم رجلان ، فأفضيتم إلى المشركين ؟ ) ، قالوا : نعم .
قال ( عليه السلام ) : ( فتصنعون ماذا ؟ ) ، قال : ندعوهم إلى الإسلام ، فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية ، قال ( عليه السلام ) : ( فإن كانوا مجوساً وعبدة النار والبهائم ، وليسوا بأهل كتاب ؟ ) قال : سواء .
قال ( عليه السلام ) : ( فأخبرني عن القرآن أتقرؤونه ؟ ) قال : نعم ، قال ( عليه السلام ) : ( اقرأ : قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) .
قال : فاستثنى عزّ وجل واشترط من الذين أوتوا الكتاب فيهم والذين لم يؤمنوا سواء ، قال ( عليه السلام ) : ( عمّن أخذت هذا ؟ ) قال : سمعت الناس يقولونه ، قال ( عليه السلام ) : ( فدع ذا ، فإنّهم إِن أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم ، كيف تصنع بالغنيمة ؟ ) قال : أخرج الخمس وأقسّم أربعة أخماس بين مَن قاتل عليها ، قال ( عليه السلام ) : ( تقسّمه بين جميع من قاتل عليها ؟ ) قال : نعم .
قال ( عليه السلام ) : ( فقد خالفت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في فعله وسيرته ، وبيني وبينك فقهاء المدينة ومشيختهم فسلهم ، فإنّهم لا يختلفون ولا يتنازعون في أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إِنّما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ، وألاّ يهاجروا على أنّه إِن دهمه من عدوّه دهم فسيتنفرهم ، فيقاتل بهم وليس لهم من الغنيمة نصيب ، وأنت تقول بين جميعهم ، فقد خالفت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في سيرته في المشركين ، دع ذا ، ما تقول في الصدقة ؟ ) .
قال : فقرأ الآية : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) قال ( عليه السلام ) : ( نعم ، فكيف تقسّم بينهم ؟ ) قال : أقسّمها على ثمانية أجزاء ، فأعطي كل جزءٍ من الثمانية جزءاً .
فقال ( عليه السلام ) : ( إِنّ كان صنف منهم عشرة آلاف ، وصنف رجلاً واحداً أو رجلين أو ثلاثة ، جعلت لهذا الواحد مثلما جعلت لعشرة آلاف ؟ ) قال : نعم ، قال ( عليه السلام ) : ( وتصنع بين صدقات أهل الحضر والبوادي فتجعلهم سواء ؟ ) قال : نعم .
قال ( عليه السلام ) : ( فخالفت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في كلّ ما به قلت في سيرته ، كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقسّم صدقة البوادي في أهل البوادي ، وصدقة الحضر في أهل الحضر ، ولا يقسّمها بينهم بالسوية ، إِنّما يقسّمها قدر ما يحضره منهم ، وعلى ما يرى وعلى ما يحضره ، فإنّ كان في نفسك شيء ممّا قلت ، فإنّ فقهاء أهل المدينة ومشيختهم كلّهم لا يختلفون في أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كذا كان يصنع ) .
ثمّ أقبل ( عليه السلام ) على عمرو ، وقال : ( اتّقِ الله يا عمرو ، وأنتم أيّها الرهط ، فاتّقوا الله ، فإنّ أبي حدّثني وكان خير أهل الأرض ، وأعلمهم بكتاب الله وسنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنّ رسول الله قال : من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه ، وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلّف ) .


الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 04:14 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025