![]() |
القـدرية
القـدرية
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "القدرية مجوس هذه الأمة"1. من هم القدرية ؟ قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: "اعلم أنّ القدرية عندنا إنّما هم المجبرة والمشبّهة، وعندهم المعتزلة ، فنحن نرميهم بهذا اللقب وهم يرموننا به"2. أدلة نسبة القدرية إلى القائلين بالقدر (الجبرية) : 1 ـ إنّ اسم القدرية هو اسم إثبات ، ولا يستحقه إلاّ المثبت للقدر ، والمجبرة هم الذين يثبتون القدر، ويقولون كلّ شيء بقدر اللّه 3. 2 ـ إنّ الجبرية هم الذين يولعون بالإكثار من قولهم : لا يكون شيء إلاّ بقضاء اللّه تعالى وقدره ، وهم أشدّ الناس حرصاً على استخدام مصطلح القدر، فلهذا يجب أن يكونوا هم القدرية 4. 3 ـ إنّ المتبادر من القدرية هم القائلون بالقدر، كما أنّ المتبادر من العدلية أ نّهم مثبتو العدل لا منكريه ، لأنّ تفسير القدرية بمنكري القدر بعيد جدّاً وهو غير مأنوس في اللغة العربية . 4 ـ ذكر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ القدرية خصماء الرحمن ، والمجبرة هم الذين يخاصمون اللّه تعالى إذا عاقبهم على المعاصي، فيقولون: إنّك أنت الذي خلقت فينا المعصية وأردتها منّا ، فمالك تعذّبنا وتعاقبنا على ذلك 5. أدلة نسبة القدرية إلى النافين للقدر (المفوّضة) : 1 ـ إنّ القدري هو الذي يثبت القدر لنفسه دون ربّه عزّ وجلّ ، ويقول بأ نّه هو الخالق والمقدّر لأفعاله دون اللّه تعالى . 2 ـ إنّ المفوّضة هم القدرية لأ نّهم أفرطوا وبالغوا في نفيه 6. 3 ـ إنّ من يضيف القدر إلى نفسه ، ويدّعي كونه الفاعل والمقدّر أولى باسم القدري ممن يضيفه إلى ربّه 7. 4 ـ ذكر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ القدرية خصماء الرحمن ، والمفوّضة يسلبون حقّ اللّه تعالى في خلقه لأفعال العباد، وينسبون هذا الخلق إلى أنفسهم ، ومن يكون كذلك فهم المخاصمون للّه تعالى . وجه تشبيه المجبرة بالمجوس : 1 ـ قال المجوس بأنّ اللّه تعالى يخلق ثمّ يتبرّأ ممّا خلق ، وقال المجبرة بأنّ اللّه تعالى يخلق القبائح ثمّ يتبرّأ منها 8. 2 ـ قال المجوس بأنّ القادر على فعل الخير لا يقدر على فعل الشر وبالعكس ، فوافقهم المجبرة وقالوا بأنّ الإنسان الذي يخلق اللّه فيه الإيمان لا يقدر على الكفر وبالعكس 9. 3 ـ قال المجوس بأنّ مزاج العالم شيء واحد، وهو حَسَن من النور ، وقبيح من الظلمة ، وشاركهم المجبرة وقالوا: إنّ الكفر شيء واحد، وهو يَحسُن من اللّه تعالى من حيث خلقه تعالى له ويقبح من العبد من حيث كسبه له 10. 4 ـ جوّز المجوس تكليف ما لا يطاق ، وقال المجبّرة أيضاً بأنّ اللّه تعالى كلّف الكافر بالإيمان مع أ نّه لا يمكنه فعله ، ونهاه عن الكفر مع أنّه لا يتصوّر الانفكاك عنه 9. 5 ـ إنّ الأمر الظاهر في المجوس عملهم الفواحش ثمّ إسنادها إلى اللّه تعالى ، وهو ما يذهب إليه المجبرة . وجه تشبيه المفوّضة بالمجوس : 1 ـ قال المفوّضة بأنّ الإنسان هو المستقل في خلق أفعاله ، فأثبتوا خالقين ، والمجوس أيضاً ذهبوا إلى وجود خالقين ، أحدهما خالق الخير والآخر خالق الشر . 2 ـ قال المفوّضة كالمجوس بأنّ اللّه تعالى خير محض وهو غير قادر على خلق الشرّ والفساد 11. 3 ـ إنّ المفوّضة كالمجوس لم يجعلوا للّه إرادة ولا سلطاناً في بعض الأُمور 12. القدرية في الأحاديث الشريفة : وردت "القدرية" في أحاديث رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) تارة في القائلين بالقدر وهم "المجبّرة"، وأُخرى في النافين للقدر وهم "المفوّضة" . ويبدو أنّ المراد من القدرية عند الرسول وأهل بيته(عليهم السلام) هم الذين يقولون في القدر بخلاف الحقّ ، وهو يشمل "المجبّرة" و"المفوّضة" . الأحاديث الدالة على أنّ القدرية هم المجبّرة : 1 ـ قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "لُعنت القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياً" ، قيل: ومن هم القدرية يا رسول اللّه؟ فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): "قوم يزعمون أنّ اللّه سبحانه وتعالى قدّر عليهم المعاصي وعذّبهم عليها"13. 2 ـ ورد أنّ رجلا قدم على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "أخبرني بأعجب شيء رأيت" . قال: رأيت قوماً ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم ، فإذا قيل لهم: لم تفعلون ذلك ؟ قالوا: قضاء اللّه تعالى علينا وقدره . فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): "سيكون من أُمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم ، أولئك مجوس أمّتي"14. 3 ـ قال الإمام علي(عليه السلام) عند انصرافه من صفين: " ... فو اللّه ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من اللّه وقدر" ، فقاله له شيخ شامي: عند اللّه أحتسب عنائي . فقال(عليه السلام): "مهلا يا شيخ ، لعلّك تظن قضاءً حتماً وقدراً لازماً ... تلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأمة ومجوسها"15. الأحاديث الدالة على أنّ القدرية هم المفوّضة : 1 ـ قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ لكلّ أمة مجوس ، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر ، ويزعمون أنّ المشية والقدرة إليهم ولهم"16. 2 ـ قال الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام): "... القدرية الذين يقولون: لا قدر ، ويزعمون أ نّهم قادرون على الهدى والضلالة"17. 3 ـ قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "إنّ القدرية مجوس هذه الأمة، وهم الذين أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله، فأخرجوه من سلطانه ..."18. 4 ـ قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) لقدري: "اقرأ سورة الحمد ..." فجعل القدري يقرأ سورة الحمد حتّى بلغ قول اللّه تبارك وتعالى:﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ 19. فقال له الإمام الصادق: "قف، من تستعين ؟ وما حاجتك إلى المعونة إن [ كان ] الأمر إليك؟" ، فبهت الذي كفر ، واللّه لا يهدي القوم الظالمين 20. 5 ـ عن علي بن موسى الرضا(عليه السلام) حول قوله تعالى:﴿ ... إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ... ﴾ 21 . قال(عليه السلام): "إنّ القدرية يحتجون بأوّلها وليس كما يقولون، ألا ترى أنّ اللّه تبارك وتعالى يقول:﴿ ... وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ... ﴾ 21 ..."22 23. 1. عوالي اللئالي،ابن أبي جمهور الاحسائي، ج1، الفصل الثامن ، ح175، ص166 . بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، باب 1، ذيل ح4، والنص المروي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "القدرية مجوس أمتي" . المعجم الأوسط ، الطبراني: 3/65 . كنز العمال ، المتقي الهندي: الفصل الأوّل ، ح553، ص118 . 2. شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار: الأصل الرابع ، ص772 . 3. انظر: المصدر السابق: ص775 ـ 776 . 4. شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار: الأصل الرابع ، ص775 ـ 776 . 5. انظر: المصدر السابق: ص774 . 6. شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج4، المقصد 5 ، الفصل 5 ، المبحث 1 ، ص267 ـ 268 . 7. المصدر السابق . 8. انظر: كشف المراد ، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث ، الفصل الثالث ، المسألة الثامنة، ص435 . 9. a. b. انظر: المصدر السابق . 10. انظر: شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار: الأصل الرابع ، فصل: في القضاء والقدر ، ص773 . 11. كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي: مسألة في ذم القدرية، ص314 . 12. المصدر السابق: ص315 . 13. بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل ، ب1، ح73، ص47 . 14. بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل ، ب1، ح74، ص47 . 15. التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب60: باب القضاء والقدر و ... ، ح28، ص369 ـ 370 . 16. بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل ، ب7، ح14، ص197 . 17. المصدر السابق: ب1، ح13، ص9 . 18. المصدر السابق: ج5 ، ب3 ، هامش ص98 . 19. القران الكريم: سورة الفاتحة (1)، الآية: 5، الصفحة: 1. 20. بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج92، كتاب القرآن، باب29، ح44، ص239 ـ 240 . 21. a. b. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 11، الصفحة: 250. 22. المصدر السابق: ج5، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل ، ب1، ح4، ص5 . 23. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون. |
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 05:24 PM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025