![]() |
خطب المعصومين
خطبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حول شهر رمضان المبارك
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خطبنا ذات يوم ـ في آخر جمعة من شهر شعبان ـ فقال : ( أيّها الناس : إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور ، وأيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات ، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله ، أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ، ودعاءكم فيه مستجاب . فاسألوا الله ربّكم بنيّات صادقة ، وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه ، وتلاوة كتابه ، فإنّ الشقي كل الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه ، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم ، ووقّروا كباركم ، وارحموا صغاركم ، وصلوا أرحامكم ، واحفظوا ألسنتكم ، وغضوا عمّا لا يحل النظر إليه أبصاركم ، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم ، وتحنّنوا على أيتام الناس ، يتحنّن على أيتامكم . وتوبوا إلى الله من ذنوبكم ، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء ، في أوقات صلاتكم ، فإنّها أفضل الساعات ينظر الله فيها إلى عباده بعين الرحمة ، يجيبهم إذا ناجوه ، ويلبيهم إذا نادوه ، ويعطيهم إذا سألوه ، ويستجيب لهم إذا دعوه . أيّها الناس : إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكّوها باستغفاركم ، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم ، فخفّفوا عنها بطول سجودكم ، واعملوا أنّ الله أقسم بعزته أن لا يعذّب المصلّين والساجدين ، وأن لا يروّعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين . أيّها الناس : من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر ، كان له بذلك عند الله عتق رقبة ، ومغفرة لما مضى من ذنوبه ) . فقيل : يا رسول الله ، وليس كلّنا يقدر على ذلك ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اتقوا الله ولو بشربة من ماء ، واتقوا النار ولو بشق تمرة . أيّها الناس : من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه ، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ، ومن خفّف فيه عمّا ملكت يمينه خفّف الله عليه حسابه ، ومن كف فيه شرّه كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه ، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه . ومن تطوّع بصلاة كتب الله له براءة من النار ، ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة في ما سواه من الشهور ، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ، ثقّل الله ميزانه يوم تخف الموازين ، ومن تلا فيه آية من القرآن ، كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور . أيّها الناس : إنّ أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة ، فاسألوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم ، وأبواب النيران مغلقة ، فاسألوا الله أن لا يفتحها عليكم ، والشياطين مغلولة ، فاسألوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم ) . قال الإمام علي ( عليه السلام ) فقمت ، فقلت : يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال : ( يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله ) . يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ثمّ بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : ( أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر ، كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك ، وقد اتبعك أشقى الآخرين ، يتبع أشقى الأوّلين ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، فضربك ضربة على قرنك ، فخضب منها لحيتك ) . فقلت : يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني ؟ فقال : ( نعم في سلامة من دينك ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا علي أنت منّي كنفسي ، حربك حربي وسلمك سلمي ، من أحبّك فقد أحبّني ، ومن جفاك فقد جفاني ) . |
خطبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند وفاته
قال عيسى الضرير : سألت الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وقلت : إنّ الناس قد أكثروا في أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ، ثمّ عمر ، فأطرق عنّي طويلاً ، ثمّ قال : ( ليس كما ذكروا ، ولكنّك يا عيسى كثير البحث عن الأمور ، ولا ترضى عنها إلاّ بكشفها ) . فقلت : بأبي أنت وأمي إنّما أسأل عمّا أنتفع به في ديني وأتفقّه مخافة أن أضل ، وأنا لا أدري ، ولكن متى أجد مثلك يكشفها لي . فقال ( عليه السلام ) : ( إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) لمّا ثقل في مرضه دعا علياً ، فوضع رأسه في حجره ، وأُغمي عليه ، وحضرت الصلاة فأوذن بها ، فخرجت عائشة ، فقالت : يا عمر أخرج فصلّ بالناس ، فقال : أبوك أولى بها ، فقالت : صدقت ، ولكنّه رجل ليّن ، وأكره أن يواثبه القوم فصلّ أنت . فقال لها عمر : بل يصلّي هو وأنا أكفيه إن وثب واثب ، أو تحرّك متحرّك ، مع أنّ محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) مغمى عليه لا أراه يفيق منها ، والرجل مشغول به لا يقدر أن يفارقه ، يريد علياً ( عليه السلام ) ، فبادره بالصلاة قبل أن يفيق ، فإنّه إن أفاق خفت أن يأمر علياً بالصلاة ، فقد سمعت مناجاته منذ الليلة ، وفي آخر كلامه : الصلاة الصلاة ) . قال : ( فخرج أبو بكر ليصلّي بالناس ، فأنكر القوم ذلك ، ثمّ ظنّوا أنّه بأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلم يكبّر حتّى أفاق ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال : ادعو لي العباس ، فدعي فحمله هو وعلي ، فأخرجاه حتّى صلّى بالناس ، وإنّه لقاعد ، ثمّ حمل فوضع على منبره ، فلم يجلس بعد ذلك على المنبر ، واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار ، حتّى برزت العواتق من خدورهنّ ، فبين باك وصائح وصارخ ومسترجع ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يخطب ساعة ، ويسكت ساعة ، وكان ممّا ذكر في خطبته أن قال : يا معشر المهاجرين والأنصار ، ومن حضرني في يومي هذا وفي ساعتي هذه من الجن والإنس ، فليبلغ شاهدكم الغائب ، ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله ، فيه النور والهدى والبيان ، ما فرّط الله فيه من شيء ، حجّة الله لي عليكم ، وخلّفت فيكم العلم الأكبر علم الدين ونور الهدى ، وصيي علي بن أبي طالب ، ألا هو حبل الله فاعتصموا به جميعاً ولا تفرّقوا عنه ، واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم ، فاصبحتم بنعمته إخواناً . أيها الناس : هذا علي بن أبي طالب ، كنز الله اليوم وما بعد اليوم ، من أحبّه وتولاه اليوم وما بعد اليوم ، فقد أوفى بما عاهد عليه الله ، وأدّى ما وجب عليه ، ومن عاداه اليوم وما بعد اليوم ، جاء يوم القيامة أعمى وأصم ، لا حجّة له عند الله . أيّها الناس : لا تأتوني غداً بالدنيا تزفونها زفاً ، ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً ، مقهورين مظلومين ، تسيل دماؤهم أمامكم ، وبيعات الضلالة والشورى للجهالة ، ألا وإنّ هذا الأمر له أصحاب وآيات ، قد سمّاهم الله في كتابه ، وعرّفتكم وبلّغتكم ما أُرسلت به إليكم ، ولكنّي أراكم قوماً تجهلون ، لا ترجعنّ بعدي كفّاراً مرتدّين ، متأوّلين للكتاب على غير معرفة ، وتبتدعون السنّة بالهوى ، لأنّ كلّ سنّة وحدث وكلام خالف القرآن فهو ردّ وباطل . القرآن إمام هدى ، وله قائد يهدي إليه ، ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وليّ الأمر بعدي وليه ، ووارث علمي وحكمتي وسرّي وعلانيتي ، وما ورثه النبيّون من قبلي ، وأنا وارث ومورّث ، فلا تكذبنّكم أنفسكم . أيها الناس : الله الله في أهل بيتي ، فإنّهم أركان الدين ، ومصابيح الظلم ، ومعدن العلم ، عليّ أخي ووارثي ، ووزيري وأميني والقائم بأمري ، والموفي بعهدي على سنّتي . أوّل الناس بي ايماناً ، وآخرهم عهداً عند الموت ، وأوسطهم لي لقاء يوم القيامة ، فليبلغ شاهدكم غائبكم ، ألا ومن أمّ قوماً إمامة عمياء ، وفي الأمّة من هو أعلم منه فقد كفر . أيّها الناس : ومن كانت له قبلي تبعة فها أنا ، ومن كانت له عدّة فليأت فيها علي ابن أبي طالب ، فإنّه ضامن لذلك كلّه ، حتّى لا يبقى لأحد عليّ تباعة ) . |
خطبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أول جمعة
أوّل خطبة جمعة خطبها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الإسلام ، هي في المدينة المنوّرة في بداية هجرته إليها ، ولم يخطب الجمعة في مكّة قبل الهجرة . الخطبة الأولى : قال ( صلى الله عليه وآله ) فيها : ( الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأستغفره وأستهديه ، وأومن به ولا أكفره ، وأُعادي من يكفره ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل ، وقلّة من العلم ، وضلالة من الناس ، و إنقطاع من الزمان ، ودنوّ من الساعة ، وقرب من الأجل ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضلّ ضلالاً بعيداً . أُوصيكم بتقوى الله ، فإنّه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة ، وأنّ يأمره بتقوى الله ، فاحذروا ما حذّركم الله من نفسه ، وإنّ تقوى الله لمن عمل بها على وجل ومخافة من ربّه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة ، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلاّ وجه الله ، يكن له ذكراً في عاجل أمره ، وذخراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدّم ، وما كان من سوى ذلك يودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ، ويحذّركم الله نفسه ، والله رؤوف بالعباد . والذي صدّق قوله ونجّز وعده لا خلف لذلك فإنّه يقول : ( مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) ، فاتّقوا الله في عاجل أمركم وآجله ، في السر والعلانية ، فإنّه من يتّق الله يكفّر عنه سيئاته ، ويعظم له أجراً ، ومن يتّق الله فقد فاز فوزاً عظيماً ، وإنّ تقوى الله توقّي مقته ، وتوقّي عقوبته ، وتوقّي سخطه ، وإنّ تقوى الله تبيّض الوجوه ، وترضي الرب ، وترفع الدرجة . خذوا بحظكم ، ولا تفرّطوا في جنب الله ، فقد علّمكم الله كتابه ، ونهج لكم سبيله ، ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين ، فأحسنوا كما أحسن الله اليكم ، وعادوا أعداءه ، وجاهدوا في الله حقّ جهاده ، هو إجتباكم وسمّاكم المسلمين ، ليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيى من حيّ عن بينة ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله . فأكثروا ذكر الله ، واعملوا لما بعد الموت ، فإنّ من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ، ذلك بأنّ الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه ، ويملك من الناس ولا يملكون منه ، الله أكبر ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ) . الخطبة الثانية : ثمَّ خطب ( صلى الله عليه وآله ) ثانية فقال : ( إنّ الحمد لله أحمده وأستعينه ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، إنّ أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى ، قد أفلح من زيّنه الله في قلبه ، وأدخله في الإسلام بعد الكفر ، وإختاره على ما سواه من أحاديث الناس ، إنّه أحسن الحديث وأبلغه . أحبّوا ما أحبّ الله ، أحبوا الله من كل قلوبكم ، ولا تملّوا كلام الله وذكرَه ، ولا تَقْسُ عنه قلوبكم ، فإنّه من كلِّ ما يخلق الله يختار ويصطفى ، قد سمّاه الله خِيرتَه من الأعمال ، ومصطفاه من العباد ، والصالَح من الحديث ، ومن كلّ ما أُوتي الناس من الحلال والحرام ، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، وإتقوه حقّ تقاته ، وأصدُقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم ، وتحابّوا بروح الله بينكم إنّ الله يغضب ان يُنكَث عهده ، والسلام عليكم ) . |
السلام عليكم
مشكورة اختي الحيدرية على هذا الموضوع الروعة والتوفيق من الله |
|
يا هلا فيكم حبيباتي اشكر مروركم الجميل
خطبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حجة الوداع شعر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بأن حياته قد انطوت ، وأيامه قد انتهت ، لأنه أدَّى ما عليه ، وأقام دينه العظيم يؤدي فعالياته في توجيه الإنسان وإقامة سلوكه . فإذن لابد له ( صلى الله عليه وآله ) من الرحيل عن هذه الحياة ، فقد كانت هناك إنذارات متوالية تدل على ذلك ، وهي كما يلي : أولها : أن القرآن الكريم نزل على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) مَرَّتين ، فاستشعر ( صلى الله عليه وآله ) بذلك حضور الأجل المحتوم ، وأخذ ينعى نفسه ، ويذيع بين المسلمين مفارقته لهذه الحياة . وكان يقول لبضعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : ( إِنَّ جِبرائيلَ كَانَ يُعارضُني بالقُرآنِ في كُلِّ سَنَة مَرَّة ، وإِنَّه عارضني به العام مرتين ، وَما أرَى ذَلك إِلاَّ اقتِرَاب أَجَلي ) . ثانيها : إنّه نزل عليه الوحي بهذه الآية الكريمة : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ ) الزمر : 30 . وكانت هذه الآية إنذاراً له ( صلى الله عليه وآله ) بمفارقة الحياة ، فأثارت كَوامِنَ التَوَجُّسِ في نفسه ( صلى الله عليه وآله ) . ثالثها : إنّه نزلت عليه سورة النصر ، فكان ( صلى الله عليه وآله ) يَسكُتُ بين التكبير والقراءة ويقول : ( سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ ، أَستَغفِرُ اللهَ وَأتُوبُ إِلَيه ) . فَفَزع المسلمون وذهلوا ، وانطلقوا إليه يسألونه عن سبب ذلك ، فأجابهم ( صلى الله عليه وآله ) : ( إِنَّ نَفسِي قَد نُعِيَتْ إِلَيَّ ) ، وكان وَقْعُ ذلك عليهم كالصاعقة ، فلا يعلمون ماذا سيجري عليهم إن خلت هذه الدنيا من النبي ( صلى الله عليه وآله ) . حِجَّة الوَداع : فلما أَحسَّ النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) بِدُنُوِّ الأجل المحتوم منه ، رأى أن يَحِجَّ إلى بيت الله الحرام ليلتقي بعامة المسلمين ، ويعقد هناك مجلساً عاماً يضع فيه الخطوط السليمة لِنَجَاة أُمَّتِه ، ووقايتها من الزيغِ والانحراف . فحج ( صلى الله عليه وآله ) حِجَّتَه الأخيرة الشهيرة بـ ( حِجَّة الوَداع ) في السنة العاشرة من الهجرة ، وسميت تلك الحجة بـ ( حجة الوداع ) ، لأن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، انتقل إلى الرفييق الأعلى ، بعد حوالي ثلاثة أشهر من خطبته . فأشاع فيها بين الوافدين لبيت الله الحرام أن التقاءه ( صلى الله عليه وآله ) بهم في عَامِهم هذا هو آخر عَهدِهم به ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( إِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّيْ لا أَلقَاكُم بَعدَ عَامِي هَذا بِهَذا المَوقِفِ أبَداً ) . وجعل يطوف على الجماهير ، وَيُعَرِّفُهم بما يَضمِنُ لهم نَجَاحَهُم وسعادتهم في الدنيا والآخرة ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( يَا أَيُّهَا النَّاس ، إِنِّي تَركتُ فيكُم الثَّـقَلين ، كِتابَ اللهِ وَعِترَتِي أهلَ بَيتي ) . فكانت الركيزَةُ الأولى لِسَلامة الأُمَّة وصِيانَتِها عن أي زَيغٍ عقائدي هو تَمسُّكُها بكتاب الله تعالى ، والتمسُّكُ بالعترة الطاهرة ، فَهُما أساسُ سعادتِهَا وَنجاحِهَا . ولما انتهى ( صلى الله عليه وآله ) من مراسيم الحج ، وقف عند بئر زَمْزَم ، وأمر ربيعة بن أمية بن خلف – وكان صبيّاً – فوقف تحت صَدرِ رَاحِلَته ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا ربيعة ، قُل : يَا أَيُّهَا النَّاس ، إنَّ رَسولَ اللهِ يَقول لَكُم : لَعَلَّكُم لا تَلقونَنِي عَلى مِثلِ حَالي هَذه ، وَعَليكم هَذا ، هَل تَدرُونَ أَيَّ بَلَدٍ هَذا ؟ وهَل تَدرُونَ أيَّ شَهرٍ هَذا ؟ وهَل تَدرُونَ أَيَّ يَومٍ هَذا ؟ ) . فقال ربيعة مثل ما أمره النبي ( صلى الله عليه وآله ) . فقال الناس : نعم هذا البلد الحرام ، والشهر الحرام ، واليوم الحرام . وبعدما أقرُّوا بذلك قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَليكُم دِمَاءَكُم وَأَموَالَكُم كَحُرمَةِ بَلَدِكُم هَذا ، وَكَحُرمَةِ شَهرِكُم هذا ، وَكَحُرمَةِ يَومِكُم هَذا ) . ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ) . قالوا : نعم . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ اشْهَدْ ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشيَاءَهُم ، وَلا تَعثَوا في الأَرضِ مُفسِدِين ، فَمَنْ كَانَت عِندَهُ أمانَةً فَلْيُؤَدِّهَا ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( النَّاسُ في الإِسْلاَمِ سَواءٌ ، النَّاسُ طَف الصَّاعِ لآدمَ وَحَوَّاءَ ، لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على عَجمِي ، ولا عَجمِي عَلى عَرَبِي إِلاَّ بِتَقوَى اللهِ ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ) . فقالوا : نعم . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ اشْهَدْ ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( لاَ تَأتُونِي بِأَنْسَابِكُم ، وَأْتونِي بِأَعمَالِكُم ) . ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ) . فقالوا : نعم . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ اشْهَدْ ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( كُلُّ دَمٍ كَانَ في الجاهِليَّة مَوضوعٌ تَحتَ قَدَمي ، وَأوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دَمَ آدمَ بنَ ربيعة بنَ الحَارِثَ بنَ عبد المُطَّلب ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ) . فقالوا : نعم . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ اشْهَدْ ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( وَكُلُّ رِبا كانَ في الجاهلِيَّة مَوضوعٌ تَحتَ قَدمي ، وَأوَّلُ رِبا أَضعُهُ رِبا العبَّاس بنَ عَبد المُطَّلِب ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ) . فقالوا : نعم . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ اشْهَدْ ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أَيُّهَا النَّاس ، إِنَّمَا النَّسيءُ زِيادةٌ في الكُفرِ ، يضلُّ به الذينَ كَفَروا ، يُحِلُّونَهُ عاماً ، وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً ، لِيوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللهُ ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أُوصِيكُم بالنِّساءِ خَيراً ، فَإِنَّما هُنَّ عَوَارٍ عِندَكُم ، لا يَملُكْنَ لأَنفُسِهِنَّ شَيئاً ، وإنَّما أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانَةِ الله ، وَاستَحلَلْتُم فُروجَهُنَّ بِكتَابِ الله ، وَلَكُم عَلَيهنَّ حَقٌّ ، وَلَهُنَّ عَليكُم حَقٌّ ، كسْوَتَهُنَّ ، وَرِزقَهُنَّ بالمعروف ، وَلَكُم عَلَيهنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فِراشَكُم أَحَداً ، ولا يأذَنُ في بيوتِكُم إِلاَّ بِعلمِكُم وإِذنِكُم ، فَإِنْ فَعَلْنَ شيئاً من ذلك فَاهْجرُوهُنَّ في المَضَاجِع ، واضرِبُوهُنَّ ضَرباً غَير مُبرِحٍ ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ) . فقالوا : نعم . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ اشْهَدْ ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( فَأوصِيكُم بِمَن مَلَكتْ أَيْمَانِكُم ، فَأطعِمُوهُمْ مِمَّا تَأكُلُون ، وَأَلبِسُوهُم مِمَّا تَلبِسُون ، وإِنْ أَذْنَبوا فَكَالُوا عُقوبَاتِهِم إِلى شِرَارِكُم ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ) . فقالوا : نعم . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ اشْهَدْ ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( إِنَّ المُسلمَ أخو المُسلم ، لا يَغُشُّهُ ، ولا يَخُونُه ، ولا يَغْتَابُه ، ولا يَحُلُّ لَهُ دَمُهُ ، ولا شَيءٌ من مَالِهِ إِلاَّ بِطِيبِ نَفسِه ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ) . فقالوا : نعم . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ اشْهَدْ ) . ويستمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) في خِطَابِه الحافل ، بما تَضَمَّنَتْهُ الرسالة الإسلامية من البنود المشرقة في عالم التشريع . ثمّ ختمه – أي : الخِطَاب – بقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( لاَ تَرجعُوا بَعدي كُفَّاراً مُضَلِّلينَ ، يَملِكُ بَعضَكُم رِقابَ بَعضٍ ، إِنِّي خَلَّفتُ فِيكم مَا أَنْ تَمَسَّكْتُمْ بِه لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللهِ وَعِترَتِي أَهْلَ بَيتِي ) . ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ) . فقالوا : نعم . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ اشْهَدْ ) . ثمّ التفت ( صلى الله عليه وآله ) إليهم ، فطالبهم بالالتزام بما أعلنه وأذاعه فيهم قائلاً : ( إِنَّكُم مَسْؤُولُون ، فَلْيُبَلِّغ الشَّاهِدُ مِنكُم الغَائِبَ ) . وبذلك انتهى خِطَابه ( صلى الله عليه وآله ) . وهذا الخطاب الرائع حَفلَ بما تحتاجه الأمة في الصعيد الإجتماعي والسياسي ، كما عَيَّنَ لها القادة من أهلِ بيته ( عليهم السلام ) ، الذين يُعنَوْنَ بالإصلاح العام ، وَبِبِلُوغِ أهداف الأمة في مجالاتها الإقتصادية والإجتماعية . |
خطبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه الذي توفي فيه
عن عبد الله بن عباس قال : إنّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، والعباس بن عبد المطلّب ، والفضل بن العباس دخلوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه الذي قبض فيه ، فقالوا : يا رسول الله هذهِ الأنصار في المسجد تبكي رجالها ونساؤها عليك ، فقال : ( وما يبكيهم ؟ ) قالوا : يخافون أن تموت . فقال : ( أعطوني أيديكم ) ، فخرج من ملحفة وعصابة حتّى جلس على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمَّ قال : ( أمّا بعد ، أيّها الناس فما تنكرون من موت نبيّكم ؟ ألم أنع اليكم وتنع اليكم أنفسكم ، لو خلّد أحد قبلي ثمَّ بعث اليه لخلّدت فيكم ، ألا إنّي لاحق بربّي ، وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله تعالى بين أظهركم تقرؤونه صباحاً ومساءً ، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ، وكونوا إخواناً كما أمركم الله . وقد خلّفت فيكم عترتي أهل بيتي ، وأنا أُوصيكم بهم ، ثمَّ أوصيكم بهذا الحيّ من الأنصار ، فقد عرفتم بلاءهم عند الله عزّ وجلّ وعند رسوله وعند المؤمنين ، ألم يوسّعوا في الديار ، ويشاطروا الثمار ، ويؤثروا وبهم الخصاصة ؟ فمن وليّ منكم أمراً يضرّ فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسن الأنصار ، وليتجاوز عن مسيئهم ) . |
خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) بعد التحكيم يوم صفين
قال ( عليه السلام ) : ( الْحَمْدُ للهِ ، وَإنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ ، وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ ، لَا شَرِيكَ لَهُ , لَيْسَ مَعَهُ إِلهٌ غَيْرُهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الُْمجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ ، وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ في هذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي ، وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخزُونَ رَأْيِي ، لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ ! فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ ، وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ ، حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ ، وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ ، فَكُنْتُ وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ : أَمَرْتُكُمُ أَمْري بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ** فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلاَّ ضُحَى الْغَدِ ألا ؟ إنّ هذين الرجلين ـ عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري ـ اللذين اخترتموهما حكمين ، قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، وأماتا ما أحيى القرآن ، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله ، فحكما بغير حجّة بيّنة ، ولا سنّة ماضية ، واختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يرشد ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين ، واستعدّوا وتأهبوا للمسير إلى الشام ) . خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) الخالية من الألف تذاكر قوم من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أي حروف الهجاء ادخل في الكلام ؟ فأجمعوا على الألف ، فارتجل الإمام علي ( عليه السلام ) من غير تريّث ولا تفكير ، فقال : ( حَمِدْتُ مَنْ عَظُمَتْ مِنَّتُهُ ، وَسَبَغَتْ نِعْمَتُهُ ، وَسَبَقَتْ غَضَبَهُ رَحْمَتُهُ ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُهُ ، وَنَفِذَتْ مَشيئَتُهُ ، وَبَلَغَتْ قَضِيَّتُهُ ، حَمِدْتُهُ حَمْدَ مُقِرٍّ بِرُبوُبِيَّتِهِ ، مُتَخَضِّعٍ لِعُبوُدِيَّتِهِ ، مُتَنَصِّلٍ مِنْ خَطيئَتِهِ ، مُتَفَرِّدٍ بِتَوْحيدِهِ ، مُؤَمِّلٍ مِنْهُ مَغْفِرَةً تُنْجيهِ ، يَوْمَ يُشْغَلُ عَنْ فَصيلَتِهِ وَبَنيهِ . وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَرْشِدُهُ وَنَسْتَهْديهِ ، وَنُؤْمِنُ بِهِ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ ، وَشَهِدْتُ لَهُ شُهُودَ مُخْلِصٍ مُوقِنٍ ، وَفَرَّدْتُهُ تَفَرُّدَ مُؤْمِن مُتَيَقِّنٍ ، وَوَحَّدْتُهُ تَوْحيدَ عَبْدٍ مُذْعِنٍ ، لَيْسَ لَهُ شَريكٌ في مُلْكِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ في صُنْعِهِ ، جَلَّ عَنْ مُشيرٍ وَوَزيرٍ ، وَعَنْ عَوْنِ مُعينٍ وَنَصيرٍ وَنَظيرٍ . عَلِمَ فَسَتَرَ ، وَبَطَنَ فَخَبَرَ ، وَمَلَكَ فَقَهَرَ ، وَعُصِىَ فَغَفَرَ ، وَحَكَمَ فَعَدَلَ ، لَمْ يَزَلْ وَلَنْ يَزوُلَ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَهُوَ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ، رَبٌّ مُتَعَزِّزٌ بِعِزَّتِهِ ، مُتَمَكِّنٌ بِقُوَّتِهِ ، مُتَقَدِّسٌ بِعُلُوِّهِ ، مُتَكَبِّرٌ بِسُمُوِّهِ ، لَيْسَ يُدْرِكُهُ بَصَرٌ ، وَلَمْ يُحِطْ بِهِ نَظَرٌ ، قَوِىٌّ مَنيعٌ ، بَصيرٌ سَميعٌ ، رَؤُفٌ رَحيمٌ . عَجَزَ عَنْ وَصْفِهِ مَنْ يَصِفُهُ ، وَضَلَّ عَنْ نَعْتِهِ مَنْ يَعْرِفُهُ ، قَرُبَ فَبَعُدَ ، وَبَعُدَ فَقَرُبَ ، يُجيبُ دَعْوَةَ مَنْ يَدْعُوهُ ، وَيَرْزُقُهُ وَيَحْبُوهُ ، ذُو لُطْفٍ خَفي ، وَبَطْشٍ قَوِىٍّ ، وَرَحْمَةٍ مُوسَعَةٍ ، وَعُقُوبَةٍ مُوجِعَةٍ ، رَحْمَتُهُ جَنَّةٌ عَريضَةٌ مُونِقَةٌ ، وَعُقُوبَتُهُ جَحيمٌ مَمْدُودَةٌ موُبِقَةٌ . وَشَهِدْتُ بِبَعْثِ مُحَمَّدٍ رَسوُلِهِ ، وَعَبْدِهِ وَصَفِيِّهِ ، وَنَبِيِّهِ وَنَجِيِّهِ ، وَحَبيبِهِ وَخَليلِهِ ، بَعَثَهُ في خَيْرِ عَصْرٍ ، وَحينِ فَتْرَةٍ وَكُفْرٍ ، رَحْمَةً لِعَبيدِهِ ، وَمِنَّةً لِمَزيدِهِ ، خَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ ، وَشَيَّدَ بِهِ حُجَّتَهُ ، فَوَعَظَ وَنَصَحَ ، وَبَلَّغَ وَكَدَحَ ، رَؤُفٌ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ ، رَحيمٌ سَخِيٌّ ، رَضِىٌّ وَلِىٌّ زَكِىٌّ ، عَلَيْهِ رَحْمَةٌ وَتَسْليمٌ ، وَبَرَكَةٌ وَتَكْريمٌ ، مِنْ رَّبٍّ غَفوُرٍ رَحيمٍ ، قَريبٍ مُجيبٍ . وَصَّيْتُكُمْ مَعْشَرَ مَنْ حَضَرَنى بِوصِيَّةِ رَبِّكُمْ ، وَذَكَّرْتُكُمْ بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ ، فَعَلَيْكُمْ بِرَهْبَةٍ تَسْكُنُ قُلوُبَكُمْ ، وَخَشْيَةٍ تُذْرى دُمُوعَكُمْ ، وَتَقِيَّةٍ تُنْجيكُمْ قَبْلَ يَوْمِ يُبْليكُمْ وَيُذْهِلُكُمْ ، يَوْمَ يَفوُزُ فيهِ مَنْ ثَقُلَ وَزْنُ حَسَنَتِهِ ، وَخَفَّ وَزْنُ سَيِّئَتِهِ ، وَلْتَكُنْ مَسْئَلَتُكُمْ وَتَمَلُّقُكُمْ مَسْاَلَةَ ذُلٍّ وَخُضُوعٍ ، وَشُكْرٍ وَخُشوُعٍ ، بِتَوْبَةٍ وَتَوَرُّعٍ ، وَنَدَمٍ وَرُجوُعٍ ، وَلْيَغْتَنِمْ كُلُّ مُغْتَنِمٍ مِنْكُمْ صِحَّتَهُ قَبْلَ سُقْمِهِ ، وَشَبيبَتَهُ قَبْلَ هَرَمِهِ ، وَسَعَتَهُ قَبْلَ فَقْرِهِ ، وَفَرْغَتَهُ قَبْلَ شُغْلِهِ وَحَضَرَهُ قَبْلَ سَفَرِهِ ، قَبْلَ تَكَبُّرٍ وَتَهَرُّمٍ وَتَسَقُّمٍ ، يَمُلُّهُ طَبيبُهُ ، وَيُعْرِضُ عَنْهُ حَبيبُهُ ، وَيَنْقَطِعُ غِمْدُهُ ، وَيَتَغَيَّرُ عَقْلُهُ . ثُمَّ قيلَ هُوَ مَوْعُوكٌ وَجِسْمُهُ مَنْهوُكٌ ، ثُمَّ جُدَّ في نَزْعٍ شَديدٍ ، وَحَضَرَهُ كُلُّ قَريبٍ وَبَعيدٍ ، فَشَخَصَ بَصَرُهُ ، وَطَمَحَ نَظَرُهُ ، وَرَشَحَ جَبينُهُ ، وَعَطَفَ عَرينُهُ ، وَسَكَنَ حَنينُهُ ، وَحَزَنَتْهُ نَفْسُهُ ، وَبَكَتْهُ عِرْسُهُ ، وَحُفِرَ رَمْسُهُ ، وَيُتِمُّ مِنْهُ وُلْدُهُ ، وَتَفَرَّقَ مِنْهُ عَدَدُهُ ، وَقُسِمَ جَمْعُهُ ، وَذَهَبَ بَصَرُهُ وَسَمْعُهُ ، وَمُدِّدَ وَجُرِّدَ ، وَعُرِىَ وَغُسِلَ ، وَنُشِفَ وَسُجِّىَّ ، وَبُسِطَ لَهُ وَهُيِّىءَ ، وَنُشِرَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ ، وَشُدَّ مِنْهُ ذَقَنُهُ ، وَقُمِّصَ وَعُمِّمَ وَوُدِّعَ وَسُلِّمَ ، وَحُمِلَ فَوْقَ سَريرٍ ، وَصُلِّىَ عَلَيْهِ بِتَكْبيرٍ ، وَنُقِلَ مِنْ دُورٍ مُزَخْرَفَةٍ ، وَقُصُورٍ مُشَيَّدَةٍ ، وَحُجُرٍ مُنَجَّدَةٍ ، وَجُعِلَ في ضَريحٍ مَلْحُودٍ ، وَضيقٍ مَرْصوُدٍ ، بِلَبِنٍ مَنْضُودٍ ، مُسَقَّفٍ بِجُلْموُدٍ . وَهيلَ عَلَيْهِ حَفَرُهُ ، وَحُثِيَ عَلَيْهِ مَدَرُهُ ، وَتَحَقَّقَ حَذَرُهُ ، وَنُسِىَ خَبَرُهُ ، وَرَجَعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَصَفِيُّهُ ، وَنَديمُهُ وَنَسيبُهُ ، وَتَبَدَّلَ بِهِ قَرينُهُ وَحَبيبُهُ ، فَهُوَ حَشْوُ قَبْرٍ ، وَرَهينُ قَفْرٍ ، يَسْعى بِجِسْمِهِ دوُدُ قَبْرِهِ ، وَيَسيلُ صَديدُهُ مِنْ مَنْخَرِهِ ، يَسْتَحقُ تُرْبُهُ لَحْمَهُ ، وَيَنْشَفُ دَمَهُ ، وَيَرُمُّ عَظْمَهُ حَتّى يَوْمِ حَشْرِهِ ، فَنُشِرَ مِنْ قَبْرِهِ حينَ يُنْفَخُ في صُورٍ ، وَيُدْعى بِحَشْرٍ وَنُشُورٍ ، فَثَمَّ بُعْثِرَتْ قُبوُرٌ ، وَحُصِّلَتْ سَريرَةُ صُدُورٍ ، وَجييءَ بِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِدّيقٍ وَشَهيدٍ ، وَتَوَحَّدَ لِلْفَصْلِ قَديرٌ ، بِعَبْدِهِ خَبيرٌ بَصيرٌ . فَكَمْ مِنْ زَفْرَةٍ تُضْنيهِ ، وَحَسْرَةٍ تُنْضيهِ ، في مَوْقَفٍ مَهوُلٍ ، وَمَشْهَدٍ جَليلٍ ، بَيْنَ يَدَيْ مَلِكٍ عَظيمٍ ، وَبِكُلِّ صَغيرٍ وَكَبيرٍ عَليمٍ ، فَحينئذٍ يُلْجِمُهُ عَرَقُهُ ، وَيُحْصِرُهُ قَلَقُهُ ، عَبْرَتُهُ غَيْرُ مَرْحُومَةٍ ، وَصَرْخَتُهُ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ ، وَحُجَّتُهُ غَيْرُ مَقْبوُلَةٍ ، وبَرزتْ صَحيفَتُهُ ، وَتُبِينتْ جَريدَتُهُ ، فنَظَرَ في سُوءِ عَمَلِهِ ، وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ عَيْنُهُ بِنَظَرِهِ ، وَيَدُهُ بِبَطْشِهِ ، وَرِجْلُهُ بِخَطْوِهِ ، وَفَرْجُهُ بِلَمْسِهِ ، وَجِلْدُهُ بِمَسِّهِ ، فَسُلْسِلَ جيدُهُ ، وَغُلَّتْ يَدُهُ ، وَسيقَ فَسَحِبَ وَحْدَهُ ، فَوَرَدَ جَهَنَّمَ بِكَرْبٍ وَشِدَّةٍ ، فَظُلَّ يُعَذَّبُ في جَحيمٍ ، وَيُسْقى شَرْبَةٌ مِنْ حَميمٍ ، تَشْوى وَجْهَهُ ، وَتَسْلَخُ جِلْدَهُ ، وَتَضْرِبُهُ زِبْنِيَةٌ بِمَقْمَعٍ مِنْ حَديدٍ ، وَيَعوُدُ جِلْدُهُ بَعْدَ نُضْجِهِ كَجِلْدٍ جَديدٍ ، يَسْتَغيثُ فَتُعْرِضُ عَنْهُ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ ، وَيَسْتَصْرِخُ فَيَلْبَثُ حَقْبَةً يَنْدَمُ . نَعوُذُ بِرَبٍّ قَديرٍ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ مَصيرٍ ، وَنَسْأَلُهُ عَفْوَ مَنْ رَضِىَ عَنْهُ ، وَمَغْفِرَةَ مَنْ قَبِلَهُ ، فَهُوَ وَلِىُّ مَسْأَلَتى ، وَمُنْجِحُ طَلِبَتى ، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ تَعْذيبِ رَبِّهِ جُعِلَ في جَنَّتِهِ بِقُرْبِهِ ، وَخُلِّدَ في قُصوُرٍ مُشَيَّدَةٍ ، وَمُلْكِ بِحُورٍ عينٍ وَحَفَدَةٍ ، وَطيفَ عَلَيْهِ بِكُؤُسٍ اُسْكِنَ في حَظيرَةِ قُدُّوسٍ ، وَتَقَلَّب في نَعيمٍ ، وَسُقِىَ مِنْ تَسْنيمٍ ، وَشَرِبَ مِنْ عَيْنٍ سَلْسَبيلٍ ، وَمُزِجَ لَهُ بِزَنْجَبيلٍ ، مُخْتَمٍ بِمِسْكٍ وَعَبيرٍ مُسْتَديمٍ لِلْمُلْكِ ، مُسْتشْعِرٍ لِلسُّرُرِ ، يَشْرَبُ مِنْ خُموُرٍ ، في رَوْضٍ مُغْدِقٍ ، لَيْسَ يُصَدَّعُ مِنْ شُرْبِهِ ، وَلَيْسَ يُنْزَفُ . هذِهِ مَنْزِلَةُ مَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ، وَحَذَّرَ نَفْسَهُ مَعْصِيَتَهُ ، وَتِلْكَ عُقُوبَةُ مَنْ جَحَدَ مَشيئَتَهُ ، وَسَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ مَعْصِيَتَهُ ، فَهُوَ قَوْلٌ فَصْلٌ ، وَحُكْمٌ عَدْلٌ ، وَخَبَرٌ قَصَصٌ قَصٌّ ، وَوَعْظٌ نَصٌّ : تَنْزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميدٍ ، نَزَلَ بِهِ رُوحُ قُدُسٍ مُّبينٍ عَلى قَلْبِ نَبِيّ مُهْتَدٍ رَشيدٍ ، صَلَّتْ عَلَيْهِ رُسُلٌ سَفَرَةٌ ، مُكَرَّمُونَ بَرَرَةٌ ، عُذْتُ بِرَبٍّ عَليمٍ ، رَحيمٍ كَريمٍ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ عَدُوٍّ لَعينٍ رَجيمٍ ، فَلْيَتَضَرَّعْ مُتَضَرِّعُكُمْ وَ لْيَبْتَهِلْ مُبْتَهِلُكُمْ ، وَلْيَسْتَغْفِرْ كُلُّ مَرْبوُبٍ مِنْكُمْ لي وَلَكُمْ ، وَحَسْبي رَبّي وَحْدَهُ ) . |
خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) الخالية من النقط
قال ( عليه السلام ) : ( الْحَمْدُ للهِِ أَهل الْحَمْدِ وَمَأْواهُ ، وَلَهُ أَوْكَدُ الْحَمْدِ وَأَحْلاَهُ ، وَأَسْرعُ الْحَمْدِ وَأَسراهُ ، وَأَطْهرُ وَأَسْماهُ ، وَأَكْرمُ الْحَمْدِ وَأَوْلاَهُ ... الْحَمْدُ للهِِ الْمَلِكِ الْمَحْمُودِ ، الْمَالِكِ الْوَدُودِ ، مُصَوِّرِ كُلِّ مَوْلُود ، وَمَوْئِلِ كُلِّ مَطْرُود ، وَسَاطِحِ الْمِهَادِ ، وَمُوَطِّدِ الأطْوادِ ، وَمُرْسِلِ الأمْطَارِ ، وَمُسَهِّلِ الأَوْطَارِ ، عَالِمِ الأَسْرارِ وَمُدْرِكِهَا ، وَمُدَمِّرِ الأَمْلاَكِ وَمُهْلِكِهَا ، وَمُكَوِّرِ الدُّهُورِ وَمُكَرِّرِهَا ، وَمُورِّدِ الأُمُورِ وَمُصَدِّرِهَا ، عَمَّ سماءه ، وَكَمَّلَ رُكَامَهَ وَهَمَلَ ، وَطَاوَعَ السَّؤالَ وَالأَمَلَ ، وَأَوْسَعَ الرَّمْلَ وَأَرْمَلَ ، أحمده حمداً ممدوداً ، وأوحده كما وحد الأواه ، وهو الله لا إله للأمم سواه ، ولا صادع لما عدل له وسواه ، أَرْسَلَ مُحَمَّداً عَلَماً لِلإِسْلاَم ، وَإِماماً لِلْحُكّام ، مُسَدِّداً لِلرُّعاعِ ، ومعطل أحكام ود وسواع ، أعلم وعلم ، وحكم وأحكم ، وأصل الأصول ، ومهد وأكد الموعود وأوعد ، أوصل الله له الإكرام ، وأودع روحه الإسلام ، ورحم آله وأهله الكرام ، ما لمع رائل وملع دال ، وطلع هلال ، وسمع إهلال . اِعْملُوا رَحمكُمْ اللهُ أَصْلَحَ الأَعْمَالِ ، وَاسْلُكُوا مَصالِحَ الْحَلاَلِ ، وَاطْرَحُوا الْحَرامَ وَدَعُوهُ ، وَاسْمَعُوا أَمْرَ اللهِ وَعُوهُ ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ وَرَاعُوها ، وَعَاصُوا الأَهْواءَ وَارْدَعُوها ، وصاهروا أهل الصلاح والورع ، وصارموا رهط اللهو والطمع ، ومصاهركم أطهر الأحرار مولداً ، وأسراهم سؤدداً ، وأحلامكم مورداً ، وها هو أمّكم وحل حرمكم مملكاً عروسكم المكرّمة ، وما مهر لها كما مهر رسول الله أم سلمه ، وهو أكرم صهر أودع الأولاد ، وملك ما أراد ، وما سهل مملكه ، ولا هم ولا وكس ملاحمه ولا وصم ، اسأل الله حكم أحماد وصاله ، ودوام إسعاده ، وأهلهم كلا إصلاح حاله ، والأعداد لمآله ومعاده ، وَلَهُ الْحَمْدُ السَّرْمَدُ ، وَالْمَدْحُ لِرَسُولِهِ أَحْمَدَ ... ) . هذا إن دل على شيء فإنّما يدل على عظيم الفصاحة والبلاغة ، التي يمتلكها الإمام علي ( عليه السلام ) فهو باب مدينة العلم ، الذي منه أتت البلاغة وإليه تنتهي ، وكيف لا وقد قال بحقّه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( أنا مدينة العلم وعليُّ بابها ) . |
خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) عندما أنكر عليه قوم تسويته بين الناس في الفيء
قال ( عليه السلام ) : ( أمّا بعد ، أيّها الناس : فإنا نحمد ربّنا وإلهنا ، وولي النعمة علينا ، ظاهرة وباطنة بغير حول منا ولا قوّة ، إلاّ امتناناً علينا وفضلاً ، ليبلونا أنشكر أم نكفر ، فمن شكر زاده ، ومن كفر عذّبه . وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، أحداً صمداً ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، بعثه رحمة للعباد والبلاد ، والبهائم والأنعام ، نعمة أنعم بها ، ومنّاً وفضلاً ( صلى الله عليه وآله ) . فافضل الناس - أيّها الناس - عند الله منزلة ، وأعظمهم عند الله خطراً ، أطوعهم لأمر الله ، وأعملهم بطاعة الله ، وأتبعهم لسنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأحياهم لكتاب الله ، فليس لأحد من خلق الله عندنا فضل ، إلاّ بطاعة الله وطاعة رسوله ، واتباع كتابه وسنّة نبيه ( صلى الله عليه وآله ) . هذا كتاب الله بين أظهرنا ، وعهد نبي الله وسيرته فينا ، لا يجهلها إلاّ جاهل مخالف معاند عن الله عز وجل ، يقول الله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، فمن اتقى الله فهو الشريف المكرم المحب ، وكذلك أهل طاعته وطاعة رسول الله . يقول الله في كتابه : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ، وقال : ( قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) . ثمّ صاح بأعلى صوته : ( يا معاشر المهاجرين والأنصار ، ويا معاشر المسلمين : أتمنّون على الله وعلى رسوله بإسلامكم ، ولله ولرسوله المن عليكم إن كنتم صادقين . ألا إنّه من استقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، وشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، أجرينا عليه أحكام القرآن ، وأقسام الإسلام ، ليس لأحد على أحد فضل إلاّ بتقوى الله وطاعته ، جعلنا الله وإيّاكم من المتقين ، وأوليائه وأحبائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . ألا إنّ هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها ، وأصبحت تعظكم وترميكم ليست بداركم ، ولا منزلكم الذي خلقتم له ، ولا الذي دعيتم إليه . ألا وإنّها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها ، فلا يغرّنكم عاجلها فقد حذرتموها ، ووصفت لكم وجربتموها ، فأصبحتم لا تحمدون عاقبتها . فسابقوا رحمكم الله إلى منازلكم التي أمرتم أن تعمّروها ، فهي العامرة التي لا تخرب أبداً ، والباقية التي لا تنفد ، رغبكم الله فيها ودعاكم إليها ، وجعل لكم الثواب فيها . فانظروا يا معاشر المهاجرين والأنصار ، وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله ، ونزلتم به عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجاهدتم عليه فيما فضلتم به بالحسب والنسب ؟! أم بعمل وطاعة ؟ فاستتموا نعمه عليكم - رحمكم الله - بالصبر لأنفسكم ، والمحافظة على من استحفظكم الله من كتابه ، ألا وإنّه لا يضرّكم تواضع شئ من دنياكم ، بعد حفظكم وصية الله والتقوى ، ولا ينفعكم شئ حافظتم عليه من أمر دنياكم ، بعد تضييع ما أمرتم به من التقوى ، فعليكم عباد الله بالتسليم لأمره ، والرضا بقضائه ، والصبر على بلائه . فأمّا هذا الفيء فليس لأحد فيه على أحد أثرة ، قد فرغ الله عز وجل من قسمه ، فهو مال الله ، وأنتم عباد الله المسلمون ، وهذا كتاب الله به أقررنا وعليه شهدنا وله أسلمنا ، وعهد نبينا بين أظهرنا فسلّموا - رحمكم الله – فمن لم يرض بهذا فليتول كيف شاء . فإنّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه ، أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، أولئك هم المفلحون ) ، ونسأل الله ربّنا وإلهنا أن يجعلنا وإيّاكم من أهل طاعته ، وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده ، أقول ما سمعتم ، واستغفر الله لي ولكم ) . |
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 04:31 AM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025