|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:27 AM
مرجعية السيد الصدر بين الشباب والجامعات وبين الحوزات العلمية
السؤال:
يعتقد بعض طلاّب الشهيد الصدر ومقرّبيه أنّ مرجعيّته لاقت إقبالاً في أوساط شباب الجامعات وناشئة الحوزة العلميّة، وبالخصوص من قبل الطلبة اللبنانيّين وعشائر العراق، بينما لم يكن الأمر كذلك بالنسبة إلى الحوزة العلميّة التي لم تعبأ بهذه المرجعيّة كثيراً ولم تتفاعل معها؛ وذلك ـ وبحسب تحليل بعض المطّلعين ـ بسبب تخييم عامل الحسد. كيف تنظرون أنتم إلى هذه المسألة؟
السيد الشاهرودي:
إنّ أكثر الذين تفاعلوا مع مرجعيّته وأقبلوا عليها كانوا من الطلاّب العرب واللبنانيّين، أضيفوا إليهم مجموعة من الطلاّب الإيرانيّين الذين تمّ تسفيرهم إلى إيران في أحداث التسفير المعروفة. لم يكن مقامه العلمي الرفيع إلى حين تصدّيه للمرجعيّة محلَّ خلافٍ ونزاع، وكان الإيرانيّون يشكّلون أعلى نسبة من طلاّبه، وكان الأشخاص الذين حرموا من حضور درسه مراعاةً للنظام البعثي الحسّاسِ تجاهه ـ حيث كان وضعه في علاقته مع النظام البعثي شبيهاً بوضع المرحوم السيّد الحكيم ـ يتجرّعون غصص الندم ويعضّون أناملهم أسفاً. أضيفوا إلى ذلك المسائل المتعلّقة بحزب الدعوة والتنظيم، فقد كانت هذه المسائل برمّتها تثير الحساسيّة والترقّب في نفوس الطلاّب. ولكن مع ذلك، وكما سبق وأن أشرت، فإنّ غالبيّة طلاّبه كانت من الإيرانيّين، وكانوا كذلك الأوفر حظّاً في الفضيلة العلميّة، ولم يكن بين اللبنانيّين من يضاهيهم فضلاً، وكان بنفسه يولي الإيرانيّين مزيداً من الأهميّة.
بعد ذلك، برزت مسألة التصدّي للمرجعيّة وطرح الرسالة العمليّة، وذلك تزامناً مع بلوغ درجة الحساسيّة بين جهاز السيّد الخوئي وجهاز الإمام الخميني درجاتها العُلى، خاصّةً أنّ عدداً كبيراً من الطلاّب الإيرانيّين لم يصادقوا على تقدّم السيّد الخوئي على الإمام في ميزان الأعلميّة، وقد شكّلت هذه المسألة في الحقيقة أولى بوادر الافتراق التي سعى السيّد الصدر إلى حلّها وتمييعها من خلال تردّده على الإمام، وترحيبه بدرس ولاية الفقيه، وتوصيته بكتاب [الحكومة الإسلاميّة] الذي كان يمدحه كثيراً ويعتبره نقطة تحوّل في مسار المرجعيّة. وعلى كلّ حال، فقد حاول الشهيد الصدر أن يجبر الكسر ويرتق الفتق من خلال لقاءاته وأحاديثه مع الذين كانوا يتردّدون عليه.
وعلى صعيدٍ آخر، وبعد أن تبلور الجهاز التقليدي للسيّد الخوئي ـ الذي لم يكن متماهياً مع مشروع مقارعة النظام بهذا النحو ـ تجذّرت أسباب الشقاق ووصل الأمر إلى منعطف طرق، وقد جعل ذلك الحوزةَ تنأى عن الشهيد الصدر يوماً بعد يوم. إلاّ أنّ خلاف الطرفين معه لم يكن لينسحب على الاعتراف بمستواه العلمي والفقهي والفكري، ولكنّ السؤال الذي أثير مثلاً لدى جهاز السيّد الخوئي كان يتمحور حول السرّ في تبدّل موقفه، وأنّه لماذا لا يُرجع اليوم إلى السيّد الخوئي بعد أن كان بالأمس قد دعا الجميع إلى تقليده؟ ولهذا اتّسم تعاطي جهاز السيّد الخوئي معه بالشدّة، وقد اجتمع السيّد [جلال] فقيه إيماني ـ صهر السيّد الخوئي الذي كانت إدارة الجهاز بيده، والذي يصارع اليوم المرض ـ بالسيّد الصدر وعقد معه اجتماعاً مطوّلاً حول هذا الموضوع وطرح عليه هذا التساؤل.
ولكن قبل ذلك دعوني أذكر لكم أنّ السيّد [جلال] فقيه إيماني إصفهانيُّ الأصل، وهو شقيق السيّد كمال الذي كان وكيلاً للإمام الخميني، بينما كان السيّد جلال وكيلاً وصهراً للسيّد الخوئي، وكان في أيّام الدراسة رفيقاً للسيّد الصدر، ولذلك تلقّى السيّد الصدر منه عتاباً شديداً على ما آل إليه موقفه، خاصّةً مع متانة علاقته بالسيّد الخوئي، ومع أخذ موقفه السابق بعين الاعتبار.
وهنا لا يفوتني ذكر حادثة ظريفة كان يذكرها لنا السيّد الصدر، حيث قال: عند مجيء السيّد جلال من إيران واستقراره في النجف لم يكن متزوّجاً، وقد التحق بدرس المرحوم الشيخ حسين الحلّي، وكان الشيخ حسن والشيخ سعيد وبعض الطلاّب الإيرانيّين الذين يحضرون درس السيّد الخوئي يحضرون في درسه أيضاً، وكان الشيخ الحلّي من طلاّب الميرزا النائيني، وكان عالماً فاضلاً زاهداً عابداً، ينأى بنفسه عن الادعاءات، وكان على علاقة خاصّة بالإيرانيّين ويلقي دروسه بالفارسيّة على غرار أستاذه النائيني، وكان درسه قبل مجيء الإمام إلى النجف يلي درس السيّد الخوئي من حيث الأهميّة، إلى أن افتتح الإمام درسه واستقطب إليه الطلاّب. إذاً إلى ذلك الحين كان درس الشيخ الحلّي من الدروس المهمّة التي يحضرها فضلاء الطلاّب. في البدايات التحق السيّد جلال بدرس السيّد الخوئي، ولم تمضِ بضعة دروس حتّى تركه، وعندما سأله السيّد الصدر عن السبب أجابه بأنّ الشيخ الحلّي أدقّ وأفضل، فاقترح عليه السيّد الصدر أن يحضر الدرسين معاً، ولكنّه أجاب بأنّه يكتفي بحضور درس الشيخ الحلّي. وبعد مدّة لاح في الأفق موضوع مصاهرته للسيّد الخوئي، وبعد أن تمّت المصاهرة رجع إلى الدرس، وترك درس الشيخ الحلّي. هنا يقول السيّد الصدر إنّه قال ذات مرّة للسيّد جلال ممازحاً: «لقد اتّضح لنا الآن أنّ أحد أدلّة الأعلميّة هو المصاهرة، ما برحنا ندعوك إلى درس الخوئي فلم تستجب، ولمّا صاهرته أتيت».
نرجع إلى صلب الموضوع: ما أردت قوله هو أنّ السيّد جلال كان شديد الحساسيّة تجاه تبدّل موقف السيّد الصدر، وكان يسأله عن سبب ذلك، وقد قدّم له السيّد الصدر مجموعة من الأجوبة.
لقد كان موقف الحوزة من السيّد الصدر موقفاً سياسيّاً ولم يكن مبدئيّاً، وكان الطلاّب الإيرانيّون يتخوّفون على أنفسهم من التسفير، وقد حصل ذلك بالفعل لمرّتين أو ثلاث مرّات. أذكر بهذا الصدد السيّد [محمّد باقر] السلطاني [الطباطبائي] عديل السيّد الصدر، والذي كان قد عزم على الاستقرار في النجف، وقد تكبّد السيّد الصدر عناءً بالغاً في سبيل تأمين مسكن له. في إحدى الليالي شنّ البعثيّون حملة من الاعتقالات بين النجف وكربلاء وتمّ إرسال المعتقلين إلى الحدود، ولم يمضِ أسبوع واحد على سكنى السيّد سلطاني وعائلته في منزله الجديد الذي أحسن تجهيزه حتى عدل عن قراره بالاستقرار حذراً من اعتقاله أو اعتقال أحد من أفراد أسرته من قبل البعثيّين الذين وصفهم بالمجرمين، فعاد أدراجه إلى إيران باعتبار أنّ العراق ليس مكاناً مناسباً للاستقرار.
هكذا كان الوضع في النجف، وقد أفاد هؤلاء بشدّة من قضيّة التسفير، فقد كانوا يضغطون من خلالها على الطلاّب، محذّرين إيّاهم من أنّ من حضور درس فلان(1)عاقبته الاعتقال، وذلك بسبب حالة الصدام القائمة بينه وبين النظام الحاكم، فقد كانوا يعترفون له بالدقّة العالية والفضيلة الواسعة، إلاّ أنّه على أيّ حال رجل سياسة، وكان التدخّل في الشأن السياسي في بيئة الحوزة التقليديّة أمراً غريباً وغير مألوف، وعلى وجه الخصوص بين الطلاّب الإيرانيّين من غير المحسوبين على خطّ الإمام، حيث كانوا يتحسّسون للغاية من هذه الظاهرة، ويعتبرونها لا تنسجم مع شأن الحوزة، وكان الاعتقاد في ذلك الحين بانفصال الدين عن السياسة أمراً عاديّاً، وخاصّة كيان الحوزة الذي ينبغي ـ بنظرهم ـ أن ينأى بنفسه وبشدّة عن ميادين العمل السياسي.
لقد كان هؤلاء يستفيدون من الجو السائد لِلَيِّ ذراع السيّد الصدر، ولكنّ سياستهم هذه لم تؤتِ أكلها مع الطلاّب اللبنانيّين لكونهم متورّطين أساساً، ناهيك عن طبقة الشباب الذين كانوا مؤمنين بمشروع النهضة والنضال. لقد كان السيّد الصدر يملك أهليّة عظيمة لتولّي زمام المرجعيّة، فقد كان صاحب مَلَكَة فقهيّة راسخة وضاربة في الأرض، إلى جانب ثقافة فكريّة مترامية الأطراف، وقد اجتمعت فيه العديد من الإمكانيّات والطاقات. وإذا نظرت إلى المرحوم الشهيد مرتضى المطهّري مثلاً، لوجدت أنّه صاحب رأي في مجال الفلسفة وعلم الاجتماع، وكان الشهيد الصدر يكنّ له احتراماً خاصّاً، إلاّ أنّه لم يخلّف في الفقه كتاباً ولم يربِّ فيه تلميذاً، بينما نجد أنّ آثار الشهيد الصدر الفقهيّة مرجعٌ لأهل الرأي والفن، حتّى أنّ فضلاء الطلبة في قم يعتبرون الآن أنّ الدرس الذي لا يأخذ نظريّات الشهيد الصدر بعين الاعتبار ليس درساً كاملاً، وقد بدأت تقريراته وأبحاثه تحتلُّ اليوم مكانتها في الحوزة، وقد بدأت آراؤه الأصوليّة تشقُّ طريقها في دروس أساتذة الحوزة وفضلائها في قم، والذين بدأوا في الفترة الأخيرة يحتلّون كراسي التدريس بدل الطبقة الأولى المتقدّمة في السن.
فلو كان أفاضل طلاّب الميرزا جواد التبريزي مثلاً يهملون آراء السيّد الصدر ولا يتعرّضون لها لما احتشد حولهم الطلاّب، ولطولبوا بالتعرّض للآراء الجديدة وعدم إهمال نظريّاته، تماماً كما هي الحال مع السيّد الخوئي مثلاً في الفقه والرجال؛ فلو أنّ أحدهم أراد التحقيق في علم الرجال ـ الذي كان للسيّد الخوئي فيه يدُ تحقيق ونظر ـ ولم يأخذ بعين الاعتبار (معجم رجال الحديث) لسئل عن سبب هذا الإهمال. وكذلك الأمر في الفقه، فلو أنّ أحدهم أراد تدريس الفقه ولم يتعرّض لشرح السيّد الخوئي على (العروة الوثقى) لأثار ذلك التساؤل نفسه. وهذا ما حصل مع السيّد الصدر بالنسبة إلى أبحاثه الأصوليّة التي صدر منها دورة كاملة، حيث كان قد درّس دورتين. وقلنا: «الأصوليّة» لأنّه لم يخلّف من الآثار الفقهيّة سوى ثلاثة أو أربعة مجلّدات في باب الطهارة.
على كلّ حال، لقد كان السيّد الصدر ملتقىً للعديد من الخصال والمزايا، وكان ذلك ليشكّل أرضيّة ملائمة جدّاً ليكون مرشّحَ الحوزات العلميّة في التصدّي لأمور المرجعيّة، إلاّ أنّ الأوضاع السياسيّة التي عصفت به غيّرت مجرى سفنه، ونحن في الوقت الذي تختلجنا فيه أعظم مشاعر الأسى لفقدانه من ساحات العلم والمعرفة، نحتسبه عند الله تعالى الذي قدّر له أن يسلك سبيل الجهاد والإيثار، وقد انتهى به المطاف بنيل مقام الشهادة الرفيع.
الهامش
---------
1 ـ يقصد الإمام الشهيد الصدر.
|
|
|
|
|