![]() |
حديث المعرفة بالنورانيّة
إعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية قراءة في حديث المعرفة بالنورانية من كتاب بحار الأنوار للشيخ محمّد باقر المجلسي:26/ 3-7/ ب13/ 1. روي عن محمد بن صدقة أنّه قال: (سأل أبو ذر الغفاري سلمان الفارسي رضي الله عنهما: يا أبا عبد الله! ما معرفة الامام أمير المؤمنين عليه السلام بالنورانيّة؟ قال: يا جندب فامض بنا حتى نسأله عن ذلك، قال: فأتيناه فلم نجده. قال: فانتظرناه حتّى جاء قال صلوات الله عليه: ما جاء بكما؟ قالا: جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانيّة، قال صلوات الله عليه: مرحبا بكما من وليّين متعاهدين لدينه لستما بمقصّرين، لعمري أنّ ذلك الواجب على كلّ مؤمن ومؤمنة، ثمّ قال صلوات الله عليه: يا سلمان ويا جندب! قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال عليه السلام: إنّه لا يستكمل أحد الايمان حتّى يعرفني كنه معرفتي بالنورانيّة، فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفاً مستبصراً، ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاكّ ومرتاب...لا تجعلونا أرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم، فإنّكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته...لأنّ أهل الاقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبيّة يقرّون لمحمّد صلّى الله عليه وآله ليس بينهم خلاف، وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلّا القليل...أنا الذي حملت نوحاً في السفينة بأمر ربّي، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربّي، وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربّي، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النّار بإذن ربّي...وأنا الخضر عالم موسى، وأنا معلّم سليمان بن داوود، وأنا ذو القرنين، وأنا قدرة الله عزّ وجلّ…يا سلمان ويا جندب! فهذا معرفتي بالنورانيّة فتمسّك بها راشداً، فإنّه لا يبلغ أحد من شيعتنا حدّ الاستبصار حتّى يعرفني بالنورانيّة فإذا عرفني بها كان مستبصراً بالغاً كاملاً، قد خاض بحراً من العلم، وارتقى درجة من الفضل، واطّلع على سرّ من سرّ الله، ومكنون خزائنه). بعض الإشكالات الواردة على حديث النورانية المنسوب إلى الإمام عليه السلام. 1- عدم ورود الحديث (الرواية) في كتاب معتمد. 2- سند الحديث مرسل. 3- متنه يشتمل على بعض المفاهيم المشوشة والقضايا المغلوطة، نأخذ بعضها. منها: قوله عليه السلام: (ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاكّ ومرتاب). لم يرد في النصوص المعتبرة أنّ من لم يعرف المعصوم بهذه المعرفة النورانيّة فهو شاكّ ومرتاب، بل هذا يتقاطع مع الكثير من النصوص المعتبرة الحاكية بأنّ الاعتقاد بأهل البيت عليهم السلام أنّهم مفترضوا الطاعة ومعصومون يعدّ من الإيمان، وأنّ هذه المعرفة كافية مجزية، سواء كان المعنى منها أنّ معرفة الموالي يلزم أن تكون معرفة نورانيّة أو أنّه يلزم الموالي معرفة إمامه المعصوم بحقيقته النورانيّة. ومنها: قال عليه السلام: (لأنّ أهل الأقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبيّة يقرّون لمحمّد صلّى الله عليه وآله ليس بينهم خلاف، وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلّا القليل). تأريخيّاً- وأقصد من الناحية التاريخية- لم تطلق هذه التسمّيات (المرجئة والقدريّة والخوارج) على تلك الفرق إلّا في وقت متأخر من تلك القصّة. وسلمان وأبو ذر لم يعاصرا أغلب تلك الفرق المنحرفة إن لم يكن كلّها، لأنّها متأخرة عن زمن حياتهما رضي الله عنهما. كما أنّه يلاحظ في المتن أنّهما لم يسألاه عليه السلام عن تلكم الفرق المستقبليّة! ومنها: قوله عليه السلام: (وقولوا في فضلنا ما شئتم، فإنّكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته، فانّ الله عزّ وجلّ قد أعطانا أكبر وأعظم ممّا يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم، فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون). إذا كان المعنى أن لا أحد يعرف كنه معرفته، فإنّ العبارة يصعب قبولها، لأنّ الذي لا يُعرف كنهه هو الله تبارك وتعالى، فقد روي في الحديث المرسل عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: (لو عرفتم الله حقّ معرفته لزايلت بدعائكم الجبال الراسيات، ولا يبلغ أحد كنه معرفته، فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، الله أعلى وأجلّ أن يطلّع أحد على كنه معرفته). عوالي اللئالي للشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي:4/132/225. ويؤيّده ما جاء في دعاء يوم الإثنين من الصحيفة السجّاديّة: (وانحسرت العقول عن كنه معرفته). ومنها: قوله عليه السلام: (جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأوّلين والآخرين لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب). لا اظنّ أنّها تحتاج إلى تعليق منّي عليها، وأترك للقارئ الفطن المتتّبع للنصوص المتدبّر فيها النظر فيها والتعليق عليها بنفسه. ومنها: قوله عليه السلام: (أنا الذي حملت نوحاً في السفينة بأمر ربّي، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربّي، وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربّي، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النّار بإذن ربّي، وأنا الذي أجريت أنهارها وفجّرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربّي. وأنا عذاب يوم الظلة، وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان: الجنّ والإنس وفهمه قوم. إنّي لأسمع كلّ قوم الجبارين والمنافقين بلغاتهم، وأنا الخضر عالم موسى، وأنا معلّم سليمان بن داود، وأنا ذو القرنين...إنّ ميّتنا لم يمت، وغائبنا لم يغب، وإنّ قتلانا لن يقتلوا). أقول: ممّا لا شكّ فيه أنّ الخضر وذا القرنين عليهما السلام هما غير الإمام عليّ عليه السلام. وهذا ثابت بالنصوص المعصوميّة. وأمّا الكلام عن مساعدته الأنبياء نوح ويونس وموسى وإبراهيم عليهم السلام وتعليم داوود عليه السلام، فإنّه من القضايا غير المحرزة ولا يمكن إثباته، بل هو مخالف للبيانات القرآنيّة والشواهد المعصوميّة. كما أنّه يعدّ من موافقات طوام خطبة البيان ومطابقاتها، والكلام عن تلك الخطبة يطول، وأفضّل للقارئ مراجعة ما كتبه للسيّد جعفر العاملي في بحثه المفيد المسمّى خطبة البيان في الميزان. وكيف ما كان فقد حاول الشيخ المجلسي تأويل هذا الكلام وترقيعه بما يلي، قال في نهاية الخبر: "بيان: قوله : أنا الذي حملت نوحا، أقول: لو صح صدور الخبر عنه عليه السلام لاحتمل أن يكون المراد به وبأمثاله أنّ الأنبياء عليهم السلام بالاستشفاع بنا والتوسّل بأنوارنا رفعت عنهم المكاره والفتن، كما دلّت عليه الأخبار الصحيحة". البحار:26/7-8. وأنت خبير أيّها القارئ الواعي بما في هذا التأويل من تكلّف واضح، فإنّ الاستشفاع لا شأن له بما ذكر في الحديث، فهو غير الحمل والإخراج والتجاوز والتعليم، كما هو ظاهر لكلّ متفحّص ناظر. والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والتسليم على النبيّ الأمين وآله المنتجبين. أخوكم جعفر الحسيني. |
تأملات في ذكرى مولاتنا الزهراء عليها السلام
في ذكرى مولاتنا الزهراء المرضيّة الراضية عليها سلام الله والتحيات الزاكية «الخلق فطموا عن معرفتها» روي عن الإمام عليه السلام أنّه قال: (اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا). بسم الله خير الأسماء الحسنى المتكاثرة والحمد لله على نعمه المتواترة والصلاة والسلام على نبيّنا وعترته الطاهرة كثيراً ما يهتم شيعة أهل البيت ومحبّيهم وفقّهم الله لمرضاته بالتركيز في الأيام الفاطميّة على مناقبيّة السيّدة فاطمة عليها السلام ومأساتها. وفي هذه الأجواء تتداخل العاطفة مع الحقائق فتجعل عدم الدقة في الطرح والتساهل في النقل من دون الإلتفات إلى معاني المنقولات والوقوف على دقائقها. ومن الجدير بالذكر أنّ الزيادة في العقائد قد تكون أحياناً كالنقيصة لما لها من مردود سيء، وأنّ التهاون بنقل وتقبّل مرويّات العقائد من دون تحقّق وتدبّر قد يسيء أكثر ممّا ينفع وقد يربك أكثر ممّا يُطمّن ويُثبّت، وهو بعد عامل مساعد على تشوّيه الصور الذهنيّة الناصعة عند المستمع، وعنصر إضافي في تخلخل عقيدته الصافية الولائيّة. بل عادة ما يقود الخطأ الدرائي إلى الخطأ العقدي، كما يقال. فآفة الأخبار رواتها وعدم رعاية متنها. وبكلمة: إنّ ما يترّشح عن عدم التحقّق والتثبّت والتدبّر أنّها تجعل القضايا أداة ذات حدّين، فهي إمّا أن تكون أداة إخفاق وتردّي أو أداة ارتقاء وتوعّي. ما أود عرضه هنا هو خبر من الأخبار المتداولة في المجالس العقائديّة والتي لم تدرس بعناية ولم تحقّق بكفاية، ويُمرّ عليها مرور الكرام دون التأملّ التامّ. والخبر هو ما أخرجه الشيخ فرات الكوفي في تفسيره بسنده عن محمّد بن القاسم بن عبيد معنعناً عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) الليلة فاطمة والقدر الله، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها - أو من معرفتها - وقوله: (وما أدراك ما ليلة القدر؟! ليلة القدر خير من ألف شهر) يعني خير من ألف مؤمن وهي أم المؤمنين (تنزّل الملائكة والروح فيها) والملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم، والروح القدس هي فاطمة عليها السلام (بإذن ربّهم من كلّ أمر سلام هي حتّى مطلع الفجر) يعني حتّى يخرج القائم عليه السلام). تفسير فرات الكوفي:581-582/747/2. نفتح باب النقاش في الرواية من موقع التدقيق لا تعريضاً بأهل الجمع والتحقيق: قبل الخوض في الموضوع فإنّني تجنّبت الحديث عن إثبات أو عدم إثبات القضايا العقديّة بالخبر الواحد. وأعتقد أنّ ذلك له مجال آخر ليس هذا محلّه. نشرع الآن بالتعرّض للرواية: أمّا من حيث درجة الحكم على السند فالرواية موهونة السند ضعيفة بالإرسال، غير متعاضدة بروايات معتبرة تفضي إلى تقوية سندها، ولم تذكر في كتب معتمدة كالكتب الأربعة وغيرها كبعض مؤلّفات الشيخ الصدوق والمفيد والطوسي القيّمة. هذا فضلاً عن الكلام في المفسّر فرات الكوفي من قبل علماء الرجال. وأمّا من حيث المتن فهي مضطربة، غير سالمة من الإشكال. فتعالوا معي أيّها القرّاء لنغربل الكلمات ونفرز الدلالات، وسأقسّم البحث إلى مقاطع: المقطع الأوّل: قوله عليه السلام : (الليلة) فاطمة، هذا المعنى لا يستقيم مع الفقرة التي تلتها المتحدّثة عن نزول القرآن في تلك الليلة، وقد حاول الشيخ المجلسي توجيهها قائلاً: "أمّا تأويله عليه السلام ليلة القدر بفاطمة عليها السلام فهذا بطن من بطون الآية وتشبيهها بالليلة إمّا لسترها وعفافها، أو لما يغشاها من ظلمات الظلم والجور". البحار:25/99/ب3. لكن هذا التوجيه لا تساعده عدّة أخبار منها: الخبر المروي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: (لقد خلق الله جلّ ذكره ليلة القدر أوّل ما خلق الدّنيا، ولقد خلق فيها أوّل نبيّ يكون، وأوّل وصيّ يكون، ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد رد على الله عزّ وجلّ علمه، الرواية). الكافي:1/250/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/7،تأويل الآيات:2/825/14. وكذا ما روي عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لمّا قبض أمير المؤمنين عليه السلام: قام الحسن بن عليّ في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال: أيّها النّاس إنّه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون و لا يدركه الآخرون، والله لقد قبض في ليلة التي قبض فيها وصىّ موسى يوشع بن نون، والليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم، والليلة التي نزل فيها القرآن، الخبر). تفسير نور الثقلين:5/624/51. ومنها ما روي عن حمران أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام في حديث قال: (ليلة القدر وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلّا في ليلة القدر). تفسير نور الثقلين:5/625/56. ومنها ما رويّ عن حسان بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن ليلة القدر؟ قال: التمسها ليلة إحدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين). تفسير نور الثقلين:5/625/57. وغير ذلك من الأخبار. ويظهر ممّا تقدّم أنّ ليلة القدر هنا فترة زمنية لا ترتبط بما ذكر المفسّر الفراتي، وهذا الظاهر هو المطمئن إليه لأنّ الخبر مسوق لبيان هذه الحقيقة، ويشير إلى ذلك أيضاً الخبر المرويّ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (نزلت التوراة في ستّ مضت من شهر رمضان، ونزل الإنجيل في اثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور في ليلة ثماني عشرة مضت من شهر رمضان، ونزل القرآن في ليلة القدر). تفسير البرهان:5/710-711/15. وقوله عليه السلام (القَدْر) الله، يجعل الجملة لا تستقيم مع اللفظ المتقدّم، كما أنّ من يراجع المصادر يجد أنّ هذا اللفظ (القَدْر) لم يرد هكذا في اسماء الله التسعة والتسعين اسماً، فراجع كتاب التوحيد للشيخ الصدوق:194/ب29/8، وعدّة الداعي للشيخ ابن فهد الحلي:299. قال الشيخ محمّد باقر الميانجي: "المستفاد من الروايات الشريفة الكثيرة أنّ الله تعالى هو الذي سمّى نفسه بالأسماء الحسنى من قبله. والواضع هو الله سبحانه، وقد اختارها لنفسه وسمّى بها نفسه". توحيد الإماميّة:61. وذكر الميانجي في موضع آخر بأنّ أسماء الله توقيفيّة. كما في صفحة:72. المقطع الثاني: قوله عليه السلام: (من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر). يعطينا إيحاء بأنّ هناك إمكانيّة أن يعرف المؤمن مولاتنا فاطمة عليها السلام حقّ معرفتها، وبالتالي فيه حثّاً على معرفتها ليدرك ليلة القدر. ومعرفة مولاتنا حقّ المعرفة ليست بأعظم من معرفة الخالق البارئ سبحانه وتعالى فقد ورد في بعض النصوص المرويّة عن الإمام عليّ عليه السلام في وصف أصحاب الإمام المهديّ (كنوز الطالقان) رضي الله عنه أنّهم (عرفوا الله حقّ معرفته). راجع: منتخب الأنوار المضيئة للسيّد عليّ النيلي:84-85/ف4، البيان للكنجي الشافعي:106/ب5، ينابيع المودّة للشيخ القندوزي:3/298/ب98/12. ويشير الشيخ الصدوق إلى أنّ معرفة الله حقّ المعرفة تكون عن طريق الحجج عليهم السلام. راجع: التوحيد:290. وروي عن محمّد بن سنان قال: (كنت عند أبي جعفر عليه السلام فذكرت اختلاف الشيعة فقال: إنّ الله لم يزل فرداً متفرّداً في الوحدانية، ثمّ خلق محمّداً وعليّاً وفاطمة عليهم السلام فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق الأشياء وأشهدهم خلقها وأجرى عليها طاعتهم وجعل فيهم ما شاء، وفوّض أمر الأشياء إليهم في الحكم والتصرّف والإرشاد والأمر والنهي في الخلق، لأنّهم الولاة، فلهم الأمر والولاية والهداية، فهم أبوابه ونوّابه وحجّابه، يحلّلون ما شاء و يحرّمون ما شاء ولا يفعلون إلّا ما شاء، عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون. فهذه الديانة التي من تقدّمها غرق في بحر الافراط، ومن نقصهم عن هذه المراتب التي رتبهم الله فيها زهق في بر التفريط، ولم يوف آل محمّد حقّهم فيما يجب على المؤمن من معرفتهم، ثمّ قال: خذها يا محمّد فإنّها من مخزون العلم ومكنونه). البحار:25/339/ب10/21. ويستفاد من الخبر أنّ من لم يتقدّم ولم يتأخّر عن تلك المعرفة فهو ممّن وفى لآل محمّد عليهم السلام معرفة حقّهم. وروي عن يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق عليه السلام- في حديث نأخذ منه موضع الحاجة- قال: (الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت، وأنّ العلماء ورثوا العلم بالطلب، وأنّ الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة، فمن أخذه بهذه السيرة إمّا أن يسفل وإمّا أن يرفع، وأكثرهم الذي يسفل ولا يرفع إذا لم يرع حقّ الله ولم يعمل بما أُمر به، فهذه صفة من لم يعرف الله حقّ معرفته فلم يحبّه حقّ محبته، فلا يغرّنك صلاتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم...يا يونس! إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت، فإنّا ورثنا وأوتينا شرع الحكمة وفصل الخطاب). كفاية الأثر للخزاز:257-258. وفي كتاب الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام قال: (وأروي: أنّ المعرفة التصديق والتسليم والإخلاص في السرّ والعلانية. وأروي: أنّ حقّ المعرفة أن تطيع ولا تعصي وتشكر ولا تكفر).البحار:3/13-14/ب1/32-34. ويشير إلى ذلك ما روي عن هشام قال: (كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعين، فقال له معاوية بن وهب: يا ابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رأى ربّه على أيّ صورة رآه؟ وعن الحديث الذي رووه أنّ المؤمنين يرون ربّهم في الجنّة على أيّ صورة يرونه. فتبسّم عليه السلام ثمّ قال: يا فلان! ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه لا يعرف الله حقّ معرفته. ثمّ قال عليه السلام: يا معاوية! إنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم لم ير ربّه تبارك وتعالى بمشاهدة العيان، وأنّ الرؤية على وجهين: رؤية القلب ورؤية البصر، فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب، ومن عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته، لقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من شبّه الله بخلقه فقد كفر، الحديث). كفاية الأثر:260. لاحظ أيّها القارئ كيف ترتبط المعرفة الحقّة بعدم التشبيه والتجسيم. وكما أنّ معرفتها عليها السلام حقّ المعرفة غير مغلقة على فهم الموالين بعد ما عرّف لنا المعصوم نوعها، فكذا معرفة أهل البيت صلوات الله عليه أجمعين، وأضع بين أيديكم تلكم الوثائق: لقد روي عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم- في حديث نأخذ ما يتعلّق بموضوعنا- قال: (وخلق منّي ومن عليّ وفاطمة: الحسن، ودعاه فأطاعه، وخلق منّي ومن عليّ وفاطمة: الحسين، فدعاه فأطاعه. ثمّ سمّانا بخمسة أسماء من أسمائه...ثمّ خلق منّا ومن نور الحسين تسعة أئمّة، فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق سماء مبنيّة وأرضاً مدحيّة، ولا ملكاً ولا بشراً، وكنّا نوراً نسبّح الله ونسمع له ونطيع. قال سلمان: فقلت يا رسول الله! بأبي أنت وأمي فما لمن عرف هؤلاء؟ فقال: يا سلمان، من عرفهم حقّ معرفتهم واقتدى بهم ووالى وليّهم وتبرأ من عدوّهم، فهو والله منّا، يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن...ثمّ قال: يا سلمان! إنّك مدركه- أي يدرك الإمام المهديّ في الرجعة- ومن كان مثلك، ومن تولّاه بحقيقة المعرفة. قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، الحديث). دلائل الإمامة:448-449/424/28. فالظاهر أنّ هناك من يتولّى الإمام الحجّة عليه السلام بحقيقة المعرفة، وهذه المعرفة تتأتى عن طريق مصادر المعرفة المعصوميّة الحقّة بعد توفيق الله سبحانه وتعالى له. ومراتب المعرفة تتفاوت من شخص إلى آخر، كما أنّ طبقات المعرفة متدرّجة وكلّ يستقي بحسب ما أعطاه الله عزّ وجلّ من الفهم والعقل وبمقدار جهد الشخص وسلوكه طريق طلب التفقّه وسعيه في مدارج التحقيق في المعارف الإلهيّة. ولنستمع إلى روايتين تصبّ في هذا الاتجاه المعرفي وتتعلّق بهذا الجانب: روي بسند معتبر عنضريس الكناني قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وأناس من أصحابه حوله إنّى أعجب من قوم يتولّوننا ويجعلوننا أئمّة ويصفون بأن طاعتنا عليهم مفترضة كطاعة الله ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم فينقضون حقّنا ويعيبون ذلك علينا من أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا. أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ثمّ يخفى عنهم أخبار السّماوات والأرض وبقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم، الرواية). بصائر الدرجات:1/144/ب5/3، مختصر بصائر الدرجات:120-121. وقد كانت مولاتنا عليها السلام مفترضة الطاعة كالأئمّة عليهم السلام كما جاء في الخبر المرويّ عن أبي بصير عن الإمام أبي جعفر عليه السلام: (ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطّاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة). مستدرك سفينة البحار للشيخ عليّ النمازي:6/208. وفي معتبر زرارة قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن معرفة الامام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمداً صلّى الله عليه وآله إلى النّاس أجمعين رسولاً و حجّة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله واتّبعه وصدّقه فإنّ معرفة الامام منّا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الامام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما؟! قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدّق رسوله في جميع ما أنزل الله، يجب على أولئك حقّ معرفتكم؟ قال: نعم، أليس هؤلاء يعرفون فلاناً وفلاناً، قلت: بلى، قال: أترى أنّ الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلّا الشيطان، لا والله ما ألهم المؤمنين حقّنا إلّا الله عزّ وجلّ). الكافي:1/181/باب معرفة الإمام والردّ إليه/3. وروي بما معناه أنّه لا ثواب لمن كان جاهلاً بحقّهم عليهم السلام. راجع: كتاب ثواب الاعمال وعقاب الأعمال للشيخ الصدوق:2/204/باب من جهل حقّ أهل البيت عليهم السلام/1. قال الشيخ محمّد السند وهو يتحدّث عن معرفة الإمامة: "فالتعريف بافتراض الطّاعة والنصّ والوصيّة تعريف للمرحلة الأولى الإبتدائية، وأمّا المرحلة المتوسطة (وهي البلوغ في المعرفة) فملك الرجعة، وأمّا المرحلة الثالثة (وهي الكمال في المعرفة) فملك الجنّة". الرجعة بين الظهور والمعاد:200. وراجع كلامه صفحة:197-198. وذكر الشيخ محمّد باقر الشريعتي الأصفهاني أنّ المستفاد من النصوص الإمامة والحجّة هو وجوب معرفتهم حقّ المعرفة بمقدار الإمكان، لأنّ النّاس مكلّفون بمعرفة الإمام ومضطّرون إلى معرفته، وليسوا بمعذورين بترك معرفته. راجع: البيان في معرفة أهل الإيمان:167. ولعلّ ممّا يرشد إلى ذلك أيضاً ما روي عن عبد الأعلى عن الإمام الصادق عليه السلام: (ما تنبئ نبيّ قط إلّا بمعرفة حقّنا وبفضلنا عمّن سوانا). بصائر الدرجات:1/94/ب9. والمستفاد من مجموع هذه النصوص المعصوميّة إمكانيّة معرفة الله تبارك وتعالى حقّ معرفته لا كنه معرفته. لأنّ كنه معرفته ممتنعة، وبالتالي فإنّ معرفة كنهه تتحقّق بالإذعان بعدم المعرفة لها، وأنّ الكلام عنها محظور والتفكّر فيها ممنوع. بل تفيد بعض النصوص أنّ بلوغ كنه صفته سبحانه ممتنعة، فقد روى الشيخ الكليني مسنداً عن محمد بن حكيم قال: (كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام إلى أبي: أنّ اللَّه أعلا وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفّوا عمّا سوى ذلك). الكافي:1/102/باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه/2. قال الشيخ محمّد صالح المازندراني موضّحاً: " قوله عليه السلام: (أنّ الله أعلا وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته) أي: نهايته، إذ ليس لما يعتبره العقول من كماله سبحانه نهاية يقف عندها أو حقيقتها، إذ ليس لصفته حقيقة ملتئمة من أجزاء خارجيّة أو ذهنيّة، فصفوه بما وصف به نفسه، وهو أنّه خالق كلِّ شيء وله الخلق والأمر، ولا شريك له ولا نظير له، ولا والد له ولا ولد، وليس كمثله شيء، وهو السميع العليم، إلى غير ذلك ممّا ذكره في القرآن الكريم". شرح أصول الكافي:3/210-211. وروي عن عبد الرحيم القصير قال: (كتبت على يديّ عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عزّ وجلّ هل يوصف بالصورة وبالتخطيط؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليّ بالمذهب الصحيح من التوحيد. فكتب عليه السلام بيديّ عبد الملك بن أعين: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون المشبّهون الله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله، واعلم رحمك الله أنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزّ وجلّ، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون، ولا تعدُ القرآن فتضلّ بعد البيان). التوحيد للصدوق:102/ب6 في إنّ عزّ وجلّ ليس بجسم ولا صورة/15. وقبل أن ننتقل إلى المقطع الثالث نودّ أن نلفت ذهن القارئ بعد الذي ذكرنا فإنّه بات من الواضح أنّ عدم معرفة الكنه مختصّة بالحقّ سبحانه، ولا يمكننا إعتماد غير ذلك وتزحيف هذه المسألة إلى ساحة المعصوم. المقطع الثالث: قوله عليه السلام: (لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها). أوّلاً: كلمة (الخلق) كما يرى الشيخ محمّد عليّ التبريزي الأنصاري وغيره بأنّ المقصود بها قد يكون أوسع نطاقاً من الإنس والجنّ. راجع: اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء:98/هامش/تحقيق السيّد هاشم الميلاني. وثانياً: نلاحظ أنّ هذه الفقرة (فطموا عن معرفتها) لا تتحدّث عن معرفتها حقّ المعرفة، وإنّما تتحدّث فقط عن معرفتها. وكلمة (معرفتها) لا تخلو من أحد معنيين: المعنى الأوّل: الكلام كان عن معرفتها (حقّ المعرفة). وههنا يواجهنا الإشكال المتقدّم في المقطع الثاني، كما أنّه إذا كانت قضيّة معرفتها سلام الله عليها حقّ المعرفة منتفيّة من الأساس ولا سبيل إليها، فلم توحي العبارة (من عرف فاطمة حقّ المعرفة) بأنّ على المؤمن القاصر الفهم المحدود الإدراك السعي والرقي لمعرفة من فطم (الخلق) عن معرفتها؟! المعنى الثاني: الكلام كان عن معرفتها العاديّة غير المتلبّسة بحقّ معرفتها. فنقول: إذا كانت معرفتها عليها السلام حقّ المعرفة غير ممتنعة- كما لاحظنا- فإنّ المعرفة الأبسط متيسّرة قطعاً. والمعرفة الحقّة لا تتمّ إلّا بالرجوع إلى نصوص النبيّ والعترة الطاهرة المتوفّرة ليقف الموالي على مقاماتها وفضلها ومعرفتها، ومجاميعنا الحديثيّة والمناقبيّة لا تخلو من تلك النصوص المعصوميّة المتكثّرة، فراجع. ثمّ إنّ المعنى الثاني لا يتوافق ظاهراً مع الخبر الضعيف السند أيضاً الذي رواه الشيخ الطوسي قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن وهبان، قال: حدّثنا أبو القاسم علي بن حبشي، قال: حدّثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن الحسين عن أبيه عن الحسين بن أبي غندر، عن إسحاق بن عمار، وأبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنّ الله تعالى أمهر فاطمة عليها السلام ربع الدّنيا، فربعها لها، وأمهرها الجنّة والنّار، تدخل أعداءها النّار، وتدخل أولياءها الجنّة، وهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى). أمالي الطوسي:668/مجلس يوم الجمعة:36/6، عنه البحار:43/105/ب5/19. ومجمع النورين للشيخ أبي الحسن المرندي:34. وحتّى نقطع الطريق على من يحاول إيجاد تخريجات غير تامّة أو أرضيّة مشتركة للجمع بينها وبين رواية فرات الكوفي،نبدأ بشرح فقراته التالية: أف- معنى القرون. والقرن لغة: الأمّة من النّاس، والقرن من النّاس أهل زمان واحد. ويقال عمر كلّ قرن ستون أو سبعون أو ثمانون سنة. وسمّوا قرناً لأنّهم حدّ الزمان الذي هم فيه. راجع: العين للفراهيدي:5/141/حرف القاف/باب القاف والراء والنون معهما/مادة: قرن، الصحاح للجوهري:6/2180/فصل القاف/مادة: قرن، الفروق اللغوية للعسكري:427/حرف القاف/1716، معجم المقاييس اللغوية لابن زكريا:5/77/كتاب القاف/مادة: قرن. وأشار إلى ذلك ابن السكيت في ترتيب اصلاح المنطق:305/حرف القاف/مادة: القرن. يقول الشيخ الكجوري: "يطلق القرن: على كلّ ثمانين سنة أو سبعين أو ثلاثين أو أهل كلّ زمان، أي: مَن يعيشون في جيل واحد وفي فترة زمانيّة واحدة ويبعث فيهم نبيّ، أو أنّه غالب عمر النّاس، أي: المعدّل الذي يعمّر فيه الإنسان. قيل: إذا ذهب القرن الذي أنت فيه وخُلِّفت في قرن فأنت غريب. وقال تعالى: (فما بال القرون الأُولى) سورة طه:51، أي: سعادة الأُمم السابقة وشقاوتها". الخصائص الفاطميّة:1/223/الخصيصة:14. وقال ألشيخ ابو الحسن المرنديّ: "أقول أنّ المراد من (القرون) هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأمهم من آدم فمن دونه، حتّى نفس خاتم الأنبياء صلّى الله عليهم أجمعين". مجمع النورين وملتقى البحرين:40. ونقل الشيخ المسعودي عن المحقّق البارع أبو الحسن النجفي- والظاهر أنّه يتبنّى ما قاله- أنّه قال ما نصّه: "إنّ المراد من القرون هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأمم من آدم فمن دونه حتّى نفس خاتم الأنبياء صلّى الله عليه وآله وسلّم أجمعين". الأسرار الفاطميّة:82. والبعض يظنّ أنّ المراد من (القرون الأولى) أي إنّه إشارة إلى الأنبياء السابقين. راجع: محاضرة السيّد منير الخبّاز، وإجابة للشيخ محمّد السند. ويتّضح ممّا تقدّم أنّ المراد بالقرن ليس كلّ فرد ممّن يعيش فيه لأنّ في اتباع الرسل منافقين وفي غير الأتباع الكثير من الكافرين. باء- معنى دار لغة: دار الشيء يدور دوّراً ودوراناً: إذا طاف حول الشيء. راجع: صحاح الجوهري:2/660/باب الراء/فصل الدال/مادة: دور، مجمع البحرين:3/304/كتاب الراء/باب ما اوله الدال/مادة: دور. ويقال: دارت عليه رحى الموت: أي: نزل به الموت. مجمع البحرين:1/179/كتاب الألف/باب ما أوله الراء/مادة: رحا. وفي المثل يقال دارت بهم أو عليهم الدوائر.ودارت عليهم رحى الحرب: أي: نشبت واشتدّت. وقد جاء في الحديث: (تدور رحى الاسلام من مهاجرك، فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الاسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك). مقدّمة الصحيفة السّجاديّة، و: (تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين). مسند أحمد:1/390. وصحّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: (عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار). وفي معتبر ابن أبي يعفور قال : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولو العزم من الرسل وعليهم دارت الرحى: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلّى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء). الكافي:1/175/باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة/3. موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام للنجفي:7 /157. قال المازندراني معقّباً: "قوله : (وعليهم دارت الرَّحى يقال: دارت رحى الحرب إذا قامت على ساقها، وأصل الرَّحى هي الّتي يطحّن بها، والمعنى: يدور عليهم الإسلام ويمتدُّ قيام أمره على سنن الاستقامة والبعد من أحداث الظلمة الكفرة، فهم بمنزلة القطب من الرَّحى". شرح الكافي:5/113. وقال المجلسي موضّحاً: (عليهم دارت الرحى) أي: رحا النبوّة والرسالة والشريعة والدّين، وسائر الأنبياء تابعون لهم فهم بمنزلة القطب للرحى". مرآة العقول:2/286. بعد أن تناولنا كلمتي (القرون) و (دارت) واتّضح معناها نوعاً ما أضع بين أيديكم وثائق الشرّاح ليكون أدعى للقبول: قال الشيخ ابو الحسن المرنديّ: "يعني ما بعث الله عزّ وجلّ أحداً من الأنبياء والأوصياء حتّى أقرّوا بفضل الصدّيقة الكبرى ومحبّتها، ويؤيّده ما ذكره السيّد- يقصد هاشم البحراني- قدس سره في مدينة المعاجز عنه عليه السلام: (ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها)، ولأنّ وقوع النكرة في سياق النفي يفيد العموم". مجمع النورين:40. ونحوه في الأسرار الفاطميّة:82. وكتب الأستاذ حيدر حبّ الله ما يلي: "وفسّر هذا الحديث بأنّ الأمم السابقة كانت تعرف الزهراء عليها السلام وكانت تفتخر بها وتتوسّل بها، وأنّه ما تكاملت نبوّة نبيّ إلّا بها وبالإيمان بها ومعرفة حقّها، كما فسّر ذلك بما يرتبط بالولاية التكوينية وأنّ عليها سلام الله عليها مدار الوجود منذ بدئه، وغير ذلك". وقال آخرون عن معنى (على معرفتها دارت القرون الأولى) أنّ جميع الأنبياء والمرسلين أمروا أممهم بمعرفة الصدّيقة الكبرى، وكلّفوهم عرفان المقامات الفاطميّة ومنزلتها. هذا ما قاله الشيخ محمّد باقر الكجوري، والسيّد كمال الحيدري، والسيّد أحمد الشيرازي، وغيرهم. وبمعنى آخر ذكره الكجوري: أي: إنّ أحكام جميع الأمم وتكاليفهم الشرعيّة منوطة بمعرفة مولاتنا الزهراء عليها السلام. وبعبارة واضحة: إنّ السّعادة والشقاء لأهل كلّ زمان تدور مدار (التولّي والتبرّي) لجناب الصدّيقة الكبرى، وإنّ دين الأنبياء جميعاً منوط بحبّها، كما في الخصائص الفاطميّة:1/223-225/الخصيصة:14. المقطع الرابع: قوله عليه السلام: (وما أدراك ما ليلة القدر). نواجه هنا السؤال التالي: من المعني بقوله تبارك وتعالى: (وما أدراك)؟ والإجابة عن ذلك تتلخّص بنقطتين: النقطة الأوّلى: إذا كان المعني به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فإنّ ذلك يشكّل علامة استفهام كبيرة حول النصوص المتضمّنة بأنّهم عليهم السلام خلقوا أشباحاً قبل خلق نبيّ الله آدم وذريته، وأنّهم خلقوا من نور واحد. راجع: تأويل الآيات:1/398/27، كفاية الأثر للشيخ الخزاز القمّي:152، المحتضر للشيخ حسن الحلي:202/249، البحار:27/131/ب4/122 و:35/28/ب1/24 و:36/73/ب37/24. النقطة الثانية: إذا كان المعنى هو أنّ ذلك خطاب للمؤمنين لكي يحرّك فيهم أمواج المعرفة عبر وسائل العلم والوعي ولتنفتح لهم أسرار ليلة القدر بالتمعّن والتدقيق فيها، كما يرى صاحب الأسرار الفاطميّة:369. فهذا يوحي كما قلنا إمكانية معرفتها سلام الله عليها. لكن يبقى هناك أمر فبحسب الظاهر أنّ هذه الجملة القرآنيّة (وما أدراك ما ليلة القَدْر) يصعب جعل مفهومها متناسقاً مع التأويل السابق تأويل (الليلة) بمولاتنا عليها السلام وتأويل (القَدْر) بالبارئ جلّت قدرته، فلاحظ. المقطع الخامس: قوله عليه السلام: (خير من ألف شهر) يعني خير من ألف مؤمن. هذا المعنى غير تامّ، فإذا كان من باب التطبيق، والمراد بليلة القدر الليلة التي تقع في العشر الأواخر من شهر رمضان وتفرق فيها الأمور وهذا ما بينّاه آنفاً، فلم تكون خيراً من ألف مؤمن؟ بل هذا المعنى كأنّه لا يتمازج مع النصوص الأخرى، وإليكم بعضها: منها: ما رويّ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قوله عزّ وجلّ (خير من ألف شهر) هو سلطان بني أميّة، وقال: ليلة من إمام عدل خير من ألف شهر ملك بني أميّة. وقال: (تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم) أي: من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد بكلّ أمر سلام). تأويل الآيات:2/871-818/2، تفسير البرهان:5/712-713/23 و26. ومنها: ما رويّ عن علي بن عيسى القماط عن عمه عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (أري رسول الله صلّى الله عليه وآله [في منامه] بني أمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون النّاس عن الصراط القهقرى، فأصبح [كئيبا] حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل عليه السلام...وأنزل عليه (إنّا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر) جعل الله عزّ وجلّ ليلة القدر لنبيه صلّى الله عليه وآله خيراً من ألف شهر ملك بني أميّة). تفسير البرهان:5/712/20. ومنها: ما رويّ عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام، [قالوا]: (قال له بعض أصحابنا، ولا أعلمه إلّا سعيد السمان: كيف تكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟ قال: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر). تفسير البرهان:5/710/14. ومنها: ما رويّ عن حمران أنّه سأل الإمام الباقر عليه السلام: (قلت: (ليلة القدر خير من ألف شهر) أيّ شيء عنى بذلك؟ فقال: العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير، خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ولو لا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين، ما بلغوا، ولكنّ الله يضاعف لهم الحسنات). تفسير البرهان:2/711/16. المقطع السادس: قوله عليه السلام: (وهي أمّ المؤمنين). لم يرد في النصوص التامّة التي يعتمد عليها أنّها عليها السلام أمّ المؤمنين، ومعلوم أنّ أمهات المؤمنين غيرها.نعم ذكر أنّها عليها السلام كانت تكنّى بأمّ أبيها. راجع: مقاتل الطالبيّين للمؤرّخ أبي الفرج الأصفهاني:29، تاج المواليد للشيخ الطبرسي:20، مناقب آل أبي طالب للشيخ ابن شهر آشوب:1/140. المقطع السابع: قوله عليه السلام: (تنزّل الملائكة) والملائكة المؤمنون. هذا المعنى لا ينسجم مع الأخبار التي سنتطرّق إليها فآية (تنزّل الملائكة) فسرّت في بعض النصوص بصورة مغايرة كما سنرى. وهناك أيضاً غرابة نلحظها في المتن فمرّة يأوّل كلمة (شهر) بالمؤمنين، ومرّة يأوّل كلمة (الملائكة) بالمؤمنين أيضاً. ويعترضنا ههنا سؤال وهو: كيف ينزل المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد باستمرار كلّ فترة حتّى يظهر مولانا القائم عليه السلام؟! لقد أكّدت النصوص على أنّ هذا النزول سيستمرّ إلى يوم القيامة، راجع: الكافي:1/245-251/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/3 و7 و8، تأويل الآيات:2/819-825/5 و6 و7 و9 و10 و14، تفسير البرهان:5/704-714/3 و4 و8 و9 و16 و17 و24 و29. قال السيّد شرف الدّين الأسترآبادي: "فلا بدّ من رجل تنزل عليه الملائكة والروح فيها بالأمر المحتوم في ليلة القدر في كلّ سنة، ولو لم يكن كذلك لم يكن بكلّ أمر. ففي زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله كان هو المُنزّل عليه، ومن بعده على أوصيائه أوّلهم أمير المؤمنين وآخرهم القائم عليهم السلام، وهو المُنزّل عليه إلى يوم القيامة، لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة الله عليها". تأويل الآيات:2/820. وأضاف في موضع آخر: "إعلم أنّ حاصل هذا التأويل، أنّ ليلة القدر باقية إلى يوم القيامة، لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة الله سبحانه وتعالى عليها، تنزل فيها عليه الملائكة والروح من عند ربّهم من كلّ أمر إلى الليلة الآتية في السنة المقبلة، من لدن آدم إلى أن بعث الله سبحانه نبيّه صلّى الله عليه وآله، فكان هو الحجّة المنزلة عليه، ثمّ من بعده أمير المؤمنين، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ الأئمّة واحد بعد واحد إلى أن انتهت الحجّة إلى القائم صلوات الله عليهم أجمعين صلاة باقية إلى يوم الدّين". تأويل الآيات:2/828. وأنقل إليكم الآن مقاطعاً مقتطفة من الأخبار التي تغاير المعنى المذكور في رواية فرات الكوفي: منها: ما رويّ عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال في حديث نأخذ منه موضع الحاجة: (أنّه ليس من يوم ولا ليلة إلّا وجميع الجنّ والشياطين تزور أئمّة الضلالة، ويزور إمام الهدى (في نسخة وتزور أئمّة الهدى) عددهم من الملائكة، حتّى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى ولي الأمر...إنّ الله عزّ وجلّ أعظم من أن ينزل الأمر مع الروح والملائكة إلى كافر فاسق). الكافي:1/253/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/9،تفسير البرهان:5/709/10. ومنها: ما رويّ محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: (سألته عن علامة ليلة القدر؟ فقال: علامتها أن تطيب ريحها، وإن كانت في برد دفئت، وإن كانت في حرّ بردت وطابت. قال: وسئل عن ليلة القدر، فقال: تنزل فيها الملائكة والكتبة الى السّماء الدّنيا، فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد، وأمره عنده موقوف [له]، وفيه المشيئة فيقدّم [منه] ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء، ويمحو ويثبت وعنده أمّ الكتاب). تفسير البرهان:5/710/13. ومنها: ما رويّ عن عبد الله بن عجلان السكوني قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: بيت عليّ وفاطمة من حجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسقف بيتهم عرش ربّ العالمين، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي، والملائكة تنزّل عليهم بالوحي صباحاً ومساءً...وما من (بيت من) بيوت الأئمّة منّا إلّا وفيه معراج الملائكة لقول الله عزّ وجلّ: (تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم)). تأويل الآيات:2/818-819/4، تفسير البرهان:5/714/28. ومنها: ما رويّ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا تلا (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) يقول: صدق الله، أنزل [الله] القرآن في ليلة القدر، (وما أدراك ما ليلة القدر) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا أدري. قال الله عزّ وجلّ (ليلة القدر خير من ألف شهر) ليس فيها ليلة القدر. وقال الله لرسوله صلّى الله عليه وآله: هل تدري لم هي خير من ألف شهر؟ قال: لا، قال: لأنّها (تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر) وإذا أذن الله بشيء فقد رضيه (سلام هي حتّى مطلع الفجر) يقول: تسلّم عليك يا محمّد ملائكتي وروحي بسلامي من أوّل ما يهبطون إلى مطلع الفجر). تأويل الآيات:2/822/11، تفسير البرهان:5/705/5. ونحوه في الكافي:1/247/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/4. ومنها: ما رويّ عن ابن عباس عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال في حديث: (إذا كانت ليلة القدر تنزل الملائكة، الذين هم سكّان سدرة المنتهى وفيهم جبرئيل، ومعهم ألوية). تأويل الآيات:2/816/1، تفسير البرهان:5/714/30. وكذا يشير ألى ذلك المرويّ عن الإمام أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: (ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد رد على الله عزّ وجلّ علمه). الكافي:1/250/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/7،تأويل الآيات:2/825/14. المقطع الثامن: (والروح فيها) والروح القدس هي فاطمة عليها السلام. هذا الوصف لها بأنّها عليها السلام هي روح القدس لا يحتاج إلى استرسال لأنّه مخالف للروايات المستفيضة، ولا يستقيم مع الروايات التي وصفته بأنّه خلق أو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل عليهما السلام. راجع: البحار:25/47-53 و58-70/ب3. عموماً في نهاية مناقشة هذه الرواية أقول: لعلّ المجلسي لاحظ اضطراب متن الرواية فلذا اختصره في بحاره:43/65/ب3/58. وليعلم الأخوة الفضلاء والأخوات الفضليات أو الفاضلات أنّ الذي قادني إلى هذه المناقشة هو تلك الملاحظات والمعارضات. وفي عقيدتي أنّ الذي يساعد على اذكاء الفكرة وترسيخ النظرة هو البحث ومناقشة الأنظار والآراء. في ختام الكلام أرى من المناسب الإشارة إلى أنّ هناك أخباراً غير ثابتة للمعصوم شاع تناقلها من على فوق المنابر وكثر تردّدها على ألسن جلّاس النوادي، منها: نحن حجج الله على الخلق، وجدّتنا فاطمة حجّة علينا.والغريب أنّ الشيخ الفاضل محمّد فاضل المسعودي كرّر نسبته إلى الإمام العسكري عليه السلام في عدّة مواضع من كتابه الأسرار الفاطمية:37 و53 و154 و265 و410. وكذا نسبه إلى الإمام العسكري عليه السلام الشيخ محمّد السند في كتابه مقامات فاطمة الزهراء عليها السلام في الكتاب والسنّة:20. ومنها: اللّهم إنّي أسالك بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها. وقد نبّه الشيخ محمّد فاضل المسعودي القرّاء إلى أنّ هذا الدعاء ليس للمعصوم. فراجع: الأسرار الفاطميّة:25. وهناك أخبار أُخرى غير تلك يستدلّ البعض بها وهي لا ترقى إلى مستوى الدليل أعرضت عنها فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً، وربّما أتطرّق إليها في مناسبة أخرى إن وفقّت لها وكان في العمر بقيّة. ورجائي من الأخوة الفضلاء (الخطباء والمؤلّفين) الذين وقعوا في اشتباهات نقليّة تنبيه القرّاء إلى مواضع الخطأ غير المقصود، لأنّ الكلمة مسؤوليّة، وقد روي عن خثيمة بن عبد الرحمن قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من تحدّث عنّا بحديث فنحن سائلوه عنه يوماً، فإن صدق علينا فإنّما يصدق على الله وعلى رسوله، وإن كذّب علينا فإنّما يكذب على الله وعلى رسوله، لأنّا إذا حدّثنا لا نقول قال فلان وقال فلان، وإنّما نقول قال الله وقال رسوله). تاويل الآيات الظاهرة:2/521/30، تفسير البرهان:4/723/9. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد الأمين وعلى آله الميامين. أخوكم جعفر صادق الحسيني |
المناقشة الجادّة لقصّة حضور الأسد في كربلاء الشهادة
الخبر الثاني: قصّة كتاب الكافي روي عن عبد اللَّه بن إدريس عن أبيه إدريس بن عبد اللَّه الأزدي [ الأودي ] قال: « لمّا قُتل الحسين بن عليّ عليه السّلام أراد القوم أن يوطئوه (يطئوه) الخيل، فقالت فضة لزينب: يا سيّدتي إن سفينة كسر به في البحر - فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد، فقال: يا أبا الحارث أنا مولى رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهمهم بين يديه حتى وقفه على الطريق والأسد رابض في ناحية، فدعيني أمضى إليه فأعلمه ما هم صانعون غداً، قال: فمضت إليه فقالت: يا أبا الحارث! فرفع رأسه، فقالت له: أتدري ما يريدون أن يعملوا غداً بأبي عبد اللَّه عليه السّلام؟! يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره. قال: فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين عليه السّلام، فأقبلت الخيل، فلمّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه اللَّه: فتنة لا تثيروها انصرفوا، فانصرفوا». الكافي للشيخ محمّد الكليني:1/465-466/باب مولد الحسين بن عليّ عليهما السلام/8. وبتفاوت يسير في المنتخب، وجاء فيه: قال حُكيأنّه لما قتل الحسين...وأرى أسداً خلف مخيمنا فدعيني أذهب إليه واخبره بما هم صانعون غداُ بسيدي الحسين. فقالت: شأنك. فقالت فضّة: فمضيت إليه حتّى قربت منه وقلت: يا أسد أتدري...يريدون يوطئون الخيل ظهره؟ قال: نعم، فقام الأسد ولم يزل يمشي وأنا خلفه...وجعل يمرّغ وجهه بدم الحسين ويبكي إلى الصباح، الخ". المنتخب في جمع المراثي والخطب للشيخ فخر الدّين الطريحي:2/302. - المناقشة من ناحية السند: القصّة مرويّة عن غير المعصوم ولم تثبت من طريقه، وسندها مطعون ولا يُعبأ به لأنّه يعاني من جهالة بعض الراوة، وهي بعد خبر تاريخي لم يثبت بنقل معتبر، وحالها السندي من هذه الناحية لا يختلف كثيراً عن حال أختها (سند الخبر الأوّل)، وقد تكلّمنا فيما سبق عن ضوابط الأخذ بالخبر التاريخي وقبوله، فلا نعيد. وبناء على ذلك فإنّ سندها يُعدّ من قسم المجهول والغير المعتمد، وهذا ما أكّده جملة من الأفاضل. راجع: مرآة العقول للشيخ المجلسي:5/368، ومستدرك الوسائل للمحدّث النوري:8/27 هامش المُحقّق، مدينة المعاجز للسيّد البحراني:3/470 هامش المُحقّق، وتكملة الرجال للشيخ عبد النبيّ الكاظمي:1/553 هامش المُحقّق، وسيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ للسيّد العاملي:ج19/31 وانظر:ج11/333، وإجابة للشيخ محمّد جميل حمّود العاملي في موقعه على صفحة الأنترنت، وإجابة للشيخ فوزي آل سيف احتفظ بها. قال الشيخ فضل عليّ القزويني: "وهذه الرواية وإن رواها الشيخ الأجلّ ثقة الإسلام في الكافي، وهو أوثق كتب الشيعة، إلّا أنّها رواية تاريخيّة وليست بحديث مروي عن المعصوم، إذ لم يسنده إلى قول إمام، فهو من أخبار الآحاد ولا يفيد علماً ولا عملا. ثمّ ذكر الشيخ القزويني مجهوليّة بعض رجال السند". الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه:1/370. ويعضد ما نقلناه ما ذكره الشيخ الغزّي في ملّف الكتاب الناطق/الحلقة الثالثة والعشرون. حيث نقل الشيخ الغزّي كلام الشخص الذي راسله وأخبره بحكايته حين ذهب إلى كلّ مكاتب المراجع المعروفين في النجف وسألهم عن الخبر أعلاه (خبر الكافي)، فقالوا كلّهم له: بأنّ هذه القضيّة ليست صحيحة، وأنّ المراجع لا يؤمنون بها، ولا يُحبّذون إتيانها، ونصحه أعضاء المكاتب أن يترك هذه التفاهات ويهتمّ بغيرها. ولكن الشيخ الغزّي اعترض على رأيهم فقال: "أني لا أعبأ بكلام المراجع ولا شأن له به، لأنّ غاية ما يعتمدون عليه هو علم الرجال في تضعيف الروايات". وحاول بعضهم رفع الجهالة عن السند الذي تصوّر وقوع الوهم فيه بتبديل بعض أسماء رجال السند العاميّ، لكنّه لم يُفلح وبقي السند مُتضعضعاً غير تامّ. - المناقشة من ناحية المتن: سنردف لكم آراء وملاحظات الأفاضل الدائرة حول الخبر بعد إيراد ملاحظاتنا أو أثناءها. إذا نحن أجلنا النظر في متن الخبر نجده منسوباُ لفضّة ومنقولاً عنها ولا توجد أيّ عبارة للسيدة زينب عليها السلام في الخبر تُوحي بصحّة نسبة الخبر إليها. بل تقدّم عن الشيخ فضل القزويني أنّ القصّة غير مسندة إلى قول معصوم، كما جاء في كتابه الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه:1/370. وعليه فلا يصحّ ما زعمه بعض الفضلاء أنّها مرويّة عن معصوم وهي السيّدة زينب عليها السلام! أضف إلى ذلك فإنّ بعض الآراء الذاهبة إلى عصمة السيّدة زينب عليها السلام غير متحّقق، والخبر الحاكي أنّها عالمة غير معلّمة لا يمكن من ناحية التبصّر والتحقّق الاعتماد عليه في إثبات هذه المزية. وهذا لا يعني تجريدها سلام الله عليها من كلّ مزية وفضيلة، أبداً لا يصحّ الذهاب إلى هذا النوع من التفكير، ونعوذ بالله تبارك وتعالى ممّن يبتغي ذلك، أو أن نكون هكذا. إنّها السيّدة الرائعة والمرأة الراقيّة بمزاياها الجزيلة وفضائلها الجليلة. والمراد بفضّة هنا خادمة مولاتنا السيّدة الزهراء عليها السلام كما عن دائرة المعارف الحسينيّة/معجم أنصار الحسين للشيخ محمّد الكرباسي/النساء/الجزء الثالث:83 و95. وقد استظهر بعضهم أنّ فضّة (النوبيّة أو الهنديّة) رضي الله عنها ولدت قبل الهجرة بأكثر من خمس وعشرين سنة، وحين دخلت بيت السيّدة الزهراء كان عمرها أكثر من ثلاثين سنة. راجع: دائرة المعارف الحسينيّة:3/80 -82. وعليه فإنّ عمرها يوم الطّف يكون قد تجاوز الثمانين عاماً، على ما ورد في دائرة المعارف الحسينيّة:3/100. وهناك أمر ملفت فمن الناحية التاريخيّة لم يتطرّق المؤرّخون القدامى وأصحاب المقاتل المعتمدة إلى دور فضّة في يوم الشهادة وأثناء السبي والعودة منه. وحتّى ما ورد في الكتب غير المعتمدة تمام الاعتماد ككتاب الشيخ الدربندي في أسرار الشهادة أنّ السيّد زينب عليها السلام لمّا أرادت الركوب على الناقة ولم تستطع جاءت إليها جارية مُسنّة سوداء أقبلت إليها فأركبتها، فسألت عنها، فقالوا: هذه فضّة جارية فاطمة الزهراء عليها السلام. راجع: إكسير العبادات في أسرار الشهادات:2/630، عنه معالي السبطين للشيخ محمّد علي الحائري:510/ف12/المجلس:4. وهذا الخبر فيه علامات الوضع واضحة، وينطوي على مفارقات غريبة وعديدة، ولا أدري لمن وجّه الراوي الذي سار مع موكب الإمام سؤاله في تلك الأحوال العصيبة؟ ومن المجيب الذي عرف فضّة وجهلها الراوي؟ على العموم فإنّ بعض الفضلاء اعتبر هذا الخبر أيضاً مريب ومن القضايا المختلقة. راجع: اللؤلؤ والمرجان:212، والملحمة الحسينيّة:1/17 و:3/249، وسيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:11/330-333، والنهضة الحسينيّة للسيّد محمّد حسن ترحيني العاملي:317. تجدر الإشارة إلى أنّ كتاب إكسير العبادة تعرّض لنقود عديدة من قبل الأفاضل، ولم يحظ بالقبول التامّ لدى الكثير من الأماثل، لكونه يشتمل على قضايا غير صحيحة، ومتساهل في أخذ الأخبار وتناول الآثار الواهيّة وهو كأخيه منتخب الطريحي. راجع: اللؤلؤ والمرجان:201، الذريعة للشيخ آغا بزرك الطهراني:2/279، الملحمة الحسينيّة لمطهّري:1/84-85 و:3/248و283، موسوعة الإمام الحسين عليه السلام للريشهري:1/98-99 و:5/84 هامش و310، سيرة الإمام الحسين عليه السلام للعاملي:20/198، من قضايا النهضة الحسينيّة للشيخ فوزي آل سيف:97 هامش. المراد بسفينة هو سفينة مولى رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، يُكنّى أبا ريحانة. انكُسرت به السفينة التي تقله في البحر. راجع: شرح أصول الكافي للشيخ محمّد صالح المازندراني:7/234، الوافي للشيخ الفيض الكاشاني:3/760. ويظهر من كلام السيّد العاملي انّه غير مطمأن تماماً بحصول حكاية سفينة، قال: " وهل حصل ذلك لسفينة؟ أم أنّه مجرّد ادّعاء لا تثبته النصوص المعتبرة؟". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/32. وتستوقفنا هنا قضيّة مُحيّرة: روى المؤرّخون أنّ الأعداء فاقدي الغيرة والشهامة والمروءة أخزاهم الله عزّ وجلّ قاموا بنهب ما في الخيام وأضرموا النّار فيها، فبناء على وجود خيمة واحدة- كما يمكن أن يُستفاد من بعض الأخبار-، أو خيمتين متقاربتين تجمع النساء والأطفال ومن بقي من الرجال، يقفز أمامنا هذا السؤال وهو: كيف خرجت فضّة من الخيمة المُحاطة بالحرس والعيون من غير إذن وعلم الأعداء؟! وفي هذا السياق نلتقط لكم ما رواه الشيخ المفيد قال: "وجاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين، فقال لأصحابه: لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة، ولا تعرضوا لهذا الغلام المريض. وسألته النسوة ليسترجع ما أُخذ منهنّ ليتستّرن به، فقال: من أخذ من متاعهنّ شيئاً فليردّه عليهنّ؟ فوالله ما ردّ أحد منهم شيئاً. فوكّل بالفسطاط وبيوت النّساء وعليّ بن الحسين جماعة ممّن كانوا معه، وقال: أحفظوهم لئلّا يخرج منهم أحد، ولا تسيئنّ إليهم". الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد:2/113. ومثله في إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي:1/469-470/ب2/ف4 وفيه إلى كلمة أحفظوهم. وما كتبه الشيخ إسماعيل بن عمر بن كثير التالي: "وأمّا بقيّة أهله ونسائه فإنّ عمر بن سعد وكّل بهم من يحرسهم ويكلؤهم". البداية والنهاية:8/210. وقد أشار السيّد العاملي إلى هذا المعنى حيث ذكر أنّ الأعداء لعنهم الله المتعالي كانوا يحيطون بخيم النساء. راجع: سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/32. وكرّر نقله مع التعليق عليه فقال عن توكيل ابن سعد جماعة بحفظ السبايا: "إنّ هذا التوكيل لم يكن رغبة في دفع البلاء عنهنّ، بل لأنّ ابن سعد كان يعرف أنّه مُطالب من يزيد وابن زياد بان يُرسل إليه السبايا، لكي يُظهر للنّاس قوّته، وبطشه بأعدائه. ولكي يرى النّاس ذلَّة بني هاشم، حتّى تنقطع آمال النّاس بهم، وينكفئوا عنهم. لأنّ ذلك هو الذي يجعل بني أُميّة يُشعرون بالأمان. كما أنّهم يُريدون أن يُشفوا غليل صدورهم، وتنفيس حقدهم على النبيّ وأهل بيته. وهذا كلّه يدلّ على أنّه لم يكن ابن سعد قادراً على التفريط بمن هم في يديه من نساء وأطفال وسواهم". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/102-103. على أيّ حال فإنّ مع هذا القرب والتشابك المكاني لماذا لَمْ تذهب فضّة لأخذ الإذن من الإمام السجّاد عليه السلام؟ ولماذا لَمْ تستشره سيّدتنا المُعظّمة عقيلة الطالبيّين عليها السلام؟ وهناك تساؤلات أُخرى حول حوار فضّة مع مولاتنا زينب عليها السلام قام بتسجيلها السيّد العاملي على شكل نقاط ملاحظاتيّة، نأخذ بعضها: ""فأوّلاً: من الذي أخبر فضّة وسائر النساء: بأنّ الأعداء عازمون على رضّ الجسد الشريف بحوافر الخيل في اليوم التالي؟ ونتجاوز النقطة الثانية ونأخذ ما بعدها. ثالثاً: من أين علمت فضّة بوجود الأسد في ذلك المكان المعيّن؟ رابعاً: كيف لم تعلم زينب عليها السلام عن الأسد ومكانه ما علمته فضّة؟ ثمّ تساءل: من أين علمت أنّ الأسد سوف لا يقدم على افتراسها؟". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/31. أضف إلى ما تقدّم: المفترض أنّ معرفة فضّة بقّصّة سفينة مولى رسول الله المشهورة في أصلها المختلف في تفاصيلها ما كانت لتخفى على مولاتنا السيدّة زينب عليها السلام. لكنّنا لا نتلمّس في الخبر ما يُشعر بمرور الفكرة على خواطر السيّدة المُهتضمة واستحضارها؟ ولذا لم نجد المبادرة من عقيلة الطالبيّين صاحبة العلم والمعرفة! لا بدّ أنّ هذا الطرح لا ينسجم مع تصوّر من يعتقد برواية العالمة غير المعلّمة. فهل هذا السكوت من السيّدة الجليلة كان لأجل بيان فضل فضّة؟ طبعا لم يكن الأمر هكذا، والقول به وتبنّيه يُعد مجازفة. ثمّ كيف علمت فضّة أنّ الأسد نفسه حيّ يرزق؟ وكيف استطاعت تمييزه عن غيره؟ وجاء في الخبر أنّ فضّة ذهبت إلى الأسد فقالت: "يا أبا الحارث، فرفع رأسه!". وههنا وقفة: لم يُحدّثنا الخبر أنّ فضّة أخبرت الأسد أنّها من مواليّ أهل البيت كي يهرع إلى مساعدتها مثلما ساعد سفينة! ثمّ إنّ ما حصل لسفينة لا يدلّ على أنّ نظيره سوف يحصل لغيره، كما يقول العاملي، فراجع: سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/31-32. وكيف عرف الأسد أنّ كنيتهأبو الحارث؟ وما معنى أنّ يرفع الأسد رأسه؟ أليس من عادة الأسد (ذلك الوحش الضاري) اليقظ المُزوّد بحواس مطوّرة أن يستشعر بالقريب القادم إلى ناحيته، فكيف يبقى فيما أشبه بالغفلة- كما يوحي الخبر- مخفضاً رأسه إلى أنّ يناديه المُقترب منه بكنيته فيرفع رأسه؟! وقولها للأسد: "يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره". يُشعر بأنّ وضع جسد الإمام عليه السلام كان كوضع النائم على بطنه. قال: "فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين". الخبر يستبطن أنّ مكان الأسد لم يكن بعيداً عن ساحة المعركة ويُستفاد هذا من كلمة (فدعيني أمضي إليه) و (فمشى)، ويُدعم ذلك نسخة خبر منتخب الطريحي، فقد جاء فيه: "وأرى أسداً خلف مُخيّمنا". فإذا كان الأسد بهذا القرب ويحمل هذا الشعور الولائي فلِمَ لمْ يأت منذ يوم العاشر الذي رضّ فيه الجسد الشريف في المرّة الأولى؟! أمّا الكلام عن مجيء الأسد لحماية الجسد الطاهر، فهو أمر شاذّ لا تدعمه الوثاق المُتكثرّة، بل إنّها تتقاطع معه وتثبت حصول الرضّ للجسد القدسيّ كما سيمرّ بنا. لقد ورد في النصوص وكذلك روى الكثير من مؤرّخي الفريقين وأرباب المقاتل وأصحاب السير أنّ جسد مولانا الإمام الحسين عليه السلام قد رضّ بسنابك وحوافر الخيل في اليوم العاشر من محرّم، وأقرّوا وقوعه. ومن هنا سوف نقوم بتطعيم البحث وتنويع الأدلّة التي تطرّقت إليها. ألف: من ناحية النصوص جاءفي كتاب النوادر لعلي بن أسباط رواه عن بعض أصحابه، قال: (إنّ أبا جعفر عليه السلام قال: كان أبي مبطوناً يوم قتل أبوه صلوات الله عليهما، وكان في الخيمة وكنت أرى موالينا كيف يختلفون معه، يتبعونه بالماء. يشدّ على الميمنة مرّة وعلى الميسرة مرّة وعلى القلب مرّة. ولقد قتلوه قتلة نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يقتل بها الكلاب، لقد قتل بالسيف، والسنان، وبالحجارة، وبالخشب، وبالعصا، ولقد أوطؤه الخيل بعد ذلك). الأصول الستة عشر لعدّة محدثين:122، البحار للمجلسي:45/91/ب37/30، نفس المهموم:334. وربّما لهذا وغيره روي عن المعصوم أنّه قال عن استشهاده عليه السلام: (ما قُتل قتلته أحد كان قبله). كامل الزيارات للشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي:145/ب22/170/2. قال المؤرّخ والمجغرف البيروني عن يوم العاشر من محرّم (عاشوراء): "وكانوا يعظّمون هذا اليوم إلى أن اتّفق فيه قتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم وفُعل به وبهم ما لم يُفعل في جميع الأمم بأشرار الخلق من القتل بالعطش والسيف والإحراق وصلب الرؤوس وإجراء الخيول على الأجساد، فتشاءموا به، فأمّا بنو أميّة فقد لبسوا فيه ما تجدّد وتزينوا واكتحلوا وعيّدوا، وأقاموا الولائم والضيافات وطعموا الحلاوات والطيّبات...وأمّا الشيعة فإنّهم ينوحون ويبكون أسفاً لقتل سيّد الشهداء فيه، ويظهرون ذلك بمدينة السلام وأمثالها من المدن والبلاد، ويزرون فيه التربة المسعودة بكربلا". وكتب الشيخ باقر شريف القرشي: "ولم تجر هذه العملية- فيما أحسب- على احد من أهل بيت الإمام وأصحابه، ويؤيّد ذلك أن الأوامر التي صدرت من ابن زياد إلى ابن سعد قد اقتصرت على التمثيل بجسد الحسين دون غيره...لقد داسوا جسد الإمام الذي تربّى في كنف الرسول (ص) ونبت لحمه من لحم علي وفاطمة، والذي قال فيه الرسول: (حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً). لقد داسوا ذلك الجسد الذي ثار في وجه المعتدين والظالمين، وأراد أن يزيل البغي، ويظهر العدل في الأرض حسب ما أمر الله به". حياة الإمام الحسين عليه السلام:3/303-304. وروي قولاً منسوباً إلى فاطمة بنت الإمام الحسين: "وانأ أنظر إلى أبي وأصحابه، مجزرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول". البحار:45/60، وعوالم العلوم - حياة الإمام الحسين للشيخ البحراني:305 و360. وفي حديث ضعيف مرسل ذكر فيه رضّ الجسد الشريف: (وأمّا الحسين فإنّه يُظلم ويُمنع حقّه وتُقتل عترته، وتطؤه الخيول، وينهب رحله، وتسبى نساؤه وذراريه، ويدفن مرملاً بدمه، ويدفنه الغرباء). البحار:98/44/ب5/84. ومثله في الضعف والإرسال وعدم الاعتماد عليه جاء فيه أنّه رضّ بدنه وهشّمته الخيل بحوافرها. راجع: منتخب الطريحي:1/100، العوالم- الإمام الحسين:494، والدّمعة السّاكبة في أحوال النبيّ والعترة الطّهارة للشيخ محمّد باقر البهبهاني:5/3. وهناك أثر آخر مثلهما في القيمة يؤكّد هذه الحادثة كما في الدمعة السّاكبة:4/379. وورد في زيارة الناحية المنسوبة إلى المعصوم:"حتّى نكّسوك عن جوادك، فهويت إلى الأرض طريحاً، ظمآن جريحاً، تطؤك الخيول بحوافرها وتعلوك الطغاة ببواترها". البحار:98/240. وينبغي التذكير أنّنا وجدنا بعض النصوص قد تطرّقت لعمليّة الرضّ، ولكنّنا لم نجد ذكر لها في خطب السبايا التي ألقوها في الكوفة والشّام! باء- ومن ناحية المصادر التاريخيّة والمقاتل والسير فقد ذُكر انَّه بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام وروحي له الفداء، نادى عمر بن سعد في أصحابه: "من ينتدب للحسين ويُوطئه فرسه، فانتدب عشرة: منهم إسحاق بن حياة الحضرمي وهو الذي سلب قميص الحسين فبرص بعدُ، وأحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمي، فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتّى رضَّوا ظهره وصدره". مقتل الحسين عليه السلام المنسوب إلى الشيخ لوط أبي مخنف:202، تاريخ الطبري:4/347، أنساب الأشراف:3/204، الكامل في التاريخ للشيخ ابن الأثير:4/80، مقتل الحسين للشيخالموفّق الخوارزمي:2/44/ف11، نفس المهموم للقمّي:347-348، معالم المدرستين للسيّد مرتضى العسكري:3/137، موسوعة الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ للريشهري:5/14-15. وبتفاوت في مروج الذهب للشيخ عليّ المسعودي:3/57، والإرشاد للشيخ المفيد:2/113، وإعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الفضل الطبرسي:1/470/ب2/ف4، ونور العين في ذكر مشهد الحسين المنسوب للشيخ أبي إسحاق الإسفراييني:9-10، والمنتظم في تاريخ الأمم والملوك للشيخ عبد الرحمن بن الجوزي:5/341، ومثير الأحزان لشيخ ابن نما:59-60، وتسلية المجالس للسيّد محمّد الحسيني:2/327، والدّر النظيم للشيخ يوسف العاملي:558، وجواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب للشيخ محمّد الدمشقي الباعوني الشافعي:2/289/ب75، والإتحاف بحبّ الأشراف للشيخ عبد اللهالشبراوي الشافعي:53/ب2، ومنتهى الآمال للشيخ عبّاس القمّي:1/550-551،والدّمعة الساكبة:4/376، ولواعج الأشجان في مقتل الحسين للسيّد محسن الأمين:149، ومقتل الإمام الحسين للسيّد محمّد التقي بحر العلوم:497، ومقتل الحسين للسيّد عبد الرزّاق المقرّم:302، وسيرة الحسين في الحديث والتاريخ للسيّد جعفر العاملي:ج19/27، وكربلاء الثورة والمأساة للأستاذ أحمد حسين يعقوب:342، والرحمة الواسعة للشيخ محمّد تقي البهجة:92. وينبغي الأخذ بنظر الاعتبار أن هذا الفعل جاء بناء على مرسوم صدر بذلك من اللعين والي الكوفة إلى اللعين ابن سعد، فقد كتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد كتاباً جاء فيه: "فإنْ قتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره". تاريخ الطبري ج4/314، الكامل في التاريخ:4/55، أنساب الأشراف للبلاذري:3/183، مقاتل الطاليين للشيخ أبي الفرج الأصفهاني:79، الإرشاد:2/88، مناقب آل أبي طالب للشيخ ابن شهرآشوب:3/247، المنتظم لابن الجوزي:5/337، الفتوح للشيخ ابن الأعثم:5/93، مقتل الحسين للخوارزمي:1/348/ف11، ونور العين في ذكر مشهد الحسين:8، الإتحاف بحبّ الأشراف:49/ب2، معالم المدرستين للعسكري:3/86، معالم السبطين:305/ف7، نفس المهموم:201، منتهى الآمال:1/475، لواعج الأشجان:88، مقتل الحسين للمقرّم:208، الإمام الحسين وأصحابه للقزويني:1/243، الملحمة الحسينيّة:2/125، الرحمة الواسعة:102. ويلزم التذكير بأنّ مؤلّفي هذه المصادر والتي قبلها لم يناقشوا ما نقلوه ولم يبدوا اعتراضاً عليه، ممّا يُشعر بالموافقة والرضا به. قال الشيح فضل القزويني عن رضّ صدره وجسده الشريف: "الذي اتّفق عليه العامّة والخاصّة محدّثوهم ومؤرّخوهم، بل كلّ من تصدّي لوقعة الطّف ذكر ذلك من غير نكير". الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه:1/366. جيم- من ناحية الشعر فقد أنشد الشعراء أبياتاً تؤكّد وقوع حادثة رضّ الجسد المقدّس يُقال أنّ السيّد إسماعيل الحميري الذي هو من شعراء القرن الثاني الهجري المولود سنة 105هـ أنشد الإمام الحسين عليه السلام بقصيدة مطلعها: اُمرر على جدث الحسين ... و قل لأعظمه الزكية يا عظاماً لا زلت من ... وطفاء ساكبة رويّة ما لذ عيشٌ بعد رضّك ... بالجياد الأعوجية. راجع: أعيان الشيعة للسيّد محسن الأمين:3/429. ونقل الشيخ محمّد بن عليّ بن شهرآشوب عن السيّد الرضي الأبيات التالية: وخر للموت لا كفّ يُقلّبه إلّا بوطئ من الجرد المحاضير. مناقب آل أبي طالب:3/259. وللسيّد حيدر الحلي أترى تجيء فجيعة بأمضّ من تلك الفجيعة حيث الحسين على الثرى خيل العدى طحنت ضلوعه. واحتذى بهم الشاعر محمّد مهديّ الجواهري في قصيدته العصماء بحقّ الإمام الحسين (فداء لمثواك)، نأخذ موطن الحاجة منها، قال: وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغَاةِ جالتْ عليـهِ ولم يَخْشَـعِ. وقد أقرّ جمع كثير من فقهاء الطائفة وفضلائهم على وقوعها، وتقدّم منّا ذكر بعضهم، ونجمل لكم هنا تصريح بعضهم، وما قاله أو نقله بعض آخر بذكر مصادرهم: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب:3/259، اللهوف:79-80 وطبعة:182، منتخب الطريحي:2/457/المجلس العاشر،الآثار الباقية عن القرون الخالية للشيخ أبي الريحان محمّد البيروني:329 وطبعة أخرى صفحة:420،الصواعق المحرقة للشيخ ابن حجر الهيتمي:271/ب11/ف2، معالي السبطين:477-478/ف10، مقتل الإمام الحسين للسيّد محمّد التقي بحر العلوم:501، مقتل الحسين للمقرّم:307، نهضة الحسين للسيّد هبة الدّين الشهرستاني:178، الغرر الحسينيّة والدّرر الدّينيّة للسيّد محمّد مهدي القزويني البصري:57 و68 و77-78 و84 و155-156، لواعج الأشجان للسيّد محسن الأمين:149، موسوعة الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ للريشهري:5/13-16، حياة الإمام الحسين للشيخ القرشي:3/303، ثورة الحسين ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة للشيخ محمّد مهديّ شمس الدّين:201، أنصار الحسين الرجال والدلالات لشمس الدّين:230 و232، ونقله الشيخ نجاح الطائي في مقتل الحسين وأنصاره:373، فاجعة الطّف للسيّد محمّد سعيد الحكيم:76، الصحيح من مقتل سيّد الشهداء للريشهري:933، من قضايا النهضة الحسينيّة للشيخ فوزي آل سيف:67-68. وألمح السيّد جعفر العاملي إلى ما يدلّ على قبوله خبر رضّ الجسد الشريف سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/78. وأشار إليها السيّد محمّد الصدر في أضواء على ثورة الحسين عليه السلام:241-242. بهذا العرض يظهر أنّ الراوي لم يسبك الخبر بطريقة جيّدة ونسي أنّ الأسد جاء في ليلة الحادي عشر، وهذا يعني أنّ متن الرواية مضطرب فلا هو يستطيع نفي رضّ الجسد الطاهر بحسب الروايات التي أثبتت هذا الفعل الشنيع، ولا سياق ألفاظه يُقنع القارئ بدلالته على أنّه مجيء الأسد كان لغرض عدم تكرار الفعل بعد حدوثه. فإذا صحّ أن الرضّ قد حصل بالضبط في يوم العاشر كما عرفنا، فلِمَ لَمْ يكن هناك اعتراض ومساعي لمنع وقوعه وخشية جادّة من تطبيق هذا الفعل الخسيس الصفيق؟ كما تلاحظون أحبّتي في الله فإنّ القصّة يعتريها الخلل من عدّة جهات، وسنقرأ في ذيل البحث بعض الآراء الطاعنة بها. بقي هناك أمران: الأمر الأوّل: استبعد بعض الفضلاء وقوع حادثة الرضّ، وتشبّث بخيوط غير نافعة كما سنرى. ويحسن بنا أن نتوغّل في الموضوع، وندخل في مناقشة المطروح، نقتبس لكم من ربوعه ألمع الأسماء. فهاكم ما اقتطفناه لكم أيّها القرّاء. نستهلّ العرض بما كتبه الشيخ المجلسي في تعليقه على الخبر قال: "قوله لعنه الله: (لا تثيروها) أي: لا تظهروها ولا تفشوها. ويدلّ على أنّ للحيوانات شعوراً، وعلى أنّ بعضهم يُحبّون أهل البيت ويعرفونهم، ويمكن أن يكون الله تعالى ألهمه في هذا الوقت أن يفعل هذا الفعل أو أعطاه شعورا عرف كلام فضّة. ويدلّ على أنّ ما ذكره الخاصّة والعامّة من وقوع هذا الأمر الفظيع لا أصل له. حتّى أن السيّد ابن طاووس (قدس سره) قال في كتاب الملهوف: ثمّ نادى عمر ابن سعد في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره؟ فانتدب منهم عشرة وهم إسحاق بن حوية الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه، وأخنس بن مرثد وحكيم ابن طفيل، وعمرو بن صبيح، ورجاء بن منقذ، وسالم بن خيثمة، وصالح بن وهب، وواخط بن ناعم، وهاني بن ثبيت، وأسيد بن مالك، فداسوا الحسين صلوات الله عليه بحوافر خيلهم حتى رضّوا ظهره وصدره. قال: وجاء هؤلاء العشرة حتّى وقفوا على ابن زياد فقال أسيد بن مالك أحد العشرة: نحن رضضنا الظهر بعد الصدر بكلّ يعبوب شديد الأسر. فقال ابن زياد: من أنتم؟ فقالوا: نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا جناجن صدره. فأمر لهم بجائزة يسيرة، قال أبو عمر والزاهد: فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زناء، وهؤلاءأخذهم المختار فشدّ أيديهم وأرجلهم بسلك الحديد وأوطأ الخيل ظهورهم حتّى هلكوا، انتهى. وأقول: المعتمد ما رواه الكليني (ره) ويمكن أن يكون ما رواه السيّد ادّعاء من الملاعين ذلك لإخفاء هذه المعجزة، وكأنّه لذلك قلل ولد الزنا جائزتهم لعلمه بكذبهم. وما فعله المختار- يقصد بالجناة- لادّعائهم ذلك وإن كان باطلاً، وإن كان ما فعلوه به عليه السلام قبل ذلك أفحش وأفظع منه". مرآة العقول:5/371-372. وقال المجلسي في كتابه بحار الأنوار: "أقول: المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنه لم يتيسّر لهم ذلك". البحار:45/60. ونثنيّ بما ذكره الشيخ عبد الله البحراني قال: "أقول: المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنه لم يتيسر لهم ذلك، وهو المعتمد. ويحتمل أن يكون هذا مرّة وما في الكافي مرّة أخرى، ويؤيده ما سيأتي في الباب الآتي من كتاب النوادر لعلي بن أسباط نقلاً عن الباقر عليه السلام". عوالم الإمام الحسين عليه السلام:304. ويقصد برواية كتاب النوادر ما نقلناه لكم فيما سبق. ويلوح لي أنّ الشيخ جعفر التستري أيضاً لم يجزم بتحقّق الرضّ للجسد المبارك، كما في كتابه الخصائص الحسينيّة:138. وعن هذه الحكاية ذكر الشيخ محمّد مهديّ الحائري اختلاف أرباب المقاتل في هذه القضيّة التي جرت على جسد الإمام الحسين عليه. راجع: شجرة طوبى:35. ونثلث: برأي أحد مشايخ أهل الجمهور وهو الشيخ ابن كثير قال: "قال- يقصد أبا مخنف-: ثمّ أمر عمر بن سعد أن يوطأ الحسين بالخيل، ولا يصحّ ذلك والله أعلم". البداية والنهاية:8/205. ولكنّ يُستشم منه أنّه غير جازم بذلك، ويتأيّد ذلك بما نقله بعد صفحة قال: "ويقال إنّ عمر بن سعد أمر عشرة فرسان فداسوا الحسين بحوافر خيولهم حتّى ألصقوه بالأرض يوم المعركة". تعقيب على كلام الشيخ المجلسي من خمسة جوانب: الجانب الأوّل: الأنسب والأقرب في معنى (لا تثيروها) أي: لا تحرّكوها ولا تهيّجوها كما قال الفيض الكاشاني في الوافي:3/760، لا ما ذكره المجلسي وإن كانت تأتي بذاك المعنى الذي ذكره. لكون أنّ اللعين ابن سعد لا يجهل تفاوت مستويات أعوانه بحفظ الأسرار ونشر الأخبار، ولذا ظهرت هذه القصّة (المعجزة بحسب تصوّر المجلسي) إلى الوجود. والذي يعضد المعنى المُستقرب الكتاب المجيد في وصف بقرة بني إسرائيل قال سبحانه وتعالى: «إنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض » سورة البقرة:71. وأيضاً يساعد عليه ما في المعاجم اللغوية فقد ذكروا: أنّ الريح الشديدة التي تثير الحصباء تسمّى الحاصب، والتي تثير الغبار تسمّى إعصار، والتي تثير التراب فتدفن الآثار تسمّى روامس. راجع: الصحاح للشيخ إسماعيل الجوهري:1/112/باب الباء/فصل الحاء/مادة: حصب، و:2/750/باب الراء/فصل العين/مادة:عصر، و:3/936/باب السين/فصل السين/مادة: رمس. وأثاره: أي: هيّجه، وثار ثائرة، أي: هاج غضبه. ثور: ثارَ الشيءُ ثَوْراً وثُؤوراً وثَوَراناً وتَثَوَّرَ: هاج. الثَّائر: الغضبان. ويقال للغضبان أَهْيَجَ ما يكونُ: قد ثار ثائِرُه وفارَ فائِرُه، إِذا غضب وهاج غضبه". راجع: كتاب العين للشيخ الخليل بن أحمد الفراهيدي:8/234/أبواب الثلاثي المعتّل من الثاء/مادة: ثور، الصحاح:2/606/باب الراء/فصل الثاء/مادة: ثور، لسان العرب للشيخ محمّد بن مكرم بن منظور:4/108/حرف الراء/فصل الثاء المثلّثة/مادة: ثور. الجانب الثاني: كيف يكون ما ذكره الخاصّة والعامّة مع عدم توفّر دواعي الكذب فيه لا أصل له؟ هذا الكلام مردود، والمُفترض في هكذا حالة تقديم ما اشتهر على غيره والأخذ به على قاعدة (خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر). فإذا كان المقياس ذوقي لا تنقيبي فلم لا يكون خبر الكافي هو من لا أصل له لا المشهور؟! 3- لو لَمْ يكن للحدث أصل ومنشؤه صحيح لما قام الرواة بحفظ أسماء هؤلاء العشرة وفرزهم دون غيرهم، وتتّبع أصلهم الفاسد ونمط حياتهم وطريقة مجازاتهم، ومن ثمّ تدوين ما جُمع عنهم في سجّل التاريخ وملّف الحياة. 4- عن أيّ معجزة أو كرامة يحدّثنا عنها الشيخ المجلسي وأجواء القصة تُعطي انطباعاً بأنّها مُفبركةّ! ألم يُفصل الإمام الرضا عليه السلام القول بشانّ روايات الفضائل وأوصى بالنهي عن أخذ الفضائل من أعدائهم، كما جاء في خبر ابن أبي محمود- المعتبر على بعض المباني- عنه عليه السلام قال: (إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة: أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، إلى آخر ما جاء في الرواية). بشارة المصطفى لشيعة المرتضى للشيخ محمّد الطبري:340، البحار:26/239/ب4/1. ومثله في عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق:1/272. لاحظ أيّها القارئ كيف أنّ بعض ما يُسمّى بالفضائل والكرامات هي من صنع أعدائهم! أيّها المُحبّ لأهل البيت عليهم السلام ركّز في هذا البيان ففيه توصيّة مهمّة وهي إيّاك أن تنخدع ببعض الآثار المنقولة في بعض المجاميع الحديثيّة والمنسوبة إليهم فتظنّ أنّها من كرامات العترة الطاهرة ومناقبهم، وفي حقيقتها ما هي بذاك. قال الشيخ محمّد تقيّ التستري في معرض نقده للتفسير المنسوب إلى الإمام العسكري: "ليس كلّ ما نُسب إليهم عليهم السلام صحيحاً، فقد وضع جمع من الغلاة أخباراً في مُعجزاتهم وفضائلهم وغير ذلك...كما انّه وضع جمع من النصّاب والمُعاندين أخباراً مُنكرة في فضائلهم ومُعجزاتهم بقصد تخريب الدين". الأخبار الدّخيلة:1/215-216. ومن المفيد أن نُذكّر أنّه ينبغي أن لا نكتفي بقراءة النصوص ونقلها فينطبق علينا أنّنا من همّه الرواية، بل يلزم التدبّر فيها وإجراء الموازنة والتعليق لينطبق علينا أنّنا من همّه الدراية. على العموم فإنّ من القضايا الملفتة في هذا الجانب الذي خضنا فيه هو ما ذكره الشيخ المامقاني في الفائدة الخامسة من مقباسه قال: "إنّ الدواعي لجعل الحديث في الأحكام قليلة جداً، وكثيراً ما يكون في أصول العقائد، وأكثر منه في الفضائل والمناقب والأذكار". مستدركات مقباس الهداية في علم الدراية للشيخ محمّد رضا المامقاني:6/38. 5- ثمّ إذا كان ما فعله الأعداء بالإمام أبشع من رضّ الجسد وأفحش كما صرّح هو (المجلسي) بذلك، فلم الاستبعاد وما هو وجه المنع؟ ألم يُفعل بأولياء الله وأصفيائه نحو ذلك، وليس بعيداً عنكم ما فُعل بأسد الله وأسد رسوله حمزة ونبيّ الله زكريا ويحيى عليهم السلام من قبل المارقة والزنادقة. وفي هذا المجال قال الشيخ آل سيف: "نعم، قد يستعظم ذلك من قبل المؤمن ولا يراه ممكنا لقداسة الحسين، وعظمة شأنه عند الله سبحانه وتعالى. ولكن هذا لا يمنع وقوع أشدّ أنواع البلاء على أهل الإيمان ، فإنّ من الأنبياء من نشروا بالمناشير ، ومنهم من مشط بأمشاط الحديد، وهكذا . نعم، قد ذكر في البحار أنّ في الكافي رواية تدلّ على أنّ الخيول لم ترضّ صدر الحسين عليه السلام . ويرى بعضهم أنّ الخيل العربية لا تدوس على جسد القتيل في الحالات العادية بل تقفز فوقه، فإن صحّ ذلك وثبتت الرواية فيمكن أن يكون ذلك في أوّل الأمر، لكن فيما بعد كان من الثابت أنّهم قاموا بذلك العمل" . من قضايا النهضة الحسينيّة:68. لقد اتّضح لكم إن شاء الله أيّها الأعزّة من خلال مناقشة شيخنا المجلسي كيف أنّ التأويل المنفلت والترقيع الباهت لا يخدم الحقيقة ولا يُقدّمنا خطوة صحيحة، بل يُسقطنا من جادّة الاعتدال والرشاد ويُحرفنا عن صراط الإتّقان والسداد، ومن ثمّ يهوي بنا حيث يريد ويجعلنا بحقّ عرضة لمعول التحقيق ومطرقة النقد. نحن لا نريد بذلك الإساءة لأحد من الفقهاء والفضلاء ولا التجريح بأحد من الباحثين والمُحدّثين، ولكن من يقع في هذا الفخّ فإنّه يستحقّ المُحاكمة بغير تشنّج والنقد بغير تهويل، مع الالتزام طبعاً بأُسس وضوابط فن النقض والإبرام وأصول منهج النقد الأكاديمي السليم. ومن هنا فإنّنا لا نتّفق مع من تصوّر أنّقول الملعون ابن العاص (فتنة لا تثيروها) فيه نوعاً من الحنكة المعرفيّة؟ لا ندري أيّ حنكة هذه! ولكنّنا نتصوّر أنّ السذاجة هي المفردة اللائقة والكلمة المناسبة لأن نطلقها على هذا العبارة (فتنة لا تُثيروها) وذلك الموقف المُتخاذل. بضميركم هل قتل أسد واحد في ساحة المعركة أكثر فتنة من قتل ابن بنت رسول الله وسبطه وريحانته مع صحبه الكرام وقطع رؤوسهم وأسر الذريّة الطيبّة وإهانتها وصبّ العذاب عليها ونهب حاجاتها ومستلزماتها؟ ثمّ هل من الموضوعيّة أن يهاب الجيش الغاشم المُدجّج والعسكر الظالم الأهوج والضمائر الغليظة المُتحجّرة والقلوب القاسيّة المُتجبّرة أسداً واحداً؟ وهل المطلوب منّا أنّ نصدّق بكلّ حديث مغمور وأثر مبتور وإن كان يخالف منطق التدبّر والنصّ المشهور؟! ما هكذا الظنّ بمن يدّعي المعرفة والعلم والثقافة والفهم! لا ريب أنّ تشييد الرأي عن طريق الاستناد إلى معطيات الجواهر المعرفيّة والكنوز الأثريّة التي تأخذ بالأعناق أسلم والاتكاء على ما هو موثوق أضمن. وبالتالي فإنّ ما بأيدينا من مستندات عن ذلك الحشد العرمرم (بعدّته وأعداده ووحشيّته وضراوته التي سجلّها المؤرّخون) تربأ بنا عن قبول الأفكار الهشّة والمنطلقات الذوقيّة والاستبعادات الرخوة والأدلّة التبرعيّة. أخي الفاضل أُختي الفاضلة كي نبقيكم في الصورة ولا نذهب بكم بعيداً عن هذه المسألة يخطر بالبال هذا التساؤل: أليس من المُفترض أن يحدث العكس وهو أنّ يتهيّب الأسد الواحد من الإقدام على مثل تلك الساحة الملغومة بالجحافل المتدفقة؟ من وجهة نظرنا فنحن لا نشكّ أنّ الوضع الطبيعي في مثل تلك الحالات هو هروبه منها أو الابتعاد عنها لا إقدامه أو ثباته. وهذه القناعة ليست فرضيّة جزافيّة نستهدف من ورائها تمرير متبّنياتنا وبسطها بطريقة عشوائيّة رغماً عن إرادة الآخرين واختياراتهم، وإنّما هي قناعة مبنيّة على ملّفات تحقيقيّة، ولتقديم صورة مُقرّبة إليك أيّها القارئ الباحث يمكنك مراجعة ما عرضته قناة (ناشيونال جيوغرافك) من أفلام وثائقيّة تبيّن أن الأسد لا يصمد كثيراً أمام الحشود والقوافل الآدميّة والمجموعات البشريّة، بل يهرب من مجموعة صغيرة من الأفارقة لا يتعدّى مجموعها العشرة أفراد تحمل معها أدواتها البدائيّة البسيطة كالرمح والعصا! وليعلم القارئ الكريم إنّنا لا نقصد بهذه الصورة المُقرّبة الجزم بالموافقة تماماً. ونضيف إلى ما تقدّم السؤال الآتي: إذا كان الأسد خارج نطاق ساحة المعركة كما هو مُفترض، فكيف دخل الأسد ساحة المعركة واقترب من الجسد، ومن أيّ منفذ تغلغل؟ وبتعبير أدّق ترجمه العاملي: "كيف لم ير الأسد حين جاء إلى جسد الحسين عليه السلام أحد من ذلك الجيش المنتشر في حنايا الصحراء؟! وأين كان الحرس الذين يحيطون بالأجساد وبخيم النساء عن رؤية هذا المخلوق المخيف؟!". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/32. على أنّه لا ينقضي بنا العجب حقاً، كيف يخاف الجيش والعتاة المردة أهل الطغيان من أسد واحد ولم يخف جمعهم الضال الجانح ممّا شاهدوه من استجابة دعاء الإمام الحسين عليه السلام بحقّ بعضهم، ومن تغيّر الكون حين قدموا على قتل السبط المعصوم والكوكبة المرضيّة من أهل الإيمان وما رافق ذلك من تبدل الأجواء؟! راجع: مقتل الحسين لأبي محتف:125، تاريخ الطبري:4/328، المعجم الكبير للطبراني:3/117،أمالي الشيخ الصدوق:218/المجلس الثلاثون/221-222/1، الإرشاد للمفيد:2/102، الكامل في التاريخ:4/66، أنساب الأشراف:3/191 و209، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:14/226-228، الفتوح:5/119، كامل الزيارات:183و188/ب28/253/13 و265/25، عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدق:1/268، اللهوف:75، مقتل الحسين للخوارزمي:2/42/ف11 و:2/102/ف12، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدّين الطبري:144، منتخب الطريحي:2/453/المجلس العاشر،الدّمعة الساكبة:4/359،نفس المهموم:337-338 و443، الصواعق المحرقة لابن حجر:271/ب11/ف2، المنح المكيّة:520-521، الإتحاف بحبّ الأشراف للشبراوي:42/ب2، تاريخ الخلفاء للسيوطي:165-166، معالي السبطين:467-468، منتهى الآمال:1/411/ب5/ف3 و:638/ف10، الغرر الحسينيّة والدّرر الدّينيّة للقزويني:54 و69-70، الخصائص الحسينيّة:173،مقتل الحسين للمقرّم:292، الإمام الحسين وأصحابه:1/344، حياة الإمام الحسين للقرشي:3/297-298، الصحيح من مقتل سيّد الشهداء949-950، موسوعة الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ:5/35-36، المقتل الحسيني المأثور للطبسي:183، سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/113-114 و119. إلى هنا ننتهي من الأمر الأوّل، ونبدأ بتناول الأمر الآخر. الأمر الثاني: عرفتم فيما سبق ضعف التوجيه الأوّل وعدم مشاطرتنا إيّاه، وهذا ما لاحظه بعض مشايخنا أيضاً، حيث أنّه لمّا شعر بنوع من التنافي بين الأخبار المُؤكّدة لحدوث الرضّ وخبر الكافي، حاول توجيهها بطريقة الجمع بينها، وتسويق فكرة افتراضيّة غير مقنعة، خلاصتها: أنّهم أرادوا رضّ جسد مولانا المظلوم مرّة أخرى. ولكي لا نبخل عليكم بها ننقل إليكم أبرزها مع تعليقنا على الفكرة: أولاً: حاول الآغا الدربندي الجمع بين الرضّ وخبر الأسد فقال: "فالجمع والتوفيق بين هذا وبين ما في الكافي والمنتخب: بأنّ ابن سعد (لع) لم يكتف بما في العشرة، بل أراد أنّ يأمر الجنود بأن يوطئوه الخيل، بحيث تنفصل الأعضاء الشريفة بعضها عن بعض، وتتفرّق الأجزاء، فصرف ابن سعد (لع) مجيء الأسد عن هذه الإرادة. وذكر بعد ذلك كلاماً لأحد الفضلاء يشتمل على أفكار باطنيّة وعرفانيّة غير قويمة، وأيّده. ثمّ قال: أنّ الأسد الذي جاء إلى المصرع بدعوة فضّة، غير الأسد الذي كان الجنّ يقولون أنّه أمير المؤمنين عليه السلام". إكسير العبادات:3/153-155. نحن نرى أنّ التخيّل المُفرط والتصوّر المُفتعل، يكونا سبباُ في جعل المقاس غير مناسب. وبكلمة واحدة: أنّ هذا التحليل لا تدعمه الوثائق. أضف إلى ذلك أنّه تواجهه الإشكالات المتقدّمة، بل تزيد عليها بما يكتنفه من غرابة التوجيه وقصور التصوّر الحاكي إرادة تفرّق الأعضاء، وذلك لأنّ ما روي في خطبة السيّدة زينب عليها السلام يوحي بحصول تفرّق الأعضاء الشريفة في المرّة الأولى حيث ورد فيها: (هذا حسين بالعراء مرمّل بالدماءمقطّع الأعضاء). تاريخ الطبري:4/348، أنساب الأشراف للبلاذري:3/206، الكامل في التاريخ لابن الأثير:4/81، اللهوف لابن طاووس:78، ومثير الأحزان:59 و65، البداية والنهاية لابن كثير:8/210. ومثله بتفاوت بسيط في مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب:3/260. وكذلك ما جاء على لسان الإمام الحسين عليه السلام: (كأني بأوصالي تقطعها (في نسخة تتقطّعها) عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء). اللهوف:38، مثير الأحزان:29، كشف الغمة للأربلي:2/239. وما روي عنه عليه السلام: (كأني أنظر إلى أوصالي تقطعها وحوش الفلوات غبرا وعفرا). مقتل الحسين للخوارزمي:2/8/ف11، والصحيح من مقتل سيّد الشهداء للريشهري:504. وما ذكر في الزيارة المنسوبة إلى الناحية المقدّسة: (السلام على الأعضاء المقطعات). وفي هذا الصدد كتب الشيخ فضل القزويني ما يلي: "وبالجملة هذه الرواية- يقصد خبر الكافي- وإن تعدّ من الأخبار التاريخيّة، لا تعارض ما قدّمنا- يقصد أخبار الرضّ- من نقل الفحول من المحدّثين و المؤرّخين، بل دعوى الاتفاق على وقوع الحادثة. مع أنّه ممّا يمكن الجمع، بل هو الظاهر من متن الرواية، أنّ ما وقع بأمر ابن سعد في عصر عاشورا فبادر عشرة من القوم ففعلوا ما يحرق القلوب، لا ينافي عزم القوم وجمع العسكر تقرّباً لابن زياد وأن يوطئوا جسده الشريف في غد يوم عاشورا كما هو صريح متن الرواية، فلا تعارض بينهما ولا منافاة". الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه:1/370. نقول: بل المنافاة مستقرّة، فبحسب ظاهر خبر الكافي أنّ رضّ الجسد لم يحدث قبل مجيء الأسد. كما أنّه من حقّنا أن نتساءل: ما المانع من رضّه مرّة أخرى إن كان قد حصل قبل ذلك؟ علماً أنّه لم يُعرف من الخزائن المعرفيّة ولم يُذكر في سجلّات التاريخ أنّ جيش يزيد الملعون كان يريد رضّ الأجساد في اليوم التالي مرّة أُخرى بعد الانتهاء من معركة الطّف. ثانياً: قال الشيخ محمّد بن حسن الحرّ العاملي: "أقول: قد روي أنّهم أوطأوا الخيل ظهره وصدره عليه السلام، فلعلّه في وقت آخر بعد انصراف الأسد". إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحرّ العاملي:4/36/ب15. وتكلّم السيّد نعمة الله الجزائري بعد إيراده خبر الكافي بما يلي: "قال مؤلّف هذا الكتاب عفى الله عنه: قد تقدّم أنّهم أوطؤوه الخيل، ولا منافاة بينهما، لجواز أن يكون في يوم مجيء الأسد لم يوطئوه الخيل، وأوطؤوه بعد ذلك". الأنوار النعمانيّة:3/262. وحكى الشيخ عبد الكريم البهبهاني عن الشيخ البرغاني أنّه قال موضّحاً لما ورد في خبر الكافي: "وكأنّ لعنهم الله أرادوا أن يوطئوه الخيل بحيث لا يبقى لجثته أثر، فمنعم الأسد، وإلّا فالعشرة المتقدّمة لعنهم الله قد رضّوا صدره وظهره. ثمّ قال البهبهاني: أقول: قد تقدّم أنّهم لعنهم الله قد أوطؤوه الخيل، ولا منافاة بينها، لجواز أن يكون في يوم مجيء الأسد لم يطئوه الخيل،وأوطئوه بعد ذلك...بل المستفاد من بعض الأخبار أنّ الأخنس بن زيد لعنه الله أُمّر على الخيل وهشّموا بسنابك خيولهم أضلاعه صلوات الله عليه". الدّمعة الساكبة:4/378. وتعليقنا على كلامهم: إنّ ضعف هذا التوجيه لا يخفى على المُنقّب المُتبصّر، وذلك لعدم ثبوت النصّ من جهة، ولعدم ثبوت أنّ المارقين الفجرة قاتلي العترة البررة حاولوا تكرار الفعل الشنيع في اليوم الحادي عشر قبل رحيلهم عن كربلاء من جهة ثانية، ولأنّ العلّة والغاية من مجيء الأسد كانت لحفظ الجثث الطاهرة من الرضّ من جهة ثالثة. فلا معنى للاستنجاد به ليوم العاشر فقط وبعدها كأنّ شيئاً لم يكن! ولتوضيح وتقريب المطلب إليكم فإنّ أمامنا حالتين: الحالة الأولى: إمّا أنّ نقبل أنّ الأعداء لعنهم الله لم يطئوا الإمام الخيل يوم مجيء الأسد في يوم الحادي عشر، وأوطؤوه في يوم آخر بعد رحيل الأسد، وبما أنّنا نجهل مدّة بقاء الأسد لحراسة الجسد الحسيني، فإنّ المُرجّح هو أنّ رحيله كان في ليلة الثاني عشر أو صباح اليوم الثاني عشر، وحينها تمّ تنفيذ مؤامرة الرضّ الشنيعة. لكن في هذه الحالة يتطلّب العلم أو يقتضي الاطمئنان- وذلك بالرجوع إلى النصوص والقرائن- برحيل الأسد في تلك الفترة، وهذا مفقود جزماً. ومنه تعلم ضعف هذا الاحتمال. كما أنّ لازمه يفرض علينا القبول ببقاء الجيش إلى ما بعد اليوم الثاني عشر. ونحن لا نؤمن بذلك وفي أحسن الأحوال نستبعد ذلك جداً لعدم قناعتنا بتوفّر دواعي البقاء هناك. بل إنّ ممّا يشيّد قناعتنا هو الأخبار التي ذكرت رجوع الزنيم عبيد الله بن زياد من منطقة النخيلة إلى الكوفة، وقيام اللئيم ابن سعد بعد القتل مباشرة ـ أي: بعد ظهر يوم العاشر- بإرسال رأس الإمام الحسين عليه السلام إلى اللعين ابن زياد وذلك على يد خولّى بن يزيد. راجع: تاريخ الطبري:4/348، الإرشاد:2/113-114، اللهوف:84، أنساب الأشراف:3/205-206، البداية والنهاية:8/206، البحار:45/62، معالم المدرستين للسيّد مرتضى العسكري:3/141، أنصار الحسين للشيخ شمس الدّين:141. ونخلص من ذلك إلى أنّ تبنّي الحالة (الأولى) بعيد المنال وقبولها غير مستساغ. الحالة الثانية: أمّا أنّ نمشي مع الرأي المُختار والذي اعتمده الكثير وهو: أنّ اللعين ابن سعد سار بالأسرى (سبايا أهل البيت عليهم السلام) بعد زوال اليوم التالي من العاشر، أي: حين كان الأسد موجوداً بحسب ظاهر خبر الكافي، وفي هذه الحالة يقع التصادم بين خبر الكافي والأخبار الكثيرة الدالّة على حدوث الرضّ! ولا مجال للجمع بينها كما نظّن، لتناقضها ومخالفتها للغايات، وقد مرّ الكلام عن ذلك. وبناء على هذا الرأي فإنّ حدوث الرضّ لا يمكن أن يكون بعد رحيل الأعداء، ويمتنع وقوعه أثناء وجود الأسد، ولم يتحقّق عندنا أنّ الأسد ذهب واختفى أو قُتل قبل رحيل أعداء آل محمّد من كربلاء. ونخلص من ذلك إلى أنّ الحالة (الثانية) لا يمكن قبولها لبعدها عن الواقعيّة ومخالفتها لموازين المقارنة. وعليه فإنّنا نرى أنّ تحليل القوم مُنكسر وتعليلهم مُندحر، وأنّ لبّ المُشكلة وأصلها هو الرضا بقبول القصّة. هذا تمام الكلام عن الحالتين. ثالثاً: لقد تساءل السيّد العاملي: "ما الدليل على أنّ رضّ جسده الشريف لم يحصل في اليوم الأوّل؟! وهل لانتظارهم إلى اليوم التالي سبب مبرّر؟ وهو يوجب برود المهمّة، وذهاب حالة التشنّج، وتضاؤل الرغبة بهذا الفعل إلى حدّ كبير. ثمّ أضاف: مع التغاضي عمّا ذكرناه- فإن صحّت رواية الأسد- فلعلّ الجسد الشريف قد رضّ بعد الاستشهاد مباشرة، ثمّ كانوا يريدون إعادة الكرّة عليه في اليوم التالي، فمنعهم الأسد". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/31-32. ونعقّب على إضافة العاملي نحو ما طرحه هو من إشكال على الرواية، فنقول: هل لإعادة الكرّة سبب مُبرّر؟ أليس التأخير يوجب برود الهمّة وتضاؤل الرغبة بالفعل؟ هذا، مع أنّ ظاهر بعض عبائر الخبر تُوحي بعدم عزم الأعداء على إعادة رضّ الجسد المقدّس مرّة أُخرى، كقول الراوي: "لمّا قُتل الحسين بن عليّ عليه السّلام أراد القوم أن يوطئوه". وقول فضّة: "فأعلمه ما هم صانعون غداً". وقولها: "أتدري ما يريدون أن يعملوا غداً بأبي عبد اللَّه عليه السّلام". ولو تنزّلنا وتساهلنا بقبول افتراضهم- مع أنّنا واقعاً لا نعتقد صحّة افتراضهم كما بيّنا، لكن من باب فرض المُحال ليس بمحال- بأنّ الرضّ قد حصل بالضبط في يوم العاشر وحاولوا تكراره مرّة ثانية، فحينئذٍ يجابهنا السؤال المُتكرّر التالي: أين كانت فضّة عن هذه الجريمة النكراء؟ ولِمَ لمْ تبادر في المرّة الأولى لتتّخذ موقفاً مماثلاً لما صنعته في المرّة الثانية؟! في ذيل البحث نعرّج بكم إلى قضيّة بسيطة ومسألة قصيرة ترتبط به بصورة من الصور، كما أنّها تنطوي على اشتباه بعضهم في تحليلها. لقد حاول بعض الفضلاء تصحيح حكاية حضور الأسد لحماية الجسد بالاستناد إلى الروايات الحاكية بكاء بعض الحيوانات لأجل المظلوميّة على قبر شهيد الغاضريّة. راجع: كامل الزيارات للشيخ جعفر بن قولويه القمّي:165-166/ب26. نقول: إنّ الاستدلال على صحّة قصّة الأسد بروايات بكاء الوحوش على قبر الإمام الحسين عليه السلام وشهادته لا علاقة لها بأصل القصّة من قريب أو بعيد، فالبكاء لا يرتبط بموضوع حماية الأسد للجسد الطاهر. وبتعبير آخر: البكاء شيء وحماية الجسد وحراسته شيء آخر، ونعتقد إنّ أيّ محاولة للتوفيق بينهما هي نوع من خلط الأوراق، فلاحظ. نظنّ أنّه بعد هذا العرض انكشف للقارئ الواعي- ولو بصورة مجملة- نقاط الضعف في قصّة حضور الأسد في الطّف، وعلم أنّ القصّة تتخلّلها الثغرات والهفوات من عدّة جهات،ولاحظ بعض الخطوات المُتعثّرة والتوجيهات غير المُبرّرة التي أوقعت أصحابها في شَرَك تعسّر الإفلات منه والخروج من قبضته. كما أنّ الإشكالات الظاهرة من متن الخبر والمؤشرّات المجافية للحقائق النابعة منه جعلت الشيخ مطهّري يتأسّف لوجود هذا الخبر الذي اعتبره من التحريفات التي أُدخلت في واقعة كربلاء. راجع: الملحمة الحسينيّة:3/238. وكذلك دفعت السيّد جعفر العاملي إلى أن ينتقده ويسجّل عليه ملاحظاته التي سبق أن ذكرنا بعضها، قال: "وأمّا حديث الأسد الذي جاء وحمى جثّة جسد الإمام الحسين عليه السلام من أن ترضّ بحوافر الخيل، فهو موضع شكّ وريبة". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج22/220. نقول للباحثين والموالين لا تبيعوا عقولكم لغير البراهين الناصعة والحجّج الجليّة التي لا شبهة فيها، ولا تتهيّبوا من الوقوف أمام الموروث المغلوط، ولا تُجمّدوا نشاط الحجّة الباطنة (الذهن أو العقل) فإنّها حجّة الله القدّوس على النّاس، ولا تخالفوا أوامر الحجّة الظاهرة (الأنبياء والأئمّة) ووصاياه، فهو السبيل إلى مرضاة الله. عليكم أُخوتي وأخواتي باتّباع الحقّ واقتفاء الأثر المُتيقّن فإنّه أولى بالاتّباع وأحقّ بالاقتداء. ونتمنّى أن تتّجه قضايانا نحو التحقيق والتأصيل لنفض الغبار، بدل التجهيل والتغفيل وإسدال الستار. في نهاية البحث نذكر لكم خاتمة نراها نافعة لازمة: لقد مرّ بنا في ثنايا البحث كيفيّة تُمرير الأفكار غير الصائبة وتسويقها، ومن ثمّ قيام الأتباع بتلقّفها. وعرفنا إجمالاً لزوم الاحتراز منها والاحتياط في طريقة تناولها. إنّ السبب الدّاعي إلى إضافة هذه الخاتمة والباعث إلى تحرير سطورها هو أنّنا وجدنا بعض الفضلاء يسعى إلى التقليل من مخاطر هذا الأمر وتمييع شانه. والذي نريد قوله هنا هو: إنّ تبسيط المشكلة لا يُلغي فرض القيام بحلّها والتنبيه عليها، ولا يضع عن كاهل المُتخصّصين مسؤوليّة تقويمها وتهذيبها. كما أنّ أساس المُشكلة لا تكمن في حجم الأخبار المُفتعلة واللقطات الكاذبة وكميّتها، وإنّما بنظرنا تكمن في تقبّل هذا القتام، واستنشاق هذا الغبار، والتسليم له بكلّ اطمئنان. والحقّ أنّ واقعنا- المنبريّ والشعبي- يشهد أنّ بعض الأكاذيب تغلغلت في الوجدان ونفذت إلى العقول وتعُومل معها من قبل المُتعلّمين- فضلاً عن العوام والأميّين والبُسطاء - كأنّها ثوابت، وإلى الآن يجتّرونّ مادتها ويصدحون بها ويتداولون طرحها. والأدهى أنّهم لا يكتفون بذلك، بل يحثّون الآخرين بالرجوع إلى المنابع الهزيلة والمدارك المُلوّثّة، ولم يكتشف بعضهم زيفها الذي تطفح به إلّا من خلال الأصوات الإصلاحيّة والبحوث التحقيقيّة. قال المُحدّث النوري في حملته التصحيحيّة وهو ينتقد بعض الأخبار: "إنّ وجود هكذا أخبار ضعيفة- لا أصل لها ولا مأخذ، مقرونة بكلّ هذه الأسباب المُضعفة- في أحد الكتب ممّا يراد منه تحقيق بعض الأغراض الفاسدة...وثمرته الواضحة إدخال الوهن العظيم على الدّين ومذهب الجعفريّة، وتقديم أسباب السخرية والاستهزاء". اللؤلؤ والمرجان:229. وقال أيضاً: "فهذه المطالب الضعيفة الواهية والأخبار المختلقة، حينما يدرجها المُؤلّفون في كتبهم، يُسلّطون بذلك الأعداء على أنفسهم". اللؤلؤ والمرجان:119. وبيّن الشيخ فضل عليّ القزويني الأتي: "وقد مرّ أنّ في كتب المقاتل سيّما في كتب المُتأخّرين وسيّما في الكتب الفارسيّة أموراً ووقائع ذكروها في يوم عاشوراء لم يكن لها مسند، ولم تُذكر في الكتب المُعتمدة، أعرضنا عنها لعدم الاعتداد بنقلها ولا الاعتماد بناقلها". الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه:1/263. وانظر صفحة:255. وعبّر الشيخ محمّد أصف محسني عن هذا المستوى بقوله: "لزوم الاحتراز عن العقائد والثقافات المجهولة، أو المجعولة، فإنّها أضرّ للإنسانيّة من أكل الأطعمة المسمومة المشتملة على الجراثيم المُضرّة بالصحّة، إذ صحّة الروح أهم من صحّة الجسم". مشرعة البحار:2/150. ونصح الشيخ البهجة ألموالين بهذه الجملة: "يجب التدقيق كثيراً في نقل حوادث الإمام الحسين عليه السلام، ربّما الكثير ممّا يُقال لا يكون صحيحاً...حين التبليغ يجب أن نسعى بأن ننقل يقينيّات القرآن والعترة، ولا نكتفي بمسموعاتنا دون مراجعة الدليل أو الكتاب، وان نستند على الأقلّ على نفس الكتاب الذي ننقل منه". الرحمة الواسعة:231. من المعلوم عندكم أيّها الكرام أنّ الكثير من النّاس- إن لم يكن الأغلب- لا يُحبّذ إتعاب عقله بالبحث والفحص، ولذا ترى ثقافته سمعيّة (تعتمد على التلقين والإملاء)، ومعارفه اتّكاليّة غير تدبّريّة، بمعنى أنّه يستسهل أخذها جاهزة ومعلبّة من أفواه الرجال والأوراق الصفراء، لا أنّها بحثيّة وتنقيبيّة. ولا يخفى على المُتدّبر وأهل الدراية أنّ من أخذ دينه من أفواه الرجال- من دون رجوعه إلى الحقول المعرفيّة والآثار الشرعيّة- أزالته الرجال. وبالتالي فإنّ من كان هذا حظّه ومنهجه يصعب عليه كشف نسبة الزبد وحجم الضرر، ولا يتأتى له معرفة كميّة الزيف ومقدار الثلم بسهولة ويُسر. وقد لا نعدم الصواب إذا قلنا: أنّ أكثر الرعاع والدهماء وبالخصوص المُجتمعات الفقيرة المعرفة والحال، تنطلي عليهم ُألاعيب القادة، وتفوتهم تمويهات الرموز، ولا يتنبّهون إلى أغراضهم الحقيقة ومقاصدهم، فتراه يُطبّل لهم ويُبرّر، ويُدافع عن هذيانهم وتهويلاتهم. ولذا تشاهد بأمّ عينك ابتعاد مسيرنا عن جادّة الصواب، والعواقب الوخيمة التي مُنينا بها. إذن لا بدّ من معالجة الحالة المرضيّة المُستشرية وحضور المُعالج، وهنا تأتي وظيفة الراعي والمُصلح لرتق ما انفتق وسدّ ما انخرق، أو لا أقلّ محاولة منع تفشّي الجُرثوم المُهلك وسريان السموم بتخفيف المضارّ وتقليل الآلام. والحقيقة أن هذه المطالب أو التوصيات ليست من نتاجنا، وإنّما هي قديمة بقدم انتشار الإسلام، فقد روى الفريقان في مجاميعهم حديث: (كُلكم راع وكُلكم مسؤول عن رعيّته). صحيح البخاري للشيخ محمّد بن إسماعيل البخاري:1/215/كتاب الجمعة، عوالي اللئالي العزيزيّة للشيخ محمّد بن عليّ المعروف بابن أبي جمهور الأحسائي:1/129/ف8، البحار:27/38/ب35/36. ويحدّثنا الشيخ البهجة ما هو المُستفاد من الحديث بحسب فهمه فيقول: "أنّ كلّ شخص من أهل الإيمان يجب أن يكون مُعلّماً للآخرين فيما يتعلّق بما يعلم، ولو كانت كلمة واحدة". الرحمة الواسعة:221. وذكر المحدّث النوري في كتابه اللؤلؤ والمرجان الكثير من القضايا المُخترعة والمغلوطة التي تُذكر في المحافل وتُبثّ في المجالس، ثمّ قال: "إلّا أنّها غُصّة كانت في القلب وستبقى، حسبما يوحي به الوضع العام لسيرة العوام، وعدم اعتناء العلماء العظام بتقويمه وتصحيحه، فكان ذلك منّي مُجرّد إظهار التأسّف للإخوان المؤمنين". اللؤلؤ والمرجان في آداب المنبر:140. وفي هذا الصدد كتب الشيخ مطهّري العبارة التالية: "إنّ الواجب الأوّل والمُهمّة الأولى للعلماء هي في مُحاربة نقاط الضعف لدى النّاس وليس استغلالها، ففي قضيّة مثل قضيّة عاشوراء...إنّ من واجب العلماء النضال ضدّ عوامل ظهور التحريفات...وإعلان الحرب ضدّ فكرة صناعة الأساطير والخرافات...يجب على العلماء أن يضعوا المتون الواقعيّة للحديث المسند بيد النّاس...ويكشفوا الكذب، ويصرّحوا عنه بكلّ وضوح". الملحمة الحسينيّة:3/374-375. وجاء في نهج البلاغة عن الإمام عليّ عليه السلام: (ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلّموا، حتّى أخذ على أهل العلم أن يُعلّموا). نهج البلاغة:4/110/478. قال الشيخ ميثم البحراني موضحّاً: "لمّا كان التعلّم على الجاهل فريضة ولا يمكن إلَّا بمُعلَّم عالم، كان وجوب التعلَّم على الجاهل مُستلزماً لوجوب التعليم على العالم". شرح نهج:5/467. وروي عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (قال رسول الله عليه السلام: طلب العلم فريضة على كلّ مسلم، ألا إنّ الله يُحب بغاة العلم). الكافي للشيخ الكليني:1/30/كتاب فضل العلم/باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه/1. تعقّبه الكاشاني بقوله: "بيان: العلم الذي طلبه فريضة على كلّ مسلم: هو العلم الذي يستكمل به الإنسان بحسب نشأته الأخروية، ويحتاج إليه في معرفة نفسه ومعرفة ربّه ومعرفة أنبيائه ورسله وحُججه وآياته واليوم الآخر، ومعرفة العمل بما يُسعده ويُقرّبه إلى اللَّه تعالى وبما يُشقيه ويُبعده عنه جلّ وعزّ. ويختلف مراتب هذا العلم حسب اختلاف استعدادات أفراد النّاس واختلاف حالات شخص واحد بحسب استكمالاته يوماً فيوماً، فكلّما حصل الإنسان مرتبة من العلم وجب عليه تحصيل مرتبة أخرى فوقها إلى ما لا نهاية له بحسب طاقته وحوصلته. ولهذا قيل لأعلم الخلائق « قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً » سورة طه:114. وقيل وقت الطلب من المهد إلى اللحد، هذا أقوم ما قيل فيه. وبغاة العلم: طلّابه، جمع باغ كهداة جمع هاد، وباغ العلم عرفاً: من يكون اشتغاله به دائماً بحيث يُعرف به ويُعدّ ذلك من أحواله كما هو ظاهر". الوافي:1/125-126. إضافة إلى ما تقدّم بيانه عن أهل العلم والفضل، فقد ورد الترغيب لما يمكن أن يشمل غيرهم بمذاكرة العلم وتفهّمه، ففي المروي عن منصور الصيقل قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: تذاكر العلم دراسة، والدراسة صلاة حسنة). الكافي:1/41/باب سؤال العلم وتذاكره/9. قوّى سنده الشيخ محمّد تقي المجلسي في كتابه روضة المتقين:12/166. وللإعلام فإنّ منهج الشيخ المجلسي الأوّل في التوثيق غير متشدّد. قال الشيخ الفيض الكاشاني شارحاً له: "بيان: الدراسة القراءة مع تعهّد وتفهّم". الوافي:1/183. فلو تمكّنا من أخذ قسط وافر من هذا العلم وتفقّهه، وتحلينا بهذا المقدار من خزينه ومعارفه، لما استطاع المُقابل خداعنا بسهولة والتغرير بنا والأخذ بقيادنا. وفي هذا السياق يقول الشيخ آل السيف: "من المهمّ جداً أن يُشعر الخطيب أنّ النّاس قد ائتمنوه على أفضل ما عندهم، وأعطوه عقولهم لينقش فيها على مدى ساعة من الزمان أو نصفها ما يريد، فليتّق الله في هذه الأمانة، ولا يصبّ في تلك العقول إلّا ما ينفعها في دنياها وأخراها". من قضايا النهضة الحسينيّة:164. وأضاف في صفحة أُخرى: "إنّ ما يُنقل في بعض الحالات من الكتب غير المعتبرة، أو على ألسن بعض الخطباء من غير تحقّق، ربّما أنتج آثاراً سلبيّة معاكسة على قوّة الولاء، وذلك أنّ جيل اليوم هو جيل ناقدٍ واعٍ، وقد توفّرت بين يديه الكثير من وسائل المعرفة، فإذا لم يتمّ التدقيق في هذه الروايات، واستبعاد غير الصحيح منها، مع وضوح شناعتها في بعض الحالات، يُخشى أن يسري الأمر إلى الثابت المُحقّق من السيرة، فيتمّ رفضه". من قضايا النهضة الحسينيّة:201. وبما أنّ الحكمة ضالّة المؤمن حيثما وجدت فهو أحقّ بها، ولا ضير عليه حين يلتقطها، فينبغي الاستفادة من هذا التقعيد والتأسيس المُشعر بتذليل بعض الصعاب وفتح بعض الأبواب. بقي أن نقول أنّ العبرة العظمى والفائدة الكبرى لا تكمن في نقل الحديث وترتيل النصوص، وإنّما القيمة الحقيقيّة برعايتها ودرايتها، فعليك أيّها القارئ والمتابع بالدرايات لا بالروايات، وحديث تدريه خير من ألف حديث ترويه، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان، كما جاء ذلك في كتاب معاني الأخبار للشيخ الصدوق:1-2/للباب الذي من أجله سمّينا هذا الكتاب معاني الأخبار، ومستطرفات السرائر للشيخ محمّد بن إدريس الحليّ:266. وعليه فالأوفق بالمؤمن والباحث أن لا يجعل غايته نقل الأحاديث وهدفه تعميم الروايات والأخبار التي لا يعلم وثاقة مداركها واعتماد أسانيدها وطبيعة صدورها، ولا يُدرك مقدار معارضتها أو موافقتها للكتاب والسنّة النبويّة المعلومة والروايات المعصوميّة الثابتة، ولا يدري بقاءها ومنسوخيتّها وما إلى ذلك. ويشهد بذلك ما جاء في كتاب الكافي في المرويّ عن أبي سعيد الزهري عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه). المحاسن للشيخ أحمد البرقي:1/215/كتاب مصابيح الظُلم/ب8/102، والكافي:1/50/باب النوادر/9. الرواية ضعفّ سندها الكثير وصحّحه المجلسي الأوّل في روضة المتّقين:12/169. وقد تعرّض الأفاضل قديماً وحديثاً إلى شرح هذه الرواية نقتطف لكم باقة من بياناتهم. قال الشيخ المازندراني: "فمعنى إحصاء الحديث: علمه بجميع أحواله وحفظه من جميع جهاته التي ذكرناها في محلّه. والمعنى: أنّ ترك رواية حديث لم تحمله على الوجه المذكور خير من روايتك إيّاه، لأنّك إن رويته هلكت وأهلكت الناس بمتابعتهم لك فيما ليس لك به علم، وإن تركت روايته سلمت وسلم الناس من الوقوع في الضلال". شرح أصول الكافي:2/198. وقريب من هذا المعنى نجده في الحاشية على أصول الكافي للشيخ محمّد النائيني:175. وكتب الفيض الكاشاني: "بيان: الاقتحام في الشيء رمي النفس فيه من غير رويّة. والإحصاء: العدّ والحفظ والإحاطة بالشيء، والمعنى: أنّ تركك رواية حديث قد أحصيته فلم تروه، خير من روايتك حديثاً لم تحط به. فإذا تردّد الأمر بين أن تترك حديثاً قد رويته ولم تحط به ولم تحفظه على وجهه ولم تكن على يقين ومعرفة بأنه كما هو عندك، وبين أن ترويه، فالأولى أن لا ترويه. لأنّ في رواية الحديث منفعة، وفي رواية ما ليس بحديث على أنّه حديث مفسدة، ودفع المفسدة أهمّ وأولى من جلب المنفعة. وفي نهج البلاغة: من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن عليه السّلام: (ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لا تكلف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإنّ الكفّ عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال)". الوافي:1/194. ونُقل عن السيّد حسين البروجردي أنّه قال: "ومفادها أن نقل الحديث لا يجوز إلّا مع الإحاطة بحدوده وأطرافه، وإلّا فيدخل في عنوان الافتراء". نهاية الأصول تقرير بحث البروجردي للشيخ حسين منتظري:ج1 و2/575. وأعطى الشيخ موسى تبريزي بعض الوجوه المحتملة، منها: "قوله (لم تروه) من الرّوية، بمعنى: التفكر، بأن كان حرف المضارعة مضمومة والرّاء بعدها مفتوحة والواو بعدها مكسورة مشدّدة. والمعنى حينئذٍ: تركك حديثا لم تتأمّل في سنده أو معارضه أو دلالته خير من روايتك أحاديث لم تحط بها كثرة". أوثق الوسائل في شرح الرسائل:273. جعلكم المولى سبحانه وإيّانا من المُتفقّهين والمُتبصّرين والمُتثبّتين. ملحوظة: حول الشعار الذي يرفعه بعض المؤمنين وهو: (كلّ أرض كربلاء وكلّ يوم عاشوراء). أحببنا أن ننبّه على أنّ حقيقة هذا الشعار مأخوذ من أصحاب الطريقة الصوفية، فراجع المنح المكيّة في شرح القصيدة الهمزيّة للشيخ أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي:529-530. وكذلك نوّد التحذير من رواية مُختلقة نُسبت إلى الإمام الباقر عليه السلام جاء فيها: (لولا خوفنا على شيعتنا من الموت لروينا لهم ما جرى في كربلاء). وآخر دعوانا أن الحمد لله تبارك وتعالى وصلّى الله على النبيّ الأمين والميامين من آل طه ويس وسلّم تسليما. أخوكم جعفر صادق الحسيني |
طلب حذف
السلام عليكم
الأخوة الأفاضل في إدارة موقع انا شيعي بعد التحية والدعاء لكم. إخواني اعتذر لكم فقد حدث خطأ أثناء رفع الخبر الثاني من مقال المناقشة الجادّة لقصّة حضور الأسد في كربلاء الشهادة. أرجو حذف النسخة الزائدة من الخبر الثاني مع الحفاظ على تنسيق الترتيب بين الخبر الأوّل والثاني من المناقشة. ولكم الشكر |
المناقشة الجادّة لقصّة حضور الأسد في كربلاء الشهادة
المناقشة الجادّة لقصّة حضور الأسد في كربلاء الشهادة روي عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: (لا تنظر إلى من قال وأنظر إلى ما قال). عيون الحكم والمواعظ للشيخ عليّ الواسطي:241/ب6/ف2، شرح مئة كلمة للأمير المؤمنين عليه السلام للشيخ ميثم البحراني:68، كشف الخفاء للشيخ إسماعيل العجلوني:2/361/3055، كنز العمّال للشيخ عليّ المتّقي الهندي:16/197/44218. لا نبالغ إذا قلنا أنّ الحديث عن مصيبة كربلاء يكتسب زخماً جماهيريّاً ويمتلك حضوراً عالميّاً ويزداد هذا مع مرور الأيّام والأعوام، وذلك ملموس ومحسوس، بل هو وعد مغروس، نوّهت به سيّدتنا المعظّمة زينب الكبرى عليهما السلام كما جاء ذلك في المرويّ عنها: (وينصبون بهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لا يُدرسُ أثرُه ولا يعفو رسمُه على كرورِ الليالي والأيّام، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً، وأمره إلّا علواً). أجل، في كلّ عام من عاشوراء شهر محرّم نستحضر- ومعنا الكثير من المسلمين وأهل الكتاب والأحرار – مجزرة الدّهر ومأساة العصر وملحمة الإباء (فاجعة كربلاء)، فترى (أيّها المُتابع والقارئ) الصغير والكبير المرأة والرجل ينطلق بحمل حقائب الحزن والعبرات وأجربة (أوعية) الّلوعة والزفرات، ليبدأ رحلة الانتقال إلى مهرجان الذكرى الخالدة إلى تلك الأجواء الحزينة ومعايشة وقاعها الأليمة، ومن هناك تنطلق تعابير الأطياف وتبرز تفاعل الأصناف،فتسمع الندب والآهات، وتتلمّس الأنين والحسرات، وتشاهد تراتيل الأشداق وجزع الأحداق، عشقاً لرجل العدالة والإصلاح (إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي)، والمبادئ الجليلة والقيم الجسيمة (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة)، وتأسياً بالثمرة الطيبة الثمينة ومواساة للنبيّ وعترته العظيمة. هذا العزاء والإقبال سيبقى إنّ شاء الله تعالى ما دامت هناك حرارة في قلوب المحبّين للإمام لا تبرد وعزيمة لا تخمد وبصيرة لا تفسد، وعلى نسق ما ذكرناه جاء في تقرير أحد السيّاح الأوروبييّن وهو (بيتر ودلاواله) الذي زار إيران عام 1618م - 1207هـ، ما يلي: "تبدأ العشرة الأولى من محرّم، والتي تسمّى عاشوراء...ويقيم الإيرانيّون طوال هذه الفترة المآتم ومجالس العزاء، ويُحيون ذكرى الحسين بن عليّ وفاطمة...وهو المقدّس لدى جميع المسلمين، لكنّه الإمام الحقّ لدى الشيعة، وينحدر الملك الفعلي من سلالته، وتقاليد العزاء تكون على النحو التالي: يظهر الجميع بمظهر الحزن والألم، مرتدين زيّ الحداد باللون الأسود،( اللون الذي لم يستعمل في المناسبات الأخرى). ولا يحلق أحدٌ رأسه أو ذقنه، ولا يستحمّ، ويجتنبون المعاصي والمنكرات، وحتّى الملذات". مجلة نصوص معاصرة: السنة الثالثة/العدد التاسع/لعام 2007م – 1428هـ/إعداد: الدكتور محمّد صالح الجويني/ترجمة: الأستاذ فرقد الجزائري. وغني عن البيان أنّ هؤلاء المُعزّين- حيثما كانوا في أصقاع العالم- يعتقدون أنّ هذا الفعل تجسيد للحبّ والانتماء لآل الرسول وتعبير للمودّة والولاء لأبناء البتول. في نطاق هذه الأجواء من كلّ عام وأثناء فترة إقامة مراسم شهر مُحرّم وقدوم أيّام العزاء بتفاعلاتها الممزوجة بالحزن والأسى والمرارة لإحياء الذكرى العاشورائيّة يعتلي الخطباء والوعّاظ المنابر والمقاعد والمنصّات ويتجمّع المُحبّون والمُوالون للاستماع إليهم، ووسط هذا التجمهر الكبير والحشد الواسع يحدث أحياناً أن يتحدّث بعضهم- من دون عمد- بحكايات عشوائيّة دخيلة، ويسرد- من دون قصد- قُصصاً مشوّشة غريبة. فيقع في مطبّ وخيم، ويغترّ به سامعه والمُقتدي به وينطلي عليهما هجينه وخليطه، ويجرّهما معه إلى مُنزلق ذميم. علماً أنّ هذه المُشكلة المُؤرّقة والظاهرة المُقلقة تتعاظم عند من يهوى تطويل الكلام ويرغب في الراحة والاستسلام ولا ينظر إلى الناتج باهتمام، فيحشي مجلسه بالنقليّات الواهية ويُدندن فيه بالحكايات السقيمة، ويشبعه- بعدما تشبّع هو به- بالتحليل الفاقع والركام اللانافع، وما علم هذا المُقصّر أنّ المجالس القصيرة العامرة بقضايا هادفة وجديرة وأحاديث مُعتبرة خير من المجالس الطويلة الهابطة والمشوبة بغثّ وثرثرة والمعجونة بمادة مُترهّلة بائرة. ومن دون تهويل ومبالغة وتضخيم، فإنّ مقصودنا من ذلك، أنّ الثابت من الموروث الحسيني المُتوّفر في المصادر الحاكي مجزرة عاشوراء، هو بحمد الله ولطفه غير قليل، والحديث في أرجائه الواسعة وأطرافه اللامعة يكفي مجالسنا، فإنّه يُفجع أفئدة الموالين، ويُثير شُجون المُحبّين، ويُوقظ وجدان المُدّكرين، ويُهطل دُموع الإنسانيّين. وهذا واضح ومعترف به من قبل المُحصّلين والباحثين، وعن ذلك قال الشيخ أل سيف: "لقد كان آية الله الشوشتري- يقصد جعفر الشوشتري- رحمه الله يصعد المنبر ويصرّح بأنّه لا يحتاج المرء إلّا إلى التأمل في بعض الروايات التاريخيّة الثابتة ويستنطقها ليرى عظم المصيبة التي حلّت بأهل البيت عليهم السلام، فلماذا يأتي البعض بروايات غير صحيحة، أو يبالغون في قسم من القضايا. وهذا ما يظهر لكلّ قارئ لكتابة المواعظ، أو الأيّام الحسينيّة. فليس معنى التحقيق في الروايات التاريخيّة تجريدها من الجانب المأساوي، أو حذف مواضع المصيبة، وإنّما يعني أن تذكر المصائب الحقيقيّة، وهي كثيرة جداً". من قضايا النهضة الحسينيّة:24. وأعلن الشيخ مرتضى مطهّري ما يتدرج ضمن هذا الإطار بقوله: "واقعة كربلاء من أغنى الوقائع التاريخيّة المُدعّمة بالوثائق والأسانيد المعتبرة...إنّ من يقرأ تاريخ عاشوراء يراه من أكثر التواريخ المليئة بالمصادر الصحيحة، والوثائق المعتبرة والحيّة". الملحمة الحسينيّة:1/22 و44-45. ونحو ذلك تجده في موسوعة الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ للشيخ محمّد الريشهري:6/119. وأشار إلى ما يقرب من هذا المعنى السيّد جعفر العاملي في كتابه كربلاء فوق الشبهات:28 و49. نعم، هو كذلك ونحن نتطلّع إلى الأفاضل والمُحقّقين والخطباء باعتماد آليّات علميّة رصينة لتداول هذا الكمّ المعتمد في المجالس الوعظيّة وقراءته من فوق المنابر المسجديّة والبيتيّة والفضائيّة. هذا، ولا بدّ من الاعتراف أنّ شريحة كبيرة ممّن ذكرنا (اعني: من يمتهن الخطابة والوعّظ والإرشاد) لو يعلم اختلال مدركه وآفاته لما قام بنقل هذا العوار المُستهجن وقبول دلالته قطعاً وتوظيفه في محاضرته جزماً، وإنّما وقع فيما وقع فيه- كما يرى بعض الباحثين- لعدّة عوامل متبوتقة: كقلّة باعه في هذا المضمار التثقيفي وفقدان أهليتّه لمزاولة هذا المسلك التربويّ، وافتقاره إلى المعرفة الناضجة والإلمام بأدوات علم الدراية وطرق تحمّل وأداءالرواية، وحسن ظنّه- مع عدم التفاته إلى الخلل- بمن أخذ عنه المعلومة وتقلّيده فيها، والبقاء في أسر ما يطرحه الآخرون والاسترخاء ضمن أُطرهم والإصغاء إلى تلقينهم، أيّ: إنّ السبب الفعلي في عدم تلافيه الخطأ والغفوة وتجافيه الهفوة واجتنابه الكبوة، كان منه لعدم تثبّته. فلا ينبغي لمفكّر أو محاضر أو منظّر يريد نفع البشريّة والنجاح في مهنته والثواب وعدم المؤاخذة والعقاب أن يتهاون في الإجراءات الاحترازية المانعة من العثرات والثغرات، ولا يحقّ لمن طرح نفسه رقماً علميّاً في ساحة الحياة أن يتساهل بتتّبع المطالب (المرجوّة وما له دخل في موضوعه) وتحليل متنها واستجلاء دلالتها، وكذلك يتسامح في عدم تحقّقه منها بنفسه واستقصاء منابعها. بل لا عذرلهكذا مدّع على الإطلاق. وفي هذا الصدد كتب الشيخ حسين النوري- بحسب ما فهم من النصوص- ما يلي: "وحاصل كلّ الأخبار المعتبرة في هذا الباب: أنّ المكلّف إذا أراد أن ينقل أمراً دينياً أو دنيوياً لإفادة الآخرين ممّا لا بدّ في نقله من الوسائط، يجب عليه أن ينقله عن شخص يطمئن بنقله، وإن لم يمتثل لذلك بأن نقل ما لم يسمعه أو لم يره في كتاب موثوق، فإنّه سيكون عرضة لمؤاخذة المولى وتوبيخ العقلاء...أمّا لو وقعت منه مسامحة في مقام النقل، بأن أخذ يروي عن الثقة وغير الثقة، أو ينقل عن كلّ كتاب وقع في يده، فإنّه علاوة على المفاسد التي يمكن أن تترتّب على فعله هذا سيؤاخذ، ولن يكون معذوراً أمام المولى عزّ وجلّ ولا أمام العقلاء...لقد أعلمناكم أن لا تنقلوا كلّ ما تسمعونه ومن أيّ شخص كان، ولا ترووا كلّ ما ترونه وفي أيّ كتاب كان. وقلنا لكم لا تسلكوا هذا الطريق". اللؤلؤ والمرجان في آداب المنبر:170. وعلى هذا المنوال سار الشيخ عبّاس القمّي فأدلى بتوصيات مهمّة ونافعة لخطباء المنبر وفضلائه، قال: "فينبغي حين أدائه أن لا يُنظر إلى غرض أو مقصد سوى رضى الله وسرور رسول الله وأئمّة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين، وأن يحذروا من المفاسد التي طرأت وسرت في هذا العمل العظيم، لئلّا يكون في إقدامهم على هذه العبادة العظيمة رغبتهم بكسب مال أو جاه، أو يُبتلوا- والعياذ بالله- بقول الكذب، والافتراء على الله تعالى، وعلى الحجج الطاهرة، والعلماء الأعلام...والتقليل في الأنظار من شأن المعاصي، وخلط حديث بحديث آخر على نحو التدليس، وتفسير الآيات الشريفة بآراء كاسدة، ونقل الأخبار بمعاني باطلة فاسدة، والإفتاء مع فقدان الأهليّة له، أكان بحقّ أم بخلافه، والحطّ من شان الأنبياء العظام والأوصياء الكرام (عليهم السلام) بسبب تعظيم وإعلاء مقامات الأئمّة (عليهم السلام)". منتهى الآمال في تواريخ النبيّ والآل:1/669. ويُحدّثنا الشيخ فوزي آل سيف عن هذا المضمار قائلاً: "في الواقع ينبغي الإلتفات إلى توجّهين خاطئين: الإصرار على أنّ كلّ ما في السيرة المنقولة في الكتب من غير تحقيق هو شيء مقدّس لا تطاله يد التحقيق والمناقشة. وهذا خطأ لا سيّما عندما نرى وجود قصص في بعض الكتب التي لا مصدر لها أصلاً، أو أنّ مصدرها غير معتمد، ولكن يتمّ التركيز عليها مثلاً من باب أنّها مشجية أكثر، وادعى لجلب الدّمعة والحزن. والتوجّه الآخر: معاكس لهذا بالتمام، فهو يفترض أنّ الشكّ هو الأساس، وانّ كلّ ما لا يقبله عقله، أو لم يصل إليه علمه، فهو غير صحيح ويجب حذفه، ولو كانت أسانيده تامّة". من قضايا النهضة الحسينيّة:21. وممّا يؤسف له أصبحنا في السنين الأخيرة من عصرنا بمراحله المتفاوتة نلحظ في أُفق التشيّع التوعوي شرخاً واضحاً ونتحسّس خطره العائم وتمدّده القادم، فقد ابتعد بعضهم عن منهج التدبّر والفحص في متن الخبر واكتفى بطريقة استهلاكيّة جاهزة، همّه منها إثارة العواطف واستدرار الدّمعة بغضّ النظر عن حقيقتها، ولذا أخذنا نسمع بعضاً من تلك القصص المدانة والحكايات المُستهجنة التي برّزت للمستمع على أنّها من العجائب والكرامات في نهضة عاشوراء، وتلقفّها المستمع على أنّها من الحقائق والثوابت من غير أن يتوقف عندها للحظات ويتأمّل مضمونها عدّة مرّات، وما دري هذا المُحبّ المسكين مضارّ هذا التسليم الساذج ودرجاته المُتسافلة وآفاته المقيتة. في هذه الصفحات سنتناول خبرين يتعلّقان بقصّة حضور الأسد في يوم عاشوراء، ومن أجل الخضوع لمنهجيّة التحقيق أيّها الأعزّة ينبغي أن نقوم بخطوتين مهمّتين: ألف: نقل السند والمتن. باء: إبداء النقد والتعليق عند مراجعتهما، كأن نقوم ببيان نقاط الضعف وإبراز المآخذ عليهما إن وجدت فيهما. وبإكمال الخطوتين في السير وراء الحقيقة يُسفر النصّ حينئذٍ عن وجهه ونعلم حقيقة جذره وهويّته. ومن المعلوم لديكم أخي الفاضل وأختي الفاضلة نحن إذ نُخضع النصوص لهاتين الخطوتين إنّما نقوم بذلك كي لا نخرج عن الموضوعيّة في الوصول إلى الاطمئنان بسلامة النصّ، وما يستتبع ذلك من تداول نقله أو الاعتماد عليه وترتيب الأثر على دلالته. ولعلّ ضرورة القيام بهذه الخطوات تأتي في نطاق التهدئة من روع جهة تريد اتّهام الباحثين بثلم الشعائر والطقوس والانتقاص من مقامات أهل العصمة وفضائلهم. ولا يخفى على ذي لبّ فوائد إيقاف الردود المتسرّعة والانفعالات غير المُنضبطة، وإلجام الأفكار المندفعة والخطوات المتهوّرة. وقد يعترض بعض الفضلاء ويعيب على مناقشة أسانيد الروايات والآثار بزعم أنّ علم الرجال (علم رجال الحديث) مخترع لا واقع له ولا توجد أرضيّة صالحة لقبوله، فهو بنظرهم مأخوذ من غير مدرسة أهل البيت ورواة حديثهم. والحقيقة أيّها الأخوة والأخوات لو قُمتم بملاحقة سيرة هؤلاء الأفاضل المُعترضين ستجدون أنّهم يُمارسون في حياتهم اليوميّة ومُحاضراتهم ومُؤلّفاتهم تقييمات رجاليّة شخصيّة- قاسية في بعض الأحيان- ضدّ فلان وعلان، فيرضون لأنفسهم ما لا يرضون لغيرهم مع أنّ قضيّة التقييم هناك أعظم وعواقبها أخطر من تقييم واقعهم المُعاش! على أيّ حال بمراجعة متأنيّة لمؤلّفات أصحاب الأئمّة ومعاصريهم من فقهاء الطائفة ينكشف لنا عدم دقّة هذا الزعم وفقدان موضوعيتّه، وقد لا نجانب الصواب إذا قلنا أنّه يُسفر عن مُغالطة كبيرة للواقع. وذلك لأنّ نثر بذر التقييمات الرجاليّة ونماء ساقه- وإن كان بصورة أضيّق وذلك بالابتعاد ممّا لا ضرورة له- وجد في عصر الحضور وبرز في زمن البدور، وبالتالي فإنّ ذلك يعني أنّ الضجّة المفتعلة ضدّه لا اعتبار لها ولا ينبغي الالتفات إليها. وهذا ليس زعماً منّا وادّعاءً فلو قام الباحث بإجراء جولة بسيطة في كتب الفهارس لمشايخ الشيعة الإماميّة سيرى أنّ من أصحاب الأئمّة ومواليهم ومعاصريهم وكبار فقهاء فترة بداية الغيبة المُعتمدين المُحدّثين من ألّف في علم الرجال (أسماء وأحوال رجال الحديث) سواء كانت كتباً مُستقلّة أو مُستلّة من مُصنّفاتهم التي احتوتها. نعم، ربّما بعض هذه الكتب لا يتعرّض إلى توثيق الرجال أو تضعيفهم أو جهالتهم إلّا نادراً، ولكن هذا يكفي في المطلب ويُضعف رأي المُشنّع المُعيب ويُقصي زعمه الغريب. ولتعميم الفائدة نقتنص لكم من مصادرنا المُهمّ ونُشير إلى بعض المطالب بعجالة، ونختصر الموضوع بنقطتين. أوّلاُ: لقد ألّفت كتب في الرجال عديدة: نذكر لكم منها: كتاب الرجال للحسن بن فضال (المتوفّى سنة 224 هـ)، وكتاب المشيخة وكتاب معرفة رواة الحديث (الأخبار) للحسن بن محبوب السرّاد المتوفّى سنة 224 هـ، كُتب الفضل بن شاذان القمّي المتوفّى سنة 254 أو 260 هـ، التي تضمنّت تقييماته لرواة الأحاديث من حيث الكذب والصلاح والغلو، وقد أكثر الأعلام الفقهاء من الاعتماد على تقييماته الرجاليّة، كتاب الرجال لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي المتوفّى سنة 274 هـ أو 280 هـ، ويُقال أنّه لأبيه، كتاب المشيخة لجعفر بن بشير البجلي الوشّاء المتوفى سنة 280 هـ. وهو مثل كتاب المشيخة لابن محبوب إلّا أنّه أصغر منه، كتاب تاريخ الرجال لأحمد بن علي العلوي العقيقي المتوفى سنة 280 هـ. أدرجنا هذا الكتاب هنا لأنّ البعض يرى أنّ له مساساً بعلم الرجال، كتاب الرجال للشيخ محمّد بن يعقوب الكليني المتوفّى سنة 329 هـ. وقد ذكر كتابه هذا عند الكلام عن مؤلّفاته، فراجع مقدّمة الكافي، رجال الكشّي والمعنون بـ(معرفة الناقلين) للشيخ محمّد بن عمر الكشّي المتوفّى بحسب الظاهر سنة 350 هـ. وهذه القائمة يمكن أن نُضيف إليها كتابين لفقيه الطائفة ووجهها الشيخ سعد بن عبد الله الأشعري القمّي المتوفّى سنة 301 هـ،والكتابان هما: مناقب رواة الحديث، ومثالب رواة الحديث، وكتاب الممدوحين والمذمومين لأحمد بن محمّد بن عمّار الكوفي المتوفّى سنة 346 ه. وهناك كتاب مماثل للكتاب الأخير لمؤلّف آخر ويحمل نفس العنوان (الممدوحين والمذمومين)للفقيه محمد بن أحمد بن داوود بن عليّ القمّي المتوفّى سنة 368 هـ. ولا يخفى عليكم أيّها الأحبّة أنّه إذا حاول أحد المُماحكة والمُشاغبة في صدر ما ذكرناه أعلاه، فإنّه لا يُمكنه المُماطلة والمُراوغة في ذيل ما سطّرناه، لأنّ مُقتضى البحث في مناقب الرواة ومثالبهم وذكر الممدوحين والمذمومين هو بيان أفعالهم ونشر خفاياهم والتعرّض لحالاتهم وإظهار مستوى تديّنهم وخُلقهم. وربّما لا نجافي الحقيقةإذا ضمّمنا إلى هؤلاء أساطين فقهاء مدينة قمّ المباركة في الغيبة الصغرى الذين عرفوا بأساليبهم المتشدّدة في قبول الحديث وعدم التساهل في الرواية عن غير المعتمدين، ومن هؤلاء أستاذ الشيخ ابن بابويه الصدوق المُسمّى (محمّد بن الحسن) المُكنّى بابن الوليد حيث أنّ طريقته كانت طريقة رجاليّة، وقد اقتدى به الشيخ الصدوق (محمّد بن بابويه القمّي) وقلّده فيها وصرّح في كتابه الفقيه بأنّ: "كلّ ما لم يُصحّحه ذلك الشيخ (قدّس الله روحه) ولم يحكم بصحّته من الأخبار، فهو عندنا متروك غير صحيح". من لا يحضره الفقيه:2/90-91. ولعلّنا لا نبتعد كثيراً إذا ما اعتبرنا أنّ منه ( أقصد المنهج الرجالي التقييمي) تلك النصوص الوفيرة الحاثّة على الأخذ بخبر الثقة والرجوع إليه. وقد كان السفراء الأربعة (رضي الله عنهم) من هذا الصنف المُتحلّي بالوثائقيّة المطلوبة، وقد صدرت تواقيع الناحية حاملة بيان ذلك التوثيق في حقّهم. النقطة الثانية: لمْ تكتف مدرسة أهل البيت بالنقطة الأولى، وإنّما مارست مستوى آخر له ارتباط بالنقطة الأولى، وهو ذلك المُسمّى بـ: (علم الحديث) أو ما يُسمّى بـ: (علم الدراية)، وتناول بعض الأصحاب والأكابر الأحاديث المختلفة وعلاجها، وعلل الأحاديث وبيان الخلل فيها، والقسم الأوّل منها (اختلاف الأحاديث) لا يهمّنا هنا كثيراً وإن ألّف فيه ابن أبي عمير ويونس والبرقي وغيرهم رضي الله عنهم، والذي يهمّنا حقّاً القسم الثاني (علل الأحاديث) لأنّه قد يمسّ النقطة الأولى، حيث أنّ العلة قد تشمل غير المتن، فتأمّل. عموماً فإنّ ممّن ألّف في هذا الفنّ تحديداً كوكبة خيّرة، نذكر لكم أسماء الكتب ومؤلّفيها: كتاب علل الحديث ليونس بن عبد الرحمن، وكتاب علل الحديث لأحمد بن خالد البرقي. ولعلّ منها: كتاب العلل للفضل بن شاذان، والردّ على الحشويّة للفضل ابن شاذان، والعلل لأحمد بن محمّد بن عمّار الكوفي. ويمكن لنا أن نعدّ من هذا القبيل المرتبط بالنقطتين ما قام به أصحاب الكتب الأربعة (الكليني، الصدوق، الطوسي وأُستاذه)، ، فهم رحمهم الله بالإضافة إلى خزينهم المعرفي بعلم الرجال كانت لهم طرقهم الدرائيّة وأساليبهم المعرفيّة للنظر في الأصول الأربعمائة وانتقاء بعض الأحاديث منها وإعراضهم عن بعضها وطرح البعض الآخر الفاقد لشروط الاعتبار والإتّقان. هذا، ويدلّ على ما سطّرناه ما ذكره الشيخ الطوسي في العدّة، قال: "أنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرّجال الناقلة لهذه الأخبار، ووثّقت الثقات منهم، وضعّفت الضعفاء، وفرّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذمّوا المذموم، وقالوا فلان مُتّهم في حديثه، وفلان كذّاب، وفلان مُخلّط، وفلان مُخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها، وصنّفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرّجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتّى إنّ واحدا منهم إذا أنكر حديثا نظر في إسناده وضعّفه برواته. هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم". العدّة في أُصول الفقه:1/141-142. وهذا يوحي بأنّ علم الرجال في مجال التطبيق والممارسة انوجد قبل وضع هيكليّته الكاملة وتدوينه في كُتب. كما أنّ الباحث يمكنه أن يقتنص من فهرس النجاشي وفهرست الطوسي بعض العبائر الدّالّة على أنّ تقييماتهما الرجاليّة (التوثيقات والتضعيفات) إنّما هي نقول عمّن قبلهما. راجع: أصول علم الرجال للدّكتور عبد الهادي الفضلي:105 و134-135. ويرى بعض الفقهاء أنّه قد بلغ عدد الكتب الرجاليّة من زمان الشيخ الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ الطوسي نيفاً ومائة كتاب على ما يظهر من النجاشي والشيخ وغيرهما. وقد جمع ذلك الشيخ محمّد محسن الرازي المعروف بآغا بزرك الطهراني في كتابه مصفى المقال في مُصنّفي علم الرّجال. راجع: معجم رجال الحديث للمُحقّق الخوئي:1/41. وقبل تجاوز هذه النقطة ينبغي الإلفات إلى أنّ خبراء فنّ علم الرجال لا يجرون في هذا الفنّ على نظم واحد ومسلك واحد، وإنّما نراهم أحياناً يختلفون فيما بينهم في توثيق أو تضعيف أحد الرواة بسبب بعض المعلومات والمبنى والفهم. وعليه فإنّ هذا لا يُشجّعنّا بتقليد أحدهم والذهاب مع هذا أو ذاك استسهالاً وهروباً من تحمّل مسؤوليّة البحث، وإنّما يتطلّب منّا- كلّ بحسبه ومقدرته المُبرئة- سعياً في فحص الأدلّة، وبذل الجهد في فهم البيانات والوثائق، كي نقوم بعدها بموازنة لاختيار البحث الأقوى حجّة والأقرب التصاقاً لمدلول المُعطى الذي يكون أمام نظرنا. الآن هلمّوا معنا نتناول القصّة ونتجوّل في أروقتها ونتصفّح لوحاتها ومن ثمّ نقوم بإعادة النظر فيها لتقشيرها وتقويمها. والحقيقة أنّ هذه القصّة عبارة عن خبرين بإسنادين ومضمونين متفاوتين. الخبر الأوّل: قصّة كتاب منتخب الطريحي حُكي عن رجل أسدي قال: "كنت زارعاً على نهر العلقمي بعد ارتحال عسكر بني أميّة، فرأيت عجائب لا أقدر [أن] أحكي إلّا بعضها، منها: أنّه إذا هبت الرياح، تمرّ عليّ نفحات كنفحات المسك والعنبر، وإذا سكنت أرى نجوماً تنزل من السماء إلى الأرض ويرقى من الأرض إلى السماء مثلها، وأنا متفرّد مع عيالي ولا أرى أحداً أسأله عن ذلك، وعند غروب الشّمس يقدم أسد من القبلة فأولّي عنه إلى منزلي، فإذا أصبح الصباح وطلعت الشّمس وذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهباً. فقلت في نفسي: إنّ هؤلاء خوارج، قد خرجوا على عبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم وأرى منهم ما لم أر من سائر القتلى، فوالله هذه الليلة لا بدّ من المساهرة، لأنظر هذا الأسد أيأكل من هذه الجثث أم لا؟ فلما صار غروب الشّمس وإذا به قد أقبل فحقّقته، وإذا هو هائل المنظر، فارتعدت منه، وخطر ببالي إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني، وأنا أحاكي نفسي بهذا، فمثلته وهو يتخطّى القتلى، حتّى وقف على جسدٍ كأنّه الشّمس إذا طلعت، فبرك عليه. فقلت: يأكل منه؟ فإذا به يُمرّغ وجهه عليه، وهو يهمهم ويدمدم، فقلت: الله أكبر ما هذه إلّا أعجوبة، فجعلت أحرسه حتّى اعتكر الظلام وإذا بشموع معلّقة ملأت الأرض، وإذا ببكاء ونحيب ولطم مفجع، فقصدت تلك الأصوات فإذا هي تحت الأرض، ففهمت من ناع منهم يقول: وا حسيناه وا إماماه، فاقشعرّ جلدي، فقربت من الباكي وأقسمت عليه بالله وبرسوله من تكون؟ فقال: إنّا نساء من الجنّ. فقلت: وما شأنكن؟ فقلن: في كلّ يوم وليلة، هذا عزاؤنا على الحسين الذبيح العطشان. فقلت: هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟ قلن: نعم، أتعرف هذا الأسد؟ قلت: لا. قلن: هذا أبوه عليّ بن أبي طالب، فرجعت ودموعي تجري على خدّي". المنتخب في جمع المراثي والخطب للشيخ فخر الدّين الطريحي:2/302-303/المجلس الخامس، بحار الأنوار للشيخ محمّد باقر المجلسي:45/193-194، الأنوار النعمانيّة للسيّد نعمة الله الجزائري:3/249-250، العوالم- الإمام الحسين للشيخ عبد الله البحراني:512-513،مدينة المعاجز للسيّد هاشم البحراني:3/77-79/السادس والخمسمائة/742 و:4/70-71/السابع والعشرون ومائة/1091/144،الدّمعة الساكبة في أحوال النبيّ والعترة الطّهارة للشيخ محمّد باقر البهبهاني:5/5-6، إكسير العبادات في أسرار الشهادات للشيخ آغا بن عابد الدربندي:3/148/مجلس:17، معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين عليهما السلام للشيخ محمّد مهدي الحائري المازندراني:480-481/المجلس:1/ف11. وبعضه فيمقتل الحسين عليه السلام للسيّد عبد الرزّاق المقرّم:318-319. المناقشة من ناحية السند: هذه القصّة لم ترو عن معصوم، وإنّما هي حكاية عن شخص عادي، فهي إذن خبر تاريخي، والخبر التاريخي- بل وغيره- لا يمكن قبوله كيف ما كان، وإنّما يلزم توفّر عدّة نقاط وحجج شرعيّة وأمور تحقيقيّة لشرط قبوله ومن ثمّ الإخبار بمحتواه بطريقة يفهم السامع من الناقل الجازم به تحقّقه منه، كما يقول فضلاء الحوزة. ولكي لا نطيل عليكم ننقل لكم المفيد ممّا كتبه قلم السيّد محمّد الصدر عن ذلك في موسوعته المهدويّة، قال: "طرق تذليل المشاكل التاريخية :يقتضي التحقيق التاريخي تذليل هذه المُشكلات بأحد الأساليب الآتية : الأسلوب الأول :الحصول على التواتر في النقل التاريخي. الأسلوب الثاني :إنّنا إذا لم نستطع أن نحصل على التواتر المنتج للعلم، فبالإمكانالحصول على الاطمئنان والظنّ الراجح بحصول الحادثة ناشئاً من جماعةيُطمأنّ بعدم اتّفاقهم على الكذب، وهو معنى الاستفاضة في النقل؛فيما إذا اتّفق أكثر المؤرّخين أو جملة منهم على شيء معيّن، مع سكوتالباقين عن التعرّض إليه أو نفيه . الأسلوب الثالث :إنّنا بعد اليأس عن حصول العلم أو الاطمئنان، من النقل التاريخي فينفسه، نستطيع الحصول على الوثوق بقول الناقل، وإن كان منفرداً،بحيث لا يبقى للشبهات السابقة أثر ملتفت إليه . وهذا يتمّ بأحد نحوين: أوّلهما :الاطمئنان، بعد البحث في ترجمة هذا المُؤرّخ والاطّلاع على خصوصيّاتهالشخصيّة، بأنّه ثقة مأمون عن الكذب والدسّ والخداع، فيُطمأنّ بأنّه لميتعمّد الكذب في نقله التاريخي . ثانيهما :الاطمئنان بوجود الروح العلميّة الموضوعيّة في نفس هذا المؤرّخ...جهد الإمكان، أو على الأقلّ، لا يضع خبراً مكذوباًنتيجة لمذهبه أو مصلحته، أو بأيّ دافع شخصيّ آخر. الأسلوب الرابع :الحصول على الاطمئنان بوقوع الحادثة نفسها، بقرائن خارجية أواعتبارات عقليّة، توجب الظنّ بأنّه من المناسب وقوع هذه الحادثة أوعدم وقوعها. ثم قال منهجنا في التمحيص : نستطيع الخروج، من مأزق جهالة حال الرواة، بعدّة أمور : أولاً: الأخذ بالروايات الموثوقة سنداً، أن فُرض كون رواتهامذكورين ومنصوص عليهم بالوثاقة . ثانياً: الأخذ بالروايات المشهورة في طبقة أعلامنا المؤلّفين، أوفي الطبقات المُتقدّمة عليهم، إذ لعلّ كثرة روايتها منهم، دالّ علىاطمئنانهم بوثاقة راويها أو الظنّ بمطابقتها للواقع. ولعلّ الشهرةتصل إلى حدّ تكون بنفسها موجبة للاطمئنان الشخصيّ بصحّة السند وصدقالمضمون، فتكون بذلك إثباتاً تاريخيّاً كافياً . ثالثاً: الأخذ بالروايات التي قام شاهد على صدقها من داخل مضمونهاأو بضمّ قرائن خارجية إليها. كتلك الروايات التي وردت في تاريخناالخاصّ...ممّا نجده صادقاً عند مراجعة التاريخالعامّ، فيكون ذلك دليلاً على صدقها وصحّتها لا محالة. رابعاً: الأخذ بالروايات المجرّدة عن كلّ ذلك، إذا كانت خالية عنالمعارض، ولم تقم قرينة على كذبها وعدم مُطابقتها للواقع. وكانتإلى جانب ذلك ممّا يُساعدنا في تذليل بعض المُشكلات أو الإجابة علىبعض الأسئلة المطروحة على بساط التاريخ، فإنّنا نضطّر إلى الأخذ بهابصفتها المصدر الوحيد للجواب . ولا يبقى بين أيدينا إلّا الروايات التي هناك شاهد على كذبها، وإلّاالروايات المُتعارضة التي نشير إليها في النقطة الآتية. ولا يخفى أنّ كلّ ذلك، إنّما هو بالنسبة إلى الحوادث الجزئية التييحتاج إثباتها التاريخي إلى شاهد. وأمّا الأمور التي هي من ضرورياتمذهبنا، أو قام عليها التواتر في النقل، فإنّنا نعتبر ذلك إثباتاًتاريخيّاً كافياً. بالرغم من أنّ ضرورة المذهب لا تكون مُلزمة لمن لايلتزم بالمذهب". تاريخ الغيبة الصغرى:28-29 و46. أرأيتم كيف تكون الآليات والسُبل في نقل الأخبار التاريخيّة وتحمّلها، فهل القصّة أعلاه (قصّة الأسد) متوفرّة على هذه الشروط والضوابط أم أنّها فاقدة لهما؟ أظن من نافلة القول أن نجيب أنّها فاقدة لهما، نعم، إنّها- كما يرى لفيف من الأفاضل- حكاية مرسلة لا سند لها وراويها مجهول الحال، ولم تثبت بنقل تاريخي معتبر، وهي بعد فاقدة للقرائن والشواهد التي تدعم اعتبارها، بل هي من الأقاصيص السرديّة والحكايات النثريّة التي لا حجيّة لها ولا يصحّ الاعتماد عليها وتوظيفها للاحتجاج بها في مقام الاستدلال والإثبات. كما أنّها لم توجد في أيّ مصدر من المصادر قبل كتاب منتخب الطريحي، وفي الغالب- إن لم يكن الكلّ- أن من نقلها قد أخذها منه واستعارها من مؤلّفه المُنتخب. ومهما يكن من حال فقد ضعّفّ سند هذه القصّة جمع من الفضلاء ووهّنه. راجع: البحار:45/194هامش، الملحمة الحسينيّة للشيخ مرتضى مطهّري:3/238 هامش، إجابة للشيخ محمّد جميل حمّود تجدها في موقعه على النت، محاضرة للشيخ فوزي آل سيف على اليوتيوب وتحليل قيّم للقصّة. وألمح السيّد جعفر العاملي إلى ذلك في: سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج21/8. تنبيه: لقد حاول بعض الفضلاء التشكيك في نسبة كتاب الملحمة للمطهّري باستنتاجات غير متينة. وقام بعض الفضلاء بنقد تلك الاستنتاجات ونقضها. ويمكنكم مراجعة نقد الأستاذأحمد عبد الله، والشيخ الصويلح. ونريد التنويه إلى أكثر من ذلك وهو أنّ كتاب مُنتخب الطريحي عليه عدّة إشكالات ومُبتلاً بالأخطاء والهنات، وبالتسامح في النقل باعتماد الغرائب والأخبار الشاذة والمرسلة والسقيمة، وبالتالي فهو ليس من الكتب المعتبرة، ولا يصحّ الاعتماد على ما جاء فيه والجزم بمدلوله - وخاصّة ما ينفرد بنقله- والقطع بمضمونه من دون نظر بمطابقته للثوابت وتحقّق من موافقته للكليّات. راجع النقود التي عليه في المصادر الآتية: اللؤلؤ والمرجان:228، وقصص العلماء للميرزا محمّد التنكابني:489، ومنتهى الآمال للشيخ عبّاس القمّي:1/569 و667، والملحمة الحسينيّة:3/254، وموسوعة الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ:ج1/96 و:ج5/310، وسيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج20/198، ومن قضايا النهضة الحسينيّة للشيخ فوزي آل سيف:359-380، ومقال بعنوان مصادر النهضة الحسينيّة/المقدّمة السابعة للسيّد محمّد حسن ترحيني العاملي. المناقشة من ناحية المتن: سنردف لكم آراء وملاحظات الأفاضل الدائرة حول الخبر بعد إيراد ملاحظاتنا أو أثناءها. يظهر من ناظم الخبر أنّ مكان عمل هذا الرجل المزارع قريب من ساحة المعركة لقربه من نهر العلقمي، ولأنّه كان يرى من شهداء الطّف سلام الله عليهم ما لا يرى من غيرهم. فإذا ما غضضنا النظر عن حقيقة توفّر الزراعة في هذا المكان في تلك الفترة بالتحديد، فإنّه تواجهنا تساؤلاًت عديدة تخطر في البال، منها: من أين تلوثّ فكر هذا الأسدي بحيث كان يتصوّر أنّ الإمام وصحبه خوارج؟ وكيف سمح عسكر وعيون ابن زياد في تلك الفترة الخطرة بتواجد هذا الشخص في هذا المكان الحساس؟ وما السرّ في اختلاف حاله عن حال أهل الغاضريّة الذين قد ارتحلوا عن نواحي الفرات خوفاً من ابن سعد وجماعة ابن زياد ومن ظرف الحرب، أو الذين كانوا يقطنون على بُعدٍ من ساحة القتال، ثمّ رجعوا بعد رحيل العسكر لدفن الشهداء، على ما ذكره جمع من الفضلاء؟ راجع: منتّهى الآمال:1/565، ونهضة الحسين عليه السلام للسيّد هبة الدّين الشهرستاني:179، والإمام الحسين وأصحابه للشيخ فضل عليّ القزويني:1/375-376، وحياة الإمام الحسين للشيخ باقر القرشي:3/324، والصحيح من مقتل سيّد الشهداء وأصحابه عليهم السلام للريشهري:987، وموسوعة الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ:5/83، وسيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ للعاملي:15/89، وسلسلة القبائل العربيّة في العراق للشيخ عليّ الكوراني:5/33. أليس الخبر يُعلمنا- كما يدّعي هو أو يٌدّعى عليه- أنّه من قبيلة بني أسد؟ فلم خصّ هو (القاطن أو المتوطّن بهذه المنطقة) بالبقاء وبهذا القرب من المعركة دون بقيّة أفراد بني أسد الذين لم يكونوا بذاك البُعد الشاسع عنها؟ وأمامنا هنا قضيّتان غريبتان: القضيّة الأولى: إذا صحّ المدّعى أنّ هذا الرجل من قبيلة بني أسد- هذه القبيلة التي تعجّ بالمحبّين لأهل البيت- كيف لم يعلم بتلك المناوشات التي دارت بين بني أسد وكتيبة من جيش عمر بن سعد، كما يذكر بعض المؤرّخين؟ راجع: أنساب الأشراف للمؤرّخ أحمد البلاذري:3/180، الفتوح للمؤرّخ أحمد بن أعثم الكوفي:5/90-91، البحار للمجلسي:44/387، مقتل الحسين للشيخ الموفق بن أحمد الخوارزمي:1/345-346/ف11، تسلية المُجالس وزينة المَجالس للسيّد محمّد بن أبي طالب الحسيني:2/262-263، الدّمعة الساكبة:4/262، لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام للسيّد محسن الأمين:82-83، مقتل الحسين للمقرّم:199، الخصائص الحسينيّة للشيخ جعفر التستري:236-237، أنصار الحسين للشيخ محمّد مهديّ شمس الدّين:67، موسوعة الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ:4/41-43، سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:15/152-155. وأشار إليها الشيخ مرتضى مطهّري في الملحمة الحسينيّة:2/247، والشيخ باقر القرشي في حياة الإمام الحسين عليه السلام:3/142. لقد قال السيّد العاملي عن تلك المناوشات موضّحاً: "يدلّ أولا: على قرب المسافة بين منازل بني أسد وبين كربلاء". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:15/157. القضيّة الثانية: يُفهم من ظاهر كلامه أنّ ما رآه من كرامات وقدوم الأسد بعد رحيل العسكر قد تكرّر، أي: كان أكثر من يوم واحد! وربّما يؤيّد ذلك إجابة الجنّ عن سؤاله. وأيّاً ما يكن فإنّ هذا يخالف ما ذكر في كتب التاريخ والمقاتل من أنّ بني أسد رجعوا إلى ساحة المعركة لدفن الشهداء بعد رحيل عسكر بني أميّة بيوم أو يومين. كما أنّ هذه الحقيقة، أعني: رجوع بني أسد لدفن الأجساد المباركة، يضع على قصّته علامة استفهام كبيرة، وذلك لأنّ وجودهم (وجمعهم) سينقض مدّعاه بأنّه متفرّد مع عياله ولا يرى أحداً يسأله عمّا شاهده! ثمّ كيف يصف الإمام الحسين وأصحابه عليهم السلام بالخوارج؟ ألم يعلم بقدوم الإمام عليه السلام، وأحداث الكوفة وقتل مسلم والخيّرين (رضي الله عنهم) واعتقال الوجهاء والأعيان؟ راجع أحوال الكوفة ذلك الوقت في المصادر التالية: أنساب الأشراف للبلاذري:3/178-179، والصحيح من مقتل سيّد الشهداء وأصحابه عليهم السلام للريشهري:339-340 و386 و430-431، وسيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ للعاملي:12/240-241. ولو افترضنا عدم علمه بذلك، فأين كان عن التحرّزات التي اتّخذها قادة الملعون عبيد الله وانتشار مراصدهم ومسالحهم (سيطراتهم العسكريّة) على أفواه السكك والمنافذ. حفلت كتب التاريخ بذكر هذه الأوضاع المُتشنّجة، وقد روي أنّ يزيد بن معاوية كتب إلى عبيد الله بن زياد لعنهم الله ما يلي: "بلغني أن الحسين بن عليّ قد توجّه نحو العراق فضع المناظر والمسالح". مقتل الحسين عليه السلام المنسوب للشيخ أبي مخنف لوط بن يحيى:60، تاريخ الطبري المُسمّى بتاريخ الأمم والملوك للشيخ محمّد بن جرير الطبري:4/286، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد للشيخ محمّد بن النعمان الملقّب بالمفيد:2/66،البداية والنهاية للشيخ إسماعيل بن كثير الدّمشقي:8/179، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم للشيخ عبد الرحمن بن الجوزي:4/329، الأعلام للشيخ خير الدّين الزركلي الدّمشقي:4/193، الصحيح من مقتل سيّد الشهداء:430. ونحوه في مقتل الحسين للخوارزمي:1/327/ف11، والكامل في التاريخ للشيخ عليّ بن الأثير الجزري:4/36، والفتوح لابن الأعثم:5/63، وتاريخ مدينة دمشق للمؤرّخ عليّ الشافعي المعروف بابن عساكر:18/307. وتعقّبه الشيخ باقر شريف القرشي قائلاً: "وحفلت هذه الرسالة بالتقدير البالغ لابن زياد...وأوصاه باتّخاذ التدابير التالية: 1- وضع المراصد والحرس على جميع الطرق والمواصلات...وبعدما أطاح الطاغية بثورة مسلم قبض على العراق بيدٍ من حديد، وأعلن الأحكام العرفيّة في جميع أنحاء العراق، واعتمد في تنفيذ خططه على القسوة البالغة فأشاع من الظلم والجور ما لا يوصف...وبهذه الأساليب الرهيبة ساق النّاس لحرب الحسين، فقد كان يحكم بالموت على كلّ من يتخّلف أو يرتدع عن الخوض في المعركة...وقام ابن زياد بحملة اعتقالات واسعة النطاق في صفوف الشيعة فاعتقل منهم- فيما يقول بعض المؤرّخين- اثني عشر ألفاً". حياة الإمام الحسين عليه السلام:2/414-416. ليس هذا فحسب فقد كتب يزيد رسالة إلى عبيد الله بن زياد لعنهم الله أكّد عليه فيها أن يتيقّظ في أمر الحسين بن عليّ ويكون على استعداد له. راجع: أنساب الأشراف:2/78، والصحيح من مقتل سيّد الشهداء وأصحابه:326. وقام ابن زياد بتنفيذ الأوامر بأنّ وطّد الخيل من القادسيّة إلى العذيب رصدأً للحسين، كما يذكر المؤرّخ احمد الدينوري في الأخبار الطوال:247. وقريب من ذلك في نهضة الحسين للشهرستاني:112. إضافة إلى ذلك قامت السيطرات بتفعيل القرارات وذلك بالقبض على المتسلّلين، فعندما وصل بعض أصحاب الإمام إلى القادسيّة أو قرب الكوفة قبض عليهم اللعين الحصين بن نمير صاحب شرطة عبيد الله، لأنّه نشر خيله ما بين القادسيّة إلى القطقطانة (القطقطانة: موضع قرب الكوفة من جهة البرّيّة بالطّف، به كان سجن النعمان بن المنذر، كما يقول الشيخ ياقوت الحموي في معجم البلدان:4/374)، ثمّ قام بإرسال من قُبض عليهم إلى عبيد الله بن زياد وقُتلوا في الكوفة. راجع: مقتل الحسين لأبي مخنف:71، وتاريخ الطبري:4/297 و300، والطبقات الكبرى للشيخمحمّد بن سعد الزهري:6/435، والأخبار الطوال:245، والإرشاد للمفيد:2/69، والكامل في التاريخ:4/41-42، والملهوف أو اللهوف على قتلى الطفوف للسيّد عليّ بن طاووس:46، ومثير الأحزان للشيخ ابن نما الحلّي:30-31، وأنساب الأشراف:3/166-168، وتجارب الأمم للشيخ أحمد بن مسكويه الرازي:2/60 و62، والبداية والنهاية:8/181-182، والفتوح:5/82، والفصول المهمّة في معرفة الأئمّة للشيخ ابن الصبّاغ عليّ المالكي:2/806، ومقتل الحسين للخوارزمي:1/327 و335/ف11، ونور العين في ذكر مشهد الحسين المنسوب للشيخ أبي إسحاق الإسفراييني:5، والإتحاف بحبّ الأشراف للشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي:45/ب2، وتسلية المُجالس:2/242، ونفس المهموم في مصيبة سيّدنا المظلوم للشيخ عبّاس القمّي:158 و160و170، وأبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام للشيخ محمّد السماوي:93 و112-113. ويُعرف هذا الإجراء أيضاً من محاصرة جيش الحرّ للإمام الحسين عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم. راجع: تاريخ الطبري:4/308-309، والطبقات الكبرى:6/435، والأخبار الطوال:248-250، وأمالي الشيخ الصدوق:218/المجلس الثلاثون/218/1، والإرشاد للمفيد:2/78، ومناقب آل أبي طالب للشيخ محمّد بن عليّ بن شهرآشوب:3/246-247، والكامل في التاريخ:4/47-52، وأنساب الأشراف:3/170و176، والبداية والنهاية:8/186-189، والفتوح:5/78-79 و80، ومثير الأحزان:34، واللهوف:47، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ:2/809-816، تجارب الأمم:2/64 و67، الإتحاف بحبّ الأشراف:47/ب2، ونفس المهموم:169-170و184-185، ومقتل الحسين للخوارزمي:1/330-334/ف11، ومطالب السؤول في مناقب آل الرسول للشيخ محمّد بن طلحة الشافعي:400/ف12، ونور العين في ذكر مشهد الحسين:6-7، وتسلية المجالس:2/246، ومقتل الحسين للسيّد المقرّم:191-192، والصحيح من مقتل سيّد الشهداء وأصحابه:552-560، والإمام الحسين وأصحابه للقزويني:1/196-197. كما أنّ أوائل خيل عبيد الله بن زياد لم تكن بعيدة عن كربلاء، كما يظهر من تاريخ الطبري:4/292. وعليه كيف لم يلحظ هذا الأسدي هذه الإجراءات التي تلفت نظر الغافل وتقدح فكر الجاهل فضلاً عن العاقل ليتساءل عن حقيقة هذا الأمر الدائر والجو الفائر؟! وكيف لم يخطر بباله – ما دام مكان الإمام ليس بعيداً عنه كما يستفاد من خبره- أن يسأل ويستفسر عن حقيقة هذا الشخص المُحاصر الظامئ مع أطفاله ونسائه وأصحابه منذ أيّام،ويستعلم عن حال النازل بقربه في أرض الطفوف قبل الواقعة والاحتدام، ذلك الذي مُنع هو عياله وصحبه من الماء، وجرت معه محادثات ومفاوضات، وبدأ الإعلان بالتهيّؤ لخوض المعركة ضدّه؟ لقد ذكر المؤرّخون أنّ الإمام الحسين وصحبه عليهم السلام وجيش اللعين عبيد الله بن زياد موجود في كربلاء قبل الواقعة بإسبوع تقريباً، وكانت الإمدادات تتوالى على معسكر ابن سعد وابن زياد. وقبل المجزرة بثلاثة أيّام كان هناك خمسمائة فارس من جيش عبيد الله ومؤازريهم قد نزلوا على الشريعة وحالوا بين الإمام وأصحابه وبين الماء أن يستقوا منه قطرة. راجع: تاريخ الطبري:4/309-310 و312، والفتوح:5/83 و86 و90-91، واللهوف:49، والإتحاف بحبّ الأشراف:48/ب2، ومثير الأحزان:35، والإرشاد:2/84 و86، والكامل في التاريخ:4/52-53، وأنساب الأشراف:3/180، والبداية والنهاية:8/189، وتجارب الأمم:2/69-70، ومقتل الحسين للخوارزمي:1/345/ف11، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ:2/816، ونور العين في ذكر مشهد الحسين:7، ومعالي السبطين في:293/ف7، ونفس المهموم:189 و194، ومقتل الحسين للمقرّم:202، والإمام الحسين وأصحابه:1/218 و237، والملحمة الحسينيّة:2/120، وحياة الإمام الحسين للقرشي:3/135-136، وموسوعة الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ:4/44-46، وسيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:15/197-198. عادة ما تكون الشخصيّات العظيمة معروفة فكيف يعرف هذا الأسدي الأمير الملعون عبيد الله وبني أُميّة ويجهل حقيقة شخصيّة مشهورة عظيمة مثل الإمام الحسين عليه السلام سيّد شباب أهل الجنّة وخامس أصحاب الكساء من أهل البيت المطهّرين وسبط النبيّ المصطفى ولا يعرفها، بينما هذا لم يكن خافياً حتّى على أعداء الإمام ومخالفيه وخاذليه في سوح الوغى وسكك الكوفة؟! وكيف لم تدفعه تلك الأمور والتحرّكات القريبة من موقعه لاستنباء الوضع واستجلاء الحال؟! ثمّ لو تخطّينا غفلته عن رؤية نور الجسد الطاهر قبل وقوف الأسد عليه، وكذلك اقترابه من موضع الأسد كما يصوره الخبر (فارتعدت منه، وخطر ببالي إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني)، رغم عدم شجاعته! يبقى إشكال عويص واقف أمامنا صاغه الأستاذ إبراهيم البو شفيع على شكل تساؤل قال: "إنّ هذا الرجل كان عليه أن ينتظر إلى الليل ليتأكد أنّ هذا الأسد يأكل من الجثث أم لا، بينما كانت نظرة منه للأجساد التي تناثرت على الأرض تكفي للإجابة على هذا التساؤل بدلاً من الانتظار إلى حلول الظلام؟ وسجّل أيضاً ملاحظة ملفتة قال: أنّ هذا الأسد إن كانت مُهمّته حراسة الجثث، فمن المفترض أن يحرسها طوال الوقت، لا أن يحرسها ليلاً ويتركها نهاراً نهبة للسباع والطيور الجارحة والشّمس اللاهبة! وأضاف: لا نعلم ممّن سيحرس هذا الأسد هذه الجثث، فالتفكير العقلاني السليم يقول: أنّ هذه المعجزة إن كانت ستحدث فمن الأولى أن يحرس هذا الأسد الإمام الحسين عليه السلام في حياته من بطش الجيش الأموي، أو على الأقل أن يحرسه من رضّ جسده بعد قتله، أو أن يحرس خيام النساء ليلة الحادي عشر، فلماذا تأخّر كلّ هذا الوقت ليصل متأخراً بعد أن حصل ما حصل؟". انتهى. ونحن بدورنا نتساءل كيف لم يرتعب من منظر الشموع المعلّقة التي لا يعلم من أضاءها، ومن أين جاءت أو نزلت؟ وهل كانت تضيء له وحده أم يراها غيره؟ وكيف اطمأنّ وذهب في هذا الليل إلى مصدر الصوت المُرتفع والمُشتمل على النحيب والبُكاء واللطم- والذي يستشف منه أنّ الأعداد الباكية اللاطمة كانت كبيرة بحيث وصل صوتها إلى مسامعه- وكلّم أصحاب الصوت رغم عدم معرفته بهم ولم يصبه الذعر منهم؟ ثمّ هل من طبيعة الجنّ حين تُسئلتكلّم النّاس وتجيب عن تساؤلهم؟! ويمكن أنّ يكون الإشكال أكبر لو فُهم غيرنا من الخبر- وإن لم يتّضح لنا بصورة كافية- أنّ اقترابه (فقربت من الباكي) يعني اقترابه من الشخص لا من مكان الصوت، أي: إنّه كلّمهم وأيضاً رآهم! وإذا كان يجهل الحسين فمن أين علم أنّ النائح يؤمن بالله تبارك وتعالى وبرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم كي يٌقسم عليه بهما! وقفة قصيرة: بعيداً عن تزويق الكلام وتنميقه ألا تلاحظون معي أنّ هناك أمر غريب في هذه الحكاية وبعض النصوص- إن صحّت هذه النصوص- التي تتحدّث عن بكاء أو نوح الجنّ، نرى أنّ النوح يصدر من نساء الجنّ لا من رجالهم! فهل لأنّ نساء الجنّ كنساء الأنس أكثر عاطفة وأرخص دمعة، أم أنّهنّ أكثر تأثراً وأيماناً من رجالهنّ؟ قال البو شفيع: "إنّ نساء الجنّ هنّ اللاتي أخبرنه بأن هذا الأسد هو الإمام عليّ عليه السلام، فما أدراهنّ بذلك؟ وكيف صدّق كلام الجنّ؟ من الممكن أن يكون ذلك وهماً". انتهى قوله. وذكر الشيخ فوزي أل سيف بعد أن رفض قبول الخبر ملاحظة مهمّة وهي بمضمون: لِمَ لَمْ يقم هذا الأسدي بدفن الأجساد المباركة بعدما رأى انبعاث الكرامات منها وحدوث العجائب حولها؟! أخيراً هل يصحّ أن يتصوّر الإمام عليّ بن أبي طالب عليهما السلام بصورة أسد؟ نقول: بالإضافة إلى وهن السند كما أسلفنا فإنّ بعض الأفاضل قد عمّق رفضه لها لوجود هذا المحذور في متنها، فإنّه – وبحسب نظره- يرى أنّ تصوير المعصوم المكرّم سيّد الأوصياء بحيوان من الحيوانات المفترسة فيه توهين لهذا الإمام المعظّم، وفيه إهانة لا تُحتمل بالنسبة إلى الإمام عليّ عليه السلام. ويقول: ما الدّاعي في أن يتلبّس الإمام في صورة حيوان؟ هذا لا معنى له أبداً. راجع: محاضرة الشيخ فوزي أل سيف التي أشرنا إليها سابقاً، ومن قضايا النهضة الحسينيّة:378. وتحدّث الأستاذ البو شفيع قائلاً: "هنا نسأل بكل عفوية، ما المصلحة أن يتشبه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بصورة أسد مادام سيُعرف بأنّه هو؟ ما فائدة هذا التنكّر؟ لماذا لم يظهر كما هو «عليّ بن أبي طالب» الذي تخشاه الأسود قبل الفرسان؟! ". وعبّر السيّد جعفر العاملي عن تساؤلاته بما يلي: "لا نريد أن نناقش هذه الرواية بالتفصيل، ونكتفي بطرح سؤال واحد عن سبب ظهور الإمام عليّ عليه السلام في صورة أسد هائل المنظر! ألم يكن ظهوره بصورة رجل متنكر أو ملثم هو الأنسب بمقامه؟! ولنا أن نسأل أيضاً عن سبب تمرّغه بدم الحسين عليه السلام؟!". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج21/7- 8. ويحقّ لنا أن نضيف هذا التساؤل: لِمَ لمْ يظهر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بتلك الصورة؟ ولِمَ هذه الصورة وأمثالها تلصق بأمير المؤمنين دون غيره من المعصومين عليهم السلام؟! كلّ هذا الذي قرأتموه أيّها الأعزّة وغيره جعل من أصل هذه القصّة (أو الحكاية) في خبر كان ولا محلّ لها، ولهذا نجد الشيخ فوزي آل سيف والشيخ مطهّري يعتبران هذه الحكاية من التحريفات التي أُدخلت في واقعة عاشوراء. راجع: محاضرة على اليوتيوب للشيخ آل سيف، والملحمة الحسينيّة:3/283. وفي تعليق للسيّد محمّد علي القاضي على الخبر قال: "هذا الكلام إفك عظيم وكلمة خاطئة يدلّ على أنّ هذه القصّة المنقولة لا تخلو من دسّ واختلاق، فإنّ ظهور أمير المؤمنين (ع) في صورة الأسد لا يمكن التفوّه به من رواد العلم وطلّاب الفضيلة...وهذه النقليّات من الأفائك والمفتريات، ومن موضوعات الغلاة والمفوّضة وبعض الصوفية ومن مختلقاتهم، ومن خرافات بعض جُهّال الشعراء...والاعتقاد بهذه الأكاذيب وإنشاد الشعر فيها لا يصدر عمّن كان من أهل الإسلام والإيمان". الأنوار النعمانيّة:3/250 هامش. وكتب الشيخ محمّد جميل حمّود في موقعه على صفحة الأنترنت التالي: "ما يعني أنّ القصّة مركّبة وملفّقة على أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، فلا يصحّ الاحتجاج بها على صدور الكرامة منه...لأنّ دعوى كونها كرامة بالكيفية التي ترويها القصّة لا بدّ فيها من نقلٍ معتبر وهو مفقود في البَين، وعلى أقلّ تقدير نشكّ بنسبتها إليه سلام الله عليه، فالأصل حينئذٍ يقتضي عدم صحّة نسبتها إليه، ذلك لأنّ النسبة لا بدّ أن تكون برواية صادرة من المعصوم عليه السلام، وحيث إنّ القصّة غير مروية عن المعصوم عليه السلام فلا يمكننا - والحال هذه- نسبتها إليه، لا سيّما أنّها تتّفق مع معتقدات اليهود والمخالفين والتناسخيّين". بهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية الخبر الأوّل، ونواصل معكم تناول الخبر الثاني. الخبر الثاني: قصّة كتاب الكافي روي عن عبد اللَّه بن إدريس عن أبيه إدريس بن عبد اللَّه الأزدي [ الأودي ] قال: « لمّا قُتل الحسين بن عليّ عليه السّلام أراد القوم أن يوطئوه (يطئوه) الخيل، فقالت فضة لزينب: يا سيّدتي إن سفينة كسر به في البحر - فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد، فقال: يا أبا الحارث أنا مولى رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهمهم بين يديه حتى وقفه على الطريق والأسد رابض في ناحية، فدعيني أمضى إليه فأعلمه ما هم صانعون غداً، قال: فمضت إليه فقالت: يا أبا الحارث! فرفع رأسه، فقالت له: أتدري ما يريدون أن يعملوا غداً بأبي عبد اللَّه عليه السّلام؟! يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره. قال: فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين عليه السّلام، فأقبلت الخيل، فلمّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه اللَّه: فتنة لا تثيروها انصرفوا، فانصرفوا». الكافي للشيخ محمّد الكليني:1/465-466/باب مولد الحسين بن عليّ عليهما السلام/8. وبتفاوت يسير في المنتخب، وجاء فيه: قال حُكيأنّه لما قتل الحسين...وأرى أسداً خلف مخيمنا فدعيني أذهب إليه واخبره بما هم صانعون غداُ بسيدي الحسين. فقالت: شأنك. فقالت فضّة: فمضيت إليه حتّى قربت منه وقلت: يا أسد أتدري...يريدون يوطئون الخيل ظهره؟ قال: نعم، فقام الأسد ولم يزل يمشي وأنا خلفه...وجعل يمرّغ وجهه بدم الحسين ويبكي إلى الصباح، الخ". المنتخب في جمع المراثي والخطب للشيخ فخر الدّين الطريحي:2/302. - المناقشة من ناحية السند: القصّة مرويّة عن غير المعصوم ولم تثبت من طريقه، وسندها مطعون ولا يُعبأ به لأنّه يعاني من جهالة بعض الراوة، وهي بعد خبر تاريخي لم يثبت بنقل معتبر، وحالها السندي من هذه الناحية لا يختلف كثيراً عن حال أختها (سند الخبر الأوّل)، وقد تكلّمنا فيما سبق عن ضوابط الأخذ بالخبر التاريخي وقبوله، فلا نعيد. وبناء على ذلك فإنّ سندها يُعدّ من قسم المجهول والغير المعتمد، وهذا ما أكّده جملة من الأفاضل. راجع: مرآة العقول للشيخ المجلسي:5/368، ومستدرك الوسائل للمحدّث النوري:8/27 هامش المُحقّق، مدينة المعاجز للسيّد البحراني:3/470 هامش المُحقّق، وتكملة الرجال للشيخ عبد النبيّ الكاظمي:1/553 هامش المُحقّق، وسيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ للسيّد العاملي:ج19/31 وانظر:ج11/333، وإجابة للشيخ محمّد جميل حمّود العاملي في موقعه على صفحة الأنترنت، وإجابة للشيخ فوزي آل سيف احتفظ بها. قال الشيخ فضل عليّ القزويني: "وهذه الرواية وإن رواها الشيخ الأجلّ ثقة الإسلام في الكافي، وهو أوثق كتب الشيعة، إلّا أنّها رواية تاريخيّة وليست بحديث مروي عن المعصوم، إذ لم يسنده إلى قول إمام، فهو من أخبار الآحاد ولا يفيد علماً ولا عملا. ثمّ ذكر الشيخ القزويني مجهوليّة بعض رجال السند". الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه:1/370. ويعضد ما نقلناه ما ذكره الشيخ الغزّي في ملّف الكتاب الناطق/الحلقة الثالثة والعشرون. حيث نقل الشيخ كلام الشخص الذي راسله وأخبره بحكايته حين ذهب إلى كلّ مكاتب المراجع المعروفين في النجف وسألهم عن الخبر أعلاه (خبر الكافي)، فقالوا كلّهم له: بأنّ هذه القضيّة ليست صحيحة، وأنّ المراجع لا يؤمنون بها، ولا يُحبّذون إتيانها، ونصحه أعضاء المكاتب أن يترك هذه التفاهات ويهتمّ بغيرها. ولكن الشيخ الغزّي اعترض على رأيهم فقال: "أني لا أعبأ بكلام المراجع ولا شأن له به، لأنّ غاية ما يعتمدون عليه هو علم الرجال في تضعيف الروايات". وحاول بعضهم رفع الجهالة عن السند الذي تصوّر وقوع الوهم فيه بتبديل بعض أسماء رجال السند العاميّ، لكنّه لم يُفلح وبقي السند مُتضعضعاً غير تامّ. - المناقشة من ناحية المتن: سنردف لكم آراء وملاحظات الأفاضل الدائرة حول الخبر بعد إيراد ملاحظاتنا أو أثناءها. إذا نحن أجلنا النظر في متن الخبر نجده منسوباُ لفضّة ومنقولاً عنها ولا توجد أيّ عبارة للسيدة زينب عليها السلام في الخبر تُوحي بصحّة نسبة الخبر إليها. بل تقدّم عن الشيخ فضل القزويني أنّ القصّة غير مسندة إلى قول معصوم، كما جاء في كتابه الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه:1/370. وعليه فلا يصحّ ما زعمه بعض الفضلاء أنّها مرويّة عن معصوم وهي ابنة مولاتنا فاطمة الزهراء السيّدة زينب عليهما السلام! أضف إلى ذلك فإنّ بعض الآراء الذاهبة إلى عصمة السيّدة زينب عليها السلام غير مُتحّقق، والخبر الحاكي أنّها عالمة غير معلّمة لا يمكن من ناحية التبصّر الدقيق والنظر الفاحص والبحث الموضوعي المُعمّق الاعتماد عليه في إثبات هذه المزية. وهذا لا يعني تجريدها سلام الله عليها من كلّ مزية وفضيلة، أبداً لا يصحّ الذهاب إلى هذا النوع من التفكير، ونعوذ بالله تبارك وتعالى ممّن يبتغي ذلك، أو أن نكون هكذا. إنّها السيّدة الرائعة والمرأة الراقيّة بمزاياها الجزيلة وفضائلها الجليلة. والمراد بفضّة هنا خادمة مولاتنا السيّدة الزهراء عليها السلام كما عن دائرة المعارف الحسينيّة/معجم أنصار الحسين للشيخ محمّد الكرباسي/النساء/الجزء الثالث:83 و95. وقد استظهر بعضهم أنّ فضّة (النوبيّة أو الهنديّة) رضي الله عنها ولدت قبل الهجرة بأكثر من خمس وعشرين سنة، وحين دخلت بيت السيّدة الزهراء كان عمرها أكثر من ثلاثين سنة. راجع: دائرة المعارف الحسينيّة:3/80 -82. وعليه فإنّ عمرها يوم الطّف يكون قد تجاوز الثمانين عاماً، على ما ورد في دائرة المعارف الحسينيّة:3/100. وهناك أمر ملفت فمن الناحية التاريخيّة لم يتطرّق المؤرّخون القدامى وأصحاب المقاتل المُعتمدة إلى دور فضّة في يوم الشهادة وأثناء السبي والعودة منه. فهل هذا الإغفال لذكر اسمها والتعتيم عليه مُتعمّد أم أنّ وجود فضّة في يوم الطّف كان محلّ نظر عندهم وريبة؟ وحتّى إذا ما نظرنا إلى ما ورد في الكتب غير المعتمدة تمام الاعتماد ككتاب الشيخ الدربندي في أسرار الشهادة من أنّ السيّد زينب عليها السلام لمّا أرادت الركوب على الناقة ولم تستطع جاءت إليها جارية مُسنّة سوداء أقبلت إليها فأركبتها، فسألت عنها، فقالوا: هذه فضّة جارية فاطمة الزهراء عليها السلام. راجع: إكسير العبادات في أسرار الشهادات:2/630، عنه معالي السبطين للشيخ محمّد علي الحائري:510/ف12/المجلس:4. فإنّ هذا الخبر لا يدخل في سلك الدعم والتشييد ونضم العضد والاعتماد، لأنّ فيه علامات الوضع واضحة، وينطوي على مفارقات غريبة وعديدة. ولا ندري لمن وجّه الراوي الذي سار مع موكب الإمام سؤاله في تلك الأحوال العصيبة؟ ومن المجيب الذي عرف فضّة وجهلها الراوي؟ على العموم فإنّ بعض الفضلاء اعتبر هذا الخبر أيضاً مريب ومن القضايا المختلقة. راجع: اللؤلؤ والمرجان:212، والملحمة الحسينيّة:1/17 و:3/249، وسيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:11/330-333، والنهضة الحسينيّة للسيّد محمّد حسن ترحيني العاملي:317. تجدر الإشارة إلى أنّ كتاب إكسير العبادة تعرّض لنقود عديدة من قبل الأفاضل، ولم يحظ بالقبول التامّ لدى الكثير من الأماثل، لكونه يشتمل على قضايا غير صحيحة، ومتساهل في أخذ الأخبار وتناول الآثار الواهيّة وهو كأخيه منتخب الطريحي. راجع: اللؤلؤ والمرجان:201، الذريعة للشيخ آغا بزرك الطهراني:2/279، الملحمة الحسينيّة لمطهّري:1/84-85 و:3/248و283، موسوعة الإمام الحسين عليه السلام للريشهري:1/98-99 و:5/84 هامش و310، سيرة الإمام الحسين عليه السلام للعاملي:20/198، من قضايا النهضة الحسينيّة للشيخ فوزي آل سيف:97 هامش. المراد بسفينة هو سفينة مولى رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، يُكنّى أبا ريحانة. انكُسرت به السفينة التي تقله في البحر. راجع: شرح أصول الكافي للشيخ محمّد صالح المازندراني:7/234، الوافي للشيخ الفيض الكاشاني:3/760. ويظهر من كلام السيّد العاملي انّه غير مطمأن تماماً بحصول حكاية سفينة، قال: " وهل حصل ذلك لسفينة؟ أم أنّه مجرّد ادّعاء لا تثبته النصوص المعتبرة؟". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/32. وتستوقفنا هنا قضيّة مُحيّرة: روى المؤرّخون أنّ الأعداء فاقدي الغيرة والشهامة والمروءة أخزاهم الله عزّ وجلّ قاموا بنهب ما في الخيام وأضرموا النّار فيها، فبناء على وجود خيمة واحدة- كما يمكن أن يُستفاد من بعض الأخبار-، أو خيمتين متقاربتين تجمع النساء والأطفال ومن بقي من الرجال، يقفز أمامنا هذا السؤال وهو: كيف خرجت فضّة من الخيمة المُحاطة بالحرس والعيون من غير إذن وعلم الأعداء؟! وفي هذا السياق نلتقط لكم ما رواه الشيخ المفيد قال: "وجاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين، فقال لأصحابه: لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة، ولا تعرضوا لهذا الغلام المريض. وسألته النسوة ليسترجع ما أُخذ منهنّ ليتستّرن به، فقال: من أخذ من متاعهنّ شيئاً فليردّه عليهنّ؟ فوالله ما ردّ أحد منهم شيئاً. فوكّل بالفسطاط وبيوت النّساء وعليّ بن الحسين جماعة ممّن كانوا معه، وقال: أحفظوهم لئلّا يخرج منهم أحد، ولا تسيئنّ إليهم". الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد:2/113. ومثله في إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي:1/469-470/ب2/ف4 وفيه إلى كلمة أحفظوهم. وما كتبه الشيخ إسماعيل بن عمر بن كثير التالي: "وأمّا بقيّة أهله ونسائه فإنّ عمر بن سعد وكّل بهم من يحرسهم ويكلؤهم". البداية والنهاية:8/210. وقد أشار السيّد العاملي إلى هذا المعنى حيث ذكر أنّ الأعداء لعنهم الله المتعالي كانوا يحيطون بخيم النساء. راجع: سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/32. وكرّر نقله مع التعليق عليه فقال عن توكيل ابن سعد جماعة بحفظ السبايا: "إنّ هذا التوكيل لم يكن رغبة في دفع البلاء عنهنّ، بل لأنّ ابن سعد كان يعرف أنّه مُطالب من يزيد وابن زياد بان يُرسل إليه السبايا، لكي يُظهر للنّاس قوّته، وبطشه بأعدائه. ولكي يرى النّاس ذلَّة بني هاشم، حتّى تنقطع آمال النّاس بهم، وينكفئوا عنهم. لأنّ ذلك هو الذي يجعل بني أُميّة يُشعرون بالأمان. كما أنّهم يُريدون أن يُشفوا غليل صدورهم، وتنفيس حقدهم على النبيّ وأهل بيته. وهذا كلّه يدلّ على أنّه لم يكن ابن سعد قادراً على التفريط بمن هم في يديه من نساء وأطفال وسواهم". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/102-103. على أيّ حال فإنّ مع هذا القرب والتشابك المكاني لماذا لَمْ تذهب فضّة لأخذ الإذن من الإمام السجّاد عليه السلام؟ ولماذا لَمْ تستشره سيّدتنا المُعظّمة عقيلة الطالبيّين عليها السلام؟ وهناك تساؤلات أُخرى حول حوار فضّة مع مولاتنا زينب عليها السلام قام بتسجيلها السيّد العاملي على شكل نقاط ملاحظاتيّة، نأخذ بعضها: ""فأوّلاً: من الذي أخبر فضّة وسائر النساء: بأنّ الأعداء عازمون على رضّ الجسد الشريف بحوافر الخيل في اليوم التالي؟ ونتجاوز النقطة الثانية ونأخذ ما بعدها. ثالثاً: من أين علمت فضّة بوجود الأسد في ذلك المكان المعيّن؟ رابعاً: كيف لم تعلم زينب عليها السلام عن الأسد ومكانه ما علمته فضّة؟ ثمّ تساءل: من أين علمت أنّ الأسد سوف لا يقدم على افتراسها؟". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/31. أضف إلى ما تقدّم: المفترض أنّ معرفة فضّة بقّصّة سفينة مولى رسول الله المشهورة في أصلها المختلف في تفاصيلها ما كانت لتخفى على مولاتنا السيدّة زينب عليها السلام. لكنّنا لا نتلمّس في الخبر ما يُشعر بمرور الفكرة على خواطر السيّدة المُهتضمة واستحضارها؟ ولذا لم نجد المبادرة من عقيلة الطالبيّين صاحبة العلم والمعرفة! لا بدّ أنّ هذا الطرح لا ينسجم مع تصوّر من يعتقد برواية العالمة غير المعلّمة. فهل هذا السكوت من السيّدة الجليلة كان لأجل بيان فضل فضّة؟ طبعا لم يكن الأمر هكذا، والقول به وتبنّيه يُعد مُجازفة. ثمّ كيف علمت فضّة أنّ الأسد نفسه حيّ يرزق؟ وكيف استطاعت تمييزه عن غيره؟ وجاء في الخبر أنّ فضّة ذهبت إلى الأسد فقالت: "يا أبا الحارث، فرفع رأسه!". وههنا وقفة: لم يُحدّثنا الخبر أنّ فضّة أخبرت الأسد أنّها من مواليّ أهل البيت كي يهرع إلى مساعدتها مثلما ساعد سفينة! ثمّ إنّ ما حصل لسفينة لا يدلّ على أنّ نظيره سوف يحصل لغيره، كما يقول العاملي. راجع: سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/31-32. وكيف عرف الأسد أنّ كنيتهأبو الحارث؟ وما معنى أنّ يرفع الأسد رأسه؟ أليس من عادة الأسد (ذلك الوحش الضاري) اليقظ المُزوّد بحواس مطوّرة أن يستشعر بالقريب القادم إلى ناحيته، فكيف يبقى فيما أشبه بالغفلة- كما يوحي الخبر- مخفضاً رأسه إلى أنّ يناديه المُقترب منه بكنيته فيرفع رأسه؟! وقولها للأسد: "يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره". يُشعر بأنّ وضع جسد الإمام عليه السلام كان كوضع النائم على بطنه. قال: "فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين". الخبر يستبطن أنّ مكان الأسد لم يكن بعيداً عن ساحة المعركة ويُستفاد هذا من كلمة (فدعيني أمضي إليه) و (فمشى)، ويُدعم ذلك نسخة خبر منتخب الطريحي، فقد جاء فيه: "وأرى أسداً خلف مُخيّمنا". فإذا كان الأسد بهذا القرب ويحمل هذا الشعور الولائي فلِمَ لمْ يأت منذ يوم العاشر الذي رضّ فيه الجسد الشريف في المرّة الأولى؟! أمّا الكلام عن مجيء الأسد لحماية الجسد الطاهر، فهو أمر شاذّ لا تدعمه الوثاق المُتكثرّة، بل إنّها تتقاطع معه وتثبت حصول الرضّ للجسد القدسيّ كما سيمرّ بنا. لقد ورد في النصوص وكذلك روى الكثير من مؤرّخي الفريقين وأرباب المقاتل وأصحاب السير أنّ جسد مولانا الإمام الحسين عليه السلام قد رضّ بسنابك وحوافر الخيل في اليوم العاشر من محرّم، وأقرّوا وقوعه. ومن هنا سوف نقوم بتطعيم البحث وتنويع الأدلّة التي تطرّقت إليها. ألف: من ناحية النصوص جاءفي كتاب النوادر لعلي بن أسباط رواه عن بعض أصحابه، قال: (إنّ أبا جعفر عليه السلام قال: كان أبي مبطوناً يوم قتل أبوه صلوات الله عليهما، وكان في الخيمة وكنت أرى موالينا كيف يختلفون معه، يتبعونه بالماء. يشدّ على الميمنة مرّة وعلى الميسرة مرّة وعلى القلب مرّة. ولقد قتلوه قتلة نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يقتل بها الكلاب، لقد قتل بالسيف، والسنان، وبالحجارة، وبالخشب، وبالعصا، ولقد أوطؤه الخيل بعد ذلك). الأصول الستة عشر لعدّة محدثين:122، البحار للمجلسي:45/91/ب37/30، نفس المهموم:334. وربّما لهذا وغيره روي عن المعصوم أنّه قال عن استشهاده عليه السلام: (ما قُتل قتلته أحد كان قبله). كامل الزيارات للشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي:145/ب22/170/2. قال المؤرّخ والمجغرف البيروني عن يوم العاشر من محرّم (عاشوراء): "وكانوا يعظّمون هذا اليوم إلى أن اتّفق فيه قتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم وفُعل به وبهم ما لم يُفعل في جميع الأمم بأشرار الخلق من القتل بالعطش والسيف والإحراق وصلب الرؤوس وإجراء الخيول على الأجساد، فتشاءموا به، فأمّا بنو أميّة فقد لبسوا فيه ما تجدّد وتزينوا واكتحلوا وعيّدوا، وأقاموا الولائم والضيافات وطعموا الحلاوات والطيّبات...وأمّا الشيعة فإنّهم ينوحون ويبكون أسفاً لقتل سيّد الشهداء فيه، ويظهرون ذلك بمدينة السلام وأمثالها من المدن والبلاد، ويزرون فيه التربة المسعودة بكربلا". وكتب الشيخ باقر شريف القرشي: "ولم تجر هذه العملية- فيما أحسب- على احد من أهل بيت الإمام وأصحابه، ويؤيّد ذلك أن الأوامر التي صدرت من ابن زياد إلى ابن سعد قد اقتصرت على التمثيل بجسد الحسين دون غيره...لقد داسوا جسد الإمام الذي تربّى في كنف الرسول (ص) ونبت لحمه من لحم علي وفاطمة، والذي قال فيه الرسول: (حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً). لقد داسوا ذلك الجسد الذي ثار في وجه المعتدين والظالمين، وأراد أن يزيل البغي، ويظهر العدل في الأرض حسب ما أمر الله به". حياة الإمام الحسين عليه السلام:3/303-304. وروي قولاً منسوباً إلى فاطمة بنت الإمام الحسين: "وانأ أنظر إلى أبي وأصحابه، مجزرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول". البحار:45/60، وعوالم العلوم - حياة الإمام الحسين للشيخ البحراني:305 و360. وفي حديث ضعيف مرسل ذكر فيه رضّ الجسد الشريف: (وأمّا الحسين فإنّه يُظلم ويُمنع حقّه وتُقتل عترته، وتطؤه الخيول، وينهب رحله، وتسبى نساؤه وذراريه، ويدفن مرملاً بدمه، ويدفنه الغرباء). البحار:98/44/ب5/84. ومثله في الضعف والإرسال وعدم الاعتماد عليه جاء فيه أنّه رضّ بدنه وهشّمته الخيل بحوافرها. راجع: منتخب الطريحي:1/100، العوالم- الإمام الحسين:494، والدّمعة السّاكبة في أحوال النبيّ والعترة الطّهارة للشيخ محمّد باقر البهبهاني:5/3. وهناك أثر آخر مثلهما في القيمة يؤكّد هذه الحادثة كما في الدمعة السّاكبة:4/379. وورد في زيارة الناحية المنسوبة إلى المعصوم:"حتّى نكّسوك عن جوادك، فهويت إلى الأرض طريحاً، ظمآن جريحاً، تطؤك الخيول بحوافرها وتعلوك الطغاة ببواترها". البحار:98/240. وينبغي التذكير أنّنا وجدنا بعض النصوص قد تطرّقت لعمليّة الرضّ، ولكنّنا لم نجد ذكر لها في خطب السبايا التي ألقوها في الكوفة والشّام! باء- ومن ناحية المصادر التاريخيّة والمقاتل والسير فقد ذُكر انَّه بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام وروحي له الفداء، نادى عمر بن سعد في أصحابه: "من ينتدب للحسين ويُوطئه فرسه، فانتدب عشرة: منهم إسحاق بن حياة الحضرمي وهو الذي سلب قميص الحسين فبرص بعدُ، وأحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمي، فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتّى رضَّوا ظهره وصدره". مقتل الحسين عليه السلام المنسوب إلى الشيخ لوط أبي مخنف:202، تاريخ الطبري:4/347، أنساب الأشراف:3/204، الكامل في التاريخ للشيخ ابن الأثير:4/80، مقتل الحسين للشيخالموفّق الخوارزمي:2/44/ف11، نفس المهموم للقمّي:347-348، معالم المدرستين للسيّد مرتضى العسكري:3/137، موسوعة الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ للريشهري:5/14-15. وبتفاوت في مروج الذهب للشيخ عليّ المسعودي:3/57، والإرشاد للشيخ المفيد:2/113، وإعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الفضل الطبرسي:1/470/ب2/ف4، ونور العين في ذكر مشهد الحسين المنسوب للشيخ أبي إسحاق الإسفراييني:9-10، والمنتظم في تاريخ الأمم والملوك للشيخ عبد الرحمن بن الجوزي:5/341، ومثير الأحزان لشيخ ابن نما:59-60، وتسلية المجالس للسيّد محمّد الحسيني:2/327، والدّر النظيم للشيخ يوسف العاملي:558، وجواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب للشيخ محمّد الدمشقي الباعوني الشافعي:2/289/ب75، والإتحاف بحبّ الأشراف للشيخ عبد اللهالشبراوي الشافعي:53/ب2، ومنتهى الآمال للشيخ عبّاس القمّي:1/550-551،والدّمعة الساكبة:4/376، ولواعج الأشجان في مقتل الحسين للسيّد محسن الأمين:149، ومقتل الإمام الحسين للسيّد محمّد التقي بحر العلوم:497، ومقتل الحسين للسيّد عبد الرزّاق المقرّم:302، وسيرة الحسين في الحديث والتاريخ للسيّد جعفر العاملي:ج19/27، وكربلاء الثورة والمأساة للأستاذ أحمد حسين يعقوب:342، والرحمة الواسعة للشيخ محمّد تقي البهجة:92. وينبغي الأخذ بنظر الاعتبار أن هذا الفعل جاء بناء على مرسوم صدر بذلك من اللعين والي الكوفة إلى اللعين ابن سعد، فقد كتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد كتاباً جاء فيه: "فإنْ قتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره". تاريخ الطبري ج4/314، الكامل في التاريخ:4/55، أنساب الأشراف للبلاذري:3/183، مقاتل الطاليين للشيخ أبي الفرج الأصفهاني:79، الإرشاد:2/88، مناقب آل أبي طالب للشيخ ابن شهرآشوب:3/247، المنتظم لابن الجوزي:5/337، الفتوح للشيخ ابن الأعثم:5/93، مقتل الحسين للخوارزمي:1/348/ف11، ونور العين في ذكر مشهد الحسين:8، الإتحاف بحبّ الأشراف:49/ب2، معالم المدرستين للعسكري:3/86، معالم السبطين:305/ف7، نفس المهموم:201، منتهى الآمال:1/475، لواعج الأشجان:88، مقتل الحسين للمقرّم:208، الإمام الحسين وأصحابه للقزويني:1/243، الملحمة الحسينيّة:2/125، الرحمة الواسعة:102. ويلزم التذكير بأنّ مؤلّفي هذه المصادر والتي قبلها لم يناقشوا ما نقلوه ولم يبدوا اعتراضاً عليه، ممّا يُشعر بالموافقة والرضا به. قال الشيح فضل القزويني عن رضّ صدره وجسده الشريف: "الذي اتّفق عليه العامّة والخاصّة محدّثوهم ومؤرّخوهم، بل كلّ من تصدّي لوقعة الطّف ذكر ذلك من غير نكير". الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه:1/366. جيم- من ناحية الشعر فقد أنشد الشعراء أبياتاً تؤكّد وقوع حادثة رضّ الجسد المقدّس يُقال أنّ السيّد إسماعيل الحميري الذي هو من شعراء القرن الثاني الهجري المولود سنة 105هـ أنشد الإمام الصادق عليه السلام بقصيدة مطلعها: اُمرر على جدث الحسين ... و قل لأعظمه الزكية يا عظاماً لا زلت من ... وطفاء ساكبة رويّة ما لذ عيشٌ بعد رضّك ... بالجياد الأعوجية. راجع: أعيان الشيعة للسيّد محسن الأمين:3/429. ونقل الشيخ محمّد بن عليّ بن شهرآشوب عن السيّد الرضي الأبيات التالية: وخر للموت لا كفّ يُقلّبه إلّا بوطئ من الجرد المحاضير. مناقب آل أبي طالب:3/259. وللسيّد حيدر الحلي أترى تجيء فجيعة بأمضّ من تلك الفجيعة حيث الحسين على الثرى خيل العدى طحنت ضلوعه. واحتذى بهم الشاعر محمّد مهديّ الجواهري في قصيدته العصماء بحقّ الإمام الحسين (فداء لمثواك)، نأخذ موطن الحاجة منها، قال: وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغَاةِ جالتْ عليـهِ ولم يَخْشَـعِ. وقد أقرّ جمع كثير من فقهاء الطائفة وفضلائهم على وقوعها، وتقدّم منّا ذكر بعضهم، ونجمل لكم هنا تصريح بعضهم، وما قاله أو نقله بعض آخر بذكر مصادرهم: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب:3/259، اللهوف:79-80 وطبعة:182، منتخب الطريحي:2/457/المجلس العاشر،الآثار الباقية عن القرون الخالية للشيخ أبي الريحان محمّد البيروني:329 وطبعة أخرى صفحة:420،الصواعق المحرقة للشيخ ابن حجر الهيتمي:271/ب11/ف2، معالي السبطين:477-478/ف10، مقتل الإمام الحسين للسيّد محمّد التقي بحر العلوم:501، مقتل الحسين للمقرّم:307، نهضة الحسين للسيّد هبة الدّين الشهرستاني:178، الغرر الحسينيّة والدّرر الدّينيّة للسيّد محمّد مهدي القزويني البصري:57 و68 و77-78 و84 و155-156، لواعج الأشجان للسيّد محسن الأمين:149، موسوعة الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ للريشهري:5/13-16، حياة الإمام الحسين للشيخ القرشي:3/303، ثورة الحسين ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة للشيخ محمّد مهديّ شمس الدّين:201، أنصار الحسين الرجال والدلالات لشمس الدّين:230 و232، ونقله الشيخ نجاح الطائي في مقتل الحسين وأنصاره:373، فاجعة الطّف للسيّد محمّد سعيد الحكيم:76، الصحيح من مقتل سيّد الشهداء للريشهري:933، من قضايا النهضة الحسينيّة للشيخ فوزي آل سيف:67-68. وألمح السيّد جعفر العاملي إلى ما يدلّ على قبوله خبر رضّ الجسد الشريف سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/78. وأشار إليها السيّد محمّد الصدر في أضواء على ثورة الحسين عليه السلام:241-242. بهذا العرض يظهر أنّ الراوي لم يسبك الخبر بطريقة جيّدة ونسي أنّ الأسد جاء في ليلة الحادي عشر، وهذا يعني أنّ متن الرواية مضطرب فلا هو يستطيع نفي رضّ الجسد الطاهر بحسب الروايات التي أثبتت هذا الفعل الشنيع، ولا سياق ألفاظه يُقنع القارئ بدلالته على أنّه مجيء الأسد كان لغرض عدم تكرار الفعل بعد حدوثه. فإذا صحّ أن الرضّ قد حصل بالضبط في يوم العاشر كما عرفنا، فلِمَ لَمْ يكن هناك اعتراض ومساعي لمنع وقوعه وخشية جادّة من تطبيق هذا الفعل الخسيس الصفيق؟ كما تلاحظون أحبّتي في الله فإنّ القصّة يعتريها الخلل من عدّة جهات، وسنقرأ في ذيل البحث بعض الآراء الطاعنة بها. بقي هناك أمران: الأمر الأوّل: استبعد بعض الفضلاء وقوع حادثة الرضّ، وتشبّث بخيوط غير نافعة كما سنرى. ويحسن بنا أن نتوغّل في الموضوع، وندخل في مناقشة المطروح، نقتبس لكم من ربوعه ألمع الأسماء. فهاكم ما اقتطفناه لكم أيّها القرّاء. نستهلّ العرض بما كتبه الشيخ المجلسي في تعليقه على الخبر قال: "قوله لعنه الله: (لا تثيروها) أي: لا تظهروها ولا تفشوها. ويدلّ على أنّ للحيوانات شعوراً، وعلى أنّ بعضهم يُحبّون أهل البيت ويعرفونهم، ويمكن أن يكون الله تعالى ألهمه في هذا الوقت أن يفعل هذا الفعل أو أعطاه شعورا عرف كلام فضّة. ويدلّ على أنّ ما ذكره الخاصّة والعامّة من وقوع هذا الأمر الفظيع لا أصل له. حتّى أن السيّد ابن طاووس (قدس سره) قال في كتاب الملهوف: ثمّ نادى عمر ابن سعد في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره؟ فانتدب منهم عشرة وهم إسحاق بن حوية الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه، وأخنس بن مرثد وحكيم ابن طفيل، وعمرو بن صبيح، ورجاء بن منقذ، وسالم بن خيثمة، وصالح بن وهب، وواخط بن ناعم، وهاني بن ثبيت، وأسيد بن مالك، فداسوا الحسين صلوات الله عليه بحوافر خيلهم حتى رضّوا ظهره وصدره. قال: وجاء هؤلاء العشرة حتّى وقفوا على ابن زياد فقال أسيد بن مالك أحد العشرة: نحن رضضنا الظهر بعد الصدر بكلّ يعبوب شديد الأسر. فقال ابن زياد: من أنتم؟ فقالوا: نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا جناجن صدره. فأمر لهم بجائزة يسيرة، قال أبو عمر والزاهد: فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زناء، وهؤلاءأخذهم المختار فشدّ أيديهم وأرجلهم بسلك الحديد وأوطأ الخيل ظهورهم حتّى هلكوا، انتهى. وأقول: المعتمد ما رواه الكليني (ره) ويمكن أن يكون ما رواه السيّد ادّعاء من الملاعين ذلك لإخفاء هذه المعجزة، وكأنّه لذلك قلل ولد الزنا جائزتهم لعلمه بكذبهم. وما فعله المختار- يقصد بالجناة- لادّعائهم ذلك وإن كان باطلاً، وإن كان ما فعلوه به عليه السلام قبل ذلك أفحش وأفظع منه". مرآة العقول:5/371-372. وقال المجلسي في كتابه بحار الأنوار: "أقول: المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنه لم يتيسّر لهم ذلك". البحار:45/60. ونثنيّ بما ذكره الشيخ عبد الله البحراني قال: "أقول: المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنه لم يتيسر لهم ذلك، وهو المعتمد. ويحتمل أن يكون هذا مرّة وما في الكافي مرّة أخرى، ويؤيده ما سيأتي في الباب الآتي من كتاب النوادر لعلي بن أسباط نقلاً عن الباقر عليه السلام". عوالم الإمام الحسين عليه السلام:304. ويقصد برواية كتاب النوادر ما نقلناه لكم فيما سبق. ويلوح لي أنّ الشيخ جعفر التستري أيضاً لم يجزم بتحقّق الرضّ للجسد المبارك، كما في كتابه الخصائص الحسينيّة:138. وعن هذه الحكاية ذكر الشيخ محمّد مهديّ الحائري اختلاف أرباب المقاتل في هذه القضيّة التي جرت على جسد الإمام الحسين عليه. راجع: شجرة طوبى:35. ونثلث: برأي أحد مشايخ أهل الجمهور وهو الشيخ ابن كثير قال: "قال- يقصد أبا مخنف-: ثمّ أمر عمر بن سعد أن يوطأ الحسين بالخيل، ولا يصحّ ذلك والله أعلم". البداية والنهاية:8/205. ولكنّ يُستشم منه أنّه غير جازم بذلك، ويتأيّد ذلك بما نقله بعد صفحة قال: "ويقال إنّ عمر بن سعد أمر عشرة فرسان فداسوا الحسين بحوافر خيولهم حتّى ألصقوه بالأرض يوم المعركة". تعقيب على كلام الشيخ المجلسي من خمسة جوانب: الجانب الأوّل: الأنسب والأقرب في معنى (لا تثيروها) أي: لا تحرّكوها ولا تهيّجوها كما قال الفيض الكاشاني في الوافي:3/760، لا ما ذكره المجلسي وإن كانت تأتي بذاك المعنى الذي ذكره. لكون أنّ اللعين ابن سعد لا يجهل تفاوت مستويات أعوانه بحفظ الأسرار ونشر الأخبار، ولذا ظهرت هذه القصّة (المعجزة بحسب تصوّر المجلسي) إلى الوجود. والذي يعضد المعنى المُستقرب الكتاب المجيد في وصف بقرة بني إسرائيل قال سبحانه وتعالى: «إنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض » سورة البقرة:71. وأيضاً يساعد عليه ما في المعاجم اللغوية فقد ذكروا: أنّ الريح الشديدة التي تثير الحصباء تسمّى الحاصب، والتي تثير الغبار تسمّى إعصار، والتي تثير التراب فتدفن الآثار تسمّى روامس. راجع: الصحاح للشيخ إسماعيل الجوهري:1/112/باب الباء/فصل الحاء/مادة: حصب، و:2/750/باب الراء/فصل العين/مادة:عصر، و:3/936/باب السين/فصل السين/مادة: رمس. وأثاره: أي: هيّجه، وثار ثائرة، أي: هاج غضبه. ثور: ثارَ الشيءُ ثَوْراً وثُؤوراً وثَوَراناً وتَثَوَّرَ: هاج. الثَّائر: الغضبان. ويقال للغضبان أَهْيَجَ ما يكونُ: قد ثار ثائِرُه وفارَ فائِرُه، إِذا غضب وهاج غضبه". راجع: كتاب العين للشيخ الخليل بن أحمد الفراهيدي:8/234/أبواب الثلاثي المعتّل من الثاء/مادة: ثور، الصحاح:2/606/باب الراء/فصل الثاء/مادة: ثور، لسان العرب للشيخ محمّد بن مكرم بن منظور:4/108/حرف الراء/فصل الثاء المثلّثة/مادة: ثور. الجانب الثاني: كيف يكون ما ذكره الخاصّة والعامّة مع عدم توفّر دواعي الكذب فيه لا أصل له؟ هذا الكلام مردود، والمُفترض في هكذا حالة تقديم ما اشتهر على غيره والأخذ به على قاعدة (خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر). فإذا كان المقياس ذوقي لا تنقيبي فلم لا يكون خبر الكافي هو من لا أصل له لا المشهور؟! 3- لو لَمْ يكن للحدث أصل ومنشؤه صحيح لما قام الرواة بحفظ أسماء هؤلاء العشرة وفرزهم دون غيرهم، وتتّبع أصلهم الفاسد ونمط حياتهم وطريقة مجازاتهم، ومن ثمّ تدوين ما جُمع عنهم في سجّل التاريخ وملّف الحياة. 4- عن أيّ معجزة أو كرامة يحدّثنا عنها الشيخ المجلسي وأجواء القصة تُعطي انطباعاً بأنّها مُفبركةّ! ألم يُفصل الإمام الرضا عليه السلام القول بشانّ روايات الفضائل وأوصى بالنهي عن أخذ الفضائل من أعدائهم، كما جاء في خبر ابن أبي محمود- المعتبر على بعض المباني- عنه عليه السلام قال: (إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة: أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، إلى آخر ما جاء في الرواية). بشارة المصطفى لشيعة المرتضى للشيخ محمّد الطبري:340، البحار:26/239/ب4/1. ومثله في عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق:1/272. لاحظ أيّها القارئ كيف أنّ بعض ما يُسمّى بالفضائل والكرامات هي من صنع أعدائهم! أيّها المُحبّ لأهل البيت عليهم السلام ركّز في هذا البيان ففيه توصيّة مهمّة وهي إيّاك أن تنخدع ببعض الآثار المنقولة في بعض المجاميع الحديثيّة والمنسوبة إليهم فتظنّ أنّها من كرامات العترة الطاهرة ومناقبهم، وفي حقيقتها ما هي بذاك. قال الشيخ محمّد تقيّ التستري في معرض نقده للتفسير المنسوب إلى الإمام العسكري: "ليس كلّ ما نُسب إليهم عليهم السلام صحيحاً، فقد وضع جمع من الغلاة أخباراً في مُعجزاتهم وفضائلهم وغير ذلك...كما انّه وضع جمع من النصّاب والمُعاندين أخباراً مُنكرة في فضائلهم ومُعجزاتهم بقصد تخريب الدين". الأخبار الدّخيلة:1/215-216. ومن المفيد أن نُذكّر أنّه ينبغي أن لا نكتفي بقراءة النصوص ونقلها فينطبق علينا أنّنا من همّه الرواية، بل يلزم التدبّر فيها والتوثّق من سلامتها وإجراء الموازنة والتعليق لينطبق علينا أنّنا ممّن همّه الدراية. على العموم فإنّ من القضايا الملفتة في هذا الجانب الذي خضنا فيه هو ما ذكره الشيخ المامقاني في الفائدة الخامسة من مقباسه قال: "إنّ الدواعي لجعل الحديث في الأحكام قليلة جداً، وكثيراً ما يكون في أصول العقائد، وأكثر منه في الفضائل والمناقب والأذكار". مستدركات مقباس الهداية في علم الدراية للشيخ محمّد رضا المامقاني:6/38. 5- ثمّ إذا كان ما فعله الأعداء بالإمام أبشع من رضّ الجسد وأفحش كما صرّح هو (المجلسي) بذلك، فلم الاستبعاد وما هو وجه المنع؟ ألم يُفعل بأولياء الله وأصفيائه نحو ذلك، وليس بعيداً عنكم ما فُعل بأسد الله وأسد رسوله حمزة ونبيّ الله زكريا ويحيى عليهم السلام من قبل المارقة والزنادقة. وفي هذا المجال قال الشيخ آل سيف: "نعم، قد يستعظم ذلك من قبل المؤمن ولا يراه ممكنا لقداسة الحسين، وعظمة شأنه عند الله سبحانه وتعالى. ولكن هذا لا يمنع وقوع أشدّ أنواع البلاء على أهل الإيمان ، فإنّ من الأنبياء من نشروا بالمناشير ، ومنهم من مشط بأمشاط الحديد، وهكذا . نعم، قد ذكر في البحار أنّ في الكافي رواية تدلّ على أنّ الخيول لم ترضّ صدر الحسين عليه السلام . ويرى بعضهم أنّ الخيل العربية لا تدوس على جسد القتيل في الحالات العادية بل تقفز فوقه، فإن صحّ ذلك وثبتت الرواية فيمكن أن يكون ذلك في أوّل الأمر، لكن فيما بعد كان من الثابت أنّهم قاموا بذلك العمل" . من قضايا النهضة الحسينيّة:68. لقد اتّضح لكم إن شاء الله أيّها الأعزّة من خلال مناقشة شيخنا المجلسي كيف أنّ التأويل المنفلت والترقيع الباهت لا يخدم الحقيقة ولا يُقدّمنا خطوة صحيحة، بل يُسقطنا من جادّة الاعتدال والرشاد ويُحرفنا عن صراط الإتّقان والسداد، ومن ثمّ يهوي بنا حيث يريد ويجعلنا بحقّ عرضة لمعول التحقيق ومطرقة النقد. نحن لا نريد بذلك الإساءة لأحد من الفقهاء والفضلاء ولا التجريح بأحد من الباحثين والمُحدّثين، ولكن من يقع في هذا الفخّ فإنّه يستحقّ المُحاكمة بغير تشنّج والنقد بغير تهويل، مع الالتزام طبعاً بأُسس وضوابط فن النقض والإبرام وأصول منهج النقد الأكاديمي السليم. ومن هنا فإنّنا لا نتّفق مع من تصوّر أنّقول الملعون ابن العاص (فتنة لا تثيروها) فيه نوعاً من الحنكة المعرفيّة؟ لا ندري أيّ حنكة هذه! ولكنّنا نتصوّر أنّ السذاجة هي المفردة اللائقة والكلمة المناسبة لأن نطلقها على هذا العبارة (فتنة لا تُثيروها) وذلك الموقف المُتخاذل. بضميركم هل قتل أسد واحد في ساحة المعركة أكثر فتنة من قتل ابن بنت رسول الله وسبطه وريحانته مع صحبه الكرام وقطع رؤوسهم وأسر الذريّة الطيبّة وإهانتها وصبّ العذاب عليها ونهب حاجاتها ومستلزماتها؟ ثمّ هل من الموضوعيّة أن يهاب الجيش الغاشم المُدجّج والعسكر الظالم الأهوج والضمائر الغليظة المُتحجّرة والقلوب القاسيّة المُتجبّرة أسداً واحداً؟ وهل المطلوب منّا أنّ نصدّق بكلّ حديث مغمور وأثر مبتور وإن كان يخالف منطق التدبّر والنصّ المشهور؟! ما هكذا الظنّ بمن يدّعي المعرفة والعلم والثقافة والفهم! لا ريب أنّ تشييد الرأي عن طريق الاستناد إلى معطيات الجواهر المعرفيّة والكنوز الأثريّة التي تأخذ بالأعناق أسلم والاتكاء على ما هو موثوق أضمن. وبالتالي فإنّ ما بأيدينا من مستندات عن ذلك الحشد العرمرم (بعدّته وأعداده ووحشيّته وضراوته التي سجلّها المؤرّخون) تربأ بنا عن قبول الأفكار الهشّة والمنطلقات الذوقيّة والاستبعادات الرخوة والأدلّة التبرعيّة. أخي الفاضل أُختي الفاضلة كي نبقيكم في الصورة ولا نذهب بكم بعيداً عن هذه المسألة يخطر بالبال هذا التساؤل: أليس من المُفترض أن يحدث العكس وهو أنّ يتهيّب الأسد الواحد من الإقدام على مثل تلك الساحة الملغومة بالجحافل المتدفقة؟ من وجهة نظرنا فنحن لا نشكّ أنّ الوضع الطبيعي في مثل تلك الحالات هو هروبه منها أو الابتعاد عنها لا إقدامه أو ثباته. وهذه القناعة ليست فرضيّة جزافيّة نستهدف من ورائها تمرير متبّنياتنا وبسطها بطريقة عشوائيّة رغماً عن إرادة الآخرين واختياراتهم، وإنّما هي قناعة مبنيّة على ملّفات تحقيقيّة، ولتقديم صورة مُقرّبة إليك أيّها القارئ الباحث يمكنك مراجعة ما عرضته قناة (ناشيونال جيوغرافك) من أفلام وثائقيّة تبيّن أن الأسد لا يصمد كثيراً أمام الحشود والقوافل الآدميّة والمجموعات البشريّة، بل يهرب من مجموعة صغيرة من الأفارقة لا يتعدّى مجموعها العشرة أفراد تحمل معها أدواتها البدائيّة البسيطة كالرمح والعصا! وليعلم القارئ الكريم إنّنا لا نقصد بهذه الصورة المُقرّبة الجزم بالموافقة تماماً. ونضيف إلى ما تقدّم السؤال الآتي: إذا كان الأسد خارج نطاق ساحة المعركة كما هو مُفترض، فكيف دخل الأسد ساحة المعركة واقترب من الجسد، ومن أيّ منفذ تغلغل؟ وبتعبير أدّق ترجمه العاملي: "كيف لم ير الأسد حين جاء إلى جسد الحسين عليه السلام أحد من ذلك الجيش المنتشر في حنايا الصحراء؟! وأين كان الحرس الذين يحيطون بالأجساد وبخيم النساء عن رؤية هذا المخلوق المخيف؟!". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/32. على أنّه لا ينقضي بنا العجب حقاً، كيف يخاف الجيش والعتاة المردة أهل الطغيان من أسد واحد ولم يخف جمعهم الضال الجانح ممّا شاهدوه من استجابة دعاء الإمام الحسين عليه السلام بحقّ بعضهم، ومن تغيّر الكون حين قدموا على قتل السبط المعصوم والكوكبة المرضيّة من أهل الإيمان وما رافق ذلك من تبدل الأجواء؟! راجع: مقتل الحسين لأبي محتف:125، تاريخ الطبري:4/328، المعجم الكبير للطبراني:3/117،أمالي الشيخ الصدوق:218/المجلس الثلاثون/221-222/1، الإرشاد للمفيد:2/102، الكامل في التاريخ:4/66، أنساب الأشراف:3/191 و209، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:14/226-228، الفتوح:5/119، كامل الزيارات:183و188/ب28/253/13 و265/25، عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدق:1/268، اللهوف:75، مقتل الحسين للخوارزمي:2/42/ف11 و:2/102/ف12، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدّين الطبري:144، منتخب الطريحي:2/453/المجلس العاشر،الدّمعة الساكبة:4/359،نفس المهموم:337-338 و443، الصواعق المحرقة لابن حجر:271/ب11/ف2، المنح المكيّة:520-521، الإتحاف بحبّ الأشراف للشبراوي:42/ب2، تاريخ الخلفاء للسيوطي:165-166، معالي السبطين:467-468، منتهى الآمال:1/411/ب5/ف3 و:638/ف10، الغرر الحسينيّة والدّرر الدّينيّة للقزويني:54 و69-70، الخصائص الحسينيّة:173،مقتل الحسين للمقرّم:292، الإمام الحسين وأصحابه:1/344، حياة الإمام الحسين للقرشي:3/297-298، الصحيح من مقتل سيّد الشهداء949-950، موسوعة الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ:5/35-36، المقتل الحسيني المأثور للطبسي:183، سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/113-114 و119. إلى هنا ننتهي من الأمر الأوّل، ونبدأ بتناول الأمر الآخر. الأمر الثاني: عرفتم فيما سبق ضعف التوجيه الأوّل وعدم مشاطرتنا إيّاه، وهذا ما لاحظه بعض مشايخنا أيضاً، حيث أنّه لمّا شعر بنوع من التنافي بين الأخبار المُؤكّدة لحدوث الرضّ وخبر الكافي، حاول توجيهها بطريقة الجمع بينها، وتسويق فكرة افتراضيّة غير مقنعة، خلاصتها: أنّهم أرادوا رضّ جسد مولانا المظلوم مرّة أخرى. ولكي لا نبخل عليكم بها ننقل إليكم أبرزها مع تعليقنا على الفكرة: أولاً: حاول الآغا الدربندي الجمع بين الرضّ وخبر الأسد فقال: "فالجمع والتوفيق بين هذا وبين ما في الكافي والمنتخب: بأنّ ابن سعد (لع) لم يكتف بما في العشرة، بل أراد أنّ يأمر الجنود بأن يوطئوه الخيل، بحيث تنفصل الأعضاء الشريفة بعضها عن بعض، وتتفرّق الأجزاء، فصرف ابن سعد (لع) مجيء الأسد عن هذه الإرادة. وذكر بعد ذلك كلاماً لأحد الفضلاء يشتمل على أفكار باطنيّة وعرفانيّة غير قويمة، وأيّده. ثمّ قال: أنّ الأسد الذي جاء إلى المصرع بدعوة فضّة، غير الأسد الذي كان الجنّ يقولون أنّه أمير المؤمنين عليه السلام". إكسير العبادات:3/153-155. نحن نرى أنّ التخيّل المُفرط والتصوّر المُفتعل والتكلّف الفاضح، يكونا سبباُ في جعل المقاس غير مناسب. وبكلمة واحدة: أنّ هذا التحليل لا تدعمه الوثائق. أضف إلى ذلك أنّه تواجهه الإشكالات المتقدّمة، بل تزيد عليها بما يكتنفه من غرابة التوجيه وعجب التخريج وقصور التصوّر الحاكي إرادة تفرّق الأعضاء، وذلك لأنّ ما روي في خطبة السيّدة زينب عليها السلام يوحي بحصول تفرّق الأعضاء الشريفة في المرّة الأولى حيث ورد فيها: (هذا حسين بالعراء مرمّل بالدماءمقطّع الأعضاء). تاريخ الطبري:4/348، أنساب الأشراف للبلاذري:3/206، الكامل في التاريخ لابن الأثير:4/81، اللهوف لابن طاووس:78، ومثير الأحزان:59 و65، البداية والنهاية لابن كثير:8/210. ومثله بتفاوت بسيط في مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب:3/260. وكذلك ما جاء على لسان الإمام الحسين عليه السلام: (كأني بأوصالي تقطعها (في نسخة تتقطّعها) عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء). اللهوف:38، مثير الأحزان:29، كشف الغمة للأربلي:2/239. وما روي عنه عليه السلام: (كأني أنظر إلى أوصالي تقطعها وحوش الفلوات غبرا وعفرا). مقتل الحسين للخوارزمي:2/8/ف11، والصحيح من مقتل سيّد الشهداء للريشهري:504. وما ذكر في الزيارة المنسوبة إلى الناحية المقدّسة: (السلام على الأعضاء المقطعات). وفي هذا الصدد كتب الشيخ فضل القزويني ما يلي: "وبالجملة هذه الرواية- يقصد خبر الكافي- وإن تعدّ من الأخبار التاريخيّة، لا تعارض ما قدّمنا- يقصد أخبار الرضّ- من نقل الفحول من المحدّثين و المؤرّخين، بل دعوى الاتفاق على وقوع الحادثة. مع أنّه ممّا يمكن الجمع، بل هو الظاهر من متن الرواية، أنّ ما وقع بأمر ابن سعد في عصر عاشورا فبادر عشرة من القوم ففعلوا ما يحرق القلوب، لا ينافي عزم القوم وجمع العسكر تقرّباً لابن زياد وأن يوطئوا جسده الشريف في غد يوم عاشورا كما هو صريح متن الرواية، فلا تعارض بينهما ولا منافاة". الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه:1/370. نقول: بل المنافاة مستقرّة، فبحسب ظاهر خبر الكافي أنّ رضّ الجسد لم يحدث قبل مجيء الأسد. كما أنّه من حقّنا أن نتساءل: ما المانع من رضّه مرّة أخرى إن كان قد حصل قبل ذلك؟ علماً أنّه لم يُعرف من الخزائن المعرفيّة ولم يُذكر في سجلّات التاريخ أنّ جيش يزيد الملعون كان يريد رضّ الأجساد في اليوم التالي مرّة أُخرى بعد الانتهاء من معركة الطّف. ثانياً: قال الشيخ محمّد بن حسن الحرّ العاملي: "أقول: قد روي أنّهم أوطأوا الخيل ظهره وصدره عليه السلام، فلعلّه في وقت آخر بعد انصراف الأسد". إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحرّ العاملي:4/36/ب15. وتكلّم السيّد نعمة الله الجزائري بعد إيراده خبر الكافي بما يلي: "قال مؤلّف هذا الكتاب عفى الله عنه: قد تقدّم أنّهم أوطؤوه الخيل، ولا منافاة بينهما، لجواز أن يكون في يوم مجيء الأسد لم يوطئوه الخيل، وأوطؤوه بعد ذلك". الأنوار النعمانيّة:3/262. وحكى الشيخ عبد الكريم البهبهاني عن الشيخ البرغاني أنّه قال موضّحاً لما ورد في خبر الكافي: "وكأنّ لعنهم الله أرادوا أن يوطئوه الخيل بحيث لا يبقى لجثته أثر، فمنعم الأسد، وإلّا فالعشرة المتقدّمة لعنهم الله قد رضّوا صدره وظهره. ثمّ قال البهبهاني: أقول: قد تقدّم أنّهم لعنهم الله قد أوطؤوه الخيل، ولا منافاة بينها، لجواز أن يكون في يوم مجيء الأسد لم يطئوه الخيل،وأوطئوه بعد ذلك...بل المستفاد من بعض الأخبار أنّ الأخنس بن زيد لعنه الله أُمّر على الخيل وهشّموا بسنابك خيولهم أضلاعه صلوات الله عليه". الدّمعة الساكبة:4/378. وتعليقنا على كلامهم: إنّ ضعف هذا التوجيه لا يخفى على المُنقّب المُتبصّر، وذلك لعدم ثبوت النصّ من جهة، ولعدم ثبوت أنّ المارقين الفجرة قاتلي العترة البررة حاولوا تكرار الفعل الشنيع في اليوم الحادي عشر قبل رحيلهم عن كربلاء من جهة ثانية، ولأنّ العلّة والغاية من مجيء الأسد كانت لحفظ الجثث الطاهرة من الرضّ من جهة ثالثة. فلا معنى للاستنجاد به ليوم العاشر فقط وبعدها كأنّ شيئاً لم يكن! ولتوضيح وتقريب المطلب إليكم فإنّ أمامنا حالتين: الحالة الأولى: إمّا أنّ نقبل أنّ الأعداء لعنهم الله لم يطئوا الإمام الخيل يوم مجيء الأسد في يوم الحادي عشر، وأوطؤوه في يوم آخر بعد رحيل الأسد، وبما أنّنا نجهل مدّة بقاء الأسد لحراسة الجسد الحسيني، فإنّ المُرجّح هو أنّ رحيله كان في ليلة الثاني عشر أو صباح اليوم الثاني عشر، وحينها تمّ تنفيذ مؤامرة الرضّ الشنيعة. لكن في هذه الحالة يتطلّب العلم أو يقتضي الاطمئنان- وذلك بالرجوع إلى النصوص والقرائن- برحيل الأسد في تلك الفترة، وهذا مفقود جزماً. ومنه تعلم ضعف هذا الاحتمال. كما أنّ لازمه يفرض علينا القبول ببقاء الجيش إلى ما بعد اليوم الثاني عشر. ونحن لا نؤمن بذلك وفي أحسن الأحوال نستبعد ذلك جداً لعدم قناعتنا بتوفّر دواعي البقاء هناك. بل إنّ ممّا يشيّد قناعتنا هو الأخبار التي ذكرت رجوع الزنيم عبيد الله بن زياد من منطقة النخيلة إلى الكوفة، وقيام اللئيم ابن سعد بعد القتل مباشرة ـ أي: بعد ظهر يوم العاشر- بإرسال رأس الإمام الحسين عليه السلام إلى اللعين ابن زياد وذلك على يد خولّى بن يزيد. راجع: تاريخ الطبري:4/348، الإرشاد:2/113-114، اللهوف:84، أنساب الأشراف:3/205-206، البداية والنهاية:8/206، البحار:45/62، معالم المدرستين للسيّد مرتضى العسكري:3/141، أنصار الحسين للشيخ شمس الدّين:141. ونخلص من ذلك إلى أنّ تبنّي الحالة (الأولى) بعيد المنال وقبولها غير مستساغ. الحالة الثانية: أمّا أنّ نمشي مع الرأي المُختار والذي اعتمده الكثير وهو: أنّ اللعين ابن سعد سار بالأسرى (سبايا أهل البيت عليهم السلام) بعد زوال اليوم التالي من العاشر، أي: حين كان الأسد موجوداً بحسب ظاهر خبر الكافي، وفي هذه الحالة يقع التصادم بين خبر الكافي والأخبار الكثيرة الدالّة على حدوث الرضّ! ولا مجال للجمع بينها كما نظّن، لتناقضها ومخالفتها للغايات، وقد مرّ الكلام عن ذلك. وعل ضوء هذا الرأي فإنّ حدوث الرضّ لا يمكن أن يكون بعد رحيل الأعداء، ويمتنع وقوعه أثناء وجود الأسد، ولم يتحقّق عندنا أنّ الأسد ذهب واختفى أو قُتل قبل رحيل أعداء آل محمّد من كربلاء. ونخلص من ذلك إلى أنّ الحالة (الثانية) لا يمكن قبولها لبعدها عن الواقعيّة ومخالفتها لموازين المقارنة. وعليه فإنّنا نرى أنّ تحليل القوم مُنكسر وتعليلهم مُندحر، وأنّ لبّ المُشكلة وأصلها هو الرضا بقبول القصّة. هذا تمام الكلام عن الحالتين. ثالثاً: لقد تساءل السيّد العاملي: "ما الدليل على أنّ رضّ جسده الشريف لم يحصل في اليوم الأوّل؟! وهل لانتظارهم إلى اليوم التالي سبب مبرّر؟ وهو يوجب برود المهمّة، وذهاب حالة التشنّج، وتضاؤل الرغبة بهذا الفعل إلى حدّ كبير. ثمّ أضاف: مع التغاضي عمّا ذكرناه- فإن صحّت رواية الأسد- فلعلّ الجسد الشريف قد رضّ بعد الاستشهاد مباشرة، ثمّ كانوا يريدون إعادة الكرّة عليه في اليوم التالي، فمنعهم الأسد". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج19/31-32. ونعقّب على إضافة العاملي نحو ما طرحه هو من إشكال على الرواية، فنقول: هل لإعادة الكرّة سبب مُبرّر؟ أليس التأخير يوجب برود الهمّة وتضاؤل الرغبة بالفعل؟ هذا، مع أنّ ظاهر بعض عبائر الخبر تُوحي بعدم عزم الأعداء على إعادة رضّ الجسد المقدّس مرّة أُخرى، كقول الراوي: "لمّا قُتل الحسين بن عليّ عليه السّلام أراد القوم أن يوطئوه". وقول فضّة: "فأعلمه ما هم صانعون غداً". وقولها: "أتدري ما يريدون أن يعملوا غداً بأبي عبد اللَّه عليه السّلام". ولو تنزّلنا وتساهلنا بقبول افتراضهم- مع أنّنا واقعاً لا نعتقد صحّة افتراضهم كما بيّنا، لكن من باب فرض المُحال ليس بمحال- بأنّ الرضّ قد حصل بالضبط في يوم العاشر وحاولوا تكراره مرّة ثانية، فحينئذٍ يجابهنا السؤال المُتكرّر التالي: أين كانت فضّة عن هذه الجريمة النكراء؟ ولِمَ لمْ تبادر في المرّة الأولى لتتّخذ موقفاً مماثلاً لما صنعته في المرّة الثانية؟! في ذيل البحث نعرّج بكم إلى قضيّة بسيطة ومسألة قصيرة ترتبط به بصورة من الصور، كما أنّها تنطوي على اشتباه بعضهم في تحليلها. لقد حاول بعض الفضلاء تصحيح حكاية حضور الأسد لحماية الجسد بالاستناد إلى الروايات الحاكية بكاء بعض الحيوانات لأجل المظلوميّة على قبر شهيد الغاضريّة. راجع: كامل الزيارات للشيخ جعفر بن قولويه القمّي:165-166/ب26. نقول: إنّ الاستدلال على صحّة قصّة الأسد بروايات بكاء الوحوش على قبر الإمام الحسين عليه السلام وشهادته لا علاقة لها بأصل القصّة من قريب أو بعيد، فالبكاء لا يرتبط بموضوع حماية الأسد للجسد الطاهر. وبتعبير آخر: البكاء شيء وحماية الجسد وحراسته شيء آخر، ونعتقد إنّ أيّ محاولة للتوفيق بينهما هي نوع من خلط الأوراق، فلاحظ. نظنّ أنّه بعد هذا العرض انكشف للقارئ الواعي- ولو بصورة مجملة- نقاط الضعف في قصّة حضور الأسد في الطّف. وعلم أنّ القصّة تتخلّلها الثغرات والهفوات من عدّة جهات،ولاحظ القارئ معنا بعض الخطوات المُتعثّرة والتوجيهات غير المُبرّرة التي أوقعت أصحابها في شَرَك تعسّر الإفلات منه والخروج من قبضته. كما أنّ تلك الإشكالات الظاهرة من متن الخبر والمؤشرّات المجافية للحقائق النابعة منه جعلت الشيخ مطهّري يتأسّف لوجود هذا الخبر الذي اعتبره من التحريفات التي أُدخلت في واقعة كربلاء. راجع: الملحمة الحسينيّة:3/238. وكذلك دفعت السيّد جعفر العاملي إلى أن ينتقده ويسجّل عليه ملاحظاته التي سبق أن ذكرنا بعضها، قال: "وأمّا حديث الأسد الذي جاء وحمى جثّة جسد الإمام الحسين عليه السلام من أن ترضّ بحوافر الخيل، فهو موضع شكّ وريبة". سيرة الحسين عليه السلام في الحديث والتاريخ:ج22/220. فتحصّل ممّا تقدم هبوط القصّة من جهة الاعتبار وسقوطها من جهة الاعتماد. ونقول للباحثين والموالين لا تبيعوا عقولكم لغير البراهين الناصعة والحجّج الجليّة التي لا شبهة فيها، ولا تتهيّبوا من الوقوف أمام الموروث المغلوط، ولا تُجمّدوا نشاط الحجّة الباطنة (الذهن أو العقل) فإنّها حجّة الله القدّوس على النّاس، ولا تخالفوا أوامر الحجّة الظاهرة (الأنبياء والأئمّة) ووصاياه، فهو السبيل إلى مرضاة الله. عليكم أُخوتي وأخواتي باتّباع الحقّ واقتفاء الأثر المُتيقّن فإنّه أولى بالاتّباع وأحقّ بالاقتداء. ونتمنّى أن تتّجه قضايانا نحو التحقيق والتأصيل لنفض الغبار، بدل التجهيل والتغفيل وإسدال الستار. في نهاية البحث نذكر لكم خاتمة نراها نافعة لازمة: لقد مرّ بنا في ثنايا البحث كيفيّة تُمرير الأفكار غير الصائبة وتسويقها، ومن ثمّ قيام الأتباع بتلقّفها. وعرفنا إجمالاً لزوم الاحتراز منها والاحتياط في طريقة تناولها. إنّ السبب الدّاعي إلى إضافة هذه الخاتمة والباعث إلى تحرير سطورها هو أنّنا وجدنا بعض الفضلاء يسعى إلى التقليل من مخاطر هذا الأمر وتمييع شانه. والذي نريد قوله هنا هو: إنّ تبسيط المشكلة لا يُلغي فرض القيام بحلّها والتنبيه عليها، ولا يضع عن كاهل المُتخصّصين مسؤوليّة تقويمها وتهذيبها. كما أنّ أساس المُشكلة لا تكمن في حجم الأخبار المُفتعلة واللقطات الكاذبة وكميّتها، وإنّما بنظرنا تكمن في تقبّل هذا القتام، واستنشاق هذا الغبار، والتسليم له بكلّ اطمئنان. والحقّ أنّ واقعنا- المنبريّ والشعبي- يشهد أنّ بعض الأكاذيب تغلغلت في الوجدان ونفذت إلى العقول وتعُومل معها من قبل المُتعلّمين- فضلاً عن العوام والأميّين والبُسطاء - كأنّها ثوابت، وإلى الآن يجتّرونّ مادتها ويصدحون بها ويتداولون طرحها. والأدهى أنّهم لا يكتفون بذلك، بل يحثّون الآخرين بالرجوع إلى المنابع الهزيلة والمدارك المُلوّثّة، ولم يكتشف بعضهم زيفها الذي تطفح به إلّا من خلال الأصوات الإصلاحيّة والبحوث التحقيقيّة. قال المُحدّث النوري في حملته التصحيحيّة وهو ينتقد بعض الأخبار: "إنّ وجود هكذا أخبار ضعيفة- لا أصل لها ولا مأخذ، مقرونة بكلّ هذه الأسباب المُضعفة- في أحد الكتب ممّا يراد منه تحقيق بعض الأغراض الفاسدة...وثمرته الواضحة إدخال الوهن العظيم على الدّين ومذهب الجعفريّة، وتقديم أسباب السخرية والاستهزاء". اللؤلؤ والمرجان:229. وقال أيضاً: "فهذه المطالب الضعيفة الواهية والأخبار المختلقة، حينما يدرجها المُؤلّفون في كتبهم، يُسلّطون بذلك الأعداء على أنفسهم". اللؤلؤ والمرجان:119. وبيّن الشيخ فضل عليّ القزويني الأتي: "وقد مرّ أنّ في كتب المقاتل سيّما في كتب المُتأخّرين وسيّما في الكتب الفارسيّة أموراً ووقائع ذكروها في يوم عاشوراء لم يكن لها مسند، ولم تُذكر في الكتب المُعتمدة، أعرضنا عنها لعدم الاعتداد بنقلها ولا الاعتماد بناقلها". الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه:1/263. وانظر صفحة:255. وعبّر الشيخ محمّد أصف محسني عن هذا المستوى بقوله: "لزوم الاحتراز عن العقائد والثقافات المجهولة، أو المجعولة، فإنّها أضرّ للإنسانيّة من أكل الأطعمة المسمومة المشتملة على الجراثيم المُضرّة بالصحّة، إذ صحّة الروح أهم من صحّة الجسم". مشرعة البحار:2/150. ونصح الشيخ البهجة ألموالين بهذه الجملة: "يجب التدقيق كثيراً في نقل حوادث الإمام الحسين عليه السلام، ربّما الكثير ممّا يُقال لا يكون صحيحاً...حين التبليغ يجب أن نسعى بأن ننقل يقينيّات القرآن والعترة، ولا نكتفي بمسموعاتنا دون مراجعة الدليل أو الكتاب، وان نستند على الأقلّ على نفس الكتاب الذي ننقل منه". الرحمة الواسعة:231. من المعلوم عندكم أيّها الكرام أنّ الكثير من النّاس- إن لم يكن الأغلب- لا يُحبّذ إتعاب عقله بالبحث والفحص، ولذا ترى ثقافته سمعيّة (تعتمد على التلقين والإملاء)، ومعارفه اتّكاليّة غير تدبّريّة، بمعنى أنّه يستسهل أخذها جاهزة ومعلبّة من أفواه الرجال والأوراق الصفراء، لا أنّها بحثيّة وتنقيبيّة. ولا يخفى على المُتدّبر وأهل الدراية أنّ من أخذ دينه من أفواه الرجال- من دون رجوعه إلى الحقول المعرفيّة والآثار الشرعيّة- أزالته الرجال. وبالتالي فإنّ من كان هذا حظّه ومنهجه يصعب عليه كشف نسبة الزبد وحجم الضرر، ولا يتأتى له معرفة كميّة الزيف ومقدار الثلم بسهولة ويُسر. وقد لا نعدم الصواب إذا قلنا: أنّ أكثر الرعاع والدهماء وبالخصوص المُجتمعات الفقيرة المعرفة والحال، تنطلي عليهم ألاعيب القادة، وتفوتهم تمويهات الرموز، ولا يتنبّهون إلى أغراضهم الحقيقة ومقاصدهم، فتراه يُطبّل لهم ويُبرّر، ويُدافع عن هذيانهم وتهويلاتهم. ولذا تشاهد بأمّ عينك ابتعاد مسيرنا عن جادّة الصواب، والعواقب الوخيمة التي مُنينا بها. إذن لا بدّ من معالجة الحالة المرضيّة المُستشرية وحضور المُعالج، وهنا تأتي وظيفة الراعي والمُصلح لرتق ما انفتق وسدّ ما انخرق، أو لا أقلّ محاولة منع تفشّي الجُرثوم المُهلك وسريان السموم بتخفيف المضارّ وتقليل الآلام. والحقيقة أن هذه المطالب أو التوصيات ليست من نتاجنا، وإنّما هي قديمة بقدم انتشار الإسلام، فقد روى الفريقان في مجاميعهم حديث: (كُلكم راع وكُلكم مسؤول عن رعيّته). صحيح البخاري للشيخ محمّد بن إسماعيل البخاري:1/215/كتاب الجمعة، عوالي اللئالي العزيزيّة للشيخ محمّد بن عليّ المعروف بابن أبي جمهور الأحسائي:1/129/ف8، البحار:27/38/ب35/36. ويحدّثنا الشيخ البهجة ما هو المُستفاد من الحديث بحسب فهمه فيقول: "أنّ كلّ شخص من أهل الإيمان يجب أن يكون مُعلّماً للآخرين فيما يتعلّق بما يعلم، ولو كانت كلمة واحدة". الرحمة الواسعة:221. وذكر المحدّث النوري في كتابه اللؤلؤ والمرجان الكثير من القضايا المُخترعة والمغلوطة التي تُذكر في المحافل وتُبثّ في المجالس، ثمّ قال: "إلّا أنّها غُصّة كانت في القلب وستبقى، حسبما يوحي به الوضع العام لسيرة العوام، وعدم اعتناء العلماء العظام بتقويمه وتصحيحه، فكان ذلك منّي مُجرّد إظهار التأسّف للإخوان المؤمنين". اللؤلؤ والمرجان في آداب المنبر:140. وفي هذا الصدد كتب الشيخ مطهّري العبارة التالية: "إنّ الواجب الأوّل والمُهمّة الأولى للعلماء هي في مُحاربة نقاط الضعف لدى النّاس وليس استغلالها، ففي قضيّة مثل قضيّة عاشوراء...إنّ من واجب العلماء النضال ضدّ عوامل ظهور التحريفات...وإعلان الحرب ضدّ فكرة صناعة الأساطير والخرافات...يجب على العلماء أن يضعوا المتون الواقعيّة للحديث المسند بيد النّاس...ويكشفوا الكذب، ويصرّحوا عنه بكلّ وضوح". الملحمة الحسينيّة:3/374-375. وجاء في نهج البلاغة عن الإمام عليّ عليه السلام: (ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلّموا، حتّى أخذ على أهل العلم أن يُعلّموا). نهج البلاغة:4/110/478. قال الشيخ ميثم البحراني موضحّاً: "لمّا كان التعلّم على الجاهل فريضة ولا يمكن إلَّا بمُعلَّم عالم، كان وجوب التعلَّم على الجاهل مُستلزماً لوجوب التعليم على العالم". شرح نهج:5/467. وروي عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (قال رسول الله عليه السلام: طلب العلم فريضة على كلّ مسلم، ألا إنّ الله يُحب بغاة العلم). الكافي للشيخ الكليني:1/30/كتاب فضل العلم/باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه/1. تعقّبه الكاشاني بقوله: "بيان: العلم الذي طلبه فريضة على كلّ مسلم: هو العلم الذي يستكمل به الإنسان بحسب نشأته الأخروية، ويحتاج إليه في معرفة نفسه ومعرفة ربّه ومعرفة أنبيائه ورسله وحُججه وآياته واليوم الآخر، ومعرفة العمل بما يُسعده ويُقرّبه إلى اللَّه تعالى وبما يُشقيه ويُبعده عنه جلّ وعزّ. ويختلف مراتب هذا العلم حسب اختلاف استعدادات أفراد النّاس واختلاف حالات شخص واحد بحسب استكمالاته يوماً فيوماً، فكلّما حصل الإنسان مرتبة من العلم وجب عليه تحصيل مرتبة أخرى فوقها إلى ما لا نهاية له بحسب طاقته وحوصلته. ولهذا قيل لأعلم الخلائق « قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً » سورة طه:114. وقيل وقت الطلب من المهد إلى اللحد، هذا أقوم ما قيل فيه. وبغاة العلم: طلّابه، جمع باغ كهداة جمع هاد، وباغ العلم عرفاً: من يكون اشتغاله به دائماً بحيث يُعرف به ويُعدّ ذلك من أحواله كما هو ظاهر". الوافي:1/125-126. إضافة إلى ما تقدّم بيانه عن أهل العلم والفضل، فقد ورد الترغيب لما يمكن أن يشمل غيرهم بمذاكرة العلم وتفهّمه، ففي المروي عن منصور الصيقل قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: تذاكر العلم دراسة، والدراسة صلاة حسنة). الكافي:1/41/باب سؤال العلم وتذاكره/9. قوّى سنده الشيخ محمّد تقي المجلسي في كتابه روضة المتقين:12/166. وللإعلام فإنّ منهج الشيخ المجلسي الأوّل في التوثيق غير متشدّد. قال الشيخ الفيض الكاشاني شارحاً له: "بيان: الدراسة القراءة مع تعهّد وتفهّم". الوافي:1/183. وأنت خبير بأنّنا لو تمكّنا من أخذ قسط وافر من هذا العلم وتفقّهه، وتحلينا بهذا المقدار من خزينه ومعارفه، لما استطاع المُقابل خداعنا بسهولة والتغرير بنا والأخذ بقيادنا. وفي هذا السياق يقول الشيخ آل السيف: "من المهمّ جداً أن يُشعر الخطيب أنّ النّاس قد ائتمنوه على أفضل ما عندهم، وأعطوه عقولهم لينقش فيها على مدى ساعة من الزمان أو نصفها ما يريد، فليتّق الله في هذه الأمانة، ولا يصبّ في تلك العقول إلّا ما ينفعها في دنياها وأخراها". من قضايا النهضة الحسينيّة:164. وأضاف في صفحة أُخرى: "إنّ ما يُنقل في بعض الحالات من الكتب غير المعتبرة، أو على ألسن بعض الخطباء من غير تحقّق، ربّما أنتج آثاراً سلبيّة معاكسة على قوّة الولاء، وذلك أنّ جيل اليوم هو جيل ناقدٍ واعٍ، وقد توفّرت بين يديه الكثير من وسائل المعرفة، فإذا لم يتمّ التدقيق في هذه الروايات، واستبعاد غير الصحيح منها، مع وضوح شناعتها في بعض الحالات، يُخشى أن يسري الأمر إلى الثابت المُحقّق من السيرة، فيتمّ رفضه". من قضايا النهضة الحسينيّة:201. وبما أنّ الحكمة ضالّة المؤمن حيثما وجدت فهو أحقّ بها، ولا ضير عليه حين يلتقطها، فينبغي الاستفادة من هذا التقعيد والتأسيس المُشعر بتذليل بعض الصعاب وفتح بعض الأبواب. بقي أن نقول أنّ العبرة العظمى والفائدة الكبرى لا تكمن في نقل الحديث وترتيل النصوص، وإنّما القيمة الحقيقيّة برعايتها ودرايتها، فعليك أيّها القارئ والمتابع بالدرايات لا بالروايات، وحديث تدريه خير من ألف حديث ترويه، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان، كما جاء ذلك في كتاب معاني الأخبار للشيخ الصدوق:1-2/للباب الذي من أجله سمّينا هذا الكتاب معاني الأخبار، ومستطرفات السرائر للشيخ محمّد بن إدريس الحليّ:266. وعليه فالأوفق بالمؤمن والباحث أن لا يجعل غايته نقل الأحاديث وهدفه تعميم الروايات والأخبار التي لا يعلم وثاقة مداركها واعتماد أسانيدها وطبيعة صدورها، ولا يُدرك مقدار معارضتها أو موافقتها للكتاب والسنّة النبويّة المعلومة والروايات المعصوميّة الثابتة، ولا يدري بقاءها ومنسوخيتّها وما إلى ذلك. ويشهد بذلك ما جاء في كتاب الكافي في المرويّ عن أبي سعيد الزهري عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه). المحاسن للشيخ أحمد البرقي:1/215/كتاب مصابيح الظُلم/ب8/102، والكافي:1/50/باب النوادر/9. الرواية ضعفّ سندها الكثير وصحّحه المجلسي الأوّل في روضة المتّقين:12/169. وقد تعرّض الأفاضل قديماً وحديثاً إلى شرح هذه الرواية نقتطف لكم باقة من بياناتهم. قال الشيخ المازندراني: "فمعنى إحصاء الحديث: علمه بجميع أحواله وحفظه من جميع جهاته التي ذكرناها في محلّه. والمعنى: أنّ ترك رواية حديث لم تحمله على الوجه المذكور خير من روايتك إيّاه، لأنّك إن رويته هلكت وأهلكت الناس بمتابعتهم لك فيما ليس لك به علم، وإن تركت روايته سلمت وسلم الناس من الوقوع في الضلال". شرح أصول الكافي:2/198. وقريب من هذا المعنى نجده في الحاشية على أصول الكافي للشيخ محمّد النائيني:175. وكتب الفيض الكاشاني: "بيان: الاقتحام في الشيء رمي النفس فيه من غير رويّة. والإحصاء: العدّ والحفظ والإحاطة بالشيء، والمعنى: أنّ تركك رواية حديث قد أحصيته فلم تروه، خير من روايتك حديثاً لم تحط به. فإذا تردّد الأمر بين أن تترك حديثاً قد رويته ولم تحط به ولم تحفظه على وجهه ولم تكن على يقين ومعرفة بأنه كما هو عندك، وبين أن ترويه، فالأولى أن لا ترويه. لأنّ في رواية الحديث منفعة، وفي رواية ما ليس بحديث على أنّه حديث مفسدة، ودفع المفسدة أهمّ وأولى من جلب المنفعة. وفي نهج البلاغة: من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن عليه السّلام: (ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لا تكلف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإنّ الكفّ عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال)". الوافي:1/194. ونُقل عن السيّد حسين البروجردي أنّه قال: "ومفادها أن نقل الحديث لا يجوز إلّا مع الإحاطة بحدوده وأطرافه، وإلّا فيدخل في عنوان الافتراء". نهاية الأصول تقرير بحث البروجردي للشيخ حسين منتظري:ج1 و2/575. وأعطى الشيخ موسى تبريزي بعض الوجوه المحتملة، منها: "قوله (لم تروه) من الرّوية، بمعنى: التفكر، بأن كان حرف المضارعة مضمومة والرّاء بعدها مفتوحة والواو بعدها مكسورة مشدّدة. والمعنى حينئذٍ: تركك حديثا لم تتأمّل في سنده أو معارضه أو دلالته خير من روايتك أحاديث لم تحط بها كثرة". أوثق الوسائل في شرح الرسائل:273. جعلكم المولى سبحانه وإيّانا من المُتفقّهين والمُتبصّرين والمُتثبّتين. ملحوظة: حول الشعار الذي يرفعه بعض المؤمنين وهو: (كلّ أرض كربلاء وكلّ يوم عاشوراء). أحببنا أن ننبّه على أنّ حقيقة هذا الشعار مأخوذ من أصحاب الطريقة الصوفية، فراجع المنح المكيّة في شرح القصيدة الهمزيّة للشيخ أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي:529-530. وكذلك نوّد التحذير من رواية مُختلقة نُسبت إلى الإمام الباقر عليه السلام جاء فيها: (لولا خوفنا على شيعتنا من الموت لروينا لهم ما جرى في كربلاء). وآخر دعوانا أن الحمد لله تبارك وتعالى وصلّى الله على النبيّ الأمين والميامين من آل طه ويس وسلّم تسليما. أخوكم جعفر صادق الحسيني |
ملاحظة مع التقدير لجهودكم
سلام عليكم
بعد التحية لكم والشكر للاستجابة لطلب الحذف. أورد أن أنبّه إلى أن الخبر الثاني من الكافي موجود لم يحذف. فأرجو حذف الخبر الثاني من الكافي لموضوع المناقشة الجادّة لقصّة حضور الأسد في كربلاء لزيادته عن الحاجة، لأني رفعت كلّ الموضوع في صفحة واحدة فلا حاجة للخبر الثاني من كتاب الكافي. ودمتم سالمين. |
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم يا الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته احسنت الاختيار سيدي الكريم وطيب الله تعالى انفاسك وجعلك وحشرك وايانا مع سيد الموحدين وامام المتقين روحي لتراب نعليه الفداء أما بعد اسمح لي أستاذي الكريم بطرح بعض الأمور التي اتمنى على شخصك الكريم أن تنورني بالأجابة عنها ولك مني كل الاأحترام والتقدير اولا أني رأيت هذا الموضوع في هذا المنتدى الكريم وفي منتدى الكفيل بأسم أحدى الأخوات ولا أعلم هل نسخ الى مواقع أخرى أم لا ولكون هذا الموضوع من أشد المواضيع العقدية حساسية لكوني أعتقد جازما أن أهل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم سيدي ومولاي المعظم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام روحي لتراب نعليه الفداء هم أكثر من ظلم تاريخيا وعلى مستوى شيعتهم قبل أعدائهم لأن الشيعي والمحب الموالي يجب أن يكون على درجة عالية جدا من المعرفة بمن ياخذ دينه منه وهذا ما اشار به المولى المقدس الى سلمان وأبا ذر عليهم الرحمة وهي ذاتها محل أشكالاتك عليها معرفته عليه السلام بالنورانية أنا كتبت هذه السطور على عجالة وسأشير لبعض ما أعتقده أنه كان تناقضا في بعض مفردات ما أشكلت عليه أستاذي الكريم , وأتمنى من جنابكم الفاضل تنويرنا به أحد الامور التي أشكلت فيها على كلام الامام المقدس قوله عليه السلام ومنها: قوله عليه السلام: (وقولوا في فضلنا ما شئتم، فإنّكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته، فانّ الله عزّ وجلّ قد أعطانا أكبر وأعظم ممّا يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم، فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون). إذا كان المعنى أن لا أحد يعرف كنه معرفته، فإنّ العبارة يصعب قبولها، لأنّ الذي لا يُعرف كنهههو الله تبارك وتعالى، فقد روي في الحديث المرسل عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: (لو عرفتم الله حقّ معرفته لزايلت بدعائكم الجبال الراسيات، ولا يبلغ أحد كنه معرفته، فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، الله أعلى وأجلّ أن يطلّع أحد على كنه معرفته). عوالي اللئالي للشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي:4/132/225. ويؤيّده ما جاء في دعاء يوم الإثنين من الصحيفة السجّاديّة: (وانحسرت العقول عن كنه معرفته). أستاذي الفاضل إذا كان المعنى أن لا أحد يعرف كنه معرفته، ومن ثم تردف بقولك : لأن الذي لايعرف كنهه هو الله تعالى وتستدل على ذلك ولكن سيدي الفاضل شتان مابين معرفتين وأنت سيد العارفين فهناك معرفة الصفات الذاتية و معرفة الصفات الفعلية فأما الأولى فهي الصفات التي يكون ثبوتها لله تعالى من خلال لحاظ الذات الإلهية فقط، ومن دون لحاظ أي شيء آخر . مثال ذلك: الحياة، العلم، القدرة . وهذه ممتنعة إلا من الذات الألهية المقدسة وأما الثانية وهي معرفة الصفات الفعلية : وهي الصفات التي يكون ثبوتها لله تعالى من خلال لحاظ الأفعال الإلهية . أي: هي الصفات التي يتّصف بها الله من خلال الأفعال الصادرة عنه . مثال ذلك: الخالق، الرازق، الغافر ومما لاشك ولا ريب فيه أن هذه الصفات قد وهبها الله تعالى ليس فقط لأل بيت النبوة الكرام بل هي ثابتة للملائكة والانبياء والرسل والشواهد على ذلك من القران العظيم كثيرة ولكن على رأس ومقدمة الملائكة والأنبياء والرسل هم محمد وأل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو القائل سبحانه وتعالى قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا واخرنا واية منك وارزقنا وانت خير الرازقين من هم هؤلاء الرازقين المذكورين من قبله سبحانه وتعالى ؟ وكذلك : ثم ردوا الى الله مولاهم الحق الا له الحكم وهو اسرع الحاسبين من هم هؤلاء الحاسبين المذكورين من قبله تعالى ؟ وكذلك : قال رب اغفر لي ولاخي وادخلنا في رحمتك وانت ارحم الراحمين من هم هؤلاء الراحمين المذكورين من قبله تعالى ؟ بل الله مولاكم وهو خير الناصرين وكثير من الأدلة القرأنية التي تعاضد هذا الكلام وتفسيره ماجاء في دعاء الناحية المقدسة لإمامنا المفدى روحي لتراب نعليه الفداء كما جاء بالزيارة الرجبية قوله : لافرق بينك وبينها إلا إنهم عبادك وخلقك وكذلك ماورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله لنا مع الله حالات نكون فيها هو نحن ونحن هو ولكن يبقى هو هو ونحن نحن ! ورد هذا الكلام في كتاب (الكلمات المكنونه) للفيض الكاشاني، وكتاب (مصباح الهداية) للسيد الخميني (قدس) حيث كان بصدد الرد على كلام الصوفية وتبيان المذهب الحق في المسألة. وقولهم (عليهم السلام) هذا ليس فيه دلالة على ما ذكرت، فإن قوله: (لنا مع الله حالات هو فيها نحن ...) الخ، ناظر إلى حالات الإتحاد في الهوية، أي أنّ لنا مع الله تعالى حالات نكون في هذه الحالات لشدّة الإتصال به عزّ وجلّ والقرب منه كأننا هو، إذ تغيب إنياتنا في هذه الحالات لاندكاكها في عظمته، فنكون مظهراً لأمر الله وفعله، فإذا قلنا فالله تعالى هو القائل بنا وإذا فعلنا فالله تعالى هو الفاعل بنا، فبلحاظ هذه الحالات يكون فعلنا وقولنا فعل الله وقول مع أنه أجل وأعلى من أن يتحد بنا لأننا نحن وهو الله، وكذلك نكون كأننا الله عز وجل مع إننا عبيد له. وعليه استاذي الفاضل مايشير أليه الإمام المقدس أمير المؤمنين عليه السلام بقوله ولن تبلغوا كنه معرفته فهذه حقيقة لاغبار عليها لأنه عليه السلام يقصد معرفة الصفات الفعلية لا الصفات الذاتية وهذه الصفات الفعلية قد ثبت من القران الكريم وأقوالهم عليهم السلام أتحادها بينهم وبين الله تعالى تقدست اسمائه الحسنى فهم يملكون مايملك سبحانه وتعالى من صفات الأفعال وبذلك صاروا مظهرا له سبحانه وتعالى وهو يملكهم لأنهم خلقه وعبيده وهنا أستحالة معرفة كنههم كما قال عليه السلام وليس من الصحة بمكان أن نرد كلام الإمام المقدس من دون تدقيق وتمحيص ومن نحن لكي نفعل ذلك فإذا كان أحد أنبياء أولي العزم وهو كليم الله تعالى موسى على نبينا وآله وعليه السلام لم يكن قادرا على بلوغ كنه فعل الخضر عليه السلام فهل نحن قادرين على معرفة كنه أمير الموحدين سر الله , وعيبة علم الله , وخازن علم الله وأسم الله الاعظم , وجنب الله , ويد الله , ونبأه العظيم وصراطه المستقيم , ومن هو عنده علي حكيم علي المولى العظيم المقدس ؟ إلى هنا أكتفي أستاذي الكريم ولي عودة أن شاء الله تعالى شكرا لسعة صدرك سيدي الفاضل خادمك وبخدمتك |
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حمدا يوازي نعمه اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم يا الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعدنا ايها الأستاذ الفاضل ان لنا رجعة على موضوعكم القيم حديث المعرفة بالنورانية واستكمالا لما سقناه من قبل نقول بعد الاستعانة بالله تعالى جنابكم الكريم أستفتحت كلامك بالموضوع بهذا الحديث الشريف إعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية من هنا أنا أسألك أستاذي الكريم هل يجوز أن نجتزأ كلام السادة العظام من الذوات المقدسة وعلى رأسهم مولانا المفدى المقدس أمير المؤمنين عليه السلام روحي لتراب نعليه الفداء ؟ بمعنى نأخذ ما نشاء ونترك ما نشاء أم هو كلامهم حكمه حكم القران الكريم يفسر بعضه بعضا كما جاء بصريح كلامهم عليهم السلام , كيف لا والإمام علي هو القران الناطق وعلى هذا الأساس كلمة إعقلوا كلمة شمولية لكل حديثهم عليهم السلام دون أجتزاء ومن هنا سيدي الفاضل جنابك الكريم أخذت العبارة التالية وبنيت عليها حكما وأستنتاجا : قال صلوات الله عليه: مرحبا بكما من وليّين متعاهدين لدينه لستما بمقصّرين، لعمري أنّ ذلك الواجب على كلّ مؤمن ومؤمنة، ثمّ قال صلوات الله عليه: يا سلمان ويا جندب! قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال عليه السلام: إنّه لا يستكمل أحد الايمان حتّى يعرفني كنه معرفتي بالنورانيّة، فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفاً مستبصراً، ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاكّ ومرتاب...لا تجعلو أما أعتراضك وأستنتاجك كان : منها: قوله عليه السلام: (ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاكّ ومرتاب). لم يرد في النصوص المعتبرة أنّ من لم يعرف المعصوم بهذه المعرفة النورانيّة فهو شاكّ ومرتاب، بل هذا يتقاطع مع الكثير من النصوص المعتبرة الحاكية بأنّ الاعتقاد بأهل البيت عليهم السلام أنّهم مفترضوا الطاعة ومعصومون يعدّ من الإيمان، وأنّ هذه المعرفة كافية مجزية، سواء كان المعنى منها أنّ معرفة الموالي يلزم أن تكون معرفة نورانيّة أو أنّه يلزم الموالي معرفة إمامه المعصوم بحقيقته النورانيّة. وهنا سيدي الفاضل كان محط أبتلاء الأمة بأكملها إلا مارحم ربي وهو كما تقول نصا : بأن الاعتقاد بأهل البيت عليهم السلام أنهم مفترضوا الطاعة ومعصومون يعد من الأيمان ولكن سيدي الفاضل جنابك الكريم لم تركز ولم تتطرق لأهم عبارة في قول مولانا المقدس عليه السلام وهو قوله : إنّه لا يستكمل أحد الايمان وكلمة لايستكمل تشير بوضوح تام أن اليمان ليس مرتبة واحدة بل هو عدة مراتب !! ومن يعرف الإمام بالمعرفة النورانية يجب عليه أن يقطع درجات تلك المراتب فيصل إلى أعلاها وكما وصفها الإمام المقدس لايستكمل فإذا ما أستكملها فهو مؤمن كامل الإيمان ويكون مؤهلا لأن يعرف إمامه بالمعرفة النورانية في حين أن جنابك الكريم قلت : بأنّ الاعتقاد بأهل البيت عليهم السلام أنّهم مفترضوا الطاعة ومعصومون يعدّ من الإيمان، ولكن سيدي الكريم أوليس الأعتقاد يقع كذلك على عدة مراتب أعتقاد بالجنان و تصديق باللسان و عمل بالأركان كما قسمه المولى المقدس عليه السلام فهل مجرد الأعتقاد بمعصومية الإمام وكونه مفترض الطاعة تجعل من المؤمن كامل الإيمان ! هذا مانفاه مولانا المقدس أمير المؤمنين عليه السلام وجعل المعرفة النورانية هي نهاية سلم الإيمان وليس (( من الإيمان )) كما ورد في عبارتك أعلاه ف (( من )) تبعيضية وصار مجرد الأعتقاد جزء من الإيمان وليس كله وهنا أرى من المناسب أن أستشهد بواقعة شهودها هم نفسهم رواة هذا الحديث سلمان وأبار ذر عليهم رضوان الله تعالى يروى أن في يوم من الأيام سأل النبي المعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم روحي لتراب نعليه الفداء سأل أبو ذر عليه الرحمة فقال له : (( لو أن الحسن والحسين جاؤك فأخبروك أنهم تركوا أباهم الإمام علي يشرب الخمر فماذا تقول ؟؟ قال أبو ذر يارسول الله إن مولاي علي لايفعلها فقال الرسول المعظم صلى الله عليه وآله وسلم : صدقت يا أبا ذر أنت على الإيمان ثم جاء من بعد ذلك سلمان عليه الرحمة فقال له الرسول المعظم صلى الله عليه وآل نفس السؤال فقال سلمان : أصدقهما (( أي الحسن والحسين )) وأذهب لأشرب الخمر مع مولاي الإمام علي عليه السلام !!! هنا قال له الرسول المعظم صلى الله عليه وآله : لقد أستكملت مراتب الإيمان ياسلمان !! هنا قال له الرسول المعظم لسلمان أستكملت وفي حديث النورانية يقول له المولى المقدس : لايستكمل أوليس ابا ذر مؤمن من خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين , أوليس هو يعتقد بمعصومية الإمام الحسن والحسين ومن قبلهما بمعصومية الإمام علي عليه السلام ؟ لماذا أعتقاده هذا لم يجعله يصل لمرتبة سلمان عليه الرحمة ؟ هنا يأتي تفصيل ماقلناه سابقا أستاذي الفاضل أن الأعتقاد مراتب أعتقاد بالجنان وتصديق باللسان وعمل بالأركان ففي هذا الحديث الشريف كان موقف سلمان هو الأقرب لكمال الإيمان بسبب أولا من طرح التسائل هو الساحة القدسية المحمدية صلى الله عليه وآله وسلم وهو معصوم مفترض الطاعة وناقل الخبر الحسن والحسين عليهما السلام وهما معصومين مفترضي الطاعة وصاحب الفعل هو الإمام علي عليه السلام وهو معصوم ومفترض الطاعة حسب أجابة أبا ذر يكون هناك من دون قصد ودراية تكذيب لأحد الأطراف الثلاثة المقدسة ؟؟ في حين في جواب سلمان عليه الرحمة كان تصديق للذوات المقدسة جميعا هنا يأتي دور أستكمال الإيمان وصحة الأعتقاد أما مجرد الأعتقاد لايوصلنا لمرتبة النورانية التي وصلها سلمان عليه الرحمة كما قال له نبينا المقدس صلى الله عليه وآله وسلم وعليه ورد في الحديث المشهور عن مولانا المقدس أمير المؤمنين عليه السلام روحي لتراب نعليه الفداء عن العلاقة بين سلمان وأبا ذر قوله عليه السلام : لو كان أبا ذر يعلم مابداخل سلمان من علم لكفرهُ ثم لقتله !! الى هنا أكتفي بهذا القدر سيدي الفاضل ولي رجعة أخرى أن شاء الله تعالى خادمكم وبخدمتكم |
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالميــن اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياالله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أستكمالا لما بدأناه بإيراد بعض ماوجدناه متناقضا للواقع والمرويات عن الذوات القدسية للعترة المحمدية الطاهرة من كلام الاخ السيد الفاضل صاحب المنشور نقول عودا على أعتراضك أيها السيد الفاضل على هذا المقطع : إذا كان المعنى أن لا أحد يعرف كنه معرفته، فإنّ العبارة يصعب قبولها، لأنّ الذي لا يُعرف كنهه هو الله تبارك وتعالى، ذكرت سيدي الفاضل أن ليس من العقل والحكمة أن نرد حديث المعصوم عليه السلام مهما كان مقامنا ومهما أوتينا من العلم خاصة إذا كان هذا الحديث يتطرق عن خصوصياتهم عليهم السلام ومقاماتهم ومن المناسب هنا إيراد بعض ماروي عن مولانا المقدس الإمام الرضا عليه السلام روحي لتراب نعليه الفداء وهو يشرح بعض مقامات الإمامة فيقول : إنّ الإمامة أجلُّ قَدْراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غَوراً من أن يَبلُغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم... عقولهم ===== هنا تكمن العبرات سيدي الفاضل إن كل ماوقع به من قبلنا من بني جلدتنا من ذرية أبينا آدم على نبينا وآله وعليه السلام هو بسب عقولهم ===== دائما وأبدا كانت البشرية على مدى التاريخ تتعامل مع عالم الشهادة والمحسوسات على إساس تفسير الظواهر ومانالته أيديهم وتناهت اليه عقولهم على إن مامن شيء إلا ويستطيعون أن يدركوه أو يعقلوه بقدراتهم العقلية وعليه فقد وقعت البشرية بين فكي خطيئتين أحلاهما مر وكل واحدة أدهى وأعظم كفرا من أختها فكان بني البشر عندما يعترضهم عارض بكل تأكيد يتصدون لمعرفته ومعرفة خصوصياته وبكل تأكيد يكون العقل هو إمامهم لمعرفة خصوصية تلك الماهيات وتفسيرها ولكن عندما ينصدم العقل ويكون عاجزا تماما عن بلوغ معرفة تلك الماهيات او الظواهر أو الأشياء سميها ماشئت ماذا كانت تفعل تلك العقول : كانت ترتكب تلك الخطيئتين : إما التكذيب للظاهرة جملة وتفصيلا وإما أن تنسبها إلى عالم الخرافات والخيال والوهم وعندنا شواهد كثيرة في التاريخ مصداق لما ذكرنا ونأخذ على سبيل المثال نبينا المعظم صلى الله عليه وآله وسلم روحي لتراب نعليه الفداء لقد جآء إلى قريش بما يذكره التاريخ مايقارب 4000 آلاف معجزة فماذا كان جواب قومه الفريق الأول أتهمه بالسحروالجنون وقال ساحرٌ أو مجنون ! كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ وأما الفريق الثاني فاتهموه بالكذب فقالوا : كذاب أشر ! أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ وأما من لم يكن من هاذين الفريقين فيحاول أن يفسر تلك الماهيات وتلك الذوات المقدسة بما يحلوا له مما يعتقده أنه هو الأقرب للصواب بل هو الحق المبين وإذا بحقيقة الواقع يكون من المخدوعين وممن يوصفون بالجهل المركب وهو أنهم لايعلمون أنهم لايعلمون !! فأين تكمن خطيئة بني آدم ؟ إن أصرارنا نحن بني آدم على أن نفسر كل شيء بعقولنا فتلك هي مصيبتنا !! وقول المعصوم أعلاه حجة بالغة : يَبلُغها الناس بعقولهم والسبب واضح وبين هؤلاء الذوات المقدسة هم مظاهر لأسماء الله تعالى والله تعالى هو الحق المطلق وهو المحيط بما خلق وتلك الذوات المقدسة هي مظهرا لتلك الذات المحيطة القدسية الألهية وهم خزّان علم العليم أما نحن فأقل قدرا من أن نفسر بعض مايعترينا ويعتري أجسامنا من ظواهر فهل نحن قادرين ونحن على قصورنا ان ندرك حقيقة الوجود المطلق ! فمصيبتنا هي أننا دائما ً عندما نتصدى لنفسير كلامهم عليهم السلام نقوم بعرض أفعالهم وأقوالهم على (( عقولنا )) فإن أبت عقولنا أن تفسر أو تعقل تلك الأعمال أو الأفعال سارعنا إلى إما تؤيلها أو تفسيرها وفق تصوراتنا وعلمنا القاصر أو الخطيئة الثانية أن نكذبها جملةً وتفصيلا ! وهذه هي ديدننا إلا مارحم ربي وفي المثل الذي أوردناه عن أبا ذر وسلمان عليهما الرحمة مصداق لما نقول أما أبا ذر فعرض فعل الإمام المعصوم على عقله فأبى عقله أن يتقبله ! فقال الإمام علي لايفعلها ! وأما سلمان فعرض عقلهُ على فعل الإمام (( المعصوم )) فعلم أن عقله قاصر أن يرتقي لمرتبة فعل المعصوم فجزم بصحة فعل الإمام و (( قصور عقله )) عن بلوغ كنه فعل الإمام فعلم بأن تكليفه الشرعي هو تصديق الإمام المعصوم والإنقياد لقوله وفعله والتسليم المطلق له عليه السلام ومناسب هنا أن نذكر بالحديث الشرف الذي عُرف بحديث القطع ياعلي لايعرف الله إلا أنا وأنت ولايعرفني إلا الله وأنت ولايعرفك إلا الله وأنا وكما ورد في كتاب بحار الأنوار وكتاب مدينة المعاجز ومختصر بصائر الدرجات ومناقب آل أبي طالب وغيرها وهذا نص صريح ممن لاينطق عن الهوى بالقطع اليقين أن لا أحد يعرف الإمام علي عليه السلام إلا الله تعالى ونبيه العظيم صلى الله عليه وآله وسلم وهذا الكلام يتعارض مع جملتك التي أوردتها قائلا : إذا كان المعنى أن لا أحد يعرف كنه معرفته، فإنّ العبارة يصعب قبولها، فأستنتاجك هذا في واد وحديث القطع للنبي المعظم في واد آخر !! وكذلك قول الإمام الرضا عليه السلام : الإمام واحد دهره، لايُدانيه أحد، ولا يُعادِلُه عالِم، ولا يوجد منه بدل ولا له مِثْلٌ ولا نظير... فمَن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره ؟! هيهات هيهات وخلاصة القول ليس من الصعب قبولها كما تقول سيدنا الفاضل فكل مانحتاجه من بضاعة هي كلمة واحدة تكون صراطنا المستقيم الذي نبني عليه كل معتقداتنا وسلوكياتنا مع أئمتنا عليهم السلام وهي أنهم معصومون وأن أفعالهم وأقوالهم حجة علينا بدون شرط أو قيد وكما تقول الزيارة الجامعة : سَعِدَ والله من والاكم ، وهلك من عاداكم ، وخاب من جحدكم ، وضل من فارقكم وفاز من تمسك بكم ، وأمِنَ من لجأ إليكم ، وسَلِمَ من صدَّقكم ، وهُدِيَ من اعتصم بكم. من اتبعكم فالجنة مأواه ، ومن خالفكم فالنارُ مثواه ، ومن جحدكم كافر ، ومن حاربكم مشرك ، ومن رد عليكم فهو في أسفل درك من الجحيم. فالراد عليهم في أسفل درك من الجحيم ! فما ورد عن الإمام الصادق قوله : في الحديث الذي رواه مؤمن الطاق، قال: ((أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا، إن كلامنا ينصرف على سبعين وجها )). وقال عليه السلام : (( من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم، ثم قال : ان في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن. فردوا متشابهها إلى محكمها، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا)) وعليه فليس كل كلامهم عليهم السلام ميسور الفهم وقادرين على أن نصل الى كنهه لأنهم هم القران الناطق وكان لكلامهم بطون ومعاني الله تعالى وهم أعلم بها ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم خادمكم وبخدمتكم |
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين اللهم صَلِّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن عدوهم إلى يوم الدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدي الكريم لقد ورد أيضا في بعض ما أشكلت به على حديث مولانا المقدس علي بن أبي طالب عليه السلام روحي وأرواح العالمين لتراب نعليه الفداء وردت عنك العبارة التالية : ومنها: قوله عليه السلام: (جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأوّلين والآخرين لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب ). لا اظنّ أنّها تحتاج إلى تعليق منّي عليها، وأترك للقارئ الفطن المتتّبع للنصوص المتدبّر فيها النظر فيها والتعليق عليها بنفسه. في الحقيقة أنا أستغرب منك سيدي الكريم عبارتك هذه ولا أعلم كيف تستشكل على كلام معصوم بل وسيد المعصومين ومن ثم لاتورد موضع أستشكالك على كلامه عليه السلام بل توكل ذلك للمتتبع الفطن !! وكأنك تترفع عن الخوض في عبارة الإمام المقدس عليه السلام كونه من (( السذاجة )) بحيث لايتطلب خوضك فيه بل أيٍ مِمَن لهُ فطنة بسيطة قادر على التدبر في كلامه عليه السلام وربما بدوره (( المتتبع )) يستشكل ويرد كلام المعصوم ؟؟ من المؤسف حقاً أن تصل بنا الأمور أن يقوم أي أحدٍ من الناس مِمَن ليس له باع في الحقيق والتمحيص وصافي العقيدة الحقة أن يخوض في غمار بحور آل المصطفى الأطهار صلوات الله تعالى عليه بل هي الجرأة العظيمة بل هي الجريمة الكبرى أن نفعل ذلك وأنا أسالك سيدي الكريم هل أنك أنت ختمت مقامات سيدنا ومولانا المقدس أمير المؤمنين عليه السلام روحي لتراب نعليه الفداء لتستشكل عليه أنه أورد هذه العبارة (( وهو ليس أهلٌ لها )) !! وليس هذا حسب بل أردفتها بإستشكال آخر في هذا الموضع : وأمّا الكلام عن مساعدته الأنبياء نوح ويونس وموسى وإبراهيم عليهم السلام وتعليم داوود عليه السلام، فإنّه من القضايا غير المحرزة ولا يمكن إثباته، بل هو مخالف للبيانات القرآنيّة والشواهد المعصوميّة . وهذا من فضائع الأقوال التي تعارض وبشدة كل أدبيات أهل بيت النبوة والعصمة عليهم السلام ويخالف أحاديثهم جملةً وتفصيلا بل ويخالف القرآن الكريم صراحة وقولك أن هذا الكلام فإنه من القضايا غير المحرزة !! فهذا طامة أخرى بعينها فهل أنت سيدي ختمت علوم الأولين والآخرين ولم تجد مايعاضد قول المعصوم فسارعت لتنسف كلامه عليه السلام وتضعفه لأنك لم تتمكن من إثباته !! لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم تعالى مولانا المعظم المقدس أمير المؤمنين عليه السلام روحي لتراب نعليه الفداء تعالى وتنزه عن هذا الكلام علوا كبيرا سأورد عليك سيدي الكريم بعض من مقامات مولانا المقدس سيد الموحدين وسيد الأوصياء والصديقين روحي لتراب نعليه الفداء مما له علاقة بما ورد من أشكالاتك أعلاه وما سيذكر هو كحبة رملٍ في هذا الكون الواسع قياساً لمقاماته عليها السلام التي لايعلمها إلا الله تعالى تقدست أسمائه الحسنى ونبيه المعظم صلى الله عليه وآله وسلم روحي لتراب نعليه الفداء أما قوله عليه السلام ومنها: قوله عليه السلام: (جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأوّلين والآخرين لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب). فهذا هو والله الحق المبين الساطع ألم تقرأ قوله تعالى فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا النساء - 41 والشهادة هنا تعني الإطلاع على أعمال وأفعال العباد رأي العين وتحمل ذلك وتبليغه إلى الجليل الأعلى وبذلك يكون النبي المعظم صلى الله عليه وآله وسلم شاهد عيان على كل الأنبياء والرسل يوم القيامة وهذه الشهادة لاتصح مالم يكن الشاهد حاضراً ومحصيا ً لكل أعمال وأقوال هؤلاء الانبياء ومن ثم يستوثق الله تعالى نبيه العظيم صلى الله عليه وآله وسلم على باقي أنبياء ورسله ليشهد عليهم !! وهم من بعد ذلك شهداء على أممهم طيب أليس الإمام علي عليه السلام له مقام (( نفس الرسول )) صلى الله عليه وآله وسلم كما جآء في آية المباهلة (( انفسنا وأنفسكم )) أوليس النبي المعظم صلى الله عليه وآله وسلم قال ياعلي أنا سيد الأنبياء والمرسلين وأنت سيد الوصيين !! اوليس سيد الوصيين يشهد كذلك على الأوصياء اللذين سيّده الله تعالى عليهم وجعله شهيدا عليهم !! ثانيا جآء في الآية الشريفة وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون التوبة - 105 السؤال إذا ربطنا هذه الآية الشريفة بقوله تعالى وجئنا بك على هؤلاء شهيدا أوليس هذا معناه أن النبي المعظم صلى الله عليه وآله والمقدس أمير المؤمنين هم المشمولون بكلمة (( ورسوله والمؤمنون )) وهم اللذين سيرون أعمال العباد ! وإذا قيل هذا خاص بأمتهم حصرا قلنا أولم يقل القرآن الكريم في الآية السابقة أنه صلى الله عليه وآله شهيد على جميع الرسل والإمام علي شهيد على جميع الأوصياء ثالثا وهل قرأت الآية الشريفة وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ الأعراف - 46 السؤال مَن هؤلاء الوقفين على الأعراف يوم القيامة اللذين يعرفون الناس كلاً بسيماهم ؟ وهل يعرفون فقط أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أم جميع البشر ؟ والإمام علي بينهم ومنهم أم لا ؟ ومارأيك بالآية الشريفة وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ النمل - 82 السؤال أليست دابة الأرض هذه المعني بها مولانا المقدس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام روحي لتراب نعليه الفداء وبأتفاق جميع الفرق الإسلامية وهل هذا الخروج في حياته الشريفة أو يوم القيامة ؟ لا هذا ولا ذاك ! إنه في الرجعة وبعد الظهور المقدس لمولانا المقدس صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب نعليه الفداء وعجل الله تعالى فرجه الشريف حيث ورد في الحديث الشريف بيده الشريفة معه عصا موسى وخاتم سليمان يختم الناس على جباههم هذا مؤمن وهذا منافق أي بمعنى هذا الحدث في الحشر الأصغر وهو غير الحشر الأكبر والحشر الأصغر هو في الارض قبل يوم القيامة ودليل ذلك قوله تعالى وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ النمل - 83 فهذا صريح القرآن الكريم ليس جميع الناس تحشر بل من كل أمة فوج فهذا في الحشر الاصغر قبل القيامة لأن الحشر الأكبر يوم القيامة قد قال فيه تعالى وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا الكهف - 47 فلم نغادر منهم أحداً !! وكذلك قوله تعالى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ الأنبياء 47 حبة خردل أتينا بها !! وبالرجوع لمقولتنا إذا خرجت دابة الأرض يوم الحشر الأصغر أليس هذا الحشر بدلالة القرآن الكريم مشمول به جميع الأمم (( من كل أمة فوجا )) أوليس في هذه الأمم (( جميع أنبيائهم ورسلهم معهم )) !! فكيف سيختم عليهم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بختم الأيمان لجميع الأنبياء والمؤمنين مالم يكن يعرفهم ويشهد على جميع أعمالهم !! رابعاً قوله تعالى ( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ) الصافات 24 السؤال مَن هؤلاء الإثنان اللذان يخاطبهما الله تعالى ويطلب منهما أن يلقيا في جهنم كل كفار عنيد ؟ أليك الجواب الباقر عليه السلام : سئل النبي صلّى الله عليه وآله عن قوله تعالى : ( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ) الآية ، فقال : يا علي إنّ الله تعالى إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد كنت أنا وأنت عن يمين العرش (6) ، ويقول الله ، يا محمّد ويا علي قوما وألقيا من أبغضكما وخالفكما وكذبكما في النار . ومن ثم أليس النبي المعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو القائل علي قسيم النار والجنة فكيف يكون قسيمها ويقول لجهنم خذي هذا لك وذري هذا لي إن لم يكن يعرف الجميع وشاهد على أعمالهم جميعا ؟! خامسا وإذا غادرنا القرآن الكريم على مابه من عظيم الآيات الأخرى الدالة على هذا المطلب ونأتي على الحديث النبوي المطهر على قائله وآله صلوات ربي وسلامه أبد الآبدين أوليس هو صلى الله عليه وآله وسلم روحي لتراب نعليه الفداء المخصوص بقوله تعالى (( لاينطق عن الهوى )) أوليس هو صلى الله عليه وآله القائل : (( بعث علي مع كل نبي سراً وبعث معي جهرا ً)) شرح دعاء الجوشن: 104، وجامعالأسرار: 382 - 401 ح 763 - 804، والمراقبات: 259 ). وروته العامة بهذا اللفظ " يا علي إن الله تعالى قال لي: يا محمد بعثت عليا مع الأنبياء باطنا ومعك ظاهرا "، الأنوار النعمانية: 1 / 30 ومن ثم أليس أمير المؤمنين عليه السلام هو القائل في موضع آخر " والله قد كنت مع إبراهيم في النار، وأنا الذي جعلتها بردا وسلاما، وكنت مع نوح في السفينة فأنجيته من الغرق، وكنت مع موسى فعلمته التوراة، وأنطقت عيسى في المهد وعلمته الإنجيل، وكنت مع يوسف في الجب فأنجيته من كيد إخوته، وكنت مع سليمان على البساط ياسيدنا الغالي أتمنى عليك وعلى كل محب وموالي لآل بيت النبوة الأطهار أن يبتعدوا عن (( موارد الهلكة )) وهي رد كلامهم عليهم السلام فيكونون من الملعونين وكما جآء بصريح زيارة عاشورا لعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم !! أليس سيدنا الكريم نفي ماذكره مولانا المقدس هو يندرج في دفعه من مقامه ومرتبته !! أوليس مقامه ومرتبته تفسره هنا الزيارة الجامعة : ورضيكم خلفاء في أرضه ، وحججاً على بريته فكيف يكون خليفة الله في أرضه وهو لايعرف أنبيائه ورسله ؟ وكيف يكون حجة على بريته وهو لايعرفهم ولم يشاهدهم ؟ وكذلك قول الإمام علي عليه السلام روحي لتراب نعليه الفداء قوله في أحدى خطبه (( سلوني قبل أن تفقدوني عن علم لا يعرفه جبرئيل ولا ميكائيل )) فكيف يطلب من الناس أن يسالوه عن كل شيء بما في السماوات والأرض وهو جاهل (( والعياذ بالله )) من أمرهم أوليس هذا كلام من كان شاهدا على كل شيء !! وعارفا به !! وأخيرا أخي الكريم أهدي لك هذا الحديث الشريف لكي ترى كم هو قاسي وعظيم كان قولك وقعه على قلب مولانا المقدس أمير المؤمنين عليه السلام فلايؤلم الجرح من الناصبي بقدر مايكون مؤلم مِمَن يدّعي محبة علي عليه السلام وأولاده الأطهار الأخيار محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن محمد، عن جميل بن صالح، عن يوسف بن أبي سعيد(4) قال: كنت عند أبي عبدالله (ع) ذات يوم فقال لي: إذا كان يوم القيامة وجمع الله تبارك وتعالى الخلائق كان نوح صلى الله عليه أول من يدعى به فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله قال: فيخرج نوح (ع) فيتخطا الناس حتى يجئ إلى محمد صلى الله عليه وآله وهو على كثيب المسك(5) ومعه علي (ع) وهو يقول الله عزوجل: " فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا(6) " فيقول نوح لمحمد صلى الله عليه وآله: يا محمد إن الله تبارك وتعالى سألني هل بلغت؟ فقلت: نعم فقال: من يشهد لك؟ فقلت: محمد صلى الله عليه وآله فيقول: يا جعفر يا حمزة اذهبا واشهدا له أنه قد بلغ . فقال أبوعبدالله (ع): فجعفر وحمزة هما الشاهدان للانبياء (عل) بما بلغوا، فقلت: جعلت فداك فعلي (ع) أين هو؟ فقال: هو أعظم منزلة من ذلك الكافي الشريف 8/30 لم تقبل بمقولة الإمام علي عليه السلام بأنه مع الأنبياء والرسل هذا الحديث بصريح العبارة يقول النبي المعظم صلى الله عليه وآله يا جعفر يا حمزة اذهبا واشهدا له أنه قد بلغ ولك أن تفهم المعنى أما مسك الختام فهو هذا الحديث الشريف ذكر السيد نعمة الله الجزائري في (نور البراهين ج1 ص332 ) ما هذا حاصله : وقد اعترف الأمين جبرئيل (عليه السلام) بأنه تلميذ علي (عليه السلام) حين سأله الباري عز شأنه : من أنت ومن أنا؟ فلقنه (عليه السلام) قل له : أنت الرب الجليل وأنا الحقير جبرئيل . وأصل ذلك ما رواه صاحب كتاب بستان الكرامة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان جالساً وعنده جبرئيل فدخل علي (عليه السلام)، فقام له جبرئيل (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أتقوم لهذا الفتى؟ فقال له :نعم إن له عليّ حق التعليم, فقال النبي (صلى الله عليه وآله): كيف ذلك التعليم يا جبرئيل؟ فقال : لما خلقني الله تعالى سألني: من أنت وما أسمك ومن أنا وما اسمي؟ فتحيرت في الجواب وبقيت ساكتاً, ثم حضر هذا الشاب في عالم الأنوار وعلمني الجواب فقال : قل أنت ربي الجليل واسمك الجليل وأنا العبد الذليل واسمي جبرئيل. وذكره الشيخ رجب البرسي في مشارقه بألفاظ مقاربة . علي العظيم كان معلم وحي الله جبرائيل وكان قبله وقبل أن يخلق آدم عليه السلام ومن دونه ناهيك عن تعليمه للرسل مالكم كيف تحكمون شكرا سيدنا الكريم |
ردّ مقتضب وكما يقال خير الكلام ما قلّ ودلّ
سلام عليكم
شكرا لك الأخ حسين السعدي وأسال المولى سبحانه لنا جميعا التوفيق والسداد. أخي الفاضل إشكالاتك على ما كتبته انا من تعليق على الحديث المزعوم المسمّى بحديث المعرفة بالنورانيّة، وكذلك إجابتك لا أتّفق معك على صوابها، بل فيها مغالطات ونقولات ما كان يحسن تمريرها هنا لوجود ايرادات كثيرة عليها. وأتصوّر أنّ أساس المشكلة تكمن في طريقة تناول هكذا نصوص واهية والاعتقاد بصحة صدروها والتسليم بمضمونها. هذه المشكلة يا عزيزي ولّدت ثلاث مناهج أساسيّة في وسطنا الملتزم والحوزوي: منهج يحشدّ النصوص وينقلها ويترنّم بترديدها من دون مراعاة للقواعد الدرائيّة وبعض القواعد الرجاليّة، ويحاول ايجاد أيّ مخرج لتحسين صورتها المخجلة، ووضع أيّ تأويل لتزويقها وتزيين ملامحها غير المتناسقة. ومنهج يحاول مراعاة ذلك، لكنّه ذهب بها عريضة نوعاً ما في ردّ النصوص بطريقة عقليّة، والاعتماد الشديد على المباني الرجاليّة المتشدّدة وربّما تقديمه على القواعد، والقيام بتقليد ذلك من دون اجتهاد لمراجعة مبانيها وقراراتها، ولا أظن يخفى على جنابكم الكريم ما تعرضه بعض القنوات الفضائيّة لهذا النوع من رجال الدين والأفاضل المعاصرين وأين وصل بهم الحال. ومنهج وسط بين هذا وذاك فهو يتمسّك بمراعاة القواعد ولا يذهب بعيداً في علم الرجال أو الالتزام التامّ والفعليّ بالمستقلّات العقليّة ومستلزماتها في الجانب التشريعي. وأنا أتبنّى هذا المنهج (المنهج الثالث) في طريقة البحث. ولا أسعى في غايتي لتشكيك النّاس أو جرفهم أو اختراع طريقة بدعيّة، وإنّما أؤمن بلزوم تنقيح متون النصوص من القضايا الدخيلة، وتنقية الموروث الروائي من الأمور المغلوطة. أرجو أن أكون قد أوضحت الصورة وأوصلت الرسالة إليكم، مع الاعتراف بأني اختصرت بيان منشأ الخلاف بين طريقتك وطريقتي. ولا أريد الآن الدخول في نقاش معكم أخي الفاضل والخوض في بيان نقاط الضعف التي اشتمل عليها ردّكم الأخوي والهنات التي وجدت فيه وهي ليست قليلة من حيث اعتماد الروايات غير الثابتة أو طريقة المعالجة والاستدلالات البعيدة، وأرى أنّ وقتي ضيّق وغيرها أكثر ضرورة للخوض فيه والاهتمام به. نعم، ربّما إذا سنحت الفرص في المستقبل إن شاء الله أقوم بالردّ على ردّكم وتفنيد ما هو غير صالح فيه. تحياتي لكم ونسألكم الدّعاء. |
باسمه تعالى
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته سيدنا الجليل انا محتار من اي فقرة من فقرات ردك الكريم اتعجب !! فكل كلمة تثير العجب العجاب !! هل اعجب من قولك : أخي الفاضل إشكالاتك على ما كتبته انا من تعليق على الحديث المزعوم المسمّى بحديث المعرفة بالنورانيّة، وكذلك إجابتك لا أتّفق معك على صوابها، بل فيها مغالطات ونقولات ما كان يحسن تمريرها هنا لوجود ايرادات كثيرة عليها. عجيب سيدنا الفاضل هذه التي تسميها مغالطات كلها كانت من القران العظيم وماصح من روايات اهل بيت النبوة الاطهار وكانت محاورتي علمية الحجة بالحجة والدليل بالدليل امتثالا لقول سيدي ومولاي الامام الصادق عليه السلام روحي لتراب نعليه الفداء لقوله : نحن اصحاب الدليل اينما مال نميل وانا حاورتك بالدليل والبرهان وانت ترميني بالمغالطات وترمي بها علينا رمي المسلمات فاين دليلك وبرهانك عليها فان الله تعالى سائلك عنها لانه يقول عز من قال : هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين وقال عز من قال : انبئوني بعلم فاين العلم واين البرهان على رد كل فقرة مما اوردتها عليك ثانيا : قولك : وأتصوّر أنّ أساس المشكلة تكمن في طريقة تناول هكذا نصوص واهية والاعتقاد بصحة صدروها والتسليم بمضمونها.* نقول : هذا اعجب من سابقه فان كان توهين وتسقيط احاديث اهل البيت بمثل هذه البساطة الشديدة وقد مر عليها الاف من فطاحل علمائنا شرحا وتحقيقا وتمحيصا فعلى تاريخ الشيعة السلام ، هذا جانب اما الجانب الآخر انا اعطيتك الدليل فاقرع حجتي بالدليل فقولك : ولا أريد الآن الدخول في نقاش معكم أخي الفاضل والخوض في بيان نقاط الضعف التي اشتمل عليها ردّكم الأخوي والهنات التي وجدت فيه وهي ليست قليلة من حيث اعتماد الروايات غير الثابتة أو طريقة المعالجة والاستدلالات البعيدة، وأرى أنّ وقتي ضيّق وغيرها أكثر ضرورة للخوض فيه والاهتمام به.* نعم، ربّما إذا سنحت الفرص في المستقبل إن شاء الله أقوم بالردّ على ردّكم وتفنيد ما هو غير صالح فيه. فهذا هو العجب العجاب سيدي الفاضل !!! فانت تكتب في موضوع عقائدي في اكبر منتدى شيعي عن الاب والملهم والقائد الشيعي والذي هو خير البشر ومن ابى فقد كفر سيدي ومولاي امير المؤمنين روحي له الفداء وترد حديثه وتترفع عن الخوض بالحوار ودفع الاشكالات عن موضوعك بحجة ..... (( ضيق الوقت )) !!! فما كان منك والحال هذا الاساءة الى المقام المقدس للامام روحي له الفداء بهذا الاسلوب وهذا المنتدى يرتاده النواصب قبل المحبين الموالين يتربصون كل شاردة وواردة ثالثا : قولك: وأنا أتبنّى هذا المنهج (المنهج الثالث) في طريقة البحث. ولا أسعى في غايتي لتشكيك النّاس أو جرفهم أو اختراع طريقة بدعيّة، وإنّما أؤمن بلزوم تنقيح متون النصوص من القضايا الدخيلة، وتنقية الموروث الروائي من الأمور المغلوطة. وهذا اعجب من الجميع ! انت تتكلم سيدي الفاضل عن اتباعك طريقة وسطية في طريقة البحث وتقول تنقية الموروث الروائي من الامور المغلوطة !! واين اجاباتك عن ايات القران الكريم الكثيرة التي استدللنا بها عليكم ولم نرى لكم فيها حس ولاخبر ؟؟ اما حديثك عن اتباعك كما تسميه المنهج الثالث في فرز وتصحيح الروايات فاقول وعلى الله تعالى التوكيل لست بعالم دين ولابطالب علم ولاباحث ولامحقق وان كنت ساتشرف بالتراب الذي تحت اقدام هؤلاء ولكني صاحب عقيدة علمت ان الله تعالى سائلني عنها كيف تعاملت مع سادتي واولياء نعمتي محمد وال محمد واليت على نفسي ان اقف بالمرصاد لكل كلمة صغيرة او كبيرة وكائن من كان قائلها ارى ان في كلمته خدش واساءة وعدم فهم للمقامات السامية لهؤلاء العظام !! عظام لانه الله العظيم سماهم هكذا ام يحسدون الناس على مااتاهم الله من فضله فقد اتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكا عظيما النساء - 54 فلماذا تنزلوهم دون مقاماتهم العظيمة وتستكثرون عليهم قطرة في خظم محيطهم المتلاطم من الفضائل وعودا على بدء طريقتك هذه في البحث وان قدمت لك باني لست من اصحاب الاختصاص ولكن بعون الله تعالى ساردها عليك بالحجة والبرهان والدليل العلمي من اهل هذا العلم وسيتبين ان جنابك الكريم قد ابتعدت عن كثير من الحقائق في جوابك يعجب به من لم يكن له دراية في هذا العلم ولكنه سراب يحسبه الظمآن ماء الى هنا اكتفي الى ان يشاء الله تعالى واردف مقالي هذا بالجزء الثاني من الجواب وفيه ساورد عليك رأي علمائنا الاجلاء في مجمل اشكالاتك التي توردها على سند الحديث والمنهج العلمي في دحض هذه الاشكالات وكذلك بعيدا عن روايات الحديث الشريف ولكي لاتعيد علينا الكرة في التشكيك في الروايات ساورد عليك بعون الله تعالى ايات شريفة حصرا واتمنى عليك ان تجيبني عليها بعيدا عن سياقات الحديث ولكن بالدليل العقلي فانتظر اني معك من المنتظرين تحياتي سيدي الجليل |
باسمه تعالى
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياالله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدنا الجليل ساورد عليك بعضا من استفتاء قدم لاية الله الشيخ محمد جواد العاملي بخصوص حديث النورانية فهو كافي ووافي للرد عليك فيما ذهبت من قولك بالطريقة الوسطى في فهم الاحاديث فلا ارى موجب للتوسع في هذا المجال فالرد واضح جدا السؤال الثاني هل حديث الخيط الاصفر وحديث النورانية المرويان في البحار صحيحان ؟. بسمه تعالى الجواب: لم نجد في المصادر ـــ بحسب تتبعنا الدقيق ولعلَّه موجود ولم نعثر عليه ـــــ حديثاً بإسم الخيط الأصفر سوى ما ذكره الشيخ الميرزا جوادي تبريزي رحمه الله في جوابه لنفس السؤال الذي سألتنا إياه ولم يفصح عن الخيط الأصفر بل كل ما هناك أنه أجاب بالتالي: (على فرض صحتهما ــ أي حديث الأصفر وحديث المعرفة بالنورانية ـــ لهما تأويلات لا يسع المقام للتعرض لها ، وليس الاعتقاد بهما من الأمور الواجبة ، والله العالم ) . نقول: نعم ثمة أحاديث متعددة حول حديث الخيط وليس فيها لفظ: " الأصفر " وكلها مروية عن أبي بصير رضي الله عنه عن مولانا الإمام المعظم محمد الباقر سلام الله عليه كما في آخر الإستفتاء...والظاهر أن المقصود بالخيط هو الخيط الذي نزل به جبرائيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وبه كان النبي وآله الطيبون يزلزلون الأرض بمن شاءوا من أعداء الله تعالى وأعدائهم..وهو حديث صحيح الدلالة وإن كان ضعيف السند، ولا يشترط في أحاديث المعاجز والأدعية والتاريخ والفضائل والظلامات قوة السند ما دامت الدلالة لا تخالف الكتاب الكريم والسنة المطهرة وأحكام العقل..وليس في حديث الخيط ما يوجب رفضه بل يجب الأخذ به والإعتقاد بمضمونه الشريف لكونه من فضائلهم ومعاجزهم التي تبهر العقول..وأي تشكيك به وبحديث النورانية إنما هو تشكيك بكراماتهم ومعاجزهم وعلو قدرهم...كيف لا ! وقد كان أمرهم صعباً مستصعباً لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله تعالى قلبه للإيمان...كما كشفت عن ذلك أخبارهم الكثيرة..فما أفاده العلامة جوادي تبريزي رحمه الله من عدم وجوب الإعتقاد بهما ـــ أي بحديث الخيط والنورانية ـــ ليس صحيحاً بل العكس هو الصحيح يجب الإعتقاد بمضمونهما لكونهما يدلان على علو قدرهم سلام الله عليهم...فهما خبران جليلان من جملة الأخبار الكاشفة عن معاجزهم..ومجرد كونهما ضعيفي السند لا يستلزم طرحهما أو الغمز بهما وذلك لما قلناه مراراً وتكراراً في بحوثنا الرجالية من حرمة رد الأخبار لمجرد ضعفها السندي، إذ إن الضعف السندي لا يبرر طرح الخبر على التفصيل الذي شيدناه في البحوث الرجالية والأصولية...لاسيما وأن الخبرين المذكورين من جملة الأخبار التي أخذ بهما المشهور ، وكل خبر ضعيف سنداً أخذ به المشهور يصبح قوياً من الناحية السندية بسبب الوثوق النوعي على التفصيل الأصولي الصحيح....بالإضافة إلى كثرة روايتهما في المصادر الحديثية فكأنهما صارا من الأحاديث القطعية التي توجب رفع الإعتقاد بآل الله تعالى...مع التأكيد بأن المخالفين رفضوا تلكم الأحاديث التي ترفع من علو أهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم ويعتبرونها من أحاديث الغلو بآل البيت سلام الله عليهم...ولا يجوز شرعاً وعقلاً التعويل على كلمات المخالفين ولا النظر فيها باعتبارها عين الضلال والكفر..!. وينبغي التنبيه على أمر مهم جداً هو: إن تضعيف بعض المنسوبين إلى العلم بسند حديث النورانية ليس حجة شرعية على كل مؤمن فكم من أخبار صحيحة الأسانيد..كما أن نسبة صاحب البحار إلى سند حديث الخيط بكونه مرفوعة يستلزم تضعيفه السندي، وما كان ينبغي له ذلك إلا من ناحية كونه ضعيفاً سنداً فقط على مبنى من اعتقد بحجية الأسانيد مع أنه اخباريّق لا يجب عليه البحث في الأسانيد لأنها ليست من مهام الأخباري الذي لا يعتقد بالأسانيد... فتضعيف سند الخيط لا معنى له بنظر الأخباريين..! وكم من أخبار قد ضعفها صاحب البحار غفر الله له مع كونها صحيحة وليست من مهامه كأخباري كما أشرنا... ولو اتسع المقام لنا لكنا أريناكم الأحاديث التي ضعفها المجلسي في مرآة العقول وغيره من كتبه مع أنها صحيحة الأسانيد وقوية المضامين فلا يجوز والحال هذه التعويل على تضعيفاته وتجريحاته ببعض الأحاديث الصحيحة والعالية المضامين لا سيما وأن تقسيم الحديث إلى ضعيف وقوي وحسن ومقبول هو من صنع المخالفين الذين تأثر بهم بعض العلماء المتأخرين حتى صار التشكيك بالأحاديث صناعة علماء الشيعة الكسالى مهما كان حجمهم وصيتهم العلمي الذي لا يقوم على أساس علمي..إذ رب مشهور لا أساس له..وهل الطامة الكبرى إلا من هؤلاء الذين سلطوا علينا المخالفين حينما ضعفوا أحاديث آل الله محمد وأهل بيته الطيبين المطهرين سلام الله عليهم أجمعين..!؟ ومما يزيد في الطين بلّة أن المجلسي كعادته يضعف بالأخبار ثم يأخذ بها وما ذلك إلا لأنه أخباري لا يعتني بالأسانيد ومع كل ذلك اتخذ التضعيف سنَّة له وهو من العجب العجاب..؟! فلا يجوز للمؤمنين أن يلتفتوا إلى كلام هذا وذاك حول كرامات ومعاجز وظلامات آل محمد سلام الله عليهم ومن يفعل ذلك سيلقى ويلاً وثبوراً وعذاباً يوم لا ينفعكم صاحب البحار ولا فلان وعلتان ولا أحدعلى الإطلاق إلا من ذكركم بآل محمد وزاد من يقينكم في فضائلهم ومعارفهم ...!. وبالجملة: إن حديث الخيط والمعرفة بالنورانية هما من الأحاديث الصحيحة الدالة على علو قدر آل محمد سلام الله عليهم كغيرهما من أحاديث الكرامات اما ماوعدتك به من حجة دامغة من كتاب الله تعالى فاقول بعد بسم الله والحمد لله والصلاة على محمد واله الاطهار جاء في محكم كتابه العزيز اولا هذه الاية الشريفة : فسجد الملائكة كلهم اجمعون .... الحجر 30 فسجد الملائكة كلهم اجمعون .... ص 73 هذه الايتين الشريفة تجزم بالقطع اليقيني بسجود جميع الملائكة ولم تستثني احدا جبرائيل عليه السلام ونزولا للاخرين فكلمة (( كلهم )) تكفي للدلالة على الجميع ولكن اتبعها رب العزة والجلال بكلمة (( اجمعون )) لزيادة القطع اليقيني ولاثبات عظمة ما سياتي بعدها من دلالة ومقام الاية الشريفة الثانية قال ياابليس مامنعك ان تسجد لما خلقت بيدي استكبرت ام كنت من العالين ص 75 السؤال في معرض استعراض مشهد تلك الايات الشريفة واستعراض الماهيات الموجودة في ماترسمه الايات الشريفة سنجد الموجودين هم :: اولا الامر بالسجود لادم على نبينا واله وعليه السلام وهو رب العز ة والجلال تقدست اسماءه الحسنى ثانيا : المسجود له ادم على نبيا واله وعليه السلام ثالثا : المامورين بالسجود لادم على نبينا واله وعليه السلام الملائكة كلهم اجمعون رابعا : من عصى واستكبر ولم يسجد ابليس اللعين هذا كل مافي الوجود في تلك اللحظة السؤال : من هم هؤلاء العالين الموجودين في نفس الاية الشريفة وماهي ماهياتهم والذي هو ثابت باليقين القطعي بدلالة الاية الشريفة انهم اسبق بالوجود من الجميع ادم وابليس والملائكة ؟؟ انتظر جوابك الصريح سيدنا الجليل فقد رفعت عنك عناء البحث في الروايات واسانيدها هذا حجة ودليل وبرهان قراني جاء يخاطب عقولنا كما خاطب عقول اصحاب الجاهلية الاولى حيث لاسنة ولاحديث ولارواة !! فهذا اثبات من رب العزة والجلال بوجود ماهيات عالية المقام موجودة قبل الجميع والان ساعطيك دليل قراني اخر يثبت فيه ان ابليس اللعين ايضا كان يعلم بان هناك ماهيات ذوات مقام عالي وقد حسدهم على ذلك المقام فقال : وما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين الاعراف - 20 السؤال سيدنا الجليل من هم هؤلاء الخالدين الذين يعلم حتى ابليس اللعين ان لهم صفة الخلود لهم وحدهم ولم يشرك معهم الملائكة في هذه الصفة ؟؟ وعودا لاصل الاشكال الذي اوردته في اصل الموضوع والذي استكثرت واستهجنت الحديث لمولانا المقدس روحي لتراب نعليه الفداء حين ترفعت عن الخوض في تفسير قوله عليه السلام انا مع نوح في السفية او انا عصى موسى فمن اسبق بالوجود الان سيدنا الكريم عليا امير المؤمنين ام ادم ومن دونه ؟؟!! يكفيني هذا من رد وتحياتي لشخصك الكريم |
باسمه تعالى
الحمد لله فوق حمد الحامدين اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياالله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الى جميع الاخوة الموالين من اتباع ال بيت النبي المعظم محمد واله الاطهار بعد ان تم البرهان من خلال الحوار للسيد الجليل المحاور تم البرهان على مقامهم السامي للذوات المقدسة من قبل القران الكريم والايات الشريفة لكي يتم حصر الحجة والقائها من خلال الايات الشريفة وتفويت الفرصة على من يعول على التلاعب بتفسير او تأويل الاحاديث الشريفة الواردة عن الذوات المقدسة بحجة الرواة والاسانيد وما الى ذلك ولكن هل يجوز ان نطرح كل الموروث الحديثي الوارد عنهم عليهم السلام لان زيدا او عمرا له منهج بنقل وتنقيح الاحاديث وان بعض اخبارهم عليهم السلام لاتروق لهم او لم تحتملها عقولهم ؟؟ هذه مشكلتهم وهم اولى بحلها اما نحن معاشر الموالين فانا هنا انصح نفسي اولا وكل اخوتي الموالين انه يجب ان نتعامل بحذر شديد مع اخبارهم واحاديثهم عليهم السلام نصدق ماقالوا ونتوقف عند الاحاديث التي ليس لنا القدرة على فهمها ونردها الى اهل العلم ممن لهم باع في العقيدة وليس كل احد فهم اعرف بنا منها واننا لكي نكون على بينة من امرنا يجب ان نتبع خطاهم عليهم السلام فانهم قد بلغوا ولم يبخلوا على شيعتهم بشيء مما يحتاجوه في مسيرتهم الدينية ، وعليه فإن امير المؤمنين عليه السلام روحي لتراب نعليه الفداء قد أعطانا ضابطة كلية ان نحن التزمنا بها وعملنا بها كنا على الصراط المستقيم وهو قوله عليه السلام اجعلوا لنا ربا نؤوب اليه وقولوا فينا ماشئتم ولن تبلغوا !! او كما ورد عنه ايضا عليه السلام لاتدعونا اربابا وقولوا فينا ماشئتم !! ومن اجل ذلك ولاتمام الفائدة في الحوار ارتايت ان اضع بين اسماعكم جزء من محاضرة قيمة في فضائل مولانا المقدس امير المؤمنين روحي لتراب نعليه الفداء بصوت العلامة الكبير والمرجع الكبير اية الله العظمى الشيخ الميرزا حسن الاحقاقي وتعمدت ان تكون المحاضرة على احد اهم المواضيع التي انكرها السيد الجليل صاحب الموضوع وانكر حدوثها جملة وتفصيلا وهي كيف يكون مولانا المقدس امير المؤمنين موجود مع نبي الله نوح على نبينا واله وعليه السلام والامام علي عليه السلام جاء وولد بعد نوح بآلاف السنين !! هنا يجب ان يكون التسليم لان عقولنا اقصر واعجز من ان تهظم مقاماتهم العالية ونسلم لهم تسليما انها هدية لكم وللسيد الجليل بلسان اية من ايات الله العظمى ممن افنى عمره الشريف في العلم والعقيدة الحقة https://youtu.be/l3mtVEJSmVQ اخوكم حسين السعدي |
الإلفات إلى ما في خبر (فُطم الخلق عن معرفتها) من تهافت
الإلفات إلى ما في خبر (فُطم الخلق عن معرفتها) من تهافت
بسم الله خير الأسماء الحسنى المتكاثرة والحمد لله على نعمه المتواترة والصلاة والسلام على نبيّنا وعترته الطاهرة. وبعد، في ذكرى مولاتنا الزهراء المرضيّة الراضية عليها سلام الله والتحيات الزاكية، كثيراً ما يهتمّ شيعة ومحبّي أهل البيت وفقّهم الله لمرضاته بالتركيز في الأيّام الفاطميّة على مناقبيّة السيّدة فاطمة عليها السلام ومأساتها الأليمة. وفي هذه الأجواء تتداخل العاطفة مع الموروثات فيحصل أحياناً عدم التدقيق فيما يُطرح ويتدفّق، ويحدث التساهل في النقل وسرعة التصديق، من دون الالتفات إلى معاني المنقولات والوقوف على دقائق المعطيات. ولا يخفى عليكم أعزّتي أنّه لا يحقّ لنا إدخال إضافة من عنديّاتنا على أصول المعتقد وفروع الإيمان، وكذلك لا يسمح لنا بقذف شيء ثابت من أركانهما وبتر شيء مؤكّد من أُسسهما، ففي مثل هكذا مبادئ رصينة وتعاليم حقّة يكون التعامل بالقاعدة المتبنّاة وبالضابطة المنتقاة: أنّه لا مغالاة ولا تقصير ولا إفراط ولا تفريط. المتحصّل ممّا سلف: أنّ الزيادة في العقيدة تماثل النقيصة، وربّما هي أدهى من حيث التأثير والفاعليّة، كما قد يُستشمّ من مواقف المعصوم الشديدة الصادرة بحقّ الغلاة والوضّاعين الكذبة، وما ذلك إلّا لما لها من مردود سيء وانعكاس رديء على الأمّة، حيث إنّ التهاون بنقل الوثائق وضخّ المفاهيم غير المحكمة وتسويق المعطيات المشوّشة وتقبّل مرويّات العقائد من دون تحرّي وتدبّر وتحقّق يُربك أكثر ممّا يُقنِع ويُسيء أكثر ممّا يَنفع، وهو بعد عامل مساعد على تشوّيه الصور الذهنيّة التي يحملها المستمع عن الشيء المتكلّم عنه، وعنصر إضافي في تخلخل عقيدة المتلقّي في الشيء الذي يعتقد به. بل عادة ما يقود الخطأ الدرائي إلى الخطأ العقدي، كما هو واضح، فآفة الأخبار رواتها، وداؤها عدم رعاية متنها. وقد روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: (كونوا للعلم وعاة ولا تكونوا له رواة، فقد يرعوي من لا يروي، وقد يروي من لا يرعوي، إنّكم لن تكونوا عالمين حتّى تكونوا بما علمتم عاملين). العلم والحكمة في الكتاب والسنة للشيخ محمد الريشهري:372. وجاء في معتبر طلحة بن زيد قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ رواة الكتاب كثير، وإنّ رعاته قليل، وكم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب، فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية، والجهّال يحزنهم حفظ الرواية، فراع يرعى حياته، وراع يرعى هلكته، فعند ذلك اختلف الراعيان، و تغاير الفريقان). الكافي للشيخ محمّد بن يعقوب الكليني:1/49/كتاب فضل العلم/باب النوادر/6، روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه للشيخ محمّد تقي المجلسي:12/174، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام للشيخ هادي النجفي:4/230 و:9/288. من المعلوم عند الطبقة الناضجة أنّ القناعات العقديّة مؤثّرة بشكل كبير على ذهن القارئ وتوجّهاته ونمطيّة منهجه ونوع طموحاته وتحديد مساراته، وبالتالي تجعل من معلوماته أداة ذات حدّين: إمّا أن تكون أداة إخفاق وتردّي، أو تكون أداة ارتقاء وتوعّي. ومن هنا نفهم لِمَ جاء في المروي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: (اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا). معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين المشتهر برجال الكشّي للشيخ محمّد الكشّي:11. ونحوه أخرجه الشيخ النعماني في غيبته، وفيه: (اعرفوا منازل شيعتنا عندنا على قدر روايتهم عنّا وفهمهم منّا). الغيبة للشيخ محمّد بن إبراهيم النعماني:29. ما أودّ عرضه هنا هو خبر من الأخبار العقائديّة المتداول في المجالس الولائيّة والذي لم يُدرس بعناية ولم يُحقّق بكفاية، ويُمرّ عليه الأخوة الأعزّة مرور الكرام دون التأملّ التامّ. والخبر هو ما أخرجه الشيخ فرات الكوفي في تفسيره بسنده عن محمّد بن القاسم بن عبيد معنعناً عن الإمام أبي عبد الله الصادق في تفسير سورة القدر، قال عليه السلام: (ï´؟ إنا أنزلناه في ليلة القدرï´¾ الليلة فاطمة، والقدر الله، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها- في نسخة فطموا من معرفتها-، وقوله: ï´؟وما أدراك ما ليلة القدر؟! ليلة القدر خير من ألف شهرï´¾ يعني خير من ألف مؤمن وهي أمّ المؤمنين، ï´؟تنزّل الملائكة والروح فيهاï´¾ والملائكة: المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم، والروح القدس: هي فاطمة عليها السلام ï´؟بإذن ربّهم من كلّ أمر سلام هي حتّى مطلع الفجرï´¾ يعني: حتّى يخرج القائم عليه السلام). تفسير فرات الكوفي للشيخ فرات بن إبراهيم الكوفي:581-582/747/2. أفتح باب النقاش في الرواية من باب التدقيق لا تعريضاً بأهل الجمع وعدم التحقيق. وقبل الخوض في الموضوع فإنّي تجنّبت الحديث عن إثبات أو عدم إثبات القضايا العقديّة بالخبر الواحد، وهل ذلك مختصّ بأصول المسائل العقديّة أم يشمل غيرها؟ لكوني أعتقد أنّ ذلك له مجال آخر ليس هذا محلّه. أشرع الآن بالتعرّض لسند الرواية ومتنها ودلالتها: أمّا من حيث درجة الحُكم على السند فالرواية موهونة السند ضعيفة بالإرسال، غير متعاضدة بروايات معتبرة تفضي إلى تقوية سندها، ولم تُذكر في كتب معتمدة كالكتب الأربعة وغيرها، وأعني بغيرها بعض مؤلّفات الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشيخ الطوسي ومن على شاكلتهم. هذا فضلاً عن الكلام في المفسّر فرات الكوفي من قبل علماء الرجال، حيث أهمله البعض من غير مدح ولا قدح، ورماه أحدهم بالانحراف لتبنّيه عقيدة باطلة شنيعة. وأيّاً ما يكن فإنّي أميل إلى قبول رواياته المتوافقة وفاقاً لبعض علماء الرجال. وأمّا من حيث المتن فهي مضطربة، غير سالمة من الإشكال في الدلالة. فتعالوا معنا أيّها القرّاء لنغربل الكلمات ونفرز الدلالات. وسنقوم بتقسيم مفردات النصّ وفقرات المتن إلى مقاطع كي ترسخ المعلومة عند المطالع. نحن والنصّ الذي نقله الشيخ فرات الكوفي في تفسيره: المقطع الأوّل: قوله عليه السلام : (الليلة فاطمة). هذا المقطع يحتاج إلى نقاش من جهتين: الجهة الأولى: هذا التفسير أو الشرح لهذا المقطع إن لم نحمله على الاتّجاه التأويلي وأبقيناه على معناه الظاهر فسوف لا يستقيم مع الفقرة التي سبقته والتي تتحدّث عن الحكم الإلهي القاضي بإنزال (القرآن) الكريم (في) تلك الليلة المباركة. على أنّ القبول بالمعنى الظاهري بلا وجود مناسبة بين المفردات سيربك الجملة ويشوّش مفهومها، ثمّ إنّ هناك عدّة شواهد نصوصيّة تتحدّث عن (ليلة القدر) لا يتوافق جوهرها مع المعنى الظاهري، وتدفعنا بشدّة عن قبول جهته، بل قد تتصادم معه، ننتقي إليكم باقة منها ونضعها بين أيديكم: منها: الخبر المروي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: (لقد خلق الله جلّ ذكره ليلة القدر أوّل ما خلق الدّنيا، ولقد خلق فيها أوّل نبيّ يكون، وأوّل وصيّ يكون، ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد ردّ على الله عزّ وجلّ علمه، إلى آخر ما جاء في الخبر). الكافي:1/250/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/7، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة للسيّد عليّ الحسيني الأسترآبادي:2/825/14. ومنها: ما روي عن أبي حمزة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (لمّا قبض أمير المؤمنين عليه السلام: قام الحسن بن عليّ في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال: أيّها النّاس إنّه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون و لا يدركه الآخرون، والله لقد قبض في ليلة التي قبض فيها وصىّ موسى يوشع بن نون، والليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم، والليلة التي نزل فيها القرآن، الخبر). تفسير نور الثقلين للشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي:5/624/51. ومنها: ما روي عن حمران أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام- في حديث - قال: (ليلة القدر وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلّا في ليلة القدر). تفسير نور الثقلين:5/625/56. ومنها: ما رويّ عن حسّان بن مهران عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (سألته عن ليلة القدر؟ قال: التمسها ليلة إحدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين). تفسير نور الثقلين:5/625/57. يظهر ممّا تقدّم أنّ ليلة القدر هنا (فترة زمنية) لا ترتبط، بحسب الظاهر، بما ورد في تفسير فرات، وهذا الظاهر هو المطمئّن إليه، لأنّ الخبر، في هذه الجهة، مسوق لبيان هذه الحقيقة ولسان الروايات التي نقلناها يميل إلى هذه الحيثيّة، ومّما يُشعر بذلك الخبر المرويّ عن أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام، قال: (نزلت التوراة في ستّ مضت من شهر رمضان، ونزل الإنجيل في اثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور في ليلة ثماني عشرة مضت من شهر رمضان، ونزل القرآن في ليلة القدر). البرهان في تفسير القرآن للسيّد هاشم بن سليمان البحراني:5/710-711/15. نعم، يمكن أن يكون التفسير مقبولاً متناسباً الجهة الثانية: أمّا إذا حملنا تفسير المقطع على الاتّجاه التأويلي، ولو بنوع من التجوّز، فيمكن حينئذٍ هضمه. وقد أخذ الشيخ المجلسي بهذا الوجه التأويلي ووجّه المقطع بشكل باطني، قال: «أمّا تأويله عليه السلام ليلة القدر بفاطمة عليها السلام فهذا بطن من بطون الآية، وتشبيهها بالليلة إمّا لسترها وعفافها، أو لما يغشاها من ظلمات الظلم والجور». بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار للشيخ محمّد باقر المجلسي:25/99/ب3. وللعلم فإنّ معنى التأويل عند أرباب الشريعة هو: صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها ويطابق الكتاب والسنّة. ومعنى التفسير هو: علم نزول الآية وشأنها وقصّتها والأسباب التي نزلت فيها. ولا يعزب عنكم أنّ هناك تعاريف أُخرى لمسالك أُخرى. وكيف كان فإنّ الذي نودّ التنبيه عليه هو: أنّ التأويل لا يعني ترجيح طرف على طرف كيفما اتّفق ولا يقصد منه التقاط ما رواه المتّهمون بالغلوّ بسهولة ورفق، وإنّما يلزم أن يكون التأويل خاضعاً لضوابط ومحدّدات، وقد يترجّح حينما يُلمس منه وجود جهة اشتراك بينه وبين التفسير، بحيث يعطي القارئ إيحاء بوجود شعاع تجانس وخيط التئام بينهما. والحقيقة أنّ من يمعن النظر فيما رواه الفريقان من إثباتات تتحدّث عن أنّ آيات القرآن لها ظهر وبطن. راجع: أصول التفسير والتأويل للسيّد كمال الحيدري:353-356. يُدرك أنّ الأخذ بالمنهج التأويلي ههنا يمكن أن يُطمئن إليه ويقبل. وبالتالي فلو لم يحصل الجزم بإرادة المعنى الباطني للمفردة المتناولة المستلهمة من النصوص فلا أقّل من أنّه محتمل. ولتقريب التوجيه الذي ذكره المجلسي نسوق إليكم ما جاء في خبر يعقوب بن جعفر عن الإمام الكاظم عليه السلام: (فقال النصراني إنّي أسألك أصلحك اللَّه، قال: سل. قال: أخبرني عن كتاب اللَّه الذي أنزل على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ونطق به ثمّ وصفه بما وصفه به فقال: ï´؟حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍï´¾ سورة الدخان:1-4، ما تفسيرها في الباطن؟ فقال: أمّا ï´؟حمï´¾ فهو محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو في كتاب هود الذي أنزل عليه وهو منقوص الحروف. وأمّا ï´؟الْكِتابِ الْمُبِينِï´¾ » فهو أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام. وأمّا (الليلة) ففاطمة عليه السّلام. وأمّا قوله: ï´؟فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍï´¾ يقول: يخرج منها خير كثير فرجل حكيم ورجل حكيم ورجل حكيم، الخبر). الكافي:1/479/كتاب/كتاب الحجّة/باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام/4. قال الشيخ محمّد صالح المازندراني موضّحاً: «قوله: (وهو منقوص الحروف) حيث حذف أوّله وآخره واقتصر على الوسط. قوله: (وأمّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين عليّ عليه السلام سُمّي به لأنّه مكتوب في زبر الأولين وأخبر به جميع الأنبياء والمرسلين. قوله: (وأما الليلة ففاطمة صلوات الله عليها) سُمّيت بها على الاتساع والتجوز، لأنَّ الزوج يأوي إلى الزوجة في الليل غالباً. قوله: (يخرج منها خير كثير) وهو الأئمّة عليهم السلام، ويجوز في الخير التشديد». شرح أصول الكافي للشيخ محمّد صالح المازندراني:7/260-261. وكتب الشيخ المجلسي مبيّناً: «(وهو في كتاب هود) أي: ذكر النبيّ صلّى الله عليه وآله في ذلك الكتاب بحكم (وهو منقوص الحروف) أي: نقص منه حرفان، الميم الأوّل والدّال، وقد مرّ وجه التعبير عن أمير المؤمنين عليه السلام بالكتاب والقرآن، والتعبير عن فاطمة عليها السلام بالليلة باعتبار عفّتها ومستوريّتها عن الخلائق صورة ومعنى (يقول: يخرج منها) بلا واسطة وبها (خير) بالتخفيف أو بالتشديد، أي: ينعقد فيها إمامان يخرج من أحدهما أئمّة كثيرة. ثمّ يتابع المجلسي حديثه فيقول: وهذا من بطون الآية الكريمة اللازمة لظهرها، فدلالتها عليه بالالتزام، إذ نزول القرآن في ليلة القدر إنّما هو لهداية الخلق وعلمهم بشرائع الدين واستقامتهم على الحقّ قولاً وفعلاً إلى يوم القيامة، ولا يكون ذلك إلّا بوجود إمام في كلّ عصر يعلم جميع أحكام الدين وغيرها من ظهر القرآن وبطنه، وإنّما تحقّق ذلك بنصب أمير المؤمنين عليه السلام وجعله محلاً لجميع علوم القرآن ليصير مصداقاً للكتاب المبين، ومزاوجته مع سيّدة نساء العالمين ليخرج منهما الأئمّة الحافظين للدين المتين إلى يوم الدين، فظهر القرآن وبطنه متطابقان ومتلازمان». مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للشيخ محمّد باقر المجلسي:6/48. ومثله في بحار الأنوار:48/90. المقطع الثاني: قوله عليه السلام: ï´؟القَدْرï´¾ (الله). هذا المعنى يجعل الجملة لا تنتظم مع اللفظ المتقدّم، كما أنّ من يراجع المصادر الحديثيّة يجد أنّ هذا اللفظ (القَدْر) لم يرد هكذا لا في أسماء الله التسعة والتسعين اسماً. راجع: كتاب التوحيد للشيخ محمّد بن علي بن بابويه القمّي الملقّب بالصدوق:194/ب29/8، وعدّة الداعي للشيخ أحمد بن فهد الحلي:299. ولا في غيرها من الأسماء الأخرى التي تليق بجلاله وتطلق على ذاته تعالى وتقدّس شأنه. وعن ذلك دوّن الشيخ محمّد باقر الميانجي التالي: «المستفاد من الروايات الشريفة الكثيرة أنّ الله تعالى هو الذي سمّى نفسه بالأسماء الحسنى من قبله. والواضع هو الله سبحانه، وقد اختارها لنفسه وسمّى بها نفسه». توحيد الإماميّة:61. وقد ذكر الميانجي في موضع آخر من كتابه بأنّ أسماء الله توقيفيّة. راجع: توحيد الإماميّة:72. المقطع الثالث: قوله عليه السلام: (من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر). هذا المقطع يعطينا إيحاء بأنّ هناك إمكانيّة أن يعرف المؤمن مولاتنا فاطمة عليها السلام حقّ معرفتها، وبالتالي فيه حثّاً على معرفتها ليدرك ليلة القدر. ومعرفة مولاتنا حقّ المعرفة ليست بأعظم من معرفة الخالق البارئ سبحانه وتعالى حقّ معرفته، فقد ورد في بعض النصوص المرويّة عن الإمام عليّ عليه السلام في وصف أصحاب الإمام المهديّ (كنوز الطالقان) رضي الله عنه أنّهم (عرفوا الله حقّ معرفته). راجع: منتخب الأنوار المضيئة للسيّد عليّ عبد الكريم النيلي:84-85/ف4، البيان في أخبار صاحب الزمان للشيخ محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي:106/ب5، ينابيع المودّة لذوي القربى للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي:3/298/ب98/12. هذا، وقد أشار الشيخ الصدوق إلى أنّ معرفة الله حقّ المعرفة تتحقّق عن طريق تعاليم الحجج عليهم السلام. راجع: التوحيد للشيخ الصدوق:290. والذي يشهد على قبول هذا المعنى ويساعد عليه عدّة نصوص نذكر لكم بعضها: منها: ما روي عن محمّد بن سنان قال: (كنت عند أبي جعفر عليه السلام فذكرت اختلاف الشيعة فقال: إنّ الله لم يزل فرداً متفرّداً في الوحدانية، ثمّ خلق محمّداً وعليّاً وفاطمة عليهم السلام فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق الأشياء وأشهدهم خلقها وأجرى عليها طاعتهم وجعل فيهم ما شاء، وفوّض أمر الأشياء إليهم في الحكم والتصرّف والإرشاد والأمر والنهي في الخلق، لأنّهم الولاة، فلهم الأمر والولاية والهداية، فهم أبوابه ونوّابه وحجّابه، يحلّلون ما شاء ويحرّمون ما شاء ولا يفعلون إلّا ما شاء، عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون. فهذه الديانة التي من تقدّمها غرق في بحر الإفراط، ومن نقصهم عن هذه المراتب التي رتّبهم الله فيها زهق في برّ التفريط، ولم يوف آل محمّد حقّهم فيما يجب على المؤمن من معرفتهم، ثمّ قال: خذها يا محمّد فإنّها من مخزون العلم ومكنونه). البحار:25/339/ب10/21. ويُستفاد من الخبر أنّ من لم يتقدّم ولم يتأخّر عن تلك المعرفة فهو ممّن وفى لآل محمّد عليهم السلام بمعرفة حقّهم وأدّى ما عليه، وبالتالي فإنّه يتقاطع مع الخبر السقيم المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام المشتهر بحديث المعرفة بالنورانيّة. ومنها: ما روي عن يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق عليه السلام- في حديث نأخذ منه موضع الحاجة- قال: (الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت، وأنّ العلماء ورثوا العلم بالطلب، وأنّ الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة، فمن أخذه بهذه السيرة إمّا أن يسفل وإمّا أن يرفع، وأكثرهم الذي يسفل ولا يرفع إذا لم يرع حقّ الله ولم يعمل بما أُمر به، فهذه صفة من لم يعرف الله حقّ معرفته فلم يحبّه حقّ محبته، فلا يغرّنك صلاتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم...يا يونس! إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت، فإنّا ورثنا وأوتينا شرع الحكمة وفصل الخطاب). كفاية الأثر في النصّوص على الأئمّة الإثني عشر للشيخ علي بن محمّد الخزّاز القمّي:257-258، البحار:36/404/ب46/15. ومنها: ما في كتاب الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام قال: (وأروي: أنّ المعرفة التصديق والتسليم والإخلاص في السرّ والعلانية. وأروي: أنّ حقّ المعرفة: أن تطيع ولا تعصي، وتشكر ولا تكفر). البحار:3/13-14/ب1/32-34. ومنها: ما يشير إليه المروي عن هشام بن سالم قال: (كنت عند الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعين، فقال له معاوية بن وهب: يا ابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رأى ربّه على أيّ صورة رآه؟ وعن الحديث الذي رووه أنّ المؤمنين يرون ربّهم في الجنّة على أيّ صورة يرونه؟ فتبسّم عليه السلام ثمّ قال: يا فلان! ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه لا يعرف الله حقّ معرفته. ثمّ قال عليه السلام: يا معاوية! إنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم لم ير ربّه تبارك وتعالى بمشاهدة العيان، وأنّ الرؤية على وجهين: رؤية القلب ورؤية البصر، فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب، ومن عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته، لقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من شبّه الله بخلقه فقد كفر، الحديث). كفاية الأثر:260، البحار:36/406/ب46/16. لا بدّ أن نعلم أنّ الكفر درجات، وليس كلّ كفر ورد في بعض النصوص يُراد به المروق من الدّين، وإنّما يراد ببعضه الانحراف والخطأ والإثم وما إلى ذلك. وفي الموروث الروائي يوجد ميزان شرعيّ وبواسطته يتمّ التفريق بين الجاهل والعالم، ودرجات الإيمان بين النّاس وقابلياتهم، وكذلك بين القاصر والمقصّر والمتعمّد، فهناك ضعاف العقول والمستضعفون والمرجون لأمر الرحمن، وبالتالي فلا يصحّ التسرّع باتّهام الآخرين بالكفر الأعظم ورجمهم بعبارات الخروج من الدّين الخاتم. على أيّ حال لاحظوا معي أيّها الأحبّة كيف ترتبط المعرفة الحقّة بعدم التشبيه والتجسيم. وكما أنّ معرفتها عليها السلام حقّ المعرفة غير مغلقة على فهم الموالين بعد ما عرّف المعصوم نوعها لهم وتبدّت لنا خصائصها وجنباتها، فكذلك معرفة أهل البيت حقّ المعرفة صلوات الله عليه أجمعين غير ممتنعة، بل هي مبذولة لمحبّيهم ومريديهم، وأضع الوثائق المعبرّة عن ذلك بين أيديكم: الأولى: روي عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم- في حديث نأخذ ما يتعلّق بموضوعنا- قال: (وخلق منّي ومن عليّ وفاطمة: الحسن، ودعاه فأطاعه، وخلق منّي ومن عليّ وفاطمة: الحسين، فدعاه فأطاعه. ثمّ سمّانا بخمسة أسماء من أسمائه...ثمّ خلق منّا ومن نور الحسين تسعة أئمّة، فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق سماء مبنيّة وأرضاً مدحيّة، ولا ملكاً ولا بشراً، وكنّا نوراً نسبّح الله ونسمع له ونطيع. قال سلمان: فقلت يا رسول الله! بأبي أنت وأمي فما لمن عرف هؤلاء؟ فقال: يا سلمان! من عرفهم حقّ معرفتهم واقتدى بهم ووالى وليّهم وتبرأ من عدوّهم، فهو والله منّا، يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن...ثمّ قال: يا سلمان! إنّك مدركه- أي يدرك الإمام المهديّ في الرجعة- ومن كان مثلك، ومن تولّاه بحقيقة المعرفة. قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، الحديث). دلائل الإمامة للشيخ محمّد بن جرير الطبري الآملي:448-449/424/28. يستوحى من هذا الحديث أنّ هناك من يتولّى الإمام الحجّة عليه السلام بحقيقة المعرفة. ولا يغيب عن بالكم أنّ هذه المعرفة والبصائر تتأتى للموالي عن طريق مصادر المعرفة المعصوميّة الحقّة بعد توفيق الله سبحانه وتعالى له ومعونته. ومن الجليّ أنّ مراتب المعرفة تتفاوت من شخص إلى آخر، كما أنّ طبقات المعرفة متدرّجة، وكلّ يستقي بحسب ما أعطاه الله عزّ وجلّ من الفهم والعقل وبمقدار جهد الشخص في التخلّص من العلائق وسلوكه طريق طلب التفقّه وسعيه في مدارج التحقيق في المعارف الإلهيّة. وسنستمع إلى روايتين معتبرتين (معتبر ضريس ومعتبر زرارة) يصبّ مضمونهما في هذا المسار المعرفي الخصب ويتعلّق بهذا الجانب. الثانية: معتبر عن ضريس الكناني قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول- وعنده أناس من أصحابه-: عجبت من قوم يتولّوننا ويجعلوننا أئمّة ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقّنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا. أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ثمّ يخفى عنهم أخبار السّماوات والأرض ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم؟! إلى آخر ما جاء في الرواية). الكافي:1/261-262/كتاب الحجّة/باب أنّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون/4، مرآة العقول:3/131، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام:6/343. ومثله في بصائر الدرجات للشيخ محمّد بن الحسن الصفّار:1/144/ب5/3، مختصر بصائر الدرجات للشيخ حسن بن سليمان الحلّي:120-121. الثالثة: معتبر زرارة قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمداً صلّى الله عليه وآله إلى النّاس أجمعين رسولاً و حجّة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله واتّبعه وصدّقه فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقّهما؟! قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدّق رسوله في جميع ما أنزل الله، يجب على أولئك حقّ معرفتكم؟ قال: نعم، أليس هؤلاء يعرفون فلاناً وفلاناً، قلت: بلى، قال: أترى أنّ الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلّا الشيطان، لا والله ما أَلهَمَ المؤمنين حقّنا إلّا الله عزّ وجلّ). الكافي:1/181/باب معرفة الإمام والردّ إليه/3، مرآة العقول:2/302، مستدرك سفينة البحار:9/152. وفي هذا الاتّجاه روي في خبر بما معناه أنّه لا ثواب لمن كان جاهلاً بحقّهم عليهم السلام. راجع: كتاب ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للشيخ محمّد بن عليّ القمّي المشتهر بالصدوق:2/204/باب من جهل حقّ أهل البيت عليهم السلام/1. والمفهوم من هذا أنّ غير الجاهل بحقّ المعصومين عليهم السلام يستحقّ الثواب. وكما أسلفنا فإنّ الجهل على أنواع، والإيمان درجات، والعقول متفاوتة في الإدراك والاستعداد والفهم شدّة وضعفاً، وأنّ البارئ العادل الحكيم الرؤوف الرحيم، لا يحاسب كلّ خلقه بحساب واحد ولا بمستوى واحد، وإليه الإشارة بما جاء خبر زياد بن المنذر الجارودي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: (إنّما يُداقّ الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدّنيا). المحاسن للشيخ أحمد بن محمّد البرقي:1/195/كتاب مصابيح الظُلم/ب1 العقل/16، الكافي:1/11/كتاب العقل والجهل/7. وقوّى سنده في روضة المتّقين:12/244. قال الشيخ محمّد محسن بن مرتضى الملقّب بالفيض الكاشاني مبيّناً: «يداقّ اللَّه: من الدقة في الحساب، أي: يناقشهم فيه لمّا كانت العقول متفاوتة كمالاً ونقصاً والتكاليف إنّما تقع على مراتب العقول، فالأقوى عقلاً أشدّ تكليفاً، فيناقش في الحساب يوم القيامة مع أهل الفطانة بما لا يناقش به ضعفاء العقول». الوافي:1/82. ومن جهته عبّر الشيخ محمّد باقر الشريعتي الأصفهاني عن هذه الرؤية فيما استفاده من نصوص إثبات الإمامة للمعصومين وإقرار الحجّة لهم، فقال: «وجوب معرفتهم حقّ المعرفة بمقدار الإمكان، لأنّ النّاس كلّهم مكلّفون بمعرفة الإمام ومضطّرون إلى معرفته، وليسوا بمعذورين بترك معرفته». راجع: البيان في معرفة أهل الإيمان:167. ولعلّ ممّا يرشد إلى إمكانيّة معرفة حقّهم ما روي عن عبد الأعلى الكوفي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ما تنبئ نبيّ قط إلّا بمعرفة حقّنا وبفضلنا عمّن سوانا). بصائر الدرجات:1/94/ب9. إذا اتّضح ذلك لكم، فإنّ الشيخ محمّد السند قد مال إلى تقسيم المعرفة إلى مراحل، ونحن نختلف معه في تقسيمه ونتّفق معه في أصل تفاوت المعرفة، تحدّث فضيلته عن معرفة الإمامة فقال: «فالتعريف بافتراض الطّاعة والنصّ والوصيّة تعريف للمرحلة الأولى الابتدائية، وأمّا المرحلة المتوسطة (وهي البلوغ في المعرفة) فملك الرجعة، وأمّا المرحلة الثالثة (وهي الكمال في المعرفة) فملك الجنّة». الرجعة بين الظهور والمعاد:200. وراجع كلامه صفحة:197-198. وبالجملة: فإنّ المستفاد من مجموع هذه النصوص المعصوميّة إمكانيّة معرفة الله جلّ ثناؤه حقّ معرفته لا كنه معرفته، لأنّ كنه معرفته تبارك وتعالى ممتنعة مغلقة. وعليه فإنّ معرفة كنه الله جلّ جلاله تتحقّق بالإذعان بعدم معرفة كنهه سبحانه، والتسليم إلى هذا المبدأ ، والكفّ عن التفكّر في هذه القضيّة، والحظر من الخوض فيها. والذي يدعم فكرة عجز المخلوقين عن بلوغ كنهه تعالى شأنه على كلّ تقدير وفي جميع الأحوال ويكشف امتناعهم عن الإحاطة بحقيقة المهيمن ذي العزّة والجلال، ما رواه الشيخ الكليني مسنداً عن محمد بن حكيم قال: (كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام إلى أبي: أنّ اللَّه أعلا وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفّوا عمّا سوى ذلك). الكافي:1/102/باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه/2. وعلّق الشيخ المازندراني على الرواية قائلاً: «قوله عليه السلام: (أنّ الله أعلا وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته) أي: نهايته، إذ ليس لما يعتبره العقول من كماله سبحانه نهاية يقف عندها أو حقيقتها، إذ ليس لصفته حقيقة ملتئمة من أجزاء خارجيّة أو ذهنيّة، فصفوه بما وصف به نفسه، وهو أنّه خالق كلِّ شيء وله الخلق والأمر، ولا شريك له ولا نظير له، ولا والد له ولا ولد، وليس كمثله شيء، وهو السميع العليم، إلى غير ذلك ممّا ذكره في القرآن الكريم». شرح أصول الكافي:3/210-211. وما رواه عبد الرحيم القصير قال: (كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عزّ وجلّ هل يوصف بالصورة وبالتخطيط؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليّ بالمذهب الصحيح من التوحيد. فكتب عليه السلام بيدي عبد الملك بن أعين: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون المشبّهون الله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله، واعلم رحمك الله أنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزّ وجلّ، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون، ولا تعدُ القرآن فتضلّ بعد البيان). التوحيد للصدوق:102/ب6 في إنّ عزّ وجلّ ليس بجسم ولا صورة/15. ومثله بأدنى تفاوت في الكافي:1/100/كتاب التوحيد/باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى/1. إذن بهذا السرد بات من الواضح للأعزّة أنّ عدم معرفة الكنه مختصّة بالقيّوم المتعالي الحقّ خالق الخلق، ولا يمكننا اعتماد غير ذلك وتزحيف هذه المسألة إلى ساحة المعصوم وترحيلها إلى باحة المخلوق. المقطع الرابع: قوله عليه السلام: (لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها). أوّلاً: يحتمل بعض الفضلاء أنّ المقصود بكلمة (الخلق) أوسع نطاقاً من دائرة الإنس والجنّ. راجع: اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء للشيخ محمّد عليّ التبريزي الأنصاري:98/هامش/تحقيق السيّد هاشم الميلاني. وذكر نحو ذلك الشيخ وحيد الخراساني، ففي تعليقه على العبارة السابقة قال: «كلّ الخلق، بمن فيهم جبرائيل وميكائيل واسرافيل، مفطومون عن معرفة فاطمة، ومقطوعون عن ذلك!». كلمة مسجّلة لفضيلته في 27 جمادى الأولى 1439 هـ - 2018 م. وكتب الشيخ حسن زاده الآملي على طريقته العرفانيّة التي لا نعتقد بها، قال: «وإنّما فُطم الخلق عن كنه معرفتها، لأنّ من ليس بذي العصمة يُدرك العصمة مفهوماً ولا يُدركها ذوقاً...والمراد بالذوق في اصطلاح العارف بالله ما يجده العالم على سبيل الواجدان والكشف لا البرهان والكسب». ممدّ الهمم في شرح فصوص الحكم:654. ويُلحظ في كلامه أنّه يتحدّث عن كنه معرفتها لا معرفتها. ثانياً: نلاحظ أنّ هذه الفقرة (فطموا عن معرفتها) لا تتحدّث عن معرفتها حقّ المعرفة، وإنّما تتحدّث فقط عن معرفتها. على أنّه كلمة (معرفتها) لا تخلو من أحد معنيين: المعنى الأوّل: الكلام كان عن معرفتها (حقّ المعرفة). وإذا اعتمدنا هذا المعنى فههنا يواجهنا الإشكال المتقدّم في المقطع الثاني، ثمّ إنّه إذا كانت قضيّة معرفتها سلام الله عليها حقّ المعرفة منتفيّة من الأساس ولا سبيل إليها، فلِمَ توحي العبارة (من عرف فاطمة حقّ المعرفة) بالترغيب لبذل الجهد لنيل هذه المعرفة وأنّ على المؤمن القاصر الفهم المحدود الإدراك السعي والرقي لمعرفة من فُطم (الخلق) عن معرفتها؟! المعنى الثاني: الكلام كان عن معرفتها العاديّة غير المتلبّسة بحقّ معرفتها. فنقول: إذا كانت معرفتها عليها السلام حقّ المعرفة غير ممتنعة- كما لاحظنا- فإنّ المعرفة الأبسط متيسّرة قطعاً. والمعرفة الحقّة لا تتمّ إلّا بالرجوع إلى نصوص النبيّ والعترة الطاهرة المتوفّرة ليقف الموالي على مقاماتها وفضلها ومعرفتها، وبحمد الله سبحانه فإنّ مجاميعنا الحديثيّة والمناقبيّة لا تخلو من تلك النصوص المعصوميّة المتكثّرة، فراجعها إن كان الأمر يهمّك تظفر إن شاء الله بمرادك. ثمّ إنّ المعنى الثاني لا يتوافق ظاهراً مع خبر أمالي الطوسي الآتي والذي هو أولى بالقبول من خبر تفسير فرات الكوفي. وقفة مع خبر الأمالي أخرج الشيخ الطوسي في أماليه بسند ضعيف عن أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: (إنّ الله تعالى أمهر فاطمة عليها السلام ربع الدّنيا، فربعها لها، وأمهرها الجنّة والنّار، تدخل أعداءها النّار، وتدخل أولياءها الجنّة، وهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى). الأمالي للشيخ محمّد بن الحسن الطوسي:668/مجلس يوم الجمعة:36/6، عنه البحار:43/105/ب5/19. ومجمع النورين للشيخ أبي الحسن المرندي:34. ولكي نقطع الطريق على من يحاول إيجاد تخريجات فاقعة أو إنشاء أرضيّة مشتركة للجمع بين هذه الرواية (رواية أمالي الطوسي) ورواية فرات الكوفي، نبدأ بشرح فقرات رواية الأمالي بالصورة التالية: ألف- معنى القرون. (القرن) لغة: الأمّة من النّاس، والقرن من النّاس أهل زمان واحد. ويقال عمر كلّ قرن ستون أو سبعون أو ثمانون سنة. وسمّوا قرناً لأنّهم حدّ الزمان الذي هم فيه. راجع: العين للشيخ الخليل بن أحمد الفراهيدي:5/141/حرف القاف/باب القاف والراء والنون معهما/مادة: قرن، الصحاح للشيخ إسماعيل بن حمّاد الجوهري:6/2180/فصل القاف/مادة: قرن، الفروق اللغوية للشيخ أبي هلال العسكري:427/حرف القاف/1716، معجم المقاييس اللغوية للشيخ أحمد بن فارس بن زكريا:5/77/كتاب القاف/مادة: قرن. وأشار إلى ذلك الشيخ يعقوب بن إسحاق الأحوازي المعروف بابن السكيت في ترتيب إصلاح المنطق:305/حرف القاف/مادة: القرن. وفي بعض تفاسير أهل الجمهور ورد أنّ القرن أربعون أو خمسون أو مائة سنة. راجع: الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور للشيخ جلال الدين السيوطي:5/71-72، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشيخ محمّد بن عليّ الشوكاني:4/78 ومال إلى عدم صحّتها. يقول الشيخ محمّد باقر الكجوري: «يطلق القرن: على كلّ ثمانين سنة أو سبعين أو ثلاثين أو أهل كلّ زمان، أي: مَن يعيشون في جيل واحد وفي فترة زمانيّة واحدة ويبعث فيهم نبيّ، أو أنّه غالب عمر النّاس، أي: المعدّل الذي يعمّر فيه الإنسان. قيل: إذا ذهب القرن الذي أنت فيه وخُلِّفت في قرن فأنت غريب. وقال تعالى: ï´؟فما بال القرون الأُولىï´¾ سورة طه:51.، أي: سعادة الأُمم السابقة وشقاوتها». الخصائص الفاطميّة:1/223/الخصيصة:14. وكتب ألشيخ أبو الحسن المرنديّ التالي: «أقول أنّ المراد من (القرون) هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأممهم من آدم فمن دونه، حتّى نفس خاتم الأنبياء صلّى الله عليهم أجمعين». مجمع النورين وملتقى البحرين:40. ونقل الشيخ محمّد فاضل المسعودي عن المحقّق البارع أبي الحسن النجفي- والظاهر أنّه يتبنّى ما قاله- أنّه قال ما نصّه: «إنّ المراد من القرون هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأمم من آدم فمن دونه حتّى نفس خاتم الأنبياء صلّى الله عليه وآله وسلّم أجمعين». الأسرار الفاطميّة:82. والبعض يظنّ أنّ المراد من (القرون الأولى) أي: إنّه إشارة إلى الأنبياء السابقين. راجع: محاضرة السيّد منير الخبّاز وإجابة للشيخ محمّد السند على مواقع التواصل الاجتماعي. ويحتمل الشيخ مسلم الداروي أنّ يكون المراد بـ: (القرون الأولى) الأمم السابقة على أمّة النبيّ الأكرم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم. راجع: مؤسّسة الإمام الرضا عليه السلام للبحث والتحقيق العلمي/الأسئلة العقائدية/سؤال رقم:161. أقول: ليس المراد من عبارة (على معرفتها دارت القرن الأولى) كلّ فرد يعيش فيه، لأنّ في أتباع الرسل منافقين وفي غير الأتباع الكثير من الكافرين. وأودّ التنويه إلى أنّ العبارة لا تعني عجز القرون عن معرفتها سلام الله عليها كما يزعم بعض الفضلاء، ولا شكّ أنّ من يصرّ على ذلك يوقع نفسه في مخالفات لغوية. باء- معنى دارت. (دار) لغة: دار الشيء يدور دوّراً ودوراناً: إذا طاف حول الشيء. راجع: صحاح الجوهري:2/660/باب الراء/فصل الدال/مادة: دور، مجمع البحرين للشيخ فخر الدّين الطريحي:3/304/كتاب الراء/باب ما أوّله الدال/مادة: دور. ويقال: دارت عليه رحى الموت: أي: نزل به الموت. راجع: مجمع البحرين:1/179/كتاب الألف/باب ما أوله الراء/مادة: رحا. وفي المثل يقال: دارت بهم أو عليهم الدوائر، ودارت عليهم رحى الحرب، أي: نشبت واشتدّت. وقد جاء في الحديث: (تدور رحى الإسلام من مهاجرك، فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك). مقدّمة الصحيفة السّجاديّة للإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام. وفي حديث آخر: (تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين). المسند للشيخ أحمد بن حنبل:1/390. وصحّ بالأحاديث المتضافرة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار). راجع: شرح نهج البلاغة للشيخ عبد الحميد بن هبة الله المعروف بابن أبي الحديد المعتزلي:9/88، مرآة العقول:5/332، الغدير في الكتاب والسنّة والأدب للشيخ عبد الحسين الأميني:3/177-180، مستدرك سفينة البحار:8/189، والسنّة في الشريعة الإسلاميّة للسيّد محمّد تقي الحكيم:63. وفي معتبر ابن أبي يعفور قال : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولو العزم من الرسل وعليهم دارت الرحى: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلّى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء). الكافي:1/175/باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة/3، مرآة العقول:2/286، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام:7/157. وتعقبّه المازندراني بالتالي: «قوله : (وعليهم دارت الرَّحى) يقال: دارت رحى الحرب إذا قامت على ساقها، وأصل الرَّحى هي الّتي يطحّن بها، والمعنى: يدور عليهم الإسلام ويمتدُّ قيام أمره على سنن الاستقامة والبعد من أحداث الظلمة الكفرة، فهم بمنزلة القطب من الرَّحى». شرح الكافي:5/113. ومن جانبه أوضح المجلسي ما يلي: «(عليهم دارت الرحى) أي: رحا النبوّة والرسالة والشريعة والدّين، وسائر الأنبياء تابعون لهم فهم بمنزلة القطب للرحى». مرآة العقول:2/286. حسناً، بعد أن تناولنا كلمتي (القرون) و (دارت) واتّضح نوعاً ما معناها وبان لنا مغزاها أضع تحت نظركم عبائر الشرّاح ليكون أَدْعى للقبول عندكم: قال الشيخ أبو الحسن المرنديّ: «يعني ما بعث الله عزّ وجلّ أحداً من الأنبياء والأوصياء حتّى أقرّوا بفضل الصدّيقة الكبرى ومحبّتها، ويؤيّده ما ذكره السيّد- يقصد هاشم البحراني- قدس سره في مدينة المعاجز عنه عليه السلام: (ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها)، ولأنّ وقوع النكرة في سياق النفي يفيد العموم». مجمع النورين:40. ونحوه في الأسرار الفاطميّة:82. وسجّل الأستاذ حيدر حبّ الله ما يلي: «وفسّر هذا الحديث بأنّ الأمم السابقة كانت تعرف الزهراء عليها السلام وكانت تفتخر بها وتتوسّل بها، وأنّه ما تكاملت نبوّة نبيّ إلّا بها وبالإيمان بها ومعرفة حقّها، كما فسّر ذلك بما يرتبط بالولاية التكوينية وأنّ عليها سلام الله عليها مدار الوجود منذ بدئه، وغير ذلك». راجع: إجابة على موقعه عن سؤال بهذا الخصوص. وأجاب آخرون عن معنى (على معرفتها دارت القرون الأولى) بمضمون: أنّ جميع الأنبياء والمرسلين أمروا أممهم بمعرفة الصدّيقة الكبرى، وكلّفوهم عرفان المقامات الفاطميّة ومنزلتها. هذا ما قاله الشيخ محمّد باقر الكجوري، والسيّد كمال الحيدري، والسيّد أحمد الشيرازي، وغيرهم. وتجد إجابة بعضهم على صفحات الشبكة العنكبوتيّة. بدوره دوّن الشيخ الكجوري التالي: «أنّ جميع الأنبياء والمرسلين أمروا أممهم بمعرفة الصدّيقة الكبرى، وكلّفوهم عرفان المقامات الفاطميّة، أي: إنّ أحكام جميع الأمم وتكاليفهم الشرعيّة منوطة بمعرفة الزهراء عليها السلام. ثمّ يواصل الكجوري قوله: وبعبارة واضحة: إنّ السّعادة والشقاء لأهل كلّ زمان تدور مدار (التولّي والتبرّي) لجناب الصدّيقة الكبرى، وإنّ دين الأنبياء جميعاً منوط بحبّها». الخصائص الفاطميّة:1/223-225/الخصيصة:14. ولعلّ الذي يدعم هذه العبائر ما جاء في الخبر الضعيف أنّ مولاتنا الزهراء البتول كانت مفترضة الطاعة كالأئمّة عليها وعليهم صلوات الجليل، فعن أبي بصير عن الإمام أبي جعفر عليه السلام: (ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطّاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة). مستدرك سفينة البحار للشيخ عليّ النمازي الشاهرودي:6/208. المقطع الخامس: قال الله تقدّست أسماؤه وتباركت آلاؤه: ï´؟وما أدراك ما ليلة القدرï´¾. أمام هذا المقطع نواجه السؤال التالي: من المعني بقوله تبارك وتعالى: ï´؟وما أدراكï´¾؟ والإجابة عن ذلك تتلخّص بنقطتين: النقطة الأوّلى: إذا كان المعني به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإنّ ذلك يشكّل علامة استفهام كبيرة حول النصوص المتضمّنة بأنّهم عليهم السلام خُلِقوا أشباحاً قبل خلق نبيّ الله آدم عليه السلام وذريته، وأنّهم خُلِقوا من نور واحد. راجع: كفاية الأثر للشيخ الخزاز القمّي:152، تأويل الآيات:1/398/27، المحتضر للشيخ حسن الحلي:202/249، البحار:27/131/ب4/122 و:35/28/ب1/24 و:36/73/ب37/24. النقطة الثانية: إذا كان المعنى هو أنّ ذلك خطاب للمؤمنين لكي يحرّك فيهم أمواج المعرفة عبر وسائل العلم والوعي ولتنفتح لهم أسرار ليلة القدر بالتمعّن والتدقيق فيها كما يرى ذلك صاحب الأسرار الفاطميّة. راجع: الأسرار الفاطمية:369. فهذا يوحي، كما قلنا فيما سبق، إمكانية معرفة سيّدتنا الحوراء سلام الله عليها. لكن يبقى هناك أمر مشكل، فبحسب الظاهر أنّ هذه الجملة القرآنيّة ï´؟وما أدراك ما ليلة القَدْرï´¾ يصعب جعل مفهومها متناسقاً مع التأويل السابق تأويل (الليلة) بمولاتنا عليها السلام، وتأويل (القَدْر) بالبارئ جلّت قدرته، فلاحظ. المقطع السادس: قوله عليه السلام: ï´؟خير من ألف شهرï´¾ (يعني خير من ألف مؤمن). هذا المعنى غير تامّ، ولا يمكن استساغته جزماً، حتّى وإن جعلناه من باب التأويل أو التطبيق، وذلك لسببين: الأوّل: بحسب المعنى التأويلي فإنّه لا يقتصر مقايسة مقام سيّدتنا الزهراء عليها السلام وفضلها وخيريّتها بهذا العدد الإيماني ولا أضعاف أضعافه فحسب، بل لا يصحّ إجراء المقايسة أصلاً، لأنّ النبيّ محمّد وآل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم لا يُقاس بهم أحد من النّاس. أنظر: نهج البلاغة:1/30/الخطبة:2، الرياض النظرة في مناقب العشرة للشيخ محبّ الدين أحمد بن عبد الله الطبري:3/180/ف7، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للشيخ عبيد الله بن عبد الله الحسكاني:2/271/904، تأويل الآيات الظاهرة:2/618/5، البحار:24/274/ب63/59، ينابيع المودّة لذوي القربى:2/117/ب56/334، أهل البيت في الكتاب والسنّة للشيخ محمّد الريشهري:168-170/القسم الثالث/الفصل الأول. وبصرف النظر عن ذلك ما هو الرابط بين الشهر والمؤمنين ووجه المناسبة؟ الثاني: بحسب المعنى الظاهري فإنّ المراد بليلة القدر، كما مرّ بنا، هو الليلة التي تقع في العشر الأواخر من شهر رمضان وتفرق فيها الأمور، فكيف تكون جملة (خير من ألف مؤمن) من تطبيقات تلك الليلة المباركة ومن مصاديقها؟ وما هي علاقة خيريّة الليلة بالأعداد البشريّة المؤمنة؟ أليس التقابل يقتضي أن يكون الحديث عن الأيّام والشهور ليتناسب المعنى؟ بل هذا المقطع حقيقة لا يتمازج مع مضمون نصوص أخرى إن لم نقل إنّه يتباين معها، وإليكم بعضها: منها: ما رويّ عن أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: (قوله عزّ وجلّ ï´؟خير من ألف شهرï´¾ هو سلطان بني أميّة، وقال: ليلة من إمام عدل خير من ألف شهر ملك بني أميّة. وقال: ï´؟تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهمï´¾ أي: من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد بكلّ أمر سلام). تأويل الآيات:2/871-818/2، تفسير البرهان:5/712-713/23 و26. ومنها: ما رويّ عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: (أُرِيَ رسول الله صلّى الله عليه وآله [في منامه] بني أميّة يصعدون على منبره من بعده ويضلّون النّاس عن الصراط القهقرى، فأصبح [كئيبا] حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل عليه السلام...وأنزل عليه ï´؟إنّا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهرï´¾ جعل الله عزّ وجلّ ليلة القدر لنبيه صلّى الله عليه وآله خيراً من ألف شهر ملك بني أميّة). تفسير البرهان:5/712/20. ومنها: ما رويّ عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، [قالوا]: (قال له بعض أصحابنا، ولا أعلمه إلّا سعيد السمان: كيف تكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟ قال: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر). تفسير البرهان:5/710/14. ومنها: ما رويّ عن حمران أنّه سأل الإمام الباقر عليه السلام: (قلت: ï´؟ليلة القدر خير من ألف شهرï´¾ أيّ شيء عنى بذلك؟ فقال: العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير، خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ولو لا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين، ما بلغوا، ولكنّ الله يضاعف لهم الحسنات). تفسير البرهان:2/711/16. المقطع السابع: قوله عليه السلام: (وهي أُمّ المؤمنين). لم يرد في النصوص التامّة التي يعتمد عليها ويركن إليها أنّها عليها السلام أمّ المؤمنين أو أنّها كُنّيت بهذه الكنية، كما أنّ من المعلوم أنّ أُمّهات المؤمنين غيرها صلوات ربّي وسلامه عليها. نعم، ذكر أنّها عليها السلام كانت تُكنّى بأمّ أبيها. راجع: مقاتل الطالبيّين للمؤرّخ أبي الفرج عليّ بن الحسين الأصفهاني:29، تاج المواليد للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي:20، مناقب آل أبي طالب للشيخ محمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني:1/140. المقطع الثامن: قوله عليه السلام: ï´؟تنزّل الملائكةï´¾ والملائكة المؤمنون. لا جرم أنّ هذا المعنى لا ينسجم مع الأخبار التي سنتطرّق إليها بعد قليل، بل إنّ هذا المقطع من الآية ï´؟تنزّل الملائكةï´¾ فُسرّ في بعض النصوص الآتية بصورة مغايرة. ثمّ إنّنا نلحظ في متن الخبر غرابة ونتلمّس نكارة، فتارة يأوّل كلمة (شهر) بالمؤمنين، وتارة أُخرى يأوّل كلمة (الملائكة) بالمؤمنين. ومن ذلك المشهد يعترضنا هنا السؤال الآتي وهو: كيف ينزل المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد بصورة مستمرّة طوال فترات تنوجد فيها ليلة القدر حتّى يظهر مولانا القائم عليه السلام؟! والشيء المحيّر حقّاً أنّك لو قمت بمراجعة النصوص سترى أنّها تؤكّد على أنّ هذا النزول سيستمرّ إلى قُبيل يوم القيامة. أنظر: الكافي:1/245-251/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/ح3 و7 و8، تأويل الآيات:2/819-825/ح5 و6 و7 و9 و10 و14، تفسير البرهان:5/704-714/ح3 و4 و8 و9 و16 و17 و24 و29. قال السيّد شرف الدّين الأسترآبادي: «فلا بدّ من رجل تنزل عليه الملائكة والروح فيها بالأمر المحتوم في ليلة القدر في كلّ سنة، ولو لم يكن كذلك لم يكن بكلّ أمر. ففي زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله كان هو المُنزّل عليه، ومن بعده على أوصيائه أوّلهم أمير المؤمنين وآخرهم القائم عليهم السلام، وهو المُنزّل عليه إلى يوم القيامة، لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة الله عليها». تأويل الآيات:2/820. وأضاف في موضع آخر هذه الجملة: «اعلم أنّ حاصل هذا التأويل، أنّ ليلة القدر باقية إلى يوم القيامة، لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة الله سبحانه وتعالى عليها، تنزل فيها عليه الملائكة والروح من عند ربّهم من كلّ أمر إلى الليلة الآتية في السنة المقبلة، من لدن آدم إلى أن بعث الله سبحانه نبيّه صلّى الله عليه وآله، فكان هو الحجّة المنزلة عليه، ثمّ من بعده أمير المؤمنين، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ الأئمّة واحد بعد واحد إلى أن انتهت الحجّة إلى القائم صلوات الله عليهم أجمعين صلاة باقية إلى يوم الدّين». تأويل الآيات:2/828. حان الوقت لكي أنقل إليكم حزمة مقتطفة من الأخبار التي تغاير المقطع المذكور والمطلب المسطور في رواية تفسير فرات الكوفي: منها: ما رويّ عن الإمام الباقر عليه السلام- في حديث نأخذ منه موضع الحاجة- قال: (أنّه ليس من يوم ولا ليلة إلّا وجميع الجنّ والشياطين تزور أئمّة الضلالة، ويزور إمام الهدى- في نسخة وتزور أئمّة الهدى- عددهم من الملائكة، حتّى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى ولي الأمر...إنّ الله عزّ وجلّ أعظم من أن ينزل الأمر مع الروح والملائكة إلى كافر فاسق). الكافي:1/253/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/9، تفسير البرهان:5/709/10. ومنها: ما رويّ محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: (سألته عن علامة ليلة القدر؟ فقال: علامتها أن تطيب ريحها، وإن كانت في برد دفئت، وإن كانت في حرّ بردت وطابت. قال: وسئل عن ليلة القدر، فقال: تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السّماء الدّنيا، فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد، وأمره عنده موقوف [له]، وفيه المشيئة فيقدّم [منه] ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء، ويمحو ويثبت وعنده أمّ الكتاب). تفسير البرهان:5/710/13. ومنها: ما رويّ عن عبد الله بن عجلان السكوني قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: بيت عليّ وفاطمة من حجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسقف بيتهم عرش ربّ العالمين، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي، والملائكة تنزّل عليهم بالوحي صباحاً ومساءً...وما من بيت من بيوت الأئمّة منّا إلّا وفيه معراج الملائكة لقول الله عزّ وجلّ: ï´؟تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهمï´¾). تأويل الآيات:2/818-819/4، تفسير البرهان:5/714/28. ومثله في البحار:25/97/ب3/71. ومنها: ما رويّ عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا تلا: ï´؟إنّا أنزلناه في ليلة القدرï´¾ يقول: صدق الله، أنزل [الله] القرآن في ليلة القدر، ï´؟وما أدراك ما ليلة القدرï´¾ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا أدري، قال الله عزّ وجلّ: ï´؟ليلة القدر خير من ألف شهرï´¾ ليس فيها ليلة القدر. وقال الله لرسوله صلّى الله عليه وآله: هل تدري لم هي خير من ألف شهر؟ قال: لا، قال: لأنّها ï´؟تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمرï´¾ وإذا أذن الله بشيء فقد رضيه، ï´؟سلام هي حتّى مطلع الفجرï´¾ يقول: تسلّم عليك يا محمّد ملائكتي وروحي بسلامي من أوّل ما يهبطون إلى مطلع الفجر). تأويل الآيات:2/822/11، تفسير البرهان:5/705/5. ونحوه في الكافي:1/247/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/4. ومنها: ما رويّ عن ابن عبّاس عن النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم- في حديث- قال: (إذا كانت ليلة القدر تنزل الملائكة، الذين هم سكّان سدرة المنتهى وفيهم جبرئيل، ومعهم ألوية). تأويل الآيات:2/816/1، تفسير البرهان:5/714/30. وكذا يشير إلى ذلك المرويّ عن الإمام أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: (ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد ردّ على الله عزّ وجلّ علمه). الكافي:1/250/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/7، تأويل الآيات:2/825/14. المقطع التاسع: قال عليه السلام: ï´؟والروح فيهاï´¾ (والروح القدس هي فاطمة). هذا الوصف لسيّدة نساء العالمين بأنّها عليها السلام هي روح القدس لا يحتاج منّا إلى استرسال وتطويل ومطّ الكلام وتكثير القول، لأنّه مخالف للروايات المستفيضة الواضحة، ولا يستقيم مع الروايات المعتبرة التي وصفته بأنّه خلق يُلهم المعصومين العلم، أو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل عليهما السلام يسدّد المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم. راجع: المحاسن:2/315/كتاب العلل/32، بصائر الدرجات:1/365-376/ب16-ب18، الكافي:1/273-/كتاب الحجّة/باب الروح التي يسدّد الله بها الأئمّة عليهم السلام/1-4، البحار:25/47-53 و58-70/ب3، روضة المتّقين:5/470 و:12/209-210، مرآة العقول:3/169-172، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام:4/314-316. ولو تنزّلنا وقبلنا حمله على المعنى التأويلي ورضينا بما فيه محاذير، فإنّه يفتقر إلى المستند الذي يحسن التعكّز عليه والاحتماء به. عموماً في نهاية مناقشة الرواية، أقصد رواية تفسير فرات الكوفي، يبدو لي أنّ المجلسي قد لاحظ اضطراب متن الرواية وارتباك فقراته، فلذا قام باختصاره في بحاره. راجع: بحار الأنوار:43/65/ب3/58. ونحن إن قبلنا بعض معانيها فحتماً لا نقبل كلّ معانيها ولا نستمرئ المفردات المضطربة والملحونة ولا نحتضن الفقرات الفاسدة التي تلاعب بها العابثون. وليعلم الأخوة الفضلاء والأخوات الفضليات أو الفاضلات أنّ الذي قادني إلى هذه المناقشة هو تلك الملاحظات والمعارضات. وفي عقيدتي أنّ الذي يساعد على إذكاء الفكرة وترسيخ النظرة هو البحث الموضوعي ومناقشة الأنظار والآراء بإنصاف وبنفس علمي. وقد جاء في معتبر جميل بن درّاج عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (أعربوا حديثنا فإنّا قوم فصحاء). الكافي:1/52/كتاب فضل العلم/باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بالكتب/13، مرآة العقول:1/183، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام:3/78. ومثله في الرعاية في علم الدراية للشيخ زين الدين بن نور الدين علي العاملي:187، وفيه: أعربوا كلامنا بدل أعربوا حديثنا. ختام به إتمام بودّي هنا لفت أنظار القرّاء الكرام إلى أنّ هناك أخباراً ترتبط بموضوعنا غير ثابتة للمعصوم شاع تناقلها من على فوق المنابر الحسينيّة وكثر تردّدها على ألسن روّاد المحافل الدينيّة، منها: نحن حجج الله على الخلق، وجدّتنا فاطمة حجّة علينا. والغريب أنّ الشيخ الفاضل محمّد فاضل المسعودي كرّر نسبته إلى الإمام العسكري عليه السلام في عدّة مواضع من كتابه الأسرار الفاطمية. راجع صفحة: 37 و53 و154 و265 و410. وهكذا نسبه إلى الإمام العسكري عليه السلام غفلة الشيخ محمّد السند في كتابه مقامات فاطمة الزهراء عليها السلام في الكتاب والسنّة. راجع صفحة:20. والأنكى من ذلك أنّ بعض الفضلاء المعاصرين يصرّ على نسبته إلى المعصوم رغم تنبيهنا له بأنّ الخبر موضوع، ويدلّس على مراجعيه في شأنّه فلا يرشدهم إلى منبعه الأصلي ولا يصارحهم بأنّه مخترع. ومنها: اللّهم إنّي أسالك بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها. وقد نبّه الشيخ محمّد فاضل المسعودي، جزاه الله خيراً، القرّاء إلى أنّ هذا الدعاء ليس للمعصوم. راجع: الأسرار الفاطميّة:25. وثمّة أخبار أُخر غير تلك يستدلّ البعض بها مع أنّها لا ترقى إلى مستوى الدليل ولا تستحقّ تدوينها، قد أعرضت عن تناولها فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً. كما أرجو من الأخوة الفضلاء (الخطباء والمؤلّفين) الذين وقعوا في اشتباهات نقليّة والتباسات خبريّة، القيام بتنبيه القرّاء والمستمعين إلى موضع خطأهم غير المقصود، وتذكير الموالين بأنّ المعلومة غذاء والكلمة مسؤوليّة، وينبغي علينا تحرّي الوثاقة فيما نبثّه للأنام وتقصّي الاطمئنان إلى ما نحدّث به الملأ العام، فقد روي عن خثيمة بن عبد الرحمن قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من تحدّث عنّا بحديث فنحن سائلوه عنه يوماً، فإن صدق علينا فإنّما يصدق على الله وعلى رسوله، وإن كذّب علينا فإنّما يكذب على الله وعلى رسوله، لأنّا إذا حدّثنا لا نقول قال فلان وقال فلان، وإنّما نقول قال الله وقال رسوله). تأويل الآيات الظاهرة:2/521/30، تفسير البرهان:4/723/9. وبعد هذا، نتمنى من الخطباء وأهل المنابر- وهي أمنية قديمة نسعى لترويجها والتثقيف عليها- تخصيص بعض الدقائق لمستمعيهم وحضّارهم بعد انتهاء محاضراتهم، لأجل الاستماع إلى ملاحظاتهم وإشكالاتهم وأخذها بنظر الاعتبار والإجابة عن أسئلتهم. نسأل الله عزّ وجلّ التوفيق لهم ولنا ومن يطلب طريق الحقّ ولملّة الإسلام، والثبات على منهجه القويم وصراطه المستقيم. وأتقدّم بالشكر للأخوين العزيزين الدكتور شامل آل مباركة وحسين الأسدي لملاحظاتهما ومساعدتهما. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد الأمين وعلى آله الميامين. جعفر صادق الحسيني البصري |
الإلفات إلى ما في خبر (فُطم الخلق عن معرفتها) من تهافت
الإلفات إلى ما في خبر (فُطم الخلق عن معرفتها) من تهافت
بسم الله خير الأسماء الحسنى المتكاثرة والحمد لله على نعمه المتواترة والصلاة والسلام على نبيّنا وعترته الطاهرة. وبعد، في ذكرى مولاتنا الزهراء المرضيّة الراضية عليها سلام الله والتحيات الزاكية، كثيراً ما يهتمّ شيعة ومحبّي أهل البيت وفقّهم الله لمرضاته بالتركيز في الأيّام الفاطميّة على مناقبيّة السيّدة فاطمة عليها السلام ومأساتها الأليمة. وفي هذه الأجواء تتداخل العاطفة مع الموروثات فيحصل أحياناً عدم التدقيق فيما يُطرح ويتدفّق، ويحدث التساهل في النقل وسرعة التصديق، من دون الالتفات إلى معاني المنقولات والوقوف على دقائق المعطيات. ولا يخفى عليكم أعزّتي أنّه لا يحقّ لنا إدخال إضافة من عنديّاتنا على أصول المعتقد وفروع الإيمان، وكذلك لا يسمح لنا بقذف شيء ثابت من أركانهما وبتر شيء مؤكّد من أُسسهما، ففي مثل هكذا مبادئ رصينة وتعاليم حقّة يكون التعامل بالقاعدة المتبنّاة وبالضابطة المنتقاة: أنّه لا مغالاة ولا تقصير ولا إفراط ولا تفريط. المتحصّل ممّا سلف: أنّ الزيادة في العقيدة تماثل النقيصة، وربّما هي أدهى من حيث التأثير والفاعليّة، كما قد يُستشمّ من مواقف المعصوم الشديدة الصادرة بحقّ الغلاة والوضّاعين الكذبة، وما ذلك إلّا لما لها من مردود سيء وانعكاس رديء على الأمّة، حيث إنّ التهاون بنقل الوثائق وضخّ المفاهيم غير المحكمة وتسويق المعطيات المشوّشة وتقبّل مرويّات العقائد من دون تحرّي وتدبّر وتحقّق يُربك أكثر ممّا يُقنِع ويُسيء أكثر ممّا يَنفع، وهو بعد عامل مساعد على تشوّيه الصور الذهنيّة التي يحملها المستمع عن الشيء المتكلّم عنه، وعنصر إضافي في تخلخل عقيدة المتلقّي في الشيء الذي يعتقد به. بل عادة ما يقود الخطأ الدرائي إلى الخطأ العقدي، كما هو واضح، فآفة الأخبار رواتها، وداؤها عدم رعاية متنها. وقد روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: (كونوا للعلم وعاة ولا تكونوا له رواة، فقد يرعوي من لا يروي، وقد يروي من لا يرعوي، إنّكم لن تكونوا عالمين حتّى تكونوا بما علمتم عاملين). العلم والحكمة في الكتاب والسنة للشيخ محمد الريشهري:372. وجاء في معتبر طلحة بن زيد قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ رواة الكتاب كثير، وإنّ رعاته قليل، وكم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب، فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية، والجهّال يحزنهم حفظ الرواية، فراع يرعى حياته، وراع يرعى هلكته، فعند ذلك اختلف الراعيان، و تغاير الفريقان). الكافي للشيخ محمّد بن يعقوب الكليني:1/49/كتاب فضل العلم/باب النوادر/6، روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه للشيخ محمّد تقي المجلسي:12/174، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام للشيخ هادي النجفي:4/230 و:9/288. من المعلوم عند الطبقة الناضجة أنّ القناعات العقديّة مؤثّرة بشكل كبير على ذهن القارئ وتوجّهاته ونمطيّة منهجه ونوع طموحاته وتحديد مساراته، وبالتالي تجعل من معلوماته أداة ذات حدّين: إمّا أن تكون أداة إخفاق وتردّي، أو تكون أداة ارتقاء وتوعّي. ومن هنا نفهم لِمَ جاء في المروي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: (اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا). معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين المشتهر برجال الكشّي للشيخ محمّد الكشّي:11. ونحوه أخرجه الشيخ النعماني في غيبته، وفيه: (اعرفوا منازل شيعتنا عندنا على قدر روايتهم عنّا وفهمهم منّا). الغيبة للشيخ محمّد بن إبراهيم النعماني:29. ما أودّ عرضه هنا هو خبر من الأخبار العقائديّة المتداول في المجالس الولائيّة والذي لم يُدرس بعناية ولم يُحقّق بكفاية، ويُمرّ عليه الأخوة الأعزّة مرور الكرام دون التأملّ التامّ. والخبر هو ما أخرجه الشيخ فرات الكوفي في تفسيره بسنده عن محمّد بن القاسم بن عبيد معنعناً عن الإمام أبي عبد الله الصادق في تفسير سورة القدر، قال عليه السلام: (﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾ الليلة فاطمة، والقدر الله، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها- في نسخة فطموا من معرفتها-، وقوله: ﴿وما أدراك ما ليلة القدر؟! ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ يعني خير من ألف مؤمن وهي أمّ المؤمنين، ﴿تنزّل الملائكة والروح فيها﴾ والملائكة: المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم، والروح القدس: هي فاطمة عليها السلام ﴿بإذن ربّهم من كلّ أمر سلام هي حتّى مطلع الفجر﴾ يعني: حتّى يخرج القائم عليه السلام). تفسير فرات الكوفي للشيخ فرات بن إبراهيم الكوفي:581-582/747/2. أفتح باب النقاش في الرواية من باب التدقيق لا تعريضاً بأهل الجمع وعدم التحقيق. وقبل الخوض في الموضوع فإنّي تجنّبت الحديث عن إثبات أو عدم إثبات القضايا العقديّة بالخبر الواحد، وهل ذلك مختصّ بأصول المسائل العقديّة أم يشمل غيرها؟ لكوني أعتقد أنّ ذلك له مجال آخر ليس هذا محلّه. أشرع الآن بالتعرّض لسند الرواية ومتنها ودلالتها: أمّا من حيث درجة الحُكم على السند فالرواية موهونة السند ضعيفة بالإرسال، غير متعاضدة بروايات معتبرة تفضي إلى تقوية سندها، ولم تُذكر في كتب معتمدة كالكتب الأربعة وغيرها، وأعني بغيرها بعض مؤلّفات الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشيخ الطوسي ومن على شاكلتهم. هذا فضلاً عن الكلام في المفسّر فرات الكوفي من قبل علماء الرجال، حيث أهمله البعض من غير مدح ولا قدح، ورماه أحدهم بالانحراف لتصوّره أنّه يتبنّى عقيدة باطلة شنيعة. وأيّاً ما يكن فإنّي أميل إلى قبول رواياته المتوافقة وفاقاً لبعض علماء الرجال. وأمّا من حيث المتن فهي مضطربة، غير سالمة من الإشكال في الدلالة. فتعالوا معنا أيّها القرّاء لنغربل الكلمات ونفرز الدلالات. وسنقوم بتقسيم مفردات النصّ وفقرات المتن إلى مقاطع كي ترسخ المعلومة عند المطالع. نحن والنصّ الذي نقله الشيخ فرات الكوفي في تفسيره: المقطع الأوّل: قوله عليه السلام : (الليلة فاطمة). هذا المقطع يحتاج إلى نقاش من جهتين: الجهة الأولى: هذا التفسير أو الشرح لهذا المقطع إن لم نحمله على الاتّجاه التأويلي وأبقيناه على معناه الظاهر فسوف لا يستقيم مع الفقرة التي سبقته والتي تتحدّث عن الحكم الإلهي القاضي بإنزال (القرآن) الكريم (في) تلك الليلة المباركة. على أنّ القبول بالمعنى الظاهري بلا وجود مناسبة بين المفردات سيربك الجملة ويشوّش مفهومها، ثمّ إنّ هناك عدّة شواهد نصوصيّة تتحدّث عن (ليلة القدر) لا يتوافق جوهرها مع المعنى الظاهري، وتدفعنا بشدّة عن قبول جهته، بل قد تتصادم معه، ننتقي إليكم باقة منها ونضعها بين أيديكم: منها: الخبر المروي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: (لقد خلق الله جلّ ذكره ليلة القدر أوّل ما خلق الدّنيا، ولقد خلق فيها أوّل نبيّ يكون، وأوّل وصيّ يكون، ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد ردّ على الله عزّ وجلّ علمه، إلى آخر ما جاء في الخبر). الكافي:1/250/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/7، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة للسيّد عليّ الحسيني الأسترآبادي:2/825/14. ومنها: ما روي عن أبي حمزة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (لمّا قبض أمير المؤمنين عليه السلام: قام الحسن بن عليّ في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال: أيّها النّاس إنّه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون و لا يدركه الآخرون، والله لقد قبض في ليلة التي قبض فيها وصىّ موسى يوشع بن نون، والليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم، والليلة التي نزل فيها القرآن، الخبر). تفسير نور الثقلين للشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي:5/624/51. ومنها: ما روي عن حمران أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام- في حديث - قال: (ليلة القدر وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلّا في ليلة القدر). تفسير نور الثقلين:5/625/56. ومنها: ما رويّ عن أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام، قال: (نزلت التوراة في ستّ مضت من شهر رمضان، ونزل الإنجيل في اثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور في ليلة ثماني عشرة مضت من شهر رمضان، ونزل القرآن في ليلة القدر). البرهان في تفسير القرآن للسيّد هاشم بن سليمان البحراني:5/710-711/15. ومنها: ما رويّ عن حسّان بن مهران عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (سألته عن ليلة القدر؟ قال: التمسها ليلة إحدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين). تفسير نور الثقلين:5/625/57. يظهر ممّا تقدّم أنّ ليلة القدر هنا (فترة زمنية أُنزل فيها القرآن الكريم) لا ترتبط، بحسب الظاهر، بما ورد في تفسير فرات، وهذا الظاهر هو المطمئّن إليه، لأنّ الخبر، في هذه الجهة، مسوق لبيان هذه الحقيقة ولسان الروايات التي نقلناها يميل إلى هذه الحيثيّة. الجهة الثانية: إذا استطعنا تفادي كلمة (أنزلناه) ولو بتكلّف، وحملنا تفسير المقطع على الاتّجاه التأويلي، ولو بنوع من التجوّز، فيمكن حينئذٍ هضمه، وإلّا يبقى في النفس شيء حيال ذلك. وقد أخذ الشيخ المجلسي بهذا الوجه التأويلي ووجّه المقطع بشكل باطني، قال: «أمّا تأويله عليه السلام ليلة القدر بفاطمة عليها السلام فهذا بطن من بطون الآية، وتشبيهها بالليلة إمّا لسترها وعفافها، أو لما يغشاها من ظلمات الظلم والجور، وتأويل الفجر بقيام القائم بالثاني أنسب- يقصد أنّ المعنى الأنسب هو ما يغشاها من ظلمات- فإنّه عند ذلك يسفر الحقّ وتنجلي عنهم ظلمات الجور والظلم، وعن أبصار النّاس أغشية الشبه فيهم». بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار للشيخ محمّد باقر المجلسي:25/99/ب3. وللعلم فإنّ معنى التأويل عند أرباب الشريعة هو: صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها ويطابق الكتاب والسنّة. ومعنى التفسير هو: علم نزول الآية وشأنها وقصّتها والأسباب التي نزلت فيها. وبتعبير آخر: هو الكشف عن الإبهام في الجمل الفرقانية وإزالة الخفاء عن دلالة الكلمات القرآنية وتوضيح مقاصدها. راجع: التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب للشيخ محمّد هادي معرفة:1/21. ولا يعزب عنكم أنّ هناك تعاريف أُخرى لمسالك أُخرى. وكيف كان فإنّ الذي نودّ التنبيه عليه هو: أنّ التأويل لا يعني ترجيح طرف على طرف كيفما اتّفق ولا يقصد منه التقاط ما رواه المتّهمون بالغلوّ بسهولة ورفق، وإنّما يلزم أن يكون التأويل خاضعاً لضوابط ومحدّدات ومعايير، وقد يترجّح حينما يُلمس منه وجود رعاية مناسبة وجهة اشتراك بينه وبين التفسير وجهة تطابق بينهما بوجه من الوجوه، بحيث يعطي القارئ إيحاء بوجود شعاع تجانس وخيط التئام بينهما. وعن ضابطة التأويل الصحيح دوّن الشيخ محمّد هادي معرفة التالي: «أوّلاً: رعاية المناسبة القريبة بين ظهر الكلام وبطنه، أي: بين الدلالة الظاهرة وهذه الدلالة الباطنة للكلام، فلا تكون أجنبيّة، لا مناسبة بينها وبين اللفظ أبداً. فإذا كان التأويل- كما عرفناه- هو المفهوم العام المنتزع من فحوى الكلام، كان لا بدّ من أنّ هناك مناسبة لفظيّة أو معنويّة استدعت هذا الانتزاع. ثمّ قال: ثانياً: مراعاة النظم والدقّة في إلغاء الخصوصيّات المكتنفة بالكلام، ليخلص صفوه ويجلو لبابه في مفهومه العامّ...ولتكون العبرة بعموم الفحوى المستفاد، لا بخصوص العنوان الوارد في لسان الدليل». التفسير والمفسّرون:1/26-29. والحقيقة أنّ من يمعن النظر فيما رواه الفريقان من إثباتات تتحدّث عن آيات القرآن بأنّ لها ظهر وبطن. راجع: أصول التفسير والتأويل للسيّد كمال الحيدري:353-356. يُدرك أنّ الأخذ بالمنهج التأويلي هنا يمكن أن يُقبل إذا تمكّنا من تلافي كلمة (أنزلناه)، وبالتالي فلو لم يحصل الاطمئنان بإرادة المعنى الباطني للمفردة المتناولة المستلهمة من النصوص فلا أقّل من أنّه محتمل، والله العالم. ولتقريب التوجيه الذي ذكره المجلسي نسوق إليكم ما جاء في خبر يعقوب بن جعفر عن الإمام الكاظم عليه السلام: (فقال النصراني إنّي أسألك أصلحك اللَّه، قال: سل. قال: أخبرني عن كتاب اللَّه الذي أنزل على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ونطق به ثمّ وصفه بما وصفه به فقال: ﴿حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ سورة الدخان:1-4، ما تفسيرها في الباطن؟ فقال: أمّا ﴿حم﴾ فهو محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو في كتاب هود الذي أنزل عليه وهو منقوص الحروف. وأمّا ﴿الْكِتابِ الْمُبِينِ﴾ » فهو أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام. وأمّا (الليلة) ففاطمة عليه السّلام. وأمّا قوله: ﴿فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ يقول: يخرج منها خير كثير فرجل حكيم ورجل حكيم ورجل حكيم، الخبر). الكافي:1/479/كتاب/كتاب الحجّة/باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام/4. قال الشيخ محمّد صالح المازندراني موضّحاً: «قوله: (وهو منقوص الحروف) حيث حذف أوّله وآخره واقتصر على الوسط. قوله: (وأمّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين عليّ عليه السلام سُمّي به لأنّه مكتوب في زبر الأولين وأخبر به جميع الأنبياء والمرسلين. قوله: (وأما الليلة ففاطمة صلوات الله عليها) سُمّيت بها على الاتساع والتجوز، لأنَّ الزوج يأوي إلى الزوجة في الليل غالباً. قوله: (يخرج منها خير كثير) وهو الأئمّة عليهم السلام، ويجوز في الخير التشديد». شرح أصول الكافي للشيخ محمّد صالح المازندراني:7/260-261. وكتب الشيخ المجلسي مبيّناً: «(وهو في كتاب هود) أي: ذكر النبيّ صلّى الله عليه وآله في ذلك الكتاب بحكم (وهو منقوص الحروف) أي: نقص منه حرفان، الميم الأوّل والدّال، وقد مرّ وجه التعبير عن أمير المؤمنين عليه السلام بالكتاب والقرآن، والتعبير عن فاطمة عليها السلام بالليلة باعتبار عفّتها ومستوريّتها عن الخلائق صورة ومعنى (يقول: يخرج منها) بلا واسطة وبها (خير) بالتخفيف أو بالتشديد، أي: ينعقد فيها إمامان يخرج من أحدهما أئمّة كثيرة. ثمّ يتابع المجلسي حديثه فيقول: وهذا من بطون الآية الكريمة اللازمة لظهرها، فدلالتها عليه بالالتزام، إذ نزول القرآن في ليلة القدر إنّما هو لهداية الخلق وعلمهم بشرائع الدين واستقامتهم على الحقّ قولاً وفعلاً إلى يوم القيامة، ولا يكون ذلك إلّا بوجود إمام في كلّ عصر يعلم جميع أحكام الدين وغيرها من ظهر القرآن وبطنه، وإنّما تحقّق ذلك بنصب أمير المؤمنين عليه السلام وجعله محلاً لجميع علوم القرآن ليصير مصداقاً للكتاب المبين، ومزاوجته مع سيّدة نساء العالمين ليخرج منهما الأئمّة الحافظين للدين المتين إلى يوم الدين، فظهر القرآن وبطنه متطابقان ومتلازمان». مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للشيخ محمّد باقر المجلسي:6/48. ومثله في بحار الأنوار:48/90. المقطع الثاني: قوله عليه السلام: ﴿القَدْر﴾ (الله). هذا المعنى يجعل الجملة لا تنتظم مع اللفظ المتقدّم، كما أنّ من يراجع المصادر الحديثيّة يجد أنّ هذا اللفظ (القَدْر) لم يرد هكذا لا في أسماء الله التسعة والتسعين اسماً. راجع: كتاب التوحيد للشيخ محمّد بن علي بن بابويه القمّي الملقّب بالصدوق:194/ب29/8، وعدّة الداعي للشيخ أحمد بن فهد الحلي:299. ولا في غيرها من الأسماء الأخرى التي تليق بجلاله وتطلق على ذاته تعالى وتقدّس شأنه. وعن ذلك دوّن الشيخ محمّد باقر الميانجي التالي: «المستفاد من الروايات الشريفة الكثيرة أنّ الله تعالى هو الذي سمّى نفسه بالأسماء الحسنى من قبله. والواضع هو الله سبحانه، وقد اختارها لنفسه وسمّى بها نفسه». توحيد الإماميّة:61. وقد ذكر الميانجي في موضع آخر من كتابه بأنّ أسماء الله توقيفيّة. راجع: توحيد الإماميّة:72. المقطع الثالث: قوله عليه السلام: (من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر). يدلّ هذا المقطع على أحد معنيين بحسب نظر الشيخ علي آل محسن: الأول: أنّ من عرف قدر فاطمة آتاه الله سبحانه وتعالى من الأجر والثواب ما يعطيه لمن أدرك ليلة القدر، فقامها وعبد الله فيها، فحصل على ثواب العبادة الصحيحة في تلك الليلة المباركة التي نصّ الكتاب العزيز على أن العبادة فيها خير من ألف شهر من العبادة في غيرها. الثاني: أنّ من آثار معرفة فاطمة عليها السلام ومن بركاتها أدراك ليلة القدر، فإنّ كلّ عبد عرف قدرها عليها السلام فإنّ الله عزّ وجلّ يوفّقه لكي يدرك ليلة القدر. راجع: موقع الشيخ علي آل محسن على شبكة الانترنت/مقال بعنوان: معرفة قدر السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام. في الحقيقة أنّ هذا المقطع يعطينا إيحاء بأنّ هناك إمكانيّة أن يعرف المؤمن مولاتنا فاطمة عليها السلام حقّ معرفتها، وبالتالي فإنّ فيه حثّاً على معرفتها كونه أحد الطرق لإدراك ليلة القدر كما نفهم. هذا، ومعرفة مولاتنا حقّ المعرفة ليست بأعظم من معرفة الخالق البارئ سبحانه وتعالى حقّ معرفته، فقد ورد في بعض النصوص المرويّة عن الإمام عليّ عليه السلام في وصف أصحاب الإمام المهديّ (كنوز الطالقان) رضي الله عنه أنّهم (عرفوا الله حقّ معرفته). راجع: منتخب الأنوار المضيئة للسيّد عليّ عبد الكريم النيلي:84-85/ف4، البيان في أخبار صاحب الزمان للشيخ محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي:106/ب5، ينابيع المودّة لذوي القربى للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي:3/298/ب98/12. هذا، وقد أشار الشيخ الصدوق إلى أنّ معرفة الله حقّ المعرفة تتحقّق عن طريق تعاليم الحجج عليهم السلام. راجع: التوحيد للشيخ الصدوق:290. وقال الشيخ علي آل محسن: «لا شكّ في أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله والأئمّة الأطهار عليهم السلام قد أوضحوا للنّاس ما هو قدر فاطمة، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله بيَّن للنّاس من هي فاطمة عليها السلام، وكذلك صنع الأئمّة الأطهار عليهم السلام. فإن الأحاديث المتواترة التي صدرت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وعن أئمّة أهل البيت عليهم السلام كافية في إيضاح كثير من مقامات السيّدة فاطمة عليها السلام وكاشفة عن جملة من فضائها...ومن جملة تلك المزايا أنها عليها السلام معصومة من الزلل والخطأ والنسيان والسهو والغفلة والجهل، وأنّها حجّة من حجج الله تعالى، وأنّ الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، وأنّ من آذها فقد آذى الله ورسوله، وغير ذلك ممّا عُلم ثبوته لها من الفضائل المهمّة التي دلت عليها أحاديث كثيرة متواترة أو مشهورة». راجع: مقال الشيخ علي آل محسن على موقعه. والذي يشهد على قبول هذا المعنى ويساعد عليه عدّة نصوص نذكر لكم بعضها: منها: ما روي عن محمّد بن سنان قال: (كنت عند أبي جعفر عليه السلام فذكرت اختلاف الشيعة فقال: إنّ الله لم يزل فرداً متفرّداً في الوحدانية، ثمّ خلق محمّداً وعليّاً وفاطمة عليهم السلام فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق الأشياء وأشهدهم خلقها وأجرى عليها طاعتهم وجعل فيهم ما شاء، وفوّض أمر الأشياء إليهم في الحكم والتصرّف والإرشاد والأمر والنهي في الخلق، لأنّهم الولاة، فلهم الأمر والولاية والهداية، فهم أبوابه ونوّابه وحجّابه، يحلّلون ما شاء ويحرّمون ما شاء ولا يفعلون إلّا ما شاء، عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون. فهذه الديانة التي من تقدّمها غرق في بحر الإفراط، ومن نقصهم عن هذه المراتب التي رتّبهم الله فيها زهق في برّ التفريط، ولم يوف آل محمّد حقّهم فيما يجب على المؤمن من معرفتهم، ثمّ قال: خذها يا محمّد فإنّها من مخزون العلم ومكنونه). البحار:25/339/ب10/21. ويُستفاد من الخبر أنّ من لم يتقدّم ولم يتأخّر عن تلك المعرفة فهو ممّن وفى لآل محمّد عليهم السلام بمعرفة حقّهم وأدّى ما عليه، وبالتالي فإنّه يتقاطع مع الخبر السقيم المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام المشتهر بحديث المعرفة بالنورانيّة. ومنها: ما روي عن يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق عليه السلام- في حديث نأخذ منه موضع الحاجة- قال: (الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت، وأنّ العلماء ورثوا العلم بالطلب، وأنّ الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة، فمن أخذه بهذه السيرة إمّا أن يسفل وإمّا أن يرفع، وأكثرهم الذي يسفل ولا يرفع إذا لم يرع حقّ الله ولم يعمل بما أُمر به، فهذه صفة من لم يعرف الله حقّ معرفته فلم يحبّه حقّ محبته، فلا يغرّنك صلاتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم...يا يونس! إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت، فإنّا ورثنا وأوتينا شرع الحكمة وفصل الخطاب). كفاية الأثر في النصّوص على الأئمّة الإثني عشر للشيخ علي بن محمّد الخزّاز القمّي:257-258، البحار:36/404/ب46/15. ومنها: ما في كتاب الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام قال: (وأروي: أنّ المعرفة التصديق والتسليم والإخلاص في السرّ والعلانية. وأروي: أنّ حقّ المعرفة: أن تطيع ولا تعصي، وتشكر ولا تكفر). البحار:3/13-14/ب1/32-34. ومنها: ما يشير إليه المروي عن هشام بن سالم قال: (كنت عند الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعين، فقال له معاوية بن وهب: يا ابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رأى ربّه على أيّ صورة رآه؟ وعن الحديث الذي رووه أنّ المؤمنين يرون ربّهم في الجنّة على أيّ صورة يرونه؟ فتبسّم عليه السلام ثمّ قال: يا فلان! ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه لا يعرف الله حقّ معرفته. ثمّ قال عليه السلام: يا معاوية! إنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم لم ير ربّه تبارك وتعالى بمشاهدة العيان، وأنّ الرؤية على وجهين: رؤية القلب ورؤية البصر، فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب، ومن عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته، لقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من شبّه الله بخلقه فقد كفر، الحديث). كفاية الأثر:260، البحار:36/406/ب46/16. لا بدّ أن نعلم أنّ الكفر درجات، وليس كلّ كفر ورد في بعض النصوص يُراد به المروق من الدّين، وإنّما يراد ببعضه الانحراف والخطأ والإثم وما إلى ذلك. وفي الموروث الروائي يوجد ميزان شرعيّ وبواسطته يتمّ التفريق بين الجاهل والعالم، ودرجات الإيمان بين النّاس وقابلياتهم، وكذلك بين القاصر والمقصّر والمتعمّد، فهناك ضعاف العقول والمستضعفون والمرجون لأمر الرحمن، وبالتالي فلا يصحّ التسرّع باتّهام الآخرين بالكفر الأعظم ورجمهم بعبارات الخروج من الدّين الخاتم. على أيّ حال لاحظوا معي أيّها الأحبّة كيف ترتبط المعرفة الحقّة بعدم التشبيه والتجسيم. وكما أنّ معرفتها عليها السلام حقّ المعرفة غير مغلقة على فهم الموالين بعد ما عرّف المعصوم نوعها لهم وتبدّت لنا خصائصها وجنباتها، فكذلك معرفة أهل البيت حقّ المعرفة صلوات الله عليه أجمعين غير ممتنعة، بل هي مبذولة لمحبّيهم ومريديهم، وأضع الوثائق المعبرّة عن ذلك بين أيديكم: الأولى: روي عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم- في حديث نأخذ ما يتعلّق بموضوعنا- قال: (وخلق منّي ومن عليّ وفاطمة: الحسن، ودعاه فأطاعه، وخلق منّي ومن عليّ وفاطمة: الحسين، فدعاه فأطاعه. ثمّ سمّانا بخمسة أسماء من أسمائه...ثمّ خلق منّا ومن نور الحسين تسعة أئمّة، فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق سماء مبنيّة وأرضاً مدحيّة، ولا ملكاً ولا بشراً، وكنّا نوراً نسبّح الله ونسمع له ونطيع. قال سلمان: فقلت يا رسول الله! بأبي أنت وأمي فما لمن عرف هؤلاء؟ فقال: يا سلمان! من عرفهم حقّ معرفتهم واقتدى بهم ووالى وليّهم وتبرأ من عدوّهم، فهو والله منّا، يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن...ثمّ قال: يا سلمان! إنّك مدركه- أي يدرك الإمام المهديّ في الرجعة- ومن كان مثلك، ومن تولّاه بحقيقة المعرفة. قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، الحديث). دلائل الإمامة للشيخ محمّد بن جرير الطبري الآملي:448-449/424/28. يستوحى من هذا الحديث أنّ هناك من يتولّى الإمام الحجّة عليه السلام بحقيقة المعرفة. ولا يغيب عن بالكم أنّ هذه المعرفة والبصائر تتأتى للموالي عن طريق مصادر المعرفة المعصوميّة الحقّة بعد توفيق الله سبحانه وتعالى له ومعونته. ومن الجليّ أنّ مراتب المعرفة تتفاوت من شخص إلى آخر، كما أنّ طبقات المعرفة متدرّجة، وكلّ يستقي بحسب ما أعطاه الله عزّ وجلّ من الفهم والعقل وبمقدار جهد الشخص في التخلّص من العلائق وسلوكه طريق طلب التفقّه وسعيه في مدارج التحقيق في المعارف الإلهيّة. وسنستمع إلى روايتين معتبرتين (معتبر ضريس ومعتبر زرارة) يصبّ مضمونهما في هذا المسار المعرفي الخصب ويتعلّق بهذا الجانب. الثانية: معتبر عن ضريس الكناني قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول- وعنده أناس من أصحابه-: عجبت من قوم يتولّوننا ويجعلوننا أئمّة ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقّنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا. أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ثمّ يخفى عنهم أخبار السّماوات والأرض ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم؟! إلى آخر ما جاء في الرواية). الكافي:1/261-262/كتاب الحجّة/باب أنّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون/4، مرآة العقول:3/131، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام:6/343. ومثله في بصائر الدرجات للشيخ محمّد بن الحسن الصفّار:1/144/ب5/3، مختصر بصائر الدرجات للشيخ حسن بن سليمان الحلّي:120-121. الثالثة: معتبر زرارة قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمداً صلّى الله عليه وآله إلى النّاس أجمعين رسولاً و حجّة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله واتّبعه وصدّقه فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقّهما؟! قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدّق رسوله في جميع ما أنزل الله، يجب على أولئك حقّ معرفتكم؟ قال: نعم، أليس هؤلاء يعرفون فلاناً وفلاناً، قلت: بلى، قال: أترى أنّ الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلّا الشيطان، لا والله ما أَلهَمَ المؤمنين حقّنا إلّا الله عزّ وجلّ). الكافي:1/181/باب معرفة الإمام والردّ إليه/3، مرآة العقول:2/302، مستدرك سفينة البحار:9/152. وفي هذا الاتّجاه روي في خبر بما معناه أنّه لا ثواب لمن كان جاهلاً بحقّهم عليهم السلام. راجع: كتاب ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للشيخ محمّد بن عليّ القمّي المشتهر بالصدوق:2/204/باب من جهل حقّ أهل البيت عليهم السلام/1. والمفهوم من هذا أنّ غير الجاهل بحقّ المعصومين عليهم السلام يستحقّ الثواب. وكما أسلفنا فإنّ الجهل على أنواع، والإيمان درجات، والعقول متفاوتة في الإدراك والاستعداد والفهم شدّة وضعفاً، وأنّ البارئ العادل الحكيم الرؤوف الرحيم، لا يحاسب كلّ خلقه بحساب واحد ولا بمستوى واحد، وإليه الإشارة بما جاء خبر زياد بن المنذر الجارودي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: (إنّما يُداقّ الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدّنيا). المحاسن للشيخ أحمد بن محمّد البرقي:1/195/كتاب مصابيح الظُلم/ب1 العقل/16، الكافي:1/11/كتاب العقل والجهل/7. وقوّى سنده في روضة المتّقين:12/244. قال الشيخ محمّد محسن بن مرتضى الملقّب بالفيض الكاشاني مبيّناً: «يداقّ اللَّه: من الدقة في الحساب، أي: يناقشهم فيه لمّا كانت العقول متفاوتة كمالاً ونقصاً والتكاليف إنّما تقع على مراتب العقول، فالأقوى عقلاً أشدّ تكليفاً، فيناقش في الحساب يوم القيامة مع أهل الفطانة بما لا يناقش به ضعفاء العقول». الوافي:1/82. ومن جهته عبّر الشيخ محمّد باقر الشريعتي الأصفهاني عن هذه الرؤية فيما استفاده من نصوص إثبات الإمامة للمعصومين وإقرار الحجّة لهم، فقال: «وجوب معرفتهم حقّ المعرفة بمقدار الإمكان، لأنّ النّاس كلّهم مكلّفون بمعرفة الإمام ومضطّرون إلى معرفته، وليسوا بمعذورين بترك معرفته». راجع: البيان في معرفة أهل الإيمان:167. ولعلّ ممّا يرشد إلى إمكانيّة معرفة حقّهم ما روي عن عبد الأعلى الكوفي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ما تنبئ نبيّ قط إلّا بمعرفة حقّنا وبفضلنا عمّن سوانا). بصائر الدرجات:1/94/ب9. إذا اتّضح ذلك لكم، فإنّ الشيخ محمّد السند قد مال إلى تقسيم المعرفة إلى مراحل، ونحن نختلف معه في تقسيمه ونتّفق معه في أصل تفاوت المعرفة، تحدّث فضيلته عن معرفة الإمامة فقال: «فالتعريف بافتراض الطّاعة والنصّ والوصيّة تعريف للمرحلة الأولى الابتدائية، وأمّا المرحلة المتوسطة (وهي البلوغ في المعرفة) فملك الرجعة، وأمّا المرحلة الثالثة (وهي الكمال في المعرفة) فملك الجنّة». الرجعة بين الظهور والمعاد:200. وراجع كلامه صفحة:197-198. وبالجملة: فإنّ المستفاد من مجموع هذه النصوص المعصوميّة إمكانيّة معرفة الله جلّ ثناؤه حقّ معرفته لا كنه معرفته، لأنّ كنه معرفته تبارك وتعالى ممتنعة مغلقة. وعليه فإنّ معرفة كنه الله جلّ جلاله تتحقّق بالإذعان بعدم معرفة كنهه سبحانه، والتسليم إلى هذا المبدأ ، والكفّ عن التفكّر في هذه القضيّة، والحظر من الخوض فيها. والذي يدعم فكرة عجز المخلوقين عن بلوغ كنهه تعالى شأنه على كلّ تقدير وفي جميع الأحوال ويكشف امتناعهم عن الإحاطة بحقيقة المهيمن ذي العزّة والجلال، ما رواه الشيخ الكليني مسنداً عن محمد بن حكيم قال: (كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام إلى أبي: أنّ اللَّه أعلا وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفّوا عمّا سوى ذلك). الكافي:1/102/باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه/2. وعلّق الشيخ المازندراني على الرواية قائلاً: «قوله عليه السلام: (أنّ الله أعلا وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته) أي: نهايته، إذ ليس لما يعتبره العقول من كماله سبحانه نهاية يقف عندها أو حقيقتها، إذ ليس لصفته حقيقة ملتئمة من أجزاء خارجيّة أو ذهنيّة، فصفوه بما وصف به نفسه، وهو أنّه خالق كلِّ شيء وله الخلق والأمر، ولا شريك له ولا نظير له، ولا والد له ولا ولد، وليس كمثله شيء، وهو السميع العليم، إلى غير ذلك ممّا ذكره في القرآن الكريم». شرح أصول الكافي:3/210-211. وما رواه عبد الرحيم القصير قال: (كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عزّ وجلّ هل يوصف بالصورة وبالتخطيط؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليّ بالمذهب الصحيح من التوحيد. فكتب عليه السلام بيدي عبد الملك بن أعين: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون المشبّهون الله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله، واعلم رحمك الله أنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزّ وجلّ، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون، ولا تعدُ القرآن فتضلّ بعد البيان). التوحيد للصدوق:102/ب6 في إنّ عزّ وجلّ ليس بجسم ولا صورة/15. ومثله بأدنى تفاوت في الكافي:1/100/كتاب التوحيد/باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى/1. إذن بهذا السرد بات من الواضح للأعزّة أنّ عدم معرفة الكنه مختصّة بالقيّوم المتعالي الحقّ خالق الخلق، ولا يمكننا اعتماد غير ذلك وتزحيف هذه المسألة إلى ساحة المعصوم وترحيلها إلى باحة المخلوق. المقطع الرابع: قوله عليه السلام: (لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها). أوّلاً: يحتمل بعض الفضلاء أنّ المقصود بكلمة (الخلق) أوسع نطاقاً من دائرة الإنس والجنّ. راجع: اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء للشيخ محمّد عليّ التبريزي الأنصاري:98/هامش/تحقيق السيّد هاشم الميلاني. وذكر نحو ذلك الشيخ وحيد الخراساني، ففي تعليقه على العبارة السابقة قال: «كلّ الخلق، بمن فيهم جبرائيل وميكائيل واسرافيل، مفطومون عن معرفة فاطمة، ومقطوعون عن ذلك!». كلمة مسجّلة لفضيلته في 27 جمادى الأولى 1439 هـ - 2018 م. وكتب الشيخ حسن زاده الآملي على طريقته العرفانيّة التي لا نعتقد بها، قال: «وإنّما فُطم الخلق عن كنه معرفتها، لأنّ من ليس بذي العصمة يُدرك العصمة مفهوماً ولا يُدركها ذوقاً...والمراد بالذوق في اصطلاح العارف بالله ما يجده العالم على سبيل الواجدان والكشف لا البرهان والكسب». ممدّ الهمم في شرح فصوص الحكم:654. ويُلحظ في كلامه أنّه يتحدّث عن كنه معرفتها لا معرفتها. ثانياً: نلاحظ أنّ هذه الفقرة (فطموا عن معرفتها) لا تتحدّث عن معرفتها حقّ المعرفة، وإنّما تتحدّث فقط عن معرفتها. على أنّه كلمة (معرفتها) لا تخلو من أحد معنيين: المعنى الأوّل: الكلام كان عن معرفتها (حقّ المعرفة). وإذا اعتمدنا هذا المعنى فههنا يواجهنا الإشكال المتقدّم في المقطع الثاني، ثمّ إنّه إذا كانت قضيّة معرفتها سلام الله عليها حقّ المعرفة منتفيّة من الأساس ولا سبيل إليها، فلِمَ توحي العبارة (من عرف فاطمة حقّ المعرفة) بالترغيب لبذل الجهد لنيل هذه المعرفة وأنّ على المؤمن القاصر الفهم المحدود الإدراك السعي والرقي لمعرفة من فُطم (الخلق) عن معرفتها؟! المعنى الثاني: الكلام كان عن معرفتها العاديّة غير المتلبّسة بحقّ معرفتها. فنقول: إذا كانت معرفتها عليها السلام حقّ المعرفة غير ممتنعة- كما لاحظنا- فإنّ المعرفة الأبسط متيسّرة قطعاً. والمعرفة الحقّة لا تتمّ إلّا بالرجوع إلى نصوص النبيّ والعترة الطاهرة المتوفّرة ليقف الموالي على مقاماتها وفضلها ومعرفتها، وبحمد الله سبحانه فإنّ مجاميعنا الحديثيّة والمناقبيّة لا تخلو من تلك النصوص المعصوميّة المتكثّرة، فراجعها إن كان الأمر يهمّك تظفر إن شاء الله بمرادك. ثمّ إنّ المعنى الثاني لا يتوافق ظاهراً مع خبر أمالي الطوسي الآتي والذي هو أولى بالقبول من خبر تفسير فرات الكوفي. وقفة مع خبر الأمالي أخرج الشيخ الطوسي في أماليه بسند ضعيف عن أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: (إنّ الله تعالى أمهر فاطمة عليها السلام ربع الدّنيا، فربعها لها، وأمهرها الجنّة والنّار، تدخل أعداءها النّار، وتدخل أولياءها الجنّة، وهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى). الأمالي للشيخ محمّد بن الحسن الطوسي:668/مجلس يوم الجمعة:36/6، عنه البحار:43/105/ب5/19. ومجمع النورين للشيخ أبي الحسن المرندي:34. ولكي نقطع الطريق على من يحاول إيجاد تخريجات فاقعة أو إنشاء أرضيّة مشتركة للجمع بين هذه الرواية (رواية أمالي الطوسي) ورواية فرات الكوفي، نبدأ بشرح فقرات رواية الأمالي بالصورة التالية: ألف- معنى القرون. (القرن) لغة: الأمّة من النّاس، والقرن من النّاس أهل زمان واحد. ويقال عمر كلّ قرن ستون أو سبعون أو ثمانون سنة. وسمّوا قرناً لأنّهم حدّ الزمان الذي هم فيه. راجع: العين للشيخ الخليل بن أحمد الفراهيدي:5/141/حرف القاف/باب القاف والراء والنون معهما/مادة: قرن، الصحاح للشيخ إسماعيل بن حمّاد الجوهري:6/2180/فصل القاف/مادة: قرن، الفروق اللغوية للشيخ أبي هلال العسكري:427/حرف القاف/1716، معجم المقاييس اللغوية للشيخ أحمد بن فارس بن زكريا:5/77/كتاب القاف/مادة: قرن. وأشار إلى ذلك الشيخ يعقوب بن إسحاق الأحوازي المعروف بابن السكيت في ترتيب إصلاح المنطق:305/حرف القاف/مادة: القرن. وفي بعض تفاسير أهل الجمهور ورد أنّ القرن أربعون أو خمسون أو مائة سنة. راجع: الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور للشيخ جلال الدين السيوطي:5/71-72، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشيخ محمّد بن عليّ الشوكاني:4/78 ومال إلى عدم صحّتها. يقول الشيخ محمّد باقر الكجوري: «يطلق القرن: على كلّ ثمانين سنة أو سبعين أو ثلاثين أو أهل كلّ زمان، أي: مَن يعيشون في جيل واحد وفي فترة زمانيّة واحدة ويبعث فيهم نبيّ، أو أنّه غالب عمر النّاس، أي: المعدّل الذي يعمّر فيه الإنسان. قيل: إذا ذهب القرن الذي أنت فيه وخُلِّفت في قرن فأنت غريب. وقال تعالى: ﴿فما بال القرون الأُولى﴾ سورة طه:51.، أي: سعادة الأُمم السابقة وشقاوتها». الخصائص الفاطميّة:1/223/الخصيصة:14. وكتب ألشيخ أبو الحسن المرنديّ التالي: «أقول أنّ المراد من (القرون) هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأممهم من آدم فمن دونه، حتّى نفس خاتم الأنبياء صلّى الله عليهم أجمعين». مجمع النورين وملتقى البحرين:40. ونقل الشيخ محمّد فاضل المسعودي عن المحقّق البارع أبي الحسن النجفي- والظاهر أنّه يتبنّى ما قاله- أنّه قال ما نصّه: «إنّ المراد من القرون هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأمم من آدم فمن دونه حتّى نفس خاتم الأنبياء صلّى الله عليه وآله وسلّم أجمعين». الأسرار الفاطميّة:82. والبعض يظنّ أنّ المراد من (القرون الأولى) أي: إنّه إشارة إلى الأنبياء السابقين. راجع: محاضرة السيّد منير الخبّاز وإجابة للشيخ محمّد السند على مواقع التواصل الاجتماعي. ويحتمل الشيخ مسلم الداروي أنّ يكون المراد بـ: (القرون الأولى) الأمم السابقة على أمّة النبيّ الأكرم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم. راجع: مؤسّسة الإمام الرضا عليه السلام للبحث والتحقيق العلمي/الأسئلة العقائدية/سؤال رقم:161. أقول: ليس المراد من عبارة (على معرفتها دارت القرن الأولى) كلّ فرد يعيش فيه، لأنّ في أتباع الرسل منافقين وفي غير الأتباع الكثير من الكافرين. وأودّ التنويه إلى أنّ العبارة لا تعني عجز القرون عن معرفتها سلام الله عليها كما يزعم بعض الفضلاء، ولا شكّ أنّ من يصرّ على ذلك يوقع نفسه في مخالفات لغوية. باء- معنى دارت. (دار) لغة: دار الشيء يدور دوّراً ودوراناً: إذا طاف حول الشيء. راجع: صحاح الجوهري:2/660/باب الراء/فصل الدال/مادة: دور، مجمع البحرين للشيخ فخر الدّين الطريحي:3/304/كتاب الراء/باب ما أوّله الدال/مادة: دور. ويقال: دارت عليه رحى الموت: أي: نزل به الموت. راجع: مجمع البحرين:1/179/كتاب الألف/باب ما أوله الراء/مادة: رحا. وفي المثل يقال: دارت بهم أو عليهم الدوائر، ودارت عليهم رحى الحرب، أي: نشبت واشتدّت. وقد جاء في الحديث: (تدور رحى الإسلام من مهاجرك، فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك). مقدّمة الصحيفة السّجاديّة للإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام. وفي حديث آخر: (تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين). المسند للشيخ أحمد بن حنبل:1/390. وصحّ بالأحاديث المتضافرة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار). راجع: شرح نهج البلاغة للشيخ عبد الحميد بن هبة الله المعروف بابن أبي الحديد المعتزلي:9/88، مرآة العقول:5/332، الغدير في الكتاب والسنّة والأدب للشيخ عبد الحسين الأميني:3/177-180، مستدرك سفينة البحار:8/189، والسنّة في الشريعة الإسلاميّة للسيّد محمّد تقي الحكيم:63. وفي معتبر ابن أبي يعفور قال : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولو العزم من الرسل وعليهم دارت الرحى: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلّى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء). الكافي:1/175/باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة/3، مرآة العقول:2/286، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام:7/157. وتعقبّه المازندراني بالتالي: «قوله : (وعليهم دارت الرَّحى) يقال: دارت رحى الحرب إذا قامت على ساقها، وأصل الرَّحى هي الّتي يطحّن بها، والمعنى: يدور عليهم الإسلام ويمتدُّ قيام أمره على سنن الاستقامة والبعد من أحداث الظلمة الكفرة، فهم بمنزلة القطب من الرَّحى». شرح الكافي:5/113. ومن جانبه أوضح المجلسي ما يلي: «(عليهم دارت الرحى) أي: رحا النبوّة والرسالة والشريعة والدّين، وسائر الأنبياء تابعون لهم فهم بمنزلة القطب للرحى». مرآة العقول:2/286. حسناً، بعد أن تناولنا كلمتي (القرون) و (دارت) واتّضح نوعاً ما معناها وبان لنا مغزاها أضع تحت نظركم عبائر الشرّاح ليكون أَدْعى للقبول عندكم: قال الشيخ أبو الحسن المرنديّ: «يعني ما بعث الله عزّ وجلّ أحداً من الأنبياء والأوصياء حتّى أقرّوا بفضل الصدّيقة الكبرى ومحبّتها، ويؤيّده ما ذكره السيّد- يقصد هاشم البحراني- قدس سره في مدينة المعاجز عنه عليه السلام: (ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها)، ولأنّ وقوع النكرة في سياق النفي يفيد العموم». مجمع النورين:40. ونحوه في الأسرار الفاطميّة:82. وسجّل الأستاذ حيدر حبّ الله ما يلي: «وفسّر هذا الحديث بأنّ الأمم السابقة كانت تعرف الزهراء عليها السلام وكانت تفتخر بها وتتوسّل بها، وأنّه ما تكاملت نبوّة نبيّ إلّا بها وبالإيمان بها ومعرفة حقّها، كما فسّر ذلك بما يرتبط بالولاية التكوينية وأنّ عليها سلام الله عليها مدار الوجود منذ بدئه، وغير ذلك». راجع: إجابة على موقعه عن سؤال بهذا الخصوص. وأجاب آخرون عن معنى (على معرفتها دارت القرون الأولى) بمضمون: أنّ جميع الأنبياء والمرسلين أمروا أممهم بمعرفة الصدّيقة الكبرى، وكلّفوهم عرفان المقامات الفاطميّة ومنزلتها. هذا ما قاله الشيخ محمّد باقر الكجوري، والسيّد كمال الحيدري، والسيّد أحمد الشيرازي، وغيرهم. وتجد إجابة بعضهم على صفحات الشبكة العنكبوتيّة. بدوره دوّن الشيخ الكجوري التالي: «أنّ جميع الأنبياء والمرسلين أمروا أممهم بمعرفة الصدّيقة الكبرى، وكلّفوهم عرفان المقامات الفاطميّة، أي: إنّ أحكام جميع الأمم وتكاليفهم الشرعيّة منوطة بمعرفة الزهراء عليها السلام. ثمّ يواصل الكجوري قوله: وبعبارة واضحة: إنّ السّعادة والشقاء لأهل كلّ زمان تدور مدار (التولّي والتبرّي) لجناب الصدّيقة الكبرى، وإنّ دين الأنبياء جميعاً منوط بحبّها». الخصائص الفاطميّة:1/223-225/الخصيصة:14. ولعلّ الذي يدعم هذه العبائر ما جاء في الخبر الضعيف أنّ مولاتنا الزهراء البتول كانت مفترضة الطاعة كالأئمّة عليها وعليهم صلوات الجليل، فعن أبي بصير عن الإمام أبي جعفر عليه السلام: (ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطّاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة). مستدرك سفينة البحار للشيخ عليّ النمازي الشاهرودي:6/208. المقطع الخامس: قال الله تقدّست أسماؤه وتباركت آلاؤه: ﴿وما أدراك ما ليلة القدر﴾. أمام هذا المقطع نواجه السؤال التالي: من المعني بقوله تبارك وتعالى: ﴿وما أدراك﴾؟ والإجابة عن ذلك تتلخّص بنقطتين: النقطة الأوّلى: إذا كان المعني به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإنّ ذلك يشكّل علامة استفهام كبيرة حول النصوص المتضمّنة بأنّهم عليهم السلام خُلِقوا أشباحاً قبل خلق نبيّ الله آدم عليه السلام وذريته، وأنّهم خُلِقوا من نور واحد. راجع: كفاية الأثر للشيخ الخزاز القمّي:152، تأويل الآيات:1/398/27، المحتضر للشيخ حسن الحلي:202/249، البحار:27/131/ب4/122 و:35/28/ب1/24 و:36/73/ب37/24. النقطة الثانية: إذا كان المعنى هو أنّ ذلك خطاب للمؤمنين لكي يحرّك فيهم أمواج المعرفة عبر وسائل العلم والوعي ولتنفتح لهم أسرار ليلة القدر بالتمعّن والتدقيق فيها كما يرى ذلك صاحب الأسرار الفاطميّة. راجع: الأسرار الفاطمية:369. فهذا يوحي، كما قلنا فيما سبق، إمكانية معرفة سيّدتنا الحوراء سلام الله عليها. لكن يبقى هناك أمر مشكل، فبحسب الظاهر أنّ هذه الجملة القرآنيّة ﴿وما أدراك ما ليلة القَدْر﴾ يصعب جعل مفهومها متناسقاً مع التأويل السابق تأويل (الليلة) بمولاتنا عليها السلام، وتأويل (القَدْر) بالبارئ جلّت قدرته، فلاحظ. المقطع السادس: قوله عليه السلام: ﴿خير من ألف شهر﴾ (يعني خير من ألف مؤمن). هذا المعنى غير تامّ، ولا يمكن استساغته جزماً، حتّى وإن جعلناه من باب التأويل أو التطبيق، وذلك لسببين: الأوّل: بحسب المعنى التأويلي فإنّه لا يقتصر مقايسة مقام سيّدتنا الزهراء عليها السلام وفضلها وخيريّتها بهذا العدد الإيماني ولا أضعاف أضعافه فحسب، بل لا يصحّ إجراء المقايسة أصلاً، لأنّ النبيّ محمّد وآل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم لا يُقاس بهم أحد من النّاس. أنظر: نهج البلاغة:1/30/الخطبة:2، الرياض النظرة في مناقب العشرة للشيخ محبّ الدين أحمد بن عبد الله الطبري:3/180/ف7، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للشيخ عبيد الله بن عبد الله الحسكاني:2/271/904، تأويل الآيات الظاهرة:2/618/5، البحار:24/274/ب63/59، ينابيع المودّة لذوي القربى:2/117/ب56/334، أهل البيت في الكتاب والسنّة للشيخ محمّد الريشهري:168-170/القسم الثالث/الفصل الأول. وبصرف النظر عن ذلك ما هو الرابط بين الشهر والمؤمنين ووجه المناسبة؟ الثاني: بحسب المعنى الظاهري فإنّ المراد بليلة القدر، كما مرّ بنا، هو الليلة التي تقع في العشر الأواخر من شهر رمضان وتفرق فيها الأمور، فكيف تكون جملة (خير من ألف مؤمن) من تطبيقات تلك الليلة المباركة ومن مصاديقها؟ وما هي علاقة خيريّة الليلة بالأعداد البشريّة المؤمنة؟ أليس التقابل يقتضي أن يكون الحديث عن الأيّام والشهور ليتناسب المعنى؟ بل هذا المقطع حقيقة لا يتمازج مع مضمون نصوص أخرى إن لم نقل إنّه يتباين معها، وإليكم بعضها: منها: ما رويّ عن أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: (قوله عزّ وجلّ ﴿خير من ألف شهر﴾ هو سلطان بني أميّة، وقال: ليلة من إمام عدل خير من ألف شهر ملك بني أميّة. وقال: ﴿تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم﴾ أي: من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد بكلّ أمر سلام). تأويل الآيات:2/871-818/2، تفسير البرهان:5/712-713/23 و26. ومنها: ما رويّ عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: (أُرِيَ رسول الله صلّى الله عليه وآله [في منامه] بني أميّة يصعدون على منبره من بعده ويضلّون النّاس عن الصراط القهقرى، فأصبح [كئيبا] حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل عليه السلام...وأنزل عليه ﴿إنّا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ جعل الله عزّ وجلّ ليلة القدر لنبيه صلّى الله عليه وآله خيراً من ألف شهر ملك بني أميّة). تفسير البرهان:5/712/20. ومنها: ما رويّ عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، [قالوا]: (قال له بعض أصحابنا، ولا أعلمه إلّا سعيد السمان: كيف تكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟ قال: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر). تفسير البرهان:5/710/14. ومنها: ما رويّ عن حمران أنّه سأل الإمام الباقر عليه السلام: (قلت: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ أيّ شيء عنى بذلك؟ فقال: العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير، خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ولو لا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين، ما بلغوا، ولكنّ الله يضاعف لهم الحسنات). تفسير البرهان:2/711/16. المقطع السابع: قوله عليه السلام: (وهي أُمّ المؤمنين). لم يرد في النصوص التامّة التي يعتمد عليها ويركن إليها أنّها عليها السلام أمّ المؤمنين أو أنّها كُنّيت بهذه الكنية، كما أنّ من المعلوم أنّ أُمّهات المؤمنين غيرها صلوات ربّي وسلامه عليها. نعم، ذكر أنّها عليها السلام كانت تُكنّى بأمّ أبيها. راجع: مقاتل الطالبيّين للمؤرّخ أبي الفرج عليّ بن الحسين الأصفهاني:29، تاج المواليد للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي:20، مناقب آل أبي طالب للشيخ محمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني:1/140. المقطع الثامن: قوله عليه السلام: ﴿تنزّل الملائكة﴾ والملائكة المؤمنون. لا جرم أنّ هذا المعنى لا ينسجم مع الأخبار التي سنتطرّق إليها بعد قليل، بل إنّ هذا المقطع من الآية ﴿تنزّل الملائكة﴾ فُسرّ في بعض النصوص الآتية بصورة مغايرة. ثمّ إنّنا نلحظ في متن الخبر غرابة ونتلمّس نكارة، فتارة يأوّل كلمة (شهر) بالمؤمنين، وتارة أُخرى يأوّل كلمة (الملائكة) بالمؤمنين الذين يملكون علم آل محمّد صلوات الله عليه وعليهم. ومن ذلك المشهد يعترضنا هنا السؤال الآتي وهو: كيف ينزل المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد بصورة مستمرّة طوال فترات تنوجد فيها ليلة القدر حتّى يظهر مولانا القائم عليه السلام؟! والشيء المحيّر حقّاً أنّك لو قمت بمراجعة النصوص سترى أنّها تؤكّد على أنّ هذا النزول سيستمرّ إلى قُبيل يوم القيامة. أنظر: الكافي:1/245-251/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/ح3 و7 و8، تأويل الآيات:2/819-825/ح5 و6 و7 و9 و10 و14، تفسير البرهان:5/704-714/ح3 و4 و8 و9 و16 و17 و24 و29. قال السيّد شرف الدّين الأسترآبادي: «فلا بدّ من رجل تنزل عليه الملائكة والروح فيها بالأمر المحتوم في ليلة القدر في كلّ سنة، ولو لم يكن كذلك لم يكن بكلّ أمر. ففي زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله كان هو المُنزّل عليه، ومن بعده على أوصيائه أوّلهم أمير المؤمنين وآخرهم القائم عليهم السلام، وهو المُنزّل عليه إلى يوم القيامة، لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة الله عليها». تأويل الآيات:2/820. وأضاف في موضع آخر هذه الجملة: «اعلم أنّ حاصل هذا التأويل، أنّ ليلة القدر باقية إلى يوم القيامة، لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة الله سبحانه وتعالى عليها، تنزل فيها عليه الملائكة والروح من عند ربّهم من كلّ أمر إلى الليلة الآتية في السنة المقبلة، من لدن آدم إلى أن بعث الله سبحانه نبيّه صلّى الله عليه وآله، فكان هو الحجّة المنزلة عليه، ثمّ من بعده أمير المؤمنين، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ الأئمّة واحد بعد واحد إلى أن انتهت الحجّة إلى القائم صلوات الله عليهم أجمعين صلاة باقية إلى يوم الدّين». تأويل الآيات:2/828. إذا اتّضح ذلك نقول: أنّ تأويل الشيخ المجلسي لكلمة (المؤمنين) بأهل البيت عليهم السلام ليس في محلّه، لأنّ من يمتلكون علم آل محمّد شيعتهم ومواليهم، فهم الذين يقتبسون علم آل محمّد من جهته الصادقة ومصادره ومنابعه الموثوقة. راجع: البحار:25/99. على أيّ حال قد حان الوقت لكي أنقل إليكم حزمة مقتطفة من الأخبار التي تغاير المقطع المذكور والمطلب المسطور في رواية تفسير فرات الكوفي: منها: ما رويّ عن الإمام الباقر عليه السلام- في حديث نأخذ منه موضع الحاجة- قال: (أنّه ليس من يوم ولا ليلة إلّا وجميع الجنّ والشياطين تزور أئمّة الضلالة، ويزور إمام الهدى- في نسخة وتزور أئمّة الهدى- عددهم من الملائكة، حتّى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى ولي الأمر...إنّ الله عزّ وجلّ أعظم من أن ينزل الأمر مع الروح والملائكة إلى كافر فاسق). الكافي:1/253/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/9، تفسير البرهان:5/709/10. ومنها: ما رويّ محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: (سألته عن علامة ليلة القدر؟ فقال: علامتها أن تطيب ريحها، وإن كانت في برد دفئت، وإن كانت في حرّ بردت وطابت. قال: وسئل عن ليلة القدر، فقال: تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السّماء الدّنيا، فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد، وأمره عنده موقوف [له]، وفيه المشيئة فيقدّم [منه] ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء، ويمحو ويثبت وعنده أمّ الكتاب). تفسير البرهان:5/710/13. ومنها: ما رويّ عن عبد الله بن عجلان السكوني قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: بيت عليّ وفاطمة من حجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسقف بيتهم عرش ربّ العالمين، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي، والملائكة تنزّل عليهم بالوحي صباحاً ومساءً...وما من بيت من بيوت الأئمّة منّا إلّا وفيه معراج الملائكة لقول الله عزّ وجلّ: ﴿تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم﴾). تأويل الآيات:2/818-819/4، تفسير البرهان:5/714/28. ومثله في البحار:25/97/ب3/71. ومنها: ما رويّ عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا تلا: ﴿إنّا أنزلناه في ليلة القدر﴾ يقول: صدق الله، أنزل [الله] القرآن في ليلة القدر، ﴿وما أدراك ما ليلة القدر﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا أدري، قال الله عزّ وجلّ: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ ليس فيها ليلة القدر. وقال الله لرسوله صلّى الله عليه وآله: هل تدري لم هي خير من ألف شهر؟ قال: لا، قال: لأنّها ﴿تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر﴾ وإذا أذن الله بشيء فقد رضيه، ﴿سلام هي حتّى مطلع الفجر﴾ يقول: تسلّم عليك يا محمّد ملائكتي وروحي بسلامي من أوّل ما يهبطون إلى مطلع الفجر). تأويل الآيات:2/822/11، تفسير البرهان:5/705/5. ونحوه في الكافي:1/247/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/4. ومنها: ما رويّ عن ابن عبّاس عن النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم- في حديث- قال: (إذا كانت ليلة القدر تنزل الملائكة، الذين هم سكّان سدرة المنتهى وفيهم جبرئيل، ومعهم ألوية). تأويل الآيات:2/816/1، تفسير البرهان:5/714/30. وكذا يشير إلى ذلك المرويّ عن الإمام أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: (ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد ردّ على الله عزّ وجلّ علمه). الكافي:1/250/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/7، تأويل الآيات:2/825/14. المقطع التاسع: قال عليه السلام: ﴿والروح فيها﴾ (والروح القدس هي فاطمة). هذا الوصف لسيّدة نساء العالمين بأنّها عليها السلام هي روح القدس لا يحتاج منّا إلى استرسال وتطويل ومطّ الكلام وتكثير القول، لأنّه مخالف للروايات المستفيضة الواضحة، ولا يستقيم مع الروايات المعتبرة التي وصفته بأنّه خلق يُلهم المعصومين العلم، أو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل عليهما السلام يسدّد المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم. راجع: المحاسن:2/315/كتاب العلل/32، بصائر الدرجات:1/365-376/ب16-ب18، الكافي:1/273-/كتاب الحجّة/باب الروح التي يسدّد الله بها الأئمّة عليهم السلام/1-4، البحار:25/47-53 و58-70/ب3، روضة المتّقين:5/470 و:12/209-210، مرآة العقول:3/169-172، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام:4/314-316. ولو تنزّلنا وقبلنا حمله على المعنى التأويلي ورضينا به رغم ما فيه محاذير، فإنّه يفتقر إلى المستند الذي يحسن التعكّز عليه والاحتماء به. عموماً في نهاية مناقشة الرواية، أقصد رواية تفسير فرات الكوفي، يبدو لي أنّ المجلسي قد لاحظ اضطراب متن الرواية وارتباك فقراته، فلذا قام باختصاره في بحاره. راجع: بحار الأنوار:43/65/ب3/58. ونحن إن قبلنا بعض معانيها فحتماً لا نقبل كلّ معانيها ولا نستمرئ المفردات المضطربة والملحونة ولا نحتضن الفقرات الفاسدة التي تلاعب بها العابثون. والذي نعتقده في الرواية المناقشة على أقلّ تقدير أنّها ينطبق عليها الخبر المروي عن الإمام الصادق عليه السلام وكلامه في حديثه مع المفضّل: (وأخبرك أنّ هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أهله ولم يُعطوا فهم ذلك). بصائر الدرجات:547/ب21/1. وليعلم الأخوة الفضلاء والأخوات الفضليات أو الفاضلات أنّ الذي قادني إلى هذه المناقشة هو تلك الملاحظات والمعارضات. وفي عقيدتي أنّ الذي يساعد على إذكاء الفكرة وترسيخ النظرة هو البحث الموضوعي ومناقشة الأنظار والآراء بإنصاف وطريقة بعيدة عن التشنّج وبنفس علمي. وقد جاء في معتبر جميل بن درّاج عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (أعربوا حديثنا فإنّا قوم فصحاء). الكافي:1/52/كتاب فضل العلم/باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بالكتب/13، مرآة العقول:1/183، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام:3/78. ومثله في الرعاية في علم الدراية للشيخ زين الدين بن نور الدين علي العاملي:187، وفيه: أعربوا كلامنا بدل أعربوا حديثنا. ختام به إتمام بودّي هنا لفت أنظار القرّاء الكرام إلى أنّ هناك أخباراً ترتبط بموضوعنا غير ثابتة للمعصوم شاع تناقلها من على فوق المنابر الحسينيّة وكثر تردّدها على ألسن روّاد المحافل الدينيّة، منها: نحن حجج الله على الخلق، وجدّتنا فاطمة حجّة علينا. والغريب أنّ الشيخ الفاضل محمّد فاضل المسعودي كرّر نسبته إلى الإمام العسكري عليه السلام في عدّة مواضع من كتابه الأسرار الفاطمية. راجع صفحة: 37 و53 و154 و265 و410. وهكذا نسبه إلى الإمام العسكري عليه السلام غفلة الشيخ محمّد السند في كتابه مقامات فاطمة الزهراء عليها السلام في الكتاب والسنّة. راجع صفحة:20. والأنكى من ذلك أنّ بعض الفضلاء المعاصرين يصرّ على نسبته إلى المعصوم رغم تنبيهنا له بأنّ الخبر موضوع، ويدلّس على مراجعيه في شأنّه فلا يرشدهم إلى منبعه الأصلي ولا يصارحهم بأنّه مخترع. ومنها: اللّهم إنّي أسالك بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها. وقد نبّه الشيخ محمّد فاضل المسعودي، جزاه الله خيراً، القرّاء إلى أنّ هذا الدعاء ليس للمعصوم. راجع: الأسرار الفاطميّة:25. وثمّة أخبار أُخر غير تلك يستدلّ البعض بها مع أنّها لا ترقى إلى مستوى الدليل ولا تستحقّ تدوينها، قد أعرضت عن تناولها فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً. كما أرجو من الأخوة الفضلاء (الخطباء والمؤلّفين) الذين وقعوا في اشتباهات نقليّة والتباسات خبريّة، القيام بتنبيه القرّاء والمستمعين إلى موضع خطأهم غير المقصود، وتذكير الموالين بأنّ المعلومة غذاء والكلمة مسؤوليّة، وينبغي علينا تحرّي الوثاقة فيما نبثّه للأنام وتقصّي الاطمئنان إلى ما نحدّث به الملأ العام، فقد روي عن خثيمة بن عبد الرحمن قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من تحدّث عنّا بحديث فنحن سائلوه عنه يوماً، فإن صدق علينا فإنّما يصدق على الله وعلى رسوله، وإن كذّب علينا فإنّما يكذب على الله وعلى رسوله، لأنّا إذا حدّثنا لا نقول قال فلان وقال فلان، وإنّما نقول قال الله وقال رسوله). تأويل الآيات الظاهرة:2/521/30، تفسير البرهان:4/723/9. وبعد هذا، نتمنى من الخطباء وأهل المنابر- وهي أمنية قديمة نسعى لترويجها والتثقيف عليها- تخصيص بعض الدقائق لمستمعيهم وحضّارهم بعد انتهاء محاضراتهم، لأجل الاستماع إلى ملاحظاتهم وإشكالاتهم وأخذها بنظر الاعتبار والإجابة عن أسئلتهم. نسأل الله عزّ وجلّ التوفيق لهم ولنا ومن يطلب طريق الحقّ ولملّة الإسلام، والثبات على منهجه القويم وصراطه المستقيم. وأتقدّم بالشكر للأخوين العزيزين الدكتور شامل آل مباركة وحسين الأسدي لملاحظاتهما ومساعدتهما لي في البحث. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد الأمين وعلى آله الميامين. جعفر صادق الحسيني البصري |
سلام عليكم
الأخوة الأعزاء في إدارة الموقع أرجو حذف المقال الأول المعنون الإلفات لما في خبر فطم الخلق عن معرفتها من تهافت، لكونه يشتمل على بعض الأخطاء والنقص ، وإبقاء المقال الثاني الحامل نفس العنوان الذي رفعته اليوم، ولكم الشكر |
رجاء للأخوة في إدارة الموقع بحذف المقال الأول فطم الخلق عن معرفتها
سلام عليكم
الأخوة الأفاضل في إدارة الموقع أرجو حذف المقال الأول الذي يحمل عنوان الإلفات إلى ما في خبر فطم الخلق عن معرفتها من تهافت، لكون فيه أخطاء ونقصـ ولذا كررت رفعه اليوم بعد تعديله، فالرجاء إبقاء الثاني فقط ولكم الشكر |
اقتباس:
|
خواني هناك نقص في المقطع الخامس في النقطة الأولى يفترض أن تكون هكذا: النقطة الأوّلى: إذا كان المعني به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإنّ ذلك قد يشكّل علامة استفهام حول النصوص المتضمّنة بأنّهم عليهم السلام خُلِقوا أشباحاً قبل خلق نبيّ الله آدم عليه السلام وذريته، وأنّ الله عزّ وجلّ حملّهم العلم والدّين. راجع: الكافي:1/ 133/كتاب التوحيد/باب العرش والكرسي/6.
نعم، من يذهب إلى أنّ المعصومين صلوات ربّي وسلامه عليهم أجمعين يقبض عنهم تارة بعض العلم ويبسط لهم تارة بعض العلم، فلا إشكال حينئذٍ في البين. |
الخيار الأتمّ لرواية (فَيَجفلُون عنهُ إِجْفَال الغَنَم) 1
الخيار الأتمّ لرواية (فَيَجفلُون عنهُ إِجْفَال الغَنَم)
بسمه تعالى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى. تحية وسلام في كلّ آن على حاكم الخلافة الراشدة الكائنة في آخر الزمان صاحب العصر وإمام الإنس والجان. وبعد، في ذكرى مولده العطر في شهر شعبان خطر ببالي ما يتداوله بعض الباحثين من على المنصّات والمنابر لرواية ترتبط بشؤونه عليه السلام وفيها الفقرة المنحوتة في عنوان الرسالة (فَيَجفلُون عنهُ إِجْفَال الغَنَم)، وبحسب مطالعتي فإنّي أجد في هذا المقطع المتعلّق بأصحاب بقيّة الله الحجّة هفوة أو سقطة، كونه لم يُفسّر بصورة ناضجة ولم يستنطق بطريقة موزونة، بل شُرح من قبل الكثير بحسب ما يتبادر من ظاهره من دون الغوص في تفاصيل ما يكتنفه لقشع الغموض الذي يلفّه. وأنا سأحاول في هذه الرسالة تسجيل بعض المؤاخذات عليه وبيان العلّة المتواجدة فيه. والحقيقة أنّي كتبت عامّة هذه الملاحظات قبل بضع سنين وحدّثت بها بعض المقرّبين، ولكنّي توانيت عن نشرها آنذاك، وأبقيتها أسيرة الصفحات ورهينة الدفتر، بيد أنّه قد حان الوقت بعد ما طعمتّها ببعض البيانات كي تُعتق لترى النور ويُطلق سراحها وتتحرّر. وللعلم فإنّ تلك الرواية التي أشرت لها وأودّ الخوض في فقرتها الغريبة رويت بسندين مختلفين وفي مصدرين مهمّين (الكافي وكمال الدّين) وبمفادين متقاربين، وأنّ اهتمامي فيما نحن فيه سوف لا يكون بناحية السند، المختلف فيه باختلاف المباني الرجاليّة من حيث توثيقه أو تضعيفه، وإنّما سينصبّ مسار البحث على ناحية مضمون الحديث ودلالته. وقبل الدخول في صلب الموضوع يتوجبّ عليّ من باب الموضوعيّة أن أنقل للقارئ العزيز نصّ الروايتين، ليكون عند نهاية الموضوع على دراية في سبب ترجيحي لإحدى الروايتين على الآخرى والميل إليها دون أُختها. كما أجد أنّه يلزمني عدم إغفال بعض المقاربات قبل غلق الرسالة، حيث سأذكر بعض الآراء التي حاولت بكيفيّة معينّة توجيه الفقرة الرماديّة والجزئيّة الملتبسة. والآن أيّها الأحبّة أضع بين أيديكم نصّ الخبرين: 1- أخرج الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن الحسن بن محبوب عن بعض رجاله عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (كأنّي بالقائم عليه السلام على منبر الكوفة عليه قباء، فيخرج من وريان قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، فيفكّه فيقرأه على النّاس، فيَجْفلون عنه إجْفالَ الغَنَم، فلم يبق إلّا النقباء، فيتكلّم بكلام فلا يلحقون ملجأ حتّى يرجعوا إليه، وإنّي لأعرف الكلام الذي يتكلّم به). روضة الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني:8/ 167/ح185، عنه بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار للشيخ محمد باقر المجلسي:52/ 352/ب27/ح107. 2- أخرج الشيخ الصدوق في كمال الدّين بسنده عن محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا عمّي محمّد بن - أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله الكوفي عن أبيه عن محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (كأَنِّي أَنظر إِلى القائِم عليه السلام على مِنبرِ الكُوفة وحوله أَصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رَجُلاً عدّةُ أَهل بدر، وهُمْ أصحاب الألوية، وَهُمْ حُكّام الله في أَرضه على خَلقه، حتّى يستخرج من قبائهِ كتاباً مَختُوماً بخاتم من ذَهَب، عهد معهُود من رَسول الله صلَّى الله عليه وآله، فَيَجْفلُون عنهُ إِجْفَال الغَنَم البُكْم، فلا يَبقى منهم إِلّا الوزير وَأحَد عشرَ نَقيباً، كما بَقُوا مع مُوسى بن عِمران عليه السلام، فَيَجُولُون في الأرض ولا يَجدُون عنهُ مَذهباً فَيرجعُون إليه، والله إنّي لأعرِفُ الكَلامَ الذي يَقوله لَهُم فيَكفُرون بِه). كمال الدين وتمام النعمة للشيخ محمد بن علي بن بابويه القمّي الملقّب بالصدوق:2/ 610/ب58/ح25، عنه بحار الأنوار:52/ 326/ب23/ح42. إيضاح بعض معاني المفردات: قوله عليه السلام: (كأنّي بالقائم) أي: كأنّي مع القائم عليه السلام وناظر إليه، فقد شبّه حالته العلميّة بحالته البصريّة في تحقّق وقوعها وتيقّنه. القباء: ثوبٌ يُلبَسُ فوق الثياب. قوله عليه السلام: (من وريان قبائه) أي: من باطنه أو من جيبه. قوله عليه السلام: (فيجفلون) أي: هربوا مسرعين، أو ذهبوا مسرعين. و (النقباء) جمع نقيب، والنقيب لغة: العريف والشاهد على القوم وضامنهم. والمقصود بذلك الأشراف من المؤمنين. وسنعرف في طيّات البحث كم عددهم. راجع: شرح أصول الكافي للشيخ محمد صالح المازندراني:12/ 196، والبحار: 52/ 326، وعوالم العلوم للشيخ عبد الله البحراني:4/ 69 هامش، والوافي للشيخ محمد محسن الكاشاني المشتهر بالفيض الكاشاني:2/ 459. نحن وأجواء المتن في المستندين: لكي أكون واضحاً معكم منذ البداية أقول بكلّ صراحة: أنّي لا أستطيع المغامرة في قبول جميع ما ورد في متن رواية كمال الدّين والمراهنة عليه والمجازفة في الاعتماد على ما يترشّح منه، وذلك لمساسه بالعدّة الموصوفة بكلّ خير ولتصادمه مع النصوص الكثيرة والمعطيات الوفيرة الحافلة بالأدلّة والشواهد والمؤشّرات على امتياز الثلاثمائة وثلاثة عشر (313) رجلاً من حيث قوّة إيمانهم وعظيم مؤهّلاتهم وشّدة طاعتهم وامتثالهم أوامر قائدهم ودورهم في نصرة إمامهم المهديّ عليه السلام. وفي ضوء هذا التصوّر عنهم وبناء على التسليم بالأخبار التي سنرفدكم بها والأنباء التي ستطلّ عليكم، يكون من غير المقبول ما يقوم به بعض الفضلاء من التنويه إلى التقليل من إيمان العدّة (313) والنيل من ثباته لموقف زُعم صدوره من جانبهم في مرحلة معيّنة. في هذه الرسالة أحاول كشف خطأ فكرة التشكيك بحواري الإمام المنتظر الثلاثمائة وثلاثة عشر، وذلك من خلال الاستدلال ببعض المقاطع المنتقاة من الأخبار وببعض الشواهد المستقاة من الآثار، فتعال معي عزيزي القارئ واستمع بوعي إلى ما عبّرت به النصوص عن أحوالهم وصفاتهم وامتيازاتهم، وإليكم أهمّها: |
الخيار الأتمّ لرواية (يجفلون عنه إجفال الغنم)2
ألف- هم الأُمّة المعدودة والعدّة الموصوفة بالإخلاص، وأنّهم ولدوا بعد قانون المزايلة. فقد أخرج الشيخ العيّاشي في تفسيره بسنده عن عبد الأعلى الجبلي أو الحلبي عن الإمام الباقر، في حديث طويل نأخذ بعضه، قال عليه السلام: (أصحاب القائم الثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، قال: هم والله الأُمّة المعدودة التي قال الله في كتابه: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٍۢ مَّعْدُودَةٍۢ} سورة هود:8، قال: يُجمعون في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف). تفسير العيّاشي للشيخ محمد بن مسعود العيّاشي السمرقندي:2/ 57/ح49، والتفسير الصافي للفيض الكاشاني:2/ 433.
وبأدنى تفاوت في الغيبة للشيخ محمد بن إبراهيم النعماني:247-348/ب13/ ح36، ومجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي:5/ 246، والبرهان في تفسير القرآن للسيّد هاشم البحراني:3/84/ح7.
وفي معتبر أبي خالد عن الإمام أبي جعفر في قول الله عزّ وجلّ: {فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ}سورة البقرة:148، قال عليه السلام: (الخيرات الولاية، وقوله تبارك وتعالى: {ۚأَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا} يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، قال: وهم والله الأُمّة المعدودة، قال: يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف). روضة الكافي:8/ 313/ح487.
وفي معتبر أبي خالد الكابلي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام قال: (المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدّة أهل بدر فيصبحون بمكّة، وهو قول الله عزّ وجلّ: {ۚأَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا}، وهم أصحاب القائم عليه السلام). كمال الدين وتمام النعمة للصدوق:2/ 593/ب57/ح21. ونحوه في غيبة النعماني:327/ب20/ح3.
وفي خبر عبد العظيم الحسني عن الإمام الجواد عليه السلام، في حديث عن القائم، قال: (وهو الذي تطوى له الأرض، ويذلّ له كلّ صعب، يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عزّ وجلّ: {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ ۚقَدِيرٌ} فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره). كمال الدين:2/ 352/ب36/ح2.
هذا التوصيف بالإخلاص لبيان حالهم تكرّر في حقّ المؤمنين بالإمام المهديّ عليه السلام وغيبته الثابتين على عقيدته وولايته كما يعرب عنه معتبر الحسين بن خالد عن الإمام الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام. راجع: كمال الدين:1/ 287/ب26/ح16.
واللافت للنظر أنّ السيّد محمّد الصدر ذكر عدّة أسباب لتميّز هؤلاء (313) عن غيرهم وعدّ السبب الأوّل منها: اتّصافهم بالاخلاص من الدرجة الأولى. فراجع: تاريخ ما بعد الظهور:294.
وفي معتبر محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} سورة النمل:62، قال: (نزلت في القائم عليه السلام ... فيكون أوّل خلق الله مبايعة له- أعني جبرئيل-، ويبايعه النّاس الثلاثمائة والثلاثة عشر، فمن كان ابتلي بالمسير وافى في تلك الساعة، ومن لم يبتل بالمسير فُقد من فراشه، وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام: المفقودون من فرشهم، وهو قول الله عزّ وجلّ: {فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا}، قال: الخيرات الولاية لنا أهل البيت). غيبة النعماني:328/ب20/ح6، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي:3/ 546/ح537.
وفي خبر أبي بصير عن الإمام الصادق في تفسير قوله سبحانه: {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ} قال عليه السلام: (نزلت في القائم عليه السلام وأصحابه، يجتمعون على غير معاد). غيبة النعماني:248/ب13/ح37.
وفي خبر أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إنّ القائم يهبط من ثنيّة ذي طوى في عدّة أهل بدر-ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً- حتّى يسند ظهره إلى الحجر الأسود، ويهزّ الراية الغالبة). غيبة النعماني:329/ب20/ح9، إثبات الهداة:3/ 547/ح541.
وفي معتبرا علقمة الحضرمي عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عن الإمام علي عليه السلام قال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا علي، إنّ قائمنا إذا خرج اجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدد رجال بدر، إلى آخر ما جاء في الخبر). كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الإثني عشر للشيخ علي الخزّاز القمّي:267.
وفي معتبر جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديث طويل عن علامات ظهور الحجّة نأخذ قطعة منه، قال: (فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ويجمعهم الله له على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف، وهي- يا جابر- الآية التي ذكرها الله في كتابه: {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ ۚقَدِيرٌ}، فيبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد توارثه الأبناء عن الآباء). غيبة النعماني:289/ب14/ح67، البحار:52/ 239/ب25/ح150.
لقد تكلّم الشيخ علي الكوراني في هذه الدائرة فقال: أنّه تعالى قدّر له أصحاباً خاصّين، من أقاصي الأرض، يأتيه بهم فيوافونه معجزة في ليلة واحدة، هم وزراؤه وحواريّوه>>. المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهديّ عليه السلام:305.
وجاء في خبر أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا يزال النّاس ينقصون حتّى لا يُقال الله، فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدِّين بذنبه، فيبعث الله قوماً من أطرافها، يجيئون قزعاً كقزع الخريف، والله إنّي لأعرفهم وأعرف أسمائهم وقبائلهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم، وهم قوم يحملهم الله كيف شاء من القبيلة الرجل والرجلين حتّى بلغ تسعة، فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدّة أهل بدر، وهو قول الله: {ۚأَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ ۚقَدِيرٌ}، حتّى أنّ الرجل ليحتبى فلا يحلّ حبوته حتّى يبلغه الله ذلك). الغيبة للشيخ محمد بن الحسن الطوسي:498/ح503.
قيل عن معنى (ضرب يعسوب الدّين بذنبه) أي: إنّه فارق أهل الفتنة، فيضرب في الأرض ذاهباً في أهل دينه وأتباعه الذين يتّبعونه على رأيه، وهم الأذناب، أو أنّ الضرب بالذنب كناية عن وثبته وتجريده سيفه، وليس المراد من الذنب إلّا الأصحاب، أو أنّ الضرب بالذنب ههنا مثل للإقامة والثبات، يعني أنّه يثبت هو ومن تبعه على دينه.
والحبوة: من الإحتباء والذي هو ضمّ الساقين إلى البطن بالثوب أو اليدين، والمعنى أنّهم يُحملون على الحالة التي كانوا عليها حتّى يبلغهم الله عزّ وجلّ مكّة المكرّمة بلا تعب ولا نصب. راجع: عوالم العلوم:4/ 67 هامش، وبشارة الإسلام في علامات المهديّ عليه السلام للسيّد مصطفى الحيدري:279.
الكلام في هذه الناحية يستدعي التذكير أنّ بعض الفضلاء يرى أنّهم هم المقصودون في حديث عبد الله بن مسعود معن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (إنّي لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذٍ، أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذٍ). صحيح مسلم:8/ 178/كتاب الفتن وأشراط الساعة/باب إقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجّال. راجع: تاريخ ما بعد الظهور:261، وأسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:82، ومعجم أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام:1/374/ح241.
وعلى أيّة حال، هذه العدّة الفذّة جاء توصيفها بالإيمان في خبر الحارث الهمداني عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: (إذا هلك الخطاب، وزاغ صاحب العصر، وبقيت قلوب تتقلّب من مخصب ومجدب، هلك المتمنّون، واضمحلّ المضمحلّون، وبقي المؤمنون وقليل مايكونون ثلاثمائة أو يزيدون، تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم بدر لم تُقتل ولم تمت). غيبة النعماني:202/ب11/ح4.
وفي مجال تعليقه على شرح فقراته قال النعماني: أنّ الله عزّ وجلّ يؤيّد أصحاب القائم عليه السلام هؤلاء الثلاثمائة والنيف الخلّص بملائكة بدر>>. غيبة النعماني:202. وربما يندرج في هذا المستوى ما رواه الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام، في ذيل حديث يصف به شيعته، قال: (وكذلك أنتم تُميّزون حتّى لا يبقى منكم إلّا عصابة لا تضرّها الفتنة شيئاً). غيبة النعماني:218/ب12/ح17، البحار:52/ 116/ب21/ح37. وما رواه سدير الصيرفي عن الإمام الصادق، في حديث، يقول عليه السلام: (وكذلك القائم فإنّه تمتدّ أيّام غيبته ليصرح الحقّ عن محضه ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم عليه السلام). كمال الدين:2/ 334/ب33/ ح51. وما رواه أبو بصير عن باقر العلم عليه السلام، في حديث، قال: (وكذلك شيعتنا يُميّزون ويُمحّصون حتّى تبقى منهم عصابة لا تضرّها الفتنة). غيبة النعماني:218/ب12/ح18. وما رواه الحسين بن خالد عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن الإمام علي عليه السلام، في حديث ذكر فيه القائم، قال: (فلا يثبت على دينه إلّا المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله عزّ وجلّ ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيّدهم بروح منه). كمال الدّين:1/ 337/ب26/ح وحيث إنّ مجموعة الثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً هي من خلّص شيعة أهل البيت الموقنين والشريحة المسلّمة والقمّة الشامخة، ناهيك عن أنّها ثابتة على مبادئها، صلبة في عقيدتها، راسخة في إيمانها، فينبغي بقدر مرضي أن لا تضرّها الفتنة ولا يعصف بها الهرج ولا تزعزعها المحنة كما تصوّرها الرواية، بل لعلّ ذلك من لوازمه حينما نراجع مجمل المعطيّات الخاصّة بهم بنظرة فاحصة. وبتعبير بعضهم: هم خيرة الأرض يومذاك، فهم الصفوة المختارة الذين يختارهم الله عزّ وجلّ لهذا اليوم، فهم ليسوا من بلد واحد، بل من بلاد متعدّدة ومن قوميّات مختلفة، بل هم من قارات وأقاليم مختلفة أيضاً كما صرّحت عنهم الروايات والأحاديث الكثيرة>>. الإمام المنتظر وعلامات الظهور للسيّد قاسم الموسوي:202. وفي سياق متّصل يضيف آخر فيقول: الواضح أنّ الله تعالى انتخب هذا العدد من الأفراد- ليكونوا من أصحاب الإمام المهديّ عليه السلام- لمزايا توفّرت فيهم وأَهّلتهم لهذا الشرف الخالد>>. الإمام المهديّ عليه السلام من المهد إلى الظهور للسيّد محمد كاظم القرويني:491، مستقبل البشريّة في زمن حكومة المهديّ (عج) العالميّة للسيّد حسن زلزلي الحسني:307. أقول: إنّ التعابير الروائيّة بصيغها المتعدّدة إن لم تكن مصرّحة فهي مشعرة بأنّهم لم يكونوا منتظمين ضمن تيّار مقاوم أو حركة مُمهّدة أو دولة دينيّة (ثيوقراطيّة)، وقد أومأ الصدر إلى لزومهم التقيّة خلال عصر التمحيص السابق على عصر الظهور، كما في تاريخ ما بعد الظهور للصدر:498. علاوة على ذلك فإنّ هذه الأوصاف الراقية والمدارج العالية التي يتحلّون بها يُمكن أبضاً انتزاعها من غير الآخبار الآنفة الذكر ، كخبر عبد الله بن حمّاد الأنصاري عن رجل عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه أنّه دخل عليه بعض أصحابه، فقال له: جعلت فداك، إنّي والله أُحبّك وأُحبّ من يُحبّك، يا سيّدي ما أكثر شيعتكم، فقال له: (اذكرهم، فقال: كثير، فقال: تحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما لو كملت العدّة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تُريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، ولا شحناؤه بدنه، ولا يمدح بنا مُعلناً، ولا يخاصم بنا قالياً، ولا يُجالس لنا عائباً، ولا يُحدّث لنا ثالباً، ولا يُحبّ لنا مُبغضاً، ولا يبغض لنا مُحبّاً). غيبة النعماني:210-211/ب12/ح4. وكذلك لا استطيع نفي الاحتمال بأنّهم هم المقصود بهم (عصابة الحقّ) التي تجتمع مع القائم عليه السلام كما في خبر الصقر بن أبي دلف عن الإمام الهادي عليه السلام المروي في كمال الدين:2/ 356/ب37/ح9، فلاحظ. باء- هم العدّة المحفوظة التي يحبّها الله تبارك وتعالى ويحبّونه، ففي رواية سليمان بن هارون البجلي او العجلي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنّ صاحب هذا الأمر محفوظة له أصحابه، لو ذهب النّاس جميعاً أتى الله له بأصحابه، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰٓؤُلَآءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ} سورة الأنعام:89، وهم الذين قال الله فيهم: {فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥۤ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِينَ} سورة المائدة:54). غيبة النعماني:330/ب20/ح12. وفي معرض التعليق على الخبر ذكر الشيخ محمد النجفي أنّ في هذا الخبر بشارة لمن كان مُسجّلاً في دفتر الإمام القائم عليه السلام وكان اسمه في صحيفته، وإنّ هؤلاء يحفظهم الله سبحانه وتعالى من جميع فتن آخر الزمان، ويدفع عنهم البلاء، ويأتي بهم للإمام حتّى لو تلف النّاس كلّهم، ويُحضرهم له في مكّة بأجمعهم. راجع: بيان الأئمة للوقائع الغريبة والأسرار العجيبة للشيخ محمد مهدي النجفي:3/ 251-252. ولا ريب في أنّ التبديل حادث وواقع في كافة الفرق والنحل، وسوف يطال جميع المذاهب والملل ولا يُستثنى أيّ صنف منها، غاية ما هنالك أنّ النسب قد تختلف من طائفة لأُخرى، والأمر المثير أنّه قد أّشير إلى وقوع التبديل في الذين يتشيّعون لأهل البيت كما في المروي عن الامام الصادق عليه السلام قال : (فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل). غيبة النعماني:211/ب12/ح4. هذا من جانب. ومن جانب آخر فإنّ من مظاهر التبديل ومصاديقه ما جاء في الخبر المروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أيضاً أنّه قال: (لا يخرج من شيعتنا أحد إلّا أبدلنا الله به من هو خير منه، وذلك لأنّ الله يقول: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاٰ يَكُونُوا أَمْثٰالَكُمْ} سورة محمّد:38). تفسير البرهان:5/ 57/ح5، البحار:23/ 387/ب22/ح94. وفي ميدان هذه القضيّة المرتبطة بالرواية الكسيحة تساءل الأستاذ علي الزيدي: <<فهل يعقل بعد هذا أن ينحرفوا عن جادّة الحقّ لمجرد عروض شبهة عليهم أراد إمامهم المهديّ عليه السلام عرضها لهم على نحو الامتحان والاختبار لما بعد الظهور؟ علماً أنّهم على يقين تامّ بأنّه الإمام الحجّة بن الحسن وطاعته واجبة، لأنّه إمام مفترض الطاعة، كونهم قد نجحوا في كلّ تمحيصات وبلاءات ما قبل الظهور، فكان استحقاقهم معرفة الإمام فأطاعوه كطاعة الأمة لسيّدها. ثمّ تحدّث عن دلالة الآية قائلاً: إنّ هؤلاء الأبدال هم اختيار الله تعالى لعلمه بأنّهم أفضل ما موجود ضمن نظاق التكامل الإنسي في عهد الإمام المهديّ عليه السلام ...إنّ الله تعالى قد أحبّ هؤلاء القوم وقد أضفى عليهم صفة الحبّ ... ومن يحبّه الله لا يمكن أن يبغضه على الإطلاق، ولذلك فهذا دليلاً عمليّاً على أنّ هذا العبد المحبوب لن يقوم بايّة معصية، يغضب لها الربّ الجليل ... وإذا كان الأمر كذلك، كيف يأتي الله تعالى بقوم هم بدلاء عن المرتدّين بحيث تحدّى بهم الفاشلين، ومن ثمّ يقوم أولئك البدلاء بالانقلاب والإرتداد بمخالفتهم أوامر إمامهم>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي (ع):85-87. ويستمرّ في رسم الصورة المعبّرة عن تكاملهم قائلاً: <<عاشوا أعلى مراحل التمحيص والبلاءات في عصر غيبة الإمام المهديّ عليه السلام ونجحوا بها على أكمل وجه، فيكون حينها من الطبيعي أن يكملوا مسيرهم في تمحيص وبلاءات ما بعد الظهور، لأنّهم الأولى بذلك، ولا يُعقل حينها فشلهم بحيث يأتي آخرون لم يعيشوا ويعاصروا مرحلة الاختبارات الصعبة والمكثّفة أو عاشوا ولم ينجحوا بها، ليكونوا بدلاء عن أولئك الأصحاب ال(313)>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهديّ:94. تاء- هم حكّام الله في أرضه وأمراء الأقاليم، ففي الخبر محلّ النقاش، أعني خبر المفضّل المروي في كمال الدين، قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: (كأَنِّي أَنظر إِلى القائِم عليه السلام على مِنبرِ الكُوفة وحوله أَصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رَجُلاً عدّةُ أَهل بدر، وهُمْ أصحاب الألوية، وَهُمْ حُكّام الله في أَرضه على خَلقه، إهـ). كمال الدين:2/ 610/ب58/ح25. وفي خبر عبد الله بن حمّاد الأنصاري عن محمّد بن جعفر بن محمّد عن أبيه الصادق عليه السلام قال: (إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض، في كلّ اقليم رجلاً، يقول: عهدك في كفّك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفّك واعمل بما فيها. قال: ويبعث جُنداً إلى القسطنطينيّة، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟! فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون). غيبة النعماني:334-335/ب21/ح8، وبعضه في دلائل الإمامة للطبري:467/ 452/ح56، وإثبات الهداة للحر العاملي:3/ 573/ح712. وينضوي تحت ذلك ما رواه الحسن بن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: (إذا قام قائمنا أذهب الله عزّ وجلّ عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزُبُر الحديد، وجعل قوّة الرجل منهم قوّة أربعين رجلاً، ويكونون حُكّام الأرض وسنامها). الخصال للشيخ الصدوق:2/ 541/ب40/ح14، البحار:52/ 317/ب27/ح12. وضمن هذا الإطار نحت الشيخ الكوراني العنوان التالي: يبعث الإمام عليه السلام أصحابه حكّاماً على العالم واستشهد تحته بخبر عبد الله بن حمّاد الأنصاري الآنف الذكر. راجع: المعجم الموضوعي:291. وتحدّث الصدر عن الضمانات المنبثقة من صفات أصحاب الإمام فقال : التخطيط السابق على الظهور إيجادهم لانجاح هذه التجربة، لمشاركتهم- أوّلاً- بصفتهم قادة عسكريّين في الفتح العالمي، ومشاركتهم- ثانياً- بصفتهم رؤساء وحكّاماً لمناطق العالم وأقاليمه في الدولة العالميّة>>. تاريخ ما بعد الظهور:447. ثمّ قام برفده موضّحاً: مقتضى الفهم العامّ للروايات الأخرى، هي أنّ الخاصّة الثلاثمائة والثلاثة عشر، هم سيقومون بالقيادة العسكريّة الرئيسيّة منذ فتح العالم، وسيكونون هم أنفسهم الحكّام الذين يوزّعهم الإمام المهديّ (ع) على مناطق العالم ... مضافاً إلى أنّهم الصفوة الذين هم في أعلى درجات الاخلاص من الجيل المعاصر يومئذٍ من البشر أجمعين، فلن يجد المهديّ (ع) -عادة- غيرهم لتولّي الحُكم في العالم تحت إشرافه وقيادته>>. تاريخ ما بعد الظهور:491. وبموازاة ذلك طرّز الأستاذ الزيدي ما يلي: <<كانوا هم أصحاب الألوية، أي: قادة الفتح العالمي في حروب الإمام سلام الله عليه، وكذلك هم حكّام الله في أرضه بعد الفتح المبارك، فدلالة الحديث ظاهرة بأنّهم فعلاً حكّام الله في أرضه. ثمّ يقول: إنّ أولئك الأصحاب من (313) هم عصارة البشريّة جمعاء، فهم بالتأكيد أفضلهم وأكملهم، كونهم قد تخلّوا عن جميع الذنوب والمعاصي التي تعرض للبشريّة، مضافاً إلى حيازتهم لأفضل الكمالات>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهديّ:89 و 95. وكتب الشيخ جعفر عتريسي عن منزلتهم السامية الآتي: أنّ للمهديّ عليه السلام أنصاراً كرّرت الروايات الإشارة إلى عددهم (313) رجلاً، يظهر منها أنّ لهم موقعيّة خاصّة وفضلاً مميّزاً>>. ما قبل نهاية التاريخ ظهور قائم آل محمّد المهديّ المنتظر:505. ودبّج القزويني جملته الآتية: الواضح أنّ هؤلاء من خيرة أهل الأرض يومذاك، وقد توفّرت فيهم المؤهّلات المطلوبة، واللياقة والكفاءة لإدارة الكرة الأرضيّة، وتدبير أمور النّاس أجمعين، كلّ ذلك تحت قيادة الإمام المهديّ عليه السلام، وإرشاداته وتعاليمه>>. الإمام المهديّ (ع) من المهد إلى الظهور:465. |
الخيار الأتمّ لرواية (فيجفلون عنه إجفال الغنم) 3
ثاء- هم أصحاب الألوية والنقباء، ففي خبر المفضّل عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (كأَنِّي أَنظر إِلى القائِم عليه السلام على مِنبرِ الكُوفة وحوله أَصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رَجُلاً عدّةُ أَهل بدر، وهُمْ أصحاب الألوية، إهـ). كمال الدين:2/ 610/ب58/ح25.
وفي معتبر المفضّل بن عمر الجعفي عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديث، قال: (فأُتيحت له صحابته الثلاثمائة وثلاثة عشر، قزع كقزع الخريف، وهم أصحاب الألوية، منهم من يُفقد من فراشه ليلاً، فيُصبح بمكّة، ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهاراً، يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. قلت: جُعلت فداك، أيّهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً، وهم المفقودون، وفيهم نزلت هذه الآية: {ۚأَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا} ). غيبة النعماني:326/ب20/ح3،، البحار:52/ 368/ب27/ح153، معجم أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام للشيخ علي الكوراني:5/ 33/ح1456 . ونحوه في تفسير العيّاشي:1/ 67/ح118.
المفارقة أنّ هذا التشبيه (بالقزع) قد وصف به (جيش الغضب) الذي يخرج في آخر الزمان، كما في خبري المسيًّب بن نجبة والأحنف بن قيس، فراجع: غيبة النعماني:325-326/ب20/ح1 و2.
قلت: والمظنون أنّ هذين الخبرين ناظران إلى تلك الأجواء.
ومهما يكن من أمر، فقد قيل في بيان معاني كلماته: <<أُتيحت: تهيأت، والقزع: قطع السحاب، ونسبته إلى الخريف لسرعة إجتماعه>>. بشارة الإسلام:278.
قوله عليه السلام: (هم أصحاب الألوية) إشارة إلى توفّر المؤهّلات فيهم لقيادة الجيوش والعساكر. راجع: الإمام المهديّ (ع) من المهد إلى الظهور:479.
وفي هذا المسار روى المفضّل عن الإمام الصادق عليه السلام في قصّة المهديّ أنّ الإمام المهديّ عليه السلام حينما يكون في مكّة ساعة الظهور ينادي عليهم بصرخة: (يا معشر نقبائي، وأهل خاصّتي، ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري ... ثمّ يصبحون وقوفاً بين يديه، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدّة أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله بيوم بدر ... وأوّل من يُقبّل يده جبريل عليه السلام ثمّ يبايعه وتبايعه الملائكة ونجباء الجنّ ثمّ النقباء ... ويتابع فيذكر تكذيب النقباء لنداء الشيطان وتلبيتهم دعوة الإمام لقتل أعدائه). البحار:53/ 7-8/ب53/ح1. وبعضه في مختصر البصائر للشيخ حسن بن سليمان الحلي:182. والحديث طويل وفيه بعض الفقرات المشوّشة، وقد أخذنا منه موضع الشاهد وموطن الحاجة.
ولا يخفى أنّ عبارة (ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض) مُؤشّر واضح على هذا المعنى من الاجتباء والاختيار الخاصّ من الله عزَّ وجلَّ لهم. راجع: مركز الدراسات التخصصيّة في الإمام المهديّ عليه السلام/سؤال: من الذي يختار أصحاب الإمام المهديّ عجّل الله فرجه، هل هو الله أم الإمام نفسه؟
المهمّ أنّ باحثاً آخر تحدّث عن خصوصيّات أصحاب الإمام مفصحاً بالآتي: << أصحاب المهديّ قادة الجيوش وأصحاب الألوية وحكّام الولايات على أيديهم يتحقّق النصر، يأتمرون بأمر سيّدهم لا يُخالفونه أبداً، أطوع إليه من العبد مع سيّده ومن الخاتم في خنصره، يستمعون كلامه ويلبّون نداءه، وأمّا عددهم فهو ثلاثمائة وثلاثة عشر عدد أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في بدر، وقد وردت الروايات من الطرفين- السنّة والشيعة- بهذا المعنى>>. الإمام المهدي (عج) عدالة السماء للسيّد عبّاس علي الموسوي:227.
جيم- يُحمل البعض منهم على السحاب، وتُطوى الأرض للبعض الآخر كي يصلوا إلى قائدهم المهديّ عليه السلام، ففي خبر أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (أصحاب القائم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، أولاد العجم، بعضهم يُحمل في السحاب نهاراً، يُعرف باسمه واسم أبيه ونسبه وحليته، وبعضهم نائم على فراشه فيوافيه في مكّة على غير ميعاد). غيبة النعماني:329/ب20/ح8، البحار:52/ 369/ب27/ح157.
ورغم أنّ البعض حمل لفظة (أولاد العجم) على أساس التغليب كما في بشارة الإسلام:280، وبيان الأئمة:3/ 59. ولكن عند مراجعة بعض النصوص الضعيفة التي تطرّقت إلى أسمائهم ومدنهم تبيّن أنّها تُعطي عكس المطلب وتحكي خلافه، فراجعها وأمعن النظر فيها.
وللعلم فإنّ الشيخ الكوراني رفض فكرة أنّ أصحاب الإمام من غير العرب، ونقد رواياتها وإليك نصّ عبارته: <<هذه النصوص معارضة بآخرى صحيحة تنصّ على أنّ أصحابه الخاصّين أبدال الشام، ونحباء مصر، وأخيار العراق، وعصائب العراق. نعم، هم قليلون بالنسبة إلى عدد العرب الكثير>>. المعجم الموضوعي:310.
وأيّاً ما يكن الوجه المرضي عنه، نعود لما كنّا فيه، ففي خبر المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (لقد نزلت هذه الآية في المُفتقدين من أصحاب القائم عليه السلام قوله عزّ وجلّ: {ۚأَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا}، إنّهم ليفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكّة، وبعضهم يسير في السحاب يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه، قال: قلت: جُعلت فداك أيّهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً). كمال الدين:2/ 610/ب58/ح24.
وفي هذا الوسط نجد الكوراني بعد أن صرّح بتواتر الأحاديث الحاكية أنّ الله سبحانه وتعالى يحضر للإمام أصحابه من أنحاء العالم إلى مكّة (قزعاً كقزع الخريف)، قال: <<سيرهم في السحاب نهاراً أنّ الله تعالى ينقلهم إلى مكّة بالسحاب على نحو الكرامة والإعجاز، فلا يحتاجون إلى وسائل سفر ولا جوازات سفر>>. المعجم الموضوعي:425.
وذكر السيّد الصدر أنّ الروايات الناطقة أنّ عددهم (313) مستفيضة، بل تكاد تكون متواترة، كما في تاريخ ما بعد الظهور:267.
يُشار إلى أنّه ثمّة تفاصيل أخرى وردت في هذا المضمار دلّت على أنّ تلاقي القادة بمكّة المكرّمة يكون على غير ميعاد، ففي خبر علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام: (بينا شباب الشيعة على ظهور سطوحهم نيام، إذ توافوا إلى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد، فيصبحون بمكّة). غيبة النعماني:330/ب20/ح11، البحار:52/ 370/ب27/ح159.
وراجع ما روي فيهم من خصائص في كتاب الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة للشيخ علي بن محمد المالكي المشتهر بابن الصبّاغ المالكي:2/ 1132/ف12.
قال الحيدري شارحاً: <<(على ظهور سطوحهم) يُنبأ عن أنّ ظهوره عليه السلام في الصيف>>. بشارة الإسلام:282.
وفي ضوء ما سلف عرضه، قال السيّد عبّاس الموسوي مُبيّناً: <<وصول هؤلاء القادة الأنصار في ساعة واحدة أو ليلة واحدة مع بيان كيفيّة الوصول المختلفة يدلّ على أنّ وصولهم عن طريق الإعجاز إكراماً لسيّدهم وإكراماً لهم وتحقيقاً لإرادة الله النافذة في الأشياء>>. الإمام المهديّ (عج) عدالة السماء:231.
وعبّر بعض الفضلاء عنهم قائلاً: <<وردت أحاديث كثيرة في مدح هؤلاء الصفوة الذين اختارهم الله تعالى لشرف صحبة الإمام المهديّ عليه السلام وفي كيفيّة التحاقهم بالإمام وتواجدهم في مكّة، بل وفي القرآن الكريم آيات مُأَوّلة بهذه الجماعة>>. الإمام المهديّ (ع) من المهد إلى الظهور:484، والإمام المنتظر وعلامات الظهور:203، ومستقبل البشريّة في زمن حكومة المهديّ عجّل الله فرجه الشريف العالميّة:301.
حاء- يطلب كل شيء رضاهم، وتفتخر الأرض بمرور أحدهم عليها، ففي خبر جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (كأنّي بأصحاب القائم عليه السلام وقد أحاطوا بما بين الخافقين فليس من شيءإلّا وهو مطيع لهم حتّى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كلّ شيء، حتّى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم عليه السلام). كمال الدين:2/ 601/ب58/ح25، البحار:52/ 327/ب27/ح43، إثبات الهداة:3/ 494/ح248.
كم هي عظيمة هذه المنقبة لهم رضي الله عنهم؟ وكم هو غريب وعجيب ذلك الزمن المهدويّ والعصر الخاتمي؟ إنّه متفرّد في معظم أدواره وأغلب حالاته.
جعلنا الله سبحانه وتعالى وإيّاكم من المواكبين لأحداثه المنافحين عن خليفة الله المتنّعمين بعدله والآمنين في سلطانه، ومن جملة من ينصر بنا إمام زماننا ويذبّ عن دين جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله.
خاء- هم الركن الشديد، ففي خبر أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ما كان قول لوط عليه السلام لقومه: {لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِىٓ إِلَىٰ رُكْنٍۢ شَدِيدٍۢ} سورة هود:.8، إلّا تمنّياً لقوّة القائم عليه السلام ولا ذكر إلّا شدّة أصحابه وإنّ الرجل منهم ليُعطى قوّة أربعين رجلاً، وإنّ قلبه لأشدّ من زبر الحديد، ولو مرّوا بجبال الحديد لقلعوها، ولا يكفّون سيوفهم حتّى يرضى الله عزّ وجلّ). كمال الدين:2/ 611/ب58/ح26، منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر للشيخ لطف الله الصافي الكلبيكاني:491. زبر الحديد: قطع الحديد. والتشبيه للقلب بقطع الحديد وبالحجر لمزيد التأكيد على عظمة الشجاعة والجرأة، وعدم تطرّق الخوف والتلكؤ على القلب، أعني وجدان الإنسان وفكره. راجع: تاريخ ما بعد الظهور:352. وفي هذا النطاق أخرج العيّاشي في تفسيره بسنده عن صالح بن سعد عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: {لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِىٓ إِلَىٰ رُكْنٍۢ شَدِيدٍۢ} قال: (قوّة: القائم عليه السلام، والركن الشديد: الثلاثمائة وثلاثة عشر أصحابه). تفسير العيّاشي:2/ 156-157/ح55، عنه البحار:12/ 170/ ب8/ح30. ومثله في تفسير القمًي للشيخ علي بن إبراهيم القمّي:1/ 336. قال المجلسي: <<يحتمل أن يكون المعنى أنّه تمنّى قوّة مثل قوّة القائم وأصحاباً مثل أصحابه، أو مصداقهما في هذه الأُمّة القائم وأصحابه، مع أنّه لا يبعد أن يكون تمنّى إدراك زمان القائم عليه السلام وحضوره وأصحابه عنده، إذ لا يلزم في المُتمنّي إمكان الحصول>>. البحار:12/ 170. لقد روى عبد الرحمن بن كثير عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله عزّ وجلّ: {أَتَىٰٓ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} سورة النحل:1، قال: (هو أمرنا، أمر الله عزّ وجلّ أن لا تستعجل به، حتّى يؤيّده الله بثلاثة أجناد: الملائكة، والمؤمنين، والرعب، الرواية). غيبة النعماني:204/ب11/ح9 و:251/ب13/ح43. ويُلاحظ أنّه عليه السلام قد وصفهم بالإيمان. وفي هذا الحقل المتعانق مع مستهلّ سورة النحل أخرج الشيخ محمد الطبري في دلائله بسنده عن إسماعيل بن عمر بن أبان عن أبيه عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أراد الله قيام القائم، بعث جبرئيل في صورة طائر أبيض، فيضع إحدى رجليه على الكعبة و الأخرى على بيت المقدس، ثمّ ينادي بأعلى صوته {أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}، قال: فيحضر القائم فيُصلّي عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين، ثمّ ينصرف وحواليه أصحابه، وهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً، إنّ فيهم لمن يسري من فراشه ليلاً فيخرج ومعه الحجر فيلقيه، فتعشب الأرض). دلائل الإمامة :472/ 464/ح68. وتحدّث الشيخ محمّد بن محمّد العكبري الملقّب بالمفيد في شأنهم معرباّ عن بيان حالهم بالتالي: <<الجماعة التي عدّتهم عدّة أهل بدر إذا اجتمعت فلم يسع الإمام التقيّة ووجب عليه الظهور، لم تجتمع في هذا الوقت ولا حصلت في هذا الزمان بصفتها وشروطها، وذلك أنّه يجب أن يكون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعة والصبر على اللقاء والإخلاص في الجهاد وإيثار الآخرة على الدّنيا، ونقاء السرائر من العيوب وصحّة العقول، وأنّهم لا يهنون ولا ينتظرون عند اللقاء>>. رسائل في الغيبة:3/ 11. دال- ورد أنّ قلوبهم مُهذّبة من الشقاق وخالية من النفاق، ففي رواية إبراهيم بن مهزيار ولقائه بالإمام القائم عليه السلام حدّثه أنّ والده الإمام العسكري عليه السلام وصف له صفات من يبايعه بصفات عظيمة، فكان ممّا قال له: (وكأنّك يا بُنيّ بتأييد نصر الله وقد آن وتيسّر الفلج وعلوّ الكعب قدحان، وكأنّك بالرايات الصفر والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم، وكذلك... تلوذ بفنائك من ملأ براهم الله من طهارة الولادة ونفاسة التربة، مقدّسة قلوبهم من دنس النفاق، مهذّبة أفئدتهم من رجس الشقاق، لينّة عرائكهم للدِّين، خشنة ضرائبهم عن العدوان، واضحة بالقبول أوجههم، نضرة بالفضل عيدانهم، يدينون بدين الحقّ وأهله، إهـ). كمال الدين:2/ 411-412/ب43/ح19، البحار:52/ 35-36/ب18/ح28. لاحظ كيف يصف الإمام مستوى إيمان العدّة الثمينة والعصابة النفيسة. وثمّة من يؤكّد على أنّ أصحاب الإمام المهديّ يمتازون بقوّة الإيمان المتكامل، ولا طريق للشكّ إلى قلوبهم، بل إنّ قلوبهم مضيئة بنور المعرفة، وهم بعيدون عن الجهل، وعندهم الوعي الكامل، ويعتقدون بالإمام المهديّ اعتقاداً راسخاً. راجع: الإمام المهديّ من المهد إلى الظهور:493-494، مستقبل البشريّة في زمن حكومة المهديّ (عج) العالميّة:309. وفي تصوّري أنّ المقام هنا يسمح لنا بالإلماع إلى أنّهم وحدّوا الله سبحانه حقّ توحيده، ففي خطبة منسوبة إلى الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام جاء في بعض مقطعها الآتي: (وأنّ المهديّ أحسن النّاس خَلقاً وخُلقاً، ألا وأنّه إذا خرج فاجتمع إليه أصحابه ثمّ إذا قام يجتمع إليه أصحابه، على عدّة أهل بدر وأصحاب طالوت وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، كأنّهم ليوث قد خرجوا من غاب غاباتهم، [قلوبهم] مثل زُبَر الحديد، لو أنّهم همّوا بإزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها، وهم الذين وحَّدوا الله حقّ توحيده، لهم في الليل أصوات كأصوات الثواكل خوفاً وخشية من الله تعالى، قُوّام بالليل صُوّام بالنّهار، كأنّما ربّاهم أب واحد وأم واحدة، قلوبهم مجتمعة بالمحبّة والنصيحة). إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب للشيخ علي الحائري:2/ 200، ومثله في بشارة الإسلام:297. واللافت للنظر أنّ هذا الوصف بمجموعه ينطبق على جماعة الحسني التي يُطلق عليها كنوز الطالقان، ففي خبر الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (له كنز بالطالقان ما هو بذهب ولا فضّة، وراية لم تُنشر، ورجال كأنّ قلوبهم زُبر الحديد، لا يشوبها شكّ في ذات الله، أشدّ من الحجَر، لو حملوا على الجبال لأزالوها ... يتمسّحون بسرج الإمام عليه السلام يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به يَقونَه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يُريد ... رهبان بالليل ليوث بالنّهار. هم أطوع له من الأمَةِ لسيّدها .... كأنّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مُشفقون، يَدعون بالشهادة، ويَتمنَّون أن يُقتلوا في سبيل الله، شعارهم يا لثارات الحسين. إذا ساروا يسير الرُعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحقّ). البحار:52/ 307-308/ب26/ح82. لا جرم أنّه من خلال شعارهم يدرك المنصف إلى أيّ طائفة ينتمون وبأيّ أئمّة يقتدون. يقول السيّد محمد الصدر معقّباً: <<من هذه الروايات أنّهم مؤمنون لا يبالون في الله لومة لائم، ولا يشوب قلوبهم شكّ في ذات الله، رهبان في الليل لا ينامون، إلى أن يقول: والإيمان الذي يتّصف بهذه الصفات، لهو من أعظم الإيمان وأقواه ... كما أنّ حسب الفرد أن لا يشوب قلبه شكّ في ذات الله عزّ وجّل، فهو يرى في كلّ أهدافه وأحكامه والموجودات حوله، عدلاً لا يشوبه ظلم، وصدقاً لا يشوبه كذب، ومصلحة لا يشوبها مفسدة. وعلى هذا كان سلوكه في عصر التمحيص السابق على ذلك،فكيف لا يكون كذلك بعده>>. تاريخ ما بعد الظهور:349-350. ويضيف في موضع آخر: <<(يحفّون به) أي: يحيطون به (يقونه بأنفسهم في الحروب) أي: يحمونه ويصونونه ويتحمّلون الموت دونه>>. تاريخ ما بعد الظهور:355. وعن هذه الخصوصيّة التي يمتلكونها في القتال ندعو القرّاء للتأمّل في خبر داوود الرقي عن الإمام الصادق عليه السلام الحاكي أنّ أصحاب الإمام القائم يُقسمون له بالقسم الشرعي ويتحدّثون أنّه عليه السلام لو ناوى بهم الجبال لناوياها معه، كما ورد في غيبة النعماني:187/ب10/ح29. ويتناغم مع تمّ بسطه خبر الأعثم الكوفي عن الإمام علي عليه السلام قال: (ويحاً للطالقان، فإنّ لله عزّ وجلّ بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضّة، ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حقّ معرفته، وهم أنصار المهديّ عليه السلام في آخر الزمان). البيان في أخبار صاحب الزمان للشيخ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي:69، عقد الدرر في أخبار المنتظر للشيخ يوسف بن يحيى السلمي:189/ب5/ح187، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال للشيخ علي المتّقي بن حسام الدّين المعروف بالمتّقي الهندي:14/ 591/ح39677، كشف الغمة في معرفة الأئمّة للشيخ علي الأربلي:3/ 268، منتخب الأثر:489. والطريف أنّه في هذا المنحى ورد خبر المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ثمّ يخرج الفتى الصبيح الحسني من نحو الديلم وقزوين، فيصيح بصوت له: يا آل محمّد أجيبوا الملهوف، فتجيبه كنوز الطالقان، كنوز ولا كنوز من ذهب ولا فضّة، بل هي رجال كزبر الحديد ... أميرهم رجل من بني تميم يُقال له شعيب بن صالح، فيقبل الحسني فيهم ووجهه كدائرة القمر، فيأتي على الظلمة فيقتلهم، حتّى يرد الكوفة). الأنوار النعمانية للسيّد نعمة الله الجزائري:2/ 87، بشارة الإسلام:196-197. ويبدو أنّ هذه الأوصاف منطبقة على الثلاثمائة وثلاثة عشر كما سنعرف، ولا تتأتى لغيرهم في عصر الغيبة، ففي خبر علي بن عاصم عن الإمام الجواد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: (قال النبيّ صلّى الله عليه وآله لأُبي بن كعب في وصف القائم عليه السلام: إنّ الله تعالى ركّب في صلب الحسن عليه السلام نطفة مباركة زكيّة طيبة طاهرة مُطهّرة، إلى أن يقول: فهو امام تقى نقى سار مرضي هادي مهديّ يحكم بالعدل ويأمر به، يصدق الله تعالى ويصدقه الله تعالى في قوله. يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل والعلامات وله كنوز لا ذهب ولا فضه إلّا خيول مُطهّمة ورجال مُسومة، يجمع الله تعالى له من أقاصي البلاد على عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وطبائعهم وحلاهم وكناهم، كدّادون مُجدّون في طاعته، إهـ). عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق:2/ 64-65/ب6/ح29، عنه البحار:52/ 311/ب27/ح84. هذا، ويخبرنا أحد الباحثين في تعقيبه على تلك الأخبار مورد البحث ما لفظه: <<توصيفهم بالكنز المنسوب إلى الله تعالى ظاهر أيضاً في كونهم مدخرين مختارين من قبله عزَّ وجلَّ وبإرادة منه تعالى. ثمّ يستكمل: وبعد كلّ ما تقدّم لا بدّ أن نلتفت أنّ السبب في اختيار هؤلاء الأنصار وانتخابهم دون غيرهم ليس أمراً عفوياً أو عابراً، بل لملاكات توفّرت في هؤلاء الأنصار أدّت بهم إلى هذه الحظوة وهذه المزية، نتيجة الهمّة العالية والنجاح الكبير الذي حقّقوه في جميع مراحل التمييز والتمحيص والغربلة في انتظار اليوم الموعود>>. مركز الدراسات التخصصيّة/سؤال: من الذي يختار أصحاب الإمام المهديّ عجّل الله فرجه، هل هو الله أم الإمام نفسه؟ ذال- أنّهم الصالحون الموعودون بالاستخلاف وبوراثة الأرض. بمعنى أنّهم المراد بهم في الآية الخامسة والخمسون بعد البسملة من سورة النور: {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا}. ففي خبر أبي بصير عن الإمام الصادق في تفسير الآية قال عليه السلام: (نزلت في القائم وأصحابه). غيبة النعماني:247/ب13/ح35. وهم المراد بهم في قوله سبحانه:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّٰلِحُونَ} سورة الأنبياء:105، فقد روى الحسين بن محمد بن عبد الله عن أبيه عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (قوله عزّ وجلّ: {أَنَّ ٱلْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّٰلِحُونَ}, هم أصحاب الإمام المهديّ في آخر الزمان). تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة للسيّد شرف الدّين علي الحسيني الأسترآبادي:1/ 332/ح22، البرهان في تفسير القرآن للبحراني:2/ 75/ح5. |
الخيار الأتمّ لرواية (فيجفلون عنه إجفال الغنم) 4
راء- هم النجباء والأبدال والأخيار والحكماء، ففي خبر جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يُبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم). الغيبة للطوسي:497/ح502، البحار:52/ 334/ب27/ح64. وبتفاوت في دلائل الإمامة:466/ 450/ح54، والمعجم الكبير للشيخ سليمان بن أحمد الطبراني:23/ 295، وعقد الدرر في أخبار المنتظر:141/ب4/ف2/ح135، والمستدرك على الصحيحين للشيخ محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري:4/ 478، ومعجم أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام:1/ 508/ح348.
وفي هذا المدار روى حذيفة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: (إذا كان عند خروج القائم، يُنادي مُنادٍ من السماء: أيّها النّاس، إنّ الله قَطَع عنكم مدّة الجبّارين، وَوَلّى خير أُمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فألحقوا بمكّة، فيخرج النجباء من مصر، والأبدال من الشام، وعصائب العراق، رهبان بالليل ليوث بالنّهار، كأنّ قلوبهم زُبَر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام). الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد:208، عنه البحار:52/ 304/ب26/ح73. وبتفاوت بسيط روى أبو الطفيل عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: (إذا قام قائم آل محمّد جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأمّا الرفقاء فمن أهل الكوفة، وأمّا الأبدال فمن أهل الشام). تاريخ مدينة دمشق للشيخ ابن عساكر الدمشقي:1/ 297، وينابيع المودّة لذوي القربى للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي:2/ 434/ب73، والمعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام للشيخ علي الكوراني:276. يذكر أنّ من الأحاديث التي ألمحت إلى هذا الجانب حديث أم سلمة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في حديث خسف البيداء، قال: (فإذا رأى النّاس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق، فيبايعونه بين الركن والمقام). سنن أبي داوود للشيخ سليمان السجستاني:6/ 344/كتاب المهديّ/ح4286، بتحقيق الشيخ الأرنؤوط، والحاوي للفتاوي للشيخ عبد الرحمن السيوطي:2/ 126. وروى أبو بصير عن الإمام الصادق، في حديث طويل نأخذ لقطة منه، قال عليه السلام: (في السنة التي يظهر فيها أمر الله عزّ وجلّ، وهم النجباء والقضاة والحكّام على النّاس ... ولكن هذه العدّة التي يخرج الله فيها القائم عليه السلام، هم النجباء والقضاة والحكّام والفقهاء في الدّين، يمسح بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم). دلائل الإمامة للطبري:562/ 526/ح130، منتخب الأثر:490. ومن النصوص التي تساعد على أن نجعلها ضمن هذه البيئة رواية الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين، في حديث، قال عليه السلام: (هو المهديّ الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، تكون له حَيرَة وغَيبة يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: يا أمير المؤمنين، فكم تكون تلك الحيرة والغيبة؟ فقال: سبت من الدهر. فقلت: إنّ هذا لكائن؟ فقال: نعم، كما أنّه مخلوق. قلت: أُدرك ذلك الزمان؟ فقال: أنّى لك يا أصبغ بهذا الأمر؟ أُولئك خيار هذه الأُمّة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثمّ ماذا يكون بعد ذلك؟ قال: ثمّ يفعل الله ما يشاء، فإنّ له إرادات وغايات ونهايات). غيبة النعماني:69/ب4/ح4. وهذه الرواية كغيرها من الروايات التي لوّحت إلى تبعيد بعض أصحاب الأئمّة من معاصرتهم لفترة ظهور الإمام المهديّ المنتظر والتيئيس من إدراك زمنه. كما أنّها وصفت المعاصرين لزمنه المقتدين به بخيار هذه الأُمّة. وبناء على ما تقدّم خطّ قلم الشيخ خليل رزق التالي: <<كان أصحاب الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف الذين سيخرجون معه ويكونوا أوّل المبايعين له صنفاً، ونوعا آخر من النّاس. فهم كما وصفتهم الروايات: الصلحاء والنجباء والفقهاء، المطيعون لأمره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف، المشتاقون للشهادة بين يديه في سبيل اللّه عزّ وجل>>. الإمام المهديّ (ع) واليوم الموعود للشيخ خليل رزق:431. زاي- لم يسبقهم الأوّلون ولا يُدركهم الآخرون، ففي الخبر المروي عن الإمام علي عليه السلام، وقد سأله رجل عن الإمام المهديّ عليه السلام، فقال: (فيجمع الله تعالى له قوماً قزع كقزع السحاب، يؤلّف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحدٍ، ولا يفرحون بأحدٍ يدخل فيهم، على عدّة أصحاب بدرٍ، لم يسبقهم الأوّلون، ولا يُدركهم الآخرون، إهـ). المستدرك على الصحيحين:4/ 554، وعقد الدرر:128/ ب4/ف1/ح110. في هذا البعد وهذا الصوب كتب بعضهم ما نصّه: <<فهؤلاء- من حيث المزايا والمؤهّلات- ليس لهم نظير في الماضي، ولا يكون لهم مثيل في المستقبل، وقد قرأت قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (لم يَسبقهم الأوّلون، ولا يُدركهم الآخرون)>>. الإمام المهديّ من المهد إلى الظهور:491-492، مستقبل البشريّة في زمن حكومة المهديّ (عج) العالميّة:308. س- أسماؤهم مكتوبة على سيوف تنزل من السماء، ففي خبر أبان بن تغلب قال: كنت مع جعفر بن محمّد عليه السلام في مسجد بمكّة وهو آخذ بيدي، فقال: (يا أبان، سيأتي الله بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً في مسجدكم هذا، يعلم أهل مكّة أنّه لم يخلق آباءهم ولا أجدادهم بعد، عليهم السيوف، مكتوب على كلّ سيف اسم الرجل واسم أبيه وحليته ونسبه، ثمّ يأمر منادياً فينادي: هذا المهديّ يقضي بقضاء داود وسليمان، لا يسأل على ذلك بيّنة). غيبة النعماني:327-328/ب20/ح5. ونظيره خبر أبان الآخر عنه عليه السلام قال: (سيبعث الله ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً إلى مسجد بمكّة، يعلم أهل مكّة أنّهم لم يولدوا من آبائهم ولا أجدادهم، عليهم سيوف مكتوب عليها ألف كلمة، كلّ كلمة مفتاح ألف كلمة، ويبعث الله الريح من كلّ وادٍ تقول: هذا المهديّ يحكم بحكم داود ولا يُريد بيّنة). غيبة النعماني:328-328/ب20/ح7. وظاهره أنّهم جميعاً ليسوا من أهل مكّة، على حدّ تعبير الصدر في تاريخ ما بعد الظهور:286. وتضاهيه بعض النصوص، من قبيل الخبر المروي عن ابن أبي حمزة عن صادق العترة عليه السلام قال: (إذا قام القائم نزلت سيوف القتال، على كلّ سيف اسم الرجل واسم أبيه). غيبة النعماني:252/ب13/ح45. ومن قبيل ما أخرجه الشيخ الصدوق في كماله بسند معتبر عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً- يعني مسجد مكّة-، يعلم أهل مكّة أنّهم لم يلدهم آباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف مكتوب على كلّ سيف كلمة تفتح ألف كلمة، فيبعث الله تبارك وتعالى ريحاً فتنادي بكلّ وادٍ: هذا المهديّ يقضي بقضاء داود وسليمان عليهما السلام، ولا يُريد عليه بيّنة). كمال الدّين:2/ 608-609/ب58/ح19. وكتب مصطفى الحيدري مبيّناً: <<أنّ (يعني) من الراوي. قوله: (تُفتح ألف كلمة) يعني إنّ هذه الكلمة التي هي كناية عن قاعدة كليّة يستخرج منها ألف مسألة، وهذا من قبيل قول أمير المؤمنين عليه السلام: (علّمني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ألف باب من العلم، يُفتح لي من كلّ باب ألف باب)>>. بشارة الإسلام:347. وعن معنى قوله عليه السلام: (يعلم أهل مكّة) عبّر الشيخ البحراني بما لفظه: <<كناية عن أنّهم لا يعرفونهم بوجه>>. عوالم العلوم:4/ 72 هامش. ش- يُعلّمون النّاس القرآن في مسجد الكوفة، ففي رواية جعفر بن يحيى عن أبيه عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم عليه السلام الفساطيط في مسجد كوفان، ثمّ يخرج إليهم المثال المستأنف، أمر جديد، على العرب شديد). الغيبة للنعماني:334/ب21/ح6،البحار:52/ 365/ب27/ح142. الفسطاط: خيمة كبيرة. وقد يتساءل البعض حول ماهيّة الكتاب وماذا يتضمّن بحيث يجعل النّاس تنفر وتجفل وتبتعد هاربة من محضر إمام الأُمّة وحكيم الخليقة ولا يبقى معه إلّا الطائفة المخلصة؟ وقد أُجيب عن ذلك بوجوه متفاوتة، أحدها: اعتبر هذا الكتاب هو الذي ورد الكلام عنه في النصوص بمفاد: أنّ القائم عليه السلام يُبايع على كتاب جديد، على العرب شديد. يراجع: غيبة النعماني:271/ب14/ح24 و:263/ب14ح13 و:238-240/ب13/ح18-23 وح28 و:201/ب11/ح1. وفي هذا السياق روى أبو بصير عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديث طويل، قال: (فيكون أوّل من يضرب على يده ويبايعه جبرئيل وميكائل، ويقوم معهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين، فيدفعان إليه كتاباً جديداً، هو على العرب شديد، ... فيقولون له: اعمل بما فيه). البحار:52/ 307/ب26/ح81. جدير بالذكر أنّ هذا المعنى ورد في مصادر أهل الجمهور أيضاً، فقد ذكرت منابعهم الحديثيّة أنّ مع المهديّ الفاطمي كتاب على العرب شديد. ثانيها: يحتمل البعض أنّ فيه لعن أئمّة المخالفين، أو وجود أحكام جديدة. راجع: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للمجلسي:26/ 36. وبعضهم يرفض الأوّل باعتبار أنّ الإمام لا يتصرّف بما يفرّق به الجمع ويبعثر ما يلمّ به الشمل. ثالثها: يعتقد البعض أنّه الكتاب الذي فيه العهد بعدم الاستتابة وعدم المهادنة، واستدلّ له بخبر زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام،في حديث تناول تلك المسألة، فقال: (إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سار في أُمّته بالمنّ، كان يتألّف النّاس، والقائم يسير بالقتل، بذاك أُمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناواه). غيبة النعماني:237/ب13/ح14، البحار:52/ 353/ب27/ح109. وأشير إليه في معتبر جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام حيث جاء فيه: (ومعه عهد من رسول الله صلّى الله عليه وآله قد توارثته الأبناء عن الآباء). غيبة النعماني:291/ب14/ح67. ومعتبر محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر عليه السلام، في حديث، قال: (وكذلك القائم عليه السلام إذا قام يبطل ما كان في الهدنة ممّا كان في أيدي النّاس ويستقبل بهم العدل). تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي:6/ 154/ب70/ح1، والبحار:52/ 381/ب27/ح192. وخبر أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلّا السيف، ولا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم). غيبة النعماني:238-239/ب13/ح19. ونظيره في غيبة النعماني:263-264/ب14/ح13. وخبر الثمالي عن الإمام الباقر عليه السلام،في حديث، قال: (يقوم بأمر جديد، وسنّة جديدة، وقضاء جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلّا القتل، ولا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم). غيبة النعماني:240/ب13/ح22. وخبر أبي بصير عن صادق العترة،في حديث، قال عليه السلام: (والله لكأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يُبايع النّاس على كتاب جديد، على العرب شديد، وقال: ويل لطغاة العرب من شرّ قد اقترب). غيبة النعماني:200/ب11/ح1. يظهر من الخبر أنّ الشرّ المرتقب متوجّه إلى طغاة العرب. وقد يعضد هذا الاستظهار ما رواه الحارث الهمداني قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (بأبي ابن خير الإماء- يعني القائم عليه السلام من ولده عليه السلام-، يسومهم خسفاً، ويسقيهم بكأس مُصْبرة، ولا يعطيهم إلّا السيف هرجاً، فعند ذلك تتمّنى فجرة قُريش لو أنّ لها مفاداة من الدُّنيا وما فيها ليغفر لها، لا نكفّ عنهم حتّى يرضى الله). غيبة النعماني:235/ب13/ح11. واختار هذا الوجه السيّد عبد الأعلى السبزواري في تعليقه على كتاب البحار:1/ 414. ضرورة أنّ هذه الاجراءات وإقامة الحدود لا تعني أنّ الإمام سوف لن يقبل التوبة النصوحة من التائب في كلّ حال. وعليه، فلا ينبغي الخلط بين الأمرين، ويدلّ على ما قلناه خبر بشير النبّال عن الإمام الصادق، في حديث، قال عليه السلام: (ويح هذه المرجئة إلى من يلجؤون غداً إذا قام قائمنا؟ ... من تاب تاب الله عليه، ومن أسرّ نفاقاً فلا يبعد الله غيره، ومن أظهر شيئاً أهرق الله دمه، إهـ). غيبة النعماني:294/ب15/ح1. ننتقل الآن معكم إلى المحاولات العلاجيّة لتأويل رواية كمال الدّين وتمام النعمة. لقد حاول البعض توجيه الرواية توجيهاً ضعيفاً، حيث قال الكوراني: يُفهم من الرواية أنّ هذا الامتحان من المهديّ عليه السلام لمدى وعي أصحابه وتحمّلهم يكون بعد أن يفتح العالم ويوزّعهم حُكاماً على البلاد، وأنّ القصد من الاختبار إعدادهم لمرحلة جديدة كالانفتاح على السماء والآخرة مثلاً>>. معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام:4/ 21. وألمح إلى ذلك في المعجم الموضوعي:361. وهذا النمط من المقاربة في التكييف ممجوج، لكونه أشبه بالترقيع الشاذً منه إلى الإصلاح المقبول والرفّ المعقول. أضف إلى ذلك أنّ امتحان وعيهم وتحمّلهم ينبغي أنّ يكون سابقاً على زمن الظهور، وهذا ما حكاه غير واحد. على أنّ إجفالهم وجولانهم في الأرض، كما سنسمع من السيّد الصدر، يصطدم مع ما ذُكر من مقاربة. ومن المهمّ أن يتحدّد زمن الحدث (يجفلون)، من أجل تلمّس ملامحه وارتسام صورة واضحة عنه. وبطبيعة الحال فإنّ زمنه لا يمكن أن يكون قبل الفتح العالمي والاستقرار السلطوي، وذلك لما سردناه في تضاعيف البحث عن مرتبة إيمانهم وطبيعة إخلاصهم، كما يُستبعد أن يكون بعده، لأنّ جلّ أفراد (313) متواجدون ساعتئذٍ في مراكزهم العالميّة يمارسون وظيفتهم بشكل وآخر كنقباء وحكّام وقضاة خارج الكوفة وحواليها في المناطق القريبة والبلدان النائية. وفي هذه البيئة كتب الصدر الآتي: <<وبعد أن يستتبّ الحكم العادل للمهديّ (ع) على البسيطة، سيكون هؤلاء الخاصّة في العالم موزّعين على مجموع الكرة الأرضيّة>>. تاريخ ما بعد الظهور:269. هذا، ولوجود الإشكال الواضح في هذه الجزئيّة من الرواية ذهب الأستاذ علي الزيدي للقول: <<إن صحّت الرواية فإنّ التفرّق تفرّق طاعة، وليس تفرّق معصية أو لعقوبات يستحقّونها، وذلك لأنّ هؤلاء ال (313) أصحاب من طراز خاصّ وقد تربّوا التربية الإلهيّة المكثّفة التي جعلت منهم أصحاب همم تزول لها الجبال، وتفنى تحت أقدامهم الأمور الثقال>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:71. بيد أنّه ذكر في ص78 وما بعدها وص92 خلاف ما بسطه، بل انطلق بعد ذلك بهمّة لهدمه حيث صرّح بوجود التناقض في متن الرواية. وكيف ما يكن، فإنّنا نتحفّظ على كلمة (تفرّق طاعة)، إذ لا يوجد في المتن، ولو على نحو الإشارة، ما يُفهم منه هذا المعنى، بل إنّ ما طرحه السيّد الصدر في هذا الشأن، كما سيأتي، هو بالضدّ تماماً من التعبير الذي صاغه الزيدي وعلى نقيض وصفه، بل إنّ ما جاء في أحد المستندات يوحي بأنّ لفظة (الإجفال) لها معنى غير محبّذ، ونستلف ههنا قطعة وردت في رواية عبد الأعلى الجبلي أو الحلبي وفيها يقول الرجل الذي هو من صلب أبيه للإمام: (إنّك لتجفل النّاس إجفال النعم، أفبعهد من رسول الله صلّى الله عليه وآله أم بماذا؟). تفسير العياشي:2/ 58/ح.49، البحار:52/ 343/ب27/ح91. في المقابل يرى السيّد محمّد الصدر أنّ الخبر غير قابل للإثبات التاريخي كما جاء في تاريخ ما بعد الظهور:525. وكذلك قرّر الزيدي في أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:78. بل إنّ الأستاذ الزيدي رفع من مستوى نقده له مّعلناً أنّه: <<متناقض في متنه مع الكثير من الأحاديث المتواترة القائلة بأنّ أصحاب الإمام المهديّ عليه السلام يحملون من القابليات ما تؤهّلهم لأنّ يكونوا خير معين للإمام وبلا أيّ تأخير أو تلكّؤ>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:79. وفي تكملة نقد هذه الجهة قال الصدر عن عبارة (يجولون): << وليتهم إذ يهربون منه يكتفون بترك المجتمع أو الانصراف إلى العبادة أو الأعمال الخيريّة الصغيرة، لكنّهم يجولون في الأرض طلباً للناصرين لهم والمدافعين عنهم، ليكوّنوا جبهة معارضة ضدّ الإمام عليه السلام، أو بما ينوون مناجزته القتال إذا استطاعوا. ولكنهّم سيفشلون في مهمّتهم فشلاً ذريعاً، لأنّ عدل المهدي وهيبته وصحّة عقيدته وقانونه يكون قد سبق إلى كلّ القلوب والعقول فلم يبق في العالم أحد إلّا تابع المهديّ. ويسترسل فيقول: فيتفرّق النّاس عنهم بعد أن يعرف النّاس مقاصدهم المنحرفة، ولا يستطيع هؤلاء أن يجدوا في البشريّة مؤيّداً ولا ناصراً>>. تاريخ ما بعد الظهور:523-524. وبتعابير مقاربة سطّر الزيدي الجمل التالية: << إنّ أولئك قد عصوا وتنمّروا وجالوا البلدان من أجل حشد الجموع ضدّ إمامهم، فهل من المعقول مثل أولئك يبقون في دائرة الحبّ الإلهيً>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:87. ثمّ إنّه ذكر انطباعه لما ترشّح من بعض النصوص الدالّة على فشل جميع المذاهب الأرضيّة والدساتير الوضعيّة فقال: <<إذن والحال هذه لا يبقى أيّ مذهب لم يطرح فكره ونهجه قبل ظهوره الشريف، وأصحابه ال (314) يعرفون ذلك على أتمّ المعرفة، فما الداعي بعدها الذي يحعلهم يجولون في الأرض ويبحثون فيها ليجدو مذهباً يكون لهم سنداً يستندون عليه ضدّ الإمام سلام الله عليه؟>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهديّ.92. وأثناء تناوله لفقرة (فيكفرون به) قال: <<وهذا يعني كفرهم بالله تعالى، لأنّهم كفروا بالذي نصّبه الله تعالى إماماً على النّاس أجمعين، وهم قبل أن يستخرج الكتاب من قبائه من أشدّ الأصحاب يقيناً بإمامته وحجيّته عليهم، كونهم خلاصة البشريّة في الإخلاص والإيمان، وعاشوا ما عاشوا من أجل هذا اليوم وحضورهم بإمامهم وقائدهم، فكيف يتخلّون عنه وعن مبادئهم وعن تربيتهم المعمّقة والمركّزة بهذه السهولة>>. أسئلة معاصرة حوا الإمام المهديّ:92. هذه الإشكالات وما يشاكلها هي التي تقف إمام رواية كمال الدّين وتمام النعمة. نعم، طبق رواية الكافي لا نرى في المتن مخالفة تستحقّ التوقّف عندها، لكونها تتحدّث عن الجموع الغفيرة وشرائح المجتمع وطوائفه المُرحّبة بالنظام الجديد. وبطبيعة الحال فإنّ عقيدة جمهور النّاس غير متينة وآراء عامّة الشعوب غير مبنيّة على أدلّة قويمة، ولذا تجدها سريعة التحوّل خفيفة التنقّل، قلوبها متغيّرة وأفكارها متقلّبة، والمتتّبع للأخبار والسيرة يعلم أنّه لا غرابة في ذلك ولا شائبة، حيث ورد ما يؤيّد ذلك في روايات زمن الظهور، ففي رواية إبراهيم بن عبد الحميد قال: أخبرني من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا خرج القائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنّه من أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر). غيبة النعماني:332/ب21/ح1. بل سيعاني جيش الإمام المهديّ ومناصريه من هذا وغيره، فبعضهم سيفزعه هول منظر القصاص وتطبيق الجزاء، ومنهم من سيسيء الظنّ بخطّة الإمام، ومنهم من سيضمر نفاقاً لحين توفّر فرصة الفرار، وإليكم بعض القطات والمؤشّرات المثبتة لهذا التصوّر، ففي رواية أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام جاء فيها أنّ الإمام المهديّ عليه السلام يقول لأصحابه المتوّجه بهم إلى عاصمته العراقيّة:(ألا لا يحملنّ رجل منكم طعاماً ولا شراباً ولا علفاً، فيقول أصحابه: إنّه يُريد أن يقتلنا ويقتل دوابنا من الجوع والعطش). غيبة النعماني:244/ب13/ح28. كأنّ الرواية تُشير إلى انتهاء الحضارة والتقنيّة ورجوع البشريّة إلى وسائلها القديمة. على أيّه حال، فإنّ قانون الغربلة مستمرّ، وهذا اللون من الابتلاء قد ذكره القرآن المجيد في سورة آل عمران:179 وسورة العنكبوت:1-2، والدساتير المعصوميّةفي غير واحد من الأخبار، ومن النماذج العترويّة المؤكّدة له معتبر معمّر بن خلّاد عن الإمام أبي الحسن عليه السلام حيث ذكر أنّ النّاس تُفتن ثمّ تخلص كما يخلص الذهب. راجع: غيبة النعماني:210/ب12/ح2. وجاء في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه كما أُبتلي أصحاب طالوت بالنهر، سيبتلى أصحاب القائم بمثله. راجع: غيبة النعماني:331/ب20/ح13، وغيبة الطوسي:472/ح491، والبحار:52/ 332/ب27/ح56. في المحصلّة النهائيّة لا يستحسن إطلاق الكلمات الحادّة والعبارات الخشنة وإصدار الأحكام القاسية وما إلى ذلك بحقّ العدّة المؤمنة المهذّبة أو الميل إليه، والحال أنّنا مرتادون، أي: طالبون لجهة الحقّ راغبون لضفة الصواب قاصدون لناحية الصدق، ومن كان همّته هكذا وغايته لا تعدو غيرها يلزمه أن يكون منصفاً في تقييمه معتمداً طريقة تنقيح المواضيع وتحقيق المسائل وتنضيج المباحث ليبني على الشيء مقتضاه بصورة علميّة وموضوعيّة. وبالجملة: لا يُقبل من بعض الباحثين التشكيك بأصحاب الإمام المنتظر الخلّص رضي الله عنهم والطعن في صلابة إيمانهم به وصرامة طاعتهم له وثباتهم على التسليم له. في الختام نُنبّه طالب العلم الساعي بجدّ للوصول إلى الحقيقة المرجوّة على أن لا يتجاوز في نهاية مطاف بحثه القاعدة الدرائيّة القائلة: (خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر)، لكون موروثنا الروائي طافحاً، تصريحاً تارة وتلميحاً تارة أخرى، بمدح العدّة المُعدّة الثابتة، مشيداً بمواقفهم وحسن انقيادهم لتعاليم إمامهم. وقد حاولت العمل على إبراز هذه الجنبة وعمدت إلى إبانة هذه الجهة في هذه الرسالة الزاخرة بالمستندات والمّطعّمة بالشروحات، وأرجو أن أكون قد وفّقت لذلك، راجياً العفو عن الهفوات غير المقصودة، والأخطاء غير المتعمّدة. والحمد لله ربّ العالمين على نعمه وتوفيقاته والصلاة والسلام على سيّد المرسلين الحبيب الأمين وعلى آله الطيّبين الطاهرين. جعفر صادق البصري |
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 04:18 AM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025