![]() |
الإمام محمّد باقر الصدر في حوار تاريخي ! التجربة ــ السياسة ــ المرجعية..
|
بداية التعرّف على الشهيد الصدر السؤال حبّذا لو تحدّثتم لنا عن الظروف التي انتهت بكم إلى التقرّب من الشهيد الصدر إلى هذه الدرجة، وبالتالي الاطلاع العميق والوافر على شخصيّته وأفكاره؟ السيد الشاهرودي: عندما كنتُ في الثانوية(1)، كان الشهيد الصدر قد بدأ يُعرف إلى الملأ ـ خاصّةً على صعيد طلاّب الجامعات والجيل الصاعد ـ بوصفه فقيهاً شاباً في مقتبل عطائه العلمي، مع ما يحمله من فكر حديث، وقد ساهم في ترسيخ صورته ومكانته لدى هذه الطبقة ما صدر عنه في تلك المرحلة، من قبيل كتاب (فلسفتنا) والمقالات التي ترصّعت بها مجلّة (الأضواء). أمّا بالنسبة لي، فقد انتظمتُ بعد الثانويّة في سلك الحوزة العلميّة، وإلى ذلك الحين كنتُ أعرفه مفكّراً إسلاميّاً، إلى أن وصلتُ إلى مرحلة السطوح ـ وعلى وجه التحديد السطوح العليا ـ حيث حضرت على بعض طلاّبه المرتبطين به، وقد قادني ذلك إلى ارتباطي به شخصيّاً، فعلاقة الأستذة والتلمذة تحوز على أهميّة بالغة في بنية النظام الحوزوي، وقد نجم عن ذلك أن وفّقت للاطلاع على الشهيد الصدر في بُعدَيْه: الفقهي والحوزوي. ومن هنا، وبمجرّد أن أنهيت مرحلة السطوح التحقت بمحضر درسه، وكان ذلك في العام [1387هـ = 1966م]، طبعاً كنتُ أتردّد على مجلسه حتّى قبل التحاقي بالدرس، وذلك من خلال المجالس التي كان يُتَعارف عقدُها في النجف الأشرف بين العلماء والفضلاء، وكان يعرفني من خلال معرفته بوالدي [السيّد علي الهاشمي الشاهرودي]، وكان والدي من العلماء الذين سارعت إليهم المنيّة، حيث رحل عن أربعين عاماً، وقد آلم رحيله الجميع، فقد كان من مقرّري بحث السيّد الخوئي في الفقه والأصول، وكان أوّل من حرّر له تقريراً(2)، وحيث كان الشهيد الصدر من تلامذة السيّد الخوئي، فقد توطّدت علاقته بوالدي عن هذا الطريق، وإن كان والدي أقدم منه انتساباً إلى درس السيّد الخوئي، حيث كان قد تتلمذ عليه وصار من تلامذته المقرّبين ابتداءً من الدورة التي سبقت الدورة التي حضرها الشهيد الصدر. وعندما تعرّف الشهيد الصدر عليّ أشعرني بمحبّته واهتمامه بشكل ملحوظ، وكان ـ وإلى جانبه آخرون ممّن يعلمون أنّ المرحوم والدي قد رحل في سنٍّ مبكرة ـ على قناعة بأنّ عليّ أن أستنَّ بسنّته وأجري على منهاجه، وأظهروا اهتمامهم الخاص بي. ولهذا نبتت براعم علاقتي بالشهيد الصدر قبل حضوري في مجلس درسه، ثمّ اشتدّ عودها ورسخت بيننا قواعد المودّة وتوثّقت عرى المصافاة بعد التحاقي بالدرس. وكما سبق وأشرت، فإنّ العلاقة التي تربط الطالب بالأستاذ تحظى في الحوزات العلميّة بأهميّة خاصّة ولها رونقها المميّز؛ فإنّ الأستاذ يلعب في الحوزة دور المربّي والأب والمهذّب في آنٍ واحد. طبعاً هذه الأدوار يلعبها الأساتذة المؤثرون في الحوزات العلميّة تجاه طلاّبهم. لقد كانت قوى الشهيد الصدر الجاذبة متعدّدة وراسخة، وكان لشخصيّته جاذبيّة استثنائيّة، وكانت أخلاقه في غاية الرفعة، ناهيك عن محبّته الجيّاشة، خاصّةً تجاه طلاّبه الذين لا أعتبر نفسي مبالغاً إن قلت: إنّ الواحد منهم كان يعتبره أقرب إليه من أبيه، وأشدَّ تأثيراً في حياته منه، وأكثر شفقةً عليه منه. هذه هي الحقيقة، وهكذا كانت علاقته بطلاّبه، علاقةً متينةً جداً ووثيقة الأركان، يسعى فيها إلى تربيتهم وترشيدهم من مختلف الزوايا. هوامش -------------------- 1 ـ يُشار إلى أنّ السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي من مواليد 6/9/1948م، وما سيأتي في المتن بين عضادتين [ ] إضافةً إلى كافّة هوامش المقال من المترجم (المترجم)، أمّا العناوين الفرعية فهي من التحرير. 2 ـ وهو التقرير المعروف بـ (دراسات في علم الأصول). ملاحظات: 1 ـ هذا الحوار نشر في مجلة (شاهد ياران) باللغة الفارسية العدد 18 بتاريخ ارديبهشت 2 / 1386 هـ.ش / 2007م. وقام بترجمته أحمد ابو زيد. 2 ـ لكاتب المقال هنا بعض التوضيحات والاضافات على اصل المقال المنقول عن مجلة الاجتهاد والتجديد العدد السادس. 3 ـ لا علاقة لنقل المقال بالوضع الحالي للسيد محمود الشاهرودي بل هو نقل شهادة (تاريخية) ـ كما جاء في عنوان الموضوع ـ من أبرز تلامذة الامام الشهيد والذي قلّما تطرّق لهذا الموضوع! فتنبّه. |
علاقة السيّد الصدر بطلابه: المشاريع التربوية والعلاقات الأبوية والبرامج التثقيفية المعاصرة |
السؤال: |
ولننقل ما جاء في كتاب محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 363 السيّد الصدر (رحمه الله) يقنع السيّد الخوئي (رحمه الله) بضرورة تقوية المرجعيّة إنّ دعوة السيّد الصدر (رحمه الله) إلى مرجعيّة السيّد الخوئي (رحمه الله) كانت مبنيّةً على لزوم الارتفاع بجهازها إلى مستوى تصبح فيه قادرة على تحمّل مسؤوليّاتها الحقيقيّة. ومن هذا المنطلق فاتح السيّد الصدر (رحمه الله) السيّد الخوئي (رحمه الله) حول موضوع ضرورة احتفاظ المرجعيّة بقوّتها في مقابل النظام كما كان الوضع أيّام السيّد محسن الحكيم (رحمه الله)، وعرض عليه مشروع المرجعيّة الرشيدة وعرض عليه إمكانيّاته والتزم بدعمه. وقد شاركه في هذا اللقاء وفي هذه الأفكار خاله الشيخ مرتضى آل ياسين والسيّد محمّد باقر الحكيم (ره) «1». وقد تحدّث السيّد الصدر (رحمه الله) عن ضرورة الاستمرار من النقطة التي وصل إليها السيّد الحكيم (رحمه الله) في مشروعه الاجتماعي ووكلاء المناطق، وعرض إمكانيّاته واستعداداته ليكون بنفسه ضمن جهازه المرجعي لكن بهذا الشرط. وفي الوقت نفسه تحدّث آخرون مع السيّد الخوئي (رحمه الله) في الاتّجاه المعاكس، وأنّ على مرجعيّة السيّد الخوئي (رحمه الله) أن تنتهج منهجاً آخر مختلفاً عن منهج مرجعيّة السيّد الحكيم (رحمه الله) «2». __________________________________________________ (1) صحيفة (لواء الصدر)، 13/ صفر/ 1405 هـ؛ وانظر: صحيفة (المبلّغ الرسالي)، العدد (27)، (108)، في حديثٍ مع السيّد صدر الدين القبانجي (2) حدّثني بذلك الشيخ عبد الحليم الزهيري بتاريخ 14/ 2/ 2005 م، نقلًا عن الشهيد الشيخ عبد الزهراء الطائي (رحمه الله) نقلًا عن السيّد الصدر (رحمه الله)؛ وقد ذكر ذلك في الجملة الشيخ محمّد رضا النعماني بتاريخ 21/ 3/ 2005 م. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 364 ومن جملة ما اقترحه السيّد الصدر (رحمه الله) على السيّد الخوئي (رحمه الله) أن يشكّل جهازاً للتبليغ يضمُّ الباقرين (الصدر والحكيم) وجهازاً لشؤون الحوزة تحت إشراف الشيخ آل ياسين (رحمه الله). وقد وافق السيّد الخوئي (رحمه الله) على ذلك واهتم السيّد الصدر (رحمه الله) بتطبيقه. ولكن بعد فترة تحرّك بعد الأشخاص ليغيّروا سياسة المرجعيّة «1»، وقيل: إنّ الذي ترأّس هذه اللجنة هو السيّد عبد الكريم القزويني «2». وروي أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) عندما سعى إلى الاتّصال المباشر بالسيّد الخوئي (رحمه الله)، قصده في بيته واقترح عليه تشكيل مجلس للإرشاد والتبليغ، وقد اقترح السيّد الخوئي (رحمه الله) مشروعاً يقضي انعقاد مجلس من العلماء الأفاضل بإشراف السيّد الصدر (رحمه الله)، ويتحمّل هذا المجلس مسؤوليّة التبليغ والإرشاد في الأمّة، ويتكفّل اختيار الوكلاء والمبلّغين الأكفّاء وتلبية نداءات جماهير الشعب المسلم في مختلف مناطق العراق، على أن تناط المسؤوليّة الحقيقيّة بالسيّد الصدر (رحمه الله)، بينما يلتزم السيّد الخوئي (رحمه الله) برعاية هذا المجلس ويتبنّاه «3»، فصار ترشيح الوكيل يتمّ عبر السيّد الصدر (رحمه الله) أو أهل المنطقة وأحياناً من قبل شخصيّات حزب الدعوة الإسلاميّة- من قبيل الشيخ مهدي العطّار (رحمه الله) مثلًا- ثمّ طرحه على السيّد الخوئي (رحمه الله) الذي كان غالباً ما يمضي هذا الترشيح ويوافق عليه «4». إلّا أنّ أموراً مريرة حالت دون المضيّ في هذا المشروع «5». انعكاس الموقف الجديد على العلاقة مع بعض أصحاب السيّد الخميني (رحمه الله) إثر إعلان السيّد الصدر (رحمه الله) عن أعلميّة السيّد الخوئي (رحمه الله)، اتّخذ بعض عناصر جهاز السيّد الخميني (رحمه الله) موقفاً سلبيّاً منه، بينما بقي آخرون على وضعهم، خاصّةً السيّد أحمد الخميني (رحمه الله) الذي كان يوافق السيّد الصدر (رحمه الله) على موقفه نظراً إلى الظروف «6»، بينما يبدو الانطباع سلبيّاً عند السيّد علي أكبر محتشمي حين تناول موضوع دعم علماء النجف مرجعيّة السيّد الخوئي (رحمه الله) وتعرّض إلى موقف السيّد الصدر (رحمه الله) «7»، والسيّد عبّاس خاتم يزدي (رحمه الله) الذي اعتبر السيّد الصدر (رحمه الله) (استبصر) في الفترة الأخيرة «8»، والسيّد حميد روحاني «9». وكذلك اتّسمت العلاقة تجاه السيّد موسى الصدر: فبعد أن كانت العلاقة بين السيّدين مصطفى الخميني وموسى الصدر علاقة طيّبة وحسنة، مالت __________________________________________________ (1) صحيفة (لواء الصدر)، 13/ صفر/ 1405 هـ؛ وانظر: صحيفة (المبلّغ الرسالي)، العدد (27)، (108)، في حديثٍ مع السيّد صدر الدين القبانجي؛ وانظر عموماً: مقابلة مع الشيخ محمّد باقر الناصري (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر) (2) مقابلة مع السيّد عبد الكريم القزويني (قناة المنار) (3) الإمام الصدر في أعماله السياسيّة [حركة المجاهدين العراقيين - المكتب الاعلامي] : 8- 9 (4) محمّد باقر الصدر .. حياة حافلة .. فكرٌ خلّاق [محمد طاهرالحسيني] : 177، نقلًا عن الشيخ مهدي العطّار (رحمه الله) (5) الإمام الصدر في أعماله السياسيّة: 9 (6) مستفادٌ ممّا ذكره لي الشيخ محمّد رضا النعماني بتاريخ 21/ 3/ 2005 م؛ وانظر أوّله في: مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (قناة المنار) (7) ياد .. فصلنامه بنياد تاريخ انقلاب اسلامى ايران، شماره هاى 35، 36، سال نهم: 38- 44 (8) خاطرات آيت الله خاتم يزدى (فارسي): 188- 189 (9) يأتيك موقفه بإذن الله تعالى، فانتظر. وانظر بعض ما يعكس موقفه في: نهضت امام خمينى (فارسي) 2: 810. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 365 نحو الفتور إثر إعلان السيّد موسى الصدر عن أعلميّة السيّد الخوئي (رحمه الله) «1». وقد كلّف السيّد موسى الصدر في إحدى المرّات الدكتور إبراهيم اليزدي بالسفر إلى النجف من أجل محاولة التقريب بين طرفي السيّد الصدر (رحمه الله) والسيّد الخميني (رحمه الله) «2»، وكان السيّد الصدر (رحمه الله) قد شدّد على طلّابه بعدم الردّ بالمثل «3»، كما أنّ السيّد الخميني (رحمه الله) كان كثير التشدّد إزاء الموضوع كما سيأتي. ومن أمثلة هذا الانعكاس على العلاقة مع السيّد الصدر (رحمه الله) أنّ الدكتور صادق طباطبائي- ابن أخت السيّد موسى الصدر- كان في زيارةٍ إلى النجف الأشرف قادماً من أوروبا، وقد جمعه بالسيّد حميد زيارتي (روحاني) مجلسٌ في منزل الشيخ الكرّوبي- أخي رئيس البرلمان السابق- ضمّ السيّد علي أكبر محتشمي وآخرين، وقد جرى في المجلس حديثٌ عن السيّد الصدر (رحمه الله)، فحمل عليه السيّد حميد روحاني وعلى ابن عمّه السيّد موسى الصدر، واتّهمهما بالعمالة للإمبرياليّة والصهيونيّة، وقد استدلّ على ذلك بأمور: 1- أنّهما لم يطرحا مرجعيّة السيّد الخميني ولم يدعموها، والسيّد الصدر يريد طرح مرجعيّته. 2- أنّهما ضغطا سابقاً على السيّد محسن الحكيم (رحمه الله) للإفتاء بطهارة أهل الكتاب، وهذا ما يفعلانه حاليّاً مع السيّد الخوئي، وهذه الفتوى عبارة عن مطلب إمبريالي. 3- أنّ السيّد الخميني عندما شرع في بحث الحكومة الإسلاميّة لم يبادر السيّد الصدر إلى بحث الموضوع، وإنّما استمرّ في درسه الاعتيادي. وبعد أن انفضّ المجلس، ذهب الدكتور الطباطبائي إلى منزل السيّد الصدر (رحمه الله)، ولمّا اجتمع به قال له: «لقد علمتُ للتوّ أنّك إمبريالي»، فقال (رحمه الله): «وماذا هناك؟!»، فسرد له ماذا جرى معه، فتبسّم السيّد الصدر (رحمه الله) وقال له: «أمّا أنّنا ضغطنا على السيّد الحكيم والسيّد الخوئي ليفتيا بطهارة أهل الكتاب، فلا أدري هل هذا ذمٌّ لنا أم للمراجع الذين يُمكن أن يفتوا تحت ضغوطات تمارس عليهم؟! وأمّا درس الحكومة الإسلاميّة فإنّهم عندما طبعوا الكرّاسات ووزّعوها على الدروس التي تقام في النجف الأشرف كلّ الدروس رفضتها وطردتهم إلّا درسي، فقد استقبلتهم وشجّعتهم ووزّعتُ الكرّاسات، وقلتُ لطلّابي إنّه عندما ينتهي بحثنا فإنّنا سنبحث الحكومة الإسلاميّة. وأمّا أنّني لم أطرح مرجعيّة السيّد الخميني، فذلك لا يعني أنّني لا أؤيّد مرجعيّته، بل لأنّ السيّد الخوئي أكثر شهرة في العالم الإسلامي والعربي، وأنا أرى الآن أنّ من واجبي الدعوة إلى مرجعيّته، وإلّا فلا شكّ بأنّ السيّد الخميني مرجع». وبعد أن خرج الدكتور الطباطبائي من منزل السيّد الصدر (رحمه الله) ذهب إلى منزل السيّد الخميني (رحمه الله)- حيث كان مقرّراً أن يسجّل له السيّد الخميني (رحمه الله) بياناً أو شيئاً مشابهاً- والتقى به ثمّ قال له: «إذا كنتَ لا تسمح بأن يتحدّث أحدٌ في مجلسك عن العلماء، فكيف تسمح للمحسوبين عليك بالنيل من العلماء __________________________________________________ (1) حدّثني بذلك السيّد محمّد الغروي بتاريخ 24/ 7/ 2004 م (2) حدّثني بذلك الأخ أيمن زغيب بتاريخ 6/ 10/ 2004 م نقلًا عن الدكتور إبراهيم يزدي؛ ثمّ أكّده لي الدكتور يزدي نفسه بتاريخ 5/ 7/ 2005 م. وقد صرّح لي أحد المقرّبين من السيّد الصدر (رحمه الله) بأنّ قول السيّد الصدر (رحمه الله) بأعلميّة السيّد الخوئي (رحمه الله) أزعج جهاز السيّد الخميني (رحمه الله) (لم نذكر اسمه لعدم رضاه) (انظر حول العلاقة بينهما أحداث سنة 1385 هـ) (3) حدّثني بذلك السيّد علي أكبر الحائري بتاريخ 17/ 2/ 2005 م. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 366 واتّهامهم بالعمالة للإمبرياليّة والصهيونيّة؟»، فسأله السيّد الخميني (رحمه الله) عمّا حدث، فقصّ عليه ما كان من أمر السيّد حميد روحاني وموقفه من السيّدين محمّد باقر وموسى الصدر، فظهرت علامات الغضب الشديد على وجه السيّد الخميني (رحمه الله) واعتذر عمّا كان مقرّراً بينهما لأنّ مزاجه لم يعد يسمح له، فخرج الدكتور. وبعد صلاة المغرب والعشاء كان الدكتور في منزل أحد أصدقائه، ولمّا دخل الشيخ كرّوبي ورآه قال له: «هل حدّثت الإمام بشيء؟»، فقال له: «ولماذا تسأل؟!»، فأجابه: «لقد كان مضطرباً إلى درجة أنّه ولأوّل مرّة صلّى صلاة المغرب أربع ركعات»، فقال له: «لقد ذكرتُ له ما كان من أمر السيّد حميد روحاني». وبعد أيّام قليلة تعرّض السيّد الخميني (رحمه الله) إلى هذه الحادثة في درسه «1»، وممّا جاء في كلامه ما ترجم إلى ما يلي: «أحد الشبّان الذي كان قد قدم من أوروبا «2» جاء وبقي هنا حوالي الأسبوع، بقي هنا مدّة قصيرة جدّاً، جاء للقائي مرّة أو مرّتين، قال لأحدهم- لم يقل لي أنا، بل قال لأحد الروحانيّين-: حسناً كان أنّ الذي جاء للنجف هو أنا، فأنا ابن أحد العلماء وأستطيع أن أقدّر الموقف، ولو أنّ شخصاً غيري جاء وأبصر هذا الوضع فماذا سيكون ردّ فعله؟ يا للأسف؟! إنّي لا أعلم ما الذي عاينه هذا الطالب الجامعي- الدارس في الخارج- في هذه الحوزة المباركة، وهو ليس روحانيّاً مثلنا، وإن كان أبوه عالماً .. ما الذي رآه خلال هذه الأيّام القلائل؟ وبأي أشخاص اتّصل؟ وما الذي نقله إليه هؤلاء، حتّى جعله- وهو الطالب الغريب عن أجوائنا- أن يبدي أسفه على وضع النجف، ويتساءل عن علّة هذا الوضع؟ ... إذا قمتم بتسقيط بعضكم البعض هكذا، وإذا اشتبكت الجامعات العلميّة فيما بينها، وحاولت إحداها تسقيط الأخرى، وقام البعض بقذف البعض الآخر بشائن الألفاظ وفسّقه وكفّره، وثار الهرج، وعمّت الفوضى، إذا حطّمنا أنفسنا بأنفسنا، وقضينا على أنفسنا، فلا يبقى لكلامنا الفاعليّة في ترسيخ الإسلام في المجتمع، ولن نتمكّن من نشر الإسلام. ... أنتم أهل دين ولله الحمد، غير أنّ الدين لا نزاع فيه. إنّ السبب الأساس في كلّ هذا النزاع يعود إلى الدنيا، ويخدع نفسه من يقول: (إنّي صرت في الجبهة الفلانيّة لما اقتضاه منّي التكليف الشرعي)، وإلّا كيف يقتضي التكليف الشرعي من الإنسان أن يوجّه الإهانة للمسلمين؟! أن يوجّه الإهانة للعلماء ولزملائه؟ أهذا تكليف شرعي؟ إنّها الدنيا يا إخوة، وأهواء النفس. لو أنّ الطالب المشغول بتحصيل العلم تقدّم خطوة باتّجاه تهذيب النفس تقارناً مع العلم، لبقيت الحوزات في منأى عن أمثال هذه الأحداث. ... إنّ هذه التحزّبات خطأ وفسق، هذه الممارسات تدمّر الحوزات، كفّوا عن أمثال هذه الأمور الشائنة ... ... كان تكليفي اليوم أن أستعرض هذه الأمور أمامكم، وأن أقوم بإبلاغ السادة المحترمين بما عندي لكي ينتبه الإخوة إلى أنّ تلك الممارسات التي وقعت، أو التي ستقع، لينتبهوا أنّها ستؤدّي إلى ضياع حيثيّة __________________________________________________ (1) حدّثني بذلك الدكتور صادق طباطبائي بتاريخ 8/ 7/ 2005 م. (2) يقصد الدكتور صادق الطباطبائي الذي كان يدرس حينها في ألمانيا كما جاء في: [كوثر (فارسي) 204: 1؛ الكوثر 304: 1]، وهو ما أكّده لي الدكتور الطباطبائي. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 367 واعتبار مجتمع بأسره، وشعب بأسره، بل إنّها ستؤدّي إلى ضياع حيثيّة وهيبة الإسلام كلّه، وسوف تتعرّضون إلى مسألة شديدة إذا لم تهبّوا لمنع وقوع هذه المفاسد .. كفّوا عن هذه الاختلافات الجانبيّة والجزئيّة وأمثالها ممّا هو تافه جدّاً، تافه إلى أقصى حدّ، نحن لا ندرك كم نحن تافهون، نحن تافهون ..» «1». السيّد الصدر (رحمه الله) يرفض التصدّي للمرجعيّة في هذه المرحلة بعيد وفاة السيّد الحكيم (رحمه الله) كان الشيخ علي أصغر المسلمي راجعاً من الكاظميّة، وقد اجتمع في السيّارة بموظّف في الدولة سأله عن إمكانيّة الرجوع في فتوى طهارة أهل الكتاب إلى السيّد الصدر لأنّه مبتلى في عمله بالتعامل معهم والاحتكاك بهم، وسأله: «هل السيّد الصدر مجتهد مطلق؟!»، فأكّد له الشيخ المسلمي على براعته في الفقه والأصول وأضاف: «أمّا بالنسبة إلى استنباطه الفعلي في جميع أبواب الفقه، فهذا ما عليّ سؤال السيّد الصدر عنه». وفي مجلس السيّد الصدر (رحمه الله) ليالي الخميس قصّ الشيخ المسلمي على السيّد الصدر (رحمه الله) ما جرى وسأله عن كونه مجتهداً مطلقاً، فأجابه السيّد الصدر (رحمه الله): «لقد مارست الاستنباط الفعلي في كافّة أبواب الفقه من الطهارة إلى الديّات»، فقال الشيخ المسلمي: «إنّ هذا الأمر يستغرق نحواً من عشرين عاماً»، فقال السيّد الصدر (رحمه الله): «لقد كتبتُ حاشيتي على بلغة الراغبين قبل ما يقرب من عشرين عاماً»، فقال الشيخ: «ولكنّك في ذلك الوقت كنت تحضر درس السيّد الخوئي»، فأجابه: «عندما حضرت بحث السيّد الخوئي حضرت حضور استشكال لا حضور تفهّم» «2». وبعد وفاة السيّد الحكيم (رحمه الله) بدأ الرجوع بالتقليد إلى السيّد الصدر (رحمه الله)، وكان قسمٌ من المثقّفين قد رجع إليه في حياة السيّد الحكيم (رحمه الله) «3»، وكان الشيخ علي كوراني أحد المتحمّسين لمرجعيّة السيّد الصدر (رحمه الله) الذي خشي أن يطرح الشيخ كوراني اسمه في منطقة عمله [وكان يومها في الكويت]، __________________________________________________ (1) انظر: كوثر (فارسي) 1: 203 - 216؛ الكوثر1 : 303 - 316؛ مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني1 : 31 - 35 (بترجمة أخرى). أقول: هنا أمران: الأوّل: جاء في (الكوثر) التي ضمّت مجموعة من خطابات السيّد الخميني (رحمه الله) أنّ الداعي إلى خطبة السيّد الخميني (رحمه الله) هذه هو أنّ أحدهم استنكر «بحدّة سكوت اثنين من المراجع المقيمين في النجف وعدم تقديم العون للجهد الثوري»، ولمّا علم السيّد الخميني (رحمه الله) بذلك حذّر طلّابه وأنصاره [كوثر (فارسي) 1: 201 ؛ الكوثر 1: 301 ]، وفي الوقت نفسه أوردت الكوثر في هامش الخطاب أنّ المقصود من «أحد الشبّان الذي كان قد قدم من أوروبا» هو السيّد صادق الطباطبائي [كوثر (فارسي) 1: 204 ؛ الكوثر 1: 304 ]. إلّا أنّ الدكتور الطباطبائي أكّد لي أنّ ما ذكرته (الكوثر) حول مناسبة الخطاب ليس صحيحاً، وأنّ المنتَقَدين هما السيّد محمّد باقر والسيّد موسى الصدر وليس اثنين من مراجع النجف. الثاني: أمّا حول تاريخ هذا الخطاب: فقد جاء في (الكوثر) دون تاريخ، إلّا أنّه وضع بين ت 2/ 1965 م وبين أيلول/ 1967 م، بينما وضع من قبل المؤسّسة نفسها بين 1966 م و 1971 م (مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني1 : 31). وقد استقرب الدكتور الطباطبائي أوّل الأمر كونه في أيلول/ 1967 م، ولكن بعد أن ذكرت له أنّ درس السيّد الخميني (رحمه الله) حول ولاية الفقيه- الوارد في كلام السيّد حميد روحاني وفي كلام السيّد الصدر (رحمه الله)- كان سنة 1389 هـ، إضافةً إلى أنّ المفهوم كونه بعد رحيل السيّد الحكيم (رحمه الله)، توقّف في التاريخ، ولكنّه أكّد صحّة المضمون على أيّة حال (2) مقابلة مع الشيخ علي أصغر المسلمي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر) (3) مقابلة مع السيّد نور الدين الإشكوري (قناة المنار). السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 368 فأرسل إليه رسالة يشدّد فيها على أنّ الظروف الموضوعيّة لا تسمح بذلك، وأنّه لا مصلحة فيه، فاقتصر الشيخ كوراني على طرحها ضمن قيادة التنظيم في المنطقة وبعض الناس «1». كما أنّ قيادة حزب الدعوة ارتأت ترشيحه للمرجعيّة لما يملك من شخصيّة قياديّة، وكان هناك اعتراضٌ من قبل البعض خوفاً من حاشية السيّد الخوئي (رحمه الله) التي كانت علاقتها- وفق المصدر- وثيقةً بالسلطة، ولكنّه أصبح مرجعاً بتصويت الأكثريّة «2». كما وفد الكثير من الناس من المناطق يطالبونه بالمرجعيّة، فكان يرفض ويقول: «إنّ المرجعيّة هي للسيّد الخوئي». ودار حديثٌ بينه وبين الشيخ سلمان السوداني حول المرجعيّة وطرحها على الناس، وقد تحدّث الشيخ السوداني معه طويلًا. وذات مرّة جاءه السيّد كاظم الحائري وقال: «إنّ السيّد .. يريد أن يأتيك إلى المنزل»، فدار الحديث في بيته مجدّداً حول المرجعيّة وكان يرفض. ففاجأه الشيخ بسؤال: «هل يجوز تقليد غير الأعلم؟»، فقال: «لا»، فقال الشيخ: «إذن هذا الأمر لنا» «3». وكان بعض العلماء قد طلب من السيّد الصدر (رحمه الله) أن يتصدّى للمرجعيّة، ومنهم السيّد مير محمّد القزويني (رحمه الله) عالم البصرة [الذي كان يرجع إلى السيّد الصدر (رحمه الله) حتّى في أيّام السيّد محسن الحكيم (رحمه الله)] «4»، إلّا أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) رفض ذلك، وأجابه بالرسالة التالية: _________________________________________________ (1) طريقة حزب الله في العمل الإسلامي [الشيخ علي الكوراني] : 90؛ وهذا النصّ من الشيخ علي كوراني يرجع إلى سنة 1406 هـ. والغريب أنّه ذكر مؤخّراً أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) كان قد طلب- بعد أشهر من وفاة السيّد الحكيم (رحمه الله)- من قيادة حزب الدعوة تبنّي مرجعيّته ولكنّهم لم يفعلوا، وأصدروا بياناً فصلوا فيه بين منصب الإفتاء وبين منصب القيادة، فاستاء السيّد الصدر (رحمه الله) من ذلك وكتب رسالةً إلى الشيخ كوراني بخط السيّد كاظم الحائري يقول له فيها: إنّه ليس من المصلحة الإعلام عن مرجعيّته (مسائل في البناء الفكري: 9- 11؛ مقابلة مع الشيخ علي كوراني، (قناة المنار)، وهذا لا يكاد ينسجم مع ما ذكره في (طريقة حزب الله) ومع رسالته إلى السيّد مير القزويني، وما اعتمدنا عليه في المتن هو الأكثر وثوقاً لتقدّمه الزمني على القضايا التي تزامنت مع صدور (مسائل في البناء الفكري) ثمّ (مقدّمة الحقّ المبين) (2) محمّد باقر الصدر .. حياة حافلة .. فكرٌ خلّاق: 112، نقلًا عن الشيخ عبد الهادي الفضلي (3) الشيح سلمان السوداني، ندوة مؤسّسة الأبرار في الذكرى الخامسة والعشرين على استشهاد الشهيد الصدر (على شبكة الإنترنت) (4) محمّد باقر الصدر .. حياة حافلة .. فكرٌ خلّاق: 175، نقلًا عن الشيخ عبد الحليم الزهيري، نقلًا عن السيّد محمود الهاشمي. |
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 369 «بسم الله الرحمن الرحيم حضرة العلّامة الكبير المجاهد حجّة الإسلام والمسلمين السيّد القزويني متّع الله المسلمين بدوام نفعه وطول عمره الشريف. السلام عليكم زنة إخلاصي وتقديري ورحمة الله وبركاته. وبعد، فما كان أشدّ شعوري بالحرمان حين اطّلعت متأخّراً على وجودكم في النجف الأشرف، وقيل لي إنّكم مزمعون على السفر بسرعة بحيث لم تتح لي فرصة الاجتماع بكم، غير أنّي على ثقة بأنّه إن فاتني الاجتماع المكاني بسماحتكم فلا يفوتني الاجتماع الحقيقي الذي يعبّر عنه الالتقاء في الأفكار والتوحّد في الآمال والآلام والعيش المشترك لهموم الإسلام وقضايا المسلمين. قبل بضعة أيّام جاء ابن أختكم العزيز ومعه بعض الإخوان الأعزّاء إليّ وذكروا أنّ سماحتكم تودّون التفضّل بالاطّلاع على بعض بحوثي الفقهيّة، فأرسلتُ تلبيةً للرغبة الأخويّة المقدّسة التي بلغتني عنكم بعضَ ما كتبه الطلّاب من بحوثي في كتاب الطهارة من العروة الوثقى «1». وأنا أودّ يا مولاي العزيز بهذه المناسبة أن أشكر لكم عنايتكم الأخويّة بي التي اعتبرها بحقّ من كنوزي في الحياة ومن آمالي الكبيرة في خدمة الإسلام العظيم، وفي نفس الوقت أؤكّد لسماحتكم أنّي أرسلت تلك البحوث لمجرّد أن يطّلع أخٌ على بحوث أخيه غير راضٍ بأيّ وجه من الوجوه بأن يرتّب عليها بعض الآثار التي أشار إليها أولئك الإخوان الأعزّاء الذين بلّغوني رغبتكم الشريفة، فإنّهم ذكروا أنّ سماحتكم ترغبون في الاطّلاع على بحوثي الفقهيّة وتقييمها من الناحية العلميّة لكي تتّخذوا موقفاً معيّناً تجاه المؤمنين الراغبين في الرجوع إليّ في مسائلهم الدينيّة، وهذه هي النقطة التي أريد أن أتحدّث عنها إلى سماحتكم فعلًا لأشرح بين يديكم واقع تقديري للموقف، لأنّي لا أفكّر فعلًا بأيّ شكل من الأشكال في القيام اجتماعيّاً بمهام الإفتاء ونحوها من الشؤون التي يمارسها اليوم المراجع الكبار أطال الله في أعمارهم، لأنّنا ننظر إلى القيام بهذه الشؤون بوصفه معنىً حرفيّاً وأداة لخدمة الإسلام لا بوصفه معنى اسميّاً وفقاً لنفعٍ نفسي. وما دامت نظرتي إلى القيام بتلك الشؤون نظرة حرفيّة باعتباره سبيلًا لخدمة الإسلام فأنا أحسّ في الوقت الحاضر الذي يملأ فيه الفراغ بالمراجع الكبار أنّ الدخول إلى تلك المجالات ليس فيه مكسبٌ للإسلام، وأنّ وجودهم أدام الله ظلّهم يجعل المسؤوليّة منوطة بهم ولا مسؤوليّة إفتائيّة ومرجعيّة على غيرهم، وقد يؤدّي في مثل هذه الحالة التنافس والتسابق على تحمّل هذه المسؤوليّة إلى خلق جوٍّ من القلق والتشتّت الذي قد يحول عن نجاح أولئك المراجع الكبار في القيام بمسؤوليّاتهم وتحقيق ما هم مطالبون به أمام الله تعالى وأمام المسلمين. وعلى هذا الأساس أريد أن تكون فكرتي هذه واضحة لدى مولاي العزيز لكي نعيشها معاً كما نعيش معاً سائر همومنا وآلامنا وآمالنا وأفكارنا. وختاماً أبتهل إلى المولى سبحانه أن يمتّعنا والمسلمين عموماً ببركات وجودكم الشريف وجهادكم وينفع المؤمنين بتوجيهاتكم وعلومكم. والسلام عليكم اولًا وآخراً ورحمة الله وبركاته النجف الأشرف محمّد باقر الصدر» «2». وقد طُلب من السيّد الصدر (رحمه الله) في هذه الفترة أن يطبع رسالةً عمليّة، فأجاب: «الرسالة إنّما تطبع لجمع شمل الأمّة، أمّا إذا كانت تفرّق فلا خير فيها» «3». وقد استمرّ السيّد الصدر (رحمه الله) على هذا الموقف إلى أن اقتنع فيما بعد بأنّ تصدّيه للمرجعيّة سيؤمّن غطاءً يحمي الحالة الإسلاميّة، وتصبح علاقة الأمّة به علاقة المقلِّد بمرجعه «4». السيّد الصدر (رحمه الله) يشكّل لجنة استشاريّة ومجلساً أسبوعيّاً بعد وفاة السيّد محسن الحكيم (رحمه الله) مباشرةً «5»، أي في أوائل السبعينات قام السيّد الصدر (رحمه الله) بتشكيل مجلس أسبوعي يضمّ خيرة طلّابه، وكان يتداول معهم البحث في مختلف الأمور الاجتماعيّة __________________________________________________ (1) يبدو أنّ ذلك كان قبل طباعة هذه التقريرات (2) انظر الوثيقة رقم (123) (3) جريدة العهد/ العهد الثقافي، بتاريخ 18/ رمضان/ 1410 هـ، ص (هـ) في حديث مع الشيخ حسين كوراني (4) من تعليقة أسرة السيّد الصدر (رحمه الله) على مسودّة الكتاب الثانية (5) مقابلة مع السيّد نور الدين الإشكوري (قناة المنار). السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 370 والقضايا الأساسيّة، وكان تطرح في هذه الجلسات الكثير من مشاكل المسلمين في شتّى أرجاء العالم، وكان يبرز لمن يحضر هذه الجلسات مدى تبنّي السيّد الصدر (رحمه الله) تلبيةَ حاجات المسلمين في كلّ مكانٍ من البلاد الإسلاميّة وغيرها، وتفكيره الدائب في كلّ ما ينفع الإسلام والمسلمين، وتخطيطه الحكيم للحوزات العلميّة، ولملأ الشواغر العلمائيّة في كلّ بلد يوجد فيه تجمّعٌ إسلامي، ولإرشاد العاملين ضدّ الكفر والطّاغوت في جميع البلدان، وتنشيط الحيويّة في المسلمين جميعاً، وما إلى ذلك «1»، إضافةً إلى البحث في أمور المرجعيّة وما يتعلّق بالمرجع في داخل العراق وخارجه «2». وكان السيّد الصدر (رحمه الله) إذا تطرّق إلى أوضاع بلدٍ ما، يأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر من ينتمي إلى ذلك البلد من المشاركين في الجلسة الاستشاريّة. وعلى سبيل المثال فإنّ أحد زوّار السيّد الصدر (رحمه الله) حضر هذه الجلسة ذات مرّة، ودار حديثٌ عن لبنان، وكان (رحمه الله) يستمع إلى وجهة نظر الشيخ محمّد جعفر شمس الدين، وراح هذا الزائر يُكثر من مناقشة الشيخ في أوضاع لبنان، وعندما زاد ذلك بمّده عن حدّه قاطعه السيّد الصدر (رحمه الله) قائلًا: «حجّي، الشيخ لبناني وأنت تناقشه في أوضاع بلده!». كما كان يُجاب في هذه الجلسة عن الاستفتاءات. وكانت الجلسة تعقد بعد ظهر يوم الثلاثاء وتمتدُّ إلى العصر ويتخلّلُها غداء «3»، وقيل الأربعاء وتستمرُّ لثلاث أو أربع ساعات ويتخلّلها غداء في السرداب «4». وقد اتّفق أنّ طعام الغداء لم يتغيّر خلال أسابيع متتالية- وكان عبارة عن (مسمّى) أو (قيمة)، والترديد من الراوي-، وذات مرّة مازح الشيخ شمس الدين أحد زملائه الجالسين إلى جانبه- وهو السيّد محمود الهاشمي أو السيّد عبد الهادي الشاهرودي- قائلًا: «يبدو أنّ السيّد الصدر يتبنّى نظريّة الثبات حتّى في الطعام»، فسمعه السيّد الصدر (رحمه الله) فضحك وقال له: «لا عليك .. الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى نغيّر صنف الطعام»، وقام بذلك فعلًا «5». وكان من أعضاء اللجنة الاستشاريّة خلال عدّة فترات: السيّد نور الدين الإشكوري «6»، السيّد محمّد الصدر (رحمه الله) «7»، السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله)، السيّد كاظم الحائري، السيّد محمود الهاشمي، السيّد عبد الغني الأردبيلي (رحمه الله)، السيّد عبد الهادي الشاهرودي، السيّد محمّد الغروي، الشيخ محيي الدين المازندراني الشيخ عبّاس الأخلاقي، السيّد محمّد علي الباقري «8»، الشيخ محمّد جعفر شمس __________________________________________________ (1) مقدّمة مباحث الأصول: 89؛ وقد ذكر لي ذلك السيّد عبد الهادي الشاهرودي بتاريخ 27/ 11/ 2004 م؛ مقابلة مع السيّد نور الدين الإشكوري (قناة المنار() (2) مقابلة مع السيّد عبد العزيز الحكيم (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر) (3) حدّثني بذلك الشيخ محمّد جعفر شمس الدين بتاريخ 22/ 8/ 2004 م. (4) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)؛ كما ذكر تخلّل الغداء السيّد كاظم الحائري [مقابلة (1) مع السيّد كاظم الحائري (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)] (5) حدّثني بذلك الشيخ محمّد جعفر شمس الدين بتاريخ 22/ 8/ 2004 م. (6) مقابلة مع السيّد نور الدين الإشكوري (قناة المنار) (7) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر) (8) حدّثني بذلك السيّد محمّد الغروي بتاريخ 25/ 5/ 2004 م. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج2، ص: 371 الدين، السيّد علي رضا الحائري «1»، وحضر مؤخّراً السيّد محمّد علي الحائري (رحمه الله)، السيّد عبد العزيز الحكيم «2»، وكان يحضرها السيّد حسين هادي الصدر عندما يكون في النجف «3»، وكان يحضر أحياناً السيّد محمود الخطيب والسيّد طالب الرفاعي عندما يكون متواجداً في النجف «4»: 1- وذات مرّة طرح موضوع باكستان إثر تعرّض البلاد إلى موجة من النعرات الطائفيّة قتل على إثرها مجموعة من الشيعة، فطرح السيّد الصدر (رحمه الله) الموضوع للتداول من أجل الوصول إلى طريقة مقلى للتعاطي في أزمات من هذا القبيل «5». 2- كما كان يتعرّض إلى أوضاع الطلبة ويسأل عن الطلبة المجدّين الذين يبشّرون بمستقبلهم ويوعز إلى طلّابه بمساعدتهم بعد أن يقدّم لهم المساعدات اللازمة «6». 3- وقد سأله السيّد صدر الدين القبانجي عن كتابة بعض الأبحاث الفلسفيّة، فأجاب (رحمه الله): «إنّ الإسلام اليوم لا يحتاج إلى أفكار إنّما يحتاج إلى قائد»، وكان ذلك قبل انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران «7». __________________________________________________ (1) حدّثني بذلك الشيخ محمّد جعفر شمس الدين بتاريخ 22/ 8/ 2004 م. (2) الإمام محمّد باقر الصدر. معايشة من قريب [السيد محمد الحيدري دار الهادي - بيروت 2003] : 59 (3) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر) (4) حدّثني بذلك السيّد محمود الخطيب بتاريخ 15/ 5/ 2004 م (5) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (قناة المنار()؛ مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر) (6) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (قناة المنار) (7) المذهب السياسي في الإسلام [السيد صدر الدين القبانجي] ، ط 9: 6- 10. وليس هناك ما يشير إلى أنّ هذا السؤال كان في هذه الجلسات، خاصّةً أنّنا لم نذكر السيّد القبانجي من الحاضرين، وإن كان لا يبعد حضوره مؤخّرا . |
ونستمر بعرض كلام السيد محمود الهاشمي، حيث عرض العامل الاول لبلورة قرار السيد الشهيد الصدر في التصدي المرجعي، وهنا يذكر سماحته العامل الثاني: |
مرجعية السيد الصدر بين الشباب والجامعات وبين الحوزات العلمية |
1 مرفق
السيد الصدر والإمام الخميني، العلاقات والمشتركات |
هل كان السيد الصدر يريد الخروج من العراق حقاً؟! السؤال: يعتبر إيفادكم إلى إيران مظهراً من مظاهر عزم السيّد الصدر على ترميم علاقته بالإمام، أليس كذلك؟ السيد الشاهرودي: دعونا هنا لا ننسى الرسالة التي وجّهها السيّد الصدر إلى الإمام عندما كان في (نوفل لو شاتو)، فقد كانت رسالةً عظيمةً وهي في الواقع تحكي عن عظمة هذه الثورة(1). السؤال: هل لديكم ذكريات تتعلّق بكم حول مجيئكم إلى إيران وأحاديثكم مع السيّد الصدر بهذا الصدد وفي المرحلة التي انتُدبتم فيها لتمثيله هنا في إيران؟ السيد الشاهرودي: أذكر أنّه في مساء اليوم الذي ولّى فيه الشاه هارباً لم يلقِ درسه المعتاد، فقد كان يطفر من الفرح ويميد بعطفيه السرور، وبدأ حديثه بكلامٍ رائع وأسلوبٍ ساحر. السؤال: لقد كان يتمتّع بأدبيّات راقية، صحيح؟ السيد الشاهرودي: بالفعل، لقد كان عجيباً جدّاً؛ فقد كان بيانُه طوعَ لسانه وقلمُه أسيرَ بنانه، وقد قال في تلك اللحظة بعد البسملة: «اليوم تحقّقت آمال الأنبياء»، فقد استنشى في هذا الحدث نسيم الأمل. وبعد أن قامت التظاهرات عقيب تلك الأحداث قلت له: إنّ المنطقة ستشهد تحوّلاً ومنعطفاً مصيريّاً بسبب الأوضاع الأخيرة، ومن المؤكّد أنّ صدّام حسين لن يدعكم تتفيّؤون ظلال الراحة وتتقلّبون بين أعطاف الدعة، بعد أن شاهد بأم عينه سقوط نظام الشاه وعدم نجاحه في الحفاظ على ملكه، ولذا فلابدّ أن تخرجوا من العراق بأيّ شكلٍ من الأشكال، فكان رأيه أن أذهب أنا في الوقت الراهن. السؤال: إلى أين؟ السيد الشاهرودي: إلى بغداد، فقد أخذت من النجف إلى بغداد حيث تواريت عن الأنظار، وبسبب معرفتي بحقيقة البعثيّين ومدى وحشيّتهم وكونهم جرثومة الفساد قلت للسيّد الصدر بأنّهم سينغّصون عليه عيشه؛ لأنّهم كانوا يستهدفون القضاء على من كان خلف الأحداث الأخيرة التي جرت في العراق، الذي هو السيّد الصدر. ولهذا السبب سارعتُ بالرحيل بمجرّد أن اشتعل فتيل الأمور، كما أنّ السيّد الصدر نفسه أوعز لي بذلك، وقال لي بأنّنا سنبحث لاحقاً من خلال تواصلنا كيف يمكن أن يخرج هو من العراق. فالسيّد الصدر لم يكن في الواقع يرفض فكرة الخروج؛ لأنّ الأوضاع كانت في غاية الخطورة. السؤال: هذا يعني أنّه كان يرغب في الخروج؟ السيد الشاهرودي: نعم، كانت لديه رغبة في الخروج في أوائل الأمر، وقد طلب منّي الخروج والتواصل معه لنر إلى أين ستقودنا الأمور. بالمناسبة، لو كنتُ قد أخّرت سفري لأسبوع واحد لاحتضنتني جدران المعتقل، ولكنّي سافرت إلى الكويت، ومنها إلى إيران، وربّما كان ذلك في أوائل (فروردين) من العام 1358هـ.ش [آذار/1979م]؛ لأنّني شاركت في انتخابات الجمهوريّة الإسلاميّة، وكان الإمام في ذلك الحين في قم فزرته هناك وقد استغرب من وجودي. استعرضتُ أمام الإمام الخميني أوضاع العراق وما آلت إليه الأمور، وذكرتُ له أنّ الخطر محدق بالسيّد الصدر، وأنّ البعثيّين سيقتلونه، ولكنّه كان يرى أنّهم لا يتورّطون في إعدام مرجع، والحرب العراقيّة الإيرانيّة لم تكن قد بدأت بعد، فلم يكن واضحاً لدى الإمام مدى إجرام صدّام حسين، ولذلك قال: إنّ من البعيد أن يقدموا على هذه الخطوة. السؤال: الحلقة المهمّة هي أنّه من قال للإمام بأنّ السيّد الصدر عازمٌ على الهجرة إلى إيران؟ السيد الشاهرودي: يبدو أنّ وكالة الأنباء الإيرانيّة (فارس) كانت أوّل من أعلن الخبر وطيّرت ذكرَه في الآفاق، ثمّ تناقلته بعضُ الصحف، وقد أدّى ذلك إلى شيوع الخبر وانتشاره. السؤال: نطرح هذا السؤال لأنّه قيل: إنّ السيّد الصدر لم يكن عازماً على الهجرة في بادئ الأمر. السيد الشاهرودي: هذا صحيح؛ فإنّ مجيء السيّد الصدر لم يكن متداولاً في البداية، وقد تمّ إفشاؤه هنا، ولستُ أدري ما الذي سبّب ذلك؟! في ذلك الحين كان السيّد محمود دعائي سفيرَ إيران في بغداد، وكان على ارتباطٍ غير مباشر بالسيّد الصدر، فأتاني وطلب منّي صورةً للسيّد الصدر، فسألته عن الأمر فقال: إنّه يريد أن يُصدر له جواز سفر إيراني، وأنّ إدخاله إلى إيران أمرٌ ممكن، فأعطيته الصورة وتمّ إصدار الجواز [2] . في العراق كان النظام يحمّل السيّد الصدر مسؤوليّة كلّ ما يجري، ولم يكن السيّد الصدر في المقابل مكتوفَ اليدين، فمن دعمه الثورةَ الإسلاميّة في إيران مروراً بتطيير الرسائل الرسميّة ـ من قبيل رسالته إلى الشيخ الخاقاني[3] ـ وصولاً إلى إقامة الفاتحة للشهيد مرتضى المطهّري، إلى غير ذلك من الأعمال... لقد كان الوحيد الذي أقام للشيخ المطهّري مجلساً في النجف، كما أنّه وقف بنفسه ليتقبّل التعازي. وقد اعتبرت السلطة هذه الأعمال بمثابة التحدّي لها، وقد حاول بعض أصدقائه ومريديه أن يزيلوه عن خوض المعركة ويثنوه عنها، وكنتُ منهم، وكان هذا رأي الخواص. ولستُ أدري كيف شاع أمر خروجه عبر وكالة الأنباء والصحف، وقد اطّلع الإمام على ذلك وكتب في ذلك [رسالته المعروفة]، معتقداً أنّ البعثيّين لن يقدموا على قتله. بعد انتشار الخبر وشيوعه ازداد حنق البعثيّين على السيّد الصدر، وكان مأمولاً أن يُساهم هذا الحنق في الحفاظ على حياته، ولكنَّ الأمور اتخذت مساراً مغايراً تماماً. وبعد نشوب الحرب العراقيّة الإيرانيّة اتّضح بشكل كامل أنّ صدام حسين لن يتلكّأ في إبادة شعبه من أجل الحفاظ على كرسيّه ومنصبه، ولم يكن ليراعي ما يقف وراء هذه الآمال والتعويلات ويأخذه بعين الاعتبار. الهوامش ----------- 1 ـ راجع الرسالة في: محمّد باقر الصدر، مرجع سابق 4: 10 وما بعد. وسنتطرق لها لاحقا مع بعض الفقرات الاخرى بالتوضيح. [2 ـ أوعز السيّد الخميني (رحمه الله) إلى وزير الداخليّة آنذاك الدكتور صادق الطباطبائي- ابن أخت أم جعفر الصدر- بإصدار جواز سفر باسم السيّد الصدر (رحمة الله) يمكنّه من الدخول إلى إيران، وقد تمّ التحفّظ الشديد على هذه العمليّة التي لم يكن على علمٍ بها سوى: السيّد الخميني (رحمه الله)، السيّد أحمد الخميني (رحمه الله)، السيّد محمود دعائي والدكتور صادق الطباطبائي، وحتّى ربّان الطائرة المروحيّة التي كان من المفترض الاستعانة بها لم يكن على علمٍ بأنّ من عليه أن يقلّه هو السيّد الصدر (رحمه الله). وبعد العدول عن فكرة إصدار جواز سفر إيراني لاحتمال أنّ ذلك كان سيثير الشكوك لدى السلطات العراقيّة وبعد إجراء العديد من الاتّصالات، تمكّن السيّد محمود دعائي- سفير إيران لدى العراق- من إصدار جواز سفر (سوري أو جزائري) يحمل صورة السيّد الصدر (رحمه الله) في لباس كردي- بعد أن ركّبت الصورة تركيباً- وأُرسل الجواز إلى إيران، حيث قام الدكتور الطباطبائي بإصدار إِذن الدخول، وتقرّر استقبال السيّد الصدر (رحمه الله) على الحدود الإيرانيّة مع الأكراد في الوقت الذي تكون فيه عائلته قد سافرت عبر الأردن. ولمّا وصل السيّد محمود دعائي إلى بغداد حاملًا جواز السفر، علم أنّ السلطة قد ضربت الحجز على السيّد الصدر (رحمه الله) منذ يومين (أوائل تمّوز/ 1979 م). ويبدو أنّ السيّد دعائي قد حاول الاستفادة من هذا الجواز عندما رفعت السلطة الحجز مؤقّتاً عن السيّد الصدر (رحمه الله)، إلّا أنّه (رحمه الله) لم يتفاعل مع فكرة الخروج. راجع الشهيد محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج 4 ص184] [3 ـ ليس المقصود به عيسى عبدالحميد الخاقاني عميل السلطة والذي قدم للتفاوض مع الشهيد الصدر وكن مبعوثا من النظام البعثي. وقد أشار لهذه الرسالة المجرم مدير الشعبة الخامسة زهير (أبو أسماء)- واسمه الحقيقي سعدون التكريتي - في التحقيق الذي اجراه مع الشهيد الصدر بعد اعتقاله هو والسيد محمود الخطيب والشيخ طالب السنجري. وقد وجّه كلامه للشهيد الصدر أثناء التحقيق قائلا: (ترسل رسالة إلى الخميني؟! وترسل برقيّة إلى الشيخ الخاقاني تقول له هذه دولة علي بن أبي طالب، فهل نحن دولة كفرة؟ وتقول له ادعم الخميني؟ فأجاب الشهيد الصدر : نعم، أرسلت له رسالة، وهذه الأمور نحن العلماء نتفاهم عليها فيما بيننا. وقد يكون المقصود بالخاقاني إمّا المرجع الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني، وإمّا الشيخ سلمان الخاقاني. ويبدو من خلال المضمون الذي تلاه (زهير) أنّ السيّد الصدر كان قد أرسل إلى الشيخ الخاقاني برقيّة مستقلّة عن البرقيّة التي أرسلها إلى الشعب العربي المسلم في إيران، ونصّها غير متوفّر لدينا] يشار الى أنه ازدادت الحملات العراقيّة على الحدود الإيرانيّة، وانتشر الخبر حول تشكيل دولة مستقلّة (عربستان)، وتمّ توزيع أسلحة روسيّة على سكّان الحدود وتحريك النعرات الطائفيّة وإثارة فتنة عربيّة- عجميّة وأخرى سنيّة- شيعيّة. وقد خرجت على إثر ذلك مظاهرات في طهران مندّدة بالهجوم على الحدود، وأحرقت صور البكر وصدّام [گام به گام با انقلاب (فارسي) 2: 158 - 159)] وقد أدرك السيّد الصدر (رحمة الله) خطورة هذه الدسائس والتحرّكات، فما كان منه إلّا أن وجّه في 16/ رجب/ 1399 هـ (11/ 6/ 1979 م) رسالةً إلى الشعب العربي المسلم في إيران دعاه فيها إلى الانضواء تحت راية الإسلام التي رفعها السيّد الخميني (رحمه الله)، وهذا نصُّ الرسالة: شعبنا العربيّ المسلم العزيز في إيران، المجاهد: السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته. وبعد، فإنّي أخاطبكم باسم الإسلام، وأدعوكم- وسائر شعوب إيران العظيمة- لتجسيد روح الأخوّة الإسلاميّة، التي ضربت في التّاريخ مثلًا أعلى في التّعاضد والتّلاحم في مجتمع المتّقين، الذي لا فضل فيه لمسلم على مسلم إلّا بالتّقوى، مجتمع عمّار بن ياسر وسلمان الفارسيّ وصهيب الرومي وبلال الحبشيّ، مجتمع القلوب العامرة بالفكر والإيمان، المتجاوزة كلّ حدود الأرض، المفتوحة باسم السماء ورسالة السماء، فلتتوحّد القلوب ولتنصهر كلّ الطّاقات في إطار القيادة الحكيمة للإمام الخميني وفي طريق بناء المجتمع الإسلامي العظيم الذي يحمل مشعل القرآن الكريم الى العالم كلّه. والسّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته. محمّد باقر الصدر النجف الأشرف 16- رجب الجدير بالذكرأنّ السيّد الخميني (رحمه الله) كان قد أرسل بتاريخ 2/ 1/ 1358 هـ. ش (23/ ربيع الثاني/ 1399 هـ) رسالةً إلى الشيخ محمّد طاهر الخاقاني (رحمه الله) يؤكّد له فيها على عدم التفرقة بين مختلف القوميّات وشكره على المساعي التي يبذلها في هذا المجال في منطقة الأهواز (صحيفه امام (فارسي) 6: 403) انظر: صحيفة (لواء الصدر)، 15/ جمادى الأولى/ 1405 هـ؛ وانظر الرسالة في: مقدّمة مباحث الأصول: 147؛ شهيد الأمّة وشاهدها 135: 2- 136؛ . وفي: گام به گام با انقلاب (فارسي) 2: 159 أنّ الرسالة في 12/ رجب والصحيح ما أثبتناه؛ وانظر الإشارة إلى الموضوع في: نقش گروه هاى معارض در روابط ايران وعراق (فارسي): 74. يشار إلى أنّ هذه الرسالة بخطّ السيّد محمود الهاشمي على ما جاء في (شهيد الأمّة وشاهدها للنعماني)، وتؤكّده شباهة الخط أيضاً: (1) هذا وقد اتّضح سابقاً أنّ السيّد الصدر قد أعلم السلطة بخروج السيّد الهاشمي من العراق بعد أن اطمأنّ إلى خروجه وابتعاده عن الخطر. (2) طلّاب السيّد الصدر اتّصلوا أوائل رجب بالسيّد الهاشمي للاستفسار عن برقيّة السيّد الخميني. (3) سُئل السيّد الصدر أثناء التحقيق معه في اليوم التالي 17/ رجب عن السيّد الهاشمي وإرساله إلى إيران. (4) ذكر الشيخ محيي الدين المازندراني أنّ السيّد الهاشمي كان في 17/ رجب في فرنسا أو لندن. وهذا يجعلنا نجزم بأنّ السيّد محمود الهاشمي هو الذي كتب هذه الرسالة من خارج العراق وأرسلها إلى إيران باسم السيّد الصدر، أو أن يكون قد كتبها من إيران إن كان فيها. وقد يكون ذلك بإملاء السيّد الصدر، ولو لم يكن كذلك، فقد ورد في إجازة الاجتهاد التي منحه إيّاها السيّد الصدر أنّ «كلّ ما يصدر منه فهو صادرٌ منّي» ينبغي الاشارة الى انه في 27/ ربيع الثاني/ 1399 (26/ 3/ 1979) حاز السيّد الهاشمي على إجازة الاجتهاد من السيّد الصدر (رحمه الله) ، وهي إجازة الاجتهاد الكتبيّة الوحيدة المعطاة من قبل السيّد الصدر (رحمه الله) إلى أحد طلّابه، وقد جاء فيها ما يلي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمّد وآله الطاهرين. وبعد، فإنّ ولدنا المبجّل العلّامة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد محمود الهاشمي دامت بركاته قد صرف شطراً من عمره في تحصيل الفقه والأصول وعلوم الشريعة، وحباه الله سبحانه وتعالى بالتأييد والتسديد حتّى بلغ مرتبة الاجتهاد والحمد لله ربّ العالمين. فهو اليوم من المجتهدين الذين تناط بهم آمال الإسلام والمسلمين، وقد وكّلته في كلّ ما يعود إليّ من الأمور الحسبيّة، وكلّ ما يصدر منه فهو صادرٌ منّي، ولعموم المؤمنين والمقلّدين أن يوصلوا إليه ما يعود إلينا من الحقوق الشرعيّة، وكذلك وكلائنا من العلماء الأعلام فإنّهم مأذونون دامت بركاتهم في الدفع إليه، ونسأل المولى سبحانه أن يحفظه ذخراً للشريعة والإسلام والسلام عليه ورحمة الله وبركاته 27 ربيع الثاني 1399 محمّد باقر الصدر [الختم] راجع في ما ذكر أعلاه الشهيد الصدر السيرة والمسيرة ج 4 ص146. |
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 10:27 PM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025