|
عضو نشط
|
رقم العضوية : 73209
|
الإنتساب : Jul 2012
|
المشاركات : 214
|
بمعدل : 0.05 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
السلوك الزينبي
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 26-07-2012 الساعة : 08:11 PM
10. ضغط القبر
وبعد أن انتهى كلّ شيء طَوَيا السجلّ الخاصّ بي وطوّقا به رقبتي، ثمّ جمعا تلك العُلَب في كيس ووضعاه فوق رأسي، ثمّ أتَيا بقفص من الحديد الصلب كأنّه صنع خصّيصاً لجسمي، فوضعاني فيه وراحا يديران ما فيه من مقابض ولَوالِب، فأخذ القفص يضيق ويضيق، وأطبق عليّ إطباقاً أحسست معه أنّ نَفَسي يكاد ينقطع، ولم أستطع حتّى الصراخ، إلاّ أنّهما كانا ماضيَين في إدارة تلك المقابض واللوالب حتّى أصبح القفص الذي وسعني في البداية ضئيلاً صغيراً لا يتجاوز حجم أنبوبة صغيرة، فتحطّمت عظامي جميعاً، واعتُصر كلّ ما فيّ من دهن وخرج كالنفط الأغبر، وفقدت وعيي، ولم أعد أدرك شيئاً بعد ذلك.
عدت إلى نفسي بعد برهة لأرى رأسي في حجر الهادي مرة اُخرى، فقلت له: «اعذرني على عدم تمكّني من النهوض».
لقد كانت عظامي محطّمة، وما زالت أنفاسي ثقيلة، وكلماتي متقطعة، وصوتي ضعيفاً، والدموع تجري على وجهي، وكنت كالعاتب على الهادي، إذ إنّ الضغط الأوّل كان في غيابه.
إلاّ أنّ الهادي أخذ يهوّن عليّ قائلاً: « إنّ ما رأيتَ كان من لوازم المرحلة الاُولى في هذا العالم، ولا يُستثنى منه أحد، لذلك فالبلية إذا عمّت هانت، إلاّ أنّ كلّ شيء قد انتهى، وأرجو أن لا يحدث لك مثل هذا بعد الآن. ثمّ إنّ آلام هذا العالم من مصلحتك، فهذا القفص الذي ظننته من الحديد الصلب إنّما هو خليط الأخلاق الذميمة عند الإنسان، يشتبك بعضها ببعض، وتحيط به في حياته المادّية (23)، وتتحوّل في هذا العالم إلى هذا القفص الذي يمكن أن يكون مؤلّفاً من آلاف الخصال الذميمة، وإن يكن أصلها ثلاثة: الطمع، والأنانية، والحسد؛ فالأوّل قد أخرج آدم من الجنّة، والثاني هوى بإبليس إلى الحضيض، والثالث ألقى بقابيل في جهنّم، إلاّ أنّ لهذه الثلاثة آلاف الأغصان والأوراق، وهي تختلف من حيث الكمّ والكيف في الأشخاص اختلافاً كبيراً ».
________________________________
23 ـ ضغطة القبر وبعض آلام البرزخ آثار للذنوب الدنيوية، ولا علاقة لها بالكفر والإيمان، فقد يكون الميّت من المؤمنين الخلّص، ولكنّه لما لم يكن معصوماً، فقد اقترف بعض الذنوب التي لا بدّ أن ينال العقاب عليها. ويؤيد ذلك ما يرويه العلامة المجلسي رضي الله عنه في حياة القلوب عن ابن بابويه عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّ سعد بن مُعاذ، الذي كان من كبار الصحابة وهو الذي أمر بضرب أعناق يهود. عندما توفّاه الله وسمع رسول الله بذلك، جاء مع أصحابه إلى دار سعد وأمر بتغسيله وتحنيطه وتكفينه. وعندما حملوه خلع رسول الله صلّى الله عليه وآله رداءه ومشى حافياً في تشييعه ودار حول الجنازة، وعند إنزاله إلى القبر نزل معه ووضعه في لحده، ثمّ خرج وشارك الناس في وضع الأحجار على القبر وفي ملء ما بينها لكيلا ينهال التراب على جسد سعد، وهو يقول: « أعلم أن جسده سوف ينخر ويتلاشى، ولكنّ الله يحبّ من يعمل عملاً فيتقنه ». فسئل عمّا دعاه إلى تشيع الجنازة حافياً وبغير رداء. فقال: « رأيت الملائكة قد حضروا لتشييع جنازة سعد حفاة وبغير رداء، فأحببت أنا أتأسّى بهم، وكان جبرئيل عن يميني، وقد وضع يده في يدي ». مع كلّ هذا التجليل والتكريم، عندما خاطبت أمّ سعد ابنها قائلة: هنيئاً لك الجنّة يا سعد؛ فقد دفنك النبيّ بيده وصلّى عليك بنفسه؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: اسكتي يا اُمّ سعد ولا تفرضي على الله أمراً، فلقد اصاب سعداً ضيق شديد في القبر؛ لسوء خلقه مع عياله ».
|
|
|
|
|