عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية لبيك
لبيك
عضو برونزي
رقم العضوية : 71187
الإنتساب : Mar 2012
المشاركات : 1,063
بمعدل : 0.22 يوميا

لبيك غير متصل

 عرض البوم صور لبيك

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : لبيك المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
Waz7 تتمة قصة واقعة الطف مكتوبه للسيد محمد كاظم القزويني
قديم بتاريخ : 15-11-2012 الساعة : 03:14 PM


وبرز جابر بن عروة الغفاري، وكان شيخاً كبيراً قد شهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بدراً وحنيناً، فجعل يشدّ وسطه بعمامة، ثم شدّ جبينه بعصابة ثم رفعهما عن عينيه والحسين ينظر إليه ويقولك شكر الله سعيك يا شيخ، فبرز وقاتل حتى قتل ثمانين رجلاً، ثم قتل.
وبرز عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان فقالا: السلام عليك يا أبا عبد الله أحببنا أن نقتل بين يديك فقال (عليه السلام): مرحباً بكما أدنوا مني؛ فدنوا منه وهما يبكيان فقال: يا بني أخي ما يبكيكما؟ فوالله أني ارجوا أن تكونا بعد ساعة قريري العين؟

فقالا: جعلنا الله فداك والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك ولا نقدر أن ننفعك، فقال الحسين: جزاكما الله يا بني أخي بوجدكما ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أفضل جزاء المتقين، ثم استقدما وقالا: السلام عليك يابن رسول الله، فقال: وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته، وقاتلا حتى قتلا.

استشهاد بني هاشم
وبعد ما قتل أصحاب الحسين رضوان الله عليهم فعند ذلك وصلت النوبة إلى بني هاشم، وأول من قتل منهم علي بن الحسين الأكبر، وأمه ليلى، وفيه يقول الشاعر:

لم تر عين نظرت مثله *** من محتف يمشي ومن ناعل
أعني ابن ليلى ذا السدى والندى *** أعني ابن بنت الشرف الفاضل
لا يؤثر الدنيا عن دينه *** ولا يبيع الحق بالباطل

وكان من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً وخُلقاً، فاستأذن أباه في القتال فنظر إليه الحسين نظر آيس منه، وأرخى عينيه وبكى، ورفع سبابتيه أو شيبته الشريفة نحو السماء وقال: (اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجه هذا الغلام، اللهم امنعهم بركات الأرض وفرّقهم تفريقاً ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً ولا تغفر لهم أبداً، ولا ترضي الولاة عنهم أحداً، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا).

ثم صاح: يابن سعد ما لك؟ قطع الله رحمك ولا بارك الله في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله، ثم رفع صوته وتلا: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ).

فحمل علي الأكبر على القوم وهو يقول:

أنا علي بن الحسين بن علي *** نحن وبيت الله أولى بالنبي
أطعنكم بالرمح حتى يثني *** أضربكم بالسيف أحمي عن أبي
ضرب غلام هاشمي علويّ *** والله لا يحكم فينا ابن الدعي

فشدّ على الناس وقتل منهم خلقاً كثيراً حتى ضجّ الناس من كثرة من قتل، فروي أنه قتل مائة وعشرين رجلاً، فرجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة وهو يقول: يا أبة العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة من الماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء.


يشكو لخير أبٍ ظماه وما اشتكى *** ظمأ الحشا إلا إلى الظامي الصدي
كلٌ حشاشته كصالية الغضا *** ولسانه ظمأ كشقة مبرد

فبكى الحسين وقال: وا غوثاه يا بني، يعزّ على محمد المصطفى وعلى علي المرتضى وعليّ أن تدعوهم فلا يجيبوك وتستغيث بهم فلا يغيثوك، يا بني قاتل قليلاً، فما أسرع أن تلقى جدك محمداً (صلّى الله عليه وآله) فيسقيك بكاسه الأوفى شربةً لا تضمأ بعدها أبداً، يا بني هات لسانك. فأخذ لسانه فمصّه، وأعطاه خاتمه وقال: أمسكه في فمك وارجع إلى عدوّك، فإني أرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدّك، ولدي عد بارك الله فيك.
فرجع مرتجزاً:

الحرب قد بانت لها حقائق *** وظهرت مع بعضها مصادق
والله رب العرش لا نفارق *** جموعكم أو تغمد البوارق
ولم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين، فضربه مرّة بن منقذ العبدي ضربةً صرعته، وضربه الناس بأسيافهم فاعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى معسكر الأعداء فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً، فلما بلغت روحه التراقي نادى رافعاً صوته: أبه هذا جدّي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربةً لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول: العجل العجل فإن لك كأساً مذخورة تشربها الساعة.

فجاءه الحسين ورفع صوته بالبكاء ولم يسمع أحد إلى ذلك الزمان صوت الحسين بالبكاء، فقال: قتل الله قوماً قتلوك، ما أجراهم على الرحمان وعلى انتهاك حرمة الرسول، أما أنت يا بني فقد استرحت من هم الدنيا وغمومها، وسرت إلى روح وريحان وجنّة ورضوان وبقي أبوك لهمّها وغمّها، فما أسرع لحوقه بك، ولدي علي ّعلى الدنيا بعدك العفا.

ابنيّ هل لك عودةٌ *** حتى أقول مسافر
كنت السواد لناظري *** فعليك يبكي الناظر
من شاء بعدك فليمت *** فعليك كنت أحاذر
فإذا نطقت فمنطقي *** بجميل وصفك ذاكر
وإذا سكت فإن في *** بالي خيالك خاطر
يا كوكبا ما كان أقصر عمره *** وكذاك تكون كواكب الأسحار

فعند ذلك خرجت زينب الكبرى من الخيام مسرعة وهي تنادي: وا ولداه؛ وا مهجة قلباه؛ فجاءت وانكبّت عليه، فجاء الحسين واخذ بيدها وردّها إلى الفسطاط، ثم نادى: يا فتيان بني هاشم هلمّوا واحملوا أخاكم إلى الفسطاط.

فجاء القاسم بن الحسن وهو غلام لم يبلغ الحلم فقال: يا عم الإجازة لأمضي إلى هؤلاء الكفرة؟ فقل له الحسين: يابن أخي أنت من أخي علامة وأريد أن تبقى لي لأتسلّى بك، فلم يزل القاسم يقبّل يديه ورجليه حتى أذن له، فقال له الحسين: يا بني أتمشي برجلك إلى الموت؟ فقال: يا عمّ وكيف لا؟ وأنت بين الأعداء بقيت وحيداً فريداً لم تجد محامياً.
فأركبه الحسين على فرسه فخرج القاسم ودموعه تسيل على خديه وهو يقول:


إن تنكروني فأنا نجل الحسن *** سبط النبي المصطفى المؤتمن
هذا حسين كالأسير المرتهن *** بين أناس لاسقوا صوب المزن
وكان وجهه كفلقة قمر، فقاتل قتالاً شديداً حتى قتل على صغر سنه خمساً وثلاثين رجلاً، وقيل سبعين فارساً، فانقطع شسع نعله، فانحنى ليصلح شسع نعله، فضربه عمرو بن سعد الأزدي على رأسه فوقع الغلام لوجهه ونادى: يا عمّاه أدركني، فجاءه الحسين كالصقر المنقضّ فتخلّل الصفوف، وشدّ شدة الليث المغضب فضرب الحسين عمرواً قاتل القاسم بالسيف فاتقاه بيده فأطنّها من لدن المرفق، فصاح اللعين صيحة سمعها أهل العسكر ثم تنحّى عنه الحسين فحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمرواً من الحسين، فاستقبلته الخيل بصدورها وشرعته بحوافرها، ووطأته حتى مات إلى جهنم.

فلما انجلت الغبرة وإذا بالحسين قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه فقال الحسين: يعز والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك، بعداً لقومٍ قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدّك وأبوك، هذا يوم والله كثر واتره وقلّ ناصره.
ثم احتمله على صدره ورجلاه تخطّان في الأرض خطّاً حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

ثم برز من بعده أخوه أحمد بن الحسن، وله من العمر ستة عشر سنة فقاتل حتى قتل ثمانين رجلاً، فرجع إلى الحسين وقد غارت عيناه من العطش فنادى: يا عمّاه هل من شربة ماء أبرّد بها كبدي؟
فقال له الحسين: يابن أخي اصبر قليلاً حتى تلقى جدّك رسول الله فيسقيك شربة من الماء لا تظمأ بعدها أبداً.
فرجع إلى القوم وحمل عليهم وقتل منهم ستين فارساً حتى قتل. وبرز أخوه أبو بكر بن الحسن وهو يقول:


إن تنكروني فأنا ابن حيدرة *** ضرغام آجامٍ وليث قسورة
على الأعادي مثل ريح صرصرة *** أكيلكم بالسيف كيل السندرة

فقاتل حتى قتل.

فعند ذلك خرج أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وأول من خرج منهم أبو بكر بن أمير المؤمنين فقاتل حتى قتل.
وبرز عون بن أمير المؤمنين فقال له الحسين: كيف تقاتل هذا الجمع الكثير والجمّ الغفير؟ فقال: من كان باذلاً فيك مهجته لم يبال بالكثرة والقلّة، ثم حمل فقتل مقتلة عظيمة، فاحتوشه ألفان، ففرّقهم يميناً وشمالاً، وتخلّل الصفوف ثم رجع إلى الحسين فقبّله الحسين وقال له: أحسنت لقد أصبت بجراحات كثيرة فاصبر هنيئة.

فقال عون: سيدي أردت أن أحظى منك وأتزوّد من رؤيتك مرة أخرى، فرجع وقاتل ورُمي بسهم وقضى نحبه.
فعند ذلك وصلت النوبة إلى أولاد أم البنين، فقال لهم العباس بن أمير المؤمنين: يا بني أمي تقدّموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله فإنه لا ولد لكم تقدّموا - بنفسي أنتم - فحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه.
فبرز عبد الله بن أمير المؤمنين وعمره خمس وعشرون سنة، فقتل أبطالاً ونكّس فرساناً، فقتله هاني بن ثبيت الحضرمي عليه اللعنة.

ثم برز جعفر بن أمير المؤمنين فقاتل وقتل جمعاً كثيراً، فقتله هاني بن ثبيت الحضرمي.
فبرز عثمان بن أمير المؤمنين، وعمره إحدى وعشرون سنة فقاتل حتى قتل.

فبقي العباس بن علي قائماً أمام الحسين يقاتل دونه، وكان العباس بطلاً جسيماً وسيماً، يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان على الأرض خطا، ويلقّب بالسقّاء وقمر بني هاشم.

فجاء نحو أخيه الحسين فقال: يا أخاه هل من رخصة؟ فبكى الحسين حتى ابتلّت لحيته بدموعه فقال: أخي أنت العلامة من عسكري فإذا غدوت يؤول جمعنا إلى الشتات وتنبعث عمارتنا إلى الخراب، فقال العباس: فداك روح أخيك لقد ضاق صدري من الحياة الدنيا وأريد أخذ الثأر من هؤلاء المنافقين.

فقال له الحسين: فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء، فبرز العباس فلمّا توسّط الميدان وقف ونادى: يا عمر بن سعد هذا الحسين ابن بنت رسول الله يقول لكم: إنكم قتلتم أصحابه واخوته وبني عمّه وبقي فريداً مع أولاده وعياله وهم عطاشى، قد أحرق الظمأ قلوبهم فاسقوهم شربة من الماء لأن أولاده وأطفاله قد وصلوا إلى الهلاك... إلى آخر كلامه.

فلما سمع أهل الكوفة كلام أبي الفضل فمنهم من سكت ومنهم من جلس يبكي، وخرج شمر وشبث بن ربعي (عليهما اللعنة) وقالا: يا بن أبي تراب قل لأخيك: لو كان كلّ وجه الأرض ماءاً وهو تحت أيدينا ما سقيناكم منه قطرة حتى تدخلوا في بيعة يزيد.

فتبسّم العباس فرجع إلى الحسين وأخبره بمقال القوم، فبكى الحسين حتى بلّ أزياقه من الدموع، فسمع العباس الأطفال وهم ينادون: العطش العطش فركب فرسه وأخذ رمحه والقِربة، وكان عمر بن سعد قد وكّل أربعة آلاف رجلاً على الماء لا يدعون أحداً من أصحاب الحسين يشرب منه.
فحمل عليهم العباس ففرّقهم وكشفهم وقتل منهم ثمانين رجلاً وهو يقول:


لا أرهب الموت إذا الموت رقا *** حتى أوارى في المصاليت لقى
إني أنا العباس أغدو بالسقا *** ولا أخاف الشر يوم الملتقى

حتى دخل الماء فلما أراد أن يشرب غُرفة من الماء ذكر عطش الحسين وال بيته فرمى الماء وهو يقول:


يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين شارب المنون *** وتشربين بارد المعين
هيهات ما هذا فعال ديني *** ولا فعال صادق اليقين
فملأ القربة وحملها على عاتقه وتوجّه نحو الخيمة فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل جانب، وأخذوه بالنبال حتى صار درعه كجلد القنفذ من كثرة السهام، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة وعاونه حكيم بن طفيل فضربه على يمينه فقطعها، فأخذ السيف بشماله وهو يقول:


والله إن قطعتم يميني *** إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين *** نجل النبي الطاهر الأمين
فقاتل حتى ضعف. فقطعوا شماله فجعل يقول:


يا نفس لا تخشي من الكفّار *** وأبشري برحمة الجبّار
قد قطعوا ببغيهم يساري *** فأصلهم يا رب حر النار
فجاء سهم وأصاب القربة وأريق ماؤها، فبقي العباس حائراً ليس له يد فيقاتل ولا ماء فيرجع إلى الخيمة، فضربه رجل بعمود من الحديد فسقط عن فرسه ونادى يا أخي أدرك أخاك...


عمدُ الحديد بكربلا خسف القمر *** من هاشم فلتبكيه عليا مضر
أو مادرت من مهره العباس خر
فمشى إليه السبط ينعاه كسرتَ الآن ظهري يا أخي ومعيني فانقضّ إليه الحسين كالصقر فرآه مقطوع اليدين مفضوخ الجبين مشكوك العين بسهم، فوقف عليه منحنياً وجلس عند رأسه يبكي، ففاضت نفس أبي الفضل فقال الحسين: أخي الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوي.
فهوى عليه ما هنالك قائلاً *** اليوم بان عن اليمين حسامها
اليوم آل إلى التفرّق جمعنا *** اليوم هدّ عن البنود نظامها
اليوم سارعن الكتائب كبشها *** اليوم غاب عن الصلاة إمامها
اليوم نامت أعين بك لم تنم *** وتسهدت أخرى فعزّ منامها
عباس تسمع زينباً تدعوك من *** لي يا حماي إذا العدى سلبوني
أو لست تسمع ما تقول سكينة *** عمّاه يوم الأسر من يحميني

ثم قام ورجع إلى الخيمة فاستقبلته ابنته سكينة، وقالت: أبتاه هل لك علم بعمّي العباس، فبكى الحسين وقال: يا بنتاه إن عمّك قتل.
وخرج محمد بن عبد الله بن جعفر، وأمه زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين فقاتل حتى قتل.
ثم برز أخوه عون بن عبد الله بن جعفر، وأمه أيضاً زينب الكبرى فقتل جمعاً كثيراً حتى قتل.
وبرز أخوهما عبيد الله فقاتل حتى قتل.

وبرز غلام من أخبية الحسين، وفي أذنيه درّتان وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً، وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فضربه بالسيف فقتله، فصارت أمه تنظر إليه ولا تتكلّم كالمدهوشة.

ثم نادى الحسين: هل من ذائب يذبّ عن حرم رسول الله؟ هل من موحّدٍ يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟
فارتفعت أصوات النساء بالبكاء والعويل، فتقدّم إلى باب الخيمة وقال لزينب: ناوليني ولدي الرضيع لأودّعه:


أخت إيتيني بطفلي أره قبل الفراق *** فأتت بالطفل لا يهدأ والدمع مراق
يتلظّى عطشاً والقلبُ منه في احتراق *** غائر العينين طاوي البطن ذاوي الشفتين
فبكى لمّا رآه يتلظّى من أوام *** بدموع هاطلات تخجل السحب سجام
فأتى القوم وفي كفّيه ذياك الغلام *** وهما من ظمأ قلباهما كالجمرتين

فنادى يا قوم قتلتم أنصاري وأولادي، وما بقي غير هذا الطفل، إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل، لقد جفّ اللبن في صدر أمّه.

فرماه حرملة بسهم فوقع في نحره فذبحه من الوريد إلى الوريد. فوضع الحسين كفّيه تحت نحر الطفل فلمّا امتلأتا دماً رمى به إلى السماء وقال: هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله، اللهم لا يكونن طفلي هذا أهون عليك من فصيل -أي فصيل ناقة صالح-.

ثم عاد بالطفل مذبوحاً وحفر له بجفن سيفه ودفنه. وولد للحسين ابن وقت الظهر، فأتي به إلى الحسين وهو قاعد بباب الخيمة فأخذه في حجره فاذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، فرماه لعين فذبحه في حجر الحسين وإلى هذا أشار الشاعر:


ومنعطفاً أهوى لتقبيل طفله *** فقبّل منه قبله السهم منحرا
لقد ولدا في ساعةٍ وهو والردى *** ومن قبله في نحره السهم كبّرا
يتبع .. استشهاد الإمام الحسين (ع)
ولما قتل أصحابه وأهل بيته ولم يبق أحد عزم على لقاء الله، فدعى ببردة رسول الله فالتحف بها فأفرغ عليها درعه، وتقلّد سيفه واستوى على متن جواده، ثم توجّه نحو القوم وقال: ويلكم على مَ تقاتلونني؟ على حقٍّ تركته؟ أم على شريعة بدّلتها؟ أم على سنّة غيّرتها؟ فقالوا: نقاتلك بغضاً منّا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين. فلما سمع كلامهم بكى، وجعل يحمل عليهم وجعلوا ينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم رجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهو في تلك الحالة يطلب شربة من الماء وكان يقول:


أنا ابن عليّ الطهر من آل هاشمٍ *** كفاني بهذا مفخراً حين افخر
وجدي رسول الله ا كرم من مشى *** ونحن سراج الله في الأرض نزهر
وفاطم أمي من سلالة أحمد *** وعمّي يدعى ذا الجناحين جعفر
وفينا كتاب الله أنزل صادقاً *** وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر
فنحن أمان الله للناس كلّهم *** نسرّ بهذا في الأنام ونجهر
ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا *** بكاس رسول الله ما ليس ينكر
وشيعتنا في الحشر أكرم شيعة *** ومبغضنا يوم القيامة يخسر
فطوبى لعبدٍ زارنا بعد موتنا *** بجنة عدن صفوها لا يكدّر

فصاح عمر بن سعد: الويل لكم! أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتَّال العرب، احملوا عليه من كل جانب. فحملوا عليه فحمل عليهم كالليث المغضَّب، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلا بعجهُ بالسيف فقتله، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة، وفي خبر أنه قتل ألفاً وتسعمائة وخمسين رجلاً، فحالوا بينه وبين رحله، فصاح: ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا.
فناداه شمر: ما تقول يا بن فاطمة؟
قال أقولك أنا الذي أقاتلكم وأنتم تقاتلونني، والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم وجهّالكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّا.
فصاح شمر بأصحابه: تنحّوا عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه، فلعمري هو كفؤٌ كريم، فتراجع القوم.
فنزلت الملائكة من السماء لنصرته فلم يأذن لهم بشيء، ثم التفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً من أصحابه إلا من صافح التراب جبينه وقطع الحمام أنينه، فخاطبهم وعاتبهم فما سمع منهم جواباً.


لما رأى السبط أصحاب الوفا قتلوا *** نادى أبا الفضل أين الفارس البطل
وأين من دوني الأرواح قد بذلوا *** بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا
وخلّفوا في سويد القلب نيرانا
ثم نادى برفيع صوته: هل من ناصر ينصرني، هل من معين يعينني؟ فخرج زين العابدين وهو مريض لا يتمكّن أن يحمل سيفه، وأمّ كلثوم تنادي خلفه ارجع.
فقال: يا عمّتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله.
فقال الحسين: خذيه، لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد.
وفي رواية جاء الحسين واحتمله وأتى به إلى الخيمة ثمّ قال: ولدي ما تريد أن تصنع؟ قال: أبه إن نداءك قطع نياط قلبي، وأريد أن أفديك بروحي، فقال الحسين: يا ولدي أنت مريض، ليس عليك جهاد، وأنت الحجّة والإمام على شيعتي وأنت أبو الأئمة، وكافل الأيتام والأرامل، وأنت الرادّ لحرمي إلى المدينة.
فقال زين العابدين: أبتاه تقتل وأنا أنظر إليك؟ ليت الموت أعدمني الحياة، روحي لروحك الفداء، نفسي لنفسك الوقاء.
ثم ذهب الحسين إلى خيام الطاهرات من آل رسول الله، ونادى: يا سكينة ويا فاطمة ويا زينب ويا أم كلثوم: عليكنّ مني السلام فهذا آخر الاجتماع، وقد قرب منكنّ الافتجاع.

فعلتْ أصواتهن بالبكاء وصحْن: الوداع الوداع، الفراق الفراق، فجاءته عزيزته سكينة وقالت: يا ابة استسلمت للموت؟ فإلى من اتّكل؟ قال: يا نور عيني كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له ولا معين. قالت: ابه ردّنا إلى حرم جدّنا؟ فقال الحسين: هيهات، لو ترك القطا لغفا ونام.


فبكت سكينة فأخذها وضمّها إلى صدره ومسح الدموع عن عينها وهو يقول:
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي *** منك البكاء إذا الحِمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة *** مادام منيّ الروح في جثماني
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي *** تأتينه يا خيرة النسوان

ثم إن الحسين دعاهن بأجمعهن، وقال لهن: استعدوا للبلاء واعلموا أن الله حافظكم وحاميكم، وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعذب أعاديكم بأنواع العذاب، ويعوّضكم عن هذه البليّة بأنواع النعم والكرامة، فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم.

ثم أمرهن بلبس أزرهن ومقانعهن، فسألته زينب عن ذلك، فقال: كأنّي أراكم عن قريب كالإماء والعبيد يسوقونكم أمام الركاب، ويسومونكم سوء العذاب، فنادت زينب: وا جدّاه وا قلّة ناصراه، فشقّت ثوبها ونتفت شعرها ولطمت على وجهها، فقال الحسين لها: مهلاً يا بنت المرتضى إن البكاء طويل، فاراد الحسين أن يخرج من الخيمة فتعلّقت به زينب، وقالت: مهلاً يا أخي توقّف حتى أتزوّ منك ومن نظري إليك وأودّعك وداع مفارق لا تلاقي بعده.
فجعلت تقبّل يديه ورجليه، وأحطن به سائر النسوة يقبّلن يديه ورجليه، فسكّتهن الحسين، وردّهن إلى الفسطاط.

ثم دعا بأخته زينب وصبّرها وأمرّ يده على صدرها وسكّنها من الجزع، وذكر لها ما أعدّ الله للصابرين، فقالت له: يابن أمي طب نفساً وقرّ عيناً فإنك تجدني كما تحب وترضى. فقال الحسين: أخيّة إيتيني بثوب عتيق لا يرغب فيه أحد، أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد بعد قتلي، فإني مقتول مسلوب، فارتفعت أصواتهنّ بالبكاء، فأتي بتبّان، وهو ثوب قصير ضيّق، فقال: لا، ذاك لباس من ضربت عليه الذلّة، فأخذ ثوباً خَلِقاً فخرقه وجعله تحت ثيابه فلما قتل جرّدوه منه.

ثم نادى الحسين هل من يقدم إليّ جوادي؟ فسمعت زينب فخرجت وأخذت بعنان الجواد وأقبلت إليه وهي تقول: لمن تنادي وقد قرحت فؤادي.

فعاد الحسين إلى القوم فحمل عليهم وكانت الرجال تشدّ عليه فيشدّ عليها، فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا حلّ فيها الذئب، حمل على الميمنة وهو يقول:

الموت خير من ركوب العار *** والعار أولى من دخول النار

وحمل على الميسرة وهو يقول:

أنا الحسين بن علي *** آليت أن لا أنثني
أحمي عيالاتُ أبي *** أمضي على دين النبي

فجعلوا يرشقونه بالسهام والنبال حتى صار درعه كالقنفذ، فوقف ليستريح ساعة وقد ضعف عن القتال فبينما هو واقف إذ أتاه حجرٌ فوقع على جبهته، فاخذ الثوب ليمسح الدم عن عينه فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب فوقع السهم في صدره على قلبه، فقال الحسين: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: الهي إنك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره.

ثم أخذ السهم وأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح فلما امتلأت دماً رمى به إلى السماء، ثم وضع يده على الجرح ثانياً فلما امتلأت لطّخ به رأسه ولحيته وقال هكذا أكون حتى ألقى جدّي رسول الله وأنا مخضوب بدمي أقول: يا رسول الله قتلني فلان وفلان.

فعند ذلك طعنه صالح بن وهب على خاصرته طعنة، فسقط عن فرسه على خده الأيمن وهو يقول: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، ثم جعل يجمع التراب تحت يده كالوسادة فيضع خدّه عليها ثم يناجي ربّه قائلاً:
صبراً على قضائك وبلائك، يا رب لا معبود سواك، ثم وثب ليقوم للقتال فلم يقدر، فبكى بكاءاً شديداً، فنادى: وا جدّاه وا محمّداه، وا أبتاه وا عليّاه، وا غربتاه وا قلّة ناصراه، ءأقتل مظلوماً وجدّي محمد المصطفى؟ ءأذبح عطشانا وأبي عليّ المرتضى؟ ءأترك مهتوكاً وأمي فاطمة الزهراء؟

ثم خرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه، وا سيداه، وا أهل بيتاه، ليت السماء أطبقت على الأرض، ليت الجبال تدكدكت على السهل، اليوم مات جدّي اليوم ماتت أمي.

ثم نادت: ويحك يابن سعد أيقتل أبو بعد الله وأنت تنظر إليه؟ فلم يجبها عمرو بشيء، فنادت: ويحكم أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد.
ثم انحدرت نحو المعركة وهي تقوم مرّة وتقعد أخرى، وتحثو التراب على راسها حتى وصلت إلى الحسين فطرحت نفسها على جسده وجعلت تقول:
ءأنت الحسين أخي؟
ءأنت ابن أمي؟
ءأنت حمانا؟
ءأنت رجانا؟

والحسين لا يرد عليها جواباً، لأنه كان مشغولاً بنفسه، فقالت: أخي بحق جدّي إلا ما كلّمتني، وبحق أبي أمير المؤمنين إلا ما خاطبتني، يا حشاش مهجتي كلّمني يا شقيق روحي، ففتح الحسين عينه. فعند ذلك جلست زينب خلفه وأجلسته حاضنة له بصدرها، فالتفت إليها الحسين وقال: أخيّة كسرتِ قلبي وزِدتني كرباً فوق كربي، فبالله عليك إلا ما سكتِ وسكنتِ.

فصاحت: وا ويلاه يابن أمي كيف اسكن واسكت وأنت بهذه الحالة تعالج سكرات الموت؟
روحي لروحك الفداء، نفسي لنفسك الوقاء.

فخرج عبد الله بن الحسن وهو غلامٌ لم يراهق من عند النساء، فشدّ حتى وقف إلى جنب عمّه الحسين، فلحقته زينب بنت علي لتحسبه، فقال لها الحسين: احبسيه يا أختي فابى وامتنع عليها امتناعاً شديداً وقال: والله لا أفارق عمي، واهوى أبحر بن كعب إلى الحسين بالسيف فقال له الغلام: ويلك يابن الخبيثة أتقتل عمّي فضربه أبحر بالسيف فأتقاه الغلام بيده وأطنّها الى الجلد فإذا هي معلّقة، ونادى الغلام: يا عمّاه يا أبتاه فأخذه الحسين فضمّه إليه وقال: يابن أخي صبراً على ما نزل بك واحتسب في ذلك الأجر فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين فرماه حرملة بسهم فذبحه في حجر عمّه الحسين.

ثم صاح عمر بن سعد بأصحابه: ويلكم إنزلوا وحزّوا رأسه، وقال لرجل: ويلك إنزل إلى الحسين وأرحه. فأقبل عمرو بن الحجاج ليقتل الحسين فلمّا دنى ونظر إلى عينيه ولّى راجعاً مدبراً، فسألوه عن رجوعه؟ قال: نظرتُ إلى عينيه كأنهما عينا رسول الله. واقبل شبثُ بن ربعي فارتعدت يده ورمى السيف هارباً، فعند ذلك أقبل شمرٌ وجلس على صدر الحسين ووقعت المصيبة الكبرى التي يعجز القلم عن وصفها.

يا قتيلاً قوّض الدهر به *** عمد الدين وأعلام الهدى
قتلوه بعد علم منهم *** إنه خامس أصحاب الكسا
وا صريعاً عالج الموت بلا *** شدّ لحيين ولا مدّ ردا
غسّلوه بدم الطعن وما *** كفّنوه غير بوغاء الثرى

ألا لعنة الله على القوم الظالمين
كربلاء المقدسة - العراق
كتبه: محمد كاظم القزويني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين
الا لعنة الله على القوم الظالمين

منقوول العبد الفاني سيد علي الموسوي


توقيع : لبيك
[IMG]
[/IMG]
من مواضيع : لبيك 0 قصة موظفي الضرائب وتقصي احوالهم وأحوال الوزراء
0 الانتخابات العراقية - التغيير - بقلمي
0 تعزية محرم الحرام وعاشوراء الاحزان والاباء .....
0 رب نومة نافعة ..
0 ذكرى استشهاد الامام جعفر بن محمد الصادق –ع-
رد مع اقتباس