|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:18 AM
السؤال:
ما تصفونه شبيهٌ باحتفالات الخامس عشر من شعبان التي تشهدها إيران؟
السيد الشاهرودي:
تماماً كما تفضّلتم، ولكن بشكل أعظم وأبهى، فقد كانت المدينة تزدان بثياب بهائها كما تزدان العروس ليلة عرسها، وكانت الشوارع تُكسى بأجمل الحلل والأقمشة وأجملها، لقد كانت ظاهرةً عظيمة وفريدة من نوعها. كان السيّد الصدر واحداً من مؤسّسي هاتين الظاهرين ـ ظاهرة المكتبات وظاهرة المهرجانات ـ وكان له عادةً في هذه المهرجانات كلمةٌ وبحثٌ يُلقى، وكان هذا جزءاً من الأعمال السياسيّة والاجتماعيّة التي كان مهتمّاً بإنجازها والتصدّي لها.
والذي أريد أن أخلص إليه من النقاط التي قمت باستعراضها هو أنّ أستاذنا الشهيد كان يسعى بجدٍّ إلى تربية طلاّبه وتنشئتهم نشأةً صالحة وفي بيئة فكريّة متينة، متماسكة وغير ضحلة، مُعملاً في ذلك الرويّة ومعتمداً سياسةَ التأنّي والتريّث وعدم إثارة الضجيج. وعندما تلتقي خصالٌ من هذا القبيل وتلتئمُ في أستاذٍ يفوح منه أريج العاطفة الجيّاشة، فمن الطبيعي أن يتحوّل إلى قبلة عشقٍ تؤمّها أفئدة الطلاّب والمريدين. لقد كان بحقٍّ يتمتّع بجاذبية خاصّة.
لماذا طرح السيد الصدر مرجعيّته؟!
السؤال:
ليس من شكٍّ في أهميّة الأحاديث المختزنة لديكم حول جهود الشهيد الصدر وعطاءاته العلميّة، إلاّ أنّ ضيق الوقت من ناحية، ومحاولتنا التركيز على الجوانب التاريخيّة لهذه الشخصيّة من ناحية أخرى يدفعانا إلى استئذانكم في تخطّي هذا المحور والانتقال إلى محور جديد. وقد وجدنا أنّ خير سبيلٍ لمعالجة الفصول الأخيرة من حياة الشهيد الصدر السياسيّة هو أن نعود أدراجنا إلى زمن وفاة المرحوم آية الله العظمى السيّد محسن الحكيم، لنسلّط الضوء على الدوافع التي وقفت خلف دخوله ساحة النشاط المرجعي:
هل كانت المرجعيّة الرشيدة التي دعا إليها الشهيد الصدر غير مترجمة على أرض الواقع، فأراد من خلال تصدّيه لها شخصيّاً تحقيقها بنفسه؟ أم أنّ وراء ذلك دوافع أخرى؟
السيد الشاهرودي:
الحقيقة أنّ هناك عاملين وقفا معاً وراء بلورة هذا القرار لدى أستاذنا الشهيد؛ فقد مال في بداية الأمر إلى المرجعيّة الرسميّة للحوزة، وعلى وجه الخصوص إلى السيّد الخوئي، فأقدم على دعمه والاصطفاف إلى جانبه؛ لاعتقاده وطلاّبه بأعلميّته. ولكن وقف خلف قراره بالتصدّي سببان رئيسيّان:
أـ العلاقة بمرجعية السيد الخوئي
أحدهما: زوال أثر الانطباع الذي كان يخامره إزاء السيّد الخوئي؛ إذ سرعان ما انقشعت الغبرة وأبدت الرغوة عن الصريح، وما حصل معه في هذا الصدد شبيهٌ بما حصل سابقاً مع الإمام الخميني في علاقته بالسيّد البروجردي. فأنتم تعلمون أنّ الإمام هو الذي استقدم السيّد البروجردي من بروجرد ليستقرَّ به المقام في حوزة قم. إلاّ أنّ تقادم الزمن كشف له عن أنّ مرجعيّة السيّد البروجردي ـ وعلى الرغم من الخصال الإيجابيّة التي توافرت لديها ـ لم تجارِ بشكلٍ كافٍ الأهدافَ التي رسمها الإمام، بل إنّها نقضت غزلها وانقلبت على هذه الأهداف؛ ففي ساحات ومناسبات عدّة ـ من قبيل قضيّة (فدائيّي الإسلام) والشهيد نوّاب صفوي ومقارعة النظام الحاكم و... ـ كان الإمام يلاحظ بوضوح أنّ تدخّل السيّد البروجردي لا يرقى إلى المستوى المطلوب، وإنْ بقي جدار الاحترام المتبادل قائماً بينهما.
إذا نقلنا هذه الصورة إلى العراق، نجدها تتطابق مع علاقة السيد الصدر بالسيّد الخوئي؛ ففي البدايات كان أستاذنا يعلّق على مرجعيّة السيّد الخوئي آمالاً عظيمة. ولستُ أدري ما مدى اطلاعكم على تاريخ السيّد الخوئي وماضيه، والحقُّ يقال: إنّنا لو قطعنا النظر عن حواشيه وتأثره بهم، فسنجد أنّه كان شخصاً منفتحاً وصاحبَ ذهنيّة غضّة ونضرة؛ ففي أحداث الخامس عشر من خرداد على سبيل المثال، نجده المرجع الأكثر فعاليةً وتفاعلاً مع ما عصف بالساحة يومذاك، حيث أصدر العديد من التصريحات الخطيرة إلى جانب تكفيره الشاهَ في حكمٍ أصدره بهذا الصدد. لقد أقضَّ اعتقال الإمام الخميني مضجعه وسلبَ النومَ من عينيه، الأمر الذي جعله يخرق صمت الليل في جولانه على المراجع محذّراً من احتمال إعدام الإمام. في ذلك الحين، لم يكن السيّد الخوئي مطروحاً في عداد المراجع، شأنه في ذلك شأن الإمام نفسه، وإن كان قد تربّع داخل الحوزة على كرسيّ الأستذة والتدريس وحاز المقام العلمي الرفيع، مستقطباً عدداً كبيراً من أهل العلم والفضل الذين التأموا حول مائدة درسه.
لقد كان السيّد الخوئي في ذلك الحين ينتقد مراجع عصره، حيث كان يعتبر أنّ المرجعيّة خيرُ وسيلة يمكن التوسّل بها لخدمة الإسلام وأهدافه، وكانت تجري على لسانه أحاديث تفوح منها بنحوٍ من الأنحاء رائحةُ الدعوة إلى تجسيد معنويات الإسلام الكبرى وإقامة أحكامه على الأرض، وقد صبّت فتاواه المتناثرة في شتّى المجالات في هذا المصبّ وعزّزت هذا الاتجاه، وكان له فتاوى جيّدة ترتبط بالمسائل الحكوميّة. وليس ذلك إلاّ بسبب ما كان يتحلّى به من فكر رحب ومنطلق، ولهذا نجد أنّ أفكاره كانت ـ قبل تسنّمه سدّة المرجعيّة ـ عبارة عن فتاوى منفتحة وحرّة. لقد كان جليّاً لكلّ من يتداول معه أطراف الحديث أنّه يتمتّع بثقافة حقوقيّة واسعة، وأنّ مفاهيم الإسلام مشبعة لديه بحيث كان يطرح الإسلام بوصفه نظاماً.
ولنمثّل لهذا الأمر بفتاواه المتعلّقة بأموال الأنظمة غير الإسلاميّة، التي خلع عنها رداء الشرعيّة ولم يقل بملكيّتها طالما أنّها لم تتجلبب بجلباب الإسلام ولم تحظَ بإمضاء الشارع، الأمر الذي انعكس سلباً على مقلّديه الذين يتقاضون رواتب حكوميّة وأوقعهم في الحرج، بينما نجد أنّ الإمام الخميني ـ الذي نادى بالحكومة الإسلاميّة وقعّد مبانيها ـ قد ذهب إلى ملكيّة هذه الأنظمة. إنّ فتاوى السيّد الخوئي في هذا المجال تبعث على العجب، وهي في الواقع تعتلي سلّم الرقي. لقد كانت ثقافته العامّة رحبة الجوانب، وكان يتمتّع بذاكرة حديديّة.
على كلّ حال، يراودني اعتقادٌ بأنّ السيّد الصدر ـ الذي تتلمذ عليه لسنوات ـ قد تجاذب معه أطراف الحديث حول هذه المسائل، ولهذا كان يعقد عليه الآمال الجسام، خاصّة بعد استفحال الصدام بين النظام الحاكم ومرجعيّة السيّد الحكيم؛ ولهذا كان أستاذنا ينضحُ أملاً في أن يقتفي السيّد الخوئي أثر السيّد الحكيم ويكمل طريقه، الأمر الذي دفعه إلى التأكيد على الرجوع إليه، بعد أن أبرما اتفاقاً بهذا الصدد(1).
لقد كان السيّد [مرتضى] الحكمي ـ الذي أتى لاحقاً إلى إيران وشغل فيها منصب القضاء في ديوان العدالة الإداريّة ـ صهراً للسيّد الخوئي، وكان قد انخرط في ذلك الحين في مجموعة من الأعمال الثقافيّة وتصدّى لها، وكان في بداية الأمر مدرّساً في كليّة الفقه التي زرع دعائمها وشيّد بنيانها المرحوم [الشيخ محمّد رضا] المظفّر، ولكنّه ما لبث أن ترك التدريس بعد أن طرحت مرجعيّة السيّد الخوئي، والتحق بالبرّاني(2). كان السيّد الحكمي شخصاً مثقّفاً مطّلعاً يعيش هموم عصره، وكان صاحب قلمٍ جيّد، وقد أبرم مع السيّد الصدر ومعنا اتفاقات تقضي بالسعي نحو إمضاء وكلاء السيّد الحكيم المناهضين للنظام وإقرارهم على وكالاتهم، وفي المقابل حرمان الأشخاص المرتهنين للنظام أو المشبوهين منها، وقد أبرم هذا الاتفاق إبراماً قويّاً، الأمر الذي دفع بالسيّد الصدر إلى تعليق آماله على مرجعيّة السيّد الخوئي.
ولكن سرعان ما خاب رجاء السيّد الصدر وخذلته آماله بعد أن تبيّن له أنّ الاتفاق لم يترجم على أرض الواقع، وأنّ ما يحصل يناقضه تماماً، فقد منحت وكالة المرجعيّة لأشخاص كانوا من روّاد الماركسيّة ذات يوم، أو ممّن رفعوا لواء مناهضة الدين، كما منحت في البصرة وغيرها لأشخاص مشهورين بعناوين خاصّة. ومع مرور الأيّام تكشّف لأستاذنا الشهيد أنّ جهاز السيّد الخوئي قد خرج عن نطاق السيطرة والتحكّم، واتّضح له أنّ سعة الأفق الفكري شيء وإدارة الأمور شيءٌ آخر تماماً، ولهذا لم يتمكّن السيّد الخوئي من إدارة جهازه والتحكّم به.
وإذا بالسيّد الصدر بعد هذه الحالة قد تقلّص ظلُّ أمانيه وانفضّت علاقته ببيت السيّد الخوئي وجهازه، لكن بقيت بينهما علاقة السلام وردّ السلام إذا التقيا من حينٍ لآخر.
إذن، ضعفت علاقة أستاذنا بجهاز السيّد الخوئي، فانتثر عِقدُهم وصدع البينُ شملهم، ولم يستغرق هذا التحوّل سوى سنتين من حين إبرام الاتفاق المذكور بينهما، ولم تقتصر آثار هذا التحوّل على السيّد الصدر، بل طالت حتّى السيّد الحكمي ـ [صهر السيّد الخوئي] ـ صاحب الفكر المنفتح، حيث أخرجه السيّد عباس نجل السيّد الخوئي بأسلوبٍ يجافي قواعد اللباقة، الأمر الذي دفعه إلى الانتقال إلى إيران، وهو شوشتريُّ الأصل. وفي نهاية المطاف تسلّم زمامَ مرجعيّة السيّد الخوئي أشخاصٌ لا يولون أهميّة للمسائل الجهاديّة والاجتماعيّة بل يعيشون في جوٍّ مباينٍ تماماً. هذا هو السبب الأوّل الذي وقف خلف تصدّي أستاذنا الشهيد للمرجعيّة.
الهوامش
-----------
1 ـ الاتفاق كان يقتضي:
أوّلاً: أن يكمل السيّد الخوئي نشاط مرجعيّة السيّد الحكيم من حيث انتهت إليه.
وثانياً: بأن يكون تسيير وكلاء السيّد الخوئي إلى المناطق بيد السيّد الصدر، وذلك من خلال لجنة شكّلها في سبيل هذا الغرض. انظر: محمّد باقر الصدر.. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق 2: 363 وما بعد.
2 ـ تعني هذه الكلمة في أمثال المقام حاشية المرجع وجهازه الخاص.
ملاحظة: سوف ننقل لاحقا نص ما جاء في كتاب محمّد باقر الصدر.. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق 2: 363 وما بعد لمناسبة الموضوع.
|
|
|
|
|