|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:54 AM
- 1-
حول منهج الكتب
لم يكن في نيّتي عندما شرعت في تصنيف الكتاب أن أدوّن أكثر من مائة صفحة، فلم أضع خطّة عمل علميّة أستظلُّ بمعالمها، بل كانت مجموعة من الضوابط التي احتفظتُ بها في الذهن.
ولمّا أخذ العمل بالتوسّع شيئاً فشيئاً، وجدتني بحاجة إلى إرساء مجموعة من الضوابط التي ينبغي أن يسير تصنيف الكتاب على أساسها، فكنتُ أقتنص- من خلال أهم المفردات التي أواجهها
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 30
- مجموعةً من القواعد، ثمّ أحاول تطبيقها على موارد الكتاب الأخرى. ولكنّ هذه العمليّة تزامنت مع تصنيف الكتاب، ولم تسبقه ليكون التصنيف من رأس قائماً على أساسها، الأمر الذي ربّما أدّى إلى بروز بعض- أو كثيرٍ من- الاستثناءات، والتي لا يسمح لي الوقت فعلًا بتداركها.
ومن هنا، فإنّنا إذا تحدّثنا عن بعض الخصائص المتعلّقة بمنهج الكتاب، فإنّنا لا نتحدّث عن موجبات أو سالبات كليّة- بالاصطلاح المنطقي- خاصّةً أنّ هناك بعض الموارد التي تأبى طبيعتها أن تخضع للمنهج المذكور. وفي ما يلي بعض هذه المعالم:
اعتماد السرد الحولي غير الموضوعي
من المعلوم لدى متابعي نتاجات الشهيد الصدر (ره) أنّه نعى في أواخر حياته على التفسير التجزيئي للقرآن الكريم عدم وفائه بمتطلبّات الحياة، فدعا إلى اتّباع التفسير الموضوعي بوصفه خطوة متأخّرة زماناً ومتقدّمة درجةً على التفسير التجزيئي، منوّهاً في الوقت نفسه بأهميّة التفسير التجزيئي بوصفه خطوة ضروريّة لا يمكن من دونها الحديث عن تفسير موضوعي- خلافاً لما هو مرتسمٌ في ذهن الكثيرين- وهو الأمر نفسه الذي نواجهه لدى الحديث عن الدراسة التكامليّة لحياة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) بوصفها دراسة متأخّرة زماناً عن الدراسة التجزيئيّة التفصيليّة.
لسنا هنا بصدد الحديث عن نظرة الشهيد الصدر (ره) إلى تفسير القرآن الكريم أو دراسة حياة الأئمّة (عليهم السلام)، بل بصدد الإشارة إلى أنّ الدراسات الموضوعيّة- الأعمّ من القرآنيّة وغيرها- تكون بطبيعتها متأخّرة زماناً عن الدراسات التجزيئيّة، هذا بعيداً عن معنى (الموضوعيّة) التي مارسها السيّد الصدر (ره) بالذات في تفسير القرآن الكريم.
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يُصار إلى الكتابة عن سيرة الشهيد الصدر (ره) وتاريخ الحركة الإسلاميّة في زمانه بالطريقة التجزيئيّة، لتتاح الفرصة أمام الدارسين للكتابة موضوعيّاً؟!
ونحن لا نريد التعريض بالأسلوب الذي أطبق على اتّباعه من كتب حول سيرة الشهيد الصدر (ره)، والذي اتّبعناه نحن أيضاً في بعض ثنايا هذا الكتاب، وذلك لعلمنا بأنّ الدافع الذي أدّى بهم إلى الكتابة على النحو المذكور هو أنّهم افترضوا إلمام القرّاء مسبقاً بالكثير من تفاصيل حياته (ره) والظروف الذي عاش فيها، أو أنّ أوقاتهم وظروفهم لم تكن تسمح لهم بأكثر من هذا، إضافةً إلى أنّ كثيراً من الكتابات جاء تدويناً لمجموعة من الخواطر المختزنة، وأصحاب هذه المصنّفات مشكورون على أيّة حال.
وفي ما يلي نستعرض مؤاخذتين على الكتابة الموضوعيّة غير المسبوقة بكتابة تجزيئيّة:
الأولى: أنّ الاعتماد على خلفيّات القارئ في مدى اختزانه للمعلومات لا يصلح أن يكون مبرّراً كافياً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ نسبة هذا الصنف من القرّاء نسبة ضئيلة جدّاً، خاصّةً وأنّ الحقبة التي أعقبت شهادته قد شهدت تعتيماً إعلاميّاً شرساً داخل العراق على وجه الخصوص.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 31
ومن هنا رأينا أن نضيف إلى الحديث عن سيرة الشهيد الصدر (ره) الحديثَ عن المسيرة بشكل عام، لكن بالمقدار الذي يتيح للقارئ فهم واستيعاب الجوّ الاجتماعي والسياسي العام الذي تحرّك فيه، خاصّةً وأنّي على اعتقاد بأنّ قيمة ما أنجزه (ره) لا تظهر بشكل واضح إلّا إذا وضع ضمن معادلة متعدّدة الأطراف. ومن هنا فقد جاء الكتاب يحمل عنوان «1» :
محمد باقر الصدر السيرة و المسيرة في حقائق ووئائق
ولعلّنا استطردنا في سرد ما يتعلّق بتحرّكات السيّد محسن الحكيم (ره)، حتّى ربّما اشتمل الكتاب على تأريخ سيرته هو أيضاً، وقد كانت هذه النتيجة تراكميّة غير متعمّدة، وقد احتفظتُ بها لما فيها من فائدة في التأريخ لتلك المرحلة التي ربّما رغب الكثيرون في الاطّلاع عليها.
وقد عثرت على مواد نافعة تؤرّخ لتاريخ المرجعيّة بشكل عام، إلّا أنّ خروجها عن غرض الكتاب الرئيس أعفانا من إدراجها، وهي في العمدة موجودة في كتاب (اسناد انقلاب اسلامى)، أي (وثائق الثورة الإسلاميّة)، وغيره من الكتب.
الثانية: أنّ عدم الإلمام بالتفاصيل الجزئيّة يفضي إلى ارتسام صورة مشوّهة غير متكاملة في المرحلة الموضوعيّة، وهو بالضبط ما سيعاني منه التفسير الموضوعي للقرآن الكريم إذا لم تسبقه تجربة تجزيئيّة مشبعة.
وفي هذا الصدد تحلو لي الإشارة إلى ما منيت به شخصيّاً لدى اطّلاعي على مقطعٍ من الرسالة التي كان قد وجّهها السيّد أبو الحسن الإصفهاني (ره) إلى الملك فيصل الأوّل عام 1924 م، والتي جاء فيها: «.. قد أخذنا على عاتقنا عدم المداخلة في الأمور السياسيّة والاعتزال عن كلّ ما يطلبه العراقيّون، ولسنا بمسؤولين عن ذلك، وإنّما المسؤول عن مقتضيات الشعب وسياساته جلالتكم». وكنتُ قد قرأت هذا المقطع أوّل الأمر في صحيفة (الجهاد) «2»، وارتسمت في ذهني انطباعات معيّنة حول السيّد الإصفهاني (ره) وقناعاته، ولم أتساءل عن مكان وتاريخ ورود هذا المقطع، وعن نصّه الكامل، كما لم تكن لديّ معلومات كافية حول سيرة السيّد الإصفهاني (ره). وبعد ذلك قرأت في كتاب (المرجعيّة العاملة) أنّ السيّد الإصفهاني (ره) كان معارضاً لتنصيب فيصل ملكاً «3»، كما قرأت في الكتاب المذكور بعض ما يرتبط بظروف إبعاده إلى إيران، ثمّ حول ظروف عودته المشروطة بعدم التدخّل في السياسة. عندها احتملتُ أن يكون المقطع الذي كنتُ قد قرأته محكوماً لهذا الشرط، أعني شرط
__________________________________________________
(1) أمّا العنوان الفرعي: (عرض تفصيلي موثّق لسيرة الشهيد الصدر من الولادة حتّى الشهادة) ففيه بعض التسامح من جهة أنّ الكتاب يشتمل على ما يرتبط به قبل ولادته وبعد شهادته
(2) صحيفة الجهاد، العدد (363)، 24 / 10 / 1988 م، ولمّا لم يتسنَّ لي الرجوع إلى الصحيفة لدى تدوين هذا النص، نقلته عن (العلّامة العسكري بين الأصالة والتجديد: 141- 142)، نقلًا عن الصحيفة، وفيه (سياساته) بدل (سياسته)
(3) المرجعيّة العاملة: 50.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 32
عدم التدخّل في السياسة، فبدأت انطباعاتي تتبدّل؛ لأنّ القائد قد يجد المصلحة في الصمت لفترة ريثما تصبح الفرصة مناسبة للعمل. ولم يطل تفكيري، لأنّي تأكّدت من صحّة هذا الاحتمال من خلال ما قرأته في كتاب (العلّامة العسكري بين الأصالة والتجديد) «1»، وقد وجدتُ تفصيل الأمور في كتاب (حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل) الذي أورد مفصّلًا مواقف السيّد الإصفهاني (ره) من الانتخابات عام 1341 هـ، وإليك هذه المواقف الثلاثة:
« بسم الله الرحمن الرحيم نعم، قد صدر منّا تحريم الانتخابات في الوقت الحاضر، لما هو غير خفي على كلّ باد وحاضر. فمن دخل فيه أو ساعد عليه، فهو كمن حارب الله ورسوله وأولياءه صلوات الله عليهم أجمعين.
الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني«2»
»
« بسم الله الرحمن الرحيم
إلى إخواننا المسلمين! إنّ هذا الانتخاب يميت الأمّة الإسلاميّة، فمن انتخب بعد علمٍ بحرمة الانتخابات حرمت عليه زوجته وزيارته، ولا يجوز ردّ السلام عليه، ولا يدخل حمّام المسلمين. هذا ما أدّى إليه رأينا، والله العالم بالصواب.
الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني «3»
»
«إنّنا قد حكمنا سابقاً بحرمة الدخول في الانتخابات، ولم يتغيّر الحكم ولم يتبدّل، والأمر كما كان.
الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني «4»
»
وبعد نفي السيّد الإصفهاني والميرزا النائيني (ره) بتاريخ 8 / ذي القعدة / 1341 هـ إلى إيران، وغيرهما من العلماء، تمّ التوصّل إلى حلٍّ للمشكلة عبر التعهّد بعدم التدخّل في أمور السياسة، فحرّر السيّد الإصفهاني (ره) الرسالة التالية إلى الملك فيصل، قبل أن يرجع إلى العراق بتاريخ 18 / رمضان / 1342 هـ. وقد جاء في الرسالة- التي تشتمل على المقطع المذكور في أوّل الكلام- ما يلي:
« بسم الله الرحمن الرحيم حضرة جلالة ملك العراق أيّد الله ملكه وسلطانه.
بعد السلام عليكم والسؤال عن أحوالكم ورحمة الله وبركاته.
نعرض أنّ كتابكم المؤرّخ 26 رجب، المرسل مع حجّتي الإسلام جناب الشيخ جواد صاحب الجواهر وجناب ميرزا مهدي آية الله زاده دامت بركاتهما، أخذته بكمال الاحترام. وكما ذكرتموه فيه وأودعتموه في مطاويه، صار [معلوماً] لدينا، ولقد أفاد بما دار بينكم من الشؤون وبيان الأسباب الموجبة إلى تأخير حركتنا، وطلب جلالتكم المؤازرة، وكذلك المحروس السيّد باقر سركشيك قام بواجبه، وأبلغ خطاباته الشفاهيّة. هذا وإن كنّا قد أخذنا على عاتقنا عدم المداخلة في الأمور السياسيّة، والاعتزال عن كلّ ما يطلبه العراقيّون، ولسنا بمسؤولين عن ذلك، وإنّما المسؤول عن مقتضيات الشعب وسياسته جلالتكم، ولكنّ المؤازرة للملوكيّة حسبما تقتضيه الديانة الإسلاميّة، ذلك من مبدئنا الإسلامي. وأمّا ما أمرتم من توحيد الكلمة وتوطيد عرى الصداقة بين إيران والعراق، فذلك من وظائفنا الدينيّة. وحينما دخلنا إيران [لم] نزل نبذل الجهد في ذلك، وسوف تظهر نتيجة أعمالنا المبرورة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأحقر أبو الحسن الموسوي الإصفهاني
[الختم]
21 شعبان 1342» «1»
__________________________________________________
(1) العلّامة العسكري بين الأصالة والتجديد: 141
(2) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 123
(3) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 125
(4) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 128.
(1) حياة الإمام السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قدس سره) .. دراسة وتحليل: 135
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 33
ولكنّه عاد إلى ممارسة نشاطاته السياسيّة سنة 1360 هـ أثناء حركة رشيد عالي الكيلاني كما سيأتي معك بإذن الله تعالى ضمن أحداث تلك السنة.
وهناك موارد كثيرة من هذا القبيل سيقف عليها القارئ الكريم في هذا الكتاب. فالكثير من الأحداث المتداولة والمعروفة، لا يُعلم (سبب نزولها)، من قبيل الرسالة التي حرّرها السيّد الصدر (ره) متحدّثاً عن حقيقة علاقته بأستاذه «2»، فإنّ وراء (نزولها) أسباباً ستجدها إن شاء الله تعالى موثّقة بخطّ السيّد الصدر (ره) «3»، إلى غير ذلك من الأمور التي لا يتّسع المقام لسردها.
__________________________________________________
(2) انظر: موسوعة الإمام الخوئي 1: 27 (المقدّمة)
(3) انظر أحداث سنة 1396 هـ.
ملاحظة: كل ما يقوله المؤلف المحترم (انظر أحداث سنة) فهو يقصد الاحداث التي جاءت في كتابه الذي تم ترتيبه على اساس سنوات عمر السيد الشهيد قدس الله روحه الطاهرة! فتنبه.
|
|
|
|
|