![]() |
الصحابه من وجهة نظر الفريقين
لعل من أشق المسائل العلمية التي اعترضت الباحثين في العقيدة والشريعة والحقيقة موضوع ( عدالة الصحابة ) من انطباقها كحكم عام على جميع أفراد الصحابة أو قصرها على بعضهم دون البعض وقديما تعرض لها المعتزلة فيما تعرضوا له من مسائل العقيدة ، ولم يكتفوا فيما تعرضوا له بعامة الصحابة بل تعرضوا للخلفاء أنفسهم ، وكان لهم في ذلك خصوم ومؤيدون . |
وأما تصريحه بذكر اسم واحد من الخارجين عليه من أصحابه فكان أشد ندرة من الكبريت الأحمر . ومن هذا ما ذكر في شأن مروان بن الحكم . فقد روى الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من ( المستدرك ) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به للنبي فيدعو له ، فأدخل عليه مروان الحكم فقال : ( هو الوزع بن الوزع الملعون بن الملعون ) ( 1 ) وكلام الأنبياء حق ، فما بالك بكلام سيدهم أقول : وهذا الحديث يؤيده الواقع . ولكن تصريح الرسول بذكر أسماء المنافقون من أصحابه أمر شديد الندرة وهو شئ يتفق مع أخلاق النبوة . ومن هنا لاحظت أن أكثر الأحاديث الواردة في المنافقين والمارقين من معاصريه صلوات الله وسلامه عليه كانت تذكر بطريق الكناية دون التصريح ، كقوله في قاتل ( علي ) رضي الله عنه : يا علي ، أتدري من أشقى الناس ( فقال : الله ورسوله أعلم ، فقال : أشقى الناس : عاقر ناقة صالح وضارب هامتك ) . ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن عباس قال : إن النبي قال : ألا إنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم وفي رواية أخرى ( فأقول : سحقا سحقا ) . ومن روايات علماء الشيعة في ذلك قول العلامة الحلي في شرح التجريد : والمحارب لعلي كافر لقول النبي ( حربك يا علي حربي ) قال : ولا شك في كفر من حارب النبي ( 1 ) وتخلص من ذلك أن أكثر ما جاء من ذكر المنافقين والمارقين في أحاديث الرسول كان بطريق الكناية لا التصريح بأسمائهم وإن أكثر هذه الأحاديث الواردة فيهم تقع تحت باب ( أحاديث المغيبات ) . وفصل الخطاب في موضوع عدالة الصحابة يستوجب منا - لتكون أحكامنا قريبة من الحقيقة أن نوفق في هذا البحث بين منهج الأخلاق ومنهج العلم ، فلا نحن نسئ الظن بالسواد الأعظم من الصحابة فنجا في المنهج الأول الذي ارتآه السنة ولا نحن نغمض أعيننا عما وردت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية بإدانتهم - ولو بطريق التلميح والكتابة والتعريض - فنجا في لو فعلنا ذلك المنهج الثاني الذي آثره إخواننا الشيعة بل نحن نجمع بين هذا وذاك ، ونضع كل واحد منهم تحت أضواء من المنهج الذي يلائم طبيعته وبذلك نصل إلى أحكام إن لم تكن يقينية فهي أقرب إلى اليقين . وقد يكون الخلاف بين شقي هذه الأمة خلاف شكلي للغاية وذلك إذا استطعنا أن نخرج المنافقين والمارقين الذين وردت فيهم النصوص من مفهوم كلمة ( الصحابة ) . لكن العقبة التي تقف أمامنا هو كيفية إخراجهم لأنه ليس لدينا نصوص صريحة بأسمائهم اللهم إلا النادر كعبد الله بن سلول وثعلبة . على أن هذا النادر نفسه مختلف في بعضه ، وإذا كانت السنة والشيعة تتفقان على أن المنافقين والمارقين ليسوا من الصحابة في شئ ، فإن شقة الخلاف تكون قد آذنت بالزوال تماما ولم يبق أمامنا إلا الصحابة من أهل الغفلة . فإن أهل السنة يوجبون عدالتهم ، لأن العبرة عندهم بأفعال القلوب وأما الشيعة فينقضون عدالتهم ويعتبرون ( أبا هريرة ) من هذا الطراز هذه مسألة تحتاج إلى بحث مسهب أبرأ إلى الله من الحكم فيها في هذه المقدمة الوجيزة . - 5 - إلا أن الوفاء بالبحث والأمانة العلمية التي يفرضها على ( المنهج العلمي الحديث ) كل ذلك يحملني على إيثار منهج العلم على منهج الأخلاق فيما استعرضه من نقد الصحابه. 1 - وأول هذه الأسباب والمبررات ما شحنت به كتب السنن من الأحاديث الغريبة التي لا يقرها العقل والذوق العاديين ، والتي يرى البعض أنه لا مسحة عليها من نور النبوة . وهي في نظرهم متخاذلة لا تكاد تنهض إلى مرتبة الأسلوب النبوي الشريف وهذه الأحاديث الغريبة وإن كانت قليلة أو نادرة في بعض الأسانيد وكتب الصحاح المعتمدة إلا أنها تسئ إلى جلال الحديث النبوي ولم تشرفنا أمام أعدائنا المستشرقين الذين يتربصون بالإسلام الدوائر ويتمنون له الأخطاء والعقابيل لكي يكيدوا لنا وينالوا من ديننا القويم . ومن هذه الأحاديث حديث سحر بنات لبيد لحضرة النبي فإن المحدثين بعتمدون هذا الحديث ويعتبرون أن النبي أصابه السحر ثم يقولون إن السحر لم يصب عقله الشريف بل أثر في مزاجه وجسده أقول : وهذا تلفيق من الشراح واضح العور وأنا لست أشك في صحة الخبر ولا في صحة نزول خادمة وأمين وحيه جبرئيل بسورة المعوذتين ولا في إخراج السحر من البئر المذكورة ( بئر معونة ) في شروح الحديث ولكن الذي لا نصدقه أن السحر أثر في عقله أو في مزاجه أو حسده الشريف لأن النبوة عند الله أكرم مما يتصوره هؤلاء الشراح بكثير جدا غاية ما في الأمر أن هذا الحديث ينزل منزلة التشريع من حيث الاعتقاد بالسحر كما نعتقد بنص القرآن في قصة هاروت وماروت وأن السحر يؤثر في سائر البشر حاشا الأنبياء والمرسلين لأنه لا يليق بمقام الوحي أبدا وعلى هذا فإني وإن صححت الحديث من حيث إجراء السحر من بنات لبيد المذكورين في الراوية إلا أني أنكر صحة تأثيره في حضرة النبي . بل أعتبر القائل بتأثيره على عقله الشريف كافيا والقائل بتأثيره على مزاجه أو صحته الجسمية فاسقا أو جاهلا صاحب غفلة فالاعتقاد بوجود السحر وعلومه شئ ، والاعتقاد بتأثيره على عقول الأنبياء شئ آخر ومن هذه الأحاديث الغربية الحديث المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم : ( إن جهنم لا تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول : قط قط ) ولا يحتاج هذا الحديث إلى تعليق إلى الإشارة إلى كونه ينافي مقام التنزيه للبار سبحانه . ومن هذا حديث الاغتسال من الجنابة المروي عن عائشة رضي الله عنها : أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجال يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل ؟ وعائشة جالسة فقال صلى الله عليه وسلم : ( إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل ) وهذا الحديث أيضا لا يحتاج إلى تعليق في منافاته لآداب النبوة وحاشا لرسول الله أن يقول بمثله . 2 - وثاني هذه المبررات التي حملت المؤلف على اقتفاء منهج العلم في نقد الصحابة إغفال الكثير من المحدثين للأحاديث عن أئمة آل البيت كعلي وابنيه أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين والإمام الفقيه أبي عبد الله جعفر الصادق عليهم السلام على حين لاحظ كما لاحظ المتقدمون من علماء الشيعة هذا الركام الزاخر من الأحاديث المروية عن أبي هريرة وعائشة وابن عمر رضي الله عنهم . فقد روى أصحاب الأسانيد والسنن عن أبي هريرة خمسة آلاف حديث . ورووا عن ابن عمر ألفين وستمائة وثلاثين حديثا . ورووا عن عائشة ألفين ومائتين وعشرة أحاديث . وثالث هذه المبررات في النقد أن الغرض هو لتثبت منالأحاديث وليس هو التجريح لرواتها . وأن ما يهدف إليه هو تنزيه كلام حضرة الرسول من كل شطط ونقص يمس كرامة الإسلام حتى نكون في مأمن من نقد علماء الاستشراق الذين يتربصون بالإسلام الدوائر ويريدون به الشر للذي يغلي في قلوبهم من حقد وكراهية . |
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 03:41 AM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025