عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي أروع مقطع في الرسالة
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 02:04 PM


مرّ على الحسين عشرون عاماً ـ مدّة خلافة معاوية ـ ما ذاق فيها طعم الخضوع والاستكانة، حتّى إذا هلك معاوية وامتنع عن البيعة ليزيد، ورأى من السداد الهجرة عن المدينة ; ليعرف العالم الإسلامي امتناعه عن البيعة، فخرج من المدينة بأهل بيته قاصداً مكّة، ولزم الطريق الأعظم ( الدرب السلطاني )، فقيل له: « لو تنكّبت الطريق كما فعل ابن الزبير؟
فقال: لا والله لا أُفارقه أو يقضي الله ما هو قاض »(18).
فالحسين ـ وعلى ذِكره السلام، هو يحمل بين جنبيه هذه النفس الكبيرة ـ لمّا أراد الخروج من مكّة إلى العراق أبت نفسه الكريمة، وأنفت همّته القعساء(19) أن يخرج هو وولدانه وغلمانه على ظهور خيولهم خروج المتشرّد الخائف، والنافر الفزع، ولم يرض لنفسه إلاّ أن يظهر بأسمى مظاهر الأُبَّهَةِ والهَيْبَةِ والجَلالِ والحِشْمَةِ في الموكب الملوكي، وفخامة الملك والسلطان.
ومن المعلوم أنّ لحمل الحرم والعائلة من لوازم الفخامة والعظمة، وشوكة المناطق والسرادق، ما لا يحصل بدونها، ولو خرج سلام الله عليه من أوطانه وترك عقائله في عقر دارهم لكان خروجه أشبه ما يكون بصعاليك العرب وأهل الغزو والغارات والمتلصّصين، وحاشا لسيّد أهل الإباء أن يرضى لنفسه بتلك المنزلة والخطّة السافلة، بل سار بأهله وذراريه ليكون على مهاد الدعة والسكينة والهدوء والطمأنينة، كَسَيْر أكبر ملك من ملوك الدنيا وأوسعهم في القدرة والسلطان.
ولا تخالنّ في كلمتي هذه ضرباً من الخيال، أو شيئاً من المبالغة والغلوّ; كلاّ، فإنّك لو نظرت إلى بعض الخصوصيات في سيره لوجدت منها أوثق شاهد لك على ما ادّعيناه.
أنْعِمِ النظر في قصّة الحرّ التي اتّفقت على نقلها أرباب المقاتل وأُمناء التاريخ والسيَر(20)، حيث التقى بالحسين في قفر من الأرض لا ماء فيه ولا كلاء، وقد أمضّ به وبأصحابه العطش، وَهُمْ زُهاءَ ألف فارس على ألف فرس، فقال الحسين(ع) لفتيانه: « اسقوا القوم وأوردوهم الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً »، ففعلوا وأقبلوا يملأُون القِصاع(21)والطِساس(22) من الماء، ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقي آخر حتّى سقوها عن آخرها.
فانظر أوّلاً واعجب ما شئت بهذا الحنان والرحمة والعطف والإشفاق، فإنّ القوم الّذين سقاهم الحسين(ع) كانوا أعداءه، وقد جاءُوا مِنْ قِبَل ابن زياد للقبض على الحسين(ع)، حتّى إنّ عليّ بن طعّان المحاربي ـ وهو عراقي من أصحاب الحرّ ـ لم يعرف كيف يشرب من الراوية(23) وكيف يخنث(24) السقاء كما يفعله الحجازي، فكان يشرب والماء يسيل على أشداقه وثيابه، فنزل الحسين(ع) بنفسه وخنث السقاء حتّى شرب وارتوى(25).
واعجب ثانياً لإيثاره بالماء في بادية قحلاء وصحصحان أجرد(26)، والماء فيه أعزّ من الذهب، وقد لا يجدونه في يومين أو ثلاثة أو أكثر، فأيٌّ سخاء هذا السخاء؟! وأيُّ نفس تلك النفس؟!
واعجب ثالثاً ـ وهو محلّ الغرض ـ كم كانت سعة ذلك الموكب السلطاني وإدارة ذلك الركاب الملوكي؟!
وكم كان يحمل من الماء؟! حيث سقى نفسه وأعداءه، سقى ألف فارس وألف فرس، وعلى أقلّ تقدير أنّ النفوس التي كانت مع الحسين(ع)، من أولاده وأنصاره وعيالاتهم ألف نفس، وحمولهم(27) ( المِكارَهْ ) التي تحمل خيامهم وأمتعتهم، وما إليها من قدور وقصاع وطساس، ونحو ألفين من الخيل والبغال غير الإبل، فتكون النفوس المحتاجة إلى الإرواء بالماء في ذلك الموكب ـ على أقلّ التقادير ـ خمسة آلاف أو أربعة آلاف نسمة، غير الفضلة الاحتياطية التي سقى منها الحرّ وأصحابه وخيولهم.
فالموكب الذي يحمل من الماء ما يروي ستّة آلاف أو سبعة آلاف نسمة، كم ترى يكون ضخامة ملكه وفخامة سلطانه؟!
وإذا صحّ ما رواه الطريحي في « مجمع البحرين » من أنّ الحسين(ع) لمّا نزل كربلاء اشترى أرض نينوى والغاضرية من بني أسد بستّين ألف درهم، واشترط عليهم أن يدلّوا زوّاره على قبره ويضيّفوهم ; انتهى بمعناه(28) ; فكم كان معه من الأموال والنقود التي يكون فضلتها ستّون ألفاً؟!
وأزيدك شاهداً على ذلك من عظمة الملك والسلطان قضية محمّد بشير الحضرمي(29) ـ الذي رواه السيّد ابن طاووس وغيره حين قيل له ليلة عاشوراء ليلة القلق والأرق، الليلة التي كانت المَنايا فيها على الحَوايا(30)، والحِمام يحوم فيها على الخيام ـ قيل له: « إنّ ابنك أُسر في ثغرَي الريّ ; فقال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما أُحبّ أن يؤسر وأنا أبقى بعده ; فسمع الحسين(ع) قوله، فقال له: رحمك الله، أنت في حلّ من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك.
فقال: أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك.
قال: فاعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه.
فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار »(31).
وعليه: فيكون قيمة كلّ ثوب مئتي دينار ( مئة ليرة ذهب ).
وأنا لا أدري ما كانت تلك الثياب التي قيمة الواحد مئة ليرة؟! وكم كان معه مثلها؟! ولماذا يحملها وأمثالها معه في تلك المراحل؟!
هذه سؤلة لعلّك في غنىً عن الجواب عنها، ولكن أيّها الناقد المشكّك! أتحسب أنّ الحسين(ع) كان صعلوكاً من صعاليك العرب، ولئيماً من لئامها، كابن الزبير، الذي يقول لجنده: « أكلتم تمري وعصيتم أمري »(32)؟!
ويقول للوافد عليه، المستجدي منه، بعد أن قال له: إنّ ناقتي قد نقبت(33).
فقال: ارقعها بهلب(34)، واخصفها بسبت(35).
فقال الوافد: لعن الله ناقةً حملتني إليك.
فقال: إنّ وراكبها »(36).
لا يا هذا! الحسين أكبر ممّا تظنّ، الحسين أكبر من أن يتخلّص من طواغيت بني أُميّة الّذين أرادوا سفك دمه في حرم الله فتنتهك به حرمة الحرم، كما فعل ابن الزبير وفعلوا به، هو أكبر من أن يخلص بنفسه ويترك عياله يشرئبّون إليه ويتطلّعون إلى أخباره ويناشدون الركبان عنه.
وأمّا ما تخيَّلْتَهُ من أنّ هتك الحريم لا يقدم الغيور عليه مهما كان الأمر، فهو وَهمٌ زائف، وقد عرَّفناك أنّ الهتك المُشين هو الذي يلمس أذيال العفّة، ويمسّ ذلاذل(37) الشرف، لا الذي تستحكم به أسوار الصون وسياج العفاف.
وبعد هذا كلّه، فهل أقنعك هذا الوجه، وعرفت كيف كانت منزلة الحسين(ع) من عظمة الشأن وسموّ السلطان؟!

الهوامش
------------
(17) من حِكَمِ الإمام أمير المؤمنين (ع)، انظر: نهج البلاغة: 545 رقم 394.
(18) مقتل الإمام الحسين ـ لابن أعثم الكوفي ـ: 30.
(19) القَعَس: نقيض الحَدَب، وهو خروج الصدر ودخول الظهر ; قَعِسَ قَعَساً، فهو أقْعَس ومُتقاعس، والمرأة قعساء، والجمع: قُعْس.
و « همّته القعساء » هنا كناية عن علوّ همّة الإمام الحسين(ع) وارتفاع عزيمته وسموّ شأنه. انظر: لسان العرب 11 / 243 مادّة « قعس ».
(20)انظر تفصيل الحوار الذي دار بين الإمام أبي عبد الله(ع) وبين الحرّ بن يزيد الرياحي في: تاريخ الطبري 3 / 305 ـ 306 حوادث سنة 61 هـ، مقتل الحسين ـ لابن أعثم ـ: 89 ـ 96، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 1 / 329 ـ 333.
(21) القَصْعَةُ: الصَّحفة أو الضَّخمة منها تشبع العشرة، والجمع: قِصاعٌ وقِصَعٌ وقَصَعات. انظر مادّة « قصع » في: لسان العرب 11 / 193، تاج العروس 11 / 375.
(22) الطَّسُّ: الطَّسْتُ من آنية الصفر، أُنثى تُذكَّر، وهي فارسية، والجمع: طِساس. انظر: تاج العروس 3 / 90 مادّة « طست » و ج 8 / 340 مادّة « طسس ».
(23) الراوية: هو البعير أو البغل أو الحمار يُستقى عليه الماء، والراوية هنا هي المِزادة والوعاء الذي يكون فيه الماء، سمّيت راوية لمكان البعير الذي يحمله.
انظر: لسان العرب 5 / 380 مادّة « روي ».
(24) خَنَثَ: ثَنَى وكَسَرَ، خنَثَ فَمَ السِّقاء: ثنى فاهُ وكَسَرَه إلى الخارج، فشرب منه، وإن كَسَرَهُ إلى الداخل فقد قَبَعَهُ. انظر: تاج العروس 3 / 207 مادّة « خنث ».
(25) انظر: تاريخ الطبري 3 / 305، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 1 / 329 ـ 330.
(26) الصَّحصحان: ما استوى من الأرض وجَرَد، والجمع: الصحاصِحُ ; والصَّحصحُ: الأرض الجرداء المستوية ذات حصىً صغار، وأرض صحاصحُ وصحصحان: ليس بها شيء ولا شجر ولا قرار للماء. انظر: لسان العرب 7 / 288 مادّة « صحح ».
(27) الحُمُول: الإبل وما عليها من الهوادج والأثقال. انظر: لسان العرب 3 / 334 مادّة «حمل».
(28) انظر: مجمع البحرين 5 / 461 مادّة « كربل ».
(29) كذا في الأصل، والظاهر أنّ كلمة « بن » ساقطة ; لأنّ بعض المصادر التي نقلت القصّة ذكرت أنّه « محمّد بن بشير الحضرمي » ; كما في: ترجمة الإمام الحسين ومقتله ـ لابن سعد ـ: 71، تاريخ دمشق 14 / 182، اللهوف على قتلى الطفوف: 153، بغية الطلب في تاريخ حلب 6 / 2592، تهذيب الكمال 4 / 483.
ومصادر أُخرى ذكرت أنّه « بشير بن عمرو الحضرمي » ; كما في: مقتل الحسين ـ لأبي مخنف ـ: 156، تاريخ الطبري 3 / 330.
وترجم له صاحب « تنقيح المقال » قائلا: « بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي، كان من حضرموت وعداده في كندة، وكان تابعيّاً، وله أولاد معروفون بالمغازي، وكان ممّن جاء إلى الحسين(ع) أيّام المهادنة ». انظر: تنقيح المقال 1 / 173 رقم 1331.
(30) الحويَّة: كساء محشوُّ حول سنام البعير، وهي السويّة، والحويّة لا تكون إلاّ للجمال، والسويّة قد تكون لغيرها، لذا تقول العرب: المَنايا على الحَوايا ; أي قد تأتي المنيّة للشجاع وهو على سرجه. انظر: لسان العرب 3 / 409 مادّة « حوا ».
(31) انظر: ترجمة الإمام الحسين ومقتله ـ لابن سعد ـ: 71 رقم 292، تاريخ دمشق 14 / 182، الملهوف على قتلى الطفوف: 153 ـ 154، بغية الطلب في تاريخ حلب 6 / 2592، تهذيب الكمال 4 / 483، بحار الأنوار 44 / 394.
(32) انظر: شرح نهج البلاغة 2 / 123، تاريخ اليعقوبي 2 / 266.
(33) النَّقِبْ: رقّة الأخفاف، نَقِبَ البعيرُ ينقبُ فهو نَقِبٌ، بالكسر إذا رقّت أخفافه.
انظر: لسان العرب 14 / 249 مادّة « نقب ».
(34) الهُلْبُ: الشَّعر كلّه، وقيل: هو في الذَّنَب وحده ; وقيل: هو ما غلظ من الشعر، والهُلْبةُ شعر الخنزير الذي يخرز به. انظر: لسان العرب 15 / 111 مادّة « هلب ».
(35) السِّبْتُ ـ بالكسر ـ: جلود البقر المدبوغة بالقَرظ، تحُذى منه النَّعال السبتية.
انظر: لسان العرب 6 / 140 مادّة « سبت ».
(36) انظر: الأغاني 1 / 18 ـ 19، تاريخ دمشق 28 / 261 و ج 48 / 285، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 78، شرح نهج البلاغة 20 / 139.
وذكر القصّة ابن منظور في لسان العرب 1 / 244 مادّة « أنن » وقال: « إنّ وراكبها » ; يعني: نعم مع راكبها.
(37) ذلاذل القميص: ما يَلي الأرض من أسافله، الواحد ذُلذُلٌ. انظر: لسان العرب 5 / 57 مادّة « ذلل ».



من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء
رد مع اقتباس