[بنت الغالين]

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطاهرين

صلى الله عليك يا أبا عبد الله
صلى الله عليك يا أبا عبد الله
صلى الله عليك يا أبا عبد الله
وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وافتدتك بنفسها
حتى عرجت إلى ربها راضية مرضية هانئة مسبشرة بما قدمه الله لها من نعيم أبدي ورضوان رباني وخلود دنيوي

أيها المؤمنون
اليوم واحد من الأيام التي فجعت قلب النبي وفطرت قلب علي وفتتت أحشاء الزهراء وآلمت الإمام الحسن وآذت سيد الشهدا أبي عبد الله الحسين اليوم يوم مصيبة على شيعة الحسين ويوم فاجعة على كل إنسان يحمل ذرة حب في قلبه لآل الرسول صلى الله عليه وآله
أحبائي الأفاضل
اليوم حديثي سيكون مختلفا عما عهدتموني عليه في مواضيعي السالفة فهو يحمل طابع الخطابة وإن كنت متطفلا على الخطباء فأستسمحهم عذرا فالخطب جليل والمصيبى عظمى والمفقودة طفلة بريئة لم تعرف للذل والهوان طريق قبل واقعة كربلاء طفلة مدللة محبوبة عند والدها طفلة كانت تحمل مصلى أبيها لتفرشه له في أوقات صلاته طفلة عاشت سنوات عمرها القليلة في كنف والدها تتعلم منه معالم الدين وأخلاق النبيين وصفات الأولياء الصالحين طفلة هي مدرسة للأجيال وسلوة للأيتام على مر العصور
قبل حوالي شهرين فجعت عائلة بفقد والدها وكان ضمن تلك العائلة طفل في عمر هذه الطفلة لا يعلم ماذا حل بأبيه فلما إفتقده أخذ يلح على أمه إلحاحا شديدا صارخا أماه أين أبي أماه لماذا غاب عنا أبي أماه أريد أن أرى أبي وكان إلحاحه هذا يقطع حشاشة والدته فهي مفجوعة بفقده وهذا الطفل يؤذيها بتذكيرها إياه فكانت تخبره بأنه في سفر ودموعها جارية إلى أن جاء عيد الأضحى كانت العائلة في حدادها فلم تلبس ملابس الزينة حدادا عليه وحينما حل مساء يوم العيد جاء الطفل إلى أمه وهو باكي العين
سألته ما بك بني أراك باكيا
قال لها أماه أبي في العيد الفائت جلب لي الهدايا والألعاب وصرف لي عيدية لماذا لم أره في هذا العيد أهو زعلان مني لماذا لم يجلب لي الهداية كما كان في ذلك العيد أهو غضبان علي لماذا لا يأتي لأعايده
أماه أرجوك أن تتصلي به ليأتي فأنا مللت وأريد أن أراه
وإذا بالأم تصرخ باكية منادية ولدي لقد قطعت نياط قلبي ألا تعلم بأن أباك في سفر طويل ولا يمكن أن يعود ثانية
أقول لهذا الطفل على رسلك بني
أعلم بأن فقدك لأبيك ليس بالأمر الهين لكن بني هناك طفلة فقدت أباها كما أنت إلا أنها في مصيبة أعظم مما أنت فيه
تقل لي كيف ؟
أجيبك
بني الحبيب أنت حين فقدت أبيك كنت في أحضان أمك ومحاطا بأعمامك وأخوالك والكل يخدمك بأحداق أعينهم واحد يعطف عليك وثان يواسيك وآخر يهديك ما تريد من العاب ويصرف لك عيدية العيد ومنهم من يبتسم في وجهك
لكن تلك الطفلة حينما فقدت أباها وحان وقت الصلاة وأتت بسجادته وفرشته منتظرة إياه ولما إستبطأته بكت أتدري ماذا حل بها
لقد هوت السياط على متونها وظهرها حتى صارت الدمعة محبوسة في عينيها لم تتمكن من إخراجها حتى لا يعودوا إلى ضربها
أتعلم أن هذه الطفلة قد رأت أباها في الرؤيا وحينما إنتبهت بدأت تبكي تريد أن ترى أباها الذي فارقها بين وحوش ضارية ومصاصة دماء ولما إرتفع بكاؤها
ماذا كان جواب القوم لها أتراهم صبروها وواسوها وأسكتوها عن بكائها بهدية تفرحها أو لعبة تلهيها
نعم لقد أسكتوها لكن كيف وبماذا
إسمع بني لعلك تهدأ وتسلى
حينما بكت الطفلة ووصل خبرها إلى ذلك المتوحش أمر جلاوزته أن يبعثوا إليها برأس أبيها
أتتحمل بني إكمال الرواية أم أنك تهوى كما هوت
نعم بني لقد أتوا إليها بذلك الرأس المضيء وكانفي طبق مغطى بمنديل فلما رأته الطفلة صاحت أنا لا أريد طعاما وإنما أريد أبي الذي غاب عني طويلا فقالوا لها إن ما تريدين ستجدينه في هذا الطبق فوضعوه بين ركبتيها
رفعت الطفلة المنديل وإذا بها ترى ذلك النور قد شع من ذلك الرأس الجريح
فأخذته ومسحت عنه الدماء وضمته إلى صدرها وهي تصرخ
أبتاه من الذي قطع الرأس الشريف
أبتاه من الذي حز الوريد أبتاه من الذي خضب الشيب العفيف
أبتاه من الذي أيتمني على صغر سني
لحظات وإذا بها سكتت بلا حراك فلما نظر أخيها السجاد إليها نادى على عمته زينب عمة إرفعي الطفلة عن رأس أبي فلقد فارقت الحياة
فارتفع العويل والبكاء وتجدد العزاء في خربة الشام على تلك الطفلة التي ماتت وهي متحسرة على رأس ابيها
أتدري بني من تكون تلك الطفلة
إنها رقية إبنة الإمام الحسين عليه السلام
أسمعت بقصتها
أتراك واجهت ما واجهت من بلاء
بني أتمنى أن تزورها في تلك الخربة التي صارت معلما يزار ومزارا يقصد
علك تسلى وتطمئن وترى أن ما جرى لك هو قليل بل لا شيء في مقابل ما واجهته من بلاء

ختاما : أعزيكم أيها الأحبة بهذا المصاب الجلل
وأدعو لكم بالأجر العظيم

وقبل الوداع إليكم هذه البوذية
للشاعر : عدنان الحمامي

إبكي لا تبخل على حسين الدمع ــ ابلحدك شموع الدموع إتنيره
دري بيه ذبحو حتى اليرتضع ــ وبد ما تنفع الدمه الغيره

منقوووول