|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:53 AM
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 25
مقدمة المؤلف
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 26
«إنّي رأيت أن لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومه إلّا قال في غده: لو غيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدّم هذا لكان أجمل، ولو ترك هذا لكان أفضل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص في جملة البشر».
العماد الإصفهاني «لو كنت لأنتظر الكمال لما فرغت من كتابي إلى الأبد».
تاي تنج «1»
________________
(1) قصّة الحضارة 1: ك.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 27
لا زلتُ أذكر جيّداً إحدى سهراتنا مطلع التسعينات في ليلة من ليالي صيف عاملة، حيث البحر يلوح نهاراً لمن أمعن النظر في الأفق، ومن خلفنا وعلى مقربة منّا الجبل الرفيع، الذي سقت تربتَه دماءُ الشهداء الذين قضوا فيه ذوداً عن حمى الدين.
كان المتسامرون يتجاذبون أطراف الحديث حول بعض الفتاوى الفقهيّة، والتي كانت بنظر بعضهم مطّاطيّة يحار فيها المكلّف. وكان كلُّ شيءٍ طبيعيّاً قبل أن يختم والدي الحديث معزّزاً يأس المتسامرين بقوله: «لو كان السيّد محمّد باقر الصدر حيّاً لعالج المسألة بطريقة مختلفة».
ربّما لم أكن يومها أعرف شيئاً عن السيّد محمّد باقر الصدر سوى أنّ له في مكتبة والدي كتاباً فلسفيّاً كان قد أثار فضولي ضميرُ الجمع المتّصل (نا) المثبت في عنوانه، وقد حفّته في مخيّلتي أحاديث المهابة والتقدير التي كنتُ أسمعها من والدي حول وزن الكتاب العلمي، فكنتُ أكتفي بنقله من مكانٍ إلى آخر داخل المكتبة التي كنتُ ملتزماً بترتيبها كلّما سنحت لي الفرصة.
لقد تساءلتُ في تلك الليلة عن السبب الذي قد يجعل هذا السيّد يعالج المسألة بطريقة مختلفة، وما هو السبب الذي يجعله متميّزاً؟! ومع أنّي لم أحاول يومها التثبّت من إمكان المصادقة على هذه المقولة، ولم أحاول البحث عن جواب تساؤلي، إلّا أنّني أودعتُه صفحة من صفحات الذاكرة، علّي أجد له يوماً جواباً.
وبعد عدّة سنوات، تيسّر أمر سفري إلى الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران من أجل متابعة الدراسة، حيث رحت ألتقي بمحمّد باقر الصدر متألّقاً في منتديات العلم والمعرفة، فضلًا عن حضوره البارز نقطةَ حسمٍ وفاصلةَ نزاعٍ في أسطر الخطاب السياسي لمختلف شرائح المعارضة العراقيّة، حيث لعب بوضوح دور (ليلى) التي يسعى إلى وصلها الجميع. ولا ينبغي لي أن أُغفل عظيم الحفاوة التي يحظى بها عند طبقة الكسبة والمعوزين من العراقيّين المهاجرين، الذين لا يضنّون عليه بعبارات الترحّم والتحسّر، وقد أسكنته تلك المنزلةَ الرفيعة ترابيّتُه العجيبة التي عاش بها معهم ..
في هذه المنتديات عثرتُ على جواب تساؤلي القديم الذي سبقني إليه والدي بسنوات، فقد أدركتُ- وبوضوحٍ لا يساوره شكّ- أنّ الحديث عن الصدر حديثٌ عمّا هو (مختلف)، إلّا أنّ اختلافه هذا وخروجه عن كثيرٍ من مسلّمات بيئته لم يكن خروج المتهوّر، بل خروج الثمر اليانع عن جذع أمّه. وفي هذه المنتديات أيضاً، عرفت معنى (نا) التي رفعها الصدر شعاراً، بل وجدته هو بنفسه (نا) أخرى، إذ كان بحق- طيّب الله رمسه- ضميراً فاعلًا لرفع الجمع المتّصل ..
لقد شكّلت محطّتي الجديدة هذه سبباً دعاني إلى محاولة التعرّف على شخص محمّد باقر الصدر بشكل أعمق، ثمّ على مواقفه في ميادين المعرفة وحقول العمل السياسي والاجتماعي، وقد شدّني إليه محاضرةٌ بصوته سمعت كلماتها مرّات عديدة، وقد أكّدت لي إخلاص الرجل وتمحضّه .. إلّا أنّ هذه المحاولة جرّتني- من حيث لا أدري- إلى التأريخ للحوزة العلميّة في
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 28
النجف عموماً خلال نصف القرن- أو يقل- الذي عاشه محمّد باقر الصدر.
وبعد رحلة طويلة نسبيّاً مع الصدر- لا أجدني الآن مهيّئاً من الناحية النفسيّة للحديث عنها وعمّا اكتنف بعض محطّاتها- تأكّد لي أنّه شكّل مفصلًا ومنعطفاً رئيساً ومهمّاً في سير الفكر والمعرفة والتصوّرات السياسيّة والاجتماعيّة خلال نصف القرن الأخير في بيئتنا التي نعيش فيها، ورسم للحوزة العلميّة في النجف الأشرف خطّاً أوشك أن يكون في كثيرٍ من معالمه غريباً عليها. وهذه القفزة التي جاد بها الصدر امتازت- أفقيّاً وعموديّاً- عن قفزات كثيرة مشكورة اتّجهت في الخط نفسه، فاستحقّت شيئاً من الوقوف عندها للتأمّل والاستزادة، الأمر الذي جعل من المفيد- إن لم نقل من الضروري- للمتحرّكين والنامين مراجعة سيرته الذاتيّة والفكريّة، من أجل إكمالها أو تصحيح ثغراتها ..
ومن هنا، فقد حاولت- وبالقدر الذي سمحت به أوقات الفراغ والعطل المتقطّعة- أن أفي السيّد الصدر (ره) بعض حقّه على هذه الأمّة وعليّ شخصيّاً، فإنّي وإن لم ألتقِ به ولم أعاصره- إذ كنتُ يوم شهادته أحرق شهري الحادي والعشرين- إلّا أنّي أعتبره المعلّم والمربّي والأستاذ، وأنا في الواقع إنما أفي رسالته بعض حقّها. ومن هذا المنطلق سعيتُ إلى إنجاز بضعة خطوات تمثّلت في الأمور التالية:
1- توثيق سيرته ومسيرة الحركة الإسلاميّة في النجف بالنحو الموجود في الكتاب، والذي كنتُ أفكّر في تقديمه أطروحةً جامعيّة، إلّا أنّي وجدتُ أنّ الفائدة التي تُرجى منه أكبر من أن تعلّق على حاجة شخصيّة، فصرفتُ النظر عمّا جال في البال، لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً. وقد شكّل هذا الكتاب نواة الفيلم الوثائقي الذي أنتجته قناة (المنار) بعنوان (شهيد العراق .. الصدر الأوّل)، وذلك بعد أن ضمّت إليه الجهود المشكورة التي بذلها الأخ أيمن زغيب في فترة زمنيّة قياسيّة، حيث أخرج الفيلم خلال أيّامٍ معدودات.
2- إكمال ما بدأه السيّد حامد علي الحسيني، الذي كان قد جمع مختلف المقالات التي نشرت سابقاً باسم السيّد الصدر (ره) وبغير اسمه، إضافةً إلى مجموعة من المحاضرات غير المنشورة التي كان قد دوّنها دون تصرّف السيّد عبد الغني الأردبيلي (ره) .. فأضفت إليها كثيراً ممّا تحصّل لديّ أثناء البحث، ثمّ قمتُ بتصحيح المجموع وتوثيق مصادره لـ (مركز الأبحاث والدراسات التخصصيّة للشهيد الصدر (قدس سره)) المنبثق عن (المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره)) الذي اختار لها عنوان (ومضات). ويفترض بهذا المجلّد أن يصدر قبل صدور هذا الكتاب.
3- التوسّط لنشر مجموعة من الدروس المتفرّقة التي كان السيّد الصدر (ره) قد ألقاها في سالف السنين، وذلك في مجلّات مختلفة، وكانت هذه الدروس قد بقيت- لأسباب عديدة- حبيسة الرفوف، وتبدأ بالظهور تباعاً بإذن الله تعالى.
4- جمع عدّة مئات من الدراسات العلميّة التي كتبت حول السيّد الصدر (ره) لنشرها في عشرة
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 29
مجلّدات. وكنتُ- قبل هذا الكتاب- قد انتهزت إحدى العطل الدراسيّة لإعداد وتحقيق مجلّدين ضمّا مجموعة من الدراسات المنطقيّة والفلسفيّة التي كتبت حول الفكر المنطقي والفلسفي للسيّد الصدر (ره)، وقد حالت بعض الظروف دون طباعتهما. وبقي الأمل في أن أوفّر بعض الوقت لإنجاز مجلّدين آخرين كنتُ قد أعددت خطّتهما ليضمّا خيرة الدراسات في حقل أصول الفقه.
وبهذه الأمور أكون قد شارفتُ على طي مرحلة من مراحل حياتي أفدتُ منها الكثير، على الرغم ممّا جرّته عليّ من إرهاق نفسي وجسدي ومادي، وما تخلّلته من لحظات الضعف الكامل والانهيار، حتّى عقدت العزم لمرّات عديدة على اعتزال العمل وإتلافه من رأس، بسبب النكسات التي كنتُ أمنى بها، ولكنّ السيّد الصدر (ره) كثيراً ما كان يتراءى لي ببسمته المعذّبة، مستمطراً ما تبقّى من عيون القلب، موشكاً أن يخاطبني بصمته الناطق معاتباً، فأمتثل وأمضي، داعياً المولى تبارك وتعالى أن يكتب لي في ما قمت به الخير، وأن يعزل عنه ما يشوبه من عيوب قد تلصق به ..
وقد شجّعني على القيام بهذه الأعمال- إضافةً إلى ما مرّ- الحاجة الماسّة التي عكسها لي العديد من الشخصيّات الثقافيّة العراقيّة حول حاجة الباحثين والدارسين في العراق إلى ما يعينهم في أطروحاتهم ودراساتهم، خاصّةً أنّ ذكر اسم محمّد باقر الصدر في العراق كان يكلّف الشخص حياته، إذ تمّ تغييبه وتغييب مدرسته في العراق تغييباً يكاد يكون مطبقاً «1»، في حين احتلّ في تونس- مثلًا- الدرجة الأولى لدى المثقّفين الإسلاميّين الذين يبحثون عن قيادة أيديولوجيّة، وقد جاء- من حيث الإقبال على قراءة كتبه- بعد القرآن الكريم «2».
وأنا في الوقت الذي أشعر فيه- بحمد الله تعالى- بالطمأنينة والغبطة لأدائي بعض الواجب، أشعر بشيءٍ من الاستياء إزاء الآثار السلبيّة التي قد تخلّفها أعمال من هذا القبيل، من قبيل الانشداد- ولو الباطني- إلى الأشخاص بما هم أشخاص، مع أنّ الرسالة لا تتوقّف عند أحد. وإذا قدّر للواحد منّا اجتياز هذه العقبة، فإنّه لن ينجح في الحؤول دون اقترانه في أذهان الناس بهذا الشخص.
__________________________________________________
(1) حتّى أنّ السيّد الصدر وأخته بنت الهدى لم يرد لهما ذكرٌ في كتاب (المنتخب من أعلام الفكر والأدب) الذي دوّنه مؤلّفه في النجف الأشرف في ظلّ حكومة البعث، وهذا يعكس مدى القمع الإعلامي الذي مورس في سبيل تغييب هذا الرجل.
(2) الحركات الإسلاميّة المعاصرة في الوطن العربي، الإسلام الاحتجاجي في تونس: 257.
|
|
|
|
|