|
عضو نشط
|
رقم العضوية : 19658
|
الإنتساب : Jun 2008
|
المشاركات : 179
|
بمعدل : 0.03 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
*سماء العشق*
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 31-08-2010 الساعة : 09:46 AM
المـرقـد المـقـدس للشـهيدة رقية عليها السلام:
في مدينة دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية قال الإمام الشيرازي الراحل ( ر ) في كتاب: كيف ولماذا اخرجنا من العراق في فصل: قصص مزارات العراق وسوريا:
هناك في أرض سوريا، وهي من الأراضي التي قال القرآن الحكيم فيها: ((باركنا حوله)) عدة مزارات لأهل البيت (عليهم السلام) منها: في دمشق كمزار السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليه السلام).
وقال في ذلك الشيخ علي الرباني الخلخالي في كتابه: نجمة الشام الساطعة:
بين تلك الأزقة المتعرجة، والبيوت المتكأة على بعضها بحنو أزلي والتي تحكي للناظر قصة تاريخ طويل، حيث تحوّل أديم الأرض إلى طبقات من العصور والأزمان والجماجم، نقلت قدميّ بخطى بطيئة، أتأمل تلك التعرجات والخدوش والزخارف الحجرية، فسافرت بين الذاكرة إلى الزمن البعيد، وأشرعت في قاربها الذي يلغي العصور والمسافات، وأخذت تطوف سجلات الزمن وتقلب أوراق التاريخ.
أما الآجر الذي بنيت به تلك البيوت، فما زال يحتفظ في تعرّجاته آثار الماضي العتيق وتنبعث منه رائحة السنين المحروقة، وحكايات طويلة عاشها أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) مع جبابرة العصر الأموي وبطشهم وتسلطهم وسفكهم للدماء ولويهم للحقائق.
في ذلك المكان العتيق، وفي تلك الزاوية من الزمن المنسي، يرقد بسلام جثمان طاهر لروح مطمئنة، تشكل أحد الرموز الدافقة التي أعتلتها واقعة الطف قبل ما يزيد على ألف وأربعمائة عام، ورغم كل ذلك الكم الهائل من السنين الطويلة تلتهب تلك الرموز كلما أقتربنا من العشرة الأولى لشهر محرم الحرام، حكمةٌ كان الله سبحانه أرادها أن تكون نبراساً خالداً لبني البشر، ذلك هو مرقد السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليه السلام) إحدى الوقائع المؤلمة التي أمتازت بها واقعة الطف الخالدة. ذلك المرقد المقدس الذي تعجّ ربوعه بالزائرين من كلّ فج عميق على طول فصول السنة، قضية محركة لأجيال الحاضر تشدها برموز الماضي، وتبحث في سببية تضحياتهم الكبيرة، في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض.
مرقد عتيق لجثمان طاهر، يمثل رمزاً من رموز الحق في صراعه الأبدي ضد الباطل.
كل ذلك يؤكده الأثر التاريخي لتلك الواقعة التي يضمها الزمن السحيق ويحركها الجيل الحاضر، ويتوارثها الأبناء من الآباء بما لها من مدلولات ورموز عميقة، تجعل الأمة على درجة من التحمل والتصدي لما يثار من غبار حول الحقائق، يراد به طمس معالمها وإيغالها عنوة في مشروع حيوية الإنسان وإبعاده عن تاريخه ورموزه، وجعله كشجرة بلا جذور في مهب الريح.
جثمان طاهر، وجسد صغير لمرقد يجثو بسلام في تلك المدينة العتيقة التي تسلّقها الزمن فأوصلها إلى بوابة العالم، وأرتقت كتب التاريخ من جامعات الكون، منها العارفون، قصة المواجهة! قصة الصراع العنيف الذي دار بين الحق والباطل، قصة التمييز بينهما والتقييم للخاسر والمنتصر.
موقع المرقد المقدس: يقع مقام السيدة رقية (عليها السلام) على بعد (100 متر) أو أكثر من المسجد الأموي بدمشق، وعندما تريد الدخول إلى صحنها المطهر أول ما يلفت نظرك، اللوحة التي على باب مقامها الشريف مكتوب فيها: (هنا مقام السيدة رقية بنت الحسين (عليه السلام) الشهيد بكربلاء ترى مقامها كالدّر الأبيض الذي يلمع، وفي حينه تتذكر تلك الأيام الرهيبة والنفوس الخبيثة التي أرادت إطفاء نور فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها (عليهم السلام) ولكن هيهات، قال سبحانه وتعالى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
وقد دأب المسلمون شيعة وسنة على زيارة مقامها الشريف والمبارك حتى أصبح من المشاهد المشرفة التي تهوي إليها النفوس من كل فج عميق. وقد إلتجأ إلى قبرها كثير من الناس بحوائجهم، فجعلوا هذه اليتيمة شفيعة ووسيلة إلى الله سبحانه، وقد قضى الله حوائجهم ببركة السيدة رقية (عليها السلام)، فكم من مريض شوفي، وكم من مديون قضي دينه، وكم من مهموم كشف غمه، وكم من مكروب زال كربه، وكم.. وكم..
وكـُتـب في موقع المرقد المقدس:
يقع المرقد في (حي العمارة) خلف المسجد الاموي بدمشق إلى جانب باب الفراديس الذي يقع بسوق العمارة قرب مسجد مقام رأس الحسين (ع) وصاحبة المرقد هي احدى بنات الحسين (ع)، وهي طفلة بلغت 4 سنوات أوهموا عليها لصغر سنها مقتل ابيها الحسين بعد ان اخذت تسأل عنه في المنام في خرابة الشام ولما حكت المنام ناحت النسوة، فوصل الخبر إلى يزيد فأمر اللعين ان يوضع رأس الحسين في طبق أمامها، ولما رأت الرأس الشريف ماتت في الحال.
ويعود تأسيس مرقدها المبارك إلى سنة 526هـ، واول من بنى على قبرها السلاطين الايوبيين. ومن ثم توالت على المرقد عمارات متتالية وفي سنة 1125هـ جدد بناء الضريح وبعدها عمر قبرها في زمن العثمانيين وبسنة 1323 هـ جدد بناؤه على يد الميرزا علي اصغر خان امين السلطان ناصر الدين شاه، وبسنة 1399 عمد الى توسعة المرقد، وبسنة 1408هـ بدل الضريح الذي وضع على القبر في عهد امين السلطان بضريح آخر، تم صنعه على يد اربعين شخصا من الفنانين البارعين وهو في غاية الجمال والروعة.
وتبلغ مساحة البناء الجديد لمرقد السيدة رقية حاليا نحو 4000 متر مربع، ومنه 600 متر مربع صحن وفضاء واسع وبقية البناء يؤلف الرواق والحرم والمسجد المجاور للضريح، وتعلوا المرقد قبة مضلعة ووضع على القبر صخرة من الموزائيك ذات العاج والمرمر، والبناء فخم وضخم يتوافد عليه الزوار من شتى بقاع الارض وكتب على الباب أبيات من الشعر العربي من قبل الحاج احمد رضا الشيرازي وهناك قصائد حول القبر منها قصيدة شعرية للمرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين تعبر عن روح الولاء لأهل البيت (ع) ومكتوبة بماء الذهب يقول فيها:
في الشام في مثوى يزيد مرقد ينبيك كيف دم الشهادة يخلد
رقدت به بنت الحسين فاصبحت حتى حـجـارة ركـنـه تـتوقد
هيا استفيقي يا دمشق وايقظي وغدا على وضر القمامة يرقد
واريه كيف تربعت في عرشه تلك الدماء يضوع منها المشهد
سيظل ذكـرك يا رقـية عـبرة للـظالـمين مـدى الـزمان يـخلد والمرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين هو الذي يصف حبه للعراق وصفاً حياً يحمل الروح العطشى الممزوجة بالعاطفة فيقول: اديم ثراك اروع ما نـفـدّي ونبع رباك اجود ما نذودُ
احبك بل احب خشوع نفسي بباك حين احلم بي اعودُ
ويـا وطناً سيقـينا الحب فـيه وشب فيه على الدعّة الوليدُ وهو (ر) صاحب القصيدة التي القاها تخليدا لذكرى سيد الشهداء الإمام ابي عبد الله الحسين (ع) والتي يقول فيها: ذكـراك، تـنطفئُ السنينُ وتغربُ ولـهـا على كـفِّ الخلودِ تلهّـُبُ
لا الظلم يلوي من طماح ضرامها ابدا، ولاحقدُ الضمائرِ يحجبُ
ذكرى الاباءِ يرى المنيةَ، ماؤها اصفى من النبعِ الذليلِ واعذبُ ونظم السيد سلمان هادي آل طعمة حول رقية بنت الحسين عليهما السلام: ضريحك اكليل من الـزهر مورق به العشق من كل الجوانب محدّق
مـلائـكة الرحمن تهـبط حولـه تسـبّـح فـي ارجـائه وتـحلّق
شممت بـه عطر الربى متضوعا كأن الصبا من روضة الخلد يعبق
اليه غـدا الملهوف مختلج الرؤى وعيناه بـالـدمـع الهتون تـرقــرق
كريمة سبط المصطفى مـا اجلها لـهـا ينحني المجد الاثيل ويخفـق
ارومتها طـابـت كحسن خصالها لديها غـدا العاني يحب ويـرمــق
الـى ذروة العـز انتمت وتسابقت ومـن راحتيها بـان فضل مطـوق
وايـّدهـا الباري بـكـل فضيلـــة وخير محلا بـالعـلى وهـو يغدق
كأن الدجى ينشق عن سحر وجهها كـمـا يطـلع البدر المنير ويشرق
اطلي على الـدنـيا كشمس منيرة لـهـا بقلوب المخلصين تـعـلـــق
اطـلـي فهذا الكون يشدو صبابة لمجدك مـهـتـاجـا ويهفـو ويرمق
وبوحي بـايـات الـجـلال فاننا عـطـاشـى الى بحر المنى يتدفـق
فيا جذوة فـي النفس يحلو اوارها وكـل محب نـحـوهـا يتشــــــوق
وياقبسا مـن نـور احمد يزدهي بطيب فـعـال عبر طيفك يطــرق
نشأت على حـب الحسين وفضله وحزت من الـجاه الذي لايصدّق
وانـك اهـل لـلخــــــلود وشـأوه فـذاك هـو المجد العظيم الموفق
وحبك هذا ساكن القلب والحشا سيبقى مـنـارا لـلـهـدى يتألـــــــق
شعائر قـدس تملأ الارض رحمة مدى العمر تزهـو لـلبرايا وتبرق
واي مزار صار لـلـنـاس ملجأ اليه التجى الراجي وفاض التصدّق
يتيمة ارض الـشـام الـف تحية الـيـك وقلبي بـالـمـودة ينطــق
زيارة السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليه السلام): (السلام عليك يا أبا عبد الله يا حسينُ بن علي يا إبن رسول الله، السلام عليك يا حجة الله وإبن حجته، أشهد أنك عبد الله وأمينه بلّغت ناصحاً وأدّيت أميناً وقلت صادقاً وقتلت صديقاً فمضيت شهيداً على يقين لم تؤثر عمىً على هدى ولم تمل من حق إلى باطل ولم تجب إلا الله وحده، السلام عليكِ يا إبنة الحسين الشهيد الذبيح العطشان المرمّل بالدماء، السلام عليكِ يا مهضومة، السلام عليكِ يا مظلومة، السلام عليكِ يا محزونة تنادي يا أبتاه من الذي خضّبك بدمائك، يا أبتاه من الذي قطع وريدك، يا أبتاه من الذي أيتمني على صغر سني، يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر، لقد عظمت رزيّتكم وُجلت مصيبتكم، عظُمت وُجلت في السماء والأرض، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، جعلنا الله معكم في مستقر رحمته، والسلام عليكم ساداتي وموالي جميعاً ورحمة الله وبركاته).
فـي أول زيـارة:
يتشرف بزيارة مرقد السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام والسيدة رقية بنت الإمام الحسين عليهما السلام كثيرون ومن مختلف الأديان والمذاهب لكن ما يشعـر به منْ يزور هذه المراقد المقدسة لأهل البيت عليهم السلام لأول مرة شيء أخر ومن القارات البعيدة... شعـور متميز يستحق المتابعة والتسجيل والنشر والدراسة والتأمل والتحليل، وكمثال في هذا الإتجاه أذكر فقرات منشورة على الإنترنت للمحامي محمد علي المتوكل من دولة السودان الشقيقة والذي تشرف بحب أهل البيت عليهم السلام وزيارة المرقدين المقدسين لأول مرة حيث يقول:
في ضاحية دمشق الجنوبية حيث المرقد الشريف لعقيلة الطالبيين بطلة كربلاء السيدة زينب بنت أمير المؤمنين (ع) حططت رحالي إلى حين بدت خطواتي الأولى باتجاه الضريح الطاهر وكأنها خطوات في عمق التاريخ وما دريت بالشام كنت أم بكربلاء وقد تلاشت حواجز الزمان والمكان لم يدهشني ما رأيت من تدافع الناس حول الضريح رغم أنه مشهد لم آلفه من قبل وقد كنت أنا الآخر منجذبا بقوة للالتصاق به وعندما استلمته وألصقت به صدري أحسست بنبض الرسول وشجاعة علي ورأيت هالة الزهراء وغشيتني أنفاس الحسن واحتضنت أشلاء الحسين عندها انتحبت وبكيت طويلاً بكيت عن نفسي وعن أخوتي الذين تركتهم بالخرطوم يحرقهم شوقهم إلى هذه المشاهد الشريفة بكيت من أجل أهلي الذين عرفوا زينب وما عرفوها وأحبوا أهل البيت وما وجدوهم بكيت حنقاً وكرهاً لكل من أسهم في حرمان الأمة من أئمتها فعاشت أجيال المسلمين المتعاقبة في جهل وعزلة عن شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي..
خيل لي وأنا أتجول في الطرقات المحيطة بالمقام كما لو كنت أمشي بالمدينة المنورة في زمان النبي أو في شوارع الكوفة أيام علي لم يتشوش هذا الخيال بمظاهر المدينة الحديثة التي بالمكان.... يزيد الذي ظن غباءً أنه قد انتصر على الحسين فإذا به لا يلبث بعد الحسين أن يكون لعنة التاريخ ولا يبقى له من مجده الزائف أثر بينما رقية بنت الحسين تلك الطفلة الميتة التي روعها يزيد حتى قضت يبقى قبرها مع الأيام لا يزداد إلا شهرة وبريقاً وهنا السيدة زينب التي أذلت يزيد بين جلاوذته وسخرت من مساعيه الباطلة يكون قبرها قبلة للزائرين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وبين هذه وتلك مقبرة الفواطم التي ضمت نخبة من نساء بيت الوحي وبقيت عبر القرون شاهدة على دناءة قوم ورفعة آخرين.
الخاتمة: في زيارة المراقد المقدسـة والشعائر الحسينية
يحافظ المؤمنون أيضاً على زيارة المرقد المقدس للإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام)، لنصوص السنة المطهرة الكثيرة السليمة سنداً ودلالة، والتي تدل بما لا يرتقي إليه الشك إلى مكانة وأهمية وأجر وثواب زيارة المراقد والعتبات المقدسة عموماً، ومرقد الإمام الحسين (عليه السلام) خصوصاً، ولاسيما في يوم العاشر من محرم الحرام يوم شهادته، وهي جديرة لئن تكون من أجلِّ القُرب، لذلك العطاء، وتلك التضحيات وذلك الإخلاص لله و...، والكفاح على طريق الإصلاح والإنقاذ.
لقد ضحّى الإمام الحسين (عليه السلام) بكل شيء وبسخاء وكرم منقطع النظير، فجعل الله الأفئدة والقلوب تهوى فتقتدي به وأقواله وسيرته التي لا تمثل إلا إمتداداً لسيرة جده الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وكيفْ لا يكون الأمر لسبط الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كذلك؟
وهذا سيدنا إبراهيم (عليه السلام) يقول كما في القرآن الكريم:
﴿ربنا إني أسكنتُ مِن ذُريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليُقيموا الصلوة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلَّهم يشكرون﴾ - سورة إبراهيم الآية 37
هذا وعلاوة على الروايات الخاصة بالمنـزلة الخاصة والمكانة المقدسة لمرقد الإمام الحسين وبقية المراقد المقدسة (عليهم السلام) وزيارتها فثمة أحاديث كثيرة معتمدة عند المسلمين تُحبب إلى المسلم زيارة القبور ولاسيما قبور الأنبياء والشهداء والصالحين وعلى سبيل المثال:
1- كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يُعّلم المسلمين ما يدعون به الله حين يزورون المقابر، فهذا مُسلم يروي في صحيحه:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية).
فيا ترى ما أهمية وآثار زيارة المقابر كي يهتم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بهذا الأمر، ويُعلّم المسلمين ما يدعون به اللّـهَ عند زيارة القبور؟
2- ليس هذا فحسب، بلْ كان الرسولُ الأكرم بنفسه يزورُ المقابرَ، بموقعه وعظمته ومسؤولياته ومهامه، فهذا مسلم يروي أيضاً وعن أبي هريرة:
(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون).
3- ولن يتوقف الإهتمام الإلهي بزيارة المراقد والبقع المقدسة عند هذا الحد، بل يبلغ الأمرُ أن يأمر جبرئيل ليهبط على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كي يبلغه أمراً يزيارة البقيع وأهل البقيع.
فهذا مسلم أيضاً في صحيحه يروي ذلك عن عائشة في حديث طويل ذلك عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
4- كان الرسولُ الأكرم (صلى الله عليه وآله) يزورُ البقيعَ:
فهذا ابن ماجه يروي عن عائشة قالت:
(فقدته فإذا هو بالبقيع، فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط، ونحن بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تقتنا بعدهم)
وقد ثبت عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه بعد وقعة أحد بثمان سنين خرج إلى شهداء أحد فصلّى عليهم.
بعد ثمانية أعوام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)... قائد الأمة يخرج بنفسه إلى زيارة شهداء اُحد والصلاة عليهم.
ماذا يعني هذا السلوك؟
5- الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قام أيضاً بزيارة قبر أمه آمنة بنت وهب (عليها السلام) وفوق ذلك فان قائد وقدوة وأسوة الأمة:
بكى هو...
وأبكى مَنْ حوله...
وهذا رواه مسلم أيضاً في صحيحه.
ولعلّ بعض مَنْ ذهبَ إلى خلاف المشهور المحكم بين المسلمين عامة إلى غير ذلك، لَمْ ينظر لسبب أو آخر فيما يُروى عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):
(نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)
الذي رواه مسلم في صحيحه عن بريده، ورواه أحمد والنسائي أيضاً مع إضافة:
(فمَنْ أرادَ أن يزورَ فليزر ولا تقولوا هجراً)
كما هو مذكور في كتاب كشف الأسرار للأحناف (ومتنه للبزودي في الجزء الثالث الصحفة 186) مع إختلاف يسير في النص، مما يستدل به البعض كمثال على جواز نسخ السُّنة بالسُّنة.
علماً أن المنع المنسوخ المستقى من الرواية الأخيرة يرتبط بعموم القبور فلا منع في السُّنة من زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) - الذي خدش فيه أيضاً البعضُ وخلافاً للمشهور أيضاً - أو الإمام الحسين أو بقية الأئمة الطاهرين من أهل بيته (عليهم السلام) أو الصالحين، بل هناك روايات ثابتة تؤكد ذلك، وتنص على رجحان ذلك وثوابه العظيم بصورة خاصة.
وقد حسمَ عبد الرحمن الـجُزيري الأمرَ في الدليل والأحاديث الواردة بشأن زيارة قبر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في كتابه الفقه على المذاهب الأربعة في الجزء 1 الصفحات 394-396 - كتاب الحج- تحت عنوان زيارة قبر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله):
(لا ريب في أن زيارة قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام من أعظم القُرب، وأجلّها شأناً، فإن بقعة ضمنت خير الرسل وأكرمهم عند الله لها شأن خاص، ومزية يعجز القلم عن وصفها...، وما كان لقادر أن يصل إلى مكة، ولا يزور المدينة، ويستمتع بمشاهدة أماكن مهبط الوحي، ومنبع الدين الحنيف، أما ما ورد من الأحاديث في زيارتها فسواء كان سنده صحيحاً أو لا، فإنه في الواقع لا حاجة إليه بعد ما بينا من زيارتها ومحاسنها التي يقرها الدينُ، وتحث عليها قواعده العامة... هذا وقد بين الفقهاء آداب زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وزيارة المساجد الأخرى على الوجه الآتي... ويستحب بعد زيارته عليه السلام أن يخرج إلى البقيع، ويأتي المشاهد والمزارات فيزور العباس ومعه الحسن بن علي و...، ويستحب أن يزور شهداء اُحد يوم الخميس، خصوصاً قبر سيد الشهداء سيدنا الحمزة ويقول: (سلام عليكم بما صبرتُم فنِعمَ عُقبى الدار) - الرعد الآية 24- وإذا أراد الرجوع إلى بلده استحب له أن يودع المسجد بركعتين، ويدعو بما أحبَّ ويأتي قبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعو بما شاء والله مجيب الدعاء).
وإلى هنا نكون قد أشرنا - وعلى سبيل المثال- إستناد زيارة القبور عموماً، والقبر الشريف للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والإمام الحسين وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) والصالحين والسائرين على سيرتهم إلى السُّنة النبوية ومن باب أولى، وهو ما عليه المسلمون جميعاً، وبطرق وأسانيد غير الشيعة، وعرضنا ما اختاره الجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة في الإستدلال لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في القول بأنه لا حاجة إلى الأحاديث في زيارة قبره بعد معرفة فوائدها ومحاسنها التي يقرها الدين، وتحث عليها قواعد الدين وكأنه يريد أن يقول بأن العقل يحكم بذلك إلى جانب القواعد الدينية بغض النظر عن الأحاديث والروايات التي أخذ بها الفقهاء وبما يُفصلها حيث بيّنوا آداب زيارة قبره (صلى الله عليه وآله).
فهلْ هناك مَنْ ينكر الفوائدَ والمحاسنَ التي تترتب للزائر على زيارته لمرقد الإمام الحسين (عليه السلام)؟
وهل يمكن لنفس قواعد الدين أن لا تحث على هذه الزيارة أيضاً، مع ما للإمام الحسين (عليه السلام) مِن مقام وعطاء وتضحية وإخلاص للدين وخلوص لله؟
هذا إضافة إلى النصوص والروايات الثابتة الخاصة طبعاً.
وكيف يمكن ذلك؟
والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال:
1- (حسين مني، وأنا مِن حسين، أحب اللهُ مَنْ أحب حسيناً، حسين سبط مِن الأسباط)
كما روى ذلك الترمذي في صحيحه.
2- (مَنْ أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومَن أبغضهما فقد أبغضني)
كما روى ذلك أحمد بن حنبل في مسنده (الجزء الثاني - الصفحة 288)
3- ومثله، مع اختلاف يسير في اللفظ، وإضافة في مستدرك الصحيحين (الجزء الثالث - الصفحة 166) وقال بعد روايته للحديث:
هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين.
وللمسلم أن يسأل ويتدبر:
ماذا يعني الحديث النبوي الشريف:
حسين مني وأنا من حسين.
هل يُعقل أن يخرج قائد عادي ولو لمرّة واحدة ليخاطب الشعبَ قائلاً:
إن ابن بنتي هذا هو مني، وأنا منه!!؟
فكيفْ بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وكلامه كلّه من الوحي ولا ينطق عن الهوى؟
لابد أن يكون للحديث مدلول بل مداليل كبيرة وكثيرة.
لماذا هذا الربط بين حبّ النبي (صلى الله عليه وآله)، وحبّ ابن بنته الحسين بن علي (عليهم السلام)؟
لماذا يحب اللهُ مَنْ أحبَّ الحسينَ (عليه السلام) طبقاً لنص الحديث النبوي الشريف؟
هل يمكن - والعياذ بالله - أن يكون هذا التأكيد النبوي نابعاً من القرابة والنسب والعاطفة؟
وإذا كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) دعى وألزم المسلمين بحبِّ الحسين (عليه السلام): فما هي لوازم هذا الحب؟
أليس الالتزام بالشيء التزام بلوازمه كما في القاعدة؟
وإذا كان المسلمُ قد أقرَّ بحبه لابن بنت الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):
فما الذي يترتبُ على هذا الإقرار؟
أليس الإقرار بالشيء إقرار بلوازمه؟
ما هي وسائل تعبير المسلم عن حبّه هذا الذي زرعه وأكدَّ عليه الرسولُ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
هلْ يُعقل حصر هذا الحبّ في القلبِ دون أن يُترجم إلى أفعال وأعمال وشعائر؟
وهلْ يمكن عقلاً أن يزرع هذا الحبَّ وينشره ويؤكد عليه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مِن جهة، ويمنعُ من جهة ثانية التعبيرَ عن هذا الحبّ، أو لا يخطط ويرسم معالِمَ ووسائل التعبير عن هذا الحبّ؟
هذا الحبّ الذي اُريد به حفظ الدين واستمراريته وحيويته وصيانته من أي انحراف وتحريف، مضافاً ما للإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) من مقام ومنـزلة ومكانة عند الله عز وجل، لإخلاصه وإرتباطه بالله وشريعته وتفانيه لحفظ هذا الدين... وهذه الشريعة.
أجلْ لقد رسم الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) معالم شعائر هذا الحبّ للمسلمين، ومارسها بنفسه وعلى سبيل المثال - لا الحصر أيضاً- نذكر مأتماً وعزاءاً أقامه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وكما في كتاب أعلام النبوة للشيخ علي بن محمد الماوردي الشافعي - الصفحة 83 - الطبعة المصرية:
قال: ما رواه عروة عن عائشة قالت:
(دخل الحسين بن علي - عليه السلام - على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يوحى إليه، قبرك على ظهره، وهو منكب، ولعب على ظهره.
فقال جبرائيل: يا محمد، إن أمتك ستفتن بعدك، وتقتلُ ابنك هذا من بعدك، ومدَّ يعده فأتاه بتربة بيضاء، وقال:
في هذه الأرض يُقتل ابنك، اسمها الطف.
فلما ذهبَ جبرئيل خرجَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) إلى أصحابه والتربة في يده، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي.
فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟
فقال: أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة، فأخبرني أن فيها مضجعه)
وذلك مما نقله العلامة السيد محسن الأمين العاملي (رحمه الله) عن كتاب أعلام النبوة المذكور آنفاً في كتابه: إقناع اللائم على إقامة المآتم - الصفحة 30 - علماً أن الحديث النبوي هذا مذكور أيضاً في كتب عديدة أخرى مع اختلاف في اللفظ لا يضر بالأصل وبأسانيد متعددة منها مسند أحمد بن حنبل الجزء 3 الصفحة 242.
وعلّق العلامة العاملي على الحديث المتقدم المروي عن عائشة قائلاً:
(ولابد أن يكون الصحابة لما رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبكي لقتل ولده وتربته بيده، وأخبرهم بما أخبره جبرئيل من قتله، وأراهم التربة التي جاء بها جبرئيل، أخذتهم الرقة الشديدة فبكوا لبكائه، وواسوه في الحزن على ولده، فإن ذلك مما يبعث على أشد الحزن والبكاء، لو كانت هذه الواقعة مع غير النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة، فكيفً بهم معه، فهذا أول مأتم أقيم على الحسين (عليه السلام) يشبه مآتمنا التي تقام عليه، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمستمعون أصحابه.
هذا جذور الشعائر الحسينية في السُنة النبوية الشريفة.
هذه أسس ومعالم عاشوراء في السُنة النبوية الشريفة.
أجل عاشوراء بشعائرها ومآتمها من السُّنة، وليست السُّنة النبوية الشريفة فقط في بقاءها وبحيويتها وبديناميكيتها مِن عاشوراء، بلْ بقاء الإسلام وحيويته وإستمراريته مِن عاشوراء، رمز الإصلاح والتصحيح السلِّمي الذي قلبه الإرهابُ الأموي إلى مجزرة دموية أرهبت الإرهاب نفسه وأجهضت كلَّ محاولات التحريف والتغيّب لقيمّ ومُثل ديننا الإسلامي الحنيف، وللتفصيل يمكنك مراجعة المقال بعنوان:عاشوراء مِن السُّنةِ فهلْ السُّنةُ مِن عاشوراء!!؟
|
|
|
|
|