شيعة العراق...التأسيس...التاريخ...المشروع السياسي
شيعة العراق التأسيس ـ التاريخ ـ المشروع السياسي العلامة المحقق السيد سامي البدري الطبعة الثانية سنة 2005 دار طور سينين للطباعة النشر ـ العراق ـ بغداد هاتف : 96417783375+ http://www.albadri.info/books/shiati.../shiatiraq.jpg رابط الكتاب http://www.albadri.info/books/shiatiraq/index.htm |
كتاب رائع وشكرا لوضع الرابط...وانا كنت ابحث عن هكذا كتاب. شكرا مرة اخرى وفي ميزان حسناتك. |
اقتباس:
شكراااااا على مرورك على موضوعي تحياتي حسن الروح |
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ: أَقامُوا الصَّلاةَ ، وَآتَوُا الزَّكاةَ ، وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ) سورة الحج/41 الإهداء: إلى الجيل المظلوم المحروم من ثقافته الأصيلة ، الجيل الذي دفع آباؤه وأسلافه وإخوانه وأبناؤه الثمن غالياً وفاءاً لعليٍ وتجربته الرائدة. وإلى كل عراقي أبيّ ، وعراقية أبيَّة ، يحبون أن يعرفوا عن النقاط المضيئة في تاريخ بلدهم . أهدي هذه الأوراق عسى أن تكون بلسماً وزاداً في مسيرة العراق الجديد نحو الغد المشرق الذي ينشده الجميع . المؤلف |
المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم . والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد وآله الطاهرين. بين يديك قارئي الكريم رؤية مختصرة عن تاريخ شيعة العراق ومشروعهم وظلامتهم تستند إلى بحوث مفصلة للمؤلف بعضها مطبوع وبعضها ينتظر الطباعة وبعضها الآخر ينتظر التأليف حول مدرسة علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام وشيعتهم ، أتوخى من نشرها خدمة أبناء مدرسة علي عليه السلام الذين حرموا في عهد طاغية بغداد من أبسط حقوقهم المشروعة في الحقل الثقافي. ولست أدعي الكمال لبحث متشعب كهذا بل هو بداية مسير ثقافي في مرحلة حساسة وخطيرة ومعقدة هي بأمس الحاجة إليه للتخفيف من أعباء التركة الثقيلة التي خلفها العهد البغيض. سامي البدري 12 / ربيع الاول / 1424 هـ ق 14 / 5 / 2003 م |
تمهيد تُهَمٌ وافتراءات حول الشيعة والتشيّع: ( قالوا في تفسير نشأة التشيع لعلي عليه السلام والاعتقاد بوصية النبي صلى الله عليه وآله إليه بشأن الرسالة والأمة: أن أول من قال بها وأظهرها رجل يهودي أظهر الإسلام أيام خلافة عثمان ، اسمه عبد الله بن سبأ (1) . وأنه استطاع أن يقنع صحابة بررة أمثال : أبي ذر ، وعمار بن ياسر ، وعبد الرحمن بن عديس البلوي ، وزيد وصعصعة إبني صوحان العبدي ، والتابعين الأخيار ، أمثال مالك الأشتر بأنَّ عليّاً وصيُّ النبي صلى الله عليه وآله ، وأن قريشاً اغتصبته حقه. وأنَّ ابن سبأ هذا أخذ يتحرك في الأمصار ويهيِّج الناس على عثمان ليقتلوه لأنه غصب حق علي عليه السلام ، ولما قتل السبئيون عثمان فرضوا بيعة علي عليه السلام بالقوة. ( وقالوا أيضا : أن عقيدة الشيعة في علي عليه السلام تطورت حتى قالوا أن الرسالة كانت بالأصل لعلي عليه السلام ولكن جبريل أخطأ وخاطب بها محمداً صلى الله عليه وآله . ( وقالوا عن شيعة العراق : أنهم مذمومون على لسان علي والحسن والحسين عليهم السلام . فهم ملأوا قلبه قيحا ، وتمنى فراقهم ، وودَّ أن معاوية صارفه بهم صرف الدينار بالدرهم ، وأنهم قتلوه غيلة . وحاولوا اغتيال ولده الحسن عليه السلام ونهبوا متاعه ، وأرادوا تسليمه لمعاوية . وأنهم دعوا الحسين عليه السلام لينصروه فخذلوه ثم قتلوه ثم بكوا عليه . وغير ذلك من التهم الشنيعة الباطلة التي اختلقها لهم العباسيون وروجها إعلامهم ، لأجل تطويق حركة التشيع في العراق خاصة. الشيعة أكبر قوة سياسية في العراق الجديد : اليوم حيث يستقبل العراق عهداً جديداً بعد زوال أسوأ نظام عرفه العالم في تاريخه المعاصر ، ويبرز شيعة العراق بصفتهم أكبر قوة سياسية مؤثرة في صياغة مستقبله وهي قضية ليست اليوم بحاجة إلى بيان لإثباتها ، وفي وضع كهذا تصبح الحاجة ماسة إلى عرض تصور مختصر عن نشأة الشيعة وتاريخهم ومشروعهم السياسي الذي تفرزه مصادرهم الفقهية والفكرية الأصيلة ويترقبه العالم منهم . قد يقال إن في ذلك إثارة للطائفية ! قد يقال أن في ذلك إثارة للطائفية ، لأنَّ إثارة قضايا التاريخ وبخاصة ما جرى بين المسلمين في. الصدر الأول مما يؤجِّج الطائفية ويزيد من عوامل الفرقة ، في الوقت الذي يحتاج العراقيون فيه إلى مزيد من الألفة والتقارب ؟ والجواب هو : أن الطائفية المرفوضة هي الطائفية التي تنتج التمييز في الحقوق بين المسلمين بل بين كل المواطنين ، أو تلك التي تنتج فرض الرأي الواحد في المجتمع أو الدولة بالقوة ، أما أن توضح كل طائفة عقيدتها ، ورؤيتها، وتاريخها ، وتدفع عن نفسها التهم التي ألصقت بها تاريخياً ، ولاحقتها في مراحل مقبلة من مسيرتها بهدف تطويقها وتكريس حرمانها من حقوقها فهو حق مشروع ومفردة من مفردات حرية الفكر وحرية التعبير عن الرأي ، وليس هو من الطائفية بشيء، نعم ينبغي أن يقوم التوضيح والبحث على أسس علمية موضوعية. بحوث هذا الكتاب تؤكد على الأخوّة : ونحن نؤكد لكل أخ مسلم في العراق وغيره ، قد يخالفنا في رؤيتنا ، أننا في بحوث هذا الكتاب حين نسمي الأشياء بمسمياتها لا نقصد تجريح أحد ، ولا الطعن على أحد ، ولا نريد بذلك تسجيل حقوق إضافية لنا في قبال الآخرين أو غمط شيء من حقوقهم ، بل نريد أن ندافع عن أنفسنا ، ونعرض تاريخ نشأتنا وتاريخ مسيرتنا كما نعتقد وكما يرويه الصادقون من الرواة وتسجله المصادر المعتبرة، ونحافظ على أخوتنا مع من يختلف معنا في قراءة التاريخ أو تفسير ظواهره ، هذه الأخوة التي بناها الإسلام على الإيمان بالله تعالى والإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله خاتم الأنبياء ، وما عداها ينبغي أن يخضع للبحث العلمي والحوار الموضوعي الهادئ وفي إطار من الأخوة . حقيقة جديرة بالذكر : ومن الجدير ذكره هو التنبيه على حقيقة ان الشيعة الإمامية كباقي الكيانات الفكرية والمذهبية في الأمة المسلمة لا تجزئة فيه شأنه شأن كل الكيانات المذهبية الإسلامية الأخرى ، ولكنه من الناحية السياسية هو كيان مجزء تبعا لتجزئة الأمة الإسلامية إلى دول سياسية مستقلة بعضها عن البعض الآخر في همومها ومشكلاتها الأساسية التي تستقطب كل جهودها واهتمامها . ومن ثم كان الشيعة في كل بلد ومنهم شيعة العراق لهم همومهم ومشكلاتهم الخاصة بهم في بلدهم . وحديثنا هنا ينطلق من هذه النظرة ، مع ملاحظة أن للعراق حصة خاصة في نصرة المذهب عموما وبخاصة أيام نشأته الأولى وقد دفع العراقيون ثمنها غالياً كما هو مبين في هذا البحث . ______________________ (1) انظر مختصر التحفة الاثني عشرية للدهلوي الهندي ترجمة الآلوسي العراقي ، ومنهاج السنة لابن تيمية. أقول: من المؤسف جداً أن يصر البعض في عصرنا الراهن على ترويج مثل هذه الأكذوبة المفضوحة لتفسير نشأة الشيعة على الرغم من أن راويها الوحيد هو سيف بن عمر التميمي المجمع على كذبه المتهم بالزندقة المتوفى بعد سنة 170 أو بعد سنة 191 أحد كتاب العهد العباسي الأول وقد ملأ كتابه بالأخبار الكاذبة استجابة للإعلام العباسي الذي رسم خطوطه أبو جعفر المنصور بعد أن قضى على ثورة الحسنيين سنة 144 هجـ . |
شيعة العراق أغلبية عددية وعراقة تاريخية يشهد العراق في واقعه المعاصر أغلبية شيعية في سكانه إذ أن أقل تقدير لنسبته هي خمس وستون بالمائة (60% - 65%)(1) ، وقد شهد مثلها في عهد التأسيس على يد علي بن أبي طالب عليه السلام (ت 40 هجرية) حين اتخذ الكوفة مقراً لحكومته . دخل التشيع إلى العراق يوم دخلت قبائل همدان اليمانية إليه مع الجيش الإسلامي الفاتح القادم من الحجاز سنة 15 هجرية ، واستقرت بعد الفتح في الكوفة التي أسست سنة 17 هجرية ، وكانت هذه القبائل قد اسلمت على يد علي عليه السلام لما بعثه النبي صلى الله عليه وآله إلى اليمن سنة عشر للهجرة. ولما هاجر علي عليه السلام إلى العراق واتخذه مقراً لحكومته وحركته الفكرية والسياسية والتربوية انفتح عليه بقية العراقيين . فقد كان الرهبان من المسيحيين يقرأون اسمه إلى جنب اسم النبي صلى الله عليه وآله واسم المهدي عليه السلام (2) في الإنجيل . وكان هؤلاء الرهبان ينتظرون عليا يأتي إلى العراق (3) ، كما كان اليهود ينتظرون النبي الأمي صلى الله عليه وآله في المدينة ، وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن في قوله تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالإِنجِيلِ) الأعراف/157 (4). وقال تعالى : (وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ) البقرة/89. ______________________ (1) زار المؤرخ الفرنسي فيكتوربيرار (1864-1931) وكتب في العام 1907 حول رحلته كتابا سماه (السلطان ، الإسلام والقوى القسطنطينية ، مكة ، بغداد) ، يقول : إن شيعة العراق يشكلون الغالبية السكانية، ويقول: ورغم استبدادالخليفة السني فإن أربعة أخماس السكان ما زالوا يبجلون الأئمة الإثنى عشر . (قيس العزاوي ونصيف الجبوري ، كربلاء كما وصفها بعض المستشرقين الفرنسيين) من كتاب دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري ص 144 مركز كربلاء للبحوث والدراسات لندن) . وأول إحصاء سكاني حسب الاحتلال البريطاني سنة 1919 كان الشيعة بنسبة 52% وفي عام 1936 كانوا بنسبة 56% (راجع جاد كريم الجباعي الأحزاب والحركات الجماعات الإسلامية ج2 ص285 المركز العربي) ، ويقول تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في العراق الذي نشر في 4/3/2003 : ان السكان الشيعة العراقيين يقدر بـ 65% من مجمل السكان الذين يقدر عددهم بـ22 مليونا وتكاد تكون نسبة الـ60% و65% هي الأكثر ورودا في التقارير الدولية حيث أشار إليها الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقاله في صحيفة الإنبندنت يوم 3/1/2003، واذا اخرجنا الأكراد فإن نسبة الشيعة تكون 82% من عرب العراق (عن مجلة النور لندن العدد 152). (2) جاء في إنجيل يوحنا 1: 19-21 سؤال علماء اليهود ليحيى: هل أنت المسيح ؟ هل أنت النبي ؟ هل أنت ايليا ؟. ولفظة (المسيح) أصلها في اللغة اليونانية (مسايا) ، وأصلها اللفظة العبرية (مشيحا) ، وحين نرجع إلى قاموس قوجمان عبري عربي: نجدها تعني المسيح المنتظر ، المهدي. (3) روى نصر بن مزاحم وابن ديزيل في كتاب صفين أن علياً عليه السلام حين وصل إلى الباليخ بالرقة نزل راهب صومعتها وقرأ على علي عليه السلام صحيفة من زمن عيسى عليه السلام فيها خبر النبي صلى الله عليه وآله وخبر وصيه علي عليه السلام، واسلم الراهب وسار معه وقتل في صفين. (شرح نهج البلاغة ج3/206 -208). أقول : وفي الحقيقة يمكن القول أن انتظار أرض العراق لعلي عليه السلام يرجع إلى زمن نوح عليه السلام حين أمر عليه السلام أن ينقش على صخرة في قبره: هذا ما ادخره نوح لولده علي (فرحة الغري- السيد عبدالكريم بن طاووس) ، وقد وردت عدة روايات تؤكد أن علياً عليه السلام قد دفن في قبر أبيه نوح ، . بل تؤكد أخبار أخرى أن هذا القبر كان يضم رفات آدم ، وقد ورد في الزيارة: (السلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح) ، وقد ذكر ابن بطوطة حين ورد إلى النجف سنة 725 هـ ، وذكر المرقد المطهر وما فيه من فرش ومعلقات ، قال: وفي وسط القبة مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير الفضة قد غلبت على الخشب لا يظهر منه شيء وأرتفاعها دون القامة وفوقها ثلاثة من القبور يزعمون أن أحداها قبر آدم عليه السلام والثاني قبر نوح ، والثالث قبر علي عليه السلام. (4) قال الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى (يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) : يعني النبي صلى الله عليه وآله والوصي والقائم عليهما السلام . ( بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 42 ص 353) . |
لماذا ارتبط غالبية العراقيين الأوائل ومن بعدهم بمدرسة علي عليه السلام خاصة ؟ من المهم جداً أن نجيب على سؤال لماذا رجَّح العراقيون الأوائل ومن جاء بعدهم رواية علي عليه السلام للإسلام وتجربته التطبيقية له على رواية غيره من الصحابة الذين حكموا بعد النبي صلى الله عليه وآله ؟ وفي الجواب على ذلك نقول: انفتح العراقيون منذ دخولهم في الإسلام سنة 13هجرية على تجربتين للحكم الاسلامي هما: الأولى : تجربة حكم قريش المسلمة. الثانية : تجربة حكم علي بن أبي طالب عليه السلام (1). ______________________ (1) تبنى السلفيون عرض علي عليه السلام على أنه رابع الخلفاء في الفضل ، وهي عقيدة أحمد بن حنبل وعقيدة نظرائه من المحدِّثين ثم صارت عقيدة الأشاعرة وعموم أتباع المذاهب الأربعة . وتبنى الأمويون على عهد معاوية بعد وفاة الحسن عليه السلام ثم يزيد بن معاوية ثم مروان ومن جاء بعده ، ماعدا عمر بن عبد العزيز عرض علي عليه السلام على أنه ملحد في الدين يجب لعنه والبراءة منه ، وتبنى المعتزلة عرض علي عليه السلام بصفته أفضل الصحابة جميعاً مع صحة بيعة المفضول ، وعرض أهل البيت علياً عليه السلام بصفته أمين الله على عباده وحجته في خلقه بعد النبي صلى الله عليه وآله وهو امتداد لما عرضه علي عليه السلام نفسه في أحاديثه وخطبه المأثورة عنه ، وهذا العرض الأخير هو امتداد لقول النبي صلى الله عليه وآله فيه في حديث الغدير وأحاديث أخرى وقد ميّز علي عليه السلام نفسه في قبال قريش المسلمة وسيرتها في أحاديثه وخطبه. |
تجربة حكم قريش المسلمة (1) كان للمسلمين الأوائل من قريش أطروحتهم الخاصة في فهم الإسلام ، وطريقة تطبيقه التي أعلنوا عنها زمن النبي صلى الله عليه وآله في العهد المدني من خلال مواقفهم وشعارهم الذي قالوه صراحة بمحضر من النبي صلى الله عليه وآله: (حسبنا كتاب الله) ، ومفاد هذا الشعار أن السنة النبوية ليست ملزمة لهم ، وأن القانون من الناحية العملية هو اجتهاد الحاكم وإن خالف النص . ومن هنا نجد السلطة القرشية بعد النبي صلى الله عليه وآله تنهى عن نشر حديثه وسيرته(2). وتأمر بإتلاف الصحف الحديثية التي كتبها الصحابة(3) ، وتنهى عن تفسير القرآن ، وتأمر بإتلاف المصاحف التي كتب الكثير من الصحابة بهامشها التفسير الذي أملاه النبي صلى الله عليه وآله عليهم (4). تبنت قريش المسلمة في نظريتها للحكم حصرَ حق الحكم بها خاصة دون بقية المسلمين ، في حين أنَّ النبي صلى الله عليه وآله جعل حق الحكم للعالم بالكتاب والسنة من أي أسرة كانت ، نعم استثنى فترة أوصيائه الاثني عشر حيث ينحصر حق الحكم بهم في زمانهم وحضورهم كانحصاره بالنبي صلى الله عليه وآله في زمانه . ورفعت بوجه الأنصار في اجتماع السقيفة شعار (لن تعرف العرب هذا الأمر إلا لقريش) (5). وعطل الحاكمون من قريش العمل بكثير من السنن ، كتعطيلهم سنة التسوية في العطاء ، وتأسيس طريقة التفاوت في العطاء على أسس نهى عنها الإسلام(6)، وتحريمهم العمل بسنن النبي صلى الله عليه وآله في الحج حين فصل بين اعماله ومناسكه وجعلها على قسمين تخفيفا على الناس من جهد السفر ومشقة المناسك (7). وفرضوا أموراً جديدة في الدين ، كأمرهم بأن تصلى نوافل شهر رمضان جماعة (8) وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك. وأمرهم بحذف حي على خير العمل ، وغيرها من المخالفات . نفَّذت قريش المسلمة الحاكمة آراءها تلك بالقوة ، وفرضت حالة الرأي الواحد على المجتمع ، على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وآله كان قد سمح بالتعددية في أروع صورها للأفراد أو الجماعات ، واكتفى بالتنبيه على الخطأ والانحراف في المعتقد وبيان عاقبته (9). قتلت قريش المسلمة مالك بن نويرة جهارا ، وطوقته بتهمة الإرتداد ، لأنه لم يكن يؤيد حكومتهم بل وامتنع من أداء الزكاة إليها اعتقاداً منه أن علياً أحق بالحكومة للنصوص التي سمعها من النبي صلى الله عليه وآله في حقه (10). وتسبب سوء سيرة ولاة حكومة قريش المسلمة في جباية الزكاة بحروب سميت فيما بعد بحروب الردة (11). واغتالت حكومة قريش المسلمة سعد بن عبادة ، وأشاعت أن الجن قتلته ، لأنه لم يبايع من عينته قريش للخلافة (12). وأكرهت علياً عليه السلام على البيعة بعد قصة السقيفة ، وهددته بالقتل إن لم يبايع (13). وفرضت الإقامة الجبرية على بعض الصحابة ممن لم يمتنع عن نشر الحديث . وعاقبت البعض ممن لم يمتنع عن السؤال عن تفسير القرآن بالضرب الشديد والحرمان من العطاء ، والمقاطعة الإجتماعية. انعكست هذه السياسة بتفاصيلها على العراقيين ، فكانوا حينما يسألون الصحابة بأن يحدثوهم عن النبي صلى الله عليه وآله يأتيهم الجواب أن الخليفة نهاهم عن ذلك . وقد كانت أول عقوبة على جريمة السؤال عن تفسير القرآن من نصيب أحد العراقيين ، وهو صبيغ التميمي ، عوقب من قبل الخليفة نفسه بأشد مما يعاقب به شارب الخمر ، حيث ضربه ضرباً شديداً جعل الدم يتفجر من رأسه وظهره ، ثم أصدر أمراً بقطع راتبه ، ومقاطعته اجتماعيا(14). وتناهى إلى سمع العراقيين أن الخليفة فرض الإقامة الجبرية على عدد من الصحابة ، ولم يكن لهم ذنب إلا أنهم خالفوا السلطة القرشية في سياستها التي فرضت التعتيم على الحقائق وحاولوا الكشف عنها(15). شهد العراقيون في عهد الخليفة القرشي الأموي عثمان احتكار خيرات البلد ، ورفع ولاته من أسرته شعار (أن العراق بستان لقريش) . ثم شهدوا نَفْيَ مالك الأشتر وأصحابه من الكوفة إلى الشام بسبب اعتراضهم على السياسة الجائرة لولاة عثمان (16). بسبب هذا ، وغيره كثير أعرض العراقيون عن الولاء لقريش المسلمة وعن تجربتهم التطبيقية للإسلام . ______________________ (1) لا نريد من هذا العرض أن نطعن بالخلفاء ، فهم يتحملون مسؤولية رأيهم واجتهادهم وتقديرهم للمصلحة ونتائج ذلك ، ولسنا مسؤولين عن ابتغاء العذر لهم بأنهم اجتهدوا فاخطأوا ، لأن الذي يحاسب ويعاقب هو الله تعالى وهو أعرف بما في القلوب ، ثم لا نريد منه أيضا أن نجرح من يؤمن بهؤلاء الخلفاء أو يرى صحة تلك الاجتهادات ، فإن لكل إنسان الحرية في أن يعتقد ما يشاء ، بل الذي نريده من حديثنا هذا هو بيان الدوافع الحقيقية التي جعلت غالبية العراقيين يرتبطون بعلي عليه السلام ويدفعون الثمن غالياً من أجله ، وبيان السر الذي جعل معظم الحكام الأمويين والعباسيين وغيرهم يعارضون مدرسة علي بن أبي طالب وأهل بيته عليهم السلام ، ويعادون شيعتهم ويعملون على تصفيتهم ، ويتهمونهم بشتى التهم لتطويق حركتهم في المجتمع. (2) روى ابن عبد البر القرطبي فـي جامع بيان العلم 2/147 ، والذهبي في تذكرة الحفاظ: عن قرضة بن كعب قال: لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا إلى صرار ، ثم قال أتدرون لم شيعتكم ؟ قلنا أردت أن تكرمنا قال مع ذلك لحاجة ، إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النّحل فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا شريككم ، قال قرضة: فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله ، وفي رواية أخرى ، فلما قدم قرضة بن كعب قالوا حدثنا، فقال: نهانا عمر! وقد كانت رجالات قريش تحمل هذا الرأي زمن النبي صلى الله عليه وآله قال عبد الله بن عمرو: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله أريد حفظه فنهتني قريش عن ذلك وقالوا تكتب ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول في الغضب والرضا فأمسكت حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حقا. (مسند احمد 2/162 ، 192 ، 207 ، 215 ، سنن الدارمي 1/163 ، سنن ابي داود3/318 ، المستدرك على الصحيحين 1/187 ، المعجم الأوسط للطبراني 2/332 ) ، وكانت قريش مصرة على موقفها هذا لما تدخلت بشكل فاضح حين أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يكتب وصية الهدى لأمته في مرضه الذي توفي فيه ، روى البخاري ومسلم وابن حنبل وغيرهم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وجعه يوم الخميس فقال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر استفهموه ! فذهبوا يردون عليه، فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه. (صحيح البخاري 6/2680 ، 3/111 ، 4/1612 طبعة الموسوعة الذهبية) . (صحيح مسلم 3/1257) ، ورووا أيضا عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال: لما حضر النبي صلى الله عليه وآله قال وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وآله غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله . واختلف أهل البيت (أي الحاضرون فيه) واختصموا ، فمنهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم رسول الله كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول: ما قال عمر فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وآله قال: قوموا عني ، قال عبيد الله فكان أبن عباس يقول: إن الرّزية كل الرّزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم . (صحيح مسلم 3/1259 ، صحيح البخاري 6/2680 ). (3) روى الذهبي في تذكرة الحفاظ 1: 5 عن عائشة « انَّ ابا بكر جمع خمسمائة من حديث النبي صلى الله عليه وآله ودعابنار فاحرقها». وروى الخطيب البغدادي فى كتابه تقييد العلم: 52 ط مصر 1974 بسنده إلى القاسم بن محمد « أن عمر بن الخطاب بلغه أنه قد ظهر فى أيدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها ، وقال: أيها الناس إنه قد بلغنى أنه قد ظهرت فى أيديكم كتب فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به فأرى فيه رأيي ، قال فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ، ثم قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب». وفي طبقات ابن سعد5: 188 « قال عبد الله بن العلاء: سألت القاسم بن محمد بن ابي بكر يملي علىَّ أحاديث ، فقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها . ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب ، فمنعني القاسم يومئذ أن أكتب حديثا». وروى الخطيب عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة « أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها ، ثم كتب في الأمصار: من كان عنده منها شيء فليمحه ». تقييد العلم: 53 ، جامع بيان العلم 1: 65. وروى الخطيب أيضا عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: « جاء علقمة بكتاب من مكة او اليمن صحيفة فيها احاديث في أهل البيت بيت النبي ، فاستأذنا على عبد الله (بن مسعود) فدخلنا عليه ، قال فدفعنا اليه الصحيفة ، قال فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن أنظر فيها فإن فيها أحاديث حِسانا ، قال فجعل يميثها فيها ويقول: نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه ». (ماث يميث مَيْثًا أذاب الملح في الماء). وفي رواية أخرى عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: « جاء رجل من أهل الشام إلى عبد الله بن مسعود ومعه صحيفة ، فيها كلام من كلام أبي الدرداء وقصص من قصصه ، فقال: يا أبا عبد الرحمن إلا تنظر ما في هذه الصحيفة من كلام أخيك أبي الدرداء وقصص من قصصه ، فأخذ الصحيفة فجعل يقرأ فيها وينظر حتى أتى منزله فقال: يا جارية آتيني بالإجّانة مملوءة ماء، فجاءت به فجعل يدلكها ويقول: (الم تلك آيات الكتاب المبين... نحن نقص عليك أحسن القصص) اقصصا احسن من قصص الله تريدون أو حديثا أحسن من حديث الله تريدون » . تقييد العلم: 54. (4) انظر تفصيل ذلك في كتاب القرآن وروايات المدرستين للعلامة العسكري. (5) هذا كلام الخليفة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة ، رواه أحمد بن حنبل في مسنده ، وأراد بالأمر هنا السلطة الدينية الحاكمة على السلطة السياسية ، السلطة التي تملك حق بيان الدين والتشريع ، وكانت قريش قد ادعت السلطة الدينية في الجاهلية وخضعت العرب لها. أما السلطة السياسية فقد كان لكل قبيلة سلطة خاصة بها وعلى المكان الذي تسكن فيه. انظر تفصيل ذلك في كتابنا شبهات وردود ط4 فصل السقيفة برواية عمر / 179-187. (6) وذلك بان ميّزت أهل بدر أو أهل بيعة الرضوان أو المسلمين العرب على غيرهم. (7) كل من حج من المسلمين يدرك المشقة التي يتحملها الحاج من حالة الإحرام وتروكه ، وكلما طالت مدته طالت مشقته ، وكانت قريش في الجاهلية قد شددت على الناس أمر الحج لأجل تمييز أنفسهم عن الناس بميزات خاصة فمنعت الحاج الذي يدخل مكة للحج من الإحلال من الإحرام قبل التاسع من ذي الحجة وفرضت على الناس مواصلة الإحرام وابتدعت في ذلك بدعا، وجاء الإسلام بسماحته فشجب بدع قريش وأعاد للحج الإبراهيمي يسره وسهولته ، وأمر النبي صلى الله عليه وآلهمن لم يسُق هدية معه أن يحِلَّ قبل يوم التاسع من ذي الحجة وشرط عليه أن يصل عرفة عند الظهر من يوم التاسع من ذي الحجة محرما للحج ، وهذا يعني أنه يمكنه أن يحرم للحج في اليوم الثامن من ذي الحجة بل صبح اليوم التاسع إذا ضمن لنفسه أن يصل إلى عرفة عند الزوال محرما ، فإن كان قد وصل إلى مكة محرماً في الأول من ذي الحجة فهو يستطيع أن يكمل أعمال العمرة في نفس اليوم ويحل من إحرامه ويبقى محلا إلى اليوم الثامن أو إلى صبح التاسع. وسمي هذا الحل بمتعة الحج. وسمي هذا النوع من الحج بحج التمتع ، وفي قباله حج القِران حيث يقرن الحاج إحرامه بسوق الهَدْي معه ووضع علامة عليه على إنه هدي ، وفي هذا النوع من الحج لا يجوز لصاحبه أن يحل من إحرامه إلا بعد أن يذبح هديه يوم العاشر من ذي الحجة. وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله أفضل أنواع الحج وأكثره ثواباً هو حج التمتع . فلما استلمت قريش المسلمة السلطة نهت عن هذا الحج ومنعته ، وأمرت بالحج الذي كانت عليه أيام الجاهلية. وأول خليفة قرشي نهى عن متعة الحج هو عمر بن الخطاب حين قال: (متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء) كنز العمال ج 16/591 ، الطحاوي في كتابه شرح معاني الأثار ج 2/195). ومتعة النساء هي (الزواج المؤقت) ، وهو أحد أنواع الزواج التي جاء بها الأسلام لحل المشكلة الجنسية واستئصال الفساد الجنسي من المجتمع ، انظر تفصيل مسألة متعة الحج في كتابنا شبهات وردود الفصل السابع قصة متعة الحج /213-224. أما متعة النساء فقد كتبت فيها كتب كثيرة منها الزواج المؤقت للعلامة السيد محمد تقي الحكيم (رحمه الله) وغيره. (8) روى البخاري عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر: نعم البدعة هذه (صحيح البخارى ج 2 ص 252) . وروى ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 21 ص 285: عن أبي الفرج عبد الرحمن بن عليبن الجوزي بروايته عن شيخه محمد بن ناصر عن شيوخه ورجاله إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى نافلة شهر رمضان في جماعة يأتمون به ليالى ثم لم يخرج وقام في بيته وصلى الناس فرادى بقية أيامه وأيام أبى بكر وصدرا من خلافة عمر فخرج عمر ليلة فرأى الناس أوزاعا يصلون في المسجد فقال: لو جمعتهم على إمام ! فأمر أبي بن كعب أن يصلي بهم فصلى بهم تلك الليلة ثم خرج فرآهم مجتمعين إلى أبي بن كعب يصلى بهم فقال: بدعة ونعمة البدعة). (9) من الثابت تاريخيا أن النبي لم يعاقب أصحاب شعار (حسبنا كتاب الله) على الرغم من مخالفته الصريحه للشعار الذي حث فيه النبي صلى الله عليه وآله على التمسك بالكتاب والعترة ، بل اكتفى بالتأكيد على خط أهل بيته والتاكيد على أولهم علي عليه السلام الذي ضرب أروع الأمثلة في التقيد بسنة النبي صلى الله عليه وآله وحرصه على متابعتها وكتابتها بتفاصيلها ، كما أكد على خطأ أطروحة شعار (حسبنا كتاب الله) ، وصرح النبي صلى الله عليه وآله أن قريشاً سوف تضل الأمة وأن عاقبة من يتبعهم خاسرة في الآخرة ، ووضح ذلك بما لا مزيد عليه وقد سجلت كتب الحديث المعتبرة روايات صحيحة كثيرة في هذا الموضوع بعنوان أحاديث الحوض ، ونحن نستفيد من هذه الظاهرة أن النبي صلى الله عليه وآله كان بصدد تأسيس حالة التعددية في دولة المدينة ومجتمعها ، ليستوعب المجتمع والدولة أقصى اليمين وأقصى اليسار كما يقال ، وليقوم المسلمون بتكليفهم واختيارهم وتحمل مسؤولية ونتائج ما يختارون ، وكان صلى الله عليه وآله على ثقة تامة أن العاقبة لخط أهل بيته عليهم السلام على المدى الطويل وإن كان ثمن هذه السياسة غالياً وبخاصة عندما يطول الزمن وتشتد المحن. (10) انظر تفصيل ذلك في كتاب عبد الله بن سبأ ج1. (11) أثبت العلامة العسكري في بحوثه في كتابه عبد الله بن سبأ الجزء الثاني أن أكثر الحروب التي سميت بحروب الردة بعضها لم يقع أساسا وبعضها الآخر كان بسبب سوء سياسة عمال جباية الزكاة. (12) روى البلاذري في أنساب الاشراف 1 / 589 ، والعقد الفريد 3/64-65: (أن سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر ، وخرج إلى الشام فبعث عمر رجلا ، وقال: أدعه إلى البيعة واحتل له فإن أبى فاستعن الله عليه ، فقدم الرجل الشام فوجد سعداً في حائط بحُوّارين (إحدى قرى حلب) فدعاه إلى البيعة ، فقال: لا أبايع قرشياً أبداً. قال: فإني أقاتلك. قال: وإن قاتلتني. قال: أفخارج أنت مما دخلت فيه الأمة ؟ قال: أما من البيعة فإني خارج. فرماه بسهم فقتله). وفي تبصرة العوام: أنهم أرسلوا محمد بن مسلمة الأنصاري فرماه بسهم. وقيل إن خالداً كان في الشام يومذاك فأعانه على ذلك ، قال المسعودي في مروج ا لذهب 1/414 ، 2/194: " وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع فصار إلى الشام فقتل هناك سنة 15 هـ ". وفي رواية ابن عبد ربه 3/64: " رُمِيَ سعد بن عبادة بسهم فوجد دفينا في جسده فمات ، فبكته الجن فقالت: وقتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده وقد ذكر موته قتلاً ابن سعد في الطبقات الكبرى 3 ق 2 / 145 وابن قتيبة الدينوري في المعارف ص 113. وقال ابن أبي الحديد ج 10/111: ويقول قوم: إن أمير الشام يومئذ كمن له من رماه ليلا ، وهو خارج إلى الصحراء بسهمين ، فقتله لخروجه عن طاعة الإمام ، وقد قال بعض المتأخرين في ذلك: يقولون سعد شكت الجن قلبه ألا ربما صححت دينك بالغدر وما ذنب سعد أنه بال قائما ولكن سعدا لم يبايع أبا بكر (13) انظر تفصيل ذلك في كتابنا شبهات وردود ط4/189-209. (14) روى الدارمي في سننه والسيوطي في تفسيره وابن كثير في تفسيره وابن عساكر في تاريخه وابن ابي الحديد في شرح النهج قالوا: أن صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر ، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه ، فقال: أين الرجل؟ فقال: في الرحل ، قال عمر: أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني به العقوبة الموجعة ، فأتاه به ، فأرسل إلى رطائب من جريد (وفي رواية: وكان أعد له عراجين النخل) فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة (وفي رواية الدارمي حتى أدمى رأسه) ، ثم تركه حتى برأ ثم عاد له ثم تركه حتى برأ ، فدعا به ليعود له قال فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلا وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري ، أما بعد: فإن صبيغ تكلف ما يخفى وضيَّع ما وُليّ ، فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه وإن مرض فلا تعودوه وإن مات فلا تشهدوه. وأن لا يجالسه أحد من المسلمين ، وأن يحرَم عطاءَه ورزقَه. فلم يزل وضيعاً في قومه بعد أن كان سيداً فيهم ، قال أبو عثمان النهدي: فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا. وقال: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجي إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونهِ فتناديهم الحلقة الأخرى عَزْمَة أمير المؤمنين عمر فيقومون ويَدَعونه. وفي تفسير السيوطي 2/152 قال: وأخرج الهروي في ذم الكلام عن الإمام الشافعي عنه قال: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ ، أن يُضرَبوا بالجريد ويُحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر والقبائل وينادى عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام. أقول: إن صبيغا ضُرب وعوقب لسؤاله عن تفسير (والذاريات ذروا) ، فما هو وجه الإستدلال بذلك على عقوبة من يدرس علم الكلام ليتعلم كيف يواجه الشبهات على العقائد. (15) روى الذهبي في كتابه تذكرة الحفاظ ترجمة عمر بن الخطاب قال: أن عمر حبس ثلاثة ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري بسبب تحديثهم عن النبي صلى الله عليه وآله ، وروى في كنز العمال عن عبد الرحمن بن عوف قال: ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق عبد الله بن حذيفة وأبا الدرداء وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي افشيتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الآفاق ؟ ثم أقامهم في المدينة وقال لهم: لا والله لا تفارقوني ما عشت... فما فارقوه حتى مات. (16) أخرج أبو الفرج في الأغاني عن أبي عبيد والكلبي والأصمعي وعمر بن شبة ، وأخرج المسعودي واللفظ له قال: إن الوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه ومغنيه من أول الليل إلى الصباح ، فلما آذنه المؤذنون بالصلاة خرج منفصلاً في غلائله فتقدم إلى المحراب في صلاة الصبح فصلى بهم أربعا ، وقال: أتريدون أن أزيدكم ؟ وقيل إنه قال في سجوده وقد أطال /قول واحد/: (إشرب واسقني). فقال له عتاب الثقفي وكان في الصف الأول: ما تريد لا زادك الله مزيد الخير. والله لا أعجب إلا ممن بعثك إلينا واليا وعلينا أميرا: فحصبه الناس بحصباء المسجد ، وخرج في أمره إلى عثمان أربعة نفر أبو زينب ، وجندب بن زهير ، وأبو حبيبة الغفاري والصعب بن جثامة، فأخبروا عثمان خبره ، فقال عبد الرحمن بن عوف: ماله أجن ؟ قالوا: لا ولكنه سكر ، قال: فأوعدهم عثمان وتهددهم ، وقال لجندب: أنت رأيت أخي يشرب الخمر ؟ قال: معاذ الله ولكني أشهد أني رأيته سكران يقلسها من جوفه وإني أخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان وأن عثمان زبرهم ; فنادت عائشة: إن عثمان أبطل الحدود وتوعد الشهود . وأخرج أبو الفرج عن الزهري أنه قال: خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد فقال: كلماغضب رجل منكم على أميره رماه بالباطل ؟ لئن أصبحت لأنكَِّلن بكم ، فاستجاروا بعائشة ، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتاً وكلاماً فيه بعض الغلظة فقال: أما يجد مُرّاق أهل العراق وفُسّاقهم ملجأ إلا بيت عائشة ! فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت: تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل ، فتسامع الناس فجاءوا حتى ملأوا المسجد فمن قائل: أحسنت ، ومن قائل: ما للنساء ولهذا ؟حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال ثم عزله لما بايع العراقيون الأشتر على عزله في قصة طويلة ذكرتها كتب التاريخ. روى البلاذري ق4 /ج1/528 قال: لما عزل عثمان الوليد بن عقبة عن الكوفة ولاها سعيد بن العاص وأمره بمداراة أهلها ، فكان يجالس قراءها ووجوه أهلها ويسامرهم فيجتمع عنده منهم: مالك بن الحارث الاشتر النخعي ، وزيد وصعصعة إبنا صوحان العبديان وجندب بن زهير الازدي ، وغيرهم فانهم لعنده وقد صلوا العصر إذ تذاكروا السواد والجبل ففضلوا السواد وقالوا: هو ينبت ما ينبت الجبل وله هذا النخل ، وكان حسان بن محدوج الذهلي الذي إبتدأ الكلام في ذلك فقال عبدالرحمن بن خنيس الأسدي صاحب شرطه: لوددت أنه للأمير وأن لكم أفضل منه. فقال له الأشتر: تمنَّ للأمير أفضل منه ولا تمنَّ له أموالنا. فقال عبدالرحمن: ما يضرك من تمنىَّ حتى تزوي ما بين عينيك فوالله لو شاء كان له. فقال الأشتر: والله لو رام ذلك ما قدر عليه. فغضب سعيد ، وقال: إنما السواد بستان لقريش. فقال الأشتر يجيب ابن خنيس: والله لو رامه أحد لقُرِع قرعاً يتصأصأ منه ، فكتب سعيد بن العاص بذلك إلى عثمان وقال: إني لا أملك من الكوفة مع الأشتر وأصحابه الذين يدْعَوْن القُرّاء وهم السفهاء شيئا. فكتب إليه أن سيِّرهم إلى الشام. |
تجربة حكم علي بن أبي طالب عليه السلام طريقة وصوله عليه السلام إلى الحكم: انشق الحزب القرشي الحاكم على نفسه أيام عثمان ، واستحكم الانشقاق سنة 27هجرية ، بسبب إيثار عثمان أسرته بني أمية بالولايات والأموال ، وبسبب سوء ولاته منهم . وكان المتذمرون من الحزب القرشي الحاكم يحرضون الناس على عثمان وفيهم رجالات ووجوه بارزة أمثال : عبد الرحمن بن عوف ، وطلحة ، والزبير ، وعائشة ، وعمرو بن العاص ، وغيرهم . وتصدعت سيطرة السلطة القرشية في المنع من نشر الأحاديث النبوية ، لأن القرشيين المتذمرين أنفسهم أخذوا ينشرون بعض كلمات النبي صلى الله عليه وآله في عثمان وبني أمية. اغتنم الإمام علي عليه السلام فرصة تصدع الحزب القرشي الحاكم وانشقاقه ، فتحرك بشكل سلمي وعلني لإحياء سيرة النبي صلى الله عليه وآله وأحاديثه وتجربته في الحكم التي تحفظ التعددية في الرأي ولا تفرض راياً واحداً على الناس ، وتثقيف الأمة بالمواد القانونية والحقائق التاريخية والأحاديث النبوية التي منعت حكومة قريش من نشرها . وكان للعراقيين وجودٌ بارزٌ ومؤثرٌ في حركة علي عليه السلام هذه ، ومنهم وجوه بارزة أمثال : مالك الاشتر ، وحجر بن عدي ، وكميل بن زياد، ونظرائهم ، إلى جنب صحابة بارزين ومسلمين أوائل أمثال : أبي ذر ، ومقداد ، وعمار ، وغيرهم ، الذين نال البعض منهم أذى كثيراً بل النفي أحيانا من قبل السلطة القرشية بسبب ذلك. انتهت حركة المتذمرين من قريش على عثمان بقتله في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة على يد طلحة بن عبيد الله التيمي (1) ، وكانوا يتوقعون أن يبادر الناس إلى بيعة واحد منهم . ولكنهم فوجئوا بانصراف الناس إلى بيت علي عليه السلام يطلبون منه البيعة. ولبّى الإمام علي عليه السلام طلبهم بعد إصرارهم وواعدهم في المسجد لتكون بيعته على مرأى ومسمع من كل الناس قائلاً لهم (2): (إن بيعتي لا تكون خَفْياً ، ولا تكون إلا عن رضا المسلمين وفى ملأ وجماعة)، ولم يُكرِه احدا على البيعة (3). وكانت فرحة الناس شديدة يوم بايعوه في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 35 هجرية (4). وكانت فرحتهم أشد يوم سمعوا قوله في خطابه عليه السلام الأول : (أنا متبع ولست بمبتدع) ، حيث أدركوا أنهم أمام دولة القانون الذي جاء به محمد عليه السلام ، وليسوا أمام اجتهادات وآراء شخصية ، كما أدركوا أنهم أمام حكومة تقوم على بيعة الشعب باختياره لمن ينص عليه القانون(5). مبادئ سياسته عليه السلام في الحكم : أعلن علي عليه السلام في اليوم الأول عن سياسته التي يتبناها وهي: - اتباع القانون الذي آمن به الناس تبعا لما جاء به محمد صلى الله عليه وآله ، وكان علي عليه السلام يقول: (منهج باقٍ عليه الكتاب والسنة وآثار النبوة) (6) ، (انا متبع ولست بمبتدع) (7). ثم طلب من الصحابة أن ينشروا كل ما يعرفون من الحقائق التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله ، وكان عليه السلام يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وآله يومياً صباحاً ومساءاً. ـ إن سلطة الحاكم مدنية شعبية ، بمعنى أنها تقوم بقدرات الناس وباختيارهم ، ومن هنا حث الإمام علي عليه السلام الناس على مراقبة الحاكم ومحاسبته ، ليتدربوا على ذلك حين يكون الحاكم غير معصوم ولينكروا عليه عند مخالفته القانون ، (انظروا فإن أنكرتم فأنكروا ، وإن عرفتم فآزروا. حق وباطل ، ولكل أهل ، ولئن رجعت إليكم أموركم إنكم لسعداء) (8). ـ إن البيعة لا تؤخذ بالإكراه. ـ إن الناس سواسية أمام القانون. ـ إن المواقع العليا في المجتمع لفقهاء القانون الأمناء عليه الكفوئين في تطبيقه الخبراء بمصالح الناس ، وليس لفئة خاصة من الناس. ـ إن الكفالة الإجتماعية شاملة لكل الناس بغض النظر عن دينهم أو موالاتهم لشخص الحاكم وارائه. ـ إن حرية الرأي ترجع إلى ما كانت عليه زمن النبي صلى الله عليه وآله، ولا يعاقب من يحمل رأيا مخالفا للدولة ما لم يحمل سلاحاً ليفرضه على الآخرين (9). ـ وأن الفئات تنعم بالعدل في ضوء القوانين العامة وفي أحوالها الشخصية تحكمها قوانينها الدينية الخاصة بها: (لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، حتى تزهر تلك القضايا إلى الله عز وجل وتقول: يا رب إنَّ عليا قضى بين خلقك بقضائك). انعكست هذه السياسة على العراقيين وشهدوا تطبيقاتها الرائعة حيث عاش علي عليه السلام بين ظهرانيهم أيام حكمه: شهدوا منه سكوته عن الخوارج حين استغلوا سماحه لكل مواطن أن يعبر عن رأيه فانطلقوا في عاصمة الدولة / الكوفة / يشوِّشون عليه(10) ويخطِّئون مواقفه ، ولم يخرج عن سياسته هذه معهم إلا بعدما حملوا السيف لفرض ارائهم بالقوة ، وبعد أشاعة حالة الإرهاب وقتل المواطنين الابرياء(11). حيث تصدى لحربهم وتخليص المجتمع من شرهم. وشهدوا منه عليه السلام أيضا دأبه وحرصه على تثقيفهم رجالاً ونساءاً بالقانون وبحقوقهم كمواطنين (12). وشهدوا منه تشجيعا لهم على السؤال عن الصغيرة والكبيرة في المعارف المختلفة وكان يحثهم على كتابة ذلك كله (13). ثم شهدوا منه عدلاً رائعا في الحكم (14). وعدم العقوبة على التهمة والظن (15). وتقسيم المال بالسوية (16). وكفالة العاجز ولو كان غير مسلم (17). وسيرته الشفافة إزاء المواطنين في جمع الضرائب (18). وسيرته الشفافة في تاديب الجاهلين (19). وسيرته المبدعة في إنشاء بيت الشكاوى للمحافظة على عزة وكرامة المواطن (20). وشهدوا منه أيضا رعاية حقوق الحيوان بما لا يخطر على بال أحد اليوم (21). ثم شهدوا منه سيرته المتميزة في نفسه زهداً وورعاً وعبادة. ______________________ (1) ولهذا السبب قتل مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله بسهم غيلة في حرب الجمل ، مع أنهما في معسكر واحد ضد علي عليه السلام ، قال ابن حجر في الإصابة 3/523 : طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي أحد الستة أصحاب الشورى . روى بن عساكر من طرق متعددة أن مروان بن الحكم هو الذي رماه فقتله . وأخرج أبو القاسم البغوي بسند صحيح عن الجارود بن أبي سبرة قال: لما كان يوم الجمل نظر مروان إلى طلحة فقال: لا أطلب ثأري بعد اليوم فنزع له بسهم فقتله. وفي الطبقات الكبرى في ترجمة طلحة: روى عن روح بن عبادة قال أخبرنا عوف قال: بلغني أن مروان بن الحكم رمى طلحة يوم الجمل وهو واقف إلى جنب عائشة بسهم فأصاب ساقه ثم قال: والله لا أطلب قاتل عثمان بعدك أبدا. وفيه أيضا قال محمد بن سعد أخبرني من سمع أبا حباب الكلبي يقول حدثني شيخ من كلب قال سمعت عبد الملك بن مروان يقول: لولا أن أمير المؤمنين مروان أخبرني أنه هو الذي قتل طلحة ما تركت من ولد طلحة أحداً إلا قتلته بعثمان بن عفان . وفي تهذيب التهذيب 5/19 بترجمة طلحة قال ابن حجر: وقال الحميدي في النوادر عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن أبي مروان قال: دخل موسى بن طلحة على الوليد فقال له: الوليد ما دخلت علىَّ قط إلا هممت بقتلك لولا أن أبي أخبرني أن مروان قتل طلحة ، وقال أبو عمر بن عبد البر لا تختلف العلماء الثقات في أن مروان قتل طلحة. (2) شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 9 ص 196. وهذا نظير قوله لعمه العباس لما عرض عليه أن يبايعه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في مجموعة خاصة قال له إني لا أحب هذا الأمر من وراء رتاج وأحب أن أصحر به. (3) نعم قاتل معاوية فيما بعد لانه لم يسلم ما بيده وكان على معاوية اذا لم يكن من رأيه ان يبايع مع وجوب ذلك عليه أن يعتزل لا أن يحتفظ بما عنده من ولاية وأموال المسلمين. (4) قال عليه السلام يصف حال بيعته: (وبسطتم يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم علي تداك الإبل الهِيم على حياضها يوم وِردها ; حتى انقطعت النعل ، وسقط الرداء ، ووطئ الضعيف ، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير ، وهدج إليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب.) (التداك الازدحام الشديد. والإبل الهِيم: العطاش. وهدج إليها الكبير: مشى مشياً ضعيفاً مرتعشا ، والمضارع يهدج بالكسر ، وتحامل نحوها العليل تكلف المشى على مشقة. وحسرت إليها الكعاب: كشفت عن وجهها حرصاً على حضور البيعة ، والكعاب: الجارية التى قد نهد ثديها ، (شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 13 ص 3.). (5) وكان جزء هذا القانون هو أن علياً واحد عشر من أهل بيته عليهم السلام أئمة هدى أوصياء للنبي صلى الله عليه وآله. لهم ما له صلى الله عليه وآله من العلم واختصاص الحكم بهم إلا النبوة والأزواج. (6) شرح نهج البلاغة ج2/56. (7) شرح نهج البلاغة 1/275. (8) شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 1 ص 276. أقول: وعلي عليه السلام يقول هذا مع أنه من أهل البيت الذين يقول عنهم في الخطبة نفسها في مقام آخر (انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم ، واتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا) (ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا ، وبحكم الله حكمنا ، ومن قول صادق سمعنا ، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرناومعنا راية الحق ، من تبعها لحق ، ومن تأخر عنها غرق. ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن ، وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم) إن هذا القول منه عليه السلام في أهل البيت عليهم السلام ، ليبين مقامهم الإلهي وكونهم شهداء على الناس في بيان القانون وأنهم معصومون في بيانه وعلى الرغم من أنهم معصومون في تطبيقه أيضا الا انه عليه السلام يريد أن ينبه الأمة إلى حقيقة أن القدرة السياسية للحاكم حتى لو كان معينا بشخصه من الله ورسوله إنما هي ناشئة من بيعة الناس فهي مدنية وليست إلهية بمعنى أنَّ تنفيذ القانون إنما هو بقدرات الناس وليس بقدرات إلهية خارقة ، ومن ثم يريد أن يربّي الأمة على مراقبة الحاكم بصفته أمينا على قدراتها ويكسبها تجارب ناجحة ، لتستفيد منها حين يكون الحاكم من غير الاثني عشر من أهل بيته عليهم السلام ، لأن قضية الحكم مفتوحة وغير مقيدة بعدد معين بخلاف الإمامة الإلهية فهي محصورة بعد النبي صلى الله عليه وآله بعدد محدود وفي أسرة معينة مضافا إلى أن الإنسان في موقع الحكم مهيأ أكثر من أي موقع آخر لأن يسيء استعمال القدرات التي بين يديه أو يسخرها لأهوائه وقد نجح علي عليه السلام في تربيته هذه بشكل لم يملك نفسه معاوية حين كان يواجه من وفود العراقيين رجالاً ونساءاً فقها وجرأة على مناقشته في أمور الحكم يقول: (هيهات يا أهل العراق لقد فقهكم علي فلن تطاقوا) (لقد لـمَّظكم علي الجرأة على السلطان وبطئ ما تفطمون). (9) أبرز مثال لهذه السياسة قصة حج التمتع وصلاة التراويح ، فإن فتوى الخليفة الثاني كانت تحريم متعة الحج وتأسيس جماعية صلاة النافلة في شهر رمضان ، مع أن متعة الحج مما أمر به القرآن والرسول صلى الله عليه وآله ، أما صلاة التراويح فقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عنها ، ولما عرَّفهم علي عليه السلام بتلك الحقيقة وأنه ليس لأحد الحق في تجاوز أمر النبي صلى الله عليه وآله ونهيه ، بقي جماعة ممن يرى أن الخليفة له الحق في سن السنن ولو كانت مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وآله ، ولم يستعمل علي عليه السلام معهم القوة بل تركهم وما يعتقدون ما دامت القضية ترتبط بسلوك فردي أو سلوك جماعي محدود ليس له أثر في بلبلة النظام. (10) روى أنس بن عياض المدني ، قال: حدثنى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، عن أبيه عن جده أن عليا عليه السلام ، كان يوماً يؤم الناس ، وهو يجهر بالقر اءة ، فجهر ابن الكواء من خلفه: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) ، فلما جهر ابن الكواء وهو خلفه بها سكت علي عليه السلام ، فلما أنهاها ابن الكواء عاد علي عليه السلام ، فأتم قراءته ، فلما شرع علي عليه السلام في القراءة أعاد ابن الكواء الجهر بتلك الآية ، فسكت علي عليه السلام ، فلم يزالا كذلك يسكت هذا ، ويقرأ ذاك مرارا ، حتى قرأ علي عليه السلام: (فاصبر إنَّ وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون، فسكت ابن الكواء ، وعاد إلى قراءته. (شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 2 ص 311). (11) أفسد الخوارج على علي عليه السلام أجواء الكوفة مدة سنة ونصف تقريباً ، حين انتشروا في الكوفة بعد رجوعهم من حرب صفين يخطئونه وهو لا يستعمل قدرته بصفته حاكماً في ردهم ، وإنما يقابل ذلك بالحجة والموعظة الحسنة حتى بدأوا يقتلون الأبرياء ممن هم على خط علي عليه السلام: أمثال عبد الله بن خباب بن الأرت. روى ابن ديزيل في كتاب صفين قال : كانت الخوارج في أول ما انصرفت عن رايات علي عليه السلام تهدد الناس قتلا ، قال : فأتت طائفة منهم على النهر إلى جانب قرية فخرج منها رجل مذعورا آخذاً بثيابه فادركوه فقالوا له : رعبناك ، قال : أجل فقالوا له : قد عرفناك أنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال : نعم ، قالوا : فما سمعت من ابيك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله. فحدثهم: (أن طائفة تمرق من الدين كما يمرق السهم من الرميه يقرءون القرآن صلاتهم أكثر من صلاتكم) ، فضربوا رأسه فسال دمه في النهر ما أمذقر أي ما اختلط بالماء كأنه شراك ، ثمَّ دعوا بجارية له حبلى فبقروا عما في بطنها (شرح نهج البلاغة ج2/269-271). فلما تورطوا في الدماء تصدى لقتالهم. (12) قال الباقر عليه السلام : كان عليّ عليه السلام إذا صلّى الفجر لم يزل معقّباً إلى أن تطلع الشمس ، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس ، فيعلّمهم الفقه والقرآن ، وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك (شرح نهج البلاغة : 4 / 109 عن أعين ; بحار الأنوار : 41 / 132 ). وروى العباس بن بكار الضبي في كتابه الوافدات على معاوية / 39 ، في قصة وفود عكرشة بنت الأطش على معاوية في سنوات الصلح والأمان انه لما رأى منها فقهاً في خصوص موارد صرف الصدقات والضرائب إضافة إلى ولائها لعلي عليه السلام قال: هيهات يا أهل العراق لقد فقهكم علي بن أبي طالب فلن تطاقوا. وكان يأمر ولاته بتعليم الناس . أيضا: الإمام علي عليه السلام من كتاب له إلى قُثَم بن العبّاس ، وهو عامله على مكّة : أمّا بعد ، فأقم للناس الحجّ ، وذكّرهم بأيّام الله ، واجلس لهم العصرين ، فأفتِ المستفتي ، وعلِّم الجاهل ، وذاكر العالم (نهج البلاغة : الكتاب 67 ، بحار الأنوار : 33 / 497 / 702 ). (13) روى الأزرقي عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يخطب على المنبر وهو يقول : سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم به ، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما منه آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبل . وروى ابن جرير الطبري بسنده عن أبي الطفيل قال: سمعت علياً عليه السلام يقول : لا تسألوني عن كتاب ناطق ولا سنة ماضية إلا حدثتكم . وفي رواية أبي الصهباء : لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته فقام ابن الكوا فسأله عن (والذاريات ذروا) ، قال: الرياح . وروى ابن عدي عن عامر بن واثلة قال: خطب علي بن أبي طالب عليه السلام في عامة فقال: يا أيها الناس إن العلم ليقبض قبضا سريعاً وإني أوشك أن تفقدوني فسلوني فلن تسألوني عن آية من كتاب الله إلا نبأتكم بها وفيما أنزلت وأنكم لن تجدوا واحداً من بعدي يحدثكم . وكان عليه السلام يصعد المنبر ويقول: من يشتر مني علماً بدرهم فسئل كيف ؟ قال تشترِ قرطاساً وتجلس تحت المنبر تكتب الحديث. (14) قال الإمام الباقر عليه السلام : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر قنبر أن يضرب رجلاً حدّاً ، فغلط قنبر فزاده ثلاثة أسواط ، فأقاده علي عليه السلام من قنبر ثلاثة أسواط. وقال عليه السلام: إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بالحق ، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق. وقال عليه السلام: أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض إلاّ مجلوداً في حدّ لم يتُب منه ، أو معروف بشهادة زور ، أوظنين (أي مُتَّهم في دينه ; فعيل بمعنى مفعول ، من الظُّنّة : التُّهَمة) . (15) روى الطبري 5 / 13 عن جندب : لمّا بلغ عليّاً عليه السلام مصابُ بني ناجية وقتلُ صاحبهم ، قال : هوت اُمّه ! ما كان أنقصَ عقلَه ، وأجرأه على ربّه ! فإنّه جاءني مرّة فقال لي : في أصحابك رجال قد خشيتُ أن يفارقوك ، فما ترى فيهم ؟ فقلت له : إنّي لا آخذ على التهمة ، ولا اُعاقب على الظنّ، ولا اُقاتل إلاّ من خالفني وناصبني ، وأظهر لي العداوة ، ولستُ مقاتلَه حتى أدعوه وأعذر إليه ، فإن تاب ورجع إلينا قبلنا منه ، وهو أخونا ، وإن أبى إلاّ الاعتزام على حربنا استعنّا عليه الله ، وناجزناه . (16) روى ابراهيم الثقفي: عن أبي إسحاق الهمداني: أن امرأتين أتيتا علياً عليه السلامعند القسمة إحداهما من العرب والأخرى من الموالي ، فأعطى كل واحدة خمسة وعشرين درهما وكراً من الطعام ، فقالت العربية : يا أمير المؤمنين إني إمرأة من العرب وهذه المرأة من العجم ؟ ! فقال علي عليه السلام إني لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق. (17) عن محمّد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين عليه السلام : مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما هذا ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين ، نصراني! قال : فقال أمير المؤمنين(ع) : أستعملتموه ، حتى إذا كبر وعجز منعتموه ؟ ! أنفِقوا عليه من بيت المال (تهذيب الأحكام : 6 / 293 / 811 ). (18) روى الكليني في الكافي 3/540 عن مهاجر عن رجل من ثقيف : استعملني علىّ بن أبي طالب عليه السلام على بانِقيا وسواد من سواد الكوفة ، فقال لي والناس حضور: انظر خَراجك فَجِدَّ فيه، ولا تترك منه درهماً ، فإذا أردتَ أن تتوجّه إلى عملك فمُرّ بي . قال : فأتيتُه ، فقال لي : إنّ الذي سمعتَ منّي خدعة ، إيّاك أن تضرب مسلماً أو يهوديّاً أو نصرانيّاً في درهم خراج ، أو تبيع دابّة عمل في درهم ، أورزقاً يأكلونه ، ولا كسوة شتاء ولا صيف. وفي رواية السنن الكبرى قال : قلتُ : يا أمير المؤمنين ، إذاً أرجع إليك كما ذهبتُ من عندك ! قال : وإن رجعتَ كما ذهبتَ ، وَيحك إنّما اُمِرنا أن نأخذ منهم العفوَ ـ يعني الفضل. ايضا تاريخ دمشق : 42 / 487 ، اُسد الغابة: 4 / 98 / 3789. (بانقيا : ناحية من نواحي الكوفة (معجم البلدان : 1 / 331). (19) روى ابن أبي الحديد في شرح النهج قال: كان علي عليه السلام في السوق ، وأقبلت السماءُ بالمطر ، فدنا إلى حانوت ، فأستأذن ، فلم يأذن له صاحب الحانوت ودفعه ، فقال : يا قنبر ، أخرجه إليّ ، فعلاه بالدرّة ، ثمّ قال : ما ضرَبتُك لدفعِك إيّاي ، ولكنّي ضربتُك لئلاّ تدفع مسلماً ضعيفاً فتكسر بعض أعضائه فيلزمك . (20) قال في صبح الأعشى : كان أوّل من اتّخذ بيتاً تُرمى فيه قِصَص أهل الظلامات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام . وكان عليه السلام يقول لأصحابه: من كانت له إليّ منكم حاجة ، فليرفعها في كتاب ، لأصون وجوهكم عن المسألة. (العقد الفريد : 1 / 203) . (21) وكان عليه السلام يوصي عمال صدقاته بوصية مفصلة آخرها: ولا تأخذنّ عَوداً ، ولا هَرِمة ، ولا مكسورة ، ولا مهلوسة ، ولا ذات عوار ، ... ثمّ احدُر إلينا ما اجتمع عندك نُصيِّره حيث أمر الله به . فإذا أخذها أمينُك فأوعز إليه ألاَّ يَحولَ بين ناقة وبين فصيلها ، ولا يمصُر لبنها فيضرّ ذلك بولدها ، ولا يَجهدنّها ركوباً ، وليعدل بين صواحباتها في ذلك وبينها ، وليُرفِّه على اللاغب . وليَستأنِ بالنَّقِبْ والظالِع ، وليوردها ما تمرّ به من الغُدُر ، ولا يَعدِل بها عن نبت الأرض إلى جوادّ الطرقِ ، وليُروِّحها في الساعات ، وليُمهِلها عند النِّطافِ والأعشاب ; حتى تأتينا بإذن الله بُدّنا مُنقِيات غير مُتعَبات ولا مَجهودات ، لنقسمها على كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله ; فإنّ ذلك أعظم لأجرك ، وأقرب لرشدك ، إن شاء الله ) شرح المفردات. (والعود: المسن من الابل ، والهرمة: المسنة أيضا ، والمهلوسة: المريضة قد هلسها المرض وأفنى لحمها ، والهلاس: السل. والملغب: المتعب ، واللغوب: الاعياء. وحدرت السفينة وغيرها - بغير ألف أحدرها بالضم. وقوله عليه السلام: "ولا تمصر لبنها" المصر حلب ما في الضرع جميعه ، نهاه من أن يحلب اللبن كله فيبقى الفصيل جائعا، ثم نهاه أن يجهدها ركوبا ، أي يتعبها ويحملها مشقة ، ثم أمره أن يعدل بين الركاب في ذلك، لا يخص بالركوب واحدة بعينها ، ليكون ذلك أروح لهن ، ليرفه على اللاغب ، أي ليتركه وليعفه عن الركوب ليستريح. والرفاهية: الدعة والراحة. والنقب: ذو النقب ، وهو رقة خف البعير حتى تكاد الارض تجرحه: أمره أن يستأني بالبعير ذى النقب، من الاناة ، وهى المهلة. والظالع: الذى ظلع ، أي غمز في مشيه ، والغُدُر: جمع غدير الماء. وجواد الطريق: حيث لا ينبت المرعى. والنطاف: جمع نطفة ، وهى الماء الصافي القليل. والبدن بالتشديد: السمان ، واحدها بادن. ومنقيات: ذوات نقي ، وهو المخ في العظم ، والشحم في العين من السمن ، وانقت الابل وغيرهاسمنت وصار فيها نقي ، وناقة منقية ، وهذه الناقة لا تنقي. (شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 51 ص 156). |
أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في حق علي عليه السلام وسمع العراقيون من الصحابة روايات في خصائص علي عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله انعكست بشكل نصوص قرآنية ، ونبوية في فضله ومنزلته من الله ورسوله. · كقوله صلى الله عليه وآله في تفسير قوله تعالى (اِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هاد) الرعد/7 (يا علي أنا المنذر وأنت الهادي) . · وقوله تعالى (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) هود/17 ، أي شاهد من أهل بيته ، وأنه علي عليه السلام. · وقوله تعالى (اِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) المائدة/55 ان (الذين امنوا) هنا هو علي عليه السلام، وغيرها كثير. · وقوله صلى الله عليه وآله فيه وفي أهل بيته عليهم السلام : (إني تارك فيكم أمرين (وفي رواية ثَقَلين) لن تضلوا إن اتبعتموهما (وفي رواية: ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا) : كتاب الله وعترتي أهل بيتي فلا تَقَدَّموهما فتهلِكوا ولا تقصِّروا عنهما فتهلِكوا ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منكم ). · وقوله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام : (أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : نعم . فقال صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) . · وقوله صلى الله عليه وآله فيه عليه السلامخاصة: (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) . · وقوله صلى الله عليه وآله: (علي أخي ووصيّي ووارثي). · وقوله صلى الله عليه وآله: (علي مني). · وقوله صلى الله عليه وآله: (علي مع الحق والحق مع علي). · وقوله صلى الله عليه وآله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها). وغيرها كثير. هذه الخصائص التي كان يتمنى البعض من الصحابة واحدة منها بالدنيا وما فيها (1). ______________________ (1) روى مسلم بسنده عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله فلن أسبه ، لإن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآلهيقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية : (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم السلام ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي. (صحيح مسلم 4/1871 ، الترمذي 5/638). وقد كتب الامام النسائي صاحب السنن كتابا في فضائل علي سماه خصائص علي عليه السلام. |
كل ذلك فَرَضَ على العراقيين إن يُحِبوا علياً عليه السلام ويربطواأنفسهم به مصيريا وفي ضوء تلك النصوص النبوية في علي عليه السلام مما نقله الرواة عن النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام ، وما شهدوه من سيرته الرائعة أحب العراقيون علياً، وحملوا روايته للإسلام وتجربته السياسية ، وربطوا انفسهم به وبالأئمة الطاهرين من ولده مصيرياً ، ووفوا له رجالاً ونساءاً وفاءاً يثير الإعجاب حتى من خصومه وأعدائه (1). ______________________ (1) روى العباس بن بكار الضبي في كتابه الوافدات على معاوية ، في قصة وفود الزرقاء بنت عدي الهمدانية في كلامه معها حول علي عليه السلام ورعايتها تذكر عليا بخير . قال: (والله لوفاؤكم له بعد موته اعجب الي من حبكم له في حياته). |
النبي صلى الله عليه وآله يؤسس التشيع في الحجاز وفي ضوء ما مر من البحث يتضح :وعلي عليه السلام يؤسسه في العراق أن غارس التشيع لعلي عليه السلام هو النبي صلى الله عليه وآله نفسه في مكة والمدينة ، وهو لا ينطق عن الهوى (1) . وأن غارسه في العراق هو علي عليه السلام . ولم تنمُ الغرسة في الحجاز ، لظروف خاصة معروفة. ونمت في العراق على يد علي عليه السلام ، ثم تعاهدها من بعده الحسن والحسين والائمة التسعة من ذرية الحسين عليهم السلام. ______________________ (1) ولكن مع الأسف صار هذا التأسيس النبوي للتشيع يسمى بدعة عند الذهبي ت726 امتداداً لسياسة بني العباس. قال الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب: أبان بن تغلب الكوفي شيعي جَلِد ، لكنه صدوق ، فلنا صدقه وعليه بدعته. وقد وثقه أحمد بن حنبل ، وابن معين ، وأبو حاتم ، وأورده ابن عدى ، وقال: كان غالياً في التشيع ، فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والإتقان ؟ فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة ؟ وجوابه أن البدعة على ضربين فبدعة صغرى كغلو التشيع ، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرُّف ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق. فلو رُدَّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بينة. ثم بدعة كبرى ، كالرفض الكامل والغلو فيه والحَطّ على أبي بكر وعمر ، والدعاء إلى ذلك ، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة. وأيضا فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأمونا ، بل الكذب شعارهم ، والتقية والنفاق دثارهم ، فكيف يقبل نقل من هذا حاله ! حاشا وكلا. فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا عليه السلام ، وتعرض لسبهم. والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ، ويتبرأ من الشيخين أيضا ، فهذا ضال معثر ولم يكن أبان بن تغلب يعرض للشيخين أصلا ، بل قد يعتقد عليا أفضل منهما. (ميزان الاعتدال - الذهبي ج 1 ص 5). |
الإمام علي عليه السلام وولده المعصومون عليهم السلام يفخرون بأهل العراق كان علي عليه السلام يخاطب الكوفيين : (أنتم الأنصار على الحق ، والإخوان في الدين ، والجنن يوم البأس ، والبطانة دون الناس ، بكم أضرب المدبر ، وأرجو طاعة المقبل ... ، فو الله إني لأولى الناس بالناس)(1). وكان يقول عليه السلام : (الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء ، والذي نفسي بيده لينتصرَنَّ الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز) (2). وروى حنان بن سدير عن أبيه قال : دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حمَّاماً بالمدينة فإذا رجل في بيت المسلخ ، فقال لنا مَنِ القوم ؟ فقلنا من أهل العراق ، فقال : وأي العراق ؟ قلنا كوفيون ، فقال : مرحباً بكم يا أهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار ، فسألنا عنه فإذا هو علي بن الحسين عليه السلام (3) . وعن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : (إن الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة) (4) . وروي عن الصادق عليه السلام في فضل الكوفة أنه قال : (تربة تحبنا ونحبها) . وعن عبد الله بن الوليد قال : دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه ، فسألنا : من أنتم ؟ فقلنا : من أهل الكوفة . فقال عليه السلام : أما إنه ليس بلد من البلدان اكثر محبا لنا من أهل الكوفة، إن الله هداكم لأمر جهله الناس ، أحببتمونا وأبغضنا الناس ، وصدقتمونا وكذبنا الناس ، واتبعتمونا وخالفنا الناس . فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا. ______________________ (1) قال ابن أبي الحديد: الجنن: جمع جنة ، وهى ما يستر به. وبطانة الرجل: خواصه وخالصته الذين لا يطوى عنهم سره. فإن قلت: أما ضربه بهم المدبر فمعلوم ، يعنى الحرب ، فما معنى قوله عليه السلام: " وأرجو طاعة المقبل " ؟ قلت: لأن من ينضوى إليه من المخالفين إذا رأى ما عليه شيعته وبطانته من الأخلاق الحميدة ، والسيرة الحسنة ، أطاعه بقلبه باطنا ، بعد أن كان انضوى إليه ظاهرا. (2) معجم البلدان 4/492. (3) الوسائل ج1/368عن الكافي ورواه الصدوق أيضا . (4) البحار 60/209 . |
العراقيون دفعوا الثمن غاليا بسبب وفائهم لعلي عليه السلام انطلق العراقيون /حين تم الصلح بين الحسن عليه السلام ومعاوية وتحقق الأمان والحرية الفكرية عشر سنوات(1) / يحملون رسالتهم لأهل الشام يعرِّفونهم بسيرة علي عليه السلام ، وبأحاديث النبي صلى الله عليه وآله فيه وفي أهل بيته ، وقد كانوا محجوبين عن هذه السيرة أيام الحرب ، وأيام الخلافة القرشية . ثم تحول بلاط معاوية نفسه في هذه السنوات إلى منبر تذكر فيه سيرة علي وخصائصه. وكان مما نقله العراقيون لأهل الشام من سيرة علي عليه السلام ما ذكره ضرار بن ضمرة ، حين طلب منه معاوية ان يصف له علياً عليه السلام ، وكان وصافاً بليغاً . روى أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب قال : قال معاوية لضرار الضبابي: يا ضرار صف لي عليا ، قال: اعفني يا أمير المؤمنين ، قال: لتصفنه ، قال: أما إذ لابد من وصفه: كان واللهِ بعيدَ المدى ، شديدَ القِوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلا ، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه ، وتنطِقُ الحِكمَةُ من نواحيه ، يستوحشُ من الدنيا وزَهرتها ، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه ، وكان غزيرُ العَبرة ، طويلُ الفكرة ، يُعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر ، ومن الطعام ما خَشُن. كان فينا كأحِدِنا ، يجيبُنا إذا سألناه ، وينبئُنا إذا استفتيناه ، ونحن واللهِ مع تقريبِه إيانا وقُربِه منّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. يعظِّم أهلَ الدين ويُقرِّب المساكين . لا يطمع القَويُّ في باطله ، ولا ييئَسُ الضعيفُ من عدله ، وأشهدُ لقد رأيتُه في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليلُ سدولَه ، وغارت نجومَه ، قابضاً على لحيته ، يتململُ تململَ السَّليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول: يا دنيا غُرِّي غيري ، أبي تَعرضَّتِ أمْ إليَّ تَشوَّفتِ. هيهات هيهات قد باينتُك ثلاثاً لا رجعة لي فيها ، فعُمرك قصير وخطرك حقير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فبكى معاوية وقال : رحم الله أبا حسن كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال: حزن من ذُبح ولدها في حجرها ). أدرك أهل الشام من خلال ذلك أن معاوية كان ظالما لعلي عليه السلام في حربه إياه وتشويه سيرته . ولم تطب نفس معاوية بذلك ، ولا بانتشار أخبار سيرة علي عليه السلام المشرقة ، فخطط لتطويق ذلك وتطويق النهضة الفكرية التي أوجدها وقام بها علي عليه السلام ، بل خطط للقضاء عليها ، ومعنى ذلك هو التخطيط تصفية التشيع في العراق مهما تطلب ذلك من ثمن . محنة العراقيين على عهد معاوية بعد وفاة الحسن عليه السلام: غدر معاوية بالحسن عليه السلام، فدس له السم بعد عشر سنوات ، ونقض كل شروطه ، وأعلن عن سياسته الجديدة التي تقوم على عدم ذكر علي عليه السلام بخير ، والأمر بلعنه والبراءة منه بصفته ملحداً في الدين وتتبع شيعته وسجنِهم وقتلِهم وتهجيرِهم ونفيِهم . وقد روي عن الامام الباقر عليه السلام يصف محنة الشيعة بعد وفاة الحسن عليه السلام قال : (فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظِّنة ، وكان من يُذكر بحبنا والانقطاع إلينا سُجن أو نُهب ماله أو هُدمت داره ، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام). وقال المدائني: (وكان أشد الناس بلاءاً حينئذ أهل الكوفة ، لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سمية ، فكان يتتبع الشيعة ، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم ، وقطَّع الأيدي والأرجل ، وسمَّل العيون ، وصلَّبهم على جذوع النخل ، وطرَّدهم وشرَّدهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم) . وروى أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في كتابه (المنتظم): (أن زياداً لما حصبه أهل الكوفة ، وهو يخطب على المنبر ، قطع أيدي ثمانين منهم ، وهمَّ أن يخرِّب دورهم ، ويجمِّر نخلهم(2) ، فجمعهم حتى ملأ بهم المسجد والرحبة ، يعرضهم على البراءة من علي عليه السلام، وعلم أنهم سيمتنعون ، فيحتج بذلك على استئصالهم ، وإخراب بلدهم. قال عبد الرحمن بن السائب الأنصاري: فإني لمع نفر من قومي ، والناس يومئذ في أمر عظيم ، إذ هوَّمتُ تهويمة (نمت قليلا)، فرأيت شيئا أقبل ، طويل العنق ، مثل عنق البعير أهدر أهدل ، فقلت: ما أنت ؟ فقال: أنا النقاد ذو الرقبة ، بعثت إلى صاحب هذا القصر ، فاستيقظت فزعا ، فقلت لأصحابي: هل رأيتم ما رأيت ؟ قالوا: لا ، فأخبرتهم ، وخرج علينا خارج من القصر ، فقال: انصرفوا ، فإن الأمير يقول لكم: إني عنكم اليوم مشغول ، وإذا بالطاعون قد ضربه). ثم اشتدّت المحنة لما نهض الحسين عليه السلام وبذل الكوفيون النصرة له وتعاقدوا معه على حمايته ، ومقاومة طغيان بني أمية ، تعاقدوا معه كما تعاقد أهل المدينة من قبل على حماية النبي صلى الله عليه وآله ، ومقاومة طغيان قريش ، وشاء الله تعالى أن يسجن آلاف الشيعة ، وتقطع الطرق ، ويحاصر الحسين عليه السلام ومن معه من أهل بيته والصفوة من شيعته ، ثم يقتلوا بتلك القتلة الشنيعة بعد أن رفض الحسين عليه السلام أن يبايع ليزيد ، ويقره على سياسة أبيه الماحقة للدين(3). محنة العراقيين أيام الزبيريين : بعد موت يزيد نهض شيعة علي عليه السلام في الكوفة ، ليواصلوا خطة الحسين عليه السلام في إقامة دولة الكوفة لحماية مدرسة علي عليه السلام وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله التي تبين موقعه من الإسلام ، ثم الإطاحة بطغمة بني أمية في الشام الذين كانت رسالتهم طمس مدرسة علي عليه السلام وتصفية شيعته ، وقامت دولة المختار (رحمه الله) (4) ، وانطلقت البقية الباقية من أصحاب علي عليه السلام ، وبقية أصحاب النبي صلى الله عليه وآله الموالين له يثقفون الجيل المحروم من ثقافة مدرسة علي عليه السلام . ولم يرُق لابن الزبير ان تنبعث مدرسة علي عليه السلام من جديد على حساب مملكته وأطروحته القرشية في الحكم ، فكان أكبر همِّه أن يقضي على دولة المختار ، وتم له ما أراد على يد أخيه مصعب بعد معارك ضارية مع المختار انتهت بسقوطه شهيداً (رحمه الله) على منهاج علي والحسين عليهما السلام . دشَّن مصعب عهده في الكوفة بقتل سبعة آلاف شخص من أصحاب المختار ، كانوا قد حُصروا في القصر واستأمنهم مصعب ، ثم غدر بهم وقتلهم في يوم واحد ، ولما عاتبه عبد الله بن عمر على ذلك قائلاً له أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة ؟ أجابه مصعب: إنهم كانوا كفرة سحرة. فقال ابن عمر: والله لو قتلتَ عِدتهم غنماً من تراث أبيك لكان ذلك سَرَفا. ثم عرض مصعب على زوجتي المختار البراءة من المختار ، فرفضتا قائلتين : كيف نبرأ من رجل قام ليله وصام نهاره ؟ واستفتى أخاه عبد الله بن الزبير فقال أعرضهما على السيف فإن تبرأتا وإلا فاقتلهما . فتبرأت إبنة سمرة بن جندب خوفا ، واستقبلت الشهادة إبنة النعمان بن بشير قائلة: شهادة أرزقها فأتركها ؟ كلا ! إنها موتة ، ثم الجنة والقدوم على الرسول وأهل بيته ، اللهم اشهد أني متبعة لنبيك وابن بنته وأهل بيته وشيعته ، ثم قدمها فقتلت صبرا. ثم استمر حكم الزبيريين للعراق خمس سنوات شوّهوا خلالها شخصية المختار ، وتجربته ، واتهموه بادعائه النبوة وزيارة جبرئيل له ، ليبغضوه إلى الناس ، ويسوغوا اتهامه بالكذب. محنة العراقيين أيام المروانيين : انتهت دولة ابن الزبير الظالمة على يد عبد الملك بن مروان سنة 73 هـ ، وولي العراق سنة 75 هـ الحجاج بن يوسف الثقفي ، وتبنى عبد الملك سياسة معاوية في لعن علي عليه السلام ، ونفذها بقسوة ، واكمل شوط مصعب في ملاحقة مدرسة علي عليه السلام ، وتصفية شيعته. استهل الحجاج عهده مع الكوفيين سنة 75 هـ بقوله: (.. إنكم أهل بغي وخلاف وشقاق ونفاق ، طالما أوضعتم في الضلال وسننتم سنن البغي ). ثم أمره عبد الملك بعد ثورة ابن الأشعث عليه: بأن يدعوُ الناس إلى البيعة ، فمن أقر بالكفر اخلى سبيله. وكتب عبد الملك إلى الحجاج أيضا: (أنْ جمِّر (5) أهل العراق ، وتابع عليهم البعوث ، واستعن عليهم بالفقر ، فإنه جند الله الأكبر). ففعل ذلك بهم سنتين. قال الإمام الباقر عليه السلام وهو يذكر محنة الشيعة في عهد الحجاج: (ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكلِّ ظِنَّة وتُهمة حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر احب إليه من أن يقال شيعة علي عليه السلام). وتتبع الحجاج العراقيين في كل مكان خارج العراق . روى ابن سعد في الطبقات الكبرى قال: خرج عطية بن سعد بن جنادة (6) مع ابن الأشعث على الحجاج فلما انهزم جيش بن الأشعث هرب عطية إلى فارس فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم الثقفي أن ادع عطية فإن لعن علي بن أبي طالب عليه السلام وإلا فاضربه أربعمائة سوط واحلق رأسه ولحيته ، فدعاه فأقرأه كتاب الحجاج ، فأبى عطية أن يفعل فضربه أربعمائة وحلق رأسه ولحيته. قال اليعقوبي: وكتب الوليد إلى خالد بن عبدالله القسري ، عامله على الحجاز ، يأمره بإخراج من بالحجاز من أهل العِراقين ، وحملهم إلى الحجاج بن يوسف ، فبعث خالد إلى المدينة عثمان بن حيان المري لإخراج من بها من أهل العراقين ، فأخرجهم جميعا ، وجماعاتهم في الجوامع إلى الحجاج ، ولم يترك تاجراً ولا غير تاجر ، ونادى: ألا برئت الذمة ممن آوى عراقياً ، وكان لا يبلغه أن أحداً من أهل العراق في دار أحد من أهل المدينة إلا أخرجه. ثم اشتدت محنتهم لما قاموا مع زيد رضوان الله عليه أيام هشام وانتقم منهم يوسف بن عمر واليه على العراق أشد انتقام . قال البلاذري : وبعث يوسف بن عمر إلى أم إمرأة لزيد بن علي بن الحسين عليهما السلام أزدية فهدم دارها وحملت إليه ، وأمر أن تشق عليها ثيابها فجلدها بالسياط فماتت ثم أمر بها فأُلقيت في العراء فسرقها قومها ودفنوها في مقابرهم . وأخذ إمرأة قوَّت زيداً على أمره فأمر بها أن تقطع يدها ورجلها... وضرب عنق زوجها . وضرب إمرأة أشارت على أمها أن تؤوي إبنة لزيد خمسمائة سوط. وهدم دوراً كثيرة . وأُتِيَ يوسف بعبد الله بن يعقوب السلمي من ولد عتبة بن فرقد وكان زوَّجَ إبنته من يحيى بن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلامفقال له يوسف : ائتني بابنتك! قال: وما تصنع بها جارية عاتق (7) في البيت ؟ قال: أقسم لتأتيني بها أو لأضربنَّ عنقك ، وكان قد كتب إلى هشام يصف طاعته ، فأبى أن يأتيه بابنته فضرب عنقه ، وأمر العريف أن يأتيه بابنة عبد الله بن يعقوب فأبى فأمر به فدُقَّت يده ورجله . قال البلاذري : ولما فرغ يوسف من أمر زيد صعد منبر الكوفة فشتم أهلها وقال : يا أهل المِدْرَة الخبيثة... لقد هممتُ أن أخرب بلدكم وأن أحربكم بأموالكم ... إنكم أهل بغي وخلاف ، ولقد سألت أمير المؤمنين أن يأذن لي فيكم ولو فعل لقتلت مقاتلتكم وسبيت نساءكم ، إن يحيى بن زيد (8) ليتنقل في حجال نسائكم كما كان أبوه يفعل ، وما فيكم مطيع إلا حكيم بن شريك المحاربي ، والله لو ظفرت بيحياكم لعرقت (9) خصييه كما عرقت خصيتي أبيه (10). محنة العراقيين أيام العباسيين : سقطت دولة بني أمية على يد العباسيين ، وأغتنم الإمام الصادق عليه السلام فرصة انشغال أبي العباس السفاح بملاحقة فلول بني أمية وتأسيس الدولة الجديدة ، فنشر روايات كتاب علي عليه السلام في السنة النبوية ، ونشر أخبار سيرته في الكوفة ، وتربى على يده آلاف العلماء ، كان منهم أربعمائة فقيه عرفت رسائلهم في الفقه بالأصول الأربعمائة كلها ألفت قبل كتاب الموطأ لمالك مالك بن أنس الذي يعد أقدم كتب أهل السنة في الحديث ألّفه بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام. كان هوى الكوفيين سياسياً مع الثائرين الحسنيين امتداداً لعلاقتهم مع زيد (رحمه الله) ، أما في الفقه فهم اتباع الصادق عليه السلام (11). ولما قتل محمد وأخوه إبراهيم إبنا عبد الله بن الحسن بن الحسن المثنى بعد فشل ثورتيهما ، خاطب المنصور أهل الكوفة قائلا لهم: (يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى بلد أنتم فيه... لَلعجب لبني أمية وصبرهم عليكم ، كيف لم يقتلوا مقاتلتكم ويسبوا ذراريكم ، ويخربوا منازلكم. أما والله يا أهل المَدَرَة الخبيثة لئن بقيت لكم لأ ذلنكم). وفي الحوار الذي دار بين أبي جعفر المنصور ، ومالك بن انس حين عرض المنصور عليه أن يجعله مرجعاً فقهياً للدولة آنذاك في قبال الإمام الصادق عليه السلام الذي انتشر أمره وعظمت مرجعيته: قال مالك: فقلت له: يا أمير المؤمنين ولأهل العراق قولاً تعدَّوْا فيه طورَهم! فقال : أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفاً ولا عدلا ، وإنما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم . وفي رواية اخرى قال مالك فقلت له: ان أهل العراق لا يرتضون عِلمَنا . فقال أبو جعفر: يضرب عليه عامَّتُهم بالسيف ، وتقطع عليه ظهورهم بالسياط. وقد رسم المنصور خطوط السياسة الإعلامية لدولته بشأن الإمام الصادق عليه السلام وشيعته ، وفي ضوئها وضعت الأخبار الموضوعة بأساليب مختلفة ، لتشويه سيرة الكوفة والكوفيين أيام علي والحسن والحسين عليهم السلام، ونسبت كلمات ابن الزبير والحجاج في ذم الكوفيين إلى علي عليه السلام ونسج على منوالها ، وبعضها وضع على لسان الحسن والحسين، ثم حَمَّلت هذه السياسة الكوفيين مسؤولية قتل الحسين عليه السلام ، ونسبت إليهم الندم وتسمية أنفسهم بالتوابين (12) ، ثم جعلت هذه السياسة أيضا التشيع لعلي عليه السلام والقول بالوصية المشابهة لوصية موسى لهارون ، أو وصية موسى ليوشع من ابتكارعبد الله بن سبأ (13). وقد نظم ابن المعتز العباسي سياسة آبائه هذه في أرجوزة ضمنها ديوانه جاء فيها: واستمع الآن حديث الكوفة ** مدينة بعينها معروفة كـثيرةُ الأديان والأئمـة ** وهمُّها تشتيتُ أمر الامة مصنوعةٌ بكفر بَخت نَصَّ ** وكفر نمرود إمامِ الكفَّر وعشَّش الشَّرُّ بها وفرَّخا ** ثم بنى بأرضها ورسَّخا وغرق العالم من تنورها ** جزاء شرِّ كان من شرورها وهربت سفينة الطوفانِ ** منها إلى الجودىِّ والأركانِ وهم بنوا للجور صرحا محكما ** فاتخذوا إلى السماء سلَّما ولم يزل سكانها فُجّارا ** مستبصرا في الشرك أو سحارا تفرقوا وبُلبِلوا بِلبالا ** وبدَّلوا من بعد حال حالا (14) وهم رموا في البئر إبراهيما ** لما رأوا أصنامهم رميما واخذوا وقتلوا عليا ** العادل ، البَرَّ ، التقي الزكيا وقتلوا الحسين ، بعد ذاكا ** فأهلكوا أنفسهم إهلاكا وجحدوا كتابهم إليهِ ** وحرَّفوا قرآنهم عليهِ ثم بكوا من بعده ، وناحوا ** جهلا ، كذاك يفعل التمساح فقد بقوا في دينهم حيارى ** فلا يهودٌ همْ ولا نصارى والمسلمون منهمُ براءُ (15) ** رافضةٌ ودينهم هباءُ فبعضهم قد جَحَدَ الرسولا ** وغلَّطوا في فعله جبريلا(16) ______________________ (1) الرؤية المشهورة عن سنوات الصلح العشر أنها سنوات خوف وتهجير وسجن ، غير أننا تتبعنا من روعهم أو هجرهم أو سجنهم أو قتلهم معاوية فوجدناه قد تم بعد وفاة الحسن عليه السلام وأن سنوات الصلح تلك كانت آمنة وفيها استطاع شيعة علي عليه السلام من نشر سيرة علي عليه السلام وأحاديثه بين أهل الشام وغيرهم ، وقد فصلنا ذلك في كتابناعن الإمام الحسن عليه السلام نرجو أن نوفق لإكماله. (2) تجمير النخل : قطع جمّاره أي قطع رؤوسه. (3) انظر تفصيل البحث في كتابنا عن الإمام الحسين عليه السلام. (4) انظر بحثنا المفصّل عن المختار (رحمه الله) في كتابنا عن الإمام الحسين عليه السلام تحت الطبع. (5) تجمير الجند: ابقاؤهم في أرض العدو وهو منهي عنه في الإسلام (لسان العرب). (6) سعد بن جنادة صحابي من أهل الطائف سكن الكوفة وهو من شيعة علي عليه السلام ، وولد عطية في عهد علي عليه السلام وهو الذي سماه بهذا الاسم. (7) العاتق : الجارية أول ما أدركت . (8) ترجم البلاذري ليحيى بن زيد وحركته ومقتله في الجوزجان في ج3/453-458 . (9) عرق خصييه: كناية عن القتل. (10) انساب الأشراف ج3 /448-450 . (11) انظر بحثنا عن الحسنيين الثائرين وعلاقتهم مع الإمام الصادق في كتابنا شبهات وردود الطبعة الرابعة الملحق. (12) فصلنا ذلك في كتابنا عن الإمام الحسين عليه السلام. (13) يرى أستاذنا العلامة العسكري أن سيف الذي توفى بعد سنة 171 أو بعد سنة 191اختلق شخصية عبد الله بن سبأ لربط أصل التشيع به كان على عهد بني أمية ، ونحن نرى أن سيفاً اختلق ذلك في عهد بني العباس استجابة لخطة المنصور في تطويق التشيع بعد فشل ثورة الحسنيين ومواجهته لمدرسة الإمام الصادق عليه السلام. (14) بلبلوا: تفرقوا ، وتبددوا. (15) روى القاضي عياض الحوار الذي دار بين أبي جعفر المنصور ومالك بن أنس حيث عرض عليه أن يجعله مرجعاً فقهياً للدولة انذاك. قال مالك: قال فقلت له: ولأهل العراق قولاً تعدَّوْا فيه طورَهم (في اتباعهم لفقه الإمام الصادق عليه السلام). فقال: أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفاً ولا عدلا، وإنما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم. وفي رواية فقلت له: إن أهل العراق لا يرضون عِلمَنا. فقال أبو جعفر يضرب عليه عامَّتهم بالسيف وتقطع عليه ظهورهم بالسياط. انظرتفصيل ذلك في كتابنا المدخل الى دراسة مصادر التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية ص470. (16) وللمزيد عن هذا الموضوع يراجع بحث السياسة الإعلامية لبني العباس بعد فشل حركة الحسنيين في كتابنا المدخل الى دراسة مصادر السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي ص475. |
الكوفة إلى اليوم مركز رواية فقه علي عليه السلام وتجربته وروايته لسنة النبي صلى الله عليه وآله انتشر التشيع لعلي عليه السلام ، وانتشرت عن طريق ولده الصادق عليه السلام روايات كتابه في السنة النبوية الذي كتبه بخط يده من النبي صلى الله عليه وآله ، على الرغم من عوامل القهر والملاحقة والتضييق . وامتد التشيع إلى بغداد التي أسسها المنصور ، لتكون خالية منه ، واستقر فيها بحلول القرنين الهجريين الثالث والرابع ، وصارت مركزاً لسفراء الإمام للمهدي محمد بن الحسن العسكري الأربعة في أنحاء متفرقة من بغداد وقبورهم بها (1). وفي العهد البويهي تعمق وجود الشيعة في بغداد واتسع . وبرزت مواكب الحسين عليه السلام أيام عاشوراء في الشوارع والطرقات العامة . وبرزت بيوتات علمية . وبقي الأمر كذلك إلى زمن الشيخ المفيد (ت 413 هـ) وتلميذه السيد المرتضى (ت 436 هـ) ، ثم شطراً من حياة الشيخ الطوسي (ت 461 هـ)(2). ثم اشتعلت الفتنة الطائفية في بغداد خلال السنوات الأولى من تقويض الحكم البويهي على يد السلاجقة سنة 447 هـ ، وبلغت قمتها بقتل جملة من الشيعة ، وكبست دار الشيخ الطوسي سنة 449 هـ ونهبت وأحرقت مكتبته ، وانتقل الشيخ الطوسي إلى النجف في تلك السنة ، واستقطب الحلقات العلمية البسيطة الموجودة قبله ثم التحق به عدة من تلاميذه في بغداد. وقد شاء الله تعالى أن تكون النجف بهجرة الشيخ الطوسي إليها مركز الحركة العلمية لرواية تراث علي عليه السلام وفقهه ، وأصبحت بحق امتداداً لمدرسة الكوفة التي أسسها الإمام علي عليه السلام ، وأحياها الإمام الصادق عليه السلام. ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم تمارس حوزة النجف مهمتها عبر أساتذتها ، وفقهائها ـ حرسهم الله ـ في المحافظة على تراث علي عليه السلام برواية أبنائه الطاهرين ، ويقصدها طلبة العلم من كل أنحاء العالم الإسلامي (3). ______________________ (1) هؤلاء السفراء هم عثمان بن سعيد ، وولده محمد بن عثمان بن سعيد ، والحسين بن روح ، وعلي بن محمد السمري وهو آخرهم ت329 هجرية رحمهم الله . (2) كان عدد تلاميذه في بغداد ثلاثمائة من الشيعة ومن السنة عدد كبير. (3) كان إلى جنب النجف في العراق حوزة الحلة التي برزت في عهد ابن إدريس ثم المحقق الحلي (ت 676) الذي ضم مجلس درسه أربعمائة مجتهد كما تحدده بعض المصادر وقد استمرت حوزة الحلة ثلاثة قرون . ثم عادت الحوزة إلى النجف زمن الشيخ الأردبيلي ت سنة 993). ثم انتقلت الحركة العلمية إلى كربلاء من عام 1150 إلى عام 1212هجرية أيام الشيخ يوسف البحراني ت1187والوحيد البهبهاني ت1208 ، ثم انتقلت الحركة العلمية إلى النجف أيام السيد محمد مهدي بحر العلوم ت 1212هجرية وبرزت لفترة قصيرة أيضا سامراء أيام الميرزا الشيرازي وكذلك الكاظمية . ولم تخل النجف خلال ذلك من وجود الحلقات العلمية فيها ، كما لم تخل كربلاء والكاظمية منها منذ تأسيس الحلقات العلمية فيها وإلى اليوم. |
دفع شيعة العراق الثمن غاليا وفي مرحلتنا الراهنة ، وعلى عهد طاغية العراق المعاصر ، عاش الشيعة محنة لا تقل عن سائر المحن التي مرّوا بها ، وسجل التاريخ من جرائم هذا الطاغية بحق شيعة العراق ما لا يقل عن جرائم أسلافه معاوية ويزيد والحجاج والمنصور ، بدءاً بتهجير الآلاف من الشيعة على وجبتين الأولى سنة 1970 ، والثانية سنة 1980 .أيام طاغية بغداد في تاريخنا المعاصر ثم منعه للمواكب الحسينية . ثم تتبعه للمؤمنين والعلماء سجناً وقتلا . ثم التعتيم على ذكر علي عليه السلام ، وأهل بيته عليهم السلام ، حيث ينبغي في كتب المناهج المدرسية . فقد أمر بتاليف كتاب يتحدث عن تاريخ العراق منذ أيام السومريين والبابليين إلى اليوم في سبعمائة صفحة ، ليدرس في الجامعات ، وقد ذكر حمورابي بعدة صفحات ونبوخذ نصر بعدة صفحات ، وكذلك الحال مع المنصور والرشيد ، غير أنه لما ذكر عليا عليه السلام لم يذكره إلا بسطر ونصف في موضع كان من المفروض أن يترجم له بما يتناسب وأثره في تاريخ العراق أما الحسن بن علي عليه السلام وقد عاش العراقيون في ظله اروع عهد من الأمان والنشاط العلمي وكذلك الإمام الصادق ع حيث يتنمي شيعة العراق إلى مدرسته وعُرِفوا بالجعفرية ولم يذكر بحرف واحد (1). ثم تصفية رجالات ، ومؤسسات الشيعة بما لو أسهبنا فيها لضاقت مجلدات عن استيعابه وبيانه . وقد كشفت القبور الجماعية عن غيض من فيض من المعاناة التي عاناها شيعة أهل البيت عليهم السلام في العراق ، حين سُجنوا وحرِّقوا وذُوِّبوا في أحواض التيزاب ، وحين أُرعبت نساؤهم وأطفالهم ، وحين اصطبغت الأرض بدمائهم. ______________________ (1) الكتاب المشار إليه هو (العراق في التاريخ ط بغداد 1983 وقد قدم له الدكتور صالح أحمد العلي قائلا : وبتشجيع من الرئيس القائد صدام حسين تألفت لجنة من كبار المتخصصين في العراق ... وتوزعوا العمل فيما بينهم وطبعت طبعة تجريبية نوقشت في ندوة مفتوحة اذيعت بالتلفزيون ... وقام بتنظيم فصول الكتاب وإعداد نشره الدكتور عماد عبد السلام ثم أعيد النظر في بعض كتب ... واتخذت صورتها التي تعرف فيه حاليا . |
ما ذنب الشيعة في كل ذلك ؟ لم يكن لشيعة العراق في كل ما منوا به من النكبات ، وما تعرضوا له من اضطهاد إلاّ أنهم حملوا الإسلام برواية علي عليه السلام وتطبيقه له ووفوا له. ولم يكن بنو أمية ولا الزبيريون ولا العباسيون ومن نهج نهجهم ليرغبوا أن تنتشر مدرسة علي عليه السلام ، لأن هذه المدرسة لا تقر الظلم ، ولا تسمح لنفسها أن تفرض رأيها بالقوة على الناس ، ولا تقر تسطيح وعي الناس أو تعبيدهم للحاكم . |
المشروع السياسي لشيعة العراق أننا نقولها كلمة صريحة لشعبنا كله في العراق ، أن مشروع شيعة العراق للعراق إذا أرادوا لأنفسهم مشروعاً فهو إحياء دولة علي عليه السلام وهو مشروع يمثل خلاص العراق من الدكتاتورية والتخلف واستعادة دوره الإيجابي الفاعل في حركة التاريخ . وقد بينّا في ثنايا هذه الدراسة بشكل مختصر ملامح هذه التجربة . ونرجو أن نوفق لكتابة أكثر تفصيلاً في هذا الموضوع الحساس . هذا المشروع الذي أوضحه وبينه الشهيد السعيد محمد باقر الصدر رحمه الله في كتاباته ، وبحوثه ، ومحاضراته ، وممن هو على نهج علي عليه السلام من العلماء والمثقفين. وقد شاء الله تعالى أن يقترن إنهيار وزوال سلطة طاغية العراق بذكرى شهادة المرجع الراحل السيد الصدر محمد باقر بتاريخها الميلادي ، وأن تقترن رئاسة أول رئيس لمجلس الحكم وهو الداعية الدكتور إبراهيم الجعفري بذكرى صدور الحكم على كل منتم إلىحزب الدعوة بالإعدام ، وأن تقترن رئاسة حجة الإسلام والمسلمين السيد عبد العزيز الحكيم بالقبض على رأس النظام وطاغية بغداد ، ويتحقق قوله تعالى فيه (فاليَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لمِنْ خَلْفَكَ آيَة) ، وكأن الله تعالى ـ/وهو صانع هذا الحدث وفق سننه/ ـ يريد أن يخاطب شعب العراق ويقول لهم: إن المشروع الصالح لبناء العراق وإنسانه هو مشروع المرجع الراحل محمد باقر الصدر قدس سره(1) ، فإنه مشروع موصول بمشروع رجالات الله الأوائل في العراق آدم ونوح وإبراهيم ، ثم رجالات الله أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام . لقد تتابع مشروع النبوات الأولى (نبوة آدم ونوح وإبراهيم عليهم السلام) على أرض العراق ، وهو مما اتفقت عليه كتب الأنبياء عليهم السلام. وتتابع عليها أيضا مشروع أوصياء النبي الخاتم صلى الله عليه وآله الأئمة من أهل بيته ، علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام. وشاء الله تعالى ان يولد المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام المهدي الموعود على هذه الأرض الطيبة. وأن يكون مراجع الشيعة الأوائل السفراء الأربعة عثمان بن سعيد ، وولده محمد بن عثمان بن سعيد ، والحسين بن روح ، وعلي بن محمد السمري ت329 هجرية رحمهم الله ، الذين اختارهم الإمام المهدي عليه السلام من العراقيين ، ليقوموا بنشاطهم في السفارة عنه في العراق أيضا ، وأن تكون هذه الأرض الطيبة مركز المرجعية الشيعية ، التي امتدت من بعدهم إلى اليوم ما عدا فترات قصيرة جدا. والشهيد الصدر رحمه اللهأحد مراجع الشيعة الوارثين لهذا المشروع العظيم والمعبرين عنه. وأخيراً . . فإن قَدَرَ الله تعالى للعراق أن يكون بلد المرحلة النهائية من مسيرة مشروع الأنبياء والأئمة عليهم السلام إذ سوف يتخذه المهدي والمسيح عليهما السلام محوراً لحركتهما في إحياء سنن الأنبياء وإحلال السلام وإقامة العدل في المجتمع البشري ، ثم فتح باب الحوار لحل الخلافات الفكرية المستعصية بتهيئة كل وسائل إثبات الحق اللازمة ، ومن ثم تسود عبادة الله تعالى وحده وفق دينه الواحد وكتابه الواحد وشريعته الواحدة التي قال عنها الله تعالى في كتابه ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ الشورى/13 ليحقق قوله تعالى ﴿وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ الأنبياء/105 وقوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾ الفتح/28 (2). ______________________ (1) مرادي بمشروع الصدر ليس خصوص المشروع الشخصي بل المشروع الذي ينتمي إليه الصدر وهو المشروع الشيعي عموما ، ويحق لشيعة العراق وهم رواة تجربة علي عليه السلام وعلمه في بلدهم منذ أربعة عشر قرناً أن يعملوا على إحيائها وهى التجربة التي عاشوا في ظلها أروع عهد مع حاكم يفقِّه الناس ، ويربيهم على الجرأة على محاسبة السلطان ، ويعدل بينهم ويرعاهم كما يفعل الأب مع أبنائه ، التجربة التي لا يختلف على عدالتها ونزاهتها إثنان ، وقد تبنت أخيراً الأمم المتحدة مبادئ العدل التي كان يعمل بها علي عليه السلام في كتابها الإنمائي السنوي وأوصت حكام العالم العربي بها ، وقد عبر عن هذا المشروع الشهيد الصدر بصفته فقيها من فقهائه خير تعبير في كتاباته وبحوثه ومحاضراته ، ومن هنا فاننا نريد بعنوان (مشروع الصدر) الإشارة إلى هذا المعنى الأوسع ، وتشمل دائرة التعبير عنه الشخصيات العلمائية الأخرى التي برزت في الساحة العراقية في هذه الحقبة ، والحركات الشيعية ، سواء انتمت شخصياً إلى الصدر (رحمه الله) أو لم تنتم ، درست عنده أو لم تدرس نعم أكرم الله تعالى الصدر شخصياً بأن جعل من ذكرى شهادته الثالثة والعشرين بتاريخها الميلادي يوم زوال سلطة طاغية بغداد. (2) كما تؤكده النصوص الإسلامية برواية الشيعة ورواية غيرهم من المسلمين وتشير إليه أيضا في رأينا نصوص من أسفار العهد القديم . |
صفات الشيعة · عن جابر الجعفي قال قال أبو جعفر عليه السلام: يا جابر أيكتفي من اتَّخذَ التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت ؟. فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع ، و التخشع ، و أداءِ الأمانة ، و كثرةِ ذكرِ الله ، والصومِ والصلاة ، و البرِّ بالوالدين ، و التَعُّهِدِ للجيران من الفقراء ، وأهلِ المسكنة والغارمين والأيتام ، وصِدْقِ الحديث وتلاوةِ القرآن ، وكَفِّ الألسنِ الناس إلا من خير ، و كانوا امناءَ عشائرهم فى الأشياء . · وعن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لخيثمة : أبلغ شيعتنا أنه لا ينال ما عند الله إلا بالعمل ، وأبلغ شيعتنا أن أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره (1). · وعن أبي بصير قال : قال الصادق عليه السلام : شيعتُنا أهلُ الورعِ والإجتهاد ، وأهلُ الوفاءِ والأمانة ، وأهلُ الزُّهد والعبادة ، وأصحابُ الإحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة ، القائمون بالليل ، الصائمون بالنهار ، يزكّون أموالهم ، ويَحُجُّون البيت ويجتنبون كل مُحرم (2) . · وعن حبة العُرَني قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : كأني أنظر إلى شيعتِنا بمسجد الكوفة وقد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما انزل (3). · وعن علي بن عقبة ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : كأني بشيعةِ علي في أيديهمُ المثاني يعلمون القرآن (4). · وروى أبو بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : شيعتُنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا (5). · وعن المفضَّلِ قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : مياسيرُ شيعتُنا أمناء على محاويجهم ، فاحفظونا فيهم يحفظكم الله (6). · وعن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : مُروا شيعتَنا بزيارةِ الحسينِ ابن عليٍ عليه السلام فإن زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع ، وزيارته مفترضة على من أقر للحسين بالامامة من الله عزوجل(7). · وعن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : مُروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن علي عليه السلام ، فان إتيانه يزيد في الرزق ، ويمد في العمر ، ويدفع مدافع السوء (8). · وقال ابو عبد الله عليه السلام : ليس من شيعتِنا من قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا (9) . ______________________ (1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 2 ص 29 ، وقوله : (من وصف عدلا) أي من وعظ غيره ونصحه ولم يكن متعظا به . (2) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 97 ص 291 . (3) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 98 ص 59 . (4) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 98 ص 59 . (5) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 09 ص 162 . (6) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 39 ص 131 . (7) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 89 ص 1 . (8) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 89 ص 3 . (9) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 110 ص 18 . |
زيارة أمين الله قال العلامة المجلسي رحمه الله إنها أحسن الزيارات متناً وسندا ، وينبغي المواظبة عليها في جميع الروضات المقدسة ، وهي كما روي بأسناد معتبرة عن جابر عن الباقر عليه السلام أنه زار الإمام ، زين العابدين عليه السلام أميرَ المؤمنين عليه السلام فوقف عند القبر وبكى وقال:السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِينَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَحُجَّتَهُ عَلَى عِبَادِهِ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . أَشْهَدُ أَنَّكَ جَاهَدْتَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ، وَعَمِلْتَ بِكِتَابِهِ ، وَاتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، حَتَّى دَعَاكَ اللَّهُ إِلَى جِوَارِهِ فَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ ، وَأَلْزَمَ أَعْدَاءَكَ الْحُجَّةَ مَعَ مَا لَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبَالِغَةِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ . اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ ، رَاضِيَةً بِقَضَائِكَ مُولَعَةً بِذِكْرِكَ وَدُعَائِكَ، مُحِبَّةً لِصَفْوَةِ أَوْلِيَائِكَ ، مَحْبُوبَةً فِي أَرْضِكَ وَ سَمَائِكَ ، صَابِرَةً عَلَى نُزُولِ بَلاَئِكَ ، شَاكِرَةً لِفَوَاضِلِ نَعْمَائِكَ ، ذَاكِرَةً لِسَوَابِغِ آلاَئِكَ ، مُشْتَاقَةً إِلَى فَرْحَةِ لِقَائِكَ ، مُتَزَوِّدَةً التَّقْوَى لِيَوْمِ جَزَائِكَ ، مُسْتَنَّةً بِسُنَنِ أَوْلِيَائِكَ ، مُفَارِقَةً لِأَخْلاَقِ أَعْدَائِكَ ، مَشْغُولَةً عَنِ الدُّنْيَا بِحَمْدِكَ وَثَنَائِكَ . ثم وضع خده على القبر وقال: اللَّهُمَّ إِنَّ قُلُوبَ الْمُخْبِتِينَ إِلَيْكَ وَالِهَةٌ ، وَسُبُلَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْكَ شَارِعَةٌ ، وَأَعْلاَمَ الْقَاصِدِينَ إِلَيْكَ وَاضِحَةٌ ، وَأَفْئِدَةَ الْعَارِفِينَ مِنْكَ فَازِعَةٌ ، وَأَصْوَاتَ الدَّاعِينَ إِلَيْكَ صَاعِدَةٌ ، وَأَبْوَابَ الْإِجَابَةِ لَهُمْ مُفَتَّحَةٌ ، وَدَعْوَةَ مَنْ نَاجَاكَ مُسْتَجَابَةٌ ، وَتَوْبَةَ مَنْ أَنَابَ إِلَيْكَ مَقْبُولَةٌ ، وَعَبْرَةَ مَنْ بَكَى مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ ، وَالْإِغَاثَةَ لِمَنِ اسْتَغَاثَ بِكَ مَوْجُودَةٌ (مَبْذُولَةٌ) ، وَالْإِعَانَةَ لِمَنِ اسْتَعَانَ بِكَ مَبْذُولَةٌ (مَوْجُودَةٌ) ، وَعِدَاتِكَ لِعِبَادِكَ مُنْجَزَةٌ ، وَزَلَلَ مَنِ اسْتَقَالَكَ مُقَالَةٌ ، وَأَعْمَالَ الْعَامِلِينَ لَدَيْكَ مَحْفُوظَةٌ ، وَأَرْزَاقَكَ إِلَى الْخَلاَئِقِ مِنْ لَدُنْكَ نَازِلَةٌ ، وَعَوَائِدَ الْمَزِيدِ إِلَيْهِمْ وَاصِلَةٌ ، وَذُنُوبَ الْمُسْتَغْفِرِينَ مَغْفُورَةٌ ، وَحَوَائِجَ خَلْقِكَ عِنْدَكَ مَقْضِيَّةٌ ، وَجَوَائِزَ السَّائِلِينَ عِنْدَكَ مُوَفَّرَةٌ ، وَعَوَائِدَ الْمَزِيدِ مُتَوَاتِرَةٌ ، وَمَوَائِدَ الْمُسْتَطْعِمِينَ مُعَدَّةٌ ، وَمَنَاهِلَ الظِّمَاءِ (لَدَيْكَ) مُتْرَعَةٌ . اللَّهُمَّ فَاسْتَجِبْ دُعَائِي ، وَاقْبَلْ ثَنَائِي ، وَ اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَوْلِيَائِي ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ، إِنَّكَ وَلِيُّ نَعْمَائِي وَمُنْتَهَى مُنَايَ وَغَايَةُ رَجَائِي فِي مُنْقَلَبِي وَمَثْوَايَ . تم بعون الله وفضله |
هذي صورة العلامة السيد سامي البدري مؤلف كتاب شيعة العراق -التأسيس-التاريخ-المشروع السياسي http://www.almoterfy.info/directory/image/rayih-23.jpg وهذا موقعه http://www.albadri.info/ |
الشيعة في العراق بين الجذور الراسخة والواقع المتغير - رؤية شيعية- http://www.neelwafurat.com/images/eg...l/59/59074.gif تأليف الدكتور : أحمد راسم النفيس http://www.neelwafurat.com/itempage....2&search=books الناشر: يجمع هذا الكتاب بين مهمتين فهو من جهة يحيط القارئ بمعلومات وفيرة عن شيعة العراق تاريخهم وحاضرهم وهو من جهة أخرى يقدم وجهة نظر شيعية – او بالاحرى منحازة لشيعة العراق – حول أوضاع العراق ويقدم المبررات والتفسرات لمواقف الشيعة العراقية ونحن لا نتفق فى الكثير مما ذهب اليه المؤلف ولكننا نشدد بنشرنا لهذا الكتاب على اهمية التعرف على أوضاع الشعية كما هى فعلا بدون تهوين أو تهويل ونشدد على اهمية التعرف على وجهات نظر الشيعة من خلال كتابهم ومفكريهم وليس من خلال ما ينفذ عنهم ذلك اننا حريصون أولا واخيرا على ان تبوء كل المحاولات الرايمة الى تعميق الهوة بين السنة والشيعة بالفشل فى العراق وفى غيره من بلدان المنطقة ونحن نؤمن بانه اذا كانت هناك قوى خارجية استعمارية تدفع فى سبيل تعميق هذه الهوة فان قوى التطرف والتعصب فى المنطقة لا تدخر جهدا فى نفس الاتجاه واقامة جسور من التواصل تقتى ان نعمق معرفتنا بالاخر حتى يتسنى لنا أن نتحاور مع ما يطرحة بنفسه من افكار ومعتقدات وليس مع ما نتصوره نحن عن أفكاره ومعتقداته . |
|
|
|
|
|
|
|
|
هذه الصفحات التي من كتاب الشيعة في العراق بين الجذور الراسخة والواقع المتغير مأخوذه من هذا الرابط http://www.arabicebook.com/items/ite...w.aspx?IID=579 |
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 02:21 AM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024