|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 28390
|
الإنتساب : Jan 2009
|
المشاركات : 2,309
|
بمعدل : 0.39 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
محمد الشرع
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
بتاريخ : 03-10-2011 الساعة : 06:27 PM
الباب الأوّل: الثورة الإسلامية والتحديات المعاصرة
الفصل الأوّل: الثورة الإسلامية الأُسلوب والنتائج
تمهيد
لقد أوجدت الثورة الإسلامية في إيران هزّة في العالم المعاصر، وخصوصاً العالم الثالث، وأفرزت مجموعة من التفاعلات والتساؤلات، وفتحت عيون العالم على حقيقة التطورات، التي يمكن أنْ تجري في العالم الإسلامي، من الاعتماد على الذات في مواجهة أشكال الهيمنة والتسلّط، والركون إلى العقيدة والشريعة الإسلامية في معالجة المشاكل الحياتية، وبذلك أصبحت الثورة الإسلامية في مواجهة مجموعة من (التحديات)، التي تواجه العصر الحاضر ومشاكله المستعصية على الحلول، خصوصاً العالم الثالث... عالم المستضعفين والمحرومين. كما أنّها تعرضت إلى سلسلة من المؤامرات الداخليّة والخارجيّة لتقويضها، أو تحجيمها، ومنع انتشار روحها المعطاء.
ونحن نحاول في هذا الفصل أنْ نُلقي الضوء على بعض معالم الثورة الإسلامية في إيران، من ملاحظة أُسلوبها، ومحتواها، وما أفرزته من قيم إيجابية، أو قضايا سلبية. ثم نذكر مواجهة الثورة لقضية الحكم الإسلامية في هذا العصر على مستوى النظرية والتطبيق.
أسلوب الثورة
قد تكون الثورة الشعبية الجماهيرية في إيران فريدة في أُسلوبها- وعلى الأقل في العصر الحاضر- لأنّها ثورة شاركت فيها كلّ الجماهير الإيرانية
بفئاتها وطبقاتها الاجتماعية، ومذاهبها الفكرية والدينية.
فهي ليست ثورة الطبقة العمّالية، كما تحاول الماركسية أنْ تفسر بذلك الثورة البلشفية في روسيا، حيث ادعت أنها ثورة العمّال والفلاحين، كما أنّها ليست ثورة الطبقة البورجوازية، كما تفسر الماركسية بذلك الثورة الفرنسية، بل هي ثورة كُلّ الشعب، حيث شاركت فيها الطبقات الشعبية بجميع فئاتها، العمال، والكسبة، والتجار، وعلماء الدين، والمثقفين وغيرهم.
كما شارك فيها المتطرفون اليساريون واليمينيون، وشارك فيها المتدينون والعلمانيون، وساهموا في تفجيرها بشكل واسع.
وقد كان الشعب في هذه الثورة شعباً أعزل من السلاح، واعتمد- في الإطاحة بالطاغوت المتجبر ونظامه- أُسلوب الصراع الشعبي الجماهيري، والتمرد المدني، وبذل الدماء السخيّة التي هزّت أقسى القلوب، على خلاف الأساليب التي اتُبعت في الإطاحة بالطواغيت المعاصرين، من الانقضاض عليهم من الأعلى، بواسطة القوة العسكرية، كما حصل في معظم مناطق العالم الثالث، أو مدّ الجماهير بجيش من العناصر المدرّبة على حرب العصابات، أو الحرب النظامية، كما حصل في كوبا، وفيتنام، ونيكاراغوا.
كما لم يكن وراء هذه الثورة تنظيم حزبي سياسي يقودها بدقة ورويّة، ويحسب لها المصالح والمفاسد.
وإنّما كان التفجير شعبياً، شارك فيه الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والقادر والعاجز، وكُلّ الجماهير حسب قدراتها ومواقعها المختلفة، وبذاتية وحركية، ومبادرات محورية، تشبه التحرك الفردي العفوي.
كُلّ ذلك بالرغم من القوة العسكرية، والمؤسسة البوليسية القوية (الساواك) التي كان يستند إليها النظام الشاهنشاهي، وبالإضافة إلى الدعم الخارجي الإمبريالي، الذي كان يحصل عليه، خصوصاً من الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الخبرة السياسية الطويلة الأمد التي كان يتمتع بها رأس النظام وأجهزته المدرّبة، مضافاً إلى جيش المستشارين العسكريين والسياسيين.
هذا الأُسلوب الفريد في تفجير الثورة، يطرح علينا السؤال التالي: ما هو السرّ الكامن وراء هذا الأُسلوب، الذي ادهش العالم- ولا زال- وأيقظه على حقائق سياسية وطاقات شعبية، لم يكن يدخلها في الحسابات والتوقعات.
الإطار الديني للأُطروحة والقيادة
في الواقع أنّ هذه الخصوصية الفريدة في الأُسلوب تنبع من عاملين أساسيين، كان لهما التأثير الكبير في تنفيذ الثورة الإسلامية وتحقيقها، بالإضافة إلى العوامل المشتركة بين كُلّ الحركات الثورية.
ولا نريد هنا أنْ نغفل الخصائص التي يمتاز بها الشعب الإيراني المسلم، ولكن نعتقد أنّ بعض هذه الخصائص التي كان لها أثر في الأُسلوب ترجع في حقيقتها إلى أحد العاملين الأساسيين التاليين:
الأول: الإطار الديني.
الثاني: القيادة الدينية الشعبية.
أمّا الإطار الديني فقد كان يمثل بصورة أساسية جانب العمق الاستراتيجي في الثورة، والقوة ذات الفاعلية العظيمة في تحريك كلّ الجماهير المسلمة في إيران، فبالإضافة إلى عمق الشعور الديني، وسعة دائرة شموله، وأصالته الثورية والمذهبية، فإنّ هذا الشعور في نفسه طاقة لا يمكن أنْ يكون لها نظير في كُلّ الأفكار العلمانية.
خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الأُطروحة الدينية كانت تتبنى الوجه الأصيل للدين الذي يلتزم- بشكل صادق- مصالح الشعوب، وقضاياها المصيرية، ويضع الجانب الإنساني إلى الجانب الإلهي الذي يمتّد عبر السماء، ويصل الحياة الدنيوية مع الحياة الأُخروية، ويجد في تبني مصالح الشعوب وقضايا المحرومين والمستضعفين، والدفاع عنها، طريقاً إلى الله والآخرة.
فهذا الربط الدقيق بين المصالح الدنيوية للإنسان، هذه المصالح التي تمثل فيه جانب الحسّ الوجداني وحاجات الجسد الملحّة التي يتعامل معها كلّ حين، وجانب المصالح الأُخروية، والأهداف الكبيرة التي تسمو بالإنسان، وترتفع به عن كُلّ ما هو أرضي، ويندفع إليها الإنسان بفطرته، فتتحول كُلّ مشاعره وعواطفه إلى طاقة هائلة، لا يمكن أنْ يقف في وجهها أي شيء. هذا الربط الوثيق هو الذي يمثل الإطار الديني الذي فجّر الثورة الإسلامية.
وقد تعرّضت الجماهير لهذا الوجه الإنساني للإطار من خلال المعاناة الطويلة التي عاشتها في ظل النظام الشاهنشاهي، فكان لهذا الإطار هذا التأثير والجذب.
وهذا يشبه إلى حدٍّ كبير الأُطروحة الإسلامية في الصدر الأول للإسلام، والتي تعاملت مع الجماهير المحرومة من خلال معاناتها ومآسيها ومشاكلها، فوجدت في الدين المنقذ لها من كُلّ هذه المعاناة، والمخلِّص لها من الحضيض الجاهلي الذي كانت تعيشه.
إذن، فهذا الإطار ذو عمق استراتيجي، يمثل بُعدين فطريين في الإنسان: أحدهما: غيبي أُخروي، والآخر: حسّي دنيوي.
والإطار الديني لّما كان إطاراً إنسانياً وإلهياً، فهو إذن لا يفرّق بين إنسان وآخر، ولا يرتبط بطبقة اجتماعية، أو مستوى اقتصادي، أو إمكانيات معيّنة. لأنّ حاجات الجسد والنفس حاجات تتماثل فيها الطبقات والفئات إلى حدٍّ بعيد، وبالتالي يمكن أنْ يشملها هذا الإطار، ولا يقف عند فئة أو طبقة معينة.
كما أنّ الامتداد الأُخروي للإنسان يتساوى فيه الأفراد، ويطمحون إليه جميعاً، وهو في متناول الجميع، لأنّ مقياسه الإخلاص والتقوى، والعمل من أجل القضايا المطروحة لوجه الله سبحانه.
ومن هنا نجد أنّ التفاعل مع الثورة الإسلامية كان جماهيرياً بأوسع ما تشمله كلمة (الجماهير) من معنى.
يتبع .
|
|
|
|
|